فصل: تفسير الآيات (108- 112):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (108- 112):

{وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)}
وقوله تعالى: {ونزع يده} النزع في اللغة عبارة عن إخراج الشيء عن مكانه والمعنى أنه أخرج يده من جيبه أو من تحت جناحه {فإذا هي بيضاء للناظرين} قال ابن عباس وغيره: أخرج يده من جيبه فرآها بيضاء من غير سوء يعني من غير برص، وقيل: إن موسى عليه الصلاة والسلام أدخل يده تحت جيبه ثم نزعها منه وقيل أخرج يده من تحت إبطه فإذا هي بيضاء لها شعاع غلب نور الشمس وكان موسى عليه الصلاة والسلام آدم اللون ثم ردها إلى جيبه فأخرجها فإذا هي كما كانت ولما كان البياض المفرط عيباً في الجسد وهو البرص قال الله تعالى في آية أخرى {بيضاء من غير سوء} يعني من غير برص والمعنى فإذا هي بيضاء للنظارة ولا تكون بيضاء للنظارة إلا إذا كان بياضها بياضاً عجيباً خارجاً عن العادة يُتعجب منه.
فصل في بيان المعجزة وكونها دليلاً على صدق الرسل:
اعلم ان الله تبارك وتعالى كان قادراً على خلق المعرفة والإيمان في قلوب عباده ابتداء من غير واسطة ولكن أرسل إليهم رسلاً تعرفهم معالم دينه وجميع تكليفاته وذلك الرسول واسطة بين الله عز وجل وبين عباده يبلغهم كلامه ويعرفهم أحكامه وجائز أن تكون تلك الواسطة من غير البشر كالملائكة من الأنبياء وجائز إلى أن تكون الواسطة من جنس البشر كالأنبياء مع أممهم ولا مانع لهذا من جهة العقل وإذا جاز هذا في دليل العقل وقد جاءت الرسل عليهم الصلاة والسلام بمعجزات دلت على صدقهم فوجب تصديقهم في جميع ما أتوا به لأن المعجز مع التهدي من النبي قائم مقام قول الله عز وجل صدق عبد ي فأطيعوه واتبعوه ولأن معجزة النبي شاهد على صدقه فيما يقوله وسميت المعجزة معجزة لأن الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها وهي على ضربين: فضرب منها هو على نوع قدرة البشر ولكن عجزوا عنه فعجزهم عنه دلَّ على أنه من فعل الله ودل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم كتمنّي الموت في قوله: {فتمنوا الموت إن كنتم صادقين} فلما صرفوا عن تمنيه مع قدرتهم عليه علم أنه من عند الله ودل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم الضرب الثاني ما هو خارج عن قدرة البشر كإحياء الموتى وقلب العصا حية وإخراج ناقة من صخرة وكلام الشجر والجماد الحيوان ونبع الماء من بين الأصابع وغير ذلك من المعجزات التي عجز البشر عن مثلها فإذا أتى النبي بشيء من تلك المعجزات الخارقة للعادات علم أن ذلك من عند الله وأن الله عز وجل هو الذي أظهر ذلك المعجز على يد نبيه ليكون حجة له على صدقه فيما يخبر به عن الله عز وجل وقد ثبت بدليل العقل والبرهان القاطع أن الله تعالى قادر على خلق الأشياء وإبداعها من غير أصل سبق لها وإخراجها من العدم إلى الوجود وأنه قادر على قلب الأعيان وخوارق العادات والله تعالى أعلم.
قوله عز وجل: {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا} يعني موسى {لَساحر عليم} يعني أنه ليأخذ بأعين الناس حتى يخيل لهم أن العصا صارت حية ويرى الشيء بخلاف ما هو عليه كما أراهم يده بيضاء وهو آدم اللون، وإنما قالوا ذلك لأن السحر كان هو الغالب في ذلك الزمان فلما أتى بما يعجز عنه غيره قالوا إن هذا لساحر عليم.
فإن قلت: قد أخبر الله تعالى في هذه السورة أن هذا الكلام من قوم الملأ لفرعون وقال في سورة الشعراء قال للملأ حوله إن هذا لساحر عليم فكيف الجمع بينهما.
قلت: لا يمتنع أن يكون قاله فرعون أولاً ثم إنهم قالوه بعد فأخبر الله تعالى عنهم هنا وأخبر عن فرعون في سورة الشعراء، وقيل: يحتمل أن فرعون قال هذا القول، ثم إن الملأ من قومه وم خاصته سمعوه منه ثم إنهم بلغوه إلى العامة فأخبر الله عز وجل هنا عن الملأ وأخبر هناك عن فرعون.
