فصل: باب: قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «خَيرُ دُورِ اْلأَنْصَارِ»

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض الباري شرح صحيح البخاري ***


باب‏:‏ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «خَيرُ دُورِ اْلأَنْصَارِ»

وتعريفها بأوجز الكلمات، مع فخامة المعنى ما عند الترمذي‏:‏ أنها ذِكركَ أخاك بما يكره‏.‏ وقد ذكر الشامي فيهال المستثنيات، وملخصاً يرجع عندي إلى كلمة واحدة، وهي أنَّ الغيبة هي التي كانت لتبريدِ الصدر، والتلذذ بها، وجعلها شغلاً‏.‏ أما إذا كان بصدد ذكر حوادث الأيام، وصروفها، فذكر فيه أشياء، لا يكون من الغيبة المحظورة، ولذا ترجم البخاري بعده‏:‏ باب ما يجوز من اغتياب أهل الفساد والرِّيب‏.‏

شر الورى بمساوى الناس مشتغل، *** مثل الذباب يراعي موضع العلل

6052- قوله‏:‏ ‏(‏وأما هذا فكان يمشي بالنميمة‏)‏ وإنما أتى بحديث النميمة، مع كون الترجمة في الغيبة، لكونهما متقاربتين، ولأن في بعض الألفاظ لفظ‏:‏ الغيبة أيضاً‏.‏

6052- قوله‏:‏ ‏(‏ثم دعا بعسيب رطب، فشقه اثنين‏)‏ وفي بعض الروايات أنه دعا بعسيبين‏.‏ قلتُ‏:‏ والأدخلُ في الإِعجاز هو شقُّه، ثم غرزُه‏.‏

باب‏:‏ ما يَجُوزُ مِنِ اغْتِيَابِ أَهْلِ الفَسَادِ وَالرِّيَب

باب‏:‏ النَّمِيمَةُ مِنَ الكَبَائِر

والمراد من أهل الرِّيب المتهمون بالفساد‏.‏

باب‏:‏ ما يُكْرَهُ مِنَ النَّمِيمَة

وَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هَمَّازٍ مَّشَّآء بِنَمِيمٍ‏}‏ ‏(‏القلم‏:‏ 11‏)‏، ‏{‏وَيْلٌ لّكُلّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ‏}‏ ‏(‏الهمزة‏:‏ 1‏)‏ يَهْمِزُ وَيَلمِزُ‏:‏ يَعِيبُ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاجْتَنِبُواْ قَوْلَ الزُّورِ‏}‏ ‏(‏الحج‏:‏ 30‏)‏

باب‏:‏ ما قِيلَ في ذِي الوَجْهَين

باب‏:‏ مَنْ أَخْبَرَ صَاحِبَهُ بِمَا يُقَالُ فِيه

باب‏:‏ ما يُكْرَهُ مِنَ التَّمادُح

قوله‏:‏ ‏(‏الهمزة‏)‏‏:‏ هو الطعان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واللمزة‏)‏ عيب جين‏.‏

6056- قوله‏:‏ ‏(‏لا يدخل الجنة قتات‏)‏ والفرق بين القتات والنمام، أن النَّمام من يُحضر القضيةَ وينقلها، والقتات من يسمعُ من حديث مَنْ لا يعلمُ به، ثم ينقل ما سمعه‏.‏ وكذا الفرقُ بين الغِيبة والنميمة، أن الغيبةَ ذكره في غَيبته بما يكره، والنميمة نقل حال الشخص لغيره، على جهة الإِفساد من غير رضاه، سواء كان بعلمه، أو بغير علمه‏.‏

باب‏:‏ مَنْ أَثْنى عَلَى أَخِيهِ بِمَا يَعْلَم

وَقَالَ سَعْدٌ‏:‏ ما سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلّم يَقُولُ لأحَدٍ يَمْشِي عَلَى اْلأَرْضِ‏:‏ «إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ»، إِلاَّ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلاَمٍ‏.‏

واعلم أن المصنفَ بوَّبَ أولاً بكراهة التمادح، ولما علم أن إطلاقَها غيرُ مراد، بوَّب ثانياً، ليدل على استثناءٍ فيه، كما كان فعله في الغيبة والنميمة، حيث أشار فيهما إلى استثناءٍ، بعد كونهما من الكبائر‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ‏}‏ ‏(‏النحل‏:‏ 90‏)‏

وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُمْ‏}‏ ‏(‏يونس‏:‏ 23‏)‏ ‏{‏ثُمَّ بُغِىَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ‏}‏ ‏(‏الحج‏:‏ 60‏)‏ وَتَرْكِ إِثَارَةِ الشَّرِّ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ كافِرٍ‏.‏

باب‏:‏ ما يُنْهى عَنِ التَّحَاسُدِ وَالتَّدَابُر

وَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ‏}‏ ‏(‏الفلق‏:‏ 5‏)‏‏.‏

باب‏:‏ ‏{‏يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ الظَّنّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ‏}‏ ‏(‏الحجرات‏:‏ 12‏)‏

باب‏:‏ ما يكُونُ مِنَ الظَّن

6063- قوله‏:‏ ‏(‏يخيل إليه أنه يأتي أهله ولا يأبى‏)‏ وفيه تصريحٌ بأن السحرَ كان في حق النساء خاصة، وما يتوهم العمومُ فيه من بعض ألفاظِ الرواة، فليحمله على هذا التخصيص، كما نبهناك غيرَ مرة‏.‏

6063- قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ مطبوب، يعني مسحوراً‏)‏ واعلم أن الفرق بين المُعجزة والسحر، أن السحر يحتاجُ إلى بقاء توجه نفس الساحر، والتفاته إليه، وتعلق عزيمته به، فإِذا غَفَل عنه، بطل أثره، بخلاف المعجزة، فإِنها أغنى عنه‏.‏

وفي حكاية ذكرها مولانا الرومي في «المَثْنَوِي» أن غلاماً سأل أباه عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه ساحر، أو ماذا‏؟‏ قال‏:‏ وما هو بساحر، فقال له ابنه‏:‏ وبم علمت‏؟‏ قال‏:‏ اذهب إليه، فإذا صادفتُه نائماً فخذ عصاه، فإنْ كان ساحراً يبقي عصاه كما كان، وإلا ينقلب ثعباناً، فذهب إليه، وجعل يجر عصاه، فانقلب ثعباناً، فكان الغلام أن يهلِك‏.‏

ثم ما قلت‏:‏ إن السحرَ يبطلُ من انقطاع توجه الساحر، لا ينافي بقاء بعض آثاره، كالمرض، والصحة، وإنما أُريد به بطلانُه، حيث تأثيره في انقلاب الماهية، كجعل الدراهم دنانير، فتلك الدراهم لا تزال تخيل دنانير، ما دام توجيهه باقياً إليها، فإذا انقطع، تعود في المنظر، كما كانت، ولذا تراهم يحتاجون إلى تجديد سحرهم في الأيام الخاصة، ليقوى أثره‏.‏

6063- قوله‏:‏ ‏(‏فهلا تعني، تنشرت‏)‏ والمراد بالنشر ههنا نشر حديث السحر، أي إنه مسحور، وسحرَه فلانٌ مثلاً، مع أن اللغة فيه أنه مأخوذٌ من النشرة، وهي‏:‏ الترقية، أي إبطال أثر السحر بالرُّقية، فاستعمله الراوي في غير محله‏.‏

باب‏:‏ سَتْرِ المُؤْمِنِ عَلَى نَفسِه

6069- قوله‏:‏ ‏(‏المجانة‏)‏ بى باكى‏.‏

6069- قوله‏:‏ ‏(‏إلا المجاهرين‏)‏ هو الفاسق المعلن، أتى بفاحشة، ثم أشاعها بين الناس، تهوراً ووقاحة‏.‏

6070- قوله‏:‏ ‏(‏حتى يقنع كنفه‏)‏ والكنفُ اسم الجزء من بدن الإِنسان، وهو ما تحت الإِبط، وأطلق في حضرته تعالى أيضاً، وقد مر مني أن أمثاله كلها محمولة عندي على التجليات، بدون تأويل‏.‏

باب‏:‏ الكِبْر

وَقَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏ثَانِىَ عِطْفِهِ‏}‏ ‏(‏الحج‏:‏ 9‏)‏‏:‏ مُسْتَكْبِرٌ في نَفسِهِ، عِطْفُهُ‏:‏ رَقَبَتُهُ‏.‏

وهو عند التحقيق نفخ من الشيطان، فيرى نفسَه أكبر في عينيه مما كان، ويحقِرُ أخاه أما ذكر الأوصاف التي أعطِيَها بدون إكبار، وتحقير، فليس من الكبر في شيء، بل ربما يكون من باب تحديث النِّعمة‏.‏

باب‏:‏ الهِجْرَة

وَقَوْلِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم «لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجرَ أَخاهُ فَوْقَ ثَلاَثٍ»‏.‏

أي ترك الكلام‏.‏

6073- قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ هو على نذر‏)‏ الضمير للشأن‏.‏

6073- قوله‏:‏ ‏(‏فتبكي حتى تبل دموعها خمارها‏)‏ وهذا حالها في مهاجرة ابن الزبير‏.‏ وأما في قِصة الجمل، فكانت تناظرُ مَنْ كان يكلمها فيها‏.‏

باب‏:‏ ما يَجُوزُ مِنَ الهِجْرَانِ لِمَنْ عَصى

وَقالَ كعْبٌ، حِينَ تَخَلَّفَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم وَنَهى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم المُسْلِمِينَ عَنْ كَلاَمِنَا، وَذَكَرَ خَمْسِينَ لَيلَةً‏.‏

باب‏:‏ هَل يَزُورُ صَاحِبَهُ كُلَّ يَوْمٍ، أَوْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا

فعل فيه مثلَ ما فعل في الغِيبة والنميمة، فترجم أولاً بالهجرة، وذكر ما ورد فيها من الوعيد، ثم نبَّه على أن فيها استثناءً أيضاً‏.‏

باب‏:‏ الزِّيَارَةِ، وَمَنْ زَارَ قَوْماً فَطَعِمَ عِنْدَهُم

وَزَارَ سَلمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ في عَهْدِ النبي صلى الله عليه وسلّم فَأَكَلَ عِنْدَهُ‏.‏

يُشير إلى أنه لا بأس بالزيارة في كل يوم‏.‏ وأغمض عما رُوي من قوله صلى الله عليه وسلّم «زُرْ غِبَّاً، تزدد حُباً»، قيل‏:‏ أصله عند الطبراني، وهو حديث ضعيف، وإن لم يكن موضوعاً‏.‏

باب‏:‏ مَنْ تَجَمَّلَ لِلوُفُود

قال الشيخ ابن الهمام في «الفتح»‏:‏ إن الجَمالَ غير الزينة، فإنَّ التزين يكونُ من الأوصاف الرديئة، بخلاف الجمالِ، فإنَّه من الخِصال الحميدة‏.‏ ثم فرق أنَّ الزينةَ هو جلبُ الحُسن والتطرية، ليكون له منظراً حسناً عند الخلائق، بخلاف الجمالِ فإنَّه اكتسابُ الحُسنِ، لئلا يكون قبيحَ المنظر، ومشاراً إليه بالأصابع، حتى يُضرب به مثلٌ بين الناس‏.‏

باب‏:‏ الإِخَاءِ وَالحِلف

وَقالَ أَبُو جُحَيفَةَ‏:‏ آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بَينَ سَلمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ‏.‏ وَقالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ‏:‏ لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ آخى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم بَينِي وَبَينَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ‏.‏

واعلم أن إخوة الإِسلام، وحِلْفَه فوق سائر الأخوات، والمحالفات، ثم إن احتاج إليها فهي جائزة‏.‏

باب‏:‏ التَّبَسُّمِ وَالضَّحِك

وَقالَتْ فاطِمَةُ عَلَيهَا السَّلاَمُ‏:‏ أَسَرَّ إِلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم فَضَحِكْتُ‏.‏ وَقالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ إِنَّ اللّهَ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبّكى‏.‏

