فصل: تفسير الآيات (91- 93):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (91- 93):

{لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (92) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (93)}
قوله عز وجل: {ليس على الضعفاء} لما ذكر الله سبحانه وتعالى المنافقين الذين تخلفوا عن الجهاد واعتذروا بأعذار باطلة عقبه بذكر أصحاب الأعذار الحقيقية الصحيحة وعذرهم وأخبر أن فرض الجهاد عنهم ساقط فقال سبحانه وتعالى: {ليس على الضعفاء} والضعيف هو الصحيح في بدنه العاجز عن الغزو وتحمل مشاق السفر والجهاد مثل الشيوخ والصبيان والنساء ومن خلق في أصل الخلقة ضعيفاً نحيفاً ويدل على أن هؤلاء الأصناف هم الضعفاء أن الله سبحانه وتعالى عطف عليهم المرضى فقال سبحانه وتعالى: {ولا على المرضى} والمعطوف مغاير للمعطوف عليه فأما المرضى فيدخل فيهم أهل العمى والعرج والزمانة وكل من كمان موصوفاً بمرض يمنعه من التمكن من الجهاد والسفر للغزو {ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون} يعني الفقراء العاجزين عن أهبة الغزو والجهاد، فلا يجدون الزاد والراحلة والسلاح ومؤنة السفر لأن العاجز عن نفقة الغزو معذور {حرج} أي ليس على هؤلاء الأصناف الثلاثة حرج أي إثم في التخلف عن الغزو. وقال الإمام فخر الدين الرازي: ليس في الآية أنه يحرم عليهم الخروج لأن الواحد من هؤلاء لو خرج ليعين المجاهدين بمقدار القدرة إما بحفظ متاعهم أو بتكثير سوادهم بشرط أن لا يجعل نفسه كلاً ووبالاً عليهم فإن ذلك طاعة مقبولة ثم إنه تعالى شرط على الضعفاء في جواز التخلف عن الغزو شرطاً معيناً وقوله سبحانه وتعالى: {إذا نصحوا لله ورسوله} ومعناه: أنهم إذا أقاموا في البلد احترزوا عن إفشاء الأراجيف وإثارة الفتن وسعوا في إيصال الخير إلى أهل المجاهدين الذين خرجوا إلى الغزو وقاموا بمصالح بيوتهم وأخلصوا الإيمان والعمل لله وتابعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فإن جملة هذه الأمور تجري مجرى النصح لله ورسوله {ما على المحسنين من سبيل} أي ليس على من أحسن فنصح لله ولرسوله في تخلفه عن الجهاد بعذر قد أباحه الشارع طريق يتطرق عليه فيعاقب عليه والمعنى أنه سد بإحسانه طريق العقاب عن نفسه ويستنبط من قوله ما على المحسنين من سبيل أن كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله مخلصاً من قلبه ليس عليه سبيل في نفسه وماله إلا ما أباحه الشرع بدليل منفصل {والله غفور} يعني لمن تخلف عن الجهاد بعذر ظاهر أباحه الشرع {رحيم} يعني: أنه تعالى رحيم بجميع عباده.
قال قتادة: نزلت هذه الآية في عائذ بن عمرو وأصحابه. وقال الضحاك: نزلت في عبد الله بن أم مكتوم وكان ضرير البصر ولما ذكر الله عز وجل هذه الأقسام الثلاثة من المعذورين أتبعه بذكر قسم رابع وهو قوله تعالى: {ولا على الذين إذا ما أتوك} يعني ولا حرج ولا إثم في التخلف عنك على الذين إذا ما أتوك {لتحملهم} يعني يسألونك الحملان ليبلغوا إلى غزو عدوك وعدوهم والجهاد معك يا محمد.
قال ابن إسحاق: نزلت في البكائين وكانوا سبعة. ونقل الطبري عن محمد بن كعب وغيره قالوا: جاء ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحملونه فقال: لا أجد ما أحملكم عليه فأنزل الله هذه الآية وهم سبعة نفر من بني عمرو بن عوف سالم بن عمير ومن بني واقف جرمي بن عمير ومن بني مازن ابن النجار عبد الرحمن بن كعب يكنى أبا ليلى ومن بني المعلى سلمان بن صخر ومن بني حارثة عبد الرحمن بن زيد وهو الذي تصدق بعرضه فقبل الله منه ذلك ومن بني سلمة عمرو بن عنمة وعبد الله بن عمر المزني.
