فصل: تفسير الآيات (26- 28):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (26- 28):

{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (28)}
قوله عز وجل: {للذين أحسنوا الحسنى} قال ابن عباس: للذين شهدوا أن لا إله إلا الله الجنة. وقيل: معناه للذين أحسنوا عبادة الله في الدنيا من خلقه وأطاعوه فيما أمرهم ونهاهم عنه الحسنى، قال ابن الأنباري: الحسنى في اللغة، تأنيث الأحسن والعرب توقع هذه اللفظة على الخلة المحبوبة والخلصة المرغوب فيها. وقيل: معناه للذين أحسنوا المثوبة الحسنى {وزيادة} اختلف المفسرون في معنى هذه الحسنى وهذه الزيادة على أقوال:
القول الأول: إن الحسنى هي الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم وهذا قول جماعة من الصحابة منهم أبو بكر الصديق وحذيفة وأبو موسى الأشعري وعبادة بن الصامت وهو قول الحسن وعكرمة والضحاك ومقاتل والسدي ويدل على صحة هذا القول المنقول والمعقول فما روي عن صهيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة يقول الله تبارك وتعالى أتريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار قال فيكشف الحجاب قال فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم تبارك وتعالى» زاد في رواية «ثم تلا هذه الآية: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة}» أخرجه مسلم. وروى الطبري بسنده عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.
وعن أبي بن كعب أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه وتعالى: {للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} قال: الحسنى: الجنة وزيادة: قال النظر إلى وجه الله. وعن أبي موسى الأشعري قال: «إن كان يوم القيامة بعث الله إلى أهل الجنة منادياً ينادي هل أنجزكم الله ما وعدكم به فينظرون إلى ما أعد الله لهم من الكرامات فيقولون نعم فيقول للذين أحسنوا الحسنى وزيادة النظر إلى وجه الرحمن تبارك وتعالى» وفي رواية رفعها أبو موسى قال عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث يوم القيامة» وذكره بمعناه. وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله لهم: هل بقي من حقكم شيء لم تعطوه قال: فيتجلى لهم عز وجل قال فيصغر عندهم كل شيء أعطوه ثم قال للذين أحسنوا الحسنى وزيادة قال الحسنى الجنة والزيادة هي النظر إلى وجه ربهم فهذه الأخبار والآثار قد دلت على أن المراد بهذه الزيادة هي النظر إلى وجه الله تبارك وتعالى. وأما المعقول فنقول: إن الحسنى لفظة مفردة دخل عليها حرف التعريف فانصرفت إلى المعهود السابق وهو الجنة في قوله سبحانه وتعالى والله يدعو إلى دار السلام فثبت بهذا أن المراد من لفظة الحسنى هي الجنة وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من الزيادة أمراً مغايراً لكل ما في الجنة من النعيم وإلا لزم التكرار وإذا كان كذلك وجب حمل هذه الزيادة على رؤية الله تبارك وتعالى ومما يؤكد ذلك قوله سبحانه وتعالى: {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} فأثبت لأهل الجنة أمرين أحدهما النضارة وهو حسن الوجوه وذلك من نعيم الجنة، والثاني النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى وآيات القرآن يفسر بعضها بعضاً فوجب حمل الحسنى على الجنة ونعيمها وحمل الزيادة على رؤية الله تبارك وتعالى. وقالت المعتزلة: لا يجوز حمل هذه الزيادة على الرؤية، لأن الدلائل العقلية دلت على أن رؤية الله سبحانه وتعالى ممتنعة، ولأن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه ورؤية الله ليست من جنس نعيم الجنة ولأن الأخبار التي تقدمت توجب التشبيه ولأن جماعة من المفسرين حملوا هذه الزيادة على غير الرؤية فانتفى ما قلتم.
أجاب أصحابنا عن هذه الاعتراضات بأن الدلائل العقلية قد دلت على إمكان وقع رؤية الله تعالى في الآخرة وإذا لم يوجد في العقل ما يمنع من رؤية الله تعالى وجاءت الأحاديث الصحيحة بإثبات الرؤية وجب المصير إليها وإجراؤها على ظواهرها من غير تشبيه ولا إحاطة.