6085- قوله‏:‏ ‏(‏يا عدوات أنفسهن‏)‏ وإنما يصلح مخاطبة أمهاتِ المؤمنين بمثل تلك الكلمات لعمر، فإِنه كان له عند الله ورسوله مكاناً لم يكن لغيره، وما كان لنا أن نتكلمَ فيهن بمثلها، فإِنا نحن في جلجتنا، ثم إنهن لما شددن له في القول، وتركن الأدب في شأنه، وقلن‏:‏ «أنت أفظ وأغلظ»، كافأه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وذكر له منقبه، وقال‏:‏ «ما لقيك الشيطان تسلك فجاً، إلا سلك فجاً غير فجك»، فهذا نحو تلاف لما سبق على لسانهنَّ، في شأنه رضي الله تعالى عنه‏.‏

6088- قوله‏:‏ ‏(‏ثم أمر له بعطاء‏)‏ فهذا فعله ههنا، ولما ذهبت إليه فاطمة تشكو إليه مما تلقى من الرحى، لم يأمرها إلا بتسبيحات، علَّمَها إياها‏.‏

6092- قوله‏:‏ ‏(‏مستجمعاً‏)‏ جم كرهنسنا يعنى دل لكاكر هنسنا‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللّهِ تَعَالى‏:‏ ‏{‏يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّدِقِينَ‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 119‏)‏ وَما يُنهى عَنِ الكَذِب

باب‏:‏ في الهَدْيِ الصَّالِح

قال أبو حيان‏:‏ إن لفظ «مع» للمشاركة زماناً، أو مكاناً، وقد مر مني أنه للمشاركة في الجملة، ولو بوجه، كما قررناه في آية الوضوء، عند بيان واو المعية، فتذكره‏.‏

6094- قوله‏:‏ ‏(‏إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة‏)‏ دل الحديثُ على باب من أبواب الحقائق‏.‏ وهو أنَّ العبدَ لا يزال يقطعُ مدى عُمْره، إما طريقاً إلى الجنة، أو النار، فبيَّنه، وبين أحد الموضعين له مسافة طويلة، أو قصيرة، يسلكها الرجل مدة حياته، حتى إذا قطعها بتمامها مات، وبلغَ منزِله فدخوله في أحدهما ليس بغتة، ما يُتوهم، بل مضى عُمْره هو سفره إلى أحدهما، حتى لا يكون انقطاعُ أبْهَره، وانقطاع سفره إلا في زمان واحد‏.‏

وإليه يشير ما رُوي في أبواب القدر، أنَّ العبدَ يأتي بالحسنات، حتى لا يكون بينه وبين الجنة إلا قدر شبر‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث فحياته في الدنيا قَطْعٌ لما بينه وبين منزلِهِ ويؤيده ما روى أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم كان جالساً في مجلس، إذ سمع صوت صخرة سقطت، فقال‏:‏ «تلك صخرة ألقيت من شفير جهنم، بلغت قعرها بعد سبعين سنة»، فلما خرجوا من عنده سمعوا أنَّ منافقاً مات، وذلك كان عمره، فكأن هذا المنافق كان يقطعُ سفرَه في تلك المدة إلى موضعه من النار، حتى إذا قطعَه مات، وبلغ المنزل‏.‏

6096- قوله‏:‏ ‏(‏فيصنع به إلى يوم القيامة‏)‏ فكما كان هذا جَزَاء للكذاب في برزخه إلى قيام البرزخ، وهو إلى يوم القيامة، كذلك حالُ قاتلِ النفس، يُفعل به ما يفعل إلى يوم القيامة‏.‏ وهو معنى التخليد في حقه، وهو خلود العذاب، ما دام البرزخ قائماً‏.‏ وأما بعد انعدامه‏.‏ وحدوث عالم الآخرة، فأمره إلى الله تعالى، وقد خفي على أمثال الترمذي مرادَه، فعلله في «جامعه» وقد قررناه مراراً‏.‏ ويُستفاد من مثل هذه الألفاظ، أنَّ الأحاديثَ قد تتعرضُ إلى حال الأموات إلى قيام الساعة، كائناً ما كان حالُه بعدَها‏.‏

باب‏:‏ الصَّبْرِ عَلَى اْلأَذى

وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ‏}‏ ‏(‏الزمر‏:‏ 10‏)‏‏.‏

باب‏:‏ مَنْ لَمْ يُوَاجِهِ النَّاسَ بِالعِتَاب

6099- قوله‏:‏ ‏(‏ليس شيء أصبر على أذى سمعه من الله‏)‏ حرف «من» تفضيلي، أي أصبرُ من الله‏.‏

باب‏:‏ مَنْ كَفَّرَ أَخاهُ بِغَيرِ تَأْوِيلٍ، فَهُوَ كما قال

أي بغير منشأ‏.‏ وقد أطلق الغزالي في إكفار من أكفر أخاه، والمتأخرون إلى كونه إن قالها ساباً شاتماً لم يكفر، وإن كان من عقيدته ذلك، فهو كافرٌ‏.‏ وعندي هذا من باب آخر، فإنْ رمى تلك الكلمة على أحد، مثلِ رمي الحجارة، فلا بدّ لها، إما أن ترجع إلى قائلها، إن لم يكن المقولُ له محلاً لها، أو تلزِقُ به، إن كان محلاً لها‏.‏ ولا يوجبُ ذلك كفراً غير الردغة، كردغة الطينة، ولا يورث فيه شيئاً غير التقبيح، إلا أنَّ تلك الحقيقة لما لم تذكر في الفقه، لم تتبادر إليها أذهان العامة، وهذا معنى قوله‏:‏ «فقد باء به أحدهما»؛ وأما قوله‏:‏ «ومن رمى مؤمناً بكفر، فهو كقتله»، فمعناه أن الكفرَ، من أسباب القتلِ، فمن أكفَرَه، فقد نصبَه موضعَ القتلِ لا مَحَالة‏.‏

باب‏:‏ مَنْ لَمْ يَرَ إِكْفَارَ مَنْ قالَ ذلِكَ مُتَأَوِّلاً أَوْ جاهِلا

وَقَالَ عُمرُ لِحَاطِبٍ‏:‏ إِنَّهُ مُنَافِقٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «وَما يُدْرِيكَ، لَعَلَّ اللّهَ قَدِ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ‏:‏ قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»‏.‏

وهذه من التراجم المهمة جداً، ومعنى قوله‏:‏ «متوألاً»، أي كان عنده وجهٌ لإِكفارِهِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو جاهلاً‏)‏ أي بحكم ما قال‏.‏ أو بحال المقولِ فيه‏.‏ والفتوى على أنه لا يكفر، كما أطلقه عمر في صحابي شهدَ بدراً، فإنَّه كان له عنده وجه‏.‏

6106- قوله‏:‏ ‏(‏فزعم أني منافق‏)‏ وإنما زعمه معاذ كذلك، لأنه دخل في الصلاة، ثم خرج منها قبل أن يُتِمَّها معاذ‏.‏ وقد مر مني أن هذه واقعةٌ واحدةٌ فقط، ولم يكن التكرار من عادة معاذ، وإنما وقعت له مرةً واحدةً، وله رواية عند أبي داود أيضاً، ثم وجدت إليه إشارة من كلام أحمد أيضاً، وراجع تفصيله من موضعه‏.‏

6107- قوله‏:‏ ‏(‏من حلف منكم، فقال‏:‏ واللات والعزى‏)‏ أي كان حديث عهد بالجاهلية، فأراد أن يحلف بالله، فجرى على لسانه‏:‏ واللات، والعُزَّى، على عادته في الكفر، فليقل‏:‏ لا إله إلا الله ومرّ عليه النووي، وقال‏:‏ إنه تجب فيه الكفارة، وينعقد اليمين عند الحنفية، والعجب من الشيخ بدر الدين العيني، حيث نقله، ثم لم يردَّ عليه، مع أنه غَلطٌ يذرُ البلاذَ بلا قِع وحاشا للحنفية أن يقولوا بمثله أبداً‏.‏

نعم إن كان توهمٌ من المسألة الأخرى لنا، فهذا أمر آخر، وهي أنَّ اليمينَ ينعقدُ عندنا بقوله‏:‏ إن فعلت كذا، فأنا يهودي، وبينهما بَوْنٌ بعيدٌ، لأنَّ المسألة الأخيرة لا تدلُّ إلا على كون اليهودية والنصرانية أشنعُ عنده، ولذا أراد بها الإِقناع عن الحنث‏.‏ ثم إن فَعَلَه، وهو يعلم أنه لا يصير كافراً بذلك الفعل، لا يحكمُ عليه بالكفر، وإن علم أنه يُوجب الكفر، ثم تقدم إليه يحكمُ بالكفر عندنا‏.‏

باب‏:‏ ما يَجُوزُ مِنَ الغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لأَمْرِ اللّهِ عَزَّ وجَل

وَقالَ اللّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏جَهِدِ الْكُفَّرَ وَالْمُنَفِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ‏}‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 73‏)‏‏.‏

باب‏:‏ الحَذَرِ مِنَ الغَضَب

لِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَئِرَ الإِثْمِ وَالْفَوحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ‏}‏ ‏(‏الشورى‏:‏ 37‏)‏‏.‏ و‏{‏الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّآء وَالضَّرَّآء وَالْكَظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَفِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 134‏)‏‏.‏

باب‏:‏ الحَياء

باب‏:‏ إِذَا لَم تَسْتَحِ فَاصْنَعْ ما شِئْت

باب‏:‏ ما لاَ يُسْتَحْيَا مِنَ الحَقِّ للِتَّفَقُّهِ في الدِّين

6112- قوله‏:‏ ‏(‏وجاءوا يصلون بصلاته‏)‏ وهذه العبارة تُومىءُ شيئاً إلى أن تلك صلاة كانت بحيث لو أرادوا أن لا يصلوها لم يصلوها، لكونهم صلوها في المسجد مرةً، فتلك صلاتهم كانت لإِحراز بكرةِ صلاة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم فقط، ولا تناسُب هذه العبارة، فيما كان الإِمام والمقتدي مفترضين، فذقه من نفسك، ونحوه قد جاء في صلاة معاذ‏.‏ وفي قِصة السقوط عن الفرس، فيفيدك في تعيين صلاة معاذ خلفه صلى الله عليه وسلّم والصحابة رضي الله تعالى عنهم في قصة السقوط، ما كانت نافلة، أريد بها البركة، أو كانت فريضةً أُريد بها براءةُ الذمة‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا»

وَكانَ يُحِبُّ التَّخْفِيفَ وَاليُسْرَ عَلَى النَّاسِ‏.‏

6127- قوله‏:‏ ‏(‏فترك صلاته وتبعها‏)‏ وقد مر من قبل في تلك الرواية بعينها أنَّه لم يكن قطعَ صلاتَه، ولكنه كان ينجرُّ مع فرسِه كلما انطلق فرسُه‏.‏ وأخرجه محمد في «السير الكبير»، وفيه زيادة مفيدة، فليراجع‏.‏ وإنما عبر الراوي الانجرار بالترك، فهذا حال الرواية في التعبيرات‏.‏

6127- قوله‏:‏ ‏(‏وفينا رجل له رأي‏)‏ أي كان خارجياً‏.‏

باب‏:‏ الانْبِسَاطِ إِلَى النَّاس

وَقالَ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ خالِطِ النَّاسَ وَدِينَكَ لاَ تَكْلِمَنَّهُ‏.‏ وَالدُّعابَةِ مَعَ اْلأَهْلِ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ودينك لا تكلمنه‏)‏ أي لك مخالطتهم، بشرطِ أن لا يحصل في دينِك خللٌ‏.‏

6129- قوله‏:‏ ‏(‏يا أبا عمير‏)‏ وقد كان النبي صلى الله عليه وسلّم كنّاه به، مع كونه صبياً، فدل على جوازِ تكنية الصبي بمثل هذا‏.‏

