فصل: باب: الغَيرَة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***


باب‏:‏ الغَيرَة

وَقالَ وَرَّادٌ، عَنِ المُغِيرَةِ‏:‏ قالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ‏:‏ لَوْ رَأَيتُ رَجُلاً مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيفِ غَيرَ مُصْفَحٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيرَةِ سَعْدٍ‏؟‏ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللّهُ أَغْيَرُ مِنِّي»‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واللَّهُ أَغْيرُ مِنِّي‏)‏ واعلم أنَّ كلَّ ما لا يكون مُطَّرِداً يفوِّضُه الشَّرْع إلى الله جَلّ ذِكْره‏.‏

5220- قوله‏:‏ ‏(‏حَرَّم الفواحِشَ‏)‏ فكما أن أحدَكم يكره الفاحِشَة في أهله، كذلك الله سبحانه يَكْرَهُها في خَلْقِه كافّة‏.‏

باب‏:‏ غَيرَةِ النِّسَاءِ وَوَجْدِهِن

باب‏:‏ ذَبِّ الرَّجُلِ عَنِ ابْنَتِهِ في الغَيرَةِ وَاْلإِنْصَاف

وله أربعةُ مصادِرَ‏:‏ وجداناً، وَوَجْداً، وموجودة، ووجوداً‏.‏ وباعتبار مصادره الأربعة تختلف معانيه، والمناسب لترجمةِ المصنّف‏:‏ وموجودتُهنّ، بمعنى الغضب، بدل‏:‏ «وجدهن»، فإِن الواجد ترجمته‏:‏ دل بهرآن وليس بمناسب ههنا‏.‏

5229- قوله‏:‏ ‏(‏بِبَيْتٍ لها في الجَنّة مِن قَصَب‏)‏، و«القصب»‏:‏ كلّ شيء له جَوْف، والمراد منه ههنا الدُّرُّ المجوّف‏.‏

باب‏:‏ يَقِلُّ الرِّجالُ وَيَكْثُرُ النِّسَاء

وَقالَ أَبُو مُوسى، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم «وَتَرَى الرَّجُلَ الوَاحِدَ، تَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً يَلُذْنَ بِهِ، مِنْ قِلةِ الرِّجَالِ، وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ»‏.‏

باب‏:‏ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلاَّ ذُو مَحْرَمٍ، وَالدُّخُولُ عَلَى المُغِيبَة

باب‏:‏ ما يَجُوزُ أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِالمَرْأَةِ عِنْدَ النَّاس

باب‏:‏ ما يُنْهى مِنْ دُخُولِ المُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ عَلَى المَرْأَة

باب‏:‏ نَظَرِ المَرْأَةِ إِلَى الحَبَشِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ غَيرِ رِيبَة

باب‏:‏ خُرُوجِ النِّسَاءِ لِحَوَائِجِهِن

باب‏:‏ اسْتِئْذَانِ المَرْأَةِ زَوْجَهَا في الخُرُوجِ إِلَى المَسْجِدِ وَغَيرِه

باب‏:‏ ما يَحِلُّ مِنَ الدُّخُولِ وَالنَّظَرِ إِلَى النِّسَاءِ في الرَّضَاع

باب‏:‏ لاَ تُبَاشِرِ المَرْأَةُ المَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا

باب‏:‏ قَوْلِ الرَّجُلِ‏:‏ لأَطُوفَنَّ اللَّيلَةَ عَلَى نِسَائِي

5231- قوله‏:‏ ‏(‏يُرْفَع العِلْم‏)‏ وعند النسائي يَكْثُر العِلْم، وهو وَهْم عندي، وإنْ كان شيخي، شيخ الهند، ذكر له تأويلاً أيضاً، وقد ذكرناه فيما مرَّ‏.‏

5231- قوله‏:‏ ‏(‏حتى يكونَ لخمسينَ امرأةً القَيِّمُ الواحِدُ‏)‏، وقد روى الحافِظُ فيه قيداً في موضع آخر، وهو قيد الصالح، ثُم غَفل عنه الحافظ عند شَرْح الحديث، ولو حضره لم يَرِد إشْكال، فإهٌّ

5235- قوله‏:‏ ‏(‏فقال المُخَنَّث‏)‏ وهو على صيغةِ اسمالفاعل أَفْصَح‏.‏

باب‏:‏ لاَ يَطْرُقْ أَهْلَهُ لَيلاً إِذَا أَطَالَ الغَيبَةَ، مَخَافَةَ أَنْ يُخَوِّنَهُمْأَوْ يَلتَمِسَ عَثَرَاتِهِم

واعلم أنَّ الشَّرع كما يكره الدّياثةَ، كذلك يكره التَّجَسُّس أيضاً، فللنهي عن التطرُّق مَحلّ، وكذا للنهي عن الدّياثةِ أيضاً مَحَلٌّ آخَر، ثُم إنه ذَكَر الحكمةَ في النهي عن التطرق بنفسه، وهي امتشاط الشَّعِثَة، واستحداد المُغِيبة‏.‏ واعلم أنَّ اللفظ في حقِّ النساء، وإن كان الاستحدادَ، لكنَّ الفقهاءَ صَرَّحوا بأن الأَوْلى فيهن استعمالُ النُّورَة‏.‏ وكأنَّ المرادَ منه، ما يقومُ مقامَ الاستحداد في حَقِّهن‏.‏

باب‏:‏ طَلَبِ الوَلَد

باب‏:‏ تَسْتَحِدُّ المُغِيبَةُ وَتَمْتَشِط

5245- قوله‏:‏ ‏(‏الكَيْسَ الكَيْسَ يا جابرُ‏)‏ يريد أن قَصْدَ قضاءِ الشهوة سَفاهةٌ، والنَّظر إلى الطَلَب الولد كَياسةٌ‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَى عَوْرتِ النّسَآء‏}‏ ‏(‏النور‏:‏ 31‏)‏

باب‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُواْ الْحُلُمَ مِنكُمْ‏}‏ ‏(‏النور‏:‏ 58‏)‏

باب‏:‏ قَوْلِ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ‏:‏ هَل أَعْرَسْتُمُ اللَّيلَةَ‏؟‏وَطَعْنِ الرَّجُلِ ابْنَتَهُ في الخَاصِرَةِ عِنْدَ العِتَاب

والمرادُ من الزينةِ الوَجْهُ والكَفّان، وفي القدمين روايتان، وأخّرت الأُخْرى للتوسعةِ على النّاس، والعورةُ عندنا داخل الصلاة وخارجَها للأقارب والأجانب كلُّها سواء، فجاز لها كَشْفُ الوَجْه أيضاً إذا لم تكن فتنةٌ‏.‏ فإِن قيل‏:‏ إنَّ هذه هي التي كانت محال الفتنةِ، وهي التي استثنيت في الشَّرْع‏.‏ أقول‏:‏ حَفِظتَ شيئاً، وغابَت عنك أشياءُ، أفلا نظرت إلى أنَّ الدنيا فيها فقراءُ الناس أيضاً، فلو أُمرت نساؤهن بستر هذه الأعضاء أيضاً ليتعطَّلن عن حوائجهنَّ‏.‏ نعم ينبغي أن يُمْعن النَّظر في وجه اختيار عنوان إبداء الزينة، فإِنَّ الأجانبَ ليسوا لمحالّ لإِبداء الزينة، والظاهر أن يكون العنوان هكذا‏:‏ ولا يبدين كَفّهن وأرجلَهن‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

فالجوابُ أنَّ سِياق القرآنِ كان في حقِّ البُعول، وذِكْر الزينة في حَقِّهن لَطِيفٌ، وكذا في حقِّ المحارم، فمحطُّه جوازُ كَشْف هذه المواضع أمام بَعْلها، لا جواز كَشْفها أمام الأجانب أيضاً، فإِنَّ كَشْفها وإنْ كان جائزاً عند الأجانب أيضاً، لكنه مما لم يَقْصده القرآنُ، نعم لو قصده لم يناسب العنوان المذكور‏.‏ ولَمَا كان القرآنُ بصددِ بيانِ ما يليقُ كَشْفه عند بَعْله، أَخَذ العنوان المذكور، ولا رَيْب أنه مناسِب له جداً، فلما جاز كَشْفُ الزينة للبَعْل دَخَل أَهْلُ البيت تَبَعاً‏.‏

5249- قوله‏:‏ ‏(‏ثم ارتَفَع هو، وبِلال‏)‏ أي ذهب‏.‏

كتاب‏:‏ الطلاق

وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يأيُّهَا النَّبِىُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النّسَآء فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُواْ الْعِدَّةَ‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 1‏)‏

‏{‏أَحْصَيْنَهُ‏}‏ ‏(‏يس‏:‏ 12‏)‏‏:‏ حَفِظْنَاهُ وَعَدَدْنَاهُ‏.‏ وَطَلاَقُ السُّنَّةِ‏:‏ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَاهِراً مِنْ غَيرِ جِمَاعٍ، وَيُشْهِدَ شَاهِدَينِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏فَطَلّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ‏}‏‏)‏ لا شَكَّ أن الظاهر فيه أنَّ اللام للوَقْت، فتكون العِدّة بالأطهار فصار التبادُر إلى الشافعية‏.‏ إلاَّ أنَّ السَّرَخْسي قال‏:‏ العِدّة عدتان‏:‏ عِدّة الرِّجال، وهي عِدّة التطليق، أي أن يطلقها الرَّجُل في طُهْر خالٍ عن الجماع‏.‏ فهذه مما يجبُ على الرّجل تَعاهُدُها؛ والثانية‏:‏ عِدّة النِّساء، وتلك بالحِيض، ولذا عَبّر عنها القرآن بالقُروء حين خاطب النساء، ولما تَوجَّه إلى الرجال، وذكر تطليقَهم الذي هو فَعْلهم، قال‏:‏ لِعِدَّتِهنّ، فظهر تعدُّدُ العِدّتَين من اختلاف السياقين، إلاَّ أنَّ عدّة الرِّجال لما لم تُذْكر في عامة كُتُب الفِقْه تبادَر الذِّهن إلى العِدّة المعروفة، وهي عِدّة النِّساء، فلا علينا أن نَحْملها على عِدّة الرجال بعد ما تعرّض إليها القرآن‏.‏ وقد أقرّ ابنُ القَيّم بقوةِ مذهب الإِمام الأعظم، وقال‏:‏ إنَّ أحمد أيضاً مالَ إليه بآخِره‏.‏

باب‏:‏ إِذَا طُلِّقَتِ الحَائِضُ يُعْتَدُّ بِذلِكَ الطَّلاَق

وهذه هي المسألةُ التي أنكرها ابنُ تيمية‏.‏ فإِنه قال‏:‏ إنه لا يُعتدّ بالطلاق في حال الحَيْض، مع أن ابنَ عُمر الذي هو صاحب تلك الواقعة أقرّ باعتدادها‏.‏ وتأوّل ابنُ تيمية قوله‏:‏ فَمَه، أنه بمعنى كفّ، يعني هت‏.‏ وقوله‏:‏ «إنْ عَجَز واستَحْمق»، بأنَّ الشَّرع لا يتغيّر بتغييره، وإذا كان حُكْم الشَّرْع فيه أنّ الطلاق في الحَيْض لا يُعْتبر، فهل يمكن تغييرُه، واعتبارُه بتطليقه، وحَمَقِه‏؟‏ وقال الجمهور‏:‏ إنّ «ما» استفهامية، ومعناه ما المانع من احتسابه‏؟‏ وهل تُهدر أحكامُ الشَّرع بعجزه وحَمَقه‏؟‏ بل يعتبر بطلاقِه قَطْعاً، فعكس ابنُ تيميةَ مرادَه إلى ما رأيت، قلتُ‏:‏ وإذا تأوّل ابنُ تيميةَ في هذه الألفاظ، فماذا ينصع في قوله‏:‏ «حسبت عليّ بتطليقة‏؟‏ فإِنه صريحٌ في عِبْرتها، إلاّ أنه من طريقِه أنه إذا مَرّ بلفظ لا يُسوّغ فيه تأويله، يُغْمض عنه‏.‏

باب‏:‏ مَنْ طَلَّقَ، وَهَل يُوَاجِهُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ بِالطَّلاَق

5254- قوله‏:‏ ‏(‏أعوذ باللَّهِ منك‏)‏ وإنما قالت ما قالت، لأَنّها لم تعرف أنّ هذا هو النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ثم ما زالت تقول‏:‏ إني كنتُ شقية، ونُقل أنها ماتت فاتِرة العَقْل‏:‏

