فصل: تفسير الآيات (37- 38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (37- 38):

{قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)}
{قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله} قيل: أراد به في النوم يقول لا يأتيكما طعام ترزقانه في نومكما إلا أخبرتكما خبره في اليقظة، وقيل: أراد به اليقظة يقول لا يأتيكما طعام من منازلكما ترزقانه يعني تطعمانه وتأكلانه إلا نبأتكما بتأويله يعني أخبرتكما بقدره ولونه والوقت الذي يصل إليكما فيه {قبل أن يأتيكما} يعني قبل أن يصل إليكما وأي طعام أكلتم وكم أكلتم ومتى أكلتم وهذا مثل معجزة عيسى عليه الصلاة والسلام حيث قال وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم فقالا ليوسف عليه الصلاة والسلام هذا من علم العرافين والكهنة فمن أين لك هذا العلم؟ فقال ما أنا بكاهن ولا عراف وإنما ذلك إشارة إلى المعجزة والعلم الذي أخبرهما به {ذلكما مما علمني ربي} يعني أن هذا الذي أخبرتكما به وحي من الله أوحاه إليّ وعلم علمنيه {إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله} فإن قلت ظاهر قوله أني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله أنه عليه الصلاة والسلام كان داخلاً في هذه الملة ثم تركها وليس الأمر كذلك لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من حين ولدوا وظهروا إلى الوجود هم على التوحيد فما معنى هذا الترك في قوله تركت.
قلت الجواب من وجهين: الأول: أن الترك عبارة عن عدم التعرض للشيء والالتفات إليه بالمرة وليس من شرطه أن يكون قد كان داخلاً فيه ثم تركه ورجع عنه.
والوجه الثاني: وهو الأقرب أن يوسف عليه الصلاة والسلام لما كان عند العزيز وهو كافر وجميع من عنده كذلك وقد كان بينهم وكان يوسف على التوحيد والإيمان الصحيح صح قوله إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله {وهم بالآخرة هم كافرون} فترك ملتهم وأعرض عنهم ولم يوافقهم على ما كانوا عليه وتكرير لفظة هم في قوله وهم بالآخرة هم كافرون للتوكيد لشدة إنكارهم للمعاد وقوله: {واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب} لما ادعى يوسف عليه السلام النبوة وأظهر المعجزة أظهر أنه من أهل بيت النبوة وأن آباءه كلهم كانوا أنبياء وقيل لما كان إبراهيم وإسحاق ويعقوب مشهورين بالنبوة والرسالة ولهم الدرجة العليا في الدنيا عند الخلق والمنزلة الرفيعة في الآخرة أظهر يوسف عليه الصلاة والسلام أنه من أولادهم وأنه من أهل بيت النبوة ليسمعوا قوله ويطيعوا أمره فيما يدعوهم إليه من التوحيد {ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء} معناه أن الله سبحانه وتعالى لما اختارنا لنبوته واصطفانا لرسالته وعصمنا من الشرك فما كان ينبغي لنا أن نشرك به مع جميع هذه الاختصاصات التي اختصَّنا بها. قال الواحدي: لفظة من في قوله من شيء زائدة مؤكدة كقولك ما جاءني من أحد، وقال صاحب الكشاف: ما كان لنا ما صح لنا معشر الأنبياء أن نشرك بالله من شيء أي شيء كان من ملك أو جني أو نسي فضلاً أن نشرك به صنماً لا يسمع ولا يبصر {ذلك من فضل الله} يعني ذلك التوحيد وعدم الإشراك والعلم الذي رزقنا من فضل الله {علينا وعلى الناس} يعني بما نصب لهم من الأدلة الدالة على وحدانيته وبين لهم طريق الهداية إليه فكل ذلك من فضل الله على عباده {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} يعني أن أكثرهم لا يشكرون الله على هذه النعم التي أنعم بها عليهم لأنهم تركوا عبادته وعبد وا غيره ثم دعاهما إلى الإسلام.