6129- قوله‏:‏ ‏(‏النغير‏)‏ ترجمته‏:‏ لال‏.‏

6130- قوله‏:‏ ‏(‏كنت ألعب بالبنات‏)‏ وفي «القنية»‏:‏ أن البنات جائزة، وكانت حقيقتها في القديم أنهم كانوا يأخذون ثوباً، ويشدونَه في الوسط، فكانت لا تحي عن صورة وشكل، ولم تكن كبناتنا اليوم، فإنَّها تماثيل كالأصنام، فلا تجوز قطعاً‏.‏

6130- قوله‏:‏ ‏(‏ينقمعن‏)‏ بهجتى تهين‏.‏

باب‏:‏ المُدَارَاةِ مَعَ النَّاس

وَيُذكَرُ عَنْ أَبِي الدَّرْداءِ‏:‏ إِنَّا لَنَكْشِرُ في وُجُوهِ أَقْوَامٍ، وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلعَنُهُمْ‏.‏

قال القاضي أبو بكر بن العربي‏:‏ المداراة هو الانبساط، وطلاقة الوجه، مع تحفظ دينه والمداهنةُ هو الانبساط، مع ضياع دينه‏.‏

6132- قوله‏:‏ ‏(‏مزرَّرة بالذهب‏)‏ والزِّر ترجمته تكمه وكهندى لا بتن‏.‏

باب‏:‏ لاَ يُلدَغُ المُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَين

وَقَالَ مُعَاوِيَةُ‏:‏ لاَ حَكِيمَ إِلاَّ ذُو تَجْرِبَةٍ‏.‏

يعني من شأن المؤمن أنْ لا يلدغَ من جُحر واحد مرتين، فكأنه يكون معتبراً من الحوادث، لا كالفساق، لا يُبالي بشيء وإن أُفرغت عليه المصائب، وأُقيمت عليه الحدود، ويبتلى بالفتن، فالمؤمن يكون فَطِناً متيقظاً، يتقي مواضع التُّهم، وإذا ابتُلي مرةً بشر لا يأتيه ثانياً، حتى لا يكون مطعناً للناس‏.‏ وهذا لا ينافي كونه أبله، فإن ترجمته ساده ويقابله جالاك وليست ترجمته بيوقوف فالمؤمن لا يكون خَدَّاعاً‏.‏

ويتَّضحُ ما قلنا من النظرِ إلى موردِه أنَّ رجلاً جاء أسيراً إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في بدر، ولم تكن عنده فديةٌ، فاستحق القتلَ، فتحيَّر وجَزِع، وقال‏:‏ إنَّ لي صبية، ليس لهم قيمٌ غيري، فأحسن إليَّ، أحسن اللَّهُ إليك، فتركه النبيُّ صلى الله عليه وسلّم وعفا عنه‏.‏ فلما رجع إلى مكة، نكث على عقبيه، وجعل يهجو النبيَّ صلى الله عليه وسلّم فاتفق أن أسر في غزوةٍ أُخرى، فأمر بالقتل، فجعلَ يَجزَع، ويسألُ العفو، وحينئذٍ قال له النبيُّ صلى الله عليه وسلّم «لا يلدغ المؤمن»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏

باب‏:‏ حَقِّ الضَّيف

6134- قوله‏:‏ ‏(‏فصم من كل جمعة‏)‏ أي أسبوع‏.‏

فخذوا منهم حق الضيف‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، قيل‏:‏ إنه محمولٌ على عُرفهم، فإنَّ ذلك كان عُرفَهم‏.‏ وقيل‏:‏ إنه محمول على معاهدة النبيِّ صلى الله عليه وسلّم من أهل الذمة بذلك، يدل عليه ما نقله الزَّيْلعي من خطوط النبيِّ صلى الله عليه وسلّم في آخر كتابه‏.‏

باب‏:‏ إِكْرَامِ الضَّيفِ وَخِدْمَتِهِ إِيَّاهُ بِنَفسِه

وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏ضَيْفِ إِبْرهِيمَ الْمُكْرَمِينَ‏}‏ ‏(‏الذاريات‏:‏ 24‏)‏‏.‏

قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ يُقَالُ‏:‏ هُوَ زَوْرٌ، وَهؤُلاَءِ زَوْرٌ وَضَيفٌ، وَمَعْنَاهُ أَضْيَافُهُ وَزُوَّارُهُ، لأَنَّهَا مَصْدَرٌ، مِثْلُ قَوْمٍ رِضاً وَعَدْلٍ‏.‏ ويُقَالُ‏:‏ ماءٌ غَوْرٌ، وَبِئْرٌ غَوْرٌ، ومَاءَانِ غَوْرٌ، وَمِيَاهٌ غَوْرٌ‏.‏ وَيُقَالُ‏:‏ الغَوْرُ الغَائِرُ لاَ تَنَالُهُ الدِّلاَءُ، كُلُّ شَيءٍ غُرْتَ فِيهِ فَهُوَ مَغَارَةٌ، ‏{‏تَّزَاوَرُ‏}‏ ‏(‏الكهف‏:‏ 17‏)‏‏:‏ تَمِيلُ، مِنَ الزَّوَرِ، وَالأَزْوَرُ الأَمْيَلُ‏.‏

باب‏:‏ صُنْعِ الطَّعَامِ وَالتَّكَلُّفِ للِضَّيف

باب‏:‏ ما يُكْرَهُ مِنَ الغَضَبِ وَالجَزَعِ عِنْدَ الضَّيف

باب‏:‏ قَوْلِ الضَّيفِ لِصَاحِبِهِ‏:‏ لا آكُلُ حَتَّى تَأْكُل

فِيهِ حَدِيثُ أَبِي جُحَيفَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ إِكْرَامِ الكَبِيرِ، وَيَبْدَأُ اْلأَكْبَرُ بِالكَلاَمِ وَالسُّؤَال

باب‏:‏ ما يَجُوزُ مِنَ الشِّعْرِ وَالرَّجَزِ والحُدَاءِ وَما يُكْرَهُ مِنْه

وَقَوْلِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏وَالشُّعَرَآء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِى كُلّ وَادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّلِحَتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُواْ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ وَسَيَعْلَمْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ أَىَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ‏}‏ ‏(‏الشعراء‏:‏ 224- 227‏)‏، قالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ في كُلِّ لَغْوٍ يَخُوضُونَ‏.‏

اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ ما اهْتَدَينَا *** وَلاَ تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّينَا

فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ ما اقْتَفَينَا *** وَثَبِّتِ اْلأَقْدَامَ إِنْ لاَقَينَا

وَأَلقِيَنْ سَكِينَةً عَلَينَا *** إِنَّا إِذَا صِيحَ بِنَا أَتَينَا

وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَينَا

فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «مَنْ هذا السَّائِقُ‏؟‏»‏.‏ قالُوا‏:‏ عامِرُ بْنُ اْلأَكْوَعِ، فَقَالَ‏:‏ «يَرْحَمُهُ اللّهُ»‏.‏ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ‏:‏ وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللّهِ، لَوْ أَمْتَعْتَنَا بِهِ، قَالَ فَأَتَينَا خَيبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ، حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ اللّهَ فَتَحَهَا عَلَيهِمْ، فَلَمَّا أَمْسى النَّاسُ اليَوْمَ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيهِمْ، أَوْقَدُوا نِيرَاناً كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «ما هذهِ النِّيرَانُ، عَلَى أَيِّ شَيءٍ تُوقِدُونَ‏؟‏» قالُوا‏:‏ عَلَى لَحْمٍ، قالَ‏:‏ «عَلَى أَيِّ لَحْمٍ‏؟‏»‏.‏ قالُوا‏:‏ عَلَى لَحْمِ حُمُرٍ إِنْسِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «أَهْرِقُوهَا وَاكْسِرُوهَا»‏.‏ فَقَالَ رَجُلٌ‏:‏ يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْ نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا‏؟‏ قالَ‏:‏ «أَوْ ذَاكَ»‏.‏ فَلَمَّا تَصَافَّ القَوْمُ، كانَ سَيفُ عامِرٍ فِيهِ قِصَرٌ، فَتَنَاوَلَ بِهِ يَهُودِيًّا لِيَضْرِبَهُ، وَيَرْجِعُ ذُبَاب سَيفِه، فَأَصَابَ رُكْبَةَ عامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ، فَلَمَّا قَفَلُوا قالَ سَلَمَةُ‏:‏ رَآنِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم شَاحِباً، فَقَالَ لِي‏:‏ «ما لَكَ‏؟‏»‏.‏ فَقُلتُ‏:‏ فِدًى لَكَ أَبِي وَأُمِّي، زَعَمُوا أَنَّ عامِراً حَبِطَ عَمَلُهُ، قالَ‏:‏ «مَنْ قالَهُ‏؟‏» قُلتُ‏:‏ قالَهُ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ وَأُسَيدُ بْنُ الحُضَيرِ اْلأَنْصَارِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلّم «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ، إِنَّ لَهُ لأَجْرَينِ- وَجَمَعَ بَينَ إِصْبَعَيهِ- إِنَّهُ لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ نَشَأَ بِهَا مِثْلَهُ»‏.‏

باب‏:‏ هِجَاءِ المُشْرِكِين

فِينَا رَسُولُ اللّهِ يَتْلو كِتَابَهُ *** إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الفَجْرِ سَاطِعُ

أَرَانَا الهُدَى بَعْدَ العَمى فَقُلُوبُنَا *** بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ ما قالَ وَاقِعُ

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ *** إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالكافِرِينَ المَضَاجِعُ

تابَعَهُ عُقَيلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ‏.‏ وَقالَ الزُّبَيدِيُّ‏:‏ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، واْلأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ‏.‏

وأنكر الأخفش أن يكون الرَّجَز شعراً‏.‏ واعلم أنَّ للشعر مادةً، وصورة‏:‏ فمادته المضامين المَخِيلة، كقول المنطقيين‏:‏ العسلُ مهوعة، والخمر ياقوتية سَيَّالة، ويسمونه القضايا الشعرية، فيُحدث من ذلك انبساطاً في النفس، أو انقباضاً، ولا يُوجب ذلك أن يكونَ في الخارج أيضاً، كقلك، وبهذا المعنى قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا عَلَّمْنَهُ الشّعْرَ وَمَا يَنبَغِى لَهُ‏}‏ ‏(‏‏)‏ أي لا ينبغي للنبيِّ أن يحتوي كلامَه على المضامين المَخِيلة الصرفة، التي لا حقيقة تحتها، وإنما هي لانبساط النفس، ونشاطها لا غير، وإنَّما الأليقُ بشأنها أنَّ يتعرض إلى الحقائق الواقعية‏.‏ دون الاعتباريات المحضة‏.‏

ولذا كدت أنكر أن يكونَ في القرآن تشبيهاً مَخِيلاً، لولا رأيت قوله‏:‏ ‏{‏طَلْعُها كأنَّه رءوسُ الشياطين‏}‏ فإنه تشبيه مَخِيلٌ‏.‏ ومن ههنا اندفع أن المصنف بوَّب بالشعر، ثم لم يأت بشرع، فإنَّه أخرجَ تحته قوله صلى الله عليه وسلّم «سوقك بالقوارير» فسمَّاه شعراً من حيث كون مادته مادة الشعر‏.‏ ثم ليسأل الذين يُثبتون العلم الكلي للنبي صلى الله عليه وسلّم ماذا حالهم في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا عَلَّمْنَهُ الشّعْرَ‏}‏‏؟‏ فإن القرآن يُنادي بأنه لم يُعط له علم الشعر، فما بالهم الآن‏؟‏‏.‏

6146- قوله‏:‏ ‏(‏وهل أنت إلا إصبع دميت‏)‏ وهذا رَجَزٌ، ثم لما كان بغير قصدٍ منه، لم يكن شعراً‏.‏