5255- قوله‏:‏ ‏(‏رازِقيَّتَيْن‏)‏ نوعٌ من الثياب أعطاها متعةً‏.‏

فائدة‏:‏

واعلم أنَّ رافضياً من الروافض طَبع رسالةً، ذكر فيها إيراداتٍ على الإِسلام، فَعدَّ منها هذا الحديثَ، وقِصّة زيد بن عَمرو بن نُفَيل، وقد ذكرناها مع جوابها من قبل‏.‏

5255- قوله‏:‏ ‏(‏في بيتِ أُمَيْمةَ بِنْتِ النُّعْمان بنِ شَرَاحِيل‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ جعلها الراوي بِنْت شَرَاحيل، ويَخْتَلُّ به النسب، فراجع البحث في «فتح الباري»‏.‏

باب‏:‏ مَنْ أَجازَ طَلاَقَ الثَّلاَث

لِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الطَّلَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَنٍ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 229‏)‏‏.‏ وَقالَ ابْنُ الزُّبَيرِ في مَرِيضٍ طَلَّقَ‏:‏ لاَ أَرَى أَنْ تَرِثَ مَبْتُوتَتُهُ‏.‏ وَقالَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ تَرِثُهُ، وَقالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ‏:‏ تَزَوَّجُ إِذَا انْقَضَتِ العِدَّةُ‏؟‏ قالَ‏:‏ نَعَمْ، قالَ‏:‏ أَرَأَيتَ إِنْ ماتَ الزَّوجُ الآخَرُ‏؟‏ فَرَجَعَ عَنْ ذلِكَ‏.‏

واعلم أنَّ الطلاق البِدعي ينقسم عندنا إلى قسمين‏:‏ بِدعي من حيثُ الوقتُ، وهو في زمان الحَيْض، وبِدَعي من حيثُ العددُ‏.‏ وأما عند الشافعيِّ فلا بِدعي عنده مِن حيثُ العددُ، فلا يكونُ الجَمْع بين الطلاقاتِ الثلاث بِدعةً عنده، وإليه مال المصنّف، خلافاً للجُمهور‏.‏ وقال داود الظاهري‏:‏ إن جَمْعها في لفظ يقع واحداً أيضاً، وهذا الذي ذهب إليه ابنُ تيميةَ‏.‏ واختاره غيرُ المقلِّدين أيضاً، وتمسّك البُخاري بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الطَّلَقُ مَرَّتَانِ‏}‏ وَوَجْه الاستدلالِ منه ذكره المُحشِّي‏.‏

قلتُ‏:‏ الآية حُجّة عليه لا له، فإِنه ليس معنى قوله‏:‏ ‏{‏مَرَّتَانِ‏}‏ اثنتين، بل معناه مَرّة بعد مرة‏.‏ وذلك لأنَّ التثنيةَ على نحوين‏:‏ الأول‏:‏ نحو زيدان تثنية لِزَيد، والثاني تثنية ما فيه تاء الواحدة، ويُسمّى تثنيةَ التكرير، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فارجِع البَصَر كَرَّتَين‏}‏ وكالمرةِ والمَرَّتان، ومعناه مَرّة بعد مرة، فحصل فيه معنى التثنية مع مراعاةِ الوحدة، كذا فَهِمه الزَّمخشريّ‏.‏

ومن ههنا زال الإِشكال المشهور، أن التاء في المرة للوحدة، فكيف بتاء التثنية منها‏؟‏ والجواب أنها بمعنى التكرير‏.‏ وإذَن دَلّت الآيةُ على التفريق، لا على الاجتماع الذي هو مقصودُ المصنِّف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ‏}‏‏)‏ أي الرَّجْعة عنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَنٍ‏}‏‏)‏ وهو تَرْك الرَّجْعة، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، طلاقٌ ثالِثٌ عندنا‏.‏ ومُحصَّل الآيةِ أن الله سبحانه ذَكَر أولا طَلْقتين، وحُكُمهما، فذَكَر أنه واحد بعد واحد، وأنهما يَعْقُبهما الرَّجعة، وأنهما قد يكونان بمال، وقد يكونان بغير مال، وسمى الطلاق بالمال خُلْعاً‏.‏ ولما فَرَغ من بيان أحكامِهما، شَرَع في ذِكْر الثالث، وقال‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا‏}‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فتلك لا رجعة بعدها، هذا ما عندنا‏.‏

وقال الشافعيُّ‏:‏ إنَّ الطلاقَ الثالثَ هو قوله‏:‏ ‏{‏أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَنٍ‏}‏‏.‏ فالمراد منه عنده الطلاقُ‏.‏ ويؤيِّدُه ما عند أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلّم سُئل عن الثَّالثِ، فقال‏:‏ إنّه تسريحٌ بإِحسان‏.‏ قلتُ‏:‏ وفي إسناده لين، على أَنّي قد جَرّبت من صنع الحنفية مع القرآنِ أنهم يُعطون أوّلاً حَقّ سياق النّظم، فإن التأَمَ الحديثُ به فيها، وإلاّ يُؤوّلون في الحديث‏.‏ ولما أوجب سياقُ النَّظْم ههنا أن يكون التسريحُ بإِحسان عبارةً عن تَرْك الرَّجْعة، قالوا به‏.‏ فإِنَّ القرآن بصددِ بيانِ أحكام الطَّلْقتين، وهي أن المرءَ يتخيّر بعدهما بين الرَّجعة وتَرْكها، فذكرها، وهذه هو اللغة في التسريح بإِحسان، وهو الذي أراده القرآن في غيرِ واحدٍ من المواضع، فقال‏:‏ ‏{‏فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ‏}‏وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً ‏(‏الأَحزاب‏:‏ 28‏)‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً‏}‏ ‏(‏الأَحزاب‏:‏ 49‏)‏ ولم يُرِد به طلاقاً ثالثاً في موضع، فلا علينا أن لا نحمله على الطلاق في هذه الآية أيضاً‏.‏

بقي تأويلُ الحديث، فلنا أن نَقُولَ‏:‏ معناه إنَّ الطلاق الثالث يجتمع مع التسريح أيضاً، لا أنه عَيْنُه، فَإِنَّ تَرْك الرجوعِ قد يُجامِعُه التطليق أيضاً؛ وبالجملة مدلولُه اللغوي ليس إلا تَرْكُ الرجوع، نعم ذلك قد يجتمع مع التطليقِ أيضاً؛ فالطلاق ليس بمقصودٍ منه وإنْ جامعه، وإنما ذكره من قوله‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا‏}‏ وإلا يلزم أن يكون قوله‏:‏ ‏{‏فَإِن طَلَّقَهَا‏}‏ رابِعاً، كما قَرّره الأُصُوليون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابنُ الزُّبير في مريض طلق‏:‏ لا أرى أن تَرِث مَبْتُوتتُه‏)‏ ولها الإِرث عندنا في الرَّجعي، وما ذكره ابنُ الزّبير لا هو يخالفنا ولا يوافِقنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الشَّعبي‏:‏ ترثه‏)‏ وهو تابعي جليلُ القَدْر، يقول‏:‏ إنَّ زوجة الفارّ تَرِث بكلِّ حالٍ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال ابن شُبْرُمة‏:‏ تتزوج إذا انقضت العِدّة‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ إنْ مات الزوجُ الآخر، فرجع عن ذلك‏)‏ وحاصلُ إيرادِ ابن شُبرُمة أنه يلزم على هذا التقدير أن ترث مِن زَوْجين معاً، فيما إذا طَلّق المريضُ وانقضت العِدّة، ثُم تزوّجت زَوْجاً آخَر، ثُم مات الزَّوجُ الأَوّل والآخر في يومٍ واحد‏.‏ فرجع الشَّعبي عن فَتواه، وقال‏:‏ تَرِثه ما دامت في العِدّة، لا بعدها‏.‏

5259- قوله‏:‏ ‏(‏فطلَّقها ثَلاثاً‏)‏ واستدل منه البخاريُّ على أنه جَمَع بينها في اللّفظ، ولم يُنْكر عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم فدلّ على عدم كونها بِدْعة؛ قلتُ‏:‏ أوّلاً‏:‏ فبأن التطابُقَ بين الحكايةِ والمَحْكي عنه في الصّفة أيضاً ليس بضروري، يمكن أن يكون طَلّقها في الخارج متفرِّقاً، وعبر عنه الراوي ثلاثاً، أخذاً بالحاصل، ولا بُعْد فيه‏.‏ ولأنها لما وَقعت الفُرْقة بنفس اللِّعان- كما هو مذهبُ الشافعي- لم يصادف تطليقُه إياها محلَّه، فكان هَدْراً، فلم يعبأ بها‏.‏ وإذَن لا تقرير فيه أيضاً، فإِنه لو صادف مَحلّه، ثُم سكت عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم لكان تقريراً منه، وأما إذا كان فِعْلُه عَبثاً، وتطليقه كالعَدم، فأغمض عنه، وأما ثالثاً‏:‏ فبأن الفُرقة وإن لم تقع عندنا بنفس اللعان، لكنها قد استحقّتها، وعلى شرف منها، ومعلومٌ أنها لا سبيلَ لها إليه بعد اللِّعان، ففي مِثْله يجوز تطليقُه ثلاثاً عندنا أيضاً، لأنه إذا انقطع احتمالُ العَوْد، ولم تبق مَظِنّة الرجوع، فلا بدعة في تطلِيقِها ثلاثاً‏.‏ واستنبطت ذلك مما رُوي عن محمد أنّ الخُلْع في الحَيْض جائز، مع كونِ الخُلْع طلاقاً بائناً، وهو بِدْعة، ولا سيما في الحَيْض، فإِذا جاز البائن في الحَيْض عند تحتم عدم الرجوع، جاز الثلاثُ أيضاً بجامع يأسِ الرَّجعة فيهما، فلا فَرْق، إلاّ أن هذا بائنٌ خفيفاً، وذلك غليظاً، وليس بفارق‏.‏ وقد ذكرناه من قبل مَرّتين، ففكر فيه‏.‏

باب‏:‏ مَنْ خَيَّرَ نِسَاءَه

وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُل لاْزْوجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَوةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنَّ وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً‏}‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 28‏)‏‏.‏

وللاختيار عندنا أَحْكامٌ، ذكرها الفُقهاء في فصل مُستقلّ، وذهب بعضُ السّلف أن في اختيارها الزوج أيضاً طلاقاً، وليس مَذْهباً للجُمْهور‏.‏

باب‏:‏ إِذَا قالَ‏:‏ فارَقْتُكِ، أَوْ سَرَّحْتُكِ، أَوِ الخَلِيَّةُ، أَوِ البَرِيَّةُ،

أَوْ ما عُنِيَ بِهِ الطَّلاَقُ، فَهُوَ عَلَى نِيَّتِهِ

قَوْلُ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً‏}‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 49‏)‏‏.‏ وَقالَ‏:‏ ‏{‏وَأُسَرّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً‏}‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 28‏)‏‏.‏ وَقالَ‏:‏ ‏{‏فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَنٍ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 229‏)‏‏.‏ وَقالَ‏:‏ ‏{‏أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 2‏)‏‏.‏ وَقالَتْ عائِشَةُ‏:‏ قَدْ عَلِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم أَنَّ أَبَوَيَّ لَمْ يَكُونَا يَأْمُرَانِي بِفِرَاقِهِ‏.‏

شَرَع في الكنايات، وهي عندنا بوائنُ، وعند الشافعية رواجِعُ، وذلك لأنهم أخذوها كناياتٍ على مصطلح علماء البيان، فيكون العامل لَفْظُ التطليق، ولا يقع منه إلاَّ رجعياً، وهي عندنا كناياتٌ على اصطلاح الأصوليين، أي باعتبار استتار المراد، فالعوامل فيها ألفاظها، وهي ألفاظ البينونة، فقلنا بموجباتها، وقد قررناها من قبل‏.‏ وراجع «شَرْح الوقاية»، فإِنه جعلها على ثلاثة أقسام‏.‏

باب‏:‏ مَنْ قالَ لاِمْرَأَتِهِ‏:‏ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَام

وَقالَ الحَسَنُ‏:‏ نِيَّتُهُ‏.‏ وَقالَ أَهْلُ العِلمِ‏:‏ إِذَا طَلَّقَ ثَلاَثاً فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيهِ، فَسَمَّوْهُ حَرَاماً بِالطَّلاَقِ وَالفِرَاقِ، وَلَيسَ هذا كالَّذِي يُحَرِّمُ الطَّعَامَ، لأَنَّهُ لاَ يُقَالُ لِطَعَامِ الحِلِّ حَرَامٌ، وَيُقَالُ لِلمُطَلَّقَةِ حَرَامٌ‏.‏ وَقَالَ في الطَّلاَقِ ثَلاَثاً‏:‏ لاَ تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيرَهُ‏.‏