وقال البغوي: هم سبعة نفس سمعوا البكائين معقل بن يسار، وصخر بن خنساء، وعبد الله بن كعب الأنصاري، وعلية بن زيد الأنصاري، وسالم بن عمير، وثعلبة بن عنمة، وعبد الله بن مغفل المزني، قال: أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن الله عز وجل قد ندبنا إلى الخروج معك فاحملنا. فقال: {لا أجد ما أحملكم عليه} وقال مجاهد: هم بنو مقرن من مزينة وكانوا ثلاثة إخوة. معقل، وسويد، والنعمان بنو مقرن. وقيل: نزلت في العرباض بن سارية، ويحتمل أنها نزلت في كل ما ذكر.
قال ابن عباس: سألوه أن يحملهم على الدواب. وقيل: بل سألوه أن يحملهم على الخفاف المرفوعة والنعال المخصوفة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {لا أجد ما أحملكم عليه}، فولوا وهم يبكون ولذلك سموا البكائين. فذلك قوله سبحانه وتعالى: {قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع} قال صاحب الكشاف: وكقولك تفيض دمعاً وهو أبلغ من يفيض جمعها لأن العين جعلت كأن كلها دمع فائض ومن البيان كقولك أفديك من رجل {حزناً ألاّ يجدوا ما ينفقون} يعني على أنفسهم في الجهاد {إنما السبيل} لما قال الله سبحانه وتعالى: {ما على المحسنين من سبيل} قال تعالى في حق من يعتذر ولا عذر له إنما السبيل يعني إنما يتوجه الطريق بالعقوبة {على الذين يستأذنوك} يا محمد في التخلف عنك والجهاد معك {وهم أغنياء} يعني قادرين على الخروج معك {رضوا بأن يكونوا مع الخوالف} يعني رضوا بالدناءة والضعة والانتظام في جملة الخوالف وهم النساء والصبيان والقعود معهم {وطبع الله على قلوبهم} يعني ختم عليها {فهم لا يعلمون} ما في الجهاد من الخير في الدنيا والآخرة أما في الدنيا فالفوز بالغنيمة والظفر بالعدو وأما في الآخرة فالثواب والنعيم الدائم الذي لا ينقطع.

.تفسير الآيات (94- 98):

{يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (94) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (95) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (96) الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (97) وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (98)}
قوله سبحانه وتعالى: {يعتذرون إليكم إذا رجعتم إليهم} يعني يعتذر هؤلاء المنافقون المتخلفون عنك يا محمد إليك وإنما ذكره بلفظ الجمع تعظيماً له صلى الله عليه وسلم ويحتمل أنهم اعتذروا إليه وإلى المؤمنين فلهذا قال تعالى يعتذرون إليكم يعني بالأعذار الباطلة الكاذبة إذا رجعتم إليهم يعني من سفركم {قل} أي قل لهم يا محمد {لا تعتذروا} قال البغوي: روي أن المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك كانوا بضعة وثمانين فقال الله تعالى قل لا تعتذروا {لن نؤمن لكم} يعني لن نصدقكم فيما اعتذرتم به {قد نبأنا الله من أخباركم} يعني قد أخبرنا الله فيما سلف من أخباركم {وسيرى الله عملكم ورسوله} يعني في المستأنف أتتوبون من نفاقكم أم تقيمون عليه وقيل: يحتمل أنهم وعدوا بأن ينصروا المؤمنين في المستقبل فلهذا قال وسيرى الله عملكم ورسوله هل تفون بما قلتم أم لا {ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم} يعني فيخبركم {بما كنتم تعلمون} لأنه هو المطلع على ما في ضمائركم في الخيانة والكذب وإخلاف الوعد.