6148- قوله‏:‏ ‏(‏قل عربي نشأ بها مثله‏)‏ أي في جزيرة العرب‏.‏

6149- قوله‏:‏ ‏(‏رويدك، سوقك بالقوارير‏)‏ أي أمهل، وسُق بالمطايا، كما تُساق إذا حُمل عليها القوارير، فقيل في مراده‏:‏ إن المرادَ من القوارير النساء، فإنَّ القوارير، كما تتكسر بأدنى صدمة تصيبُها، كذلك النساء تتأثر قلوبهنَّ بأدنى شيء‏.‏ وإذا أنت حسنُ الصوت، فلا تُسمع صوتَك إياهنَّ، فتفتتن قلوبهن، ولا بأس بتلك التشبيهات، إذا كانت تكشفُ عن حقيقة‏.‏ وقد وقع مثلُه للتَّفْتَازاني، حيث غلط في الإِعراب، القارىء في درسه، فجعل سائرَ الطلبة يضحكون منه، فتحيرَ القارىء، ولم بتنبَّه عما فَرَطَ منه‏.‏ فَأَوْمَأَ إليه العلامة بغمصِ أحد عينيه، أن اضْمُمْ العينَ على تلك الحقيقة، فافهم‏.‏

باب‏:‏ ما يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الغَالِبَ عَلَى اْلإِنْسَانِ الشِّعْرُ حَتَّى يَصُدَّهُ عَنْ ذِكْرِ اللّهِ وَالعِلمِ وَالقُرْآن

باب‏:‏ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «تَرِبَتْ يَمِينُكِ»، و‏:‏ «عَقْرَى حَلقَى»

قال مولانا‏:‏ إنَّ الشعرَ، والشِّطْرَنْجَ، والاصطيادَ من أقبح الأشياء، لأنَّ الإِنسانَ يشتغلُ بها، فيَغْفُل عن ذكر الله، وعن الصلاة‏.‏

واعلم أن النبيَّ صلى الله عليه وسلّم لما سُئِل عن الشعر، قال‏:‏ «إنه كلامٌ، حسنُه حسنٌ، وقبيحُه قبيحٌ»‏.‏ ولذا أراد المصنِّفُ أنْ يُشيرَ إلى تفصيلٍ فيه، فأشار إلى أنَّ المذمومَ منه ما يغلِبُ على الإِنسان، فيصُدَّه عن ذكر الله تعالى‏.‏

وقد أكثر المصنِّفُ في كتاب الأدب التقسيمَ على الحالات، ما لم يفعل في سائر الأبواب، فبوَّب بالغِيبة، وفصَّل فيها، فبوَّب بالنميمة، وقسَّمها على الحالات‏.‏ وبالجملة نبَّه في أكثرِ الأبواب أنَّه لا كليَّة في هذا الباب، ولكن الأمرَ يتوزَّعُ فيه على الحالات‏.‏

باب‏:‏ ما جاءَ في زَعَمُوا

وفيه الحديث‏:‏ «بِئْسَ مَطِيَّةُ الرجلِ زَعَمُوا، فإنَّ الإِنسانَ إذا أراد أن يتكلَّم بأمرٍ يَعْلَمُ أنه كذبٌ، يُصَدِّرُهُ بتلك الكلمة، ويقول‏:‏ زَعَمَ الناسُ كذلك‏.‏ كأنَّه لا يَحْمِلُهُ على نفسه، ويَعْزُوه إلى الناسِ، احترازاً عن صريح الكذب والزور‏.‏ فالمعنى‏:‏ أنَّ تلك الكلمة آلةٌ لإشاعة الزور، كما أن المَطِيَّةَ آلةٌ لقطع السفر‏.‏ فإذا أراد الرجلُ أن لا يمشي على أقدامه، رَكِبَ راحلتَهُ، وذهب‏.‏ كذلك إذا أراد أن يتكلَّم بالكذب، ولا يَحْمِلُهُ على نفسه، قال‏:‏ زَعَمُوا، فأجرى الكذبَ بين الناس‏.‏

والمصنِّفُ لم يخرِّج الحديثَ في النهي عنه، بل أخرج حديثاً فيه‏:‏ «أن أمَّ هانىء تكلَّمت بِها، وقالت‏:‏ زَعَمَ ابنُ أمِّي‏.‏‏.‏‏.‏» إلخ‏.‏ والحاصلُ أن النهيَ في موضعه، والإِباحةَ في موضعها، ولا كليَّةَ في مثل هذه الأبواب‏.‏

باب‏:‏ ما جاءَ في قَوْلِ الرَّجُلِ‏:‏ وَيلَك

6159- قوله‏:‏ ‏(‏رَأَى رَجُلاً يسوقُ بَدَنَةً‏)‏، إن كان هذا التعبيرُ محفوظاً، ففيه إيماءٌ إلى أن البَدَنَةَ صارت عندهم عُرْفاً للهَدْي‏.‏ فكانوا يقولونها في الهَدْي، إبلاً كان، أو بقرةً، وإن كانت البَدَنَةُ تختصُّ بالإِبل عند أهل اللغة‏.‏ وحينئذٍ يَسَعُ الحنفية أن يقولوا‏:‏ إنه كان يُسْتَعْمَلُ فيما بينهم في الهَدْي مطلقاً، وإن كان مخصوصاً بالإِبل لغةً‏.‏

6163- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ ائْذَنْ لي، فَلأَضْرِبْ عُنُقَهُ، قَالَ‏:‏ لاَ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، فيه عملٌ بالتكوين، أي لمَّا قدَّر اللَّهُ سبحانه أن يكونَ من ضِئْضِيء هذا الرجلِ قومٌ، ذكر أوصافَهم في الحديث، أَعْرَضَ عن قتله، وإن كان التشريعُ فيه القتلَ، وهذا لا يَسُوغُ إلاَّ للنبيِّ خاصةً، فإنه يُكَلَّم من رواء حِجَابٍ، ويطَّلِعُ التكوينَ من غير ارتيابٍ‏.‏

ثم في الروايات أنه أمر بقتله أيضاً، وهذا على التشريع، فطلبوه، فلم يجِدُوه‏.‏ وإنَّما أمر بالقتل، مع عِلمه أن قوماً يَخْرُجُون من نَسْلِهِ، لأنَّه عَلِمَ أنه إن قدَّر اللَّهُ سبحانه خروجَهم، لا يَصُدُّ عن تقديره أمرٌ، فلا يتمكَّنون من قتله‏.‏ وهكذا وقع، فإنَّهم طلبوه ليقتلوه، فلم يَجِدُوه‏.‏ أو حُمِلَ التكوينُ على أن القومَ المَوْصُوفُون يَخْرُجُون من رجلٍ يُضَاهِيهِ في الصفات، لا هذا الرجل خاصةً‏.‏

6166- قوله‏:‏ ‏(‏لا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّاراً‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وهذا عندي على التشبيه، وإن لم يسلِّمه النحاةُ‏.‏ وذلك لأنَّ قتالَ المسلم كفرٌ بنصِّ الحديث، والقتالُ ثمرةٌ لاختلاف الأديان، فإنَّ المسلمُ لا يَقْتُلُ إلاَّ الكافرَ، والكافرُ لا يَقْتُلُ إلاَّ المسلمَ‏.‏ فإذا ضرب المسلمُ رقبةَ أخيه، فقد فعل فِعْلاً يَفْعَلُه الكفرةُ، فَلَحِقَ بهم بهذا التشبيه‏.‏

6167- قوله‏:‏ ‏(‏إِنَّكَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ‏)‏ واعلم أنَّ رُبُطَ المحبة لا بدَّ أن يَجُرَّ صاحبَها إلى من يُحِبُّه‏.‏ أمَّا أن يُقْعِدُه مَقْعَدَ من يُحِبُّه، فذلك غيرُ لازمٍ، فالمعيةُ أمرٌ وسيعٌ‏.‏ نعم قوله‏:‏ «أنا، وكافلُ اليتيم هكذا، يُشْعِرُ بها فوق ما قلنا، ويُومِيءُ بمزيد القُرْبِ‏.‏ وذلك لأنَّه أراد بيانَ منزلة كافل اليتيم منه، فأتى بألفاظٍ زائدةٍ تَدُلُّ عليها‏.‏ والمعيَّةُ لا تَدُلُّ إلاَّ على الشَّرِكَةِ مطلقاً‏.‏

6167- قوله‏:‏ ‏(‏إِنْ أُخِّرَا هَذعًّ، فَلَنْ يُدْرِكَهُ الهَرَمُ، حتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ‏)‏ قال الصدرُ الشِّيرَازِيّ‏:‏ إنَّ الساعةَ ساعةٌ صغرى، وهي بموته‏.‏ وساعةٌ وسطى، وهي بموت أقرانه‏.‏ وساعةٌ كبرى، وهي من نفخ الصور‏.‏ والمرادُ ههنا الصغرى، أو الوسطى‏.‏ والمعنى‏:‏ ما لكم وللساعة الكبرى، وإن ساعتُكم التي آتيةٌ عليكم هي بموت أقارنكم‏.‏ ويُؤَيِّدُه ما عند البخاريِّ في باب سكرات الموت‏:‏ «لا يُدْرِكُهُ الموتَ حتَّى تقومَ عليكم ساعتُكم»‏.‏ قال هشام‏:‏ يعني موتهم، ففيه بيانُ أن المرادَ من الساعة الساعةُ الوسطى‏.‏

باب‏:‏ عَلاَمَةِ حبِّ اللّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ‏}‏ ‏(‏آل عمران‏:‏ 31‏)‏

6170- قوله‏:‏ ‏(‏وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ‏)‏، «ولمَّا»‏:‏ للتوقُّع، ومعناه‏:‏ لم يَلْحَق بهم، ولكنه يرجو لحوقَهم‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ الرَّجُلِ للِرَّجُلِ‏:‏ اخْسَأ

قَالَ أَبُو عَبْدِ الله‏:‏ خَسَأْتُ الكَلْبَ بَعَّدْتُهُ، خَاسِئِينَ مُبْعَدِينَ‏.‏

وترجمته دهتكارا جاوى‏.‏

6173- قوله‏:‏ ‏(‏فَرَضَّهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم ‏؟‏، والرَّضُّ‏:‏ هو القبضُ لغةً، ولكنِّي لم أر في روايته أن يكونَ النبيُّ صلى الله عليه وسلّم أخذه، فقبضه‏.‏

6173- قوله‏:‏ ‏(‏إنْ يَكُنْ هُوَ، لا تُسَلَّطُ عَلَيْهِ‏)‏، هذا أيضاً عملٌ بالتكوين، على أنه كان غلاماً لم يحتلم إذ ذاك‏.‏

فائدة‏:‏ كتب الحِفْني‏:‏ أنَّ اسمَ الدَّجَّال الأكبر‏:‏ صافن بن صياد- بالنون- ولكني أشكُّ في النسخة‏.‏ يمكن أن يكونَ اسمُه‏:‏ صافي، فانحرف إلى‏:‏ صافن، فدلَّ على اتحاد اسميهما، أي هذا الدَّجَّال، والدَّجَّال الأكبر‏.‏ ثم الحِفْني من علماء القرن الثاني عشر‏.‏

6174- قوله‏:‏ ‏(‏يَخْتِلُ‏)‏‏:‏ داؤ كرنا‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ الرَّجُلِ مَرْحَبا

وَقَالَتْ عائِشَةُ‏:‏ قالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم لِفَاطِمَةَ عَلَيهَا السَّلاَمُ‏:‏ «مَرْحَباً بِابْنَتِي»‏.‏ وَقَالَتْ أُمُّ هَانِىءٍ‏:‏ جِئْتُ إِلى النبي صلى الله عليه وسلّم فَقَالَ‏:‏ «مَرْحَباً بِأُمِّ هَانِىءٍ»‏.‏

