فصل: تفسير الآيات (80- 81):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (80- 81):

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ (80) إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (81)}
{ولوطاً} يعني وأرسلنا لوطاً وقيل: معناه واذكر يا محمد لوطاً وهو لوط بن هاران بن تارخ وهو ابن أخي إبراهيم وإبراهيم عمه {إذ قال لقومه} يعني أهل سدوم وإليهم كان قد أرسل وذلك أن لوطاً عليه الصلاة والسلام لما هاجر مع عمه إبراهيم عليهم الصلاة والسلام إلى الشام فنزل إبراهيم عليه الصلاة والسلام أرض فلسطين ونزل لوط الأردن أرسله الله تعالى إلى أهل سدوم يدعوهم إلى الله تعالى وينهاهم عن فعلهم القبيح وهو قوله تعالى: {أتأتون الفاحشة} يعني أتفعلون الفعلة الخسيسة التي هي غاية في القبح وكانت فاحشتهم إتيان الذكران في أدبارهم {ما سبقكم بها من أحد من العالمين} من الأولى زائدة لتوكيد النفي وإفادة معنى الاستغراق والثانية للتبعيض، والمعنى: ما سبقكم أيها القوم بهذه الفعلة الفاشحة أحد من العالمين قبلكم وفي هذا الكلام توبيخ لهم وتقريع على فعلهم تلك الفاحشة. قال عمرو بن دينار: ما نزل ذكر على ذكر في الدنيا إلا كان من قوم لوط {أئنكم لتأتون الرجال} يعني في أدبارهم {شهوة من دون النساء} يعني في أدبار الرجال اشهى عندكم من فروج النساء {بل أنتم} يعني أيها القوم {قوم مسرفون} أي مجاوزون الحلال إلى الحرام وإنما ذمهم وعيرهم ووبخهم بهذا الفعل الخبيث لأن الله تبارك وتعالى خلق الإنسان وركب فيه شهوة النكاح لبقاء النسل وعمران الدنيا وجعل النساء محلاً للشهوة وموضع النسل فإذا تركهن الإنسان وعدل عنهن إلى غيرهن من الرجال فكأنما قد أسرف وجاوز واعتدى لانه وضع الشيء في غير محله وموضعه الذي خلق له لأن أبدار الرجال ليست محلاً للولادة التي هي مقصودة بتلك الشهوة المركبة في الإنسان وكانت قصة قوم لوط، على ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره من أهل الأخبار والسير أنه كانت قرى قوم لوط مخصبة ذات زروع وثمار لم يكن في الأرض مثلها فقصدهم الناس فآذوهم وضيقوا عليهم فعرض لهم إبليس في صورة شيخ وقال لهم إذا فعلتم بهم كذا وكذا نجوتم منهم فأبوا فلما أحل الناس عليهم قصدوهم فأصابوا غلماناً حساناً صباحاً فأخبثوا واستحكم ذلك فيهم. قال الحسن: كانوا لا ينكحون إلا الغرباء، وقيل: استحكم ذلك الفعل فيهم حتى نكح بعضهم بعضاً. وقال الكلبي: إن أول من عمل به عمل قوم لوط إبليس وذلك لأن بلادهم أخصبت فقصدها أهل البلدان فتمثل لهم إبليس في صورة شاب أمرد فدعا إلى نفسه فكان أول من نكح في دبره فأمر الله تعالى السماء أن تحصبهم والأرض أن تخسف بهم.

.تفسير الآيات (82- 85):

{وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (82) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (83) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (84) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (85)}
قوله عز وجل: {وما كان جواب قومه} يعني وما كان جواب قوم لوط للوط إذ وبخهم على فعلهم القبيح وركوبهم ما حرم الله تعالى عليهم من العمل الخبيث {إلا أن قالوا} يعني قال بعضهم لبعض {أخرجوهم من قريتكم} يعني أخرجوا لوطاً وأتباعه وأهل دينه من بلدكم {إنهم أناس يتطهرون} يعني أنهم أناس يتنزهون عن فعلكم وعن أدبار الرجال لأنها موضع النجاسة ومن تركها فقد تطهر، وقيل: إن البعد عن المعاصي والآثام يسمى طهارة فمن تباعد عنهما فقد تطهر فلهذا قال إنهم أناس يتطهرون أي من فعل المعاصي والآثام {فأنجيناه وأهله} يعني فأنجينا لوطاً ومن آمن به واتبعه على دينه، وقيل: المراد بأهله المتصلون به بسبب النسل أو المراد بأهله ابنتاه {إلا امرأته} يعني زوجته {كانت من الغابرين} يعني كانت من الباقين في العذاب لأنها كانت كافرة، وقيل: معناه كانت من الباقين المعمرين قد أتى عليها دهر طويل ثم هلكت مع من هلك من قوم لوط وإنما قال من الغابرين ولم يقل من الغابرات لأنها هلكت مع الرجال فغلب الرجال فقال من الغابرين {وأمطرنا عليهم مطراً} يعني حجارة من سجّيل قد عجنت بالكبريت والنار يقال مطرت السماء وأمطرت. وقال أبو عبيدة: يقال في العذاب أمطرت وفي الرحمة مطرت {فانظر كيف كان عاقبة المجرمين} يعني انظر يا محمد كيف كان عاقبة هؤلاء الذين كذبوا بالله ورسوله وعملوا الفواحش كيف أهلكناهم. قال مجاهد: نزل جبريل عليه السلام فأدخل جناحيه تحت مدائن قوم لوط فاقتلعها ورفعها إلى السماء ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها ثم اتبعوا بالحجارة. وقوله فانظر كيف كان عاقبة المجرمين وإن كان هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لكن المراد به غيره من أمته ليعتبروا بما جرى على اولئك فينزجروا بذلك الاعتبار عن الأفعال القبيحة والفواحش الخبيثة.
قوله عز وجل: {وإلى مدين أخاهم شعيباً} يعني: وأرسلنا إلى مدين أكثر المفسرين على أن مدين اسم رجل وهو مدين بن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام فعلى هذا يكون المعنى وأرسلنا إلى ولد مدين ومدين اسم للقبيلة كما يقال بنو تميم بو عدي وبنو أسد. وقيل: مدين اسم للماء الذي كانوا عيله وقيل هو اسم للمدينة وعلى هذين القولين يكون المعنى: وأرسلنا إلى أهل مدين والصحيح هو الأول لقوله أخاهم شعيباً يعني في النسب لا في الدين وشعيب هو ابن ثويب بن مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام قاله عطاء وقال محمد بن إسحاق وهو شعيب بن مكيل بن يشجر بن مدين بن إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأم ميكيل بنت لوط عليه السلام. وقيل: هو شعيب بن يثرون بن ثويب بن مدين بن إبراهيم عليه السلام وكان شعيب أعمى وكان يقال له خطيب الأنبياء لحسن مراجعته قومه وكان قومه أهل كفر وبخس في المكيال والميزان {قال} يعني شعيباً {يا قوم اعبد وا لله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم} يعني: قد جاءتكم حجة وبرهان من ربكم بحقية ما أقول وصدق ما أدعي من النبوة والرسالة إليكم لأنه لابد لكل نبي من معجزة تدل على صدق ما جاء به من عند الله غير أن تلك المعجزة التي كانت لشعيب لم تذكر في القرآن وليست كل آيات الأنبياء مذكورة في القرآن، وقيل: أراد بالبينة مجيء شعيب بالرسالة إليهم وقيل أراد بالبينة الموعظة وهي قوله: {فأوفوا الكيل والميزان} يعني فأتموا الكيل والميزان وأعطوا الناس حقوقهم وهو قوله: {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} يعني لا تظلموا الناس حقوقهم ولا تنقصوهم إياهم فتطففوا الكيل والوزن.
يقال: بخس فلان في الكيل والوزن إذا نقصه وطففه {ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها} يعني بعد أن أصلحها الله تعالى ببعثة الرسل وإقامة العدل وكل نبي يبعث إلى قوم فهو صلاحهم {ذلكم} يعني الذي ذكرت لكم وأمرتكم به من الإيمان بالله ووفاء الكيل والميزان وترك الظلم والبخس {خير لكم} يعني مما أنتم عليه من الكفر وظلم الناس {إن كنتم مؤمنين} يعني إن كنتم مصدّقين بما أقول.