وأجيب عن قولهم ولأن الزيادة يجب أن تكون من جنس المزيد عليه بأن المزيد عليه إذا كان بمقدار معين كانت الزيادة من جنسه وإذا لم يكن بمقدار معين وجب أن تكون الزيادة مخالفة له فالمذكور في الآية لفظ الحسنى وهي الجن ونعيمها غير مقدر بقدر معين فوجب أن الزيادة تكون شيئاً مغايراً لنعيم الجنة وذلك المغاير هو الرؤية وأجيب عن قولهم ولأن جماعة من المفسرين حملوا الزيادة على غير الرؤية بأنه معارض بقول جماعة من المفسرين: بأن الزيادة هي الرؤية والمثبت مقدم على النافي والله أعلم.
القول الثاني: في معنى هذه الزيادة ما روي عن علي بن أبي طالب أنه قال الزيادة غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب.
القول الثالث: إن الحسنى واحدة الحسنات والزيادة التضعيف إلى تمام العشرة إلى سبعمائة.
قال ابن عباس: هو مثل قوله سبحانه وتعالى: {ولدينا مزيد} يقول يجزيهم بعملهم ويزيدهم من فضله.
قال قتادة: كان الحسن يقول: الزيادة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.
القول الرابع: إن الحسنى حسنة مثل حسنة والزيادة مغفرة من الله ورضوان قاله مجاهد.
القول الخامس: قول ابن زيد أن الحسنى هي الجنة والزيادة ما أعطاهم في الدنيا لا يحاسبهم به يوم القيامة وقوله سبحانه وتعالى: {ولا يرهق وجوههم} يعني ولا يغشى وجوه أهل الجنة {قتر} أي كآبة ولا كسوف ولا غبار.
وقال ابن عباس: هو سواد الوجوه {ولا ذلة} يعني ولا هوان. قال ابن أبي ليلى: هذا بعد نظرهم إلى ربهم تبارك وتعالى: {أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} يعني أن هؤلاء الذين وصفت صفتهم هم أصحاب الجنة لا غيرهم وهم فيها مقيمون لا يخرجون منها أبداً.
قوله سبحانه وتعالى: {والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها} اعلم أنه لما شرح الله سبحانه وتعالى أحوال المحسنين وما أعد لهم من الكرامة شرح في الآية حال من أقدم على السيئات والمراد بهم الكفار فقال سبحانه وتعالى: {والذين كسبوا السيئات} يعني: والذين عملوا السيئات والمراد بها الكفر والمعاصي جزاء سيئة بمثلها يعني فلهم جزاء السيئة التي عملوها مثلها العقاب. والمقصود من هذا التقييد، التنبيه على الفرق بين الحسنات والسيئات لأن الحسنات يضاعف ثوابها لعاملها من الواحدة إلى العشرة إلى السبعمائة إلى أضعاف كثيرة وذلك تفضلاً منه وتكرماً. وأما السيئات، فإنه يجازي عليها بمثلها عدلاً منه سبحانه وتعالى: {وترهقهم ذلة} قال ابن عباس: يغشاهم ذل وشدة. وقيل: يغشاهم ذل وهوان لعقاب الله إياهم {ما لهم من الله من عاصم} يعني ما لهم مانع يمنعهم من عذاب الله إذا نزل بهم {كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً} يعني كأنما ألبست وجوههم سواداً من الليل المظلم {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} قوله سبحانه وتعالى: {ويوم نحشرهم جميعاً} الحشر الجمع من كل جانب وناحية إلى موضع واحد والمعنى ويوم نجمع الخلائق جميعاً لموقف الحساب وهو يوم القيامة {ثم نقول للذين أشركوا مكانكم} أي الزموا مكانكم واثبتوا فيه حتى تسألوا وفي هذا وعيد وتهديد للعابدين والمعبودين {أنتم وشركاؤكم} يعني أنتم أيها المشركون والأصنام التي كنتم تعبد ونها من دون الله {فزيلنا بينهم} يعني: ففرقنا بين العابدين والمعبودين وميزنا بينهم وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا.
فإن قلت قوله سبحانه وتعالى فزيلنا بينهم جاء على لفظ الماضي بعد قوله ثم نقول للذين أشركوا وهو منتظر في المستقبل فما وجهه.
قلت: السبب فيه، أن الذي حكم الله فيه بأنه سيكون صار كالكائن الآن.
