فصل: تفسير الآيات (94- 101):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (94- 101):

{وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (94) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (95) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (97) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آَلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (101)}
{ولما جاء أمرنا} يعني بعذابهم وإهلاكهم {نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا} يعني بفضل منا بأن هديناهم للإيمان ووفقناهم للطاعة {وأخذت الذين ظلموا} يعني ظلموا أنفسهم بالشرك والبخس {الصيحة} وذلك أن جبريل عليه السلام صاح بهم صيحة فخرجت أرواحهم وماتوا جميعاً، وقيل: أتتهم صيحة واحدة من السماء فماتوا جميعاً {فأصبحوا في ديارهم جاثمين} يعني ميتين وهو إستعارة من قولهم جثم الطير إذا قعد ولطأ بالأرض {كأن لم يغنوا فيها} يعني كأن لم يقيموا بديارهم مدة من الدهر مأخوذ من وقولهم غني بالمكان إذا أقام فيه مستغنياً به عن غيره {ألا بعداً} يعني هلاكاً {لمدين كما بعدت ثمود} قال ابن عباس «لم تعذب أمتان قط بعذاب واحد إلى قوم شعيب وقوم صالح فأما قوم صالح فأخذتهم الصيحة من تحتهم وأما قوم شعيب فأخذتهم الصيحة من فوقهم» قوله عز وجل: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا} يعي بحججنا والبراهين التي أعطيناه الدالة على صدقه ونبوته {وسلطان مبين} يعني ومعجزة باهرة ظاهرة دالة على صدقة أيضاً قال بعض المفسرين المحققين سميت الحجة سلطاناً لأن صاحب الحجة يقهر من لا حجة معه كالسلطان يقهر غيره، وقال الزجاج: السلطان هو الحجة وسمي السلطان سلطاناً لأنه حجة الله في الأرض {إلى فرعون وملئه} يعني أتباعه وأشراف قومه {فاتبعوا أمر فرعون} يعني ما هو عليه من الكفر وترك الإيمان بما جاءهم به موسى {وما أمر فرعون برشيد} يعني وما طريق فرعون وماهو عليه بسديد ولا حميد العاقبة ولا يدعو إلى خير {يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار} يعني كما تقدم قومه فأدخلهم البحر في الدنيا كذلك يتقدم قومه يوم القيامة فيدخلهم النار ويدخل هو أمامهم، والمعنى كما كان قدوتهم في الضلال والكفر في الدنيا فكذلك هو قدوتهم وإمامهم في النار {وبئس الورد المورود} يعني: وبئس الدخل المدخول فيه وقيل شبه الله تعالى فرعون في تقدمه على قومه إلى النار بمن يتقدم على الوارد إلى الماء وشبه أتباعه بالواردين بعده ولما كان ورود الماء محموداً عند الواردين لأنه يكسر العطش قال في حق فرعون وأتباعه فأوردهم النار وبئس الورد المورود لأن الأصل فيه قصد الماء واستعمل في ورود النار على سبيل الفظاعة {وأتبعوا في هذه} يعني في هذه الدنيا {لعنة} يعني طرداً وبعداً عن الرحمة {ويوم القيامة} يعني وأتبعوا لعنة أخرى يوم القيامة مع اللعنة التي حصلت لهم في الدنيا {بئس الرفد المرفود} يعني بئس العون المعان وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعنة في الآخرة وقيل معناه بئس العطاء المعطى وذلك أن ترادف عليهم لعنتان لعنة في الدنيا ولعنة في الآخرة.