6176- قوله‏:‏ ‏(‏فَقَالَ‏:‏ أَرْبَعٌ، وأَرْبَعٌ‏:‏ أَقِيمُوا الصَّلاَةَ، وآتُوا الزَّكَاةَ‏)‏ وأخرجه البخاريُّ، وفيه‏:‏ «الإِيمانُ بالله شهادةُ أن لا إلهَ إلاَّ الله- وعقد واحدةً- وإقامُ الصلاة، وإيتاءُ الزكاة»‏.‏ فانظر إن ما كان النبيُّ صلى الله عليه وسلّم علَّمه إياهم بالعقد، أي الشهادة‏.‏ ترك الراوي ههنا ذكرَه رأساً‏.‏

باب‏:‏ ما يُدْعى النَّاسُ بِآبَائِهِم

قيل‏:‏ إنَّ الناسَ يُدْعَوْن بأمهاتهم، ولكنَّ المذكورَ في الحديث الدعوةُ باسم الأب، كما قال‏:‏ «هذه غَدْرَةُ فلان بن فلان»‏.‏

باب‏:‏ لاَ يَقُل‏:‏ خَبُثَتْ نَفسِي

واعلم أن القباحةَ في اللفظ قد تَحْدُثخ من استعماله في الموارد القبيحة، كالبليد، فإنَّه لا يوازي الحمارَ في الشناعة، مع أنَّ المرادَ منهما واحدٌ‏.‏ أَرَ ترى أنك إذا قلت لأحدٍ‏:‏ أيُّها البليدُ، فإنه لا يَنْقَبِضُ منه، كانقباضه من‏:‏ أيُّها الحمارُ‏؟‏ فدلَّ على أن الطبائعَ تَنْقَبِضُ عند لفظٍ يختصُّ في الاستعمال بالموارد القبيحة، وإن كان معناه قريباً من لفظٍ آخر ليس على هذه الصفة‏.‏

باب‏:‏ لاَ تَسُبُّوا الدَّهْر

واعلم أنَّه ما من شيءٍ في هذا العالم إلاَّ وله مبدأٌ في العالم المجرَّد، غير أنَّ ما في هذا العالم يُسمَّى خَلْقاً، فمبدأُ الزمان عند ربك هو الدَّهْرُ‏.‏ وقال الشيخُ الأكبرُ‏:‏ إنَّه من الأسماء الحُسْنَى‏.‏ وفي «تفسير الرازي»‏:‏ أنه تلقَّى وظيفةً من أحد مشايخه‏:‏ يا دهر، يا ديهار، يا ديهور‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «إِنَّمَا الكَرْمُ قَلب المُؤْمِنِ»

وَقَدْ قالَ‏:‏ «إِنَّمَا المُفلِسُ الذِي يُفلِسُ يَوْمَ القِيَامَةِ»‏.‏

كَقَوْلِهِ‏:‏ «إِنَّمَا الصُّرَعَةُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ»‏.‏ كَقَوْلِهِ‏:‏ «لاَ مُلكَ إِلاَّ لِلّهِ»‏.‏ فَوَصَفَهُ بِانْتِهَاءِ المُلكِ، ثُمَّ ذَكَرَ المُلُوكَ أَيضاً فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا‏}‏ ‏(‏النمل‏:‏ 34‏)‏‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ الرَّجُلِ‏:‏ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي

فِيهِ الزُّبَيرُ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ قَوْلِ الرَّجُلِ‏:‏ جَعَلَنِي اللّهُ فِدَاءَك

وَقالَ أَبُو بَكْرٍ لِلنبي صلى الله عليه وسلّم فَدَينَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا‏.‏

باب‏:‏ أَحَبِّ الأَسْمَاءِ إِلَى اللّهِ عَزَّ وَجَل

باب‏:‏ قَوْلِ النبي صلى الله عليه وسلّم «سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي»

قالَهُ أَنَسٌ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم

باب‏:‏ اسْمِ الحَزْن

والكَرْمُ‏:‏ العنبُ، والرجلُ الكريم، ففيه اصطلاحٌ لفظيٌّ، فيكون في مرتبة الاستحباب، ولا دَخْلَ للتحريم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لاَ مُلْكَ إِلاَّ لِلَّهِ‏)‏ وحاصلُ كلامه أنَّ لفظَ‏:‏ «لا»، قد يكونُ لنفي الأصل، وقد يكونُ لنفي الكمال، وقد أنكرتُ- تبعاً للتَفْتَازَانيِّ في «المطول»- أن يكونَ حرفُ «لا» موضوعاً لنفي الكمال، فمدلولُه ليس إلاَّ نفي الأصل‏.‏ فالوجهُ في مثل هذه المواضع‏:‏ أن الناقصَ يَنْزِلُ منزلةَ المعدوم، فيُسْتَعْمَلُ له ما يُسْتَعْمَلُ للمعدوم، فيجتمعُ الاعتباران في المآل، وإنَّما الكلامُ في المدلول‏.‏

باب‏:‏ تَحْوِيلِ الاسْمِ إِلَى اسْمٍ أَحْسَنَ مِنْه

6191- قوله‏:‏ ‏(‏فَاسْتَفَاقَ‏)‏ أي لمَّا فَرَغَ عن شُغْلِهِ الذي كان فيه، توجَّه، والتفت إليه‏.‏ فاحفظه، فإنَّه يَنْفَعُكَ في آخر البخاريِّ للتنظير‏.‏

9192- قوله‏:‏ ‏(‏كَانَ اسْمُهَا بَرَّةً‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، ليس في اسم زينب، وبَرَّة تضادٌّ، ولا اصطلاحٌ، لِمَا كان يترشَّحُ من اسم بَرَّةَ من التزكية‏.‏ ولكنه لمَّا لم يُحِبَّ اسمَ بَرَّةَ، غيَّره، وسمَّاها زينبَ‏.‏

باب‏:‏ مَنْ سَمَّى بِأَسْمَاءِ اْلأَنْبِيَاء

وَقَالَ أَنَسٌ‏:‏ قَبَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم إِبْرَاهِيمَ، يَعْنِي ابْنَهُ‏.‏

6194- قوله‏:‏ ‏(‏لَوْ قُضِيَ أَنْ يَككُونَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلّم نَبِيٌّ عَاشَ ابْنُهُ‏)‏ واعلم أن الراوي ليس بصدد بيان التلازم بين هذين الأمرين، ولكنَّه نبَّه على التناسب بينهما‏.‏

6197- قوله‏:‏ ‏(‏لا يَتَمَثَّلُ صُورَتِي‏)‏ ومن هذا الباب قولُه تعالى‏:‏ ‏{‏وَلَكِن شُبّهَ لَهُمْ‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 157‏)‏ فلا يوجبُ ذلك أن يكونَ هناك رجلٌ آخر مشبَّهاً به في الواقع‏.‏ وقد مرَّ تقريره من قبل مفصَّلاً‏.‏

باب‏:‏ تَسْمِيَةِ الوَلِيد

باب‏:‏ مَنْ دَعا صَاحِبَهُ فَنَقَصَ مِنِ اسْمِهِ حَرْفا

وَقَالَ أَبُو حازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ‏:‏ قالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم «يَا أَبَا هِرَ»‏.‏

وفي حديثٍ ساقطِ الإِسناد النهيُ عن التسمية باسم الوليد، فإنَّه اسمٌ لفرعون هذه الأمة‏.‏ ولمَّا كان الحديثُ فيه ضعيفاً، أجازَ المصنِّفُ التسميةَ به‏.‏

باب‏:‏ الكُنْيَةِ لِلصَّبِيِّ قَبْلَ أَنْ يولَدَ للِرَّجُل

باب‏:‏ التَّكَنِّي بِأَبِي تُرَابٍ، وَإِنْ كانَتْ لَهُ كُنْيَةٌ أُخْرَى

باب‏:‏ أَبْغَضِ اْلأَسْماءِ إِلَى اللّه

باب‏:‏ كُنْيَةِ المُشْرِك

وَقالَ مِسْوَرٌ‏:‏ سَمِعْتُ النبي صلى الله عليه وسلّم يَقُولُ‏:‏ «إِلا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ»‏.‏

6203- قوله‏:‏ ‏(‏يُقَالُ لَهُ‏:‏ أَبُو عُمَيْرٍ‏)‏، فكنَّاه بذلك، وهو صغيرٌ، ولا كذبَ فيه‏.‏ فدلَّ على أن للكلام أنحاءً، وإذن صار الكذبُ والصدقُ أمراً عُرْفياً‏.‏ أَلاَ ترى أن البخاريَّ لمَّا امتحنه الناسُ وسألوه عن أحاديثَ، لم يمرُّوا على حديثٍ منها إلاَّ قال لهم‏:‏ لا أدري، حتَّى إذا أتمُّوها بيَّن الصوابَ من الغلط، وميَّز اللبنَ عن الرَّغْوَة‏؟‏ فلم يكن في قوله‏:‏ لا أدري كذبٌ أصلاً‏.‏ وقد أكثر الغزالي في «الإِحياء» في ذكر أنواع الكلام في باب حفظ اللسان، وأتى بأمثلةٍ لا كذبَ فيها، مع كونها داخلةً تحت الكذب على المشهور‏.‏

6203- قوله‏:‏ ‏(‏فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلاَةَ، وهُوَ في بَيْتِنَا‏)‏، هذا التعبيرُ بعينه أتى به الراوي في قصة السقوط عن الفرس‏.‏ ولمَّا كان المرادُ من الصلاة هناك هي النافلةُ، احتمل أن يكونَ المرادُ في قصة السقوط أيضاً هي هذه، فهذا نظيرٌ لذلك الاحتمال‏.‏

ثم أقولُ‏:‏ إنَّ الراوي لم يُحْسِنْ في هذا التعبير، فإنَّ الأحرى به هي الفريضةُ، لكون أوقاتِها متعينةً‏.‏ بخلاف النافلة، فإنَّ وقتَها لمَّا لم يكن متعيِّناً، لم يُحْسِنْ فيها قولَه‏:‏ «حضر الصلاةَ»‏.‏ وَكذا قوله‏:‏ «ربما» في غير موضعه، فإنَّها واقعةٌ واحدةٌ، لا أنَّها كانت عادةً له‏.‏

باب‏:‏ المَعَارِيضُ مَنْدُوحَةٌ عَنِ الكَذِب

وَقَالَ إِسْحاقُ‏:‏ سَمِعْتُ أَنَساً‏:‏ ماتَ ابْنٌ لأَبِي طَلحَةَ، فَقَالَ‏:‏ كَيفَ الغُلاَمُ‏؟‏ قالَتْ أُمُّ سُلَيمٍ‏:‏ هَدَأَ نَفَسُهُ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدِ اسْتَرَاحَ، وَظَنَّ أَنَّهَا صَادِقَةٌ‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ الرَّجُلِ للِشَّيءِ، لَيسَ بِشَيءٍ، وَهُوَ يَنْوي أَنَّهُ لَيسَ بِحَق

باب‏:‏ رَفعِ البَصَرِ إِلَى السَّمَاء

وَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَآء كَيْفَ رُفِعَتْ‏}‏ ‏(‏الغاشية‏:‏ 17- 18‏)‏ وَقَالَ أَيُّوب‏:‏ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيكَةَ، عَنْ عائِشَةَ‏:‏ رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلّم رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ‏.‏

6205- قوله‏:‏ ‏(‏أَخْنَى الأَسْمَاءِ‏)‏‏:‏ ذليل ترين أسماء‏.‏ ثم قد مرَّ مني التردُّد في أنَّ الخَنَا يختصُّ بهذا الاسم فقط، أو يَعُمُّ كلَّ اسمٍ يكون على وِزَانِهِ، كقاضي القضاة‏.‏ وأوَّلُ من لُقِّب به من الأمة القاضي أبو يوسف، فلو ثَبَتَ أن لقبَه ذلك كان قد بَلَغَ أذنيه، لثَبَتَ جوازُه، لأنَّ مِثْلَه لا يمكن أن يَسْكُتَ على المنكر، وإلاَّ فالتردُّدُ فيه باقٍ‏.‏

