فصل: تفسير الآيات (31- 33):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (31- 33):

{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (32) قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (33)}
قوله تعالى: {قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله} يعني خسروا أنفسهم بسبب تكذيبهم بالمصير إلى الله تعالى وبالبعث بعد الموت وهذا الخسران هو فوت الثواب العظيم في دار النعيم المقيم وحصول العذاب الأليم، في دركات الجحيم {حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة} يعني جاءتهم القيامة فجأة وسميت القيامة ساعة: لأنها تفجأ الناس بغتة في ساعة لا يعلمها أحد إلا الله تبارك وتعالى. وقيل: سميت ساعة لسرعة الحساب فيها لأن حساب الخلائق يوم القيامة يكون في ساعة أو أقل من ذلك {قالوا} يعني منكري البعث وهم كفار قريش ومن سلك سبيلهم في الكفر والاعتقاد {يا حسرتنا} يعني: يا ندامتنا والحسرة التلهف على الشيء الفائت وذكرت على وجه النداء للمبالغة والمراد تنبيه المخاطبين على ما وقع بهم من الحسرة {على ما فرطنا} يعني قصرنا {فيها} يعني في الدنيا لأنها موضع التفريط في الأعمال الصالحة والمعنى يا حسرتنا على الأعمال الصالحة التي فرطنا فيها في دار الدنيا. وقال محمد بن جرير الطبري: الهاء والألف في قوله فيها تعود إلى الصفقة ولكن اكتفى بدلالة قوله قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله عليها من ذكرها إذ كان معلوماً أن الخسران لا يكون إلا في صفقة بيع قد جرى ومعنى الآية قد وكس الذين كذبوا بلقاء الله ببيعهم الإيمان الذي يستوجبون به رضوان الله وجنته بالكفر الذي يستوجبون به سخط الله وعقوبته وهم لا يشعرون بذلك حتى تقوم الساعة.
فإذا جاءتهم الساعة بغتة ورأوا ما لحقهم من الخسران في بيعهم قالوا حينئذ: يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وروى الطبرى بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله يا حسرتنا، قال: «يرى أهل النار منازلهم في الجنة فيقولون يا حسرتنا».
وقوله تعالى: {وهم يحملون أوزارهم} يعني أثقالهم: {على ظهورهم} والأوزار: الخطايا والذنوب. وأصل الوزر: الثقل والحمل. يقال: وزرته إذا حملته وإنما قيل للذنوب أوزار، لأنها تثقل ظهر من يحملها. قال قتادة والسدي: إن المؤمن إذا خرج من قبره استقبله أحسن شيء صورة وأطيبه ريحاً فيقول هل تعرفني؟ فيقول لا فيقول أنا عملك الصالح فاركبني فقد طالما ركبتك في الدنيا فذلك قوله: {يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفداً} يعني ركباناً.
وأما الكافر فيستقبله أقبح شيء صورة وأنتنه ريحاً فيقول هل تعرفني؟ فيقول لا فيقول أنا عملك الخبيث طالما ركبتني في الدنيا فأنا اليوم أركبك فذلك معنى قوله: {وهم يحملون أوزراهم على ظهورهم}.
وقال عمر بن هانئ: يحشر مع كل كافر عمله في صورة رجل قبيح كلما رأى هو صورته وقبحه زاده الله خوفاً فيقول له بئس الجليس أنت فيقول أنا عملك طالما ركبتني فلأركبنك اليوم حتى أخزيك على رؤوس الخلائق فيركبه ويتخطى به الناس حتى يقف بين يدي ربه تعالى فذلك قوله تعالى: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم}.