وقوله سبحانه وتعالى: {ذلك من أنباء القرى} يعني من أخبار أهل القرى وهم الأمم السالفة والقرون الماضية {نقصّه عليك} يعني نخبرك به يا محمد لتخبر قومك أخبارهم لعلهم يعتبرون بهم فيرجعوا عن كفرهم أو ينزل بهم مثل ما نزل بهم من العذاب {منها} يعني من القرى التي أهلكنا أهلها {قائم وحصيد} يعني منها عامر ومنها خراب وقيل منها قائم يعني الحيطان بغير سقوف ومنها ما قد محي أثره بالكلية شبهها الله تعالى بالزرع الذي بعضه قائم على سوقه وبعضهم قد حصد وذهب أثره والحصيد بمعنى المحصود {وما ظلمناهم} يعني بالعذاب والإهلاك {ولكن ظلموا أنفسهم} يعني بالكفر والمعاصي {فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك} يعني بعذابهم أي لم تنفعهم أصنامهم ولم تدفع عنهم العذاب {وما زادوهم غير تتبيب} يعني غير تخسير وقيل غير تدمير.

.تفسير الآيات (102- 106):

{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآَخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)}
{وكذلك أخذ ربك} يعني وهكذا أخذ ربك {إذا أخذ القرى وهي ظالمة} الضمير في وهي عائد على القرى والمراد أهلها {إن أخذه أليم شديد}.
(ق) عن أبي موسى الأعشري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ: وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد» فالآية الكريمة في الحديث دليل على أن من أقدم على ظلم فإنه يجب أن يتدارك ذلك بالتوبة والإنابة ورد الحقوق إلى أهلها إن كان الظلم للغير لئلا يقع في هذا الوعيد العظيم والعذاب الشديد ولا يظن أن هذه الآية حكمها مختص بظالمي الأمم الماضية بل هو عام في كل ظالم ويعضده الحديث والله أعلم.
قوله عز وجل: {إن في ذلك لآية} يعني ما ذكر من عذاب الأمم الحالية وإهلاكهم لعبرة وموعظة {لمن خاف عذاب الآخرة} يعني أن إهلاك أولئك عبرة يعتبر بها وموعظة يتعظ بها من كان يخشى الله ويخاف عذابه في الآخرة لأنه إذا نظر ما أحل الله بأولئك الكفار في الدنيا من أليم عذابه وعظيم عقابه وهو كالنموذج مما أعد لهم في الآخرة اعتبر به فيكون زيادة في خوفه وخشيته من الله {ذلك يوم مجموع له الناس} يعني يوم القيامة تجمع فيه الخلائق من الأولين والآخرين للحساب والوقوف بين يدي رب العالمين {وذلك يوم مشهود} يعني يشهده أهل السماء وأهل الأرض {وما نؤخره إلا لأجل معدود} يعني وما نؤخر ذلك اليوم وهو يوم القيامة إلا إلى وقت معلوم محدود وذلك الوقت لا يعلمه أحد إلا الله تعالى: {يوم يأت} يعني ذلك اليوم {لا تكلم نفس إلا بإذنه} قيل: إن جميع الخلائق يسكتون في ذلك اليوم فلا يتكلم أحد فيه إلا بإذن الله تعالى.
فإن قلت كيف وجه الجمع بين هذه الآية وبين قوله سبحانه وتعالى: {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} وقوله إخباراً عن محاجة الكفار {والله ربنا ما كنا مشركين} والأخبار أيضاً تدل على الكلام في ذلك اليوم.
قلت: يوم القيامة يوم طويل وله أحوال مختلفة وفيه أهوال عظيمة ففي بعض الأحوال لا يقدرون على الكلام لشدة الأهوال وفي بعض الأحوال يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون وفي بعضها تخفف عنهم تلك الأهوال فيحاجون ويجادلون وينكرون، وقيل: المراد من قوله لا تكلم نفس إلا بإذنه الشفاعة يعني لا تشفع نفس لنفس شيئاً إلا أن يأذن الله لها في الشفاعة {فمنهم} يعني فمن أهل الموقف {شقي وسعيد} الشقاوة خلاف السعادة والسعادة هي معاونة الأمور الإلهية للإنسان ومساعدته على فعل الخير والصلاح وتيسيره لها ثم السعادة على ضربين سعادة دنيوية وسعادة أخروية وهي السعادة القصوى لأن نهايتها الجنة وكذلك الشقاوة على ضربين أيضاً شقاوة دنيوية وشقاوة أخروية وهي الشقاوة القصوى لأن نهايتها النار فالشقي من سبق له الشقاوة في الأزل والسعيد من سبقت له السعادة في الأزل.
