فصل: تفسير الآيات (4- 7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (4- 7):

{وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آَيَةٍ مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4) فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (5) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (6) وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
{وما تأتيهم} يعني أهل مكة {من آية من آيات ربهم} يعني من المعجزات الباهرات التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل انشقاق القمر وغير ذلك وقيل المراد بالآيات آيات القرآن {إلا كانوا عنها معرضين} يعني إلا كانوا لها تاركين وبها مكذبين {فقد كذبوا بالحق} يعني بآيات القرآن وقيل بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما أتى به من المعجزات {لما جاءهم} يعني لما جاءهم الحق من عند ربهم كذبوا به {فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون} يعني فسوف يأتيهم أخبار استهزائهم إذا عذبوا في الآخرة.
قوله تعالى: {ألم يروا} الخطاب لكفار مكة يعني ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتي {كم أهلكنا من قبلهم من قرن} يعني مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم الماضية والقرون الخالية. والقرن الأمة من الناس وأهل كل زمان قرن سموا بذلك لاقترانهم في الوجود في ذلك الزمان وقيل سمي قرناً لأنه زمان بزمان وأمة بأمة واختلفوا في مقدار القرن، فقيل: ثمانون سنة. وقيل: ستون سنة. وقيل: أربعون سنة. وقيل: مائة وعشرون، وقيل: مائة سنة. وهو الأصح لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن بشر المازني: «إنك تعيش قرناً» فعاش مائة سنة. فعلى هذا القول: المراد بالقرن أهله الذين وجدوا فيه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» يعني أصحابي وتابعيهم وتابعي التابعين {مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم} يعني أعطيناهم ما لم نعطكم يا أهل مكة وقيل أمددناهم في العمر والبسطة في الأجسام والسعة في الأرزاق مثل إعطاء قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم {وأرسلنا السماء عليهم مدراراً} مفعال من الدر يعني وأرسلنا المطر متتابعاً في أوقات الحاجة إليه والمراد بالسماء المطر سمي بذلك لنزوله منها {وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم} يعني: وفجرنا لهم العيون تجري من تحتهم والمراد منه كثرة البساتين {فأهلكناهم بذنوبهم} يعني بسبب ذنوبهم وكفرهم {وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين} يعني وخلفنا من بعد هلاك أولئك أهل قرن آخرين وفي هذه الآية ما يوجب الاعتبار والموعظة بحال من مضى من الأمم السالفة والقرون الخالية فإنهم مع ما كانوا فيه من القوة وسعة الرزق وكثرة الأتباع أهلكناهم لما كفروا وطغوا وظلموا فكيف حال من هو أضعف منهم وأقل عدداً وعدداً وهذا يوجب الاعتبار والانتباه من نوم الغفلة ورقدة الجهالة.
قوله عز وجل: {ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس} الآية. قال الكلبي ومقاتل: نزلت في النضر بن الحارث وعبد الله بن أمية ونوفل بن خويلد قالوا يا محمد لن نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب من عند الله ومعه أربعة من الملائكة يشهدون عليه أنه من عند الله وإنك رسوله فأنزل الله تعالى هذه الآية: {ولو نزلنا عليك كتاباً في قرطاس} يعني من عندي يعني مكتوباً في قرطاس وهو الكاغد والصحيفة التي يكتب فيه {فلمسوه بأيديهم} يعني فعاينوه ومسوه بأيديهم وإنما ذكر اللمس، ولم يذكر المعاينة، لأنه أبلغ في إيقاع العلم بالشيء من الرؤية، لأن المرئيات قد يدخلها التخيلات كالبحر ونحوه بخلاف الملموس {لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} يعني لو أنزلنا عليهم كتاباً كما سألوه لما آمنوا به ولقالوا هذا سحر مبين كما قالوا في انشقاق القمر وأنه لا ينفع معهم شيء لما سبق فيهم من علمي بهم.

.تفسير الآيات (8- 11):

{وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ (8) وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ (9) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (10) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)}
{وقالوا} يعني مشركي مكة {لولا} يعني هلا {أنزل عليه} يعني على محمد {ملك} يعني نراه عياناً {ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر} يعني لفرغ الامر ولوجب العذاب وهذه سنة الله في الكفار أنهم متى اقترحوا آية ثم لم يؤمنوا استوجبوا العذاب واستؤصلوا به {ثم لا ينظرون} يعني أنهم لا يمهلون ولا يؤخرون طرفة عين بل يعجل لهم العذاب {ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً} يعني ولو أرسلنا إليهم ملكاً لجعلناه في صورة رجل وذلك أن البشر لا يستطيعون أن ينظروا إلى الملائكة في صورهم التي خلقوا عليها ولو نظر إلى الملك ناظر لصعق عند رؤيته ولذلك كانت الملائكة تأتي الأنبياء في صورة الأنس كما جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي وكما جاء الملكان إلى داود عليه السلام في صورة رجلين وكذلك أتى الملائكة إلى إبراهيم ولوط عليهما السلام ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته التي خلق عليها صعق لذلك وغشي عليه.
وقوله تعالى: {وللبسنا عليهم ما يلبسون} يقال لبست الأمر على القوم إذا أشبهته عليهم وجعلته مشكلاً ولبست عليه الأمر إذا خلطته عليه حتى لا يعرف جهته ومعنى الآية وخالطنا عليهم ما يخلطون على أنفسهم حتى يشكوا فلا يدروا أملك هو أم آدمي وقيل في معنى الآية إنا لو جعلنا الملك في صورة البشر لظنوه بشراً فتعود المسألة بحالها أنا لا نرضى برسالة البشر ولو فعل الله عز وجل ذلك صار فعل الله مثل فعلهم في التلبيس وإنما كان تلبيساً لأنهم يظنون أنه ملك وليس بملك أو يظنون أنه بشر وليس وإنما كان فعلهم تلبيساً لأنهم لبسوا على ضعفتهم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنما هو بشر مثلكم ولو رأوا الملك رجلاً للحقهم من اللبس مثل ما لحق بضعفائهم فيكون اللبس نقمة من الله وعقوبة لهم على ما كان منهم من التخليط في السؤال واللبس على الضعفاء.
قوله عز وجل: {ولقد استهزئ برسل من قبلك} يعني كما استهزئ بك يا محمد وفي هذه الآية تعزية للنبي صلى الله عليه وسلم وتسلية له عما كان من تكذيب المشركين إياه واستهزائهم به إذ جعل له أسوة في ذلك بالأنبياء الذين كانوا قبله {فحاق} أي فنزل وقيل: أحاط، وقيل: حل {بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزئون} والمعنى: فنزل العذاب بهم ووجب عليهم من النقمة والعذاب جزاء استهزائهم أو في هذه الآية تحذير للمشركين أن يفعلوا لنبيهم كما فعل من كان قبلهم بأنبيائهم فينزل بهم مثل ما نزل بهم {قل سيروا في الأرض} أي قل يا محمد لهؤلاء المستهزئين سيروا في الأرض معتبرين ومتفكرين وقيل هو سير الأقدام {ثم انظروا} فعلى القول الأول يكون النظر نظرة فكرة وعبرة وهو بالبصيرة لا بالبصر وعلى القول الثاني يكون المراد بالنظر نظر العين والمعنى ثم انظروا بأعينكم إلى آثار الأمم الخالية والقرون الماضية السالفة وهو قوله تعالى: {كيف كان عاقبة المكذبين} يعني كيف كان جزاء المكذبين وكيف أورثهم الكفر والتكذيب الهلاك فحذر كفار مكة عذاب الأمم الخالية.

.تفسير الآيات (12- 13):

{قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)}
قوله عز وجل: {قل لمن ما في السموات والأرض قل لله} هذا سؤال وجواب المعنى قل يا محمد لهؤلاء المكذبين العادلين بربهم لمن ملك ما في السموات والأرض فإن أجابوك وإلا فأخبرهم أن ذلك لله الذي قهر كل شيء وملك كل شيء واستعبد كل شيء لا للأصنام التي تعبد ونها أنتم فإنها موات لا تملك شيئاً ولا تملك لنفسها ضراً ولا نفعاً وإنما أمره بالجواب عقب السؤال ليكون أبلغ في التأكيد وآكد في الحجة ولما بين الله تعالى كمال قدرته وتصرفه في سائر مخلوقاته أردفه بكمال رحمته وإحسانه إليهم فقال تعالى: {كتب على نفسه الرحمة} يعني أنه تعالى أوجب وقضى على نفسه الرحمة وهذا استعطاف منه للمتولين عنه الإقبال عليه وإخبار بأنه رحيم بعباده وأنه لا يعجل بالعقوبة بل يقبل التوبة والإنابة ممن تاب وأناب.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما خلق الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي تغلب غضبي» وفي البخاري: «أن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي فهو مكتوب عنده فوق العرش» وفي رواية لهما أن الله لما خلق الخلق، وعند مسلم لما قضى الله الخلق كتب في كتاب كتبه على نفسه فهو موضوع عنده، زاد البخاري على العرش ثم اتفقا «إن رحمتي تغلب غضبي».
(ق) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزء فأمسك عنده تسعة وتسعين وأنزل في الأرض جزءاً واحداً فمن ذلك الجزء تتراحم الخلائق حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه» زاد البخاري في رواية له ولو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من العذاب. ولمسلم إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها تعطف الوحش على ولدها وأخر الله تسعاً وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة.
(م) عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها والوحش والطير بعضها على بعض فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة».
(ق) عن عمر قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم سبي فإذا امرأة من السبي تبتغي إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ قلنا لا والله وهي تقدر أن تطرحه فقال صلى الله عليه وسلم الله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها» وقوله تعالى: {ليجمعنكم} اللام في قوله ليجمعنكم لام القسم تقديره والله ليجمعنكم {إلى يوم القيامة} يعني في يوم القيامة وقيل معناه في قبوركم إلى يوم القيامة {لا ريب فيه} أي لا شك فيه أنه آت {الذين خسروا أنفسهم} يعني بالشرك بالله أو غبنوا أنفسهم باتخاذهم الأصنام فعرضوا أنفسهم لسخط الله وأليم عقابه فكانوا كمن خسر شيئاً وأصل الخاسر الغبن يقال خسر الرجل إذا غبن في بيعه {فهم لا يؤمنون} يعني لما سبق عليهم القضاء بالخسران فهو الذي حملهم على الامتناع عن الإيمان.
قوله تعالى: {وله ما سكن في الليل والنهار} يعني وله ما استقر وقيل ما سكن وما تحرك فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر وقيل إنما خص السكون بالذكر لأن النعمة فيه أكثر وقال ابن جرير كل ما طلعت عليه الشمس وغربت فهو من ساكن الليل والنهار فيكون المراد منه جميع ما حصل في الأرض من الدواب والحيوانات والطير وغير ذلك مما في البر والبحر وهذا يفيد الحصر والمعنى أن جميع الموجودات ملك لله تعالى لا لغيره {وهو السميع} لأقوالهم وأصواتهم {العليم} بسرائرهم وأحوالهم.

