فصل: تفسير الآيات (94- 98):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (94- 98):

{فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (94) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (95) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (96) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (97) فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آَمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آَمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (98)}
{فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك} الشك في موضع اللغة خلاف اليقين والشك اعتدال النقيضين عند الإنسان لوجود أمارتين أو لعدم الأمارة والشك ضرب من الجهل وهو أخص منه فكل شك جهل وليس كل جهل شكاً فإذا قيل فلان شك في هذا الأمر فمعناه توقف فيه حتى يتبين له فيه الصواب أو خلافه وظاهر هذا الخطاب في قوله فإن كنت في شك أنه للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى فإن كنت يا محمد في شك مما أنزلنا إليك يعني من حقيقة ما أخبرناك به وأنزلناه يعني القرآن {فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} يعني علماء أهل الكتاب يخبرونك أنك مكتوب عندهم في التوراة والإنجيل وأنك نبي يعرفونك بصفتك عندهم وقد توجه هاهنا سؤال واعتراض وهو أن يقال هل شك النبي صلى الله عليه وسلم فيما أنزل عليه أو في نبوته حتى يسأل أهل الكتاب عن ذلك وإذا كان شاكاً في نبوة نفسه كان غيره أولى بالشك منه.
قلت: الجواب عن هذا السؤال والاعتراض ما قاله القاضي عياض في كتابه الشفاء فإنه أورد هذا السؤال، ثم قال: احذر ثبت الله قلبك أن يخطر ببالك ما ذكره فيه بعض المفسرين عن ابن عباس أو غيره من إثبات شك النبي صلى الله عليه وسلم فيما أوحي إليه فإنه من البشر فمثل هذا لا يجوز عليه صلى الله عليه وسلم جملة بل قال ابن عباس: لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسأل. ونحوه عن سعيد بن جبير والحسن البصري. وحكي عن قتادة أنه قال: بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما أشك ولا أسأل» وعامة المفسرين على هذا، ثم كلام القاضي عياض رحمه الله ثم اختلفوا في معنى الآية ومن المخاطب بهذا الخطاب على قولين أحدهما أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في الظاهر والمراد به غيره فهو كقوله لئن أشركت ليحبطن عملك ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرك فثبت أن المراد به غيره ومن أمثلة العرب: إياك أعني واسمعي يا جارة. فعلى هذا يكون معنى الآية قل يا محمد، يا أيها الإنسان الشاك إن كنت في شك مما أنزلنا إليك على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم فاسأل الذين يقرؤون الكتاب يخبروك بصحته ويدل على صحة هذا التأويل قوله تعالى في آخر هذه السورة قل يا أيها الناس إن كنتم في شك في ديني الآية فبين أن المذكور في هذه الآية على سبيل الرمز وهو المذكور في تلك الآية على سبيل التصريح وأيضاً لو كان النبي صلى الله عليه وسلم شاكاً في بنوته لكان غيره أولى بالشك في نبوته وهذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية معاذ الله من ذلك وقيل إن الله سبحانه وتعالى علم أن النبي لم يشك قط فيكون المراد بهذا التهييج فإنه صلى الله عليه وسلم إذا سمع هذا الكلام يقول: «لا أشك يا رب ولا أسأل أهل الكتاب بل أكتفي بما أنزلته علي من الدلائل الظاهرة» وقال الزجاج: إن الله خاطب الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله فإن كنت في شك وهو شامل للخلق فهو كقوله يا أيها النبي إذا طلقتم النساء وهذا وجه حسن لكن فيه بعد وهو أن يقال متى كان الرسول صلى الله عليه وسلم داخلاً في هذا الخطاب كان الاعتراض موجوداً والسؤال وارداً، وقيل: إن لفظة إن في قوله فإن كنت في شك للنفي ومعناه وما أنت في شك مما أنزلنا إليك حتى تسأل فلا تسأل ولئن سألت لازددت يقيناً.