(ق) عن علي بن أبي طالب قال: «كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد وقعدنا حوله ومعه مخصرة فنكس وجعل ينكت بمخصرته ثم قال: ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار فقالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسيصير لعمل أهل السعادة وأما من كان من أهل الشقاوة فسيصير لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى}» الآية. بقيع الغرقد هو مقبرة أهل المدينة الشريفة ومدفنهم والمخصرة كالسوط والعصا ونحو ذلك مما يمسكه بيده الإنسان والنكت بالنون والتاء المثناة من فوق ضرب الشيء بتلك المخصرة أبو اليد ونحو ذلك حتى يؤثر فيه واستدل بعض العلماء بهذه الآية وهذا الحديث على أن أهل الموقف قسمان شقي وسعيد لا ثالث لهما وظاهر الآية والحديث يدل على ذلك لكن بقي قسم آخر مسكوت عنه وهو من استوت حسناته وسيئاته وهم أصحاب الأعراف في قول والأطفال والمجانين الذين لا حسنات لهم ولا سيئات فهؤلاء مسكوت عنهم فهم تحت مشيئة الله عز وجل يوم القيامة يحكم فيهم بما يشاء وتخصيص هذين القسمين بالذكر لا يدل على نفي القسم الثالث {فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها} أي في النار من العذاب والهوان {زفير وشهيق} أصل الزفير ترديد النفس في الصدر حتى تنتفخ منه الضلوع والشهيق رد النفس إلى الصدر أو الزفير مده وإخراجه من الصدر وقال ابن عباس: الزفير الصوت الشديد والشهيق الصوت الضعيف، وقال الضحاك ومقاتل: الزفير أول صوت الحمار والشهيق آخره إذا رده إلى صدره وقال أبو العالية، الزفير في الحلق والشهيق في الجوف.

.تفسير الآيات (107- 108):

{خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}
{خالدين فيها} يعني لابثين مقيمين في النار {ما دامت السموات والأرض} قال الضحاك: يعني ما دامت سموات الجنة والنار وأرضهما ولابد لأهل الجنة وأهل النار من سماء تظلهم وأرض تقلهم فكل ما علاك فأظلك فهو سماء وكل ما استقر عليه قدمك فهو أرض وقال أهل المعاني هذه عبارة عن التأبيد وذلك على عادة العرب فإنهم يقولون لا آتيك ما دامت السموات والأرض وما اختلف الليل والنهار يريدون بذلك التأبيد.
وقوله سبحانه وتعالى: {إلا ما شاء ربك} اختلف العلماء في معنى هذين الإستثناءين فقال ابن عباس والضحاك: الإستثناء الأول المذكور في أهل الشقاء يرجع إلى قوم من المؤمنين يدخلهم الله النار بذنوب اقترفوها ثم يخرجهم منها فيكون استثناء من غير الجنس لأن الذين أخرجوا من النار سعداء في الحقيقة استثناهم الله تعالى من الأشقياء ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله سبحانه وتعالى يخرج قوماً من النار بالشفاعة فيدخلهم الجنة» وفي رواية «إن الله يخرج ناساً من النار فيدخلهم الجنة» أخرجه البخاري ومسلم، عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج من النار قوم بعد ما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين» وفي رواية «ليصيبن أقواماً سفع من النار بذنوب أصابوها عقوبة لهم ثم يدخلهم الله الجنة بفضله ورحمته فيقال لهم الجهنميون».