.تفسير الآيات (86- 89):

{وَلَا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ وَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (86) وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (87) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)}
{ولا تقعدوا بكل صراط توعدون} يعني أن شعيباً قال لقومه الكفار ولا تقعدوا على كل طريق من الدين والحق تمنعون الناس من الدخول فيه وتهددونهم على ذلك ذلك أنهم كانوا يجلسون على الطرقات ويخوفون من يريد الإيمان بالله وبرسوله شعيب وهو قوله تعالى: {وتصدون عن سبيل الله من آمن به} يعني وتمنعون من يريد الإيمان بالله وتقولون إن شعيباً كذاب وتخوفونه بالقتل. قال ابن عباس: كانوا يجلسون على الطريق فيخبرون من أتى عليهم أن شعيباً الذي تريدونه كذاب فلا يفتنكم عن دينكم {وتبغونها عوجاً} يعني: وتريدون اعوجاج الطريق عن الحق وعدولها عن القصد. وقيل معناه تلتمسون لها الزيغ والضلالة ولا تستقيمون على طريق الهدى والرشاد {واذكروا إذا كنتم قليلاً فكثركم} يعني: أن شعيباً عليه الصلاة والسلام ذكرهم نعمة الله عيلهم. قال الزجاج: يحتمل ذلك ثلاثة أوجه كثر عددكم وكثركم بالغنى بعد الفقر وكثركم بالقوة بعد الضعف ووجه ذلك أنهم إذا كانوا فقراء ضعفاء فهم بمنزلة القليل والمعنى إنه كثركم بعد القلة وأعزكم بعد الذلة فاشكروا نعمة الله تعالى عليكم وآمنوا به {وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين} يعني وانظروا نظر اعتبار ما نزل بمن كان قبلكم من الأمم السالفة والقرون الخالية حين عتوا على ربهم وعصوا رسله من العذاب والهلاك وأقرب الأمم إليكم قوم لوط فانظروا كيف أرسل الله تعالى عليهم حجارة من السماء لما عصوه وكذبوا رسله {وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا} يعني وإن اختلفتم في رسالتي فصرتم فرقتين فرقة آمنت بهي وصدق برسالتي وفرقة كذبن وجحدت رسالتي {فاصبروا} فيه وعيد وتهديد {حتى يحكم الله بيننا} يعني حتى يقضي الله ويفصل بيننا فيعجز المؤمنين المصدقين وينصرهم ويهلك المكذبين الجاحدين ويعذبهم {وهو خير الحاكمين} يعني أنه حاكم عادل منزه عن الجور والميل والحيف في حكمه وإنما قال خير الحاكمين لأنه قد يسمى بعض الأشخاص حاكماً على سبيل المجاز والله تعالى هو الحاكم في الحقيقة فلهذا قال وهو خير الحاكمين {قال الملأ الذين استكبروا من قومه} يعني قال الجماعة من أشراف قومه الذين تكبروا عن الإيمان بالله وبرسوله وتعظموا عن اتباع شعيب {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملتنا} عين أن قوم شعيب أجابوه بأن قالوا لابد من أحد أمرين إما إخراجك ومن تبعك على دينك من بلدنا او لترجعن إلى ديننا وملتنا وما نحن عليه وهذا فيه إشكال وهو أن شعيباً عليه الصلاة والسلام لم يكن قط على ملتهم حتى يرجع إلى ما كان عليه فما معنى قوله أو لتعودن في ملتنا وأجيب عن هذا الإشكال بأن اتباع شعيب كانوا قبل الإيمان به على ملة أولئك الكفار فخاطبوا شعيبا وأتباعه جميعاً فدخل هو في الخطاب وإن لم يكن على ملتهم قط.
وقيل: معناه لتصيرن إلى ملتنا فوقع العود على معنى الابتداء كما تقول قد عاد عليّ من فلان مكروه بمعنى قد لحقني منه ذلك وإن لم يكن قد سبق منه مكروه فهو كما قال الشاعر:
فإن تكن الأيام أحسن مدة ** إلي فقد عادت لهن ذنوب

