فصل: تفسير الآيات (184- 187):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (184- 187):

{أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ (184) أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ (185) مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (186) يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}
قوله سبحانه وتعالى: {أولم يتفكروا ما بصاحبهم} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {من جنة} يعني من جنون قال قتادة ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قام على الصفا ليلاً فجعل يدعو قريشاً فخذاً فخذاً «يا بني فلان يا بني فلان إني لكم نذير مبين» وكان يحذرهم بأس الله ووقائعه فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يصوّت إلى الصباح فأنزل الله عز وجل: {أولم يتفكروا} والتفكر التأمل وإعمال الخاطر في عاقبة الأمر والمعنى أو لم يتفكروا فيعلموا ما بصاحبهم يعني محمداً صلى الله عليه وسلم من جِنة والجنة. حالة من الجنون وإدخال لفظة من في قوله من جنة يوجب أن لا يكون به نوع من أنواع الجنون وإنما نسبوه إلى الجنون وهو بريء منه لأنهم رأوا أنه صلى الله عليه وسلم خالفهم في الأقوال والأفعال لأنه كان معرضاً عن الدنيا ولذاتها مقبلاً على الآخرة ونعيمها مشتغلاً بالدعاء إلى الله عز وجل وإنذارهم بأسه ونقمته ليلاً ونهاراً من غير ملال ولا ضجر فعند ذلك نسبوه إلى الجنون فبرأه الله سبحانه وتعالى من الجنون فقال تعالى: {إن هو} يعني ما هو {إلا نذير مبين} ثم حثَّهم على النظر المؤدي إلى العلم بالوحدانية فقال سبحانه وتعالى: {أولم ينظروا} يعني نظر اعتبار واستدلال {في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء} والمقصود التنبيه على أن الدلالة على الوحدانية ووجود الصانع القديم غير مقصورة على ملك السموات والأرض بل كل شيء خلقه الله سبحانه وتعالى وبرأه فيه دليل على وحدانية الله سبحانه وتعالى وآثار قدرته كما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

{وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم} والمعنى ولعل أجلهم يكون قد اقترب فيموتوا على الكفر قبل أن يؤمنوا فيصيروا إلى النار وإذا كان الأمر كذلك وجب على العاقل المبادرة إلى التفكر والاعتبار والنظر المؤدي إلى الفوز بالنعيم المقيم {فبأي حديث بعده} يعني القرآن {يؤمنون} يعني يصدقون. والمعنى فبأي كتاب بعد الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يصدقون وليس بعد محمد نبي ولا بعد كتابه كتاب لأنه خاتم الأنبياء وكتابه خاتم الكتب لانقطاع الوحي بعد محمد صلى الله عليه وسلم ثم ذكر علة إعراضهم عن الإيمان فقال سبحانه وتعالى: {من يضلل الله فلا هادي له} يعني أن إعراض هؤلاء عن الإيمان لإضلال الله إياهم فلو هداهم لآمنوا {ويذرهم في طغيانهم يعمهون} يعني ويتركهم في ضلالتهم وتماديهم في الكفر يترددون متحيرين لا يهتدون سبيلاً.
قوله عز وجل: {يسألونك عن الساعة أيان مرساها} قال قتادة: قالت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن بيننا وبينك قرابة فأسرّ إلينا متى الساعة فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال ابن عباس: قال جبل بن أبي قبشير وشمول بن زيد، وهما من اليهود، لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبياً كما تقول فإنا نعلم متى الساعة فأنزل الله عز وجل: يسألونك عن الساعة يعني عن خبر القيامة. سميت ساعة لأنها تقوم في ساعة غفلة وبغتة أو لأن حساب الخلائق ينقضي فيها في ساعة واحدة أيان سؤال استفهام عن الوقت الذي تقوم فيه الساعة ومعناه متى مرساها. قال ابن عباس: يعني منتهاها أي متى وقوعها. قالوا والساعة الوقت الذي تموت فيه الخلائق وأصل الإرساء الثبات يقول رسا يرسو إذا ثبت {قل} أي قل لهم يا محمد {إنما علمها عند ربي} أي لا يعلم الوقت الذي تقوم فيه إلا الله استأثر الله بعلمها فلم يطلع عليه أحد ومر حديث الإيمان والإسلام والإحسان وسؤال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني عن الساعة قال ما المسؤول عنها بأعلم من السائل.
قال المحققون: وسبب إخفاء علم الساعة ووقت قيامها عن العباد ليكونوا على خوف وحذر منها لأنهم إذا لم يعلموا متى يكون ذلك الوقت كانوا على وجل وخوف وإشفاق منها فيكون ذلك أدعى لهم إلى الطاعة والتوبة وأزجر لهم عن المعصية {لا يجليها لوقتها إلا هو} قال مجاهد لا يأتي بها إلا هو، وقال السدي: لا يرسلها لوقتها إلا هو والتجلية إظهار الشيء بعد خفائه، والمعنى: لا يظهرها لوقتها المعين إلا الله ولا يقدر على ذلك غيره {ثقلت في السموات والأرض} يعني ثقل أمرها وخفي علمها على أهل السموات والأرض فكل شيء خفي فهو ثقيل شديد. وقال الحسن: إذا جاءت ثقلت وعظمت على أهل السموات والأرض وإنما ثقلت عليهم لأن فيها فناءهم وموتهم وذلك ثقيل على القلوب {لا تأتيكم إلا بغتة} يعني فجأة على حين غفلة من الخلق.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» اللَّقحة بفتح اللام وكسرها: الناقة القريبة العهد بالنتاج.
قوله: يليط حوضه ويروى يلوط حوضه يعني يطينه ويصلحه يقال لاط حوضه يليطه أو يلوطه إذا طينه وأصله من اللصوق. الأُكلة: بضم الهمزة اللقمة.
وقوله سبحانه وتعالى: {يسألونك كأنك حفي عنها} يعني يسألونك قومك عن الساعة كأنك حفي بها بمعنى بارّ بهم شفيق عليهم فعلى هذا القول فيه تقديم وتأخير تقديره يسألونك عنها كأنك حفي بهم.
قال ابن عباس: يقول كأن بينك وبينهم مودة وكأنك صديق لهم. قال ابن عباس لما سأل الناس محمداً صلى الله عليه وسلم عن الساعة سألوه سؤال قوم كأنهم يرون أن محمداً صلى الله عليه وسلم حفي بهم فأوحى الله عز وجل إليه إنما علمها عند استأثر بعلمها فلم يطلع عليها ملكاً ولا رسولاً وقيل معناه يسألونك عنها كأنك حفي بها أي عالم بها من قولهم أحفيت في المسألة إذا بالغت في السؤال عنها حتى علمتها {قل} يعني يا محمد {إنما علمها عند الله} يعني استأثر الله بعلمها فلا يعلم متى الساعة إلا الله عز وجل.
فإن قلت: قوله سبحانه وتعالى يسألونك عن الساعة أيان مرساها وقوله سبحانه وتعالى ثانياً يسألونك كأنك حفي عنها فيه تكرار؟
قلت: ليس في تكرار لأن السؤال الأول سؤال عن وقت قيام الساعة والسؤال الثاني سؤال عن أحوالها من ثقلها وشدائدها فلم يلزم التكرار.
فإن قلت: عبر عن الجواب في السؤال الأول بقوله تعالى: {علمها عند ربي} وعن الجواب في السؤال الثاني بقوله تعالى: {علمها عند الله} فهل من فرق بين الصورتين في الجوابين.
قلت: فيه فرق لطيف وهو أنه لما كان السؤال الأول واقعاً عن قيام وقت الساعة عبر عن الجواب فيه بقوله تعالى علم وقت قيامها عند ربي.
ولما كان السؤال الثاني واقعاً عن أحوالها وشدائدها وثقلها عبر عن الجواب فيه بقوله سبحانه وتعالى عند الله لأنه أعظم الأسماء {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} يعني لا يعملون أن علمها عند الله وأنه استأثر بعلم ذلك حتى لا يسألوا عنه.
وقيل: ولكن أكثر الناس لا يعلمون السبب الي من أجله أخفى علم وقت قيامها المغيب عن الخلق.

.تفسير الآيات (188- 189):

{قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (188) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آَتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (189)}
قوله سبحانه وتعالى: {قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً} قال ابن عباس: إن أهل مكة قالوا يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري به فتربح فيه عند الغلاء وبالأرض التي يريد أن تجدب فترحل عنها إلى ما قد أخصبت فأنزل الله عز وجل: {قل لا أملك} أي قل يا محمد لا أملك ولا أقدر لنفسي نفعاً أي اجتلاب نفع بأن أربح فيما أشتريه ولا ضراً يعني ولا أقدر أن أدفع عن نفسي ضراً نزل بها بأن أرتحل إلى الأرض الخصبة وأترك الجدبة {إلا ما شاء الله} يعني أن أملكه وأقدر عليه {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} يعني ولو كنت أعلم وقت الخصب والجدب لاستكثرتُ من المال {وما مسني السوء} يعني الضر والفقر والجوع. وقال ابن جريج: معناه لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً من الهدى والضلالة ولو كنت أعلم الغيب يريدون وقت الموت لاستكثرت من الخير يعني من العمل الصالح. وقيل إن أهل مكة لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة أنزل الله تعالى الآية وهذه الآية ومعناه: أنا لا أدعي علم الغيب حتى أخبركم عن وقت قيام الساعة وذلك لما طالبوه بالإخبار عن الغيوب فذكر أن قدرته قاصرة عن علم الغيب.
فإن قلت: قد أخبر صلى الله عليه وسلم عن المغيبات وقد جاءت أحاديث في الصحيح بذلك وهو من أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم فكيف الجمع بينه وبين قوله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير؟
قلت: يحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع والأدب والمعنى لا أعلم الغيب إلا أن يطلعني الله عليه ويقدره لي. ويحتمل أن يكون قال ذلك قبل أن يطلعه الله عز وجل على الغيب فلما أطلعه الله عز وجل أخبر به كما قال تعالى: {فلا يظهر على غيبة أحداً إلا من ارتضى من رسول} أو يكون خرج هذا الكلام مخرج الجواب عن سؤالهم ثم بعد ذلك أظهره الله سبحانه وتعالى عن أشياء من المغيبات فأخبر عنها ليكون ذلك معجزة له ودلالة على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم وقوله وما مسنى السوء يعني الجنون وذلك أنهم نسبوه إلى الجنون وقيل معناه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من تحصيل الخير واحترزت عن الشر حتى أصير بحيث لا يمسني السوء ويل معناه ولو كنت أعلم الغيب لأعلمتكم بوقت قيام الساعة حتى تؤمنوا وما مسني السوء يعني قولكم لو كنت نبياً لعلمت متى تقوم الساعة {إن أنا إلا نذير} يعني ما أنا إلا رسول أرسلني الله إليكم أنذركم وأخوفكم عقابه إن لم تؤمنوا {وبشير} يعني وأبشر بثوابه {لقوم يؤمنون} يعني يصدقون.
قوله عز وجل: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} يعني آدم عليه السلام {وجعل منها زوجها} يعني وخلق منها زوجها حواء قد تقدم كيفية خلق حواء من ضلع آدم في أول سورة النساء {ليسكن إليها} يعني ليأنس بها ويأوي {فلما تغشاها} يعني واقعها وجامعها كنى به عن الجماع أحسن كناية لأن الغشيان إتيان الرجل المرأة وقد غشيها وتغشاها إذا علاها وتجللها {حملت حملاً خفيفاً} يعني النطفة والمني لأن أول ما تحمل النطفة وهي خفيفة عليها {فرمت به} يعني أنها استمرت بذلك الحمل فقامت وقعدت وهو خفيف عليها {فلما أثقلت} أي صارت إلى حال الثقل وكبر ذلك الحمل ودنت مدة ولادتها {دعوا الله ربهما} يعني أن آدم وحواء دعوا الله ربهما {لئن آتيتنا صالحاً} يعني لئن أعطيتنا بشراً سوياً مثلنا {لنكونن من الشاكرين} يعني لك على إنعامك علينا. قال المفسرون: لما هبط آدم وحواء إلى الأرض ألقيت الشهوة في نفس آدم فأصاب حواء فحلمت من ساعتها فلما ثقل الحمل وكبر الولد أتاها إبليس فقال لها: ما الذي في بطنك؟ قالت: ما أدري قال: إني أخاف أن يكون بهيمة أو كلباً أو خنزيراً أترين في الأرض إلا بهيمة أو نحوها قالت: إني أخاف بعض ذلك قال وما يدريك من أين خرج أمن دبرك أم فن فيك أو يشق بطنك فيقتلك فخافت حواء من ذلك وذكرته لآدم فلم يزالا في غم من ذلك ثم عاد إليها إبليس فقال لها إني من الله بمنزلة فإن دعوت الله أن يجعله خلقاً سوياً مثلك ويسهل عليك خروجه تسميه عبد الحارث وكان اسم إبليس في الملائكة الحارث فذكرت ذلك حواء لآدم عليه السلام فقال لعله صاحبنا الذي قد علمت فعاودها إبليس فلم يزل بهما حتى غرهما فلما ودلت سمياه عبد الحارث. وقال ابن عباس: كانت حواء تلد لآدم فيسميه عبد الله وعبيد الله وعبد الرحمن فيصيبهم الموت فأتاهما إبليس فقال: إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث فولدت فسمياه عبد الحارث فولدت فسمياه عبد الحارث فعاش. عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لما حملت حواء طاف بها إبليس وكان لا يعيش لها ولد فقال سميه عبد الحارث فسمته فعاش وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة وقال وقد رواه بعضهم ولم يرفعه وقوله وذلك من وحي الشيطان يعني من وسوسته وحديثه كما جاء أنه خدعهما مرتين مرة في الجنة ومرة في الأرض. قال ابن عباس: لما ولد له أول ولد آتاه إبليس فقال إني أنصح لك في شأن ولدك هذا تسميه عبد الحارث وكان اسمه في السماء الحارث فقال آدم: أعوذ بالله من طاعتك إني أطعتك في أكل الشجرة فأخرجتي من الجنة فلن أطيعك فمات ولده ثم ولد له بعد ذلك ولد آخر فقال أطعني وإلا مات كما مات أول الأول فعصاه فمات ولده، فقال لا أزال أقتلهم حتى تسميه عبد الحارث فلم يزل به حتى سماه عبد الحارث.