قد ذكرنا أَنَّ لَفْظ الحرام مُؤثِّر في النساء عندنا، وعند غيرنا، أما في غير النِّساء، كالطعام، والشراب، فيؤثر فيه أيضاً عندنا، بخلاف الشافعي، فإِنه لا أثرَ له في غير ما عنده‏.‏ وتفرّد ابنُ عباس، حيث أنكر تأثيرَه في النساء وغيرها سواء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ نَيّته‏)‏ أي ما نوى يميناً، أو طلاقاً، أو ظهاراً، وهو أصلُ مذهبنا وإن أفتى المتأخرون بكونِه طلاقاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أهلُ العِلم‏:‏ إذا طَلَّق ثلاثاً‏)‏، فقد حَرُمت عليه، فَسمّوه حراماً، أي إذا أطلقوا لَفْظ الحرام في الطلقاتِ الثلاث، فلو قال أحدٌ لَفْظ الحرام بعينه، ينبغي أن يكونَ مُؤثِّراً أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليس هذا كالذي يحرم الطَّعام‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وافق فيه الشافعي، ولم يجعل له في غير النساء حُكْماً، واستدل عليه بأن الشَّرْع لم يضع لتحريمِ الطعام باباً، بخلاف تحريم النساء‏.‏

5264- قوله‏:‏ ‏(‏كان ابنُ عُمرَ إذا سُئل عَمَّن طَلَّق ثلاثاً، قال‏:‏ لو طَلَّقت مَرّةً، أو مَرّتين‏)‏ وفي الخارج أنه كان يقول له‏:‏ عصيت ربك، ووجه مناسبته مما قبله بينه المُحَشِّي‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏لِمَ تُحَرّمُ مَآ أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ‏}‏ ‏(‏التحريم‏:‏ 1‏)‏

5266- قوله‏:‏ ‏(‏إذا حَرَّم امرأته ليس بشيءٍ‏)‏ وذلك مِن تَفَرُّد ابنِ عَبّاس‏.‏

5267- قوله‏:‏ ‏(‏فتواصيتُ أنا، وحَفْصة‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قد أصاب الراوي ههنا في بيان الحزب تولى فإِنّ حَفْصةَ كانت في حِزْب عائشة، وقد كان أخطأ فيه مَرّة، وكذا جعل قِصّة العسل ههنا في بيت زينب، وهو الصوابُ، وكان جَعَلها أَوّلاً في بيتِ حَفْصَة، وهو خطأ‏.‏

باب‏:‏ لاَ طَلاَقَ قَبْلَ النِّكاح

وَقَوْلُ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتّعُوهُنَّ وَسَرّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً‏}‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 49‏)‏‏.‏ وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ جَعَلَ اللّهُ الطَّلاَقَ بَعْدَ النِّكاحِ‏.‏ وَيُرْوَى في ذلِكَ عَنْ عَلِيَ وَسَعِيدِ بْنِ المُسَيَّبِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيرِ، وَأَبِي بَكْربْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، وَعُبَيدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمانَ، وَعَلِيِّ بْنِ حُسَينٍ، وَشُرَيحٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيرٍ، وَالقاسِمِ وَسَالِمٍ وَطَاوُسٍ، وَالحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ، وَعَطَاءٍ، وَعَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، وَجابِرِ بْنِ زَيدٍ، وَنَافِعِ بْنِ جُبَيرٍ، وَمُحمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَسُلَيمانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَاْلقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، وَعَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، وَالشَّعْبِيِّ‏:‏ أَنَّهَا لاَ تَطْلُقُ‏.‏

باب‏:‏ إِذَا قالَ لامْرَأَتِهِ وَهُوَ مُكْرَهٌ‏:‏ هذهِ أُخْتِي، فَلاَ شَيءَ عَلَيه

قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «قالَ إِبْرَاهِيمُ لِسَارَةَ‏:‏ هذهِ أُخْتِي، وَذلِكَ في ذَاتِ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ»‏.‏

وهو المسألةُ عندنا، إلاَّ إذا أضافه إلى المِلْك، أو سببه‏.‏ وعند الشافعية لا تأثير للتعليق مطلقاً، سواء أضافه إلى المِلك، أو إلى سببه، فلا طلاق ولا تعليق عندهم إلاَّ بعد تحقُّق النكاح، والأَصْل فيه أنَّ الحنفية نظروا إلى تناسبٍ بين الشرط والجزاء، فإِذا وجدوهما متناسِبَين، قالوا بتأثير التعليق، وإلاَّ فلا‏.‏ وإذ لا تَناسُب في قوله‏:‏ إن دخلتِ الدَّار، فأنت طالق للأَجنبية، فإِنه لا حَقّ له عليها تَنْجِيزاً، أو تعليقاً قالوا ببطلانه، بخلاف ما إذا أضاف طلاقها إلى زمانٍ صَلَح للطلاق، كالنِّكاح، وهذا كما قالوا في الكَفالة‏:‏ إنَّ تعليقها بنحو‏:‏ إنْ هَبّت الريح، مهمل، بخلاف إن ركب عليك دَيْن، فإِنه معتبر‏.‏

وقد جمع البخاريُّ ههنا من السَّلف أسماءً كثيرة، والسبب في ذلك أنه وقع مِثْله في زمن ابن عبد الملك، فاستفتى علماءَ زمانه، فاجتمعت عنده فُتياهم على عدم تأثيره، فنقلها البخاريُّ، ومَنْ أراد أن يجمع أسامي الذين أجابوا على وَفْق مذهب الحنفية، فليراجع «الجَوْهر النَّقي»، و«الزَّيلعي»، و«العيني»‏.‏

قلتُ‏:‏ ولنا ما عن عمر عند مالك في «موطئه»، وهو وإنْ كان في الظِّهار، لكن إذا صحَّ الظهار في الأجنبية، فلا وَجْه أن لا يصحَّ تعليقُ الطلاقِ فيها‏.‏

باب‏:‏ الطَّلاَقِ في الإِغْلاَقِ، والمُكْرَهِ، وَالسَّكْرَانِ وَالمَجْنُونِ وَأَمْرِهِمِا،وَالغَلَطِ وَالنِّسْيَانِ في الطَّلاَقِ وَالشّرْكِ وَغَيرِه

لِقَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «اْلأَعْمَالُ بِالنّيةِ، وَلِكُلِّ امْرِىءٍ ما نَوَى»‏.‏ وَتَلاَ الشَّعْبِيُّ‏:‏ ‏{‏لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَا‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 286‏)‏، وَما لاَ يَجُوزُ مِنْ إِقْرَارِ المُوَسْوِسِ‏.‏ وَقالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم لِلَّذِي أَقَرَّ عَلَى نَفسِهِ‏:‏ «أَبِكَ جُنُونٌ‏؟‏» وَقالَ عَلِيٌّ‏:‏ بَقَرَ حَمْزَةُ خَوَاصِرَ شَارِفَيَّ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم يَلومُ حَمْزَةَ، فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةٌ عَينَاهُ، ثُمَّ قالَ حَمْزَةُ‏:‏ هَل أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي، فَعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ، فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ‏.‏ وَقالَ عُثْمانُ‏:‏ لَيسَ لِمَجْنُونٍ وَلاَ لِسَكْرَانَ طَلاقٌ‏.‏ وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ طَلاَقُ السَّكْرَانِ وَالمُسْتكْرَهِ لَيسَ بِجَائِزٍ‏.‏ وَقالَ عُقْبَةُ بْنُ عامِرٍ‏:‏ لاَ يَجُوزُ طَلاَقُ المُوَسْوِسِ‏.‏ وَقالَ عَطَاءٌ‏:‏ إِذَا بَدَأَ بِالطَّلاَقِ فَلَهُ شَرْطُهُ‏.‏ وَقالَ نَافعٌ‏:‏ طَلَّق رَجُلٌ امْرَأَتَهُ البتَّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيسَ بِشَيءٍ‏.‏ وَقالَ الزُّهْرِيُّ فِيمَنْ قالَ‏:‏ إِنْ لَمْ أَفعَل كَذَا وَكَذَا فَامْرأَتِي طَالِقٌ ثَلاَثاً، يُسْئَلُ عَمَّا قالَ وَعَقَدَ عَلَيهِ قَلبُهُ حِينَ حَلَفَ بِتِلك اليَمِينِ‏؟‏ فَإِنْ سَمَّى أَجَلاً أَرَادَهُ وَعَقَدَ عَلَيهِ قَلبُهُ حِينَ حَلَفَ، جُعِلَ ذلِكَ في دِينِهِ وَأَمانَتِهِ‏.‏ وَقالَ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ إِنْ قالَ‏:‏ لاَ حاجَةَ لِي فِيكِ، نِيَّتُهُ، وَطَلاَقُ كُلِّ قَوْمٍ بِلِسَانِهِمْ‏.‏ وَقالَ قَتَادَةُ‏:‏ إِذَا قالَ‏:‏ إِذَا حَمَلتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلاَثاً، يَغْشَاهَا عِنْدَ كُلَّ طُهْرٍ مَرَّةً، فَإِنِ اسْتَبَانَ حَملُهَا فَقَدْ بَانَتْ‏.‏ وَقال الحَسَنُ‏:‏

إِذَا قال‏:‏ الحَقي بِأَهْلِكِ، نِيَّتُهُ‏.‏ وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ الطَّلاقُ عَنْ وَطَرٍ، وَالعَتَاقُ ما أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللّهِ‏.‏ وَقالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ إِنْ قالَ‏:‏ ما أَنْتِ بِامْرَأَتِي، نِيَّتُهُ، وَإِنْ نَوَى طَلاَقاً فَهُوَ ما نَوَى‏.‏ وَقالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَلَمْ تَعلَمْ أَنَّ القَلَمَ رُفعَ عَنْ ثَلاَثَةٍ‏:‏ عَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يُدْرِكَ، وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيقِظَ‏.‏ وَقالَ عَليٌّ‏:‏ وَكُلُّ الطَّلاَق جائِزٌ، إِلاَّ طَلاَقَ المَعْتُوهِ‏.‏

والإِغلاق لفظ حديث ابن ماجه، واختُلف في شَرْحه، قيل‏:‏ هو الإِكراه، وقيل‏:‏ الجنون، والمتبادِر من لفظه هو الأَوّل، والأكثرون في طلاق المُكْره، إلى أنه لا يقع، ويقع عندنا‏.‏ ومَرّ عليه السُّهيلي في «الروض الأُنف» وصرح أنَّ الوَجْه الفِقْهي يؤيِّدُه، وقَوّى مذهب الحنفية‏.‏