قوله: {وقال شركاؤهم} يعني الأصنام التي كانوا يعبد ونها من دون الله وإنما سماهم شركاءهم، لأنهم جعلوا لهم نصيباً من أموالهم أو لأنه سبحانه وتعالى لما خاطب العابدين والمعبودين بقوله: مكانكم فقد صاروا شركاء في هذا الخطاب {ما كنتم إيانا تعبد ون} تبرأ المعبودون من العابدين.
فإن قلت: كيف صدر هذا الكلام من الأصنام وهي جماد لا روح فيها ولا عقل لها؟
قلت: يحتمل أن الله تعالى خلق لها في ذلك اليوم من الحياة والعقل والنطق حتى قدرت على هذا الكلام فإن قلت إذا أحياهم الله في ذلك اليوم فهل يفنيهم أو يبقيهم.
قلت: الكل محتمل ولا اعتراض على الله في شيء من أفعاله وأحوال القيامة غير معلومة إلا ما دل عليه الدليل من كتاب أو سنة.
فإن قلت: إن الأصنام قد أنكرت أن الكفار كانوا يعبد ونها وقد كانوا يعبد ونها؟
قلت: قد تقدمت هذه المسألة وجوابها في تفسير سورة الأنعام ونقول هنا قال مجاهد: تكون في يوم القيامة ساعة تكون فيها شدة تنصب لهم الآلهة التي كانوا يعبد ونها من دون الله، فتقول الآلهة: والله ما كنا نسمع ولا نبصر ولا نعقل ولا نعلم أنكم تعبد وننا فيقولون والله إياكم كنا نعبد فتقول لهم الآلهة.

.تفسير الآيات (29- 32):

{فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (29) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (30) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31) فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32)}
{فكفى بالله شهيداً بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين}. والمعنى قد علم الله وكفى به شهدياً أما ما علمنا أنكم كنتم تعبد وننا وما كنا عن عبادتكم إيانا من دون الله إلا غافلين ما نشعر بذلك أما قوله سبحانه وتعالى: {هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت} فهو كالتتمة للآية المتقدمة والمعنى في ذلك المقام أو ذلك الموقف أو ذلك الوقت على معنى استعارة إطلاق اسم المكان على الزمان وفي قوله تبلو قراءات قرئ بتاءين ولها معنيان أحدهما أنه من تلاه إذا تبعه أي تبع كل نفس ما أسلفت لأن العمل هو الذي يهدي النفس إلى الثواب أو العقاب.
الثاني: أن يكون من التلاوة والمعنى أن كل نفس تقرأ صحيفة عملها من خير أو شر. وقرئ: {تبلو} بالتاء المثناة والباء الموحدة ومعناه تخبر وتعلم. والبلو: الاختبار ومعناه: اختبارها ما أسلفت يعني: أنه إن قدم خيراً أو شراً قدم عليه وجوزي به {وردوا إلى الله مولاهم الحق} الرد: عبارة عن صرف الشيء إلى الموضع الذي جاء منه. والمعنى: وردوا إلى ما ظهر لهم من الله الذي هو مالكهم ومتولي أمرهم.
فإن قلت: قد قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى {وأن الكافرين لا مولى لهم} فما الفرق؟
قلت: المولى في اللغة يطلق على المالك ويطلق على الناصر، فمعنى المولى هنا المالك ومعنى المولى هناك الناصر فحصل الفرق بين الآيتين {وضل عنهم ما كانوا يفترون} يعني وبطل وذهب ما كانوا يكذبون فيه في الدنيا وهو قولهم إن هذه الأصنام تشفع لنا.
قوله عز وجل: {قل من يرزقكم من السماء والأرض} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من يرزقكم من السماء يعني المطر والأرض يعني النبات {أم من يملك السمع والأبصار} يعني ومن أعطاكم هذه الحواس التي تسمعون بها وتبصرون بها {ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي} يعني أنه تعالى يخرج الإنسان حياً من النطفة وهي ميتة وكذلك الطير من البيضة وكذلك يخرج النطفة الميتة من الإنسان الحي ويخرج البيضة الميتة من الطائر الحي. وقيل: معناه أنه يخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، والقول الأول أقرب إلى الحقيقة {ومن يدبر الأمر} يعني أن مدبر أمر السموات ومن فيها ومدبر أمر الأرض وما فيها هو الله تعالى وذلك قوله: {فسيقولون الله} يعنى أنهم يعترفون أن فاعل هذه الأشياء هو الله وإذا كانوا يقرون بذلك {فقل} أي قل لهم يا محمد {أفلا تتقون} يعني: أفلا تخافون عقابه حيث تعبد ون هذه الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تقدر على شيء من هذه الأمور {فذلكم الله ربكم الحق} يعني: فذلكم الذي يفعل هذه الأشياء ويقدر عليها هو الله ربكم الحق الي يستحق العبادة لا هذه الأصنام {فماذا بعد الحق إلا الضلال} يعني: إذا ثبت بهذه البراهين الواضحة والدلائل القطعية أن الله هو الحق وجب أن يكون ما سواه ضلالاً وباطلاً {فأنى تصرفون} يعني: إذا عرفتم هذا الأمر الظاهر الواضح فكيف تستخيرون العدول عن الحق إلى الضلال الباطل.