والقول الثاني: إن هذا الخطاب ليس هو للنبي صلى الله عليه وسلم البتة ووجه هذا القول إن الناس كانوا في زمنه على ثلاث فرق فرقة له مصدقون وبه مؤمنون وفرقة على الضد من ذلك والفرقة الثالثة المتوقفون في أمره الشاكون فيه فخاطبهم الله عز وجل بهذا الخطاب، فقال تمجد وتعالى فإن كنت أيها الإنسان في شك مما أنزلنا إليك من الهدى على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فاسأل أهل الكتاب ليلوك على صحة نبوته وإنما وحد الله الضمير في قوله فإن كنت وهو يريد الجمع لأنه خطاب لجنس الإنسان كما في قوله تعالى: {يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم} لم يرد في الآية إنساناً بعينه بل أراد الجمع واختلفوا في المسؤول عنه في قوله تعالى: {فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك} من هم فقال المحققون من أهل التفسير: هم الذين آمنوا من أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه لأنهم هم الموثوق بأخبارهم.
وقيل: المراد كل أهل الكتاب سواء مؤمنهم وكافرهم لأن المقصود من هذا السؤال الإخبار بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو أنه مكتوب عندهم صفته ونعته فإذا أخبروا بذلك فقد حصل المقصود والأول أصح. وقال الضحاك يعني أهل التقوى وأهل الإيمان من أهل الكتاب ممن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم {لقد جاءك الحق من ربك} هذا كلام مبتدأ منقطع عما قبله وفيه معنى القسم تقديره أسقم لقد جاءك الحق اليقين من الخير بأنك رسول الله حقاً وأن أهل الكتاب يعلمون صحة ذلك {فلا تكونن من الممترين} يعني من الشاكين في صحة ما أنزلنا إليك {ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله} يعني بدلائله وبراهينه الواضحة {فتكون من الخاسرين} يعني الذين خسروا أنفسهم.
واعلم أن هذا كله على ما تقدم من أن ظاهره خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره ممن عنده شك وارتياب فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشك ولم يرتب ولم يكذب بآيات الله فثبت بهذا أن المراد به غيره والله أعلم.
قوله سبحانه وتعالى: {إن الذين حقت عليهم} يعني وجبت عليهم {كلمة ربك} يعني حكم ربك وهو قوله سبحانه وتعالى: وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي وقال قتادة: سخط ربك وقيل لعنة ربك وقيل هو ما قدره عليهم وقضاه في الأزل {لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية} فإنهم لا يؤمنون بها {حتى يروا العذاب الأليم} فحينئذ لا ينفعهم شيء قوله سبحانه وتعالى: {فلولا} يعني فهلا {كانت قرية} وقيل معناه فما كانت قرية وقيل لم تكن قرية لأن في الاستفهام معنى الحجة والمراد هل كانت قرية {آمنت} يعني عند معاينة العذاب {فنفعها إيمانها} يعني في حال اليأس {إلا قوم يونس} هذا استثناء منقطع يعني لكن قوم يونس فإنهم آمنوا فنفعهم إيمانهم في ذلك الوقت وهو قوله: {لما آمنوا} يعني لما أخلصوا الإيمان {كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين} يعني إلى وقت انقضاء آجالهم واختلفوا في قوم يونس هل رأوا العذاب عياناً أم لا فقال بعضهم رأوا دليل العذاب فآمنوا؛ وقال الأكثرون إنهم رأوا العذاب عياناً بدليل قوله كشفنا عنهم عذاب الخزي والكشف لا يكون إلا بعد الوقوع أو إذا قرب وقوعه.