قلتُ‏:‏ وقد رَخّص الحنفية بالتوريةِ، فاعتبروا توريتَه ديانةً وقضاءً، فقد أخرجوا له سبيلاً، إلاَّ أنه إذا عجز واستحمق هو، ولم يعمل بما رُخِّص به، فكيف لا نعتبرُ بطلاقه‏؟‏ وراجع «شرح الوِقاية»‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏السَّكْران‏)‏ نشه والا، وليست ترجمته بيوش، ولنا في السُّكر من الحَرَام قولان، فإِن كان من الحلالِ لا يقعُ طلاقُه، قولاً واحداً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والغَلَط‏)‏ وهو الخطأ، أي أراد أن يسبِّح اللَّهَ، فسبق على لسانه ذِكْر الطلاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والنسيان‏)‏ واستُشكلت على بَعْضهم صورةُ النِّسيان، وذَكَر له في «البحر» صوراً، نحو أن يقول‏:‏ إن أجزتُ لك أن تذهبي إلى بيتِ فُلان، فأنت طالق، فنسي وأجاز‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والشِّرك‏)‏ وإنما أضافه لكونه لفظاً قرآنياً، إلا أنه مُقيّد بكونِ قلبه مطمئناً بالإِيمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الأعمال بالنية‏)‏ وقد علمت أنَّ الحديث في بيان أن نوعَ الأعمال من تَنَوُّع النيات، فإِيراده ههنا في غير موضعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتلا الشَّعبي‏:‏ ‏{‏لا تؤاخِذْنا إنْ نسينا أو أخطأنا‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، ولذا سبق مني أنَّ النِّسيان والخطأ اعتُبر في الشَّرْع عُذْراً، أزيدُ مما اعتبره الحنفيةُ في فِقْههم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والمُوَسوس‏)‏ المَجْنُون، أو المَعْتوه، والعَتْه أخفُّ من الجنون، وضَبْطُه مُشْكِل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أَبِك جُنونٌ‏)‏ فدلّ على أن الجُنون مُسْقِط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا بدأ بالطلاقِ فله شَرْطُه‏)‏ يعني لا فَرْق بين تقديمِ الشَّرط وتأخِيره، ولا تناسب له في سلسلة المسائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يُسْأل عَمّا قال‏)‏ يعني ما أراد مِن قوله‏:‏ كذا وكذا‏.‏ وفي الكنز أن في قوله‏:‏ لا آكُل طعاماً بلفظ عام قولان‏:‏ قيل‏:‏ لا يُعتبر فيه الخُصوص، وقال الخَصّاف‏:‏ يُعتبر ديانةً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإِنْ سَمّى أَجَلاً‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ والنيةُ عندنا تَعْمل في الملفوظ فقط، فهذا مخالِفٌ لنا، لأن بيانَ الأَجَل تقييدٌ لا تخصيص‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جُعِل ذلك في دِينِه‏)‏ هذا هو الدِّيانة التي تُقابل القضاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا حاجةَ لي فيك‏)‏ ولا يقع منه الطلاق عندنا وإنْ نواه، وَوَجْهه في البحر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ الطلاق عن وَطَر‏)‏ أي يكون بحاجةٍ، ولا يكون بلا وَجْه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعَتاق ما أُريد به وَجْههُ ا‏)‏ فلو قال‏:‏ أنت حُرُّ للشيطان، عَتَق عندنا، أما قوله‏:‏ للشيطان، فلغوٌ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عليّ‏:‏ ألم تعلم‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وهي القِصّة التي قال فيها عمرُ‏:‏ لولا عليٌّ لهلك عمرُ، وتفصيل القصة‏:‏ أنَّ عمرَ أمَر برجمِ امرأةٍ، فاستقبلها عليٌّ، فأخذها، وذهب بها إلى عمرَ، وقال‏:‏ ألم تعلم‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ قلتُ‏:‏ والوَجْهُ عندي أن عمرَ لم يُدْرك جنونَها، وإلا فالرَّجْم على المجنونةِ بديهي البطلان، وذلك لأن في الرواية أنه لما أَمَر برجمِها كانت تَضْحك‏.‏ فقال عليٌّ‏:‏ لعلّ في عقلها فُتوراً‏.‏ ولا تحزن باختلاف الرواة، بأنه كان في الرواية الأولى؛ أنّ علياً استقبلها، ثم ذهب بها إلى عمرَ، وفي رواية أخرى‏:‏ أنه كان قاعداً عنده وَقْت القضاء، ورآها ضاحِكةً، فإِن ذلك معروفٌ فيما بينهم، وعليك بالقَدْر المشترك‏.‏

5269 قوله‏:‏ ‏(‏إذا طَلَّق في نفسه، فليس بشيء‏)‏ وهو مَذْهبنا، بل كلُّ شيء يتلفظ به لا يتعلق بتصوره في ذِهْنه، حُكمٌ عندنا، ما لم تسمعه أذناه، كالقراءة في الصلاة‏.‏

12 بابُ الخُلعِ وَكَيفَ الطَّلاَقُ فِيهِ

وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيتُمُوهُنَّ شَيئاً إلا أَنْ يَخَافَا أَنْ لا يُقِيمَا حُدُودَ ا‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 229‏)‏، وَأَجازَ عُمَرُ الخُلعَ دُونَ السُّلطَانِ‏.‏ وَأَجازَ عُثْمانُ الخُلعَ دُونَ عِقَاصِ رَأْسِهَا‏.‏ وَقالَ طَاوُسٌ‏:‏ ‏{‏إِلاَّ أَن يَخَافَآ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 229‏)‏ فِيما افتَرَضَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ في العِشْرَةِ وَالصُّحْبَةِ، وَلَمْ يَقُل قَوْلَ السُّفَهَاءِ‏:‏ لاَ يَحِلُّ حَتَّى تَقُولَ لاَ أَغْتَسِلُ لَكَ مِنْ جَنَابَةٍ‏.‏

لعله أشار إلى الخِلاف في الخُلْع، أنه طلاقٌ بائن، أو فَسْخ، كما هو روايةٌ عند الشافعية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أجاز عمرُ الخُلْع دون السلطان‏)‏ يعني أنَّ الخُلْع يحتاجُ إلى القضاءِ أَو لا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأجاز عثمانُ الخُلع دون عِقَاص رأسها‏)‏ أي لو خالعه بما خالعه بمالها كلَّه، حتى أنه لم يبق لها غيرُ عِقَاصها، جاز أيضاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يقل قَوْل السفهاء‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، هذا من مقولةِ المُصنِّف، يعني أن طاوساً أجاز الخُلْع عند إقامةِ حدود الله، ولم يقل كما قال بعضُ السفهاء‏:‏ إنه لا يجوز له الخُلْع حتى تقولَ المرأةُ‏:‏ لا أغتسل لك من جنابةٍ، فحينئذ تكون ناشِزةً، ويجوز الخُلْع‏.‏

5273- قوله‏:‏ ‏(‏ثابت بن قَيْس ما أعتب عليه‏)‏ وكانت تحته بِنْتُ أُبَي، وكانت جميلةً، وكان ثابتٌ أدم قصيراً‏.‏

5273- قوله‏:‏ ‏(‏وطَلِّقها تطليقةً‏)‏ والظاهر أنه مِن صريح لَفْظ الطلاق، وليس بلفظِ الخُلْع، إلا أن الطلاقَ بالمال، والخلع كلاهما طلاقٌ بائن‏.‏

باب‏:‏ الشِّقَاقِ وَهَل يُشِيرُ بِالخُلعِ عَنْدَ الضَّرُورَة

وَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مّنْ أَهْلِهِ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏خَبِيراً‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 35‏)‏‏.‏

في فِقْه المالكية‏:‏ أنَّ للحَكَمين خياراً بالتفريق، فإِذا فَرّقا، فلا خِيار للزوجين، وهو حيلةٌ لمن فُقِد أزواجُهن، وتركهن كالمعلقة‏.‏ وإنما للحَكَمين عندنا المكالمةُ في الصّلح وغيره فقط، قلتُ‏:‏ وتبادر القرآن إلى المالكية، ولذا قال أبو بكر بن العربي المالكي‏:‏ إنْ الآيةَ أقعدُ بمذهبهم‏.‏

باب‏:‏ لاَ يَكُونُ بَيعُ اْلأَمَةِ طَلاَقا

يريد خلافَ ما تفردَ به أَنَس‏.‏

باب‏:‏ خِيَارِ اْلأَمَةِ تَحْتَ العَبْد

باب‏:‏ شَفَاعَةِ النبي صلى الله عليه وسلّم في زَوْجِ بَرِيرَة

باب

خالف أبا حنيفة، وجعل لها الخِيَارَ إن كانت تحت العبد، وإن كانت تحت الحُرِّ فلا خيار لها، وراجع «الحاشية»، و«العيني»‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللّهِ تَعَالى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْكِحُواْ الْمُشْرِكَتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلامَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 221‏)‏

5285- قوله‏:‏ ‏(‏إنَّ ابنَ عُمر كان إذا سُئِل عن نِكاح النصرانية، أو اليهودية، قال‏:‏ إنَّ الله حَرَّم المشركاتِ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وهذا مما تضرر به ابنُ عمرَ في عدم إباحة النكاح بالكتابية‏.‏ وأجاب الجمهورُ أن القرآن أباح لنا نِكاحَهنّ، مع العلم بأنهنَّ مشركاتٌ، فكأنّ هذا النوع اختص من المشركين بأحكام على حِدَة، ولعله يقول‏:‏ إنَّ القرآن، قَيّد جوازَ نِكاح الكتابيات بالإِحصان‏.‏ ومَنْ دَعَى نِداً، وقال‏:‏ ثالثُ ثلاثة، فإِنه ليس بِمُحْصَن‏.‏

باب‏:‏ نِكاحِ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ المُشْرِكاتِ وَعِدَّتِهِن

وَقالَ عَطَاءٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ كانَ المُشركُونَ عَلَى مَنْزِلَتَينِ منَ النبي صلى الله عليه وسلّم وَالمُؤْمِنِينَ، كانُوا مُشْرِكي أَهْلِ حَرْبٍ، يُقَاتِلُهُمْ وَيُقَاتِلُونَهُ، وَمُشْرِكِي أَهْلِ عَهْدٍ، لاَ يُقَاتِلُهُمْ وَلاَ يُقَاتِلُونَهُ، وَكانَ إِذَا هَاجَرَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الحَرْبِ لَمْ تُخْطَبْ حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، فَإِذَا طَهُرَتْ حَلَّ لَهَا النِّكاحُ، فَإِنْ هَاجَرَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ، رُدَّتْ إِلَيهِ، وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ مِنْهُمْ أَوْ أَمَةٌ، فَهُمَا حُرَّانِ، وَلَهُمَا ما لِلمُهَاجِرِينَ، ثُمْ ذَكَرَ مِنْ أَهْلِ العهْدِ مثْلَ حَدِيثِ مُجَاهِدٍ‏:‏ وَإِنْ هَاجَرَ عَبْدٌ أَوْ أَمةٌ لِلمُشْرِكِينَ أَهْلِ العَهْدِ لَمْ يُرَدُّوا‏.‏

وَرُدَّتْ أثْمَانُهُمْ‏.‏

أي ما الحكم فيما إِذا أسْلم أحدُ الزَّوْجَين‏؟‏ قلنا‏:‏ إنْ كان الزَّوْجانِ في دار الإِسلام يُعْرض الإِسلامُ على الآخَر، فإِن أسلم هو أيضاً، فهما على نِكاحهما، وإلاَّ بانت منه؛ وإنْ كانا في دار الحرب، لم تقع الفُرْقة حتى تحيضَ ثلاثَ حِيض، وقرره صاحب «الهداية»‏:‏ إنَّ عَرْض الإِسلام لما تعذَّر لانقطاع وِلاية العرض، وتبايُنِ الدَّارين، ولم يهاجر هو أيضاً، ولا بدّ من الفُرقة رَفْعاً للفساد، أقمنا شرطها وهو مُضي الحيضِ مقام السبب، وإذا خرجت المرأةُ إلينا مُهاجِرةً وقعت البينونةُ بمجرد المهاجَرة، ولا عِدّة عليها‏.‏

5287- قوله‏:‏ ‏(‏لم تُخطب حتى تَحِيض وتَطهر‏)‏ وهو مذهبُ أبي حنيفة‏.‏ ثُم إنها ليست بِعِدّة عندنا‏.‏

5287- قوله‏:‏ ‏(‏وإن هاجر عبد منهم، أو أمة، فهما حُرّان‏)‏ وهو مذهبُ أبي حنيفةَ‏.‏

5287- قوله‏:‏ ‏(‏ثُم ذكر من أهل العهد مثل حديث مجاهد‏)‏ وحديثُ مجاهد ذكره عَقِيبه، وليعلم أن ما نقله المصنِّف من الآثار تفيد الحنفية في أنه لا عِدّة عليها‏.‏

باب‏:‏ إِذَا أَسْلَمَتِ المُشْرِكَةُ أَوِ النَّصْرَانِيَّةُ تَحْتَ الذِمِّيِّ أَوِ الحَرْبِي