وقال الزجاج: الثقل كما يذكر في الوزن فقد يذكر في الحال والصفة يقال ثقل علي كلام فلان بمعنى كرهته فالمعنى أنهم يقاسون من ألم عقاب ذنوبهم مقاساة تثقل ذلك عليهم فعلى هذا القول يكون قوله: {وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم} مجازاً عما يقاسونه من شدة العذاب. وقيل في معنى الآية: أوزارهم لا تزايلهم كما تقول شخصه نصب عيني أي ذكره ملازم لي {ألا ساء ما يزرون} يعني بئس الشيء شيئاً يحملونه.
وقال ابن عباس: بئس الحمل حملوا. قوله عز وجل: {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو} أي باطل وغرور لا بقاء لها وهذا فيه رد على منكري البعث في قولهم {إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين} فقال الله رداً عليهم وكذباً لهم {وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو} وهل المراد بهذه الحياة حياة المؤمن أو الكافر قولان: أحدهما: إن المراد بها حياة الكافر لأن المؤمن لا يزداد بحياته في الدنيا إلا خيراً لأنه يحصل في أيام حياته من الأعمال الصالحة والطاعة، ما يكون سبباً لحصول السعادة في الآخرة؛ وأما الكافر فإن كل حياته في الدنيا وبال عليه قال ابن عباس يريد حياة أهل الشرك والنفاق.
والقول الثاني: إن هذا عام في حياة المؤمن والكافر لأن الإنسان يلتذ باللعب واللهو ثم عند انقضائه تحصل له الحسرة والندامة لأن الذي كان فيه من اللعب واللهو سريع الزوال لا بقاء له فبان بهذا التقرير أن المراد بهذه الحياة حياة المؤمن والكافر وأنه عام فيهما. وإنما شبه الحياة الدنيا باللعب واللهو لسرعة زوالها وقصر عمرها كالشيء الذي يُلعب به.
وقيل: معناه إن أمر الدنيا والعمل لها لعب ولهو فأما فعل الخير والعمل الصالح فهو من فعل الآخرة وإن كان وقوعه في الدنيا وقيل معناه وما أهل الحياة الدنيا إلا أهل لعب ولهو لأنه لا يجدي شيئاً ولاشتغالهم عما أمروا به ونسبوا إلى اللعب وقوله تعالى: {وللدار الآخرة} يعني الجنة واللام فيه لام القسم تقديره والله لدار الآخرة {خير} يعني من الدنيا وأفضل لأن الدنيا سريعة الزوال والانقطاع {للذين يتقون} يعني الشرك. وقيل: يتقون اللعب واللهو {أفلا تعقلون} إن الآخرة خير من الدنيا فيعملون لها.
قوله تعالى: {قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون} يعني قد نعلم يا محمد إنه ليحزنك الذي يقوله المشركون لك، قال السدي: التقى الأخنس بن شريق أبو جهل بن هشام فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب فإنه ليس هنا أحد يسمع كلامك غيري؟ فقال أبو جهل: والله إن محمداً لصادق وما كذب محمد قط ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ فأنزل الله هذه الآية وقال ناجبة بن كعب: قال أبو جهل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما نتهمك ولا نكذبك ولكنا نكذب الذي جئت به، فأنزل الله هذه الآية.
عن علي بن أبي طالب أن أبا جهل قال للنبي إنا لا نكذبك ولكنا نكذب بما جئت به فأنزل الله فيهم {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} أخرجه الترمذي من طريقين وقال في أحدهما وهذا أصح، ففي هذا الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتعزية عما يواجهه به قومه لأنهم كانوا يعتقدون صدقه وأنه ليس بكذاب وإنما حملهم على تكذيبه على تكذيبه في الظاهر الحسد والظلم: {فإنهم لا يكذبونك} يعني أنهم لا يكذبونك في السر، لأنهم قد عرفوا أنك صادق {ولكن الظالمين} يعني الكافرين {بآيات الله يجحدون} يعني في العلانية وذلك أنهم جحدوا القرآن بعد معرفة الصدق الذي أنزل عليه لعنادهم وكفرهم كما قال الله تعالى في حق غيرهم، وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً. وقيل: ظاهر الآية يدل على أنهم لم يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم وإنما جحدوا آيات الله وهي القرآن الدال على صدقه، فعلى هذا يكون المعنى: فإنهم لا يكذبونك لأنهم قد عرفوا صدقك وإنما جحدوا صحة نبوتك ورسالتك.