ذكر القصة في ذلك:
على ما ذكره عبد الله بن مسعود وسعيد بن جبير ووهب وغيرهم قالوا: إن قوم يونس كانوا بقرية نينوى من أرض الموصل وكانوا أهل كفر وشرك فأرسل الله سبحانه وتعالى إليهم يونس عليه السلام يدعوهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأصنام فدعاهم فأبوا عليه فقيل له أخبرهم أن العذاب مصبحهم إلى ثلاث فأخبرهم بذلك فقالوا إنا لم نجرب عليه كذباً قط فانظروا فإن بات فيكم الليلة فليس بشيء وإن لم يبت فاعلموا أن العذاب مصبحكم فلما كلان جوف الليل خرج يونس من بين أظهرهم فلما أصبحوا تغشاهم العذاب فكان فوق رؤوسهم. قال ابن عباس: إن العذاب كان أهبط على قوم يونس حتى لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل فلما دعوا كشف الله عنهم ذلك.
وقال مقاتل: قدر ميل، وقال سعيد بن جبير: غشي قوم يونس العذاب كما يغشى الثوب القبر، وقال وهب: غامت السماء غيماً أسود هائلاً يدخن دخاناً شديداً فهبط حتى غشي مدينتهم واسودت أسطحتهم فلما رأوا ذلك أيقنوا بالهلاك فطلبوا نبيهم يونس عليه السلام فلم يجدوه فقذف الله سبحانه وتعالى في قلوبهم فخرجوا إلى الصحراء بأنفسهم ونسائهم وصبيانهم ودوابهم فلبسوا المسموح وأظهروا الإسلام والتوبة وفرقوا بين كل والدة وولدها من الناس والدواب فحن البعض إلى البعض فحن الأولاد إلى الأمهات والأمهات إلى الأولاد وعلت الأصوات وعجوا جميعاً إلى الله وتضرعوا إليه وقالوا آمنا بما جاء به يونس وتابوا إلى الله وأخلصوا النية فرحمهم ربهم فاستجاب دعاءهم وكشف عنهم ما نزل بهم من العذاب بعد ما أظلهم وكان ذلك اليوم يوم عاشوراء وكان يوم الجمعة.
قال ابن مسعود: بلغ من توبتهم أن ترادوا المظالم فيما بينهم حتى أن كان الرجل ليأتي إلى الجر وقد وضع أساس بنيانه عليه فيقلعه فيرده.
وروى الطبري بسنده عن أبي الجلد خيلان قال: لما غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم فقالوا له إنه قد نزل بنا العذاب فما ترى قال قالوا يا حي حين لا حي ويا حي محيي الموتى ويا حي لا إله إلا أنت فقالوها فكشف الله عنهم العذاب ومتعوا إلى حين.
وقال الفضيل بن عياض: إنهم قالوا اللهم إن ذنوبنا قد عظمت وجلت وأنت أعظم وأجل فافعل بنا ما أنت أهله ولا تفعل بنا ما نحن أهله، قال: وخرج يونس وجعل ينتظر العذاب فلم ير شيئاً فقيل له ارجع إلى قومك قال وكيف أرجع إليهم فيجدوني كذاباً وكان من كذب ولا بينة له قال فانصرف عنهم مغاضباً فالتقمه الحوت وستأتي القصة في سورة والصافات إن شاء الله تعالى فإن قلت كيف كشف العذاب عن قوم يونس بعد ما نزل بهم وقبل توبتهم ولم يكشف العذاب عن فرعون حين آمن ولم يقبل توبته.
قلت: أجاب العلماء عن هذا بأجوبة:
أحدهما: أن ذلك كان خاصاً بقوم يونس والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
الجواب الثاني: أن فرعون ما آمن إلا بعد ما باشر العذاب وهو وقت اليأس من الحياة وقوم يونس دننا منم العذاب ولم ينزل بهم ولم يباشرهم فكانوا كالمريض يخاف الموت ويرجو العافية.
الجواب الثالث: أن الله عز وجل علم صدق نياتهم في التوبة فقبل توبتهم بخلاف فرعون فإنه ما صدق في إيمانهم ولا أخلص فلم يقبل منه إيمانه والله أعلم.