أراد فقد صارت لهن ذنوب ولم يرد أن ذنوباً كانت لهن قبل الإحسان.
وقوله تعالى: {قال أولو كنا كارهين} أي لا نعود في ملتكم وإن أكرهتمونا وأجبرتمونا على الدخول فيها فلا نقبل ولا ندخل {قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها} يعني أن شعيباً أجاب قومه إذ دعوه ومن آمن به إلى العود إلى ملتهم والدخول فيها فقال قد افترينا يعني قد اختلقنا على الله كذباً وتخرصنا عليه من القول باطلاً إن نحن رجعنا إلى ملتكم وقد علمنا فساد ما أنتم عليه من الملة والدين وقد أنقذنا الله وخلصنا منها وبصرنا خطأها وهذا أيضاً فيه من الاشكال مثل ما في الأول وهو أن شعيباً عليه الصلاة والسلام ما كان في ملتهم قط حتى يقول إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها والجواب عنه مثل ما أجيب عن الإشكال الأول وهو أن نقول إن الله نجى قومه الذين آمنوا به من تلك الملة الباطلة، إلا أن شعيباً نظم نفسه في جملتهم وإن كانا بريئاً ما كانوا عليه من الكفر فأجرى الكلام على حكم التغليب. وقيل: معنى نجانا الله منها علمنا قبح ملتكم وفسادها فكأنه خلصنا منها وقوله تعالى إخباراً عنه {وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا} يعني وما يكون لنا أن نرجع إلى ملتكم ونترك الحق الذي نحن عليه إلا أن يشاء الله ربنا يعني إلا أن يكون قد سبق لنا في علم الله أن نعود فيها فحينئذ يمضي قضاء الله وقدره فينا وينفذ سابق مشيئته علينا وقال الواحدي: ومعنى العود هنا الابتداء والذي عليه أهل العلم والسنة في هذه الآية أن شعيباً وأصحابه قالوا ما كنا لنرجع إلى ملتكم بعد أن وقفنا على أنها ضلالة تكسب دخول النار إلا أن يريد الله إهلاكنا فأمورنا راجعة إلى الله غير خارجة عن قبضته يسعد من يشاء بالطاعة ويشقي من يشاء بالمعصية وهذا شعيب وقومه استسلام لمشيئة الله ولم تزل الأنبياء والأكابر يخافون العاقبة وانقلاب الأمر ألا ترى إلى قول الخليل عليه الصلاة والسلام {واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام} وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك» قال الزجاج رحمه الله تعالى المعنى وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يكون قد سبق في علم الله ومشيئته أن نعود فيها وتصديق ذلك قوله: {وسع ربنا كل شيء علماً} يعني أنه تعالى يعلم ما يكون قبل أن يكون وما سيكون وأنه تعالى كان عالماً في الأزل بجميع الأشياء فالسعيد من سعد في علم الله تعالى والشقي من شقي في علم الله تعالى {على الله توكلنا} على الله نعتمد وإليه نستند في أمورنا كلها فإنه الكافي لمن توكل عليه والمعنى: على الله توكلنا لا على غيره فكأنه ترك الأسباب ونظر إلى مسبب الأسباب {ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق} لما أيس شعيب من إيمان قومه دعا بهذا الدعاء فقال ربنا افتح أي اقض وافصل واحكم بيننا وبين قومنا بالحق يعني بالعدل الذي لا جور فيه ولا ظلم ولا حيف {وأنت خير الفاتحين} يعني خير الحاكمين قال الفراء إن أهل عمان يسمون القاضي الفاتح والفتاح وقال غيره من أهل اللغة هي لغة مراد وأنشد لبعضهم في ذلك:
ألا أبلغ بني عصم رسولاً ** فإني عن فتى حكم غني

أراد أنه غني عن حاكمهم وقاضيهم. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما كنت أدري ما معنى قوله ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين حتى سمعت ابنة ذي يزن تقول تعال أفاتحك يعني أقاضيك. وهذا قول قتادة والسدي وابن جريج وجمهور المفسرين أن الفاتح هو القاضي والحاكم سمي بذلك لأنه يفتح أغلاق الإشكال بين الخصوم ويفصلها. وقال الزجاج: وجائز أن يكون معناه ربنا أظهر أمرنا حتى ينفتح بيننا وبين قومنا وينكشف والمراد منه أن ينزل عليهم عذاباً يدل على كونهم مبطلين وعلى كون شعيب وقومه محقين وعلى هذا الوجه فالفتح يراد به الكشف والتمييز.