وقوله: {يريد أن يخرجكم من أرضكم} يعني يريد موسى أن يخرجكم أيها القبط من أرض مصر {فماذا تأمرون} يعني: فأي شيء تشيرون أن نفعل به وقيل إن قوله فماذا تأمرون من قول الملأ لأن كلام فرعون تم عند قوله يريد أن يخرجكم من أرضكم فقال الملأ مجيبين لفرعون فماذا تأمرون وإنما خاطبوه بلفظ الجمع وهو واحد على عادة الملوك في التعظيم والتفخيم والمعنى فما ترون أن نفعل به والقول الأول أصح لسياق الآية التي بعدها وهو قوله تعالى: {قالوا أرجه وأخاه} يعني أخرِّ أمرهما ولا تعجل فيه فتصير عجلتك عليك لا لك والإرجاء في اللغة هو التأخير لا الحبس ولأن فرعون ما كان يقدر على حبس موسى بعد أن رأى من أمر العصا ما رأى {وأرسل في المدائن} جمع مدينة واشتقاقها من مدن بالمكان أي أقام به يعني مدائن صعيد مصر {حاشرين} يعني رجالاً يحشرون إليك السحرة من جميع مدائن الصعيد والمعنى أنهم قالوا لفرعون أرسل إلى هذه المدائن رجالاً من أعوانك وهو الشرَط يحشرون إليك من فيها من السحرة وكان الرؤساء السحرة بأقصى مدائن الصعيد فإن غلبهم موسى صدقناه واتبعناه وإن غلبوه أنه ساحر فذلك قوله: {يأتوك} يعني الشرط {بكل ساحر} وقرئ سحار والفرق بين الساحر والسحار أن الساحر هو المبتدئ في صناعة السحر فيتعلم ولا يعلم والسحار هو الماهر الذي يتعلم منه السحر وقيل الساحر من يكون سحره وقتاً دون وقت والسحار الذي يدوم سحره ويعمل في كل وقت {عليم} يعني ماهر بصناعة السحر وقال ابن عباس رضي الله عنهما وابن إسحاق والسدي: إن فرعون لما رأى من سلطان الله وقدرته في العصا قال إنا لا نقاتل موسى إلا بمن هو أشد منه سحراً فاتخذ غلماناً من بني إسرائيل وبعث بهم إلى مدينة يقال لها الغوصاء يعلمونهم السحر فعلموهم سحراً كبيراً وواعد فرعون موسى موعداً ثم بعث إلى السحرة فجاؤوا ومعهم معلمهم فقال فرعون للمعلم ماذا صنعت قال قد علمتهم سحراً لا يطيقه سحر أهل الأرض إلا أن يكون أمراً من السماء فإنه لا طاقة لهم به ثم بعث فرعون في مملكته فلم يترك ساحراً إلا أتى به واختلفوا في عدد السحرة الذين جمعهم فرعون فقال مقاتل: كانوا اثنين وسبعين اثنان منهم من القبط وهما رئيسا القوم وسبعون من بني إسرائيل وقال الكلبي: كان الذين يعلمونهم رجلين مجوسيين من أهل نينوى وكانوا سبعين غير رئيسهم وقال كعب الأحبار: كانوا اثني عشر ألفاً، ومحمد بن إسحاق: كانوا خمسة عشر ألفاً، وقال عكرمة: كانوا سبعين ألفاً وقال محمد بن المنكدر: كانوا ثمانين ألفاً وقال السدي: كانوا بضعاً وثمانين ألفاً، ويقال: رئيس القوم شمعون، وقيل: يوحنا.

.تفسير الآيات (113- 117):

{وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ (113) قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (114) قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117)}
قوله تعالى: {وجاء السحرة فرعون} يعني لما اجتمعوا وجاؤوا إلى فرعون {قالوا إن لنا لأجراً} يعني جعلاً وعطاء تكرمنا به {إن كنا نحن الغالبين} يعني لموسى قال الإمام فخر الدين الرازي: ولقائل أن يقول كان حق الكلام أن يقول وجاء السحرة فرعون فقالوا بالفاء وجوابه هو على تقدير سائل سأل ما قالوا إذا جاؤوا فأجيب بقوله قالوا أئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين يعني لموسى {قال نعم} يعني: قال لهم فرعون لكم الأجر والعطاء {وإنكم لمن المقربين} يعني ولكم المنزلة الرفيعة عندي مع الأجر والمعنى أن فرعون قال للسحرة إني لا أقتصر معكم على الأجر بل أزيدكم عليه وتلك الزيادة إني أجعلكم من المقربين عندي، قال الكلبي: تكونوا أول من يدخل عليّ وآخر من يخرج من عندي {قالوا} يعني السحرة {يا موسى إما أن تلقي} يعني عصاك {وإما أن نكون نحن الملقين} يعني عصيّنا وحبالنا في هذه الآية دقيقة لطيفة وهي أن السحرة راعوا مع موسى عليه الصلاة والسلام حسن الأدب حيث قدموه على أنفسهم في الإلقاء لا جرم أن الله عز وجل عوضهم حيث تأدبوا مع نبيه موسى صلى الله عليه وسلم أن منَّ عليهم بالإيمان والهداية ولما راعوا الأدب أولاً وأظهروا ما يدل على رغبتهم في ذلك {قال} يعني قال لهم موسى {ألقوا} يعني أنتم فقدمهم على نفسه في الإلقاء.