.تفسير الآيات (99- 101):

{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (100) قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101)}
قوله سبحانه وتعالى: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً} يقول الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم لآمن بك وصدقك من في الأرض كلهم جميعاً ولكن لم يشأ أن يصدقك ويؤمن بك إلا من سبقت له السعادة في الأزل قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن به جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبره الله عز وجل أنه لا يؤمن به إلا من سبقت له من السعادة في الذكر الأول ولم يضل إلا من سبق له من الله الشقاء في الذكر الأول وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان حريصاً على إيمانهم كلهم فأخبره الله أنه لا يؤمن به إلا من سبقت له العناية الأزلية فلا تتعب نفسك على إيمانهم وهو قوله سبحانه وتعالى: {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} يعني ليس إيمانهم إليك حتى تكرههم عليه أو تحرص عليه إنما إيمان المؤمن وإضلال الكافر بمشيئتنا وقضائنا وقدرنا ليس ذلك لأحد سوانا {وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله} يعني وما كان ينبغي لنفس خلقها الله تعالى أن تؤمن وتصدق إلا بقضاء الله لها بالإيمان فإن هدايتها إلى الله وهو الهادي المضل.
وقال ابن عباس: معنى بإذن الله، بأمر الله وقال عطاء: بمشيئة الله قوله تعالى: {ويجعل} قرئ بالنون على سبيل التعظيم أي ونجعل نحن وقرئ بالياء ومعناه ويجعل الله {الرجس} يعني العذاب، وقال ابن عباس: يعني السخط {على الذين لا يعقلون} يعني لا يفهمون عن الله أمره ونهيه.
قوله عز وجل: {قل انظروا} أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يسألونك الآيات انظروا يعني انظروا بقلوبكم نظر اعتبار وتفكر وتدبر {ماذا في السموات والأرض} يعني: ماذا خلق الله في السموات والأرض من الآيات الدالة على وحدانيته ففي السموات الشمس والقمر وهما دليلان على النهار والليل والنجوم سخرها طالعة وغاربة وإنزال المطر من السماء وفي الأرض الجبال والبحار والمعادن والأنهار والأشجار والنبات كل ذلك آية دالة على وحدانية الله تعالى وأنه خالقها كما قال الشاعر:
وفي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

{وما تغني الآيات والنذر} يعني الرسل {عن قوم لا يؤمنون} وهذا في حق أقوام علم الله أنهم لا يؤمنون لما سبق لهم في الأزل من الشقاء.

.تفسير الآيات (102- 106):

{فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (104) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (105) وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106)}
{فهل ينتظرون} يعني مشركي مكة {إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم} يعني من مضى من قبلهم من الأمم السالفة المكذبة للرسل قال قتادة يعني وقائع الله في قوم نوح وعاد وثمود.
والعرب تسمي العذاب أياماً والنعم أياماً كقوله تعالى وذكرهم بأيام الله والمعنى فهل ينتظر هؤلاء المشركون من قومك يا محمد إلا يوماً يعاينون فيه العذاب مثل ما فعلنا بالأمم السالفة المكذبة أهلكناهم جميعاً فإن كانوا ينتظرون ذلك العذاب ف {قل فانتظروا} يعني: قل لهم يا محمد فانتظروا العذاب {إني معكم من المنتظرين} يعني: هلاككم، قال الربيع بن أنس: خوفهم عذابه ونقمته ثم أخبرهم أنه إذا وقع ذلك بهم أنجى الله رسله والذين آمنوا معهم من ذلك العذاب وهو قوله تعالى: {ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا} يعني من العذاب والهلاك {كذلك حقاً علينا ننجي المؤمنين} يعني كما أنجينا رسلنا، والذين آمنوا معهم من الهلاك كذلك ننجيك يا محمد والذين آمنوا معك وصدقوك من الهلاك والعذاب.
قال بعض المتكلمين: المراد بقوله حقاً علينا الوجوب لأن تخليص الرسول والمؤمنين من العذاب واجب وأجيب عن هذا بأنه حق واجب من حيث الوعد والحكم لا أنه واجب بسبب الاستحقاق لأنه قد ثبت أن العبد لا يستحق على خالقه شيئاً.