قوله عز وجل: {سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم} يعني إذا رجعتم من سفركم إليهم يعني إلى المتخلفين بالمدينة من المنافقين {لتعرضوا عنهم} يعني لتصفحوا عنهم ولا تؤنبوهم ولا تؤبخوهم بسبب تخلفهم {فأعرضوا عنهم} يعني فدعوهم وما اختاروا لأنفسهم من النفاق. وقيل: يريد ترك الكلام يعني لا تكلموهم ولا تجالسوهم فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة قال لا تجالسوهم ولا تكلموهم قال أهل المعاني إن هؤلاء المنافقين طلبوا إعراض الصفح فأعطوا إعراض المقت ثم ذكر العلة في سبب الإعراض عنهم فقال تعالى: {إنهم رجس} يعني أن بواطنهم خبيثة نجسة وأعمالهم قبيحة {ومأواهم} يعني مسكنهم في الآخرة {جهنم جزاء بما كانوا يكسبون} يعني من الأعمال الخبيثة في الدنيا. قال ابن عباس: نزلت في الجد بن قيس ومعتب بن قشير وأصحابهما وكانوا ثمانين رجلاً من المنافقين فقال النبي: صلى الله عليه وسلم «لا تجالسوهم ولا تكلموهم» وقال مقاتل: نزلت في عبد الله بن أبي حلف للنبي صلى الله عليه وسلم الذي لا إله إلا هو أنه لا يتخلف عنه بعدها وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يرضى عنه فأنزل الله عز وجل هذه الآية والتي بعدها {يحلفون لكم لترضوا عنهم} يعني: يحلف لكم هؤلاء المنافقون لترضوا عنهم {فإن ترضوا عنهم} يعني فإن رضيتم عنهم أيها المؤمنون بما حلفوا لكم وقبلتم عذرهم {فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين} يعني أنه سبحانه وتعالى يعلم ما في قلوبهم من النفاق والشك فلا يرضى عنهم أبداً.
وقوله سبحانه وتعالى: {الأعراب أشد كفراً ونفاقاً} نزلت في سكان البادية يعني أن أهل البدو أشد كفراً ونفاقاً من أهل الحضر.
قال أهل اللغة: يقال رجل عربي إذا كان نسبه في العرب وجمعه العرب. ورجل أعرابي إذا كان بدوياً يطلب مساقط الغيب والكلأ. ويجمع الأعرابي على الأعراب والأعاريب فمن استوطن القرى والمدن العربية فهم عرب ومن نزل البادية فهم الأعراب، فالأعرابي إذا قيل له يا عربي فرح بذلك. العربي إذا قيل له: يا أعرابي غضب والعرب أفضل من الأعراب، لأن المهاجرين والأنصار وعلماء الدين من العرب. والسبب في كون الأعراب أشد كفراً ونفاقاً بُعدهم عن مجالسة العلماء وسماع القرآن والسنن والمواعظ وهو قوله سبحانه وتعالى: {وأجدر} يعني وأخلق وأحرى {ألا يعلموا} يعني بأن لا يعلموا {حدود ما أنزل الله على رسوله} يعني الفرائض والسنن والأحكام {والله عليم} يعني بما في قلوب عباده {رحيم} فيما فرض من فرائضه وأحكامه {ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً} يعني لا يرجو على إنفاقه ثواباً ولا يخاف على إمساكه عقاباً إنما ينفق خوفاً أو رياء. والمغرم: التزام ما لا يلزم. والمعنى: أن من الأعراب من يعتقد أن الذي ينفقه في سبيل الله غرامة لأنه لا ينفق ذلك إلا خوفاً من المسلمين أو مرآة لهم ولم يرد بذلك الإنفاق وجه الله وثوابه {ويتربص} يعني: ينتظر {بكم الدوائر} يعني بالدوائر تقلب الزمان وصروفه التي تأتي مرة بالخير ومرة بالشر. قال يمان بن رباب: يعني تقلب الزمان فيموت الرسول وتظهر المشركون {عليهم دائرة السوء} يعني: بل يتقلب عليهم الزمان ويدور السوء والبلاء والحزن بهم ولا يرون في محمد صلى الله عيله وسلم وأصحابه ودينه ما يسوءهم {والله سميع} يعني لأقوالهم {عليم} يعني بما يخفون في ضمائرهم من النفاق والغش وإرادة السوء للمؤمنين نزلت هذه الآية في أعراب أسد وغطفان.