فإن قلت كيف جاز لموسى أن يأمر بالإلقاء وقد علم انه سحر وفعل السحر غير جائز؟
قلت: ذكر العلماء رحمهم الله تعالى في أجوبة أحدها أن معناه إن كنتم محقين في فعلكم فألقوا وإلا فلا تلقوا.
الجواب الثاني: إنما أمرهم بالإلقاء لتظهر معجزته لأنهم إذا لم يلقوا حبالهم وعصيهم لم تظهر معجزة موسى في عصاه.
الجواب الثالث: أن موسى علم أنهم لابد أن يلقوا تلك الحبال والعصي وإنما وقع التخيير في التقديم والتأخير فأذن لهم في التقديم لتظهر معجزته أيضاً بغلبهم لأنه لو ألقى أولاً لم يكن له غلب وظهور عليهم فلهذا المعنى أمرهم بالإلقاء أولاً {فلما ألقوا} يعني حبالهم وعصيهم {سحروا أعين الناس} يعني صرفوا أعين الناس عن إدراك حقيقة ما فعلوا من التمويه والتخييل وهذا هو السحر وهذا هو الفرق بين السحر الذي هو فعل البشر وبين معجزة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام التي هي فعل الله وذلك لأن السحر قلب الأعين وصرفها عن إدراك ذلك الشيء والمعجزة قلب نفس الشيء عن حقيقته كقلب عصا موسى عليه الصلاة والسلام حية تسعى {واسترهبوهم} يعني أرهبوهم وأفزعوهم بما فعلوه من السحر وهذا قوله تعالى: {وجاؤوا} يعني السحرة {بسحر عظيم} وذلك انهم ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً فإذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضاً، ويقال: إنهم ألقوا حبالاً غلاظاً وخشباً طوالاً فغذا هي حيات كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضاً، ويقال: إنهم طلوا تلك الحبال بالزئبق وجعلوا داخل تلك العصي زئبقاً أيضاً وألقوها على الأرض فلما أثر الشمس فيها تحركت والتوى بعضها على بعض حتى تخيل للناس أنها حيات.
ويقال: إن الأرض كانت سعتها ميلاً فصارت كلها حيات وأفاعي ففزع الناس من ذلك وأوجس في نفسه خيفة موسى وهذه الخيفة لم تحصل لموسى عليه الصلاة والسلام لأجل سحرهم لأنه عليه الصلاة والسلام كان على يقين وثقة الله تعالى أنهم لن يغلبوه وهو غالبهم وكان عالماً بأن كل ما أتوا به على وجه المعارضة لمعجزته فهو من باب السحر والتخييل وذلك باطل ومع هذا الجزم يمتنع حصول الخوف لموسى من ذلك بل كان خوفه عليه الصلاة والسلام لأجل فزع الناس واضطرابهم مما رأوا من أمر تلك الحيات فخاف موسى عليه الصلاة والسلام أن يتفرقوا قبل ظهور معجزته وحجته فلذلك أوجس في نفسه خيفة موسى.