.تفسير الآيات (14- 17):

{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17)}
قوله عز وجل: {قل أغير الله أتخذ ولياً} قال مقاتل لما دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى دين آبائه أنزل الله هذه الآية فقال قل لهم يا محمد أغير الله اتخذ ولياً يعني رباً ومعبوداً وناصراً ومعيناً وهو استفهام ومعناه الإنكار أي لا أتخذ غير الله ولياً {فاطر السموات والأرض} أي خالق السموات والأرض ومبدعهما ومبدئهما {وهو يطعم ولا يطعم} يعني وهو يرزق ولا يرزق وصف الله عز وجل نفسه بالغني عن الخلق وباحتياج الخلق إليه لأن من كان من صفته أن يطعم الخلق لاحتياجهم إليه وهو لا يطعم لاستغنائه سبحانه وتعالى عن الإطعام فهو غني عن الخلق ومن كان كذلك وجب أن يتخذ رباً وناصراً وولياً ومعبوداً {قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم} يعني من هذه الأمة والإسلام بمعنى الاستسلام يعني أمرت أن استسلم لأمر الله وأنقاد إلى طاعته {ولا تكونن من المشركين} يعني وقيل لي يا محمد لا تكونن من المشركين {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} يعني قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين دعوك إلى عبادة غيري إن ربي أمرني أن أكون أول من أسلم ونهاني عن عبادة شيء سواه وإني أخاف إن عصيت ربي فعبد ت شيئاً سواه عذاب يوم عظيم وهو عذاب يوم القيامة {من يصرف عنه} يعني العذاب {يومئذ} يعني يوم القيامة {فقد رحمه} يعني بأن أنجاه من العذاب ومن أنجاه من العذاب فقد رحمه وأتاه الثواب لا محالة وإنما ذكر الرحمة من صرف العذاب لئلا يتوهم أنه صرف العذاب فقط بل تحصل الرحمة من صرف العذاب عنه {وذلك الفوز المبين} يعني أن صرف العذاب وحصول الرحمة هو النجاة والفلاح المبين.
قوله تعالى: {وإن يمسسك الله بضر} يعني بشدة وبلية والضر اسم جامع لما ينال الإنسان من ألم ومكروه وغير ذلك مما هو في معناه {فلا كاشف له إلا هو} يعني فلا يدفع ذلك الضر إلا الله عز وجل: {وإن يمسسك بخير} يعني بعافية ونعمة والخير اسم جامع لكل ما ينال الإنسان من لذة وفرح وسرور ونحو ذلك {فهو على كل شيء قدير} يعني من دفع الضر وجلب الخير. وهذه الآية خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى: لا تتخذ ولياً سوى الله لأنه هو القادر على أن يمسك بضر وهو القادر على دفعه عنك وهو القادر على إيصال الخير إليك وأنه لا يقدر على ذلك إلا هو فاتخذه ولياً وناصراً ومعيناً. وهذا الخطاب وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو عام لكل أحد والمعنى وأن يمسسك الله بضر أيها الإنسان فلا كاشف لذلك الضر إلا هو وإن يمسسك بخير أيها الإنسان فهو على كل شيء قدير من دفع الضر وإيصال الخير.
عن ابن عباس قال: «كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فقيل لي يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك وإذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف» أخرجه الترمذي زاد فيه رزين تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وفيه «وإن استطعت أن تعمل لله بالرضا في اليقين فافعل فإن لم تستطع فاصبر فإن الصبر على ما تكره خير كثير واعلم أن النصر مع الصبر والفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا ولن يغلب عسر يسرين» قال ابن الأثير وقد جاء نحو هذا أو مثله بطوله في مسند أحمد بن حنبل.