.تفسير الآيات (99- 100):

{وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (99) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)}
قال تبارك وتعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر}.
قال مجاهد: هم بنو مقرن من مزينة. وقال الكلبي: هم أسلم وغفار وجهينة.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم إن كان جهينة ومزينة وأسلم وغفار خيراً من بني تميم وبني أسد وبني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة فقال رجل: خابوا وخسروا. قال: نعم هم خير من بني تميم وبني أسد وبني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة» وفي رواية «أن الأقرع بن حابس قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنما تابعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة وأحسبه قال وجهينة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن كان أسلم وغفار ومزينة وأحسبه قال: وجيهنة خيراً من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان قال خبوا وخسروا قال نعم».
(ق) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها» زاد مسلم في رواية له: «أما إني لم أقلها لكن الله قالها».
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار موالي ليس لهم مولى دون الله ورسوله» وقوله سبحانه وتعالى: {ويتخذ ما ينفق قربات عند الله} جمع قربة أي يطلب بما ينفق القربة إلى الله تعالى: {وصلوات الرسول} يعني ويرغبون في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو للمتصدقين بالخير والبركة ويستغفر لهم ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «اللهم صل على آل أبي أوفى» {ألا إنها قربة لهم} يحتمل أن يعود الضمير في إنها إلى صلوات الرسول ويحتمل أن يعود إلى الإنفاق وكلاهما قربة لهم عند الله وهذه شهادة من الله تعالى للمؤمن المتصدق بصحة ما اعتقد من كون نفقته قربات عند الله وصلوات الرسول له مقبولة عند الله لأن الله سبحانه وتعالى أكد ذلك بحرف التنبيه وهو قوله تعالى ألا وبحرف التحقيق وهو قوله تعالى إنها قربة لهم {سيدخلهم الله في رحمته} وهذه النعمة هي أقصى مرادهم {إن الله غفور} للمؤمنين المنفقين في سبيله {رحيم} يعني بهم حيث وفقهم لهذه الطاعة.
قوله سبحانه وتعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار} اختلف العلماء في السابقين الأولين فقال سعيد بن المسيب وقتادة وابن سيرين وجماعة: هم الذين صلوا إلى القبلتين. وقال عطاء بن أبي رباح: هم أهل بدر. وقال الشعبي: هم أهل بيعة الرضوان وكانت بيعة الرضوان بالحديبية.
وقال محمد بن كعب القرظي هم جميع الصحابة لأنهم حصل لهم السبق بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال حميد بن زياد: قلت يوماً لمحمد بن كعب القرظي ألا تخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم وأردت الفتن فقال: إن الله قد غفر لجميعهم محسنهم ومسيئهم وأوجب لهم الجنة في كتابه فقلت له في أي موضع أوجب لهم الجنة فقال سبحان الله ألا تقرأ والسابقون الأولون إلى آخر الآية فأوجب الله الجنة لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم زاد فرواية في قوله والذين اتبعوهم بإحسان قال شرط في التابعين شريطة وهي أن يتبعوهم في أعمالهم الحسنة دون السيئة. قال حميد: فكأني لم أقرأ هذه الآية قط. واختلف العلماء في أول الناس إسلاماً بعد اتفاقهم على أن خديجة أول الخلق إسلاماً وأول من صلى مع رسول الله عليه وسلم فقال بعض العلماء أول من آمن بعد خديجة علي بن أبي طالب وهذا قول جابر بن عبد الله ثم اختلفوا في سنة وقت إسلامه فقيلك كان ابن عشر سنين. وقيل: أقل من ذلك. وقيل: أكثر. وقيل: كان بالغاً. والصحيح، أنه لم يكن بالغاً وقت إسلامه. وقال بعضهم: أول من أسلم بعد خديجة أبو بكر الصديق وهذا قول ابن عباس والنخعي والشعبي وقال الزهري وعروة بن الزبير: أول من أسلم بعد خديجة أبو بكر الصديق وهذا قول ابن عباس والنخعي