قوله تعالى: {وأوحينا إلى موسى أن ألقِ عصاك} يعني فألقاها {فإذا هي تلقف} يعني تبتلع {ما يأفكون} يعني ما يكذب فيه السحرة لأن أصل الإفك قلب الشيء عن غير وجهه ومنه قيل للكذاب أفّاك لأنه يقلب الكلام عن وجه الصحيح إلى الباطل. قال المفسرون: أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه الصلاة والسلام أن لا تخف وألق عصاك فألقاها فصارت حية عظيمة حتى سدت الأفق. قال ابن زيد: كان اجتماعهم بالإسكندرية فيقال بلغ ذنب الحية من وراء البحر ثم فتحت فاها ثمانين ذراعاً فإذا هي تلقف يعني تبتلع كل شيء أتوا به من السحر فكانت تبتلع حبالهم وعصيهم واحداً واحداً حتى ابتلعت الكل وقصدت القوم الذين حضروا ذلك المجمع ففزعوا ووقع الزحام بينهم فمات من ذلك الزحام خمسة وعشرون ألفاً ثم أخذها موسى عليه السلام فصارت في يده عصا كما كانت أول مرة فلما رأى السحرة ذلك عرفوا أنه من أمر السماء وليس بسحر وعرفوا أن ذلك ليس من قدرة البشر وقوتهم فعند ذلك خروا سجَّداً وقالوا: آمنا برب العالمين.

.تفسير الآيات (118- 125):

{فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانْقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119) وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (120) قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (121) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ (122) قَالَ فِرْعَوْنُ آَمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (123) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ (124) قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ (125)}
قوله تعالى: {فوقع الحق} يعني فظهر الحق الذي جاء به موسى {وبطل ما كانوا يعملون} يعني من السحر وذلك أن السحرة قالوا لو كان ما صنع موسى سحراً لبقيت حبالنا وعصينا فلما نفدت وتلاشت في عصا موسى علموا أن ذلك من أمر الله وقدرته {فغلبوا هنالك} يعني فعند ذلك غلب فرعون وسحرته وجموعه {وانقلبوا صاغرين} يعني ورجعوا ذليلين مقهورين {وألقى السحرة ساجدين} يعني أن السحرة لما عاينوا من عظيم قدرة الله تعالى ما ليس في قدرتهم مقابلته وعلموا أنه ليس بسحر خروا لله ساجدين وذلك أن الله عز وجل ألهمهم معرفته والإيمان به {قالوا آمنا برب العالمين} فقال فرعون إياي تعنون فقالوا بل {رب موسى وهارون} قال مقاتل: قال موسى لكبير السحرة تؤمن بي إن غلبتك فقال لآتينّ بسحر لا يغلبه سحر ولئن غلبتني لأومنن بك، وقيل: إن الحبال والعاصي التي كانت مع السحرة كانت حمل ثلاثمائة بعير فلما ابتلعتها عصا موسى كلها قال بعضهم لبعض هذا أمر خارج عن حد السحر وما هو إلا من أمر السماء فآمنوا به وصدقوه.
فإن قلت كان يجب أن يأتوا بالإيمان قبل السجود فما فائدة تقديم السجود على الإيمان.
قلت: لما قذف الله عز وجل في قلوبهم الإيمان والمعرفة خروا سجداً لله تعالى شكراً على هدايتهم إليه وعلى ما ألهمهم الله من الإيمان بالله وتصديق رسوله ثم أظهروا بعد ذلك إيمانهم. وقيل: لما رأوا عظيم قدرة الله تعالى وسلطانه في أمر العصا وأنه ليس يقدر على ذلك أحد من البشر وزالت كل شبهة كانت في قلوبهم بادروا إلى السجود لله تعظيماً لشأنه لما رأوا من عظيم قدرته ثم إنهم أظهروا الإيمان باللسان. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: لما رأت السحرة ما رأت عرفت أن ذلك من أمر السماء وليس بسحر فخّروا سجّداً وقالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون.
قوله عز وجل: {قال فرعون آمنتم به قبل أن آذن لكم} يعني فرعون للسحرة آمنتم بموسى وصدقتموه قبل أن آمركم به وآذن لكم فيه {إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة} يعني إن هذا الصنع الذي صنعتموه أنتم وموسى في مدينة مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع وذلك أن فرعون رأى موسى يحدث كبير السحرة فظن فرعون أن موسى وكبير السحرة قد تواطآ عليه وعلى أهل مصر وهو قوله: {لتخرجوا منها أهلها} وتستولوا عليها أنتم {فسوف تعلمون} فيه وعيد وتهديد يعني: فسوف تعلمون ما أفعل بكم ثم فسر ذلك الوعيد فقال {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} وهو أن تقطع إحدى اليدين وإحدى الرجلين فيخالف بينهما في القطع {ثم لأصلبنكم أجمعين} يعني على شاطئ نيل مصر. قال ابن عباس رضي الله عنهما: أول من صلب وأول من قطع الأيدي والأرجل فرعون {قالوا} يعني مجيبين لفرعون حين وعدهم بالقتل {إنا إلى ربنا منقلبون} إنا إلى ربنا راجعون وإليه صائرون في الآخرة.