فائدة‏:‏ واعلم أن المشهورَ على الألسنة‏:‏ أن الأسماءَ تَنْسَلِخُ عن معنى الخبرية قطعاً، وليس بصحيحٍ، فإنَّها، وإن لم تكن كالأخبار الصريحة، ولكن يبقى فيها إيماءٌ إلى الخبرية‏.‏ ولذا كان مَلِكُ الأملاك من أَخْنَى الأسماء، ولو انْسَلَخَ عن معنى الخبرية أصلاً، لَمَا كان أَخْنَى‏.‏ نعم قد يَنْكَشِفُ ذلك في المواضع، وكما في مَلِك الأملاك، وقد لا يَنْكَشِفُ، كما في التكنِّي بأبي عُمَيْر‏.‏ فذلك من باب المراتب في الشيء، كما قرَّرناه سابقاً‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مَنْدُوحَةٌ‏)‏، أي متَّسَعٌ ومَفَرٌّ‏.‏ أرادَ المصنِّفُ من المعاريض‏:‏ التورية، أي التكلُّم بكلامٍ لا يَفْهَمُ المخاطَبُ ما أراد منه المتكلِّمُ، وما يَفْهَمُ منه يَظُنُّهُ صادقاً باعتباره، ولام يُرِدْ تعريضَ علماء البيانُ‏.‏ ثم أخرجَ حديثَ القوارير‏.‏

6212- وقوله‏:‏ ‏(‏ما رأينا من شيءٍ‏)‏، مع أنه كان رأى شيئاً من الأشياء لا مَحَالة، فيكونُ المرادُ شيئاً يُعْتَدُّ به، فسمَّاها معاريضَ، مع أنَّها ليست من المعاريض في شيءٍ، وذلك لكونه ليس من فَنِّه، نعم لو أتى عليه مثلُ الزمخشريّ، لكشف عن حقيقته‏.‏

وبالجملة‏:‏ مرادُ المصنِّف أنَّ المعاريضَ وأمثالَها، ليست من الكذب في شيءٍ، ولكنَّها أنواعٌ من الكلام‏.‏

باب‏:‏ نَكْتِ العُودِ في المَاءِ وَالطِّين

باب‏:‏ الرَّجُلِ يَنْكُتُ الشَّيءَ بِيَدِهِ في اْلأَرْض

ولمَّا ثَبَتَ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلّم لا يكونُ مخالفاً للوقار والمتانة‏.‏

6217- قوله‏:‏ ‏(‏فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ‏)‏، أي لستم في مُكْنَةٍ من فعل شيءٍ، وتركِه من عند أنفسكم‏.‏ وإنَّما هو أمرٌ مقدَّرٌ، فتفعلون وتتركون ما قُدِّرَ لكم‏.‏ وذلك يكون مُيَسَّراً لكم، فلا يأتي منكم خلافُه‏.‏ فالاتكالُ، وترك الجهد في الأعمال عبثٌ‏.‏

باب‏:‏ التَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ عِنْدَ التَّعَجُّب

فأباح المصنِّفُ إخراجَ الأذكار عن معناها واستعمالها في غيره، وهو ثابتٌ في السَّلَفِ ثبوتاً لا مردَّ له‏.‏ وحينئذٍ ينبغي أن يؤوَّلَ ما في «الدر المختار»‏:‏ أن الطلبةَ إن اصطلحوا على أن يُكَبِّرُوا، أو يسبِّحُوا عند ختم الدرس، فهو مكروهٌ، لأنَّه إخراجُ الذكر عن مدلوله‏.‏ نعم إن كان أخراجُه إلى محل ممتهنٍ، فله وجهٌ، كما ذكره الحنفيةُ‏:‏ إن السائلَ إن ذكر اسمَ الله على الباب، لا يقولُ السامعُ‏:‏ جلَّ جلاله، أو كلمةً تدلُّ على عظمته تعالى، وإن كان أدراً في عامة الأحوال، وذلك لأنَّه قال باسمه في موضعٍ لم يكن له ذلك‏.‏

باب‏:‏ النَّهْي عَنِ الخَذْف

وفي حكمه القوس‏:‏ غليل‏.‏

باب‏:‏ الحَمْدِ لِلعَاطِس

باب‏:‏ تَشْمِيتِ العَاطِسِ إِذَا حَمِدَ اللّه

فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ‏.‏

باب‏:‏ ما يُسْتَحَبُّ مِنَ العُطَاسِ وَما يُكْرَهُ مِنَ التَّثَاؤُب

باب‏:‏ إِذَا عَطَسَ كَيفَ يُشَمَّت

باب‏:‏ لاَ يُشَمَّتُ العَاطِسُ إِذَا لَمْ يَحْمَدِ اللّه

6221- قوله‏:‏ ‏(‏وهَذَا لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ‏)‏‏.‏

حكاية‏:‏ اتَّهمَ الناسُ قاضياً بالرِّشْوَةِ في عهد الرشيد، فجيء به بين يديه، إذ عَطَسَ الرشيدُ، فشمَّته الناسُ، ولم يشمِّته القاضي‏.‏ فسأله إنك لِمَ لم تشمِّتني، وقد شمَّتني الناسُ‏؟‏ قال‏:‏ إنَّك لم تَحْمَد اللَّهَ‏.‏ فقال له‏:‏ اذهب إلى قضائك، فإنَّ من لا يَجُودُ بكلمةٍ، لا يَغْصِبُ أموالَ النَّاسِ‏.‏

باب‏:‏ إِذَا تَثَاوَبَ فَليَضَعْ يَدَهُ عَلَى فِيه

6226- قوله‏:‏ ‏(‏ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ‏)‏ لمَّا يَرَاه تابعاً، ومسخَّراً له‏.‏

كتاب‏:‏ الاستئذان

باب‏:‏ بَدْءِ السَّلاَم

أي كيف ظَهَرَ السلامُ في الكون، وكيف وُجِدَ من كَتْمِ العدمِ‏؟‏ والمرادُ به ظهورُ ذلك النوع، فيحوي على بقائه أيضاً، كما مرَّ تقريره في بَدْءِ الوحي‏.‏ وإذن لا يقتصرُ على الأحوال الابتدائية فقط‏.‏

6227- قوله‏:‏ ‏(‏خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ‏)‏، والصوابُ أن الضميرَ راجعٌ إلى اللَّهَ تعالى لِمَا في بعض الطُّرُق‏:‏ «على صورة الرحمن»‏.‏ وإذن أشكلَ شرحُهُ‏.‏ فقال القاضي أبو بكر بن العربي‏:‏ إن المرادَ من الصورة الصفةُ، والمعنى‏:‏ أنَّ اللَّهَ تعالى خلق آدمَ على صفاته‏.‏ وتفصيلُه أنه وضع في بني آدم أُنْمُوذَجاً من الصفات الإِلهية، وليس من الكائنات أحدٌ مَنْ يكون مظهراً كاملاً لتلك الصفات، إلاَّ هو‏.‏ أَلاَ ترى أنَّ صفةَ العلم التي هي من أخصِّ الصفات لا توجدُ إلاَّ في الإِنسان‏؟‏ فإنَّ سائِرَ الحيوانات ليس فيها إلاَّ قوةً مَخِيلةً‏.‏

وقيل‏:‏ الغرضُ من إسناد الصورة إلى نفسه، مجرَّدُ التشريف والتكريم، على ما يَنْطِقُ به النصُّ‏:‏ ‏{‏لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ‏}‏ ‏(‏التين‏:‏ 4‏)‏‏.‏ وليس المرادُ منه‏:‏ أنَّ تعالى أيضاً صورة‏.‏

وقال الشيخُ الأكبرُ‏:‏ الصورةُ على معناها، ومغزى الحديث‏:‏ أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى لو تنزَّل إلى عالم الناسوت، لكان في صورة الإِنسان، فإنَّ ذلك صورتُه في هذا العالم، لو كانت‏.‏ أَلاَ ترى أنه أسندَ إلى نفسه‏:‏ العينَ، والقدمَ، والأصابعَ، والوجهَ، والساقَ، واليدَ، والحَقْوَ، واليمينَ، والقبضةَ، والرداءَ، والإِزارَ، إسناداً شائعاً في القرآن والحديث، ولا ريب أنَّها هي حِلْيَةُ الإِنسان‏؟‏ فلو فرضنا فرضَ المُحَال أنَّ اللَّهَ تعالى لو كان نازلاً في العالم الناسوتي، لَمَا كانت حِلْيَتُهُ إلاَّ حليةَ الإِنسان‏.‏ وإليه يُشِيرُ قولُه صلى الله عليه وسلّم في حديث الدَّجَّال‏:‏ «إنه أعورُ العين اليمنى، وربُّكم ليس بأعور»‏.‏ فلو تجلَّى ربُنا جلَّ وعلا في هذا العالم لم يكن أعور، فإنَّه ليس من حِلْيَةِ الإِنسانِ الصحيح‏.‏

ثم إنَّ الشيخَ الأكبرَ ذكر في موضعٍ من كتابه‏:‏ أن للصورة معاني، فمنها أنه يُرَادُ منها الأوامر والنواهي، فهذا قريبٌ ممَّا ذكره ابن العربيِّ، بيدَ أنه أراد منها الصفاتِ مطلقاً، وأراد الشيخُ الأكبرُ هذه الأشياء خاصةً‏.‏

هذا ملخَّصُ ما ذكروه إلى الآن، ثم تَنَاقَلُوه في الشروح‏.‏ والذي تبيَّن لي‏:‏ أنَّ الصورةَ على نحوين‏:‏

الأولى‏:‏ ما كانت قائمةً بذاته تعالى، حاكيةً عنه جلَّ مجده‏.‏ وتلك ليست بمرادةٍ ههنا، بل يَجِبُ نفيُها عنه، ولا مادةَ لها في السمع‏.‏

والثانيةُ‏:‏ ما ليست قائمةً بذاته تعالى، ولكنَّه تعالى علَّمنا إيَّاها في كتابه، أنَّها صورتُه، فأسندَ إليه‏:‏ الوجهَ، واليدَ، والساقَ، واقدمَ، والأصابعَ، وأمثالَها‏.‏ لا أَقُولُ إنَّه أثبتها لنفسه، ولكن أقولُ‏:‏ إنه أسندَها إليه، وكم من فرقٍ بينهما ثم أقولُ‏:‏ ‏{‏يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِهِمْ‏}‏ ‏(‏الفتح‏:‏ 10‏)‏ كما قاله هو، ولا أقولُ‏:‏ إنَّ يداً‏.‏ فإن كنتَ ممَّن يقوم بالفرق بينهما، فادره‏.‏

ولقد أجاد البخاريُّ حيث سمَّاها في كتابه نعوتاً، لا صفاتٍ، لكونها غيرَ معانٍ زائدةٍ على الذات، فهي الحِلْيَةُ‏.‏ وسمَّاها المتكلِّمون صفاتٍ سمعيةً، وسمَّوْا نحوَ القدرةِ والإِرادةِ صفاتٍ عقليةً، فجعلوا مرجعَها إلى الصفات أيضاً، فصارت معاني زائدةً على الذات، كما هو مقتضى معنى الصفة‏.‏ بخلاف الصورة، والحلْيَةِ، فإنها من الذات، لا معاني زائدة عليها‏.‏ ولعلَّك عَلِمْتَ أن في تسميتها صفاتٍ- كما سمَّاها المتكلِّمون تفويتٌ لغرضِ الشارع، وإخلاءُ هذه الألفاظ عن معانيها‏.‏ وأحسنَ البخاريُّ في تسميتها نعوتاً، فلم يَدُلَّ على كونها زائدةً على الذات‏.‏