وَقالَ عَبْدُ الوَارِثِ، عَنْ خالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إِذَا أَسْلَمَتِ النَّصْرَانِيَّةُ قبْلَ زَوْجِهَا بِسَاعةٍ حَرُمَتْ عَلَيهِ‏.‏ وَقالَ دَاوُدُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ‏:‏ سُئِلَ عَطَاءٌ‏:‏ عَنِ امْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِ العَهْدِ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ زَوْجُهَا في العِدَّةِ، أَهِيَ امْرَأَتُهُ‏؟‏ قالَ‏:‏ لاَ، إِلاَّ أَنْ تشَاءَ هِيَ بِنِكاحٍ جَدِيدٍ وَصَدَاقٍ‏.‏ وَقالَه مُجَاهِدٌ‏:‏ إِذَا أَسْلَمَ في العِدَّةِ يَتَزَوَّجُهَا‏.‏ وَقالَ اللّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ‏}‏ ‏(‏الممتحنة‏:‏ 10‏)‏‏.‏ وَقالَ الحَسَنُ وَقَتَادَةُ في مَجُوسِيَّينِ أَسْلَمَا‏:‏ هُمَا عَلَى نِكاحِهِمَا، وَإِذَا سَبَقَ أَحَدُهُما صَاحِبَهُ وَأَبى الآخَرُ بَانَتْ، لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيهَا‏.‏ وَقالَ ابْنُ جُرَيجٍ‏:‏ قُلتُ لِعَطَاءٍ‏:‏ امْرَأَةٌ مِنَ المُشْرِكِينَ جاءَتْ إِلَى المُسْلِمِينَ، أَيُعَاوَضُ زَوْجُهَا مِنْهَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَءاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْ‏}‏‏؟‏ ‏(‏الممتحنة‏:‏ 10‏)‏‏.‏ قال‏:‏ لاَ، إِنَّما كانَ ذاكَ بَينَ النبي صلى الله عليه وسلّم وَبَينَ أَهْلِ العَهْدِ‏.‏ وقالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ هذا كلُّهُ في صُلحٍ بَينَ النبي صلى الله عليه وسلّم وَبَينَ قُرَيشٍ‏.‏

واعلم أنَّ الذِّمي أو الحربي ليسا بِلَقَبين من حيثُ المذهب، بل هما لقبان من تلقاء الدَّار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عباس إذا أسلمت النصرانيةُ قبل زَوْجِها بساعة، حَرُمت عليه‏)‏ فقال بالحرمة بدون عَرْض الإِسلام أو غيره، وهو مختارُ البخاري، فيقطع الفُرقة بلا مُهْلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أسلم في العِدّة يتزوّجان‏)‏ فاعتبر بالعِدّة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في مجوسِيّين أسلما‏)‏ أي أسلما معاً، فهما على نِكاحِهما، وهو المذهبُ عندنا، ولا عبرةَ بالنَّظر المنطقي، بأن صورة إسلامهما معاً متعذِّر، فلا بدّ من التقدّم، ولو يسيراً، لأنَّ التقدّم مِثْله ساقِطٌ لا يُعتبر به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا سبق أَحَدُهما صاحِبه، وأَبى الآخَرُ بانت‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وهذا يشيرُ إلى عَرْض الإِسلامِ أيضاً، لأنه أدارَ البينونةَ على الإِباء، والإِباء يُشْعر بِعَرْض الإِسلام عنده أيضاً‏.‏

5288- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَد أقرَّ بالمِحْنةِ‏)‏ صلى الله عليه وسلّم بندى أحكام شرح كى أي التقيّد والتعبُّد بالشَّرْع‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاؤُوا‏}‏‏:‏ رَجَعُوا ‏{‏فإِنَّ ا غَفُورٌ رَحِيمٌ وإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فإنَّ ا سَمِيعٌ عَلِيمٌ‏}‏

واعلم أنَّ الشَّرْع اعتُبِر الإِيلاء بما دونَ أربعة أشهر يميناً كسائر الأَيْمان، ولم يدخل فيه بنفسه، فإِذا حلف بالمدةِ المذكورة، فكأنّه أراد الحَيْف عليها، فجعل له باباً، وبنى له أَحْكاماً، فإِن جامَع المولى في المدّة عليه كفارةُ يمينه، وإنْ بَرّ فيه، ولم يُجامع بانَت منه بلا تفريق القاضي‏.‏ وقال الآخَرُون‏:‏ إنَّ القاضي يُجْبر عليه بعد مُضي المُدّة‏.‏ إما أن بفيء، أو يُفرِّق القاضي بينهما، فإِن فاء عليه كفارةُ يمينه، وأَتَى البخاريُّ بآثارٍ على خلاف مذهب الحنفية‏.‏

قلتُ‏:‏ والأَصْل أن المَدار فيه على التفَقّه، وقد مَرّ معنا أن سطح الإِيلاء يقتضي أن لا يحتاج الفُرقة فيه إلى قضاءِ القاضي، وذلك لأنه ضَرَب فيه مُدّة، ومُضي تلك المدّةِ لا يحتاجُ إلى القضاء، بل ذلك أَمْر يَتِم وهي في بيتها أيضاً، بخلاف اللِّعان، كما قَرّرناه‏.‏ ولما تبينت أن المسألة سَرى فيها الاجتهادُ، لم أتأثر مِن تعديد المصنِّف أسماء السَّلف‏.‏ وراجع من الشروح أسماء مَنْ وافقنا مِن السَّلف‏.‏

5291- قوله‏:‏ ‏(‏يُوقَف‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أي يَحْضُر عند القاضي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليفيء‏)‏ أو يُفَرّق بينهما‏.‏

باب‏:‏ حُكْمِ المَفقُودِ في أَهْلِهِ وَمالِه

وَقالَ ابْنُ المُسَيَّبِ‏:‏ إِذَا فُقِدَ في الصَّفِّ عِنْدَ القِتَالِ تَرَبَّصُ امْرَأَتُهُ سَنَةً‏.‏ وَاشْتَرَى ابْنُ مَسْعُودٍ جارِيَةً، وَالتَمَسَ صَاحِبَهَا سَنَةً، فَلَمْ يَجِدْهُ، وَفُقِدَ، فَأَخَذَ يُعْطِي الدِّرْهَمَ وَالدِّرْهَمَينِ، وَقالَ‏:‏ اللَّهُمَّ عَنْ فُلاَنٍ فإِنْ أَبَى فُلانٌ فلي وَعَلَيَّ، وَقالَ‏:‏ هَكَذَا فَافعَلوا بِاللُّقَطَةِ‏.‏ وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ‏.‏ وَقالَ الزُّهْريُّ في اْلأَسِيرِ يُعْلَمُ مَكانُهُ‏:‏ لاَ تَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ، وَلاَ يُقْسَمُ مالُهُ، فَإِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ فَسُنَّتُهُ سُنَّةُ المَفقُودِ‏.‏

ويُحْكم عندنا بموتِه بموتِ أقرانِه، ثُم يجري الإِرثُ في ماله‏.‏ وفي «الهداية»‏:‏ أنه هو الأَقيسُ، وقد قَدَّره بَعْضُهم بتسعينَ، وغيره‏.‏ وأما عند مالك فينتظر أربعَ سنين، ثُم يُحكم بموتِه، وبه يفتي علماءُ زماننا‏.‏ ونقل الشاميُّ مَذْهب مالك، ثُم لم ينقل شرائطه عنده، والناس اليوم يفتون بمذهبه، ولا يراعون شرائطَه المدونة عندهم‏.‏ فهؤلاء لا يعملون بمذهبهم، ولا بمذهبه، وإنما اعتَبَر مالك أربعَ سنين، لأنه أكثرُ مُدّة الحمل عنده، فعليها أن تنتظر تلك المدة، وتستبرىء فيها رَحِمها، ثُم إنه فَصْل في تلك المدةِ، بكون المفقود في المعركة، أو القَحْط، أو الوباء، ليغلب هلاكُه، إلى غير ذلك من التفاصيل‏.‏ والناس يُفتون بلا مراعاةِ تلك الشرائط‏.‏

واعلم أن مسائلَ الأئمة على ثلاثة أقسام‏:‏

الأول‏:‏ ما تتناقض في الظاهر أيضاً، مثلاً‏:‏ وجوب الفُرْقة في مسألةٍ عند إمام، وعَدَمه عند إمام‏.‏ فهذان الحُكْمان متناقضان ظاهراً‏.‏

والثانية‏:‏ ما ائتلف سطحاها، واختلف مبناها، كما ترى فيما نحن فيه، فإِن مَبْنى عبرةِ المدّة المذكورة- عند مالك- كونُها أكثرَ مدّة الحَمْل، ثم التفريق بعده، لكونه مما يتولى به الحاكم عنده مُطلقاً‏.‏ وللحنفية خلافٌ فيهما، فإِن أكثرَ مدّة الحمل عندنا سنتان، وأم التفريق من القاضي فليس عندنا إلا في باب اللعان‏.‏

والثالثة‏:‏ ما لا تَناقُض فيه في الظاهر، ولا في المَبْنى، إلا أن بينهما شَبَه التناقض، والتناقض بأنواعه لا يُحْتمل في الدِّين‏.‏ فَمَن يفتي بمذهب مالك في مسألة المفقود يلزم عليه التناقض من حيثُ لا يدريه، فإِنه يفتي بمذهبه، ولا يشعر بأنه قد التزم في ضمنه كونَ أَكْثر مُدّةِ الحمل سنتين، وأربع سنين معاً، وكذا لا يشعر بأنه ابتُلي في التناقض في مسألة التفريق، ولو دراه لَعَلِم أنه بإِفتائه هذا قد هَدم أبواباً من فِقْه الحنفية، وإن زعم في الظاهر أنه لم يخالفه إلاَّ في تلك الجزئيةِ‏.‏ فلمسائلِ الأئمة سليلةٌ وارتباط فيما بينهما، وليست على طريق البخت والاتفاقِ، والاطلاعُ على أصولها، ودَرْكُ مبناها، مما يعز في هذا الزمان، فليحذر في مثل هذه المواضع، ولينظر في أن له حقاً لذلك أَوْ لا، وإنّما هو لمن كان عنده عِلْمٌ بمسائل الأئمة، ومبناها، وذَوْقٌ بمدارك الفقهاء ومغزاهم، وإلاَّ فهو رَكِبَ مَتْن عمياء، وخَبط خَبْط عشواء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم عن فلانٍ، فإِن أتى، فَلي، وعليَّ‏)‏، أي فإِن أتى صاحِبُها، فأَجْرُ التصدُّق لي، والغرامة عليّ‏.‏ وعلم منه ما كان طريقُ الإِثابة عند السلف، فاعلمه، فإنه مهم‏.‏ أقول‏:‏ فحينئذٍ لا حاجةَ في إيصال ثوابِ العبادات إِلاّ أَنْ يقال‏:‏ إني أَصُوم عن فلان، وأَهَبُ ثوابَه لفلان، فأَرْسله مني مثلاً، فالطريق المأثور، كما هو المذكور‏.‏

باب‏:‏ الظِّهَارِ، وقَوْلِ الله تَعَالى‏:‏ ‏{‏قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً‏}‏ ‏(‏المجادلة‏:‏ 1- 4‏)‏

دخل في باب الظهار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسنُ‏:‏ ظِهار الحرّ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وهي مسألة أنَّ الطلاق بالرِّجال، أو بالنِّساء‏؟‏ وراجع له الفِقْه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما الظهار من النساء‏)‏ أي الحرائر‏.‏ واعلم أن الظاهري تكلَّم في وجوب الكفارة في الظهار، فقال‏:‏ إنْ قلنا‏:‏ عليه أن يأتي امرأته، ثُم يكفِّر عن ظهاره، يلزم أن يجبر على إتيان ما كان حَرَّم هو على نَفْسه بنفسه، وإنْ قلنا‏:‏ إنه يكفِّر أَوّلاً، ثُم يَقْرَب امرأته، فلا وَجْه له، فإِنه لم يَكْسب ذنباً بعدُ لنوجِب عليه الكفارةَ، وإن قال الشافعيةُ بجواز تقديم الكفارة في اليمين، لكن الحنفية خالفوهم، ولم يوجِبُوا الكفارةَ إلاَّ بعد الحِنْث لذلك المحذور‏.‏

قلتُ‏:‏ والجواب أن العَوْد عندنا مُفَسّر بالعَزْم على القُرْبان، فإِن القُرْبان لا يَصْلُح له مِن أجل ظهاره، فأقيم عَزْمُ القُربان مقامَ القُربان، وعلّق به الكفارة‏.‏ والعجب من الظاهري حيث فَسّره بالمعاودة إلى هذا القول مرة أخرى، وليت شِعري ما حمله على ذلك، مع أنَّ القرآن نعى على قوله الأَوّل، وجعله مُنْكراً من القول وزوراً، وعاقبه بالكفارةِ، وهذا يحمله على المعاودةِ إليه مَرّة أخرى‏.‏ ثُم العجب على العجب أَنَّ قَوْله‏:‏ في المَرّة الأُولى إذا لم يكن موجِباً للكفارة عنده، فكيف يكون موجِباً في المرة الثانية‏؟‏ إن هذا لمن عجب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏‏{‏لِمَا قَالُواْ‏}‏‏)‏ فَسّره البُخاري بقوله‏:‏ «فيما قالوا»، فإِنَّ الله تعالى ما كان ليأمرَه أن يعودَ لمثله ثانياً، وقد نعى عليه أوّلاً‏.‏ واستدلَّ منه الطحاوي على أن النهيَ لا يقتضي البُطلانَ، فإِنَّ الله سبحانه مع تشنيعِه على الظهار وَضَع له أَحْكاماً، فدلّ على أنَّ الشيء يكون منهياً عنه، ثم تكون له أحكامُ عند الشَّرْع‏.‏