.تفسير الآيات (34- 35):

{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآَيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ (35)}
قوله عز وجل: {ولقد كذبت رسل من قبلك} يعني ولقد كذبت الأمم الخالية رسلهم كما كذبك قومك: {فصبروا على ما كذبوا وأوذوا} يعني أن الرسل عليهم السلام صبروا على تكذيب قومهم إياهم وصبروا على أذاهم، فاصبر أنت يا محمد على تكذيب قومك وأذاهم لك كما صبر مَن كان قبلك من الرسل وهذا فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وإزالة حزنه على تكذيب قومه له وأذاهم إياه {حتى أتاهم نصرنا} يعني بإهلاك من كذبهم {ولا مبدل لكلمات الله} يعني ولا ناقض لما حكم الله به من إهلاك المكذبين ونصر المسلمين كما قال {ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين إنهم لَهم المنصورون وإن جندنا لهم الغالبون} وقال الله تعالى: {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} ولا خلف فيما وعد الله به.
وقوله تعالى: {ولقد جاءك من نبأ المرسلين} يعني ولقد أنزلت عليك في القرآن من أخبار المرسلين ما فيه تسلية لك وتسكين لقلبك. وقال الأخفش: من هنا صلة كما تقول أصابنا من مطر وقال غيره بل هي للتبعيض لأن الواصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قصص بعض الأنبياء وأخبارهم كما قال تعالى: {منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} قوله تعالى: {إن كان كبر عليك إعراضهم} ذكر ابن الجوزي في سبب نزول هذه الآية: أن الحارث بن عامر أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من قريش فقال: ائتنا بآية كما كانت الأنبياء تأتي قومها بالآيات فإن فعلت آمنا بك فنزلت هذه الآية. رواه أبو صالح عن ابن عباس. ومعنى الآية: وإن كان عظم عليك يا محمد إعراض هؤلاء المشركين عنك وعن تصديقك والإيمان بك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على إيمان قومه أشد الحرص وكان إذا سألوه آية أحب أن يريهم الله ذلك طعماً في إيمانهم فقال الله عز وجل: {فإن استطعت أن تبتغي} يعني تطلب وتتخذ {نفقاً في الأرض} يني سرباً في الأرض والنفق سرب في الأرض تخلص منه إلى مكان آخر {أو سلماً في السماء} يعني: أو تتخذ مصعداً إلى السماء والسلم المصعد وهو مشتق من السلامة {فتأتيهم بآية} يعني بالآية: التي سألوا عنها. ومعنى الآية وإن كان كبر وعظم عليك إعراض قومك عن الإيمان بك فإن قدرت أن تذهب في الأرض أو تصعد إلى السماء فتأتيهم بآية تدلهم على صدقك فافعل وإنما حسن حذف جواب الشرط لأنه معلوم عند السامع والمقصود من هذا أن يقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم طمعه عن إيمانهم ولا يتأذى بسبب إعراضهم عنه وعن الإيمان به ويدل عليه قوله تعالى: {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى} أخبر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أنهم إنما تركوا الإيمان وأعرضوا عنه وأقبلوا على الكفر بمشيئة الله تعالى ونافذ قضائه فيهم وأنه لو شاء لجمعهم على الهدى: {فلا تكونن من الجاهلين} يعني بأن لو شاء الله لجمعهم على الهدى وأنه يؤمن بك بعضهم دون بعض وقيل معناه لا يشتد تحسرك على تكذيبهم، إياك ولا تجزع من إعراضهم عنك فتقارب حال الجاهلين الذين لا صبر لهم وإنما نهاه عن هذه الحالة وغلَّط له الخطاب تبعيداً له عن هذه الحالة.