نعم لا بُدَّ من تقييدها بكونها وراءَ عقولِنا، وخيالِنا، وأوهامِنا، ثم وراءَ، ووراءَ، وبما شِئْتَ من التنزيهات ممَّا يُسَاعِدُك فيها خيالُك‏.‏ فهذه النعوتُ التي كلَّت الأنظارُ والأفكارُ عن إدراكها هي صورتُه تعالى، وإرجاعُها إلى معنى الصفات، سلخٌ عن معناها‏.‏ وليست تلك على حدِّ ما زَعَمَهُ الفلاسفةُ، أي ما تَحْصُلُ بإِحاطة الحدِّ والحدودِ‏.‏ فإن تلك الصورةَ لا تختصُّ بشيءٍ دون شيء، مع أنَّ الله تعالى ذكرها في موضع الامتنان، وقال‏:‏ ‏{‏وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏}‏ ‏(‏غافر‏:‏ 64‏)‏ فدلَّ على معنى زائدٍ فيها، فالتصويرُ أمرٌ مُغَايِرٌ للخلق‏.‏ وما ذكروه من الإِحاطة داخلٌ في الخلق، فلا يَظْهَرُ في العطفِ لطفٌ، مع أنه قال‏:‏ «خلقكم»، «وصوَّركم»‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏.‏ فجاء بالعطف تنبيهاً على تغايُرِهما‏.‏

فاللَّهُ سبحانه يتجلَّى في هذه النعوت التي نَعَتَ بها نفسه في الدنيا والآخرة، فإنَّ الحِلْيَةَ المرضيةَ له هي التي نَعَتَ بها نفسَه بِنفسِه، ففيها تكونُ الرؤيةُ، وهي التي تسمَّى برؤية الرَّبِّ جلَّ مجده‏.‏ أَلاَ ترى أنك إذا رأيتَ ربَّك في المنام، تيقَّنتَ أنَّكَ رأيتَ الرَّبَّ عزَّ برهانه، مع علمكَ أنه ليس ربَّك، وهذا لأنَّكَ تنفي كونَ تلك الصورة ربّاً، مع إذعانكَ بكون المجلَّى فيها ربَّك عزَّ سلطانه‏.‏ فكأنَّكَ في بيانك هذا تنفي المثلَ له، وتريدُ المَرْمَى‏.‏ وإذ قد ورد في الحديث‏:‏ «أنَّ المؤمنين يَرَوْنَ ربهم في المحشر في صورة يعرفون بها»، فما الدليلُ على أنه ليست برؤيته‏؟‏ بل هو رؤيةٌ محقَّقةٌ فوق رؤيتك إيَّاه في المنام، ثم أَزْيَد، وأَزْيَد‏.‏

وبالجملة لا يُمْكِنُ الوصولُ للعبد إلى جَنَابه تعالى إلاَّ بوساطة تلك الصورة، فإنَّ اللَّهَ تعالى غنيٌ عن العالمين‏.‏

وتحقيقُه‏:‏ أن صورةَ الشيء ما تُعْرَفُ بها شخصيةُ الشيء، ولا ريبَ أن الأدخلَ فيه هو الوجه، ولذا أظنُّ أن غالبَ استعمال الصورة في الوجه، لأنَّه هو مبدأ التمييز والمعرفة كثيراً‏.‏ ولذا قَلَّما يُسْتَعْمَلُ لفظُ الصورة في الجمادات والنباتات خاصةً، وذلك لأنَّها ممَّا يُسْتَغْنَى عن معرفة أشخاصها‏.‏ وإنَّما نحتاجُ إلى معرفة الشخصية في الحيوانات، أمَّا النباتاتُ والجماداتُ فليس لنا بشخصياتها عرضٌ‏.‏ ثم لمَّا كان الأقدمُ في المعرفة هو الإِنسانُ، كان أقدمَ في إطلاق الصورة عليه أيضاً، ثم الحيوانات، ثم الأشجار‏.‏ أمَّا السماءُ والأرضُ، فهي مبسوطةٌ كالمادة، لا يَسْأَلُ عن صورها أحدٌ‏.‏

ولما كان اللَّهُ سبحانه غايةَ الغايات، ومنتهى المطالب، ومقصودَ العوالم كافةً، وكان في أقصى مراتب التجرُّد والتنزُّه، احتاج الناسُ لمعرفته إلى صورةٍ يَعْرِفُون بها ربَّهم، لأن الماديَّ المظلمَ المتدنسَ بأنواع الظلمات‏.‏ لا يَبْلُغُ شَأْوَ المجرَّد، وإن تجرَّد، وإن تجرَّد‏.‏ فلا يَحْصُلُ له نسبة الرائي، والمرئي بينه وبين الله تعالى إلاَّ بقَدْرِ ما يتمكَّن من إدراكه، وينالُ من نعوته، ويَبْلُغُ مبلغَهما‏.‏ فلا يمكن الوصولُ للإِنسان إلى ربِّه جلَّ مجده إلاَّ بوساطة الصور‏.‏ ولولا تلك، لوجدته يَؤُساً قَنُوطاً، محروماً عن الرؤية‏:‏

كيف الوصولُ إلى سعاد، ودونها، *** قُلَلُ الجِبال، ودونهن حتوفُ‏؟‏

وبالجملة لم يُخُبِرْنا ربُّنا تبارك وتعالى إلاَّ بتلك الحِلْيَةِ، وعلَّلنا بها‏.‏ فلا علمَ لنا إلاَّ ما علمتنا، فنحن نهتدِ بها‏.‏ فإن تعسَّر عليك إسنادُ الصورة إلى جَنَابه تعالى، وتراه خلافَ التنزيه، فاعلم أنَّ منشأَة أنَّك تَزْعُمُ اتحادَ الصورة مع زيِّها دائماً، ولا تتعقَّلُ انفكاكَها عن الذات‏.‏ وليس ذلك إلاَّ لأنَّك مَارَسْتَ صورةَ الإِنسانِ، فرأيتَها قائمةً به، غيرَ منفصلةٍ عنه‏.‏ مع أنَّ صورةَ الإِنسان أيضاً غيرُه، بل ما من شيءٍ إلاَّ وصورتُه تُغَايِرُهُ‏.‏ وإنَّما نحن أجسادٌ من عالم الناسوت، فالتبس الحالُ فينا‏.‏

ويدُلُّكَ على ما قلنا، أنك إذا رأيتَ المرآةَ وجدتَ فيها صورتَك؛ مع انعدام زِيِّ الصورة منها، فَدَلَّ على أنَّ الصورةَ قد تنفكُّ عن زِيِّها‏.‏ ولولا ذلك لَمَا وَسِعَكَ أن تقولَ‏:‏ إنَّك رأيتَ صورتَكَ في المرآة‏.‏ فلمَّا أقرَّ به أهلُ العُرْفِ، عُلِمَ أنَّ صورتَك غيرُك، وقد تنفكُّ عنكَ أيضاً، إلاَّ أنَّك كنتَ من عالم الناسوت، فضاهت صورتُك بنفسك‏.‏ وهكذا في العلم، فإنَّه لا يَحْصُلُ فيه إلاَّ صورةَ الشيء، دون الذات بعينها، وهي التي تسمَّى صورتُه الذهنيةُ‏.‏

ثم ههنا دقيقةٌ أخرى، وهي‏:‏ أنه لا يَحْصُلُ لزيدٍ علمُ عمروٍ، بل لا يمكنُ أن يَحْصُلَ له علمُه، ما لم يكن عمرو من ملابسات زيدٍ بنوعٍ من التعمُّل، أعني به حصولَ نسبةٍ خاصةٍ بين زيدٍ وعمروٍ، حتى يُعَدَّ من صفات زيدٍ ومتعلقاتِه، وذلك بحصول صورته في الذهن‏.‏ فإذا حَصَلَت صورتُه في ذهنه، وقامت به صار عمرو من ملابساته مثل صفاته، وحينئذَ يَحْصُلُ له علمُهُ‏.‏ وهكذا الحالُ في المرآة، فإنَّها لا تُرِيكَ صورتَكَ حتَّى تكونَ قائماً بها قيامَ الأوصاف بموصوفاتها، وهو بقيام شَبَحِكَ فيها‏.‏ فإذا حَصَلَ فيها شبحُكَ، وصِرْتَ من ملابساتها، بنحوٍ من التعمُّل كصورة عمرٍو لزيدٍ، جَعَلتْ تُرِيكَ صورتَك‏.‏ وإنَّما الفرقُ بين الصورتين‏:‏ أن الذِّهْنَ تَنْطَبِعُ فيه صورةُ المعقولات والحسيَّات، والمرآةَ لا تَنْطَبِعُ فيها الأمورُ المحسوسات‏.‏

ولعلَّك عَلِمْتَ أنه لا بُدَّ لرؤية نفسه من نوع اثنينية، فما لم تَقُمْ تلك الاثنينيةُ بين المرء ونفسه، ولا يُمْكِنُ له رؤيتها‏.‏ وحينئذٍ عُلِمَ أنَّه لا بُدَّ للإِنسان أن يكونَ مخلوقاً على صورته‏.‏ فإنَّ العالمَ كلَّه كالمرايا لحضرة الرَّبِّ تعالى، والمتجلي فيها هو اللَّهُ سبحانه، وهي مسألةُ التجلِّي‏.‏

وما أقربُ حال الشَّبَح وزِيِّه بالصورة وزيِّها‏.‏ فكما أنَّ الشَّبَحَ غيرُ زيِّ الشَّبَحِ، وينفكُّ عنه‏.‏ هكذا فليفهم صورة الرحمن، فإنَّها غيرُ قائمةٍ بالباري تعالى، ومنفصلةٌ عنه‏.‏

إلاَّ أنَّه لا يمكن رؤيةُ تلك الصورة من نفسها بنفسها، ما لم تقع الاثنينيةُ بين الرائي والمرئي، فخلق اللَّهُ تعالى الإِنسانَ، ليكونَ مظهراً ومرآةً لصورته، ويتجلَّى فيه حتَّى يَظْهَرَ أمرُهُ في الأكوان، ويقالُ‏:‏ إنَّ الإِنسانَ خُلِقَ على صورة الرحمن‏.‏ وإلاَّ فما للإِنسان أن يكونَ مظهراً له، كما هو‏.‏ وما للممكن أن تتجلَّى فيه صورةُ الرحمن كما هي‏.‏ ولكن تلك أمثالٌ وأوهامٌ، ترتاحُ بها نفوسُ الصُّبَّة الهائمة، فيُعَلِّلون بها أنفسَهم، واللَّهُ تعالى أعلى وأجلُّ، وَسِعَ كرسيَّه السمواتِ والأرضَ، ولا يَؤُدُه حفظُهُما، وهو العليُّ العظيمُ‏.‏

ثم أَحْسَبُ أنص التجلِّي لا يكون إلاَّ فيما أطلقه على نفسه من النور، والوجه، وغيرِهما‏.‏ وما لم يَرِدْ النصُّ بإِطلاقه عليه تعالى، فلعلَّه لا يكونُ فيه التجلِّي أيضاً‏.‏ وقد تجلَّى ربُّنا تبارك وتعالى لموسى عليه الصلاة والسلام مرتين‏:‏ مرَّةً في الجَذْوَةِ في شجرةٍ حين ذهابه إلى بني إسرائيل، ومرةً أخرى حين رَجَعَ عنهم، وذلك حين سأل ربَّه أن يتجلَّى له، فيراه بعينيه هاتين، فَنُودِي ‏{‏لَن تَرَانِى‏}‏ ‏(‏الأعراف‏:‏ 143‏)‏‏:‏

تَجَلَّى، ولم يُكْشَفْ كسُبحاتِ وجهه *** كمثل تجلِّي النور في جبل الطور

وكان حجابُ النور نوراً، وظلمةً *** ومن بين غيبٍ، والشهادةُ أَوْرَى

فيذهب ما قد كان عنوانٌ بينه، *** ويبقى به مرآه في حكمٍ مستورٍ

والظلمةُ فيه من لفظ الحديث، وإنَّما أتى به لِيَكْشِفَ به معنى الحِجَاب، فإنَّه لا حِجَابية في النور، فعبَّر عن معنى الحِجَابية بالظلمة‏.‏