(خ) عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج قوم من النار بشفاعة محمد فيدخلون الجنة يسمون الجهنميين» وأما الاستثناء الثاني المذكور في أهل السعادة فيرجع إلى مدة لبث هؤلاء في النار قبل دخولهم الجنة فعلى هذا القول يكون معنى الآية فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك أن يخرجهم منها فيدخلهم الجنة {إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك} أن يدخله النار أولاً ثم يخرجه منها فيدخله الجنة فحاصل هذا القول إن الاستثناءين يرجع كل واحد منهما إلى قوم مخصوصين هم في الحقيقة سعداء أصابوا ذنوباً استوجبوا بها عقوبة يسيرة في النار ثم يخرجون منها فيدخلون الجنة لأن إجماع الأمة على أن من دخل الجنة لا يخرج منها أبداً وقيل إن الاستثناءين يرجعان إلى الفريقين السعداء والأشقياء وهو مدة تعميرهم في الدنيا واحتباسهم في البرزخ وهو ما بين الموت إلى البعث ومدة وقوفهم للحساب ثم يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار فيكون المعنى خالدين في الجنة والنار إلا هذا المقدار، وقيل: معنى إلا ما شاء ربك سوى ما شاء ربك فيكون الامعنى خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك من الزيادة على ذلك وهو كقولك لفلان علي ألف إلا ألفين أي سوى ألفين وقيل إلا بمعنى الواو بمعنى وقد شاء ربك خلود هؤلاء في النار وخلود هؤلاء في الجنة فهو كقوله تمجدو تعالى لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا فيها، قال الفراء: هذا استثناء استثناه الله ولا يفعله كقوله والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك وعزمه أن يضربه فهذه الأقوال في معنى الاستثناء ترجع إلى الفريقين والصحيح هو القول الأول ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: {إن ربك فعال لما يريد} يعني من إخراج من أراد من النار وإدخالهم الجنة فهذا على الإجمال في حال الفريقين فأما على التفصيل فقوله إلا ما شاء ربك في جانب الأشقياء يرجع إلى الزفير والشهيق وتقريره أن يفيد حصول الزفير والشهيق مع خلود لأنه إذا دخل الاستثناء عليه وجب أن يحصل فيه هذا المجموع والاستثناء في جانب السعداء يكون بمعنى الزيادة يعني إلا ما شاء ربك من الزيادة لهم من النعيم بعد الخلود، وقيل: إن الاستثناء الأول في جانب الأشقياء معناه إلا ما شاء ربك من الزيادة لهم من النعيم بعد الخلود، وقيل: إن الاستثناء الأول في جانب الأشقياء معناه إلا ما شاء ربك من أن يخرجهم من حرّ النار إلى البرد والزمهرير وفي جانب السعداء معناه إلا ما شاء ربك أن يرفع بعضهم إلى منازل أعلى منازل الجنان ودرجاتها والقول الأول هو المختار ويدل على خلود أهل الجنة في الجنة أن الأمة مجتمعة على من دخل الجنة لا يخرج منها بل هو خالد فيها.
وقوله سبحانه وتعالى في جانب السعداء {عطاء غير مجذوذ} يعني غير مقطوع قال ابن زيد: أخبرنا الله سبحانه وتعالى بالذي يشاء لأهل الجنة فقال تعالى عطاء غير مجذوذ ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار وروي عن ابن مسعود أنه قال: «ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقاباً» وعن أبي هريرة نحوه، وهذا إن صح عن ابن مسعود وأبي هريرة: فمحمول عند أهل السنة على إخلاء أماكن المؤمنين الذي استحقوا النار من النار بعد إخراجهم منها لأنه ثبت بالدليل الصحيح القاطع إخراج جميع الموحدين وخلود الكفار فيها أو يكون محمولاً على إخراج الكفار من حر النار إلى برد الزمهرير ليزدادوا عذاباً فوق عذابهم والله أعلم.