.تفسير الآيات (33- 35):

{كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35)}
{كذلك} أي كما ثبت أنه ليس بعد الحق إلا الضلال {حقت} أي وجبت {كلمة ربك} في الأزل {على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون} قيل: المراد بكلمة الله قضاؤه عليهم في اللوح المحفوظ أنهم لا يؤمنون وقضاؤه لا يرد ولا يدفع {قل هل من شركائكم} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين هل من شركائكم يعني هذه الأصنام التي تزعمون أنها آلهة {من يبدأ الخلق} يعني من يقدر على أن ينشئ الخلق على غير مثال سبق {ثم يعيده} أي ثم يعيده بعد الموت كهيئته أول مرة، وهذا السؤال استفهام إنكار {قل} أي: قل أنت يا محمد {الله يبدأ الخلق ثم يعيده} يعني أن الله هو القادر على ابتداء الخلق وإعادته {فأنى تؤفكون} يعنى فأنى تصرفون عن قصد السبيل والمراد من هذا التعجب من أحوالهم كيف تركوا هذا الأمر الواضح وعدلوا عنه إلى غيره {قل} أي قل يا محمد {هل من شركائكم من يهدي إلى الحق} يعني هل من هذه الأصنام من يقدر علي أن يرشد إلى الحق فإذا قالوا لا ولابد لهم من ذل {قل} أي قل لهم أنت يا محمد {الله يهدي للحق} يعني أن الله هو الذي يرشد إلى الحق لا غيره {أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى} يعني أن الله هو الذي يهدي إلى الحق فهو أحق بالاتباع لا هذه الأصنام التي لا تهتدي إلا أن تهدي.
فإن قلت: الأصنام جماد لا تتصور هدايتها ولا أن تهدي فكيف قال إلا أن يهدي.
قلت: ذكر العلماء عن هذا السؤال وجوهاً:
الأول: أن معنى الهداية في حق الأصنام الانتقال من مكان إلى مكان فيكون المعنى أنها لا تنتقل من مكان إلى مكان آخر إلا أن تحمل وتنقل، فبين سبحانه وتعالى بها عجز الأصنام.
الوجه الثاني: أن ذكر الهداية في حق الأصنام على وجه المجاز وذلك أن المشركين لما اتخذوا الأصنام آلهة وأنزلوها منزلة من يسمع ويعقل عبر عنها بما يعبر به عمن يسمع ويعقل ويعلم ووصفها بهذه الصفة وإن كان الأمر ليس كذلك.
الوجه الثالث: يحتمل أن يكون المراد من قوله هل من شركائكم من يبدأ الخلق ثم يعيده الأصنام، والمراد من قوله هل من شركائكم من يهدي إلى الحق رؤساء الكفر والضلالة فالله سبحانه وتعالى هدى الخلق إلى الدين بما ظهر من الدلائل الدالة على وحدانيته وأما رؤساء الكفر والضلالة فإنهم لا يقدرون على هداية غيرهم إلا إذا هداهم الله إلى الحق فكان اتباع دين الله والتمسك بهدايته أولى من اتباع غيره.
وقوله سبحانه وتعالى: {فما لكم كيف تحكمون} قال الزجاج: فما لكم كلام تام كأنه قيل لهم: أي شيء لكم في عبادة هذه الأصنام. ثم قال: كيف تحكمون؟ يعني: على أي حال تحكمون. وقيل: معناه كيف تقضون لأنفسكم بالجور حين تزعمون أن مع الله شريكاً وقيل معناه بئسما حكمتم إذ جعلتم لله شريكاً من ليس بيده منفعة ولا مضرة ولا هداية.