ثم إنَّك قد سَمِعْتَ منَّا في أمر الصورة ما سَمِعْتَ، فاسمع الآن ما ذَكَرَهُ الماتريديُّ في الكلام النفسيِّ، فإنه قال‏:‏ إنَّه غيرُ مسموعٍ، خلافاً للأشعريِّ، فذهب إلى أنَّه مسموعٌ‏.‏ وحينئذٍ، فالكلامُ المسموعُ من الشجرة عند الماتريديِّ، كان مخلوقاً للَّهِ تعالى، فهل تتعقَّل انفصالَ الكلام عن المتكلِّم‏؟‏ وإن كنتَ عَقِلْتَه، وفَهِمْتَهُ، فهلاَّ قِسْتَ عليه أمرَ الصورة، ليتجلَّى لك الحالُ‏؟‏‏.‏

ثم إنَّ تجلِّي الوجه عندي يكون في الجنَّةِ، وتجلِّي الساق في المحشر، وهذا يَعْرِفُهُ المؤمنون‏.‏ وتجلِّي القدم لخيبة جهنَّم، والله تعالى أعلمُ بحقيقة الحال‏.‏

وبالجملة‏:‏ الرؤيا عبارةٌ عن رؤية تلك التجلِّيات‏.‏

باب‏:‏ قَوْلِ اللّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُواْ وَتُسَلّمُواْ عَلَى أَهْلِهَا ذلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فِيهَآ أَحَداً فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمُ وَإِن قِيلَ لَكُمْ ارْجِعُواْ فَارْجِعُواْ هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُواْ بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ لله‏}‏

وقالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الحَسَنِ لِلحَسَنِ‏:‏ إِنَّ نِسَاءَ العَجَمِ يَكْشِفنَ صُدُورَهُنَّ ورُؤُوسَهُنَّ‏؟‏ قالَ‏:‏ اصْرِف بَصَرَكَ عَنْهُنَّ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَرِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ‏}‏ ‏(‏النور‏:‏ 30‏)‏ وَقالَ قَتَادَةُ‏:‏ عَمَّا لاَ يَحِلُّ لَهُمْ‏.‏ ‏{‏وَقُل لّلْمُؤْمِنَتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَرِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ‏}‏، ‏(‏النور‏:‏ 31‏)‏ ‏{‏خَآئِنَةَ الاْعْيُنِ‏}‏ ‏(‏غافر‏:‏ 19‏)‏ مِنَ النَّظَرِ إِلَى ما نُهِيَ عَنْهُ‏.‏ وَقالَ الزُّهْرِيُّ في النَّظَرِ إِلَى الَّتِي لَمْ تَحِضْ مِنَ النِّسَاءِ‏:‏ لاَ يَصْلُحُ النَّظَرُ إِلَى شَيءٍ مِنْهُنَّ، مِمَّنْ يُشْتَهى النَّظَرُ إِلَيهِنَّ، وَإِنْ كانَتْ صَغِيرَةً، وَكَرِهَ عطَاءٌ النَّظَرَ إِلَى الجَوَارِي يُبَعْنَ بِمَكَّةَ إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ‏.‏

باب‏:‏ السَّلاَمُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللّهِ تَعَالَى

‏{‏وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدُّوهَآ‏}‏ ‏(‏النساء‏:‏ 86‏)‏‏.‏

باب‏:‏ تَسْلِيمِ القَلِيلِ عَلَى الكَثِير

باب‏:‏ تَسْلِيمِ الرَّاكِبِ عَلَى المَاشِي

قوله‏:‏ ‏(‏وَكَرِهَ عَطَاءٌ النَّظَرَ إِلَى الجَوَارِي يُبَعْنَ بِمَكَّةَ، إلاَّ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يَشْتَرِيَ‏)‏، وعن محمد بن سلاَّم في فقه الحنفية‏:‏ أنه لا حرمةَ لنساء الكفَّار، فإنهنَّ قد هَتَكْنَ حُرَمَهُنَّ بأنفسهنَّ، فلا بأسَ في وقوع البصر عليهن‏.‏

قلتُ‏:‏ ومرادُه من النظر هو النظرُ لا عن عمدٍ‏.‏ أمَّا إن كان عن عمدٍ، فلا يجوز‏.‏

باب‏:‏ تَسْلِيمِ المَاشِي عَلَى القَاعِد

باب‏:‏ تَسْلِيمِ الصَّغِيرِ عَلَى الكَبِير

باب‏:‏ إِفشَاءِ السَّلاَم

باب‏:‏ السَّلاَمِ لِلمَعْرِفَةِ وَغَيرِ المَعْرِفَة

باب‏:‏ آيَةِ اْلحِجَاب

باب‏:‏ الاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَر

وجملةُ الأمر في هذه الأبواب‏:‏ أنَّ الشارعَ راعى فيها الجانبين، فحرَّض الماشي أن يُسَلِّم على القاعد، والراكبَ على الرَّاجِل، لئلاَّ يَسْرِي الكِبَرُ إلى صاحبه‏.‏ وحرَّض القليلَ أن يُسَلِّم على الكثير رعايةً للتعظيم‏.‏ فقد يُقْصَدُ من التسليم نقضُ كِبَرِهِ، حيث يُخَافُ منه الكِبَرُ‏.‏ وقد يُرَادُ تعظيمُ المسلَّم عليه، حيث يكون موضعَهُ‏.‏ وهما نظران‏.‏

باب‏:‏ زِنَا الجَوَارِحِ دُونَ الفَرْج

باب‏:‏ التَّسْلِيمِ وَالاسْتِئْذَانِ ثَلاَثا

ذهب طائفةٌ من العلماء إلى أن النظرَ إلى غير المحرَّمة، ولمسَهَا من الصغائر‏.‏

قلتُ‏:‏ والأحاديثُ قد وردت بالوعيد فيمن نَظَرَ إلى أجنبيةٍ نظرَ شهوةٍ، فيكون من الكبائر‏.‏ وما قيل‏:‏ إنَّ وسائلَ الكبائر صغائرُ، فليس على إطلاقه، ولا بُدَّ فيه من تفصيلٍ‏.‏ أمَّا نظرُ فضل بن عبَّاسٍ إلى امرأةٍ من خَثْعَم، فلم يكن من هذا الباب، فإنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم صَرَفَ وَجْهَه خَشْيَةَ أن يَدْخُلَ الشيطانُ بينهما‏.‏ فدلَّ على أنَّه لم يكن بلغ نظرُه هذا المَبْلَغ بعدُ، ولكنَّه صَرَفَ وجهَه قبل أن يَبْلُغَ مَبْلَغَهُ‏.‏

6243- قوله‏:‏ ‏(‏مَا رَأَيْتُ شَيْئاً أَشْبَهَ باللَّمَمِ‏)‏ يريدُ ابنُ عبَّاسٍ أن يستفيدَ من حديث أبي هريرة هذا تفسِيرَ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِلاَّ اللَّمَمَ‏}‏ ‏(‏النجم‏:‏ 32‏)‏، فجعل دواعي الزِّنَّا، وما يقعُ من الرجل في سلسلة الزِّنَّا من المعاصي كلَّها صغائرَ ولمماً، فإن غشي الزنا تُحْسَبُ كلُّها من الزنا، وتنقلب كبائرَ، وإلاَّ فهي صغائرُ تَصْلُحُ أن تُغْفَرَ له، ويُعْفَى عنها‏.‏ فاستفاد منه بعضُهم تعريفَ الصغيرة، وقال‏:‏ إنَّ المعاصي على نحوين‏:‏ منها ما تقعُ تمهيداً، ومنها ما تكون مَقْصَداً‏.‏ فالتي تقعُ في السلسلة، وتكون وسيلةً لتحصيل منتهاها، هي الصغائرُ، وذلك المنتهى هو الكبيرةُ‏.‏

قلتُ‏:‏ ولا بُدَّ فيه من تنبيهٍ، وهو أن السمعَ، والبصرَ، والنظرَ قد تَصِيرُ مقصورةً أيضاً، وذلك حين يَعْجَزُ عن المنتهى- أعني الزنا- فيرضى بتلك الأمور، ويجعلها مقصورةً لحظِّ نفسه، وحينئذٍ لا ريب في كونها كبيرةً‏.‏ نعم إن أتى بها في سلسلة الزنا، ثم امتنع عنه مخافةَ ربِّه جلَّ وعلا، فَيَنْزِلُ امتناعُه عن الزنا منزلةَ التوبة، ويُرْجَى له أن تُغْفَرَ له تلك السلسلة بأسرها، إذا أَتْبَعَهَا بحسنةٍ، فإنَّ الحسناتِ يُذْهِبْنَ السيئاتِ‏.‏

أمَّا الحديثُ، فهو في الدواعي التي تكونُ مبادئاً للزنا، وقد سَمِعْتُ أنَّها إذا كانت في سلسلةٍ غيرِ مقصودةٍ بأنفسها، فهي صغائرُ، ولممٌ، فإن غشي الزنا- والعياذ بالله- أخذ بالأوَّل والآخر، ويُحْسَبُ الكلُّ من الزنا، وتكون كبائرَ‏.‏ فإن جَعَلَها مقصودةً، كما إذا عَشِقَ امرأةً، فَجَعَلَ يلتذُّ بالنظر والسمع، صارت كبائرَ في حقِّه، لكونها حينئذٍ مقصودةً‏.‏

ومن ههنا عُلِمَ أن معصيةً واحدةً تختلف صغيرةً وكبيرةً، لحال الفاعلين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله‏:‏ أَرَادَ عمرُ التثبُّتَ، لا أن لا يُجِيزَ خبرَ الواحدِ‏)‏، وذلك لأنَّ عمرَ رواه بنفسه أيضاً، كما عند الترمذيِّ، فكيف جاز له أن يتردَّدَ فيه‏؟‏ غير أنه لم يكن عنده هذا التفصيل، فأراد التثبُّتَ فيه‏.‏

باب‏:‏ إِذَا دُعِيَ الرَّجُلُ فَجَاءَ هَل يَسْتَأْذِن

قالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلّم قالَ‏:‏ «هُوَ إِذْنُهُ»‏.‏

باب‏:‏ التَّسْلِيمِ عَلَى الصِّبْيَان

قلتُ‏:‏ وينبغي أن يُنْظَرَ فيه إلى الأحوال أيضاً، فإن كان الداعي جالساً في النساء، لا بُدَّ له من الاستئذان مرَّةً ثانيةً، ولم يَكْفِ له دعوتُه‏.‏

باب‏:‏ تَسْلِيمِ الرِّجالِ عَلَى النِّسَاءِ، وَالنِّسَاءِ عَلَى الرِّجال

باب‏:‏ إِذَا قالَ‏:‏ مَنْ ذَا‏؟‏ فَقَالَ أَنَا

6248- قوله‏:‏ ‏(‏كَانَتْ لنا عَجُوزٌ تُرْسِلُ إلى بُضَاعَةَ‏)‏‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ، وهذا ما قلتُ لكم‏:‏ إن بئرَ بُضَاعَةَ كانت تُسْقَى منها البساتين‏.‏ وليس التصريحُ باسمها- البُضَاعة- إلاَّ في هذا الموضع‏.‏ وهذا الذي أراده الطحاويُّ من الجريان، أي كان الماءُ يُسْقَى منها، فلم يكن يستقرُّ فيها، فكان ماؤها جارياً بهذا المعنى‏.‏ ولمَّا لم يُدْرِك مرادَه بعضُهم اعترض عليه، وقال‏:‏ إنَّها كانت قليلةَ الماء، ولم تكن عيناً، فكأنَّهم حَمَلُوه على الجريان من طرفٍ إلى طرفٍ، وكان مرادُه رحمه الله النبوعَ من التحت، والاستقاء من الفوق، فَسَخِرُوا به من قلَّةِ علمهم‏.‏ ثم إنِّي لم أر أحداً من الشارحين توجَّه إلى هذه الرواية، وكان لا بُدَّ لكون جريانها ثابتاً من البخاريِّ، غير أن الحمويَّ ذكرها في «معجم البلدان»‏.‏