فائدة‏:‏

واعلم أنه جرت مناظرةٌ بين الطبراني وبين محمد بن داود في مسألة‏:‏ وكانا جالِسين على أَرضٍ يابسةٍ، إذ مَرّ بهما ابنُ العميد، وأوقف دابته عليهما، فما بالا به، وبقيا على ما كان يجري بينهما، حتى مضى لحاجته‏.‏ وابنُ العميد هذا من وُزراء الخلافةِ العَبّاسية، أديبٌ كبير، كان عَضُد الدولة دعاه إلى الوزارةِ، فأجابه إني أحتاج إلى أَربع مئة مِن الإِبل تَحْمِلُ كُتبي، وكان في زمنه أديبٌ آخرَ، يُسمّى أبا إسحاق، وكان صابئياً، وكان وزيراً للسَّلْطنة السُّلْجُوقية، ثم أَسْلم بعده، وكان بُعَد أَفْضَل منه، وكان ابنُ العميد، يقول‏:‏ لم تبق في نفسي حاجةٌ، إلاَّ أن يقول لي أبو إسحاق‏:‏ يا أستاذ، والفصل في حقهما، كما قيل‏:‏ إن الصابئي يَكْتب كما يُراد، وابنَ العميد يَكْتب كما يُريد‏.‏ قلتُ‏:‏ وبينهما بونٌ بعيد‏.‏

ثُم إنَّ البخاري خالف الظاهريَّ، ولم يُرد مِن العودِ ما أراده الظاهريُّ مع كونه رفيقَه، ومنه تَعلّم قوله‏:‏ «لفظي بالقرآنِ مخلوق»، وكان الظاهري سافر إلى أحمدَ، فلما بلغه أَبَى أن يلاقِيه، وقال‏:‏ لا أُحِبّ الملاقاةِ بِمَنْ قال بِخَلْق القرآن‏.‏ قلتُ‏:‏ وكان البخاري أيضاً سافر إليه، إلا أنه تُوفِّي قبل أن يَبْلُغه، ولو بلغه لردّه خائباً، كما ردّ الظاهري، لاشتراكهما في المقولة‏.‏

باب‏:‏ اْلإِشَارَةِ في الطَّلاَقِ وَاْلأُمُور

وَقالَ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «لاَ يُعَذِّبُ اللّهُ بِدَمْعِ العَينِ، وَلكِنْ يُعَذِّبُ بِهذا»‏.‏ فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ‏.‏ وَقالَ كَعْبُ بْنُ مالِكٍ‏:‏ أَشَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِلَيَّ أَي‏:‏ «خُذِ النِّصْفَ»‏.‏ وَقالَتْ أَسْمَاءُ‏:‏ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم في الكُسُوفِ، فَقُلتُ لِعَائِشَةَ‏:‏ ما شَأْنُ النَّاسِ‏؟‏- وَهيَ تُصَلِّي- فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ، فَقُلتُ‏:‏ آيَةٌ‏؟‏ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا‏:‏ أَنْ نَعَمْ‏.‏ وَقالَ أَنَسٌ‏:‏ أَوْمَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ‏.‏ وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ أَوْمَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بِيَدِهِ‏:‏ «لاَ حَرَجَ»‏.‏ وَقالَ أَبُو قَتَادَةَ‏:‏ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم في الصَّيدِ لِلمُحْرِمِ‏:‏ «آحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيهَا، أَوْ أَشَارَ إِلَيهَا‏؟‏» قالُوا‏:‏ لاَ، قالَ‏:‏ «فَكُلُوا»‏.‏

وهي معتبرةٌ عندنا في عدد الطلاق، لا في نَفْس الطلاق، وقد مَرّت الجزئية في «الأشباه والنظائر»‏.‏ وقد اعتبر بها البخاري في الطلاق، وغيره، إلا أنه أتَى بالأُمور البينية لا من باب الحُكْم والقضاء، وكلامنا في الثاني دون الأَوّل‏.‏

5295- قوله‏:‏ ‏(‏فَرُضِخ رأسُه بين حَجَرَين‏)‏ قد فَسّر الراوي ههنا، وأتى بتمام القصة، فلا إشكال في الرَّضخ، وقد أجمل في بعض المواضع، فذكر الرَّضْخ، ولم يذكر اعترافاً منه، وحينئذ يُشْكل الرّضخ بقول جاريته فقط، ولا سيما إذا كانت في سياق الموت، وذلك لأٌّه قد مَرّ معنا مِراراً، أن الرواة لا بَحْث لهم عن تخريج المسائل، وتصحيح التفريعات، وإنما هم بِصَدد نَقْل القصة فقط، فلا يأتون بالألفاظ ناظرين إلى المسائل المختلفة، وإنما هو مِن أفعال المجتهد، وأما الراوي فلا عناية له، إلى أنه كيف القِصاص، وهل يُشترط فيها لمماثلةُ أو لا‏؟‏ فتنبه‏.‏

باب‏:‏ اللِّعَان

وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَّهُمْ شُهَدَآء إِلاَّ أَنفُسُهُمْ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِن كَانَ مِنَ الصَّدِقِينَ‏}‏ ‏(‏النور‏:‏ 6- 9‏)‏‏.‏ فَإِذَا قَذَفَ اْلأَخْرَسُ امْرَأَتَهُ، بِكِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ بِإِيمَاءٍ مَعْرُوفٍ، فَهُوَ كالمُتَكَلِّمِ، لأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلّم قَدْ أَجازَ اْلإِشَارَةَ في الفَرَائِضِ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَهْل الحِجَازِ وَأَهْلِ العِلمِ، وَقالَ اللّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ فِى الْمَهْدِ صَبِيّاً‏}‏ ‏(‏مريم‏:‏ 29‏)‏ وَقالَ الضَّحَّاكُ‏:‏ ‏{‏إِلاَّ رَمْزًا‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 41‏)‏ إِشَارَةً، وَقالَ بَعْضُ النَّاسِ‏:‏ لاَ حَدَّ وَلاَ لِعَانَ، ثُمَّ زَعَمَ‏:‏ أَنَّ الطَّلاَقَ بِكِتَابٍ أَوْ إِشَارَةٍ أَوْ إِيمَاءٍ جائزٌ، وَلَيسَ بَينَ الطَّلاَقِ وَالقَذْفِ فَرْقٌ‏.‏ فَإِنْ قالَ‏:‏ القَذْفُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِكَلاَمٍ، قِيلَ لَهُ‏:‏ كَذلِكَ الطَّلاَقُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِكَلاَمٍ‏.‏ وَإِلاَّ بَطَلَ الطَّلاَقُ وَالقَذْفُ، وَكَذلِكَ العِتْقُ، وَكَذلِكَ اْلأَصَمُّ يُلاَعِنُ‏.‏ وَقالَ الشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ‏:‏ إِذَا قالَ أَنْتِ طَالِقٌ، فَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ، تَبِينُ مِنْهُ بِإِشَارَتِهِ‏.‏ وَقالَ إِبْرَاهِيمُ‏:‏ اْلأَخْرَسُ إِذَا كَتَبَ الطَّلاَقَ بِيَدِهِ لَزِمَهُ‏.‏ وَقالَ حَمَّادٌ‏:‏ اْلأَخْرَسُ وَاْلأَصَمُّ إِنْ قالَ بِرَأْسِهِ جازَ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإِذا قذف الأخرس امرأته بكتابته‏)‏ ولا تَثْبت الحدودُ عندنا بهذه الأشياءِ لشبهةٍ فيها، والحدود تندرىء بالشُبهات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعضُ الناس‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ يريد به الحنفية‏.‏ وحاصل كلامِه أن أبا حنيفة يَعْتبر الكتابةَ، والإِيماء، والإِشارة في بابِ الطلاق، ولا يعتبِرُها في القَذْف، ولا فرق بينهما، لكونهما من جنس الكلام‏.‏ والجواب أنَّ الطلاق أيضاً لا يَقَع عندنا بالإِشارة، كما علمت، نعم لو طَلّق باللفظ، ثُم أشار بالأصابع إلى العدد يُعتبر، وأما الكتابة فإِن وقع بها الطلاق، لكنه لا يُعتبر بها عند الجحود، فهو من باب الدِّيانة دون القضاء‏.‏ وأما قولُه بعدم الفَرْق فلا نسلِّمه، كيف واللِّعان والقَذْف من الحدود، وهي مما تَنْدرىء بالشُّبهات، بخلاف الطلاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال القَذْف لا يكون‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وقد سقطت منه حَرْف «إن»، أي إن قال‏:‏ القَذْف لا يكون‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال إبراهيم‏:‏ الأَخْرس إذا كَتب الطلاقَ بيده لَزِمه‏)‏ والكِتابة عندنا على أنحاء‏:‏ مُستبينةُ، وغيرُ مستبينة، كالكتابة على الهواء والماء‏.‏ والأُولى إما مرسومةٌ، أو غيرُ مرسومة، والثانية لا عبرة بها، لأنها لا تَعْرى عن شبهةٍ، بخلاف الأُولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال حَمَّاد‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ أرادَ به التدافُعَع بين كلامِ أبي حنيفة، وكلامِ شيخه حَمّاد بن أبي سليمان‏.‏ واعلم أنَّ حَمّاداً أيضاً ممن رُمي بالإِرجاء، كأبي حنيفة، فلا أدري ما وَجْهُ كَفّارة المُحدِّثين من أبي حنيفة دون حَمّاد، فإِن المحذور مُشْتَرك‏.‏

باب‏:‏ إِذَا عَرَّضَ بِنَفي الوَلَد

باب‏:‏ إِحْلاَفِ المُلاَعِن

باب‏:‏ يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلاَعُن

5305- قوله‏:‏ ‏(‏وُلِد لي غلامٌ أَسْوَدُ‏)‏ فكأَنَّ الرَّجُل عَرّض بنفي ولده، ولكن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لم يعبأ بِتَعْريضه، ولم يجعل له حُكْماً؛ قلتُ‏:‏ والتعريضُ كالإِيماء، والإِشارة بالقذف، وعَدّهما البخاري كالصريح، فلزمه أن يقول باللعانِ في صورة التعريض أيضاً‏.‏

باب‏:‏ اللِّعَانِ، وَمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ اللِّعان

يريد أنَّ الثلاثَ المتواليات ليست بِدعةً‏.‏

باب‏:‏ التَّلاَعُنِ في المَسْجِد

واعلم أنَّ القضاء عندنا مِن العبادات، فَيُقْعد له في المسجد، ووافقنا فيه البخاري، إلاَّ أنَّ الجُنُب، والحائضة لا يَحْضُرانِ المسجد‏.‏ فقال‏:‏ ذاك تفريقٌ بين كلِّ متلاعنين، وهو مُدْرجٌ، ليس من كلامِ النبيِّ صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «لَوْ كُنْتُ رَاجِماً بِغَيرِ بَيِّنَةٍ»

باب‏:‏ صَدَاقِ المُلاَعَنَة

باب‏:‏ قَوْلِ اْلإِمامِ لِلمُتَلاَعِنَينِ‏:‏ «إِنَّ أَحَدَكُمَا كاذِبٌ، فَهَل مِنْكُمَا تَائِبٌ‏؟‏»

باب‏:‏ التَّفرِيقِ بَينَ المُتَلاَعِنَين

وفي الحديث مسائل‏:‏

الأُولى‏:‏ أنَّ اللِّعان لا يكون عندنا بنفي الحَمْل، فإِن الحَمْل محتمل، واللعان حَدّ‏.‏ فإِنْ أرادَ اللِّعان، عليه أن يَنْتظر الوَضْع، فإِذا وضعت لاعن، ونَفَى النَّسَب‏.‏ وذهب أحمدُ إلى أنه يجوزُ نَفْي النَّسب إذا قَوِيت آثارُ الحَمْل، خِلافاً لسائر الأئمة‏.‏

والثانية‏:‏ أنَّ قَذْف الملاعنة هل يُوجِب الحدَّ أو لا‏؟‏ فقال به الحجازيون، وأنكره الحنفية، وحديثُ أبي داود حُجّةٌ لهم‏.‏ وعَجز ابنُ الهُمام عن جوابه، وقد أجبت عنه بما مر، كما مر‏.‏