.تفسير الآيات (190- 190):

{فَلَمَّا آَتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلَا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آَتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (190)}
قوله تعالى: {فلما آتاهما صالحاً جعلا له شركاء فيما آتاهما} قال ابن عباس: أشركاه في طاعته في غير عبادة ولم يشركا بالله ولكن أطاعاه. وقال قتادة: أشركا في الاسم ولم يشركا في العبادة. وقال عكرمة ما أشرك آدم ولا حواء وكان لا يعيش لهما ولد فأتاهما الشيطان فقال إن سركما أن يعيش لكما ولد فسمياه عبد الحارث فهو قوله تعالى جعلا له شركاء فيما آتاهما قرئ شركا بكسر الشين مع التنوين ومعناه شركة وقال أبو عبيدة معناه حظاً ونصيباً وقرئ شركاء بضم الشين مع المد جمع شريك يعني إبليس عبر عن الواحد بلفظ الجمع يعني جعلا له شريكاً إذ سميا ولدهما عبد الحارث. قال العلماء: ولم يكن ذلك شركاً في العبادة ولا أن الحارث رب لهما لأن آدم عليه الصلاة والسلام كان نبياً معصوماً من الشرك ولكن قصد بتسميتهما الولد بعبد الحارث ان الحارث كان سبب نجاة الولد وسلامته وسلامة أمه وقد يطلق اسم العبد على من لا يراد به أنه مملوك كما قال الشاعر:
وإني لعبد الضيف ما دام ثاوياً

أخبر عن نفسه أنه عبد الضيف ما أقام عنده مع بقاء الحرية عليه وإنما أراد بالعبودية خدمة الضيف والقيام بواجب حقوقه كما يقوم العبد بواجب حقوق سيده. وقد يطلب اسم الرب بغير الألف واللام على غير الله كقول يوسف عليه الصلاة والسلام لعزيز مصر {إنه ربي أحسن مثواي} أراد به التربية ولم يرد به أنه ربه ومعبوده فكذلك هنا وإنما أخبر عن آدم عليه السلام بقوله سبحانه وتعالى: {جعلا له شركاء فيما آتاهما} لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين ولأن منصب النبوة أشرف المناصب وأعلاها فعاتبه الله على ذلك لأنه نظر إلى السبب ولم ينظر إلى المسبب والله أعلم بمراده وأسرار كتابه. قال العلماء: وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله فيما آتاهما ثم ابتدأ في الخير عن الكفار بقوله تعالى: {فتعالى الله عما يشركون} نزه نفسه سبحانه وتعالى عن إشراك المشركين من أهل مكة وغيرهم وهذا على العموم، ولو أراد آدم وحواء لقال سبحانه وتعالى فتعالى الله عما يشركان على التثنية لا على الجمع وقال بعض أهل المعاني: ولو أراد به ما سبق في معنى الآية فمستقيم أيضاً من حيث إنه كان الأولى بهما أن لا يفعلا ما أتيا به من الإشراك في التسمية فكان الأولى أن يسمياه عبد الله لا عبد الحارث وفي معنى الآية قول آخر وهو أنه راجع إلى جميع المشركين من ذرية آدم وهو قول الحسن وعكرمة ومعناه وجعل أولادهما له شركاء فحذف ذكر الأولاد وأقامهما مقامهم كما أضاف فعل الآباء إلى الأبناء بقوله: {ثم اتخذتم العجل} {وإذ قتلتم نفساً} فعير به الهيود الذين كانوا موجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكان ذلك من فعل آبائهم وقال عكرمة: خاطب كل واحد من الخلق بقوله: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة} أي خلق كل واجد من أبيه وجعل منها زوجها أي وجعل من جنسها زوجها آدمية مثله وهذا قول حسن إلا أن القول وورد الحديث بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وقيل هم اليهود والنصارى رزقهم الله أولاداً فهّودوهم ونصّروهم وقال ابن كيسان: هم الكفار سموا أولادهم بعبد العزى وعبد شمس وعبد الدار ونحو ذلك.