.تفسير الآيات (36- 38):

{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (36) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آَيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (37) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)}
قوله عز وجل: {إنما يستجيب الذين يسمعون} يعني المؤمنين الذين فتح الله أسماع قلوبهم فهم يسمعون الحق ويستجيبون له ويبغونه وينتفعون به دون من ختم الله على سمع قلبه وهو قوله: {الموتى} يعني الكفار الذين لا يسمعون ولا يستجيبون {يبعثهم الله} يعني يوم القيامة {ثم إليه يرجعون} فيجزيهم بأعمالهم {وقالوا} يعني رؤساء كفار قريش {لولا} يعني هلا {نزل عليه آية من ربه} يعني الملك ليشهد لمحمد بالنبوة وقيل الآية المعجزة الباهرة كمثل معجزات الأنبياء {قل} يعني قل لهم يا محمد {إن الله قادر على أن ينزل آية} يعني أنه تعالى قادر على إيجاد ما طلبوه وإنزال ما اقترحوه من الآيات والمعجزات الباهرات {ولكن أكثرهم لا يعلمون} يعني ماذا عليهم في إنزالها من العذاب إن لم يؤمنوا بها وقيل معناه إنهم لا يعلمون أن الله قادر على إنزال الآيات وقيل إنهم لا يعلمون وجه المصلحة في إنزالها قوله تعالى: {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم} قال العلماء: جميع ما خلق الله عز وجل لا يخرج عن هاتين الحالتين إما أن يدب على الأرض، أو يطير في الهواء، حتى ألحقوا حيوان الماء بالطير، لأن الحيتان تسبح في الماء كما أن الطير يسبح في الهواء. وإنما خص ما في الأرض بذكر دون ما في السماء وإن كان ما في السماء مخلوقاً لأن الاحتجاج بالشاهد أظهر وأولى مما لا يشهد وإنما ذكر الجناح في قوله بجناحيه للتوكيد كقولك كتبت بيدي ونظرت بعيني إلا أمم أمثالكم.
قال مجاهد: أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها. يريدون أن كل جنس من الحيوان أمة فالطير أمة والدواب أمة والسباع أمة تعرف بأسمائها مثل بني آدم يعرفون بأسمائهم كما يقال الإنس والناس ويدل على أن كل جنس من الدواب أمة ما روي عن عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم» أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي.
فإن قلت ثبت بالآية والحديث أن الدواب والطير أمم أمثالنا وهذه المماثلة لم تحصل من كل الوجوه فيما يظهر لنا فما وجه هذه المماثلة.
قلت: اختلف العلماء في وجه هذه المماثلة فقيل: إن هذه الحيوانات تعرف الله وتوحده وتسبّحه وتصلي له كما أنكم تعرفون الله وتوحدونه وتسبحونه وتصلّون له. وقيل: إنها مخلوقة لله كما أنكم مخلوقون لله عز وجل وقيل إنها يفهم بعضها عن بعض ويألف بعضها بعضاً كما أن جنس الإنسان يألف بعضهم بعضاً ويفهم بعضهم عن بعض. وقيل: أمثالكم في طلب الرزق وتوقي المهالك ومعرفة الذكر والأنثى.
وقيل: أمثالكم في الخلق والموت والبعث بعد الموت للحساب حتى يقتص للجماء من القرنا وهو قوله تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء} يعني في اللوح المحفوظ لأنه يشمل جميع أحوال المخلوقات وقيل إن المراد بالكتاب القرآن يعني أن القرآن مشتمل على جميع الأحوال: {ثم إلى ربهم يحشرون} يعني الدواب والطير قال ابن عباس: حشرها موتها. وقال أبو هريرة يحشر الله الخلق كلهم يوم القيامة البهائم والدواب والطير وكل شيء فيأخذ للجماء من القرناء ثم يقول كوني تراباً.
(م) عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاء القرناء».