والثالثة‏:‏ أنه هل تَجِب لها نفقةُ عِدّتها أو لا‏؟‏ فأثبتها الحنفية، ويرد عليهم حديثُ أبي داود، ففيه تصريحٌ بسقوط نفقتها‏.‏

والرابعة‏:‏ أنَّ التفريق فيه يحتاج إلى القَضاء أو لا، فعندنا يحتاجُ إلى القضاء، كما يقول الراوي في الحديث الثاني‏:‏ فَفَرّق بينهما‏.‏

باب‏:‏ يُلحَقُ الوَلَدُ بِالمُلاَعِنَة

باب‏:‏ قَوْلِ اْلإِمامِ‏:‏ اللَّهُمَّ بَيِّن

5315- قوله‏:‏ ‏(‏وألحقَ الوَلَدَ بالمرأةِ‏)‏ فعلم أنَّ اللِّعان في تلك القِصّةِ لم يكن من نفي الحَمْلِ، بل كان عندها وَلَد‏.‏ وقد مرّ معناه أنّ الرواة فيه مُضْطّربون، فقالوا تارة‏:‏ إنه لاعَن في حال الحَمْل، وهذا العنوان وارِدٌ على الحنفية؛ وتارة أُخرى أنه لاعَنَها بعد الولادة، وهذا يؤيّدُ الحنفيةَ، وليس من الإِنصاف الجمودُ على ألفاظ الرواة‏.‏

باب‏:‏ إِذَا طَلَّقَهَا ثَلاَثاً، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ العِدَّةِ زَوْجاً غَيرَهُ، فَلَمْ يَمَسَّهَا

يعني لا بُدّ للعَوْد إلى الزِّوْج الأَوّل ‏(‏من‏)‏ دخول الزوج الثاني، ولا يكفي له النِّكاح فقط‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَاللاَّئِى يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نّسَآئِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 4‏)‏

قالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ إِنْ لَمْ تَعْلَمُوا يَحِضْنَ أَوْ لاَ يَحِضْنَ، وَاللائِي قَعَدْنَ عَنِ الحَيضِ، وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ‏:‏ ‏{‏فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَثَةُ أَشْهُرٍ‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 4‏)‏‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَأُوْلَتُ الاْحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 4‏)‏

فهي الآيسة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واللائي لم يَحِضْن‏)‏ وهي الصغيرةُ، ولم يأخذ الحنفيةُ بِمُمْتَدّة الطُّهْر، فلما استُفْتوا بها اضطروا إلى الافتاءِ بِمَذْهب مالك‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْمُطَلَّقَتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَثَةَ قُرُوء‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 228‏)‏

وَقالَ إِبْرَاهِيمُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ في العِدَّةِ، فَحَاضَتْ عِنْدَهُ ثَلاَثَ حِيَضٍ‏:‏ بَانَتْ مِنَ اْلأَوَّلِ، وَلاَ تَحْتَسِبُ بِهِ لِمَنْ بَعْدَهُ، وَقالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ تَحْتَسِبُ‏.‏ وَهذا أَحَبُّ إِلَى سُفيَانَ- يَعْنِي قَوْلَ الزُّهْرِيِّ ‏.‏ وَقالَ مَعْمَرٌ‏:‏ يُقَالُ‏:‏ أَقْرَأَتِ المَرْأَةُ إِذَا دَنَا حَيضُهَا، وَأَقْرَأَتْ إِذا دَنَا طُهْرُهَا، وَيُقَالُ‏:‏ ما قَرَأَتْ بِسَلًى قَطُّ، إِذَا لَمْ تَجْمَعْ وَلَداً في بَطْنِهَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم، فيمن تزوج في العدة، فحاضت عنده ثلاث حيض‏:‏ بانت من الأول، ولا يحتسب به لمن بعده، وقال الزهري‏:‏ يحتسب، وهذا أحب إلى سفيان‏)‏ واعلم أَوّلاً أنه قد طال نزاعهم في معنى القُروء‏:‏ فَفَسّرها الحنفية بالحِيض، ولشافعية بالأطهار‏.‏ والأَمْر عندي قريبٌ من السواء، وليس بينهم إلا اختلافُ التخريج، فإِن العِدّة تنقضي بثلاثِ حِيض، وطُهرين، وطهر ناقص عند الكل، فإِذا مضت تلك المدةُ، فقد خرجت عَمّا عليها من تلقاء العدة إجماعاً بيننا وبينهم، نعم اختلفا أنّ المؤثّر في المُضي هو ثلاثُ حِيض، أو الأطهار، وليس هذا إلاَّ اختلافَ الأنظار‏.‏ ونَقَل ابنُ القَيّم عن أحمدَ أنه فَسّر القروء بالطَّمْث في آخِر عُمُره، وصَوّبه‏.‏

وقال قطرب تلميذُ سِيبويه‏:‏ إنَّ القُرء في اللغة هو الاجتماعُ للإِخراج، فأُطلق على الطُّهر نظراً إلى أَوّل الحال، أي لأن الدّمَ يجتمع فيه، وعلى الطَّمث نَظراً إلى آخِر الحال، لأنَّ الدَّمَ يَخْرج فيه، كذا في تفسير الرّازي، ذيل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 185‏)‏، وقال ما قال إبراهيمُ، فمعناه أنَّ امرأةً كانت تعتدّ من طلاق، فتزوجها رجلٌ آخر، فوطأها بشبهةِ العَقْد، فوجبت لها عِدّةٌ أُخرى، فهل تعتدُّ لكلَ عِدّة مستقلة، أو تحتسب بقية العدة منهما‏؟‏ فذهب إبراهيمُ إلى أنَّ عليها عدّتين، ولا تخرج من ثلاث حِيض، إلاَّ مِن الأُولى، ولا تحتسب تلك عَمّا وجب عليها بَعْدَها‏.‏ وقال الزُّهري‏:‏ بل تحتسب بقيةَ العِدّة منهما، وما فضلت تُتِمها بعد العِدّة الأُولى، نحو إنْ كانت وطئت بعد حيض تتربّص ثلاثةَ حِيض أُخرى، وتحتسب الحيضتان منهما، وتخرج من عِدّة الزَّوج الأَوّل، لِمُضِي نِصابها، ويبقى عليها حَيْض آخَر من عدة الزوج الثاني، فتعتد هذه أيضاً، وحينئذ تخرج من العِدّتين‏.‏ وهكذا المسألةُ عندنا، فإِن مبناها على التداخل، ومن ههنا طاح ما أورده الأغبياء على الحنفية مِن وجوبِ العِدّة على مَنْ نكحت محرماً، فَوُطِئت‏.‏

باب‏:‏ قِصَّةِ فاطِمَةَ بِنْتِ قَيس

وَقوْلِهِ عَزَّ وَجلَّ‏:‏ ‏{‏وَاتَّقُواْ اللَّهَ رَبَّكُمْ لاَ تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلاَ يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لاَ تَدْرِى لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 1‏)‏ ‏{‏أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَآرُّوهُنَّ لِتُضَيّقُواْ عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلَتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُواْ عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 6- 7‏)‏‏.‏

واعلم أنَّ المطلقةَ إما رجعية، أو مبتوتة‏.‏ واتفقوا في الرجعية أنَّ لها النفقةَ، والسُّكْنى، والكلام في المبتوتة الحائل، فقال الإِمام الأَعْظم‏:‏ إن لها السُّكْنى والنفقةُ أيضاً، وقال مالك، والشافعي‏:‏ لها السُّكْنى دون النَّفقة، وقال أحمد‏:‏ لا سُكْنى لها، ولا نفقةَ‏.‏ والظاهر أنَّ المُصنِّف وافق الشافعيّ، ويحتمل أن يكون وافق أَبا حنيفةَ‏.‏ أما أحمد، فلم يوافِقه أصلاً، وظاهر الحديث يؤيدُ أحمد، فاشتركنا كلّنا- غير أحمد- في الجواب عنه في السُّكْنى، وانفردنا في أَمْر النَّفَقة خَاصّة‏.‏ فقالوا‏:‏ إنَّ نفي السُّكنى لكونها ناشِزة، أو كانت بذيئةً تطيل لسانَها على أحمائها، فليست السُّكْنى منفيةً رأساً، بل منفيةٌ في هذه الواقعة الجزئية، لما قلنا‏.‏ وفي الأَحاديث أعذارٌ أُخرى أيضاً، مَنْ شاء فليراجعها من مَظانِّها‏.‏

وقال مالك في وجوب السُّكْنى‏:‏ إنَّ القرآن أَوْجَب السُّكْنى للمعتدة، ولم يؤم فيه بتفصيلٍ بين الرجعية والمبتوتة، فإِذا لم يتعرّض إليه القرآنُ في موضع، ساغ لنا أن نَتَمسّك بالإِطلاق، فإِنّ الحُكْم إذا وَرَد عامّاً أو مُطْلقاً في مَحْلّ، وعلم المجتهدُ التّناسُبَ بين الوَصْف والحُكْم، يجوز له أن يَتَمسّك مِن مِثْل هذا الإِطلاق والعُموم‏.‏

وأما وجوبُ النَّفقة، فَتَفَقّه الإِمام فيه أنها في حَبْس الزَّوْج، فَتَجِب لها النفقةُ لا محالة‏.‏ أما فاطمةُ فَأَمْرها أنَّ زَوْجَها كان أعطاها نَفَقَتها، كما عند الترمذي، إلا أنها كانت تَستقِلّها، فمعنى قوله‏:‏ «لا نَفِقَة»، أي لا نَفَقة لك غير ما أُعْطِيت، فإِنَّ النفقةَ عندنا بحالِ الزوجين‏.‏ ولقائل أن يقول‏:‏ إنَّ النَّفَقة في المنكوحة إذا سقطت بالنُّشُوز، فينبغي أن تَسْقط في المبتوتة الناشزة أيضاً، إلاَّ أنَّ سقوطها في المنكوحة إنما هو إذا خرجت من بيتِ زَوْجها‏.‏ ولنا ما عن عُمر، فإِنه ردّ على فاطمةَ، وأفتى، كما اختاره الحنفيةُ، وقال‏:‏ لا نَتْرك كتابَ اللَّهِ وسُنّة رسوله لقول امرأةٍ لا ندرِي أذكرت أم نَسِيت، كذا في مسلم‏.‏ ومَرّ عليه أحمدُ، وتَبسّم، وقال‏:‏ أين ذلك في كتاب الله وسُنة رسوله قلتُ‏:‏ وعند الطحاوي‏:‏ قال عمرُ‏:‏ سَمِعت رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلّم يقول‏:‏ لها السُّكْنى والنَّفقة اه‏.‏ وفيه راوٍ حَسّنه بَعْضُهم، وتكلّم فيه بَعْضُهم، فالإِسناد عندي حسن‏.‏ وأخرجه البيهقي أيضاً، إلاّ أنهم متى كانوا ليسلموه‏؟‏ وفي حديث عائشة الآتي حين قيل لها في شأن فاطمة، قالت‏:‏ لا يَضُرّك، وفي روايةٍ أخرى عند الطحاوي‏:‏ «تلك امرأةٌ أفتنت الناس»‏.‏

باب‏:‏ المُطَلَّقَةِ إِذَا خُشِيَ عَلَيهَا في مَسْكَنِ زَوْجِهَا أَنْ يُقْتَحَمَ عَلَيهَا،أَوْ تَبْذُوَ عَلَى أَهْلِهِ بِفَاحِشَة

باب‏:‏ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ‏}‏‏(‏البقرة‏:‏ 228‏)‏ مِنَ الحَيضِ وَالحَبَل

أشار إلى تَرْك مذهب أحمد، وذكر تَوْجِيهين لنفي السُّكنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو تَبْذُو على أَهله‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ والمرادُ من الأهل أقاربُ الزَّوْج، والمراد من الفاحشة البذاءة‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدّهِنَّ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 228‏)‏

في العِدَّةِ، وَكَيفَ يُرَاجِعُ المَرْأَةَ إِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَينِ‏.‏

5332- قوله‏:‏ ‏(‏إن كنتَ طَلَّقتها‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، أي لو كنت طَلّقتها مَرّةً أو مرتين، لكان لك الرجعة، فإِذا طلقتها ثلاثاً فقد وَقَعْن، ولا يحل لك الرجعة وعصيت‏.‏