قوله سبحانه وتعالى: {قل يا أيها الناس} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي قل يا محمد لهؤلاء الذين أرسلتك إليهم فشكوا في أمرك ولم يؤمنوا بك {إن كنتم في شك من ديني} يعني الذي أدعوكم إليه وإنما حصل الشك لبعضهم في أمره صلى الله عليه وسلم لما رأى الآيات التي كانت تظهر على يد النبي صلى الله عليه وسلم فحصل له الاضطراب والشك فقال إن كنتم في شك من ديني الذي أدعوكم إليه فلا ينبغي لكم أن تشكوا فيه لأنه دين إبراهيم عليه السلام وأنتم من ذريته وتعرفونه ولا تشكون فيه وإنما ينبغي لكم أن تشكوا في عبادتكم لهذا الأصنام التي لا أصل لها البتة فإن أصررتم على ما أنتم عليه {فلا أعبد الذين تعبد ون من دون الله} يعني هذه الأوثان وإنما وجب تقديم هذا النفي لأن العبادة هي غاية التعظيم للمعبود فلا تليق لأخس الأشياء وهي الحجارة التي لا تنفع لمن عبد ها ولا تضر لمن تركها ولكن تليق العبادة لمن بيده النفع والضر وهو قادر على الإماتة والإحياء وهو قوله سبحانه وتعالى: {ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم} والحكمة في وصف الله سبحانه وتعالى في هذا المقام بهذه الصفة أن المراد أن الذي يستحق العبادة أعبد ه أنا وأنتم هو الذي خلقكم أولاً ولم تكونوا شيئاً ثم يميتكم ثانياً ثم يحييكم بعد الموت ثالثاً، فاكتفى بذكر الوفاة تنبيهاً على الباقي، وقيل: لما كان الموت أشد الأشياء على النفس ذكر في هذا المقام ليكون أقوى في الزجر والردع وقيل إنهم لما استعجلوا بطلب العذاب أجابهم بقوله ولكن أعبد الله الذي هو قادر على إهلاككم ونصري عليكم {وأمرت أن أكون من المؤمنين} يعني وأمرني ربي أن أكون من المصدقين بما جاء من عنده قيل لما ذكر العبادة وهي من أعمال الجوارح أتبعها بذكر الإيمان لأنه من أعمال القلوب {وأن أقم وجهك للدين حنيفاً} الواو في قوله وأن أقم واو عطف معناه وأمرت أن أقيم وجهي يعني أقم نفسك على دين الإسلام حنيفاً يعني مستقيماً عليه غير معوج عنه إلى دين آخر، وقيل معناه أقم عملك على الدين الحنيفي وقيل أراد بقوله وأن أقم وجهك للدين صرف نفسه بكليته إلى طلب الدين الحنيفي غير مائل عنه {ولا تكونن من المشركين} يعني ولا تكونن ممن يشرك في عبادة ربه غيره فيهلك وقيل إن النهي عن عبادة الأوثان قد تقدم في الآية المتقدمة فوجب حمل هذا النهي على معنى زائد وهو أن من عرف الله عز وجل وعرف جميع أسمائه وصفاته وأنه المستحق للعبادة لا غيره فلا ينبغي له أن يلتفت إلى غيره بالكلية وهذا هو الذي تسميه أصحاب القلوب بالشكر الخفي {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك} يعني إن عبد ته ودعوته {ولا يضرك} يعني إن تركت عبادته {فإن فعلت} يعني ما نهيتك عنه فعبد ت غيري أو طلبت النفع ودفع الضر من غيري {فإنك إذاً من الظالمين} يعني لنفسك لأنك وضعت العبادة في غير موضعها وهذا الخطاب وإن كان في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم فالمراد به غيره لأنه صلى الله عليه وسلم لم يدع من دون الله شيئاً البتة فيكون المعنى ولا تدع أيها الإنسان من دون الله ما لا ينفعك، الآية.