والشعبي وقال الزهري وعروة بن الزبير: أول من أسلم بعد خديجة زيد بن حارثة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يجمع بين هذه الروايات فيقول أول من أسلم من الرجال أبو بكر، ومن النساء خديجة، ومن الصبيان علي بن أبي طالب، ومن العبيد زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنهم فهؤلاء الأربعة سباق الخلق إلى الإسلام. قال ابن إسحاق: فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا الناس إلى الله ورسوله وكان رجلاً محبباً سهلاً وكان أنسب قريش لقريش وأعلمها بما كان فيها وكان رجلاً تاجراً وكان ذا خلق حسن ومعروف وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لعلمه وحسن مجالسته فجعل يدعو إلى الإسلام من يثق به من قومه فأسلم على يديه عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله فجاء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا على يده وصلوا معه فكان هؤلاء النفر الثمانية أول من سبق الناس إلى الإسلام ثم تتابع الناس بعدهم في الدخول إلى الإسلام وأما السابقون من الأنصار فهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وهي العقبة الأولى وكانوا ستة نفر أسعد بن زرارة وعوف بن مالك ورافع بن مالك بن العجلان وقطبة بن عامر وجابر بن عبد الله بن رباب ثم أصحاب العقبة الثانية من العام المقبل وكانوا اثني عشر رجلاً ثم أصحاب العقبة الثالثة وكانوا سبعين رجلاً منهم البراء بن معرور وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر وسعد بن عبادة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة فهؤلاء سباق الأنصار ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير إلى أهل المدينة يعلمهم القرآن فأسلم على يده خلق كثير من الرجال والنساء والصبيان من أهل المدينة وذلك قبل أن يهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وقيل: إن المراد بالسابقين الأولين من سبق إلى الهجرة والنصرة والذي يدل عليه أن الله سبحانه وتعالى ذكر كونهم سابقين ولم يبين بماذا سبقوا فبقي اللفظ مجملاً فلما قال تعالى من المهاجرين والأنصار ووصفهم بكونهم مهاجرين وأنصاراً وجب صرف اللفظ المجمل إليه وهو الهجرة والنصرة والذي يدل عليه أيضاً أن الهجرة طاعة عظيمة ومرتبة عالية من حيث إن الهجرة أمر شاق على النفس لمفارقة الوطن والعشيرة وكذلك النصرة فإنها مرتبة عالية ومنقبة شريفة لأنهم نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعدائه وآووه وواسوه وآووا أصحابه وواسوهم فلذلك أثنى الله عز وجل عليهم ومدحهم فقال سبحانه وتعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار}.
قوله تعالى: {والذين اتبعوهم بإحسان} قيل: هم بقية المهاجرين والأنصار سوى السابقين الأولين فعلى هذا القول، يكون الجميع من الصحابة. وقيل: هم الذين سلكوا سبيل المهاجرين والأنصار في الإيمان والهجرة والنصرة إلى يوم القيامة وقال عطاء هم الذين يذكرون المهاجرين والأنصار فيترحمون عليهم ويدعون لهم ويذكرون محاسنهم.
(ق) عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» قال عمران فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثاً.
(ق) عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا أصحابي فلو أن أحداً» وفي رواية «أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» أراد بالقرن في الحديث الأول أصحابه. والقرن الأمة من الناس يقارن بعضهم بعضاً واختلفوا في مدته من الزمان. فقيل: من عشر سنين إلى عشرين. وقيل: من مائة إلى مائة وعشرين سنة. والمد: المذكور في الحديث الثاني هو ربع صاع. والنصيف: نصفه. والمعنى: لو أن أحداً عمل مهما قدر عليه من أعمال البر والإنفاق في الحاجة. وقوله سبحانه وتعالى: {رضي الله عنهم ورضوا عنه} يعني رضي الله عن أعمالهم ورضوا عنه بما جازاهم عليها من الثواب وهذا اللفظ عام يدخل فيه كل الصحابة {وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم}.