باب‏:‏ مُرَاجَعَةِ الحَائِض

5333- قوله‏:‏ ‏(‏مِن قُبُلِ عِدَّتِها‏)‏ وهي قراءة شاذّة أيضاً‏.‏ وعند مسلم أحاديثُ تترى في أن تلك التطليقة حُسِبت عن ابنِ عمر‏.‏

باب‏:‏ تُحِدُّ المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرا

وَقالَ الزُّهْرِيُّ‏:‏ لاَ أَرَى أَنْ تَقْرَبَ الصَّبِيَّةُ المُتَوَفَّى عَنْهَا الطِّيبَ، لأَنَّ عَلَيهَا العِدَّةَ‏.‏

باب‏:‏ الكُحْلِ لِلحَادَّة

أي إن كانت صبيةً، فعليها الإِحداد أيضاً‏.‏ ثُم إنَّ الإِحداد عند الجمهور ليس إلاّ على المُتوفّى عنها زَوْجها، وهو عندنا على المطلّقة أيضاً، ولم يذهب إليه أَحَدٌ من السلف غير إبراهيم النَّخَعي‏.‏

5336- قوله‏:‏ ‏(‏أَفَتَكْحُلُها‏)‏ وإنما لم يرخص لها النبيُّ صلى الله عليه وسلّم في الاكتحال، لعدم ثُبوت حاجتها إليه عنده، وإلا فالاكتحال بالعُذْر جائز‏.‏

5337- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَلَّمَا تَفْتضُّ بشيءٍ إلاَّ ماتَ‏)‏ وهذا من عجاب التقدير، حيث يَجْري حسب ظنون الناس، فإِن ترتب الموت على الافتضاض مما لا يُعْقل فيه التسبيب، وهذا كجري النِّيل عند إلقاء جارية، كما وقع في زمن عمرَ ولعلّ أهلَ الجاهلية كانوا يَزْعمُونها أَمْراً سماوياً، فسار التقدير أيضاً معهم‏.‏

قلتُ‏:‏ وهذا كما أنَّ يأجوجَ ومأجوجَ بعد فسادهم في الأرض يقولون‏:‏ لقد حاربنا مَنْ في الأرض، فلنحارب مَنْ في السماء، فتردُّ عليهم سهامُهُم مخضوبةً دَماً، فهذا أيضاً مماشاةُ التقدير، حَسَب ظنونهم الفاسدة، ويتعلق به ما في الحديث القدسي‏:‏ «أنا عند ظَنّ عبدي بي»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

باب‏:‏ القُسْطِ لِلحَادَّةِ عِنْدَ الطُّهْر

باب‏:‏ تَلبَسُ الحَادَّةُ ثِيَابَ العَصْب

وهو على قسمين‏:‏ حُلوٌ، ومُرٌّ؛ والمُرُّ منه يُجْلب من كَشْمير، والحُلو من القسطنطينية‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوجًا‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 234‏)‏

قال عطاء‏:‏ ثُم جاء الميراثُ، فنسخ السُّكْنى‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ فلا سُكنى لها من جهة الميراث، لتعلّق حَقّ الوَرَثة بها، إلا أنهم إذا أرادوا وفاءَ وصيةِ الزَّوج، فعليهم أن يُعطوا لها السُّكْنى أيضاً، كما أوصى بها‏.‏

باب‏:‏ مَهْرِ البَغِيِّ وَالنِّكاحِ الفَاسِد

وَقالَ الحَسَنُ‏:‏ إِذَا تَزَوَّجَ مُحَرَّمَةً وَهُوَ لاَ يَشْعُرُ، فُرِّقَ بَينَهُمَا وَلَهَا ما أَخَذَتْ، وَلَيسَ لَهَا غَيرُهُ، ثُمَّ قالَ بَعْدُ‏:‏ لَهَا صَدَاقُهَا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الحسنُ‏:‏ إذا تزوج محرمة، وهو لا يشعر، فرق بينهما، ولها ما أخذت، وليس لها غيره، ثم قال بعد‏:‏ تعطيها صداقها‏)‏ يعني كان يقولُ أَوّلاً‏:‏ إنه لا صَداقَ لها، ولكن لها ما أخذت فقط‏.‏ ثُم قال من بعد‏:‏ إنه يُعْطيها الصَّداق، فلينظر فيه مَنْ يطعنون على أبي حنيفة في إيجاب المَهْر بنكاح المُحَرَّمة، وقد افترى مَنْ زعم أنه لا إثْم فيه عندنا‏.‏

فائدة

واعلم أنه قد يدُورُ بالبال أن الفَرق بين كَسْب البَغي ومَهْرِها‏:‏ أنَّ الكَسْب ما جاءت به الزانيةُ، سواء كان أُجْرةً للزِّنا، أو غيرَه، وعلى مولاها أن يحتاط فيه، لأنه لا يشعر أنه مِن أي جهة، ومَهْر البغي هو أجرةُ الزِّنا خاصّةً‏.‏

باب‏:‏ المَهْرِ لِلمَدْخُولِ عَلَيهَا، وَكَيفَ الدُّخُولُ، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَالمَسِيس

يشيرُ إلى أنَّ المهر يتأكّد بالخُلوة الصحيحةِ، وأنه فَرق بين الصحيحة والفاسدة‏.‏

باب‏:‏ المُتْعَةِ لِلَّتِي لَمْ يُفرَضْ لَهَا

لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النّسَآء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 236- 237‏)‏ وَقَوْلِهِ ‏{‏وَلِلْمُطَلَّقَتِ مَتَعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّا عَلَى الْمُتَّقِينَ كَذَلِكَ يُبَيّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 241- 242‏)‏، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم في المُلاَعَنَةِ مُتْعَةً حِينَ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا‏.‏

والصُّور أَرْبَعُ، ذكرها في «الهداية» وهي واجبة للمطلَّقة التي لم يُسمّ لها المهر، ولم يدخل بها‏.‏

كتاب‏:‏ النَّفَقَات

باب‏:‏ فَضْلِ النَّفَقَةِ عَلَى اْلأَهْل

‏{‏وَيَسْئَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبيّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ‏}‏فِي الدُّنْيَا وَالاْخِرَةِ ‏(‏البقرة‏:‏ 219- 220‏)‏‏.‏ وَقالَ الحَسَنُ‏:‏ العَفوُ‏:‏ الفَضْلُ‏.‏

باب‏:‏ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى اْلأَهْلِ وَالعِيَال

5355- قوله‏:‏ ‏(‏إما أنْ تُطْعِمني، وإما أَن تُطَلِّقَني‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ دَلّ على الحصر في الصورتين، فلا سبيل لها إلى التفريق بإِعسار الزَّوج، كما هو مذهبُ أبي حنيفة‏.‏ وهل كان السَّلفُ إلاَّ معسرين، فكيف يمكن أن يكون إعْسارُ الزوج موجِباً للتفريق ولا أعرف من السَّلف مَنْ كان ذهب إليه، إلاَّ سعيد بن المسيَّب، وفيه توسيع عند مالك‏.‏

باب‏:‏ حَبْسِ نَفَقَةِ الرَّجُلِ قُوتَ سَنَةٍ عَلَى أَهْلِهِ، وَكَيَف نَفَقَاتُ العِيَال

دلّ على أنه لا يخالِف التوكّل‏.‏

5358- قوله‏:‏ ‏(‏قالا‏:‏ قَدْ قال ذلك‏)‏ وترجمته‏:‏ كها تو هى، وإنَّما يؤتى بِمِثْل هذا الكلام فِيما كان المخاطَب يصدَّق القَوْل، ويؤوله بغير تأويله عند المتكلِّم، ففي هذا القولِ دلالةٌ على أنَّ ابن عباس، وعلياً كانا يُضْمِران في أنفسِهما تأويلاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نَخْل بني النَّضِير‏)‏ والمرادُ منها ثمارها، وإنما يعبر عن الثمار بالنَّخيل، لأنَّ الأشجار تبقى في حفاظةِ المشتري إلى مدّة مديدة، وهي أَوّان الخرافة، فَتُنسب الأشجارُ إليها، مع أنه ليس له إلاّ ثمارها، فمن ههنا حدث هذا التعبيرُ‏.‏

باب‏:‏ وَقالَ اللّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالْولِدتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ‏}‏ إِلَى قَوَلِهِ‏:‏ ‏{‏بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏

وَقالَ‏:‏ ‏{‏وَحَمْلُهُ وَفِصَلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً‏}‏ ‏(‏الأحقاف‏:‏ 15‏)‏‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى‏}‏لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 6- 7‏)‏ وَقالَ يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ‏:‏ نَهى اللّهُ أَنْ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلِدَهَا، وَذلِكَ أَنْ تَقُولَ الوَالِدَةُ‏:‏ لَسْتُ مُرْضِعَتَهُ، وَهيَ أَمْثَلُ لَهُ غِذَاءً، وَأَشْفُقُ عَلَيهِ وَأَرْفَقُ بِهِ مِنْ غَيرِهَا، فَلَيسَ لَهَا أَنْ تَأْبى، بَعْدَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ نَفسِهِ ما جَعَلَ اللّهُ عَلَيهِ، وَلَيسَ لِلمَوْلُودِ لَهُ أَنْ يُضَارَّ بِوَلَدِهِ وَالِدَتَهُ، فَيَمْنَعَهَا أَنْ تُرْضِعَهُ ضِرَاراً لَهَا إِلَى غَيرِهَا، فَلاَ جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يَسْتَرْضِعَا عَنْ طِيبِ نَفسِ الوَالِدِ وَالوَالِدَةِ، ‏{‏فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا‏}‏ بَعْدَ أَنْ يَكونَ ذلِكَ عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ‏.‏ ‏{‏وَفِصَالُهُ‏}‏ ‏(‏لقمان‏:‏ 14‏)‏‏:‏ فِطَامُهُ‏.‏

وحَمَله الحنفيةُ على استحقاق الأُم أجرة الرِّضاع، وادّعيت مِن قِبل نفسي أن الحَوْلين أصلُ مُدّة الرِّضاع، وستة أشهر علاوةٌ عليها، يحتاج إليها لتمرين الصَّبي على الطعام وغيره‏.‏ بقي قولُه تعالى‏:‏ ‏{‏وَحَمْلُهُ وَفِصَلُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً‏}‏ ‏(‏الأحقاف‏:‏ 15‏)‏، فهو محمولٌ عندي على مدة الفِصال فقط، ومعناه حَمْله ما يكون‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ وإنما لم آخذ ستة أشهر للحمل، لكونها نادرةً، ولا يلطف حَمْلُ الآية على الأَشذُّ الأندر، والذي يلصق بالقلب، إما أن يُؤخذ بأكثرِ مدةِ الحَمْل، أو بما يكون كثيرَ الوقوع، وستةِ أشهر ليست منهما‏.‏ ثُم إنْ أخذنا الأَقلَّ من الحَمْل ناسب أن نَأخذ بالأَقلّ من الفصال أيضاً‏.‏ وبالجملةِ أَخْذُ أقلّ مدةِ الحَمْل من جانب، وأكثر مُدّة الفِصال من جانب، غيرُ مرضي عندي، فلذا عدلت عنه إلى ما سَمِعْت آنِفاً، وقد مرّ الكلام فيه مُفَصّلاً‏.‏

باب‏:‏ نَفَقَةِ المَرْأَةِ إِذَا غابَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَنَفَقَةِ الوَلَد

باب‏:‏ عَمَلِ المَرْأَةِ في بَيتِ زَوْجِهَا

باب‏:‏ خادِمِ المَرْأَة

باب‏:‏ خِدْمَةِ الرَّجُلِ في أَهْلِه

باب‏:‏ إِذَا لَمْ يُنْفِقِ الرَّجُلُ، فَلِلمَرْأَةِ أَنْ تَأْخُذَ بِغَيرِ عِلمِهِما يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا بِالمَعْرُوف

باب‏:‏ حِفْظِ المَرْأَةِ زَوْجَهَا في ذَاتِ يَدِهِ وَالنَّفَقَة

باب‏:‏ كِسْوَةِ المَرْأَةِ بِالمَعْرُوف

باب‏:‏ عَوْنِ المَرْأَةِ زَوْجَهَا في وَلَدِه

باب‏:‏ نَفَقَةِ المُعْسِرِ عَلَى أَهْلِه

باب‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذلِكَ‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 233‏)‏

وَهَل عَلَى المَرْأَةِ مِنْهُ شَيءٌ‏؟‏ ‏{‏وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَآ أَبْكَمُ‏}‏ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏صِرطٍ مُّسْتَقِيمٍ‏}‏ ‏(‏النحل‏:‏ 76‏)‏‏.‏