.تفسير الآيات (39- 42):

{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40) يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآَخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41) وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)}
{يا صاحبي السجن} يريد يا صاحبيَّ في السجن فأضافهما إلى السجن كما تقول يا سارق الليلة لأن الليلة مسروق فيها غير مسروقة ويجوز أن يريد يا ساكني السجن كقوله أصحاب النار وأصحاب الجنة {أأرباب متفرقون} يعني أآلهة شتى من ذهب وفضة وصفر وحديد وحشب وحجارة وغير ذلك وصغير وكبير ومتوسط متباينون في الصفة وهي مع ذلك لا تضر ولا تنفع {خير أم الله الواحد القهار} يعني أن هذه الأصنام أعظم صفة في المدح واستحقاق اسم الإلهية والعبادة أم الله الواحد القهار، قال الخطابي: الواحد هو الفرد الذي لم يزل وحده وقيل هو المنقطع عن القرين والمعدوم الشريك والنظير وليس هو كسائر الآحاد من الأجسام المؤلفة لأن ذلك قد يكثر بانضمام بعضها إلى بعض والواحد ليس كذلك فهو الله الواحد الذي لا مثل له ولا يشبهه شيء من غيره: القهار هو الذي قهر كل شيء وذلله فاستسلم وانقاد وذل له، والمعنى أن هذه الأصنام التي تعبد ونها ذليلة مقهورة إذا أراد الإنسان كسرها وإهانتها قدر عليه والله هو الواحد في ملكه القهار لعباده الذي لا يغلبه شيء وهو الغالب لكل شيء سبحانه وتعالى ثم بين عجز الأصنام وأنها لا شيء البتة فقال {ما تعبد ون من دونه} يعني من دون الله وإنما قاله تعبد ون بلفظ الجمع وقد ابتدأ بالتثنية في المخاطبة لأنه أراد جميع من في السجن من المشركين {إلا أسماء سميتموها} يعني سميتموها آلهة وأرباباً وهي حجارة جمادات خالية عن المعنى لا حقيقة لها {أنتم وآباؤكم} يعني من قبلكم سموها آلة {ما أنزل الله بها من سلطان} يعني أن تسمية الأصنام آلهة لا حجة لكم بها ولا برهان ولا أمر الله بها وذلك أنهم كانوا يقولون إن الله أمرنا بهذه التسمية فرد الله عليهم بقوله: {ما أنزل الله بها من سلطان أن الحكم إلا لله} يعني أن الحكم والقضاء والأمر والنهي لله تعالى لا شريك له في ذلك {أمر أن لا تعبد وا إلا إياه} لأنه هو المستحق للعبادة لا هذه الأصنام التي سميتموها آلهة {ذلك الدين القيم} يعني عبادة الله هي الدين المستقيم {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} ذلك.
ولما فرغ يوسف عليه الصلاة والسلام من الدعاء إلى الله وعبادته رجع إلى تعبير رؤياهما فقال {يا صاحبي السجن أما أحدكما فيسقي ربه خمراً} يعني أن صاحب شراب الملك يرجع إلى منزلته ويسقي الملك خمراً كما كان يسقيه أولاً والعناقيد الثلاثة هي ثلاثة أيام يبقى في السجن ثم يدعو به الملك ويرده إلى منزلته التي كان عليها {وأما الآخر فيصلب} يعني صاحب طعام الملك والسلال الثلاث ثلاثة أيام ثم يدعو به الملك فيصلبه {فتأكل الطير من رأسه} قال ابن معسود رضي الله عنه فلما سمعا قول يوسف عليه الصلاة والسلام قالا ما رأينا شيئاً إنما كنا نلعب قال يوسف {قضي الأمر الذي فيه تستفتيان} يعني فرغ من الأمر الذي سألتما عنه ووجب حكم الله عليكما بالذي أخبرتكما به رأيتما شيئاً أم لم تريا {وقال} يعني يوسف {للذي ظن} يعني علم وتحقق فالظن بمعنى العلم {أنه ناج منهما} يعني ساقي الملك {اذكرني عند ربك} يعني سيدك وهو الملك الأكبر فقل له إن في السجن غلاماً محبوساً مظلوماً طال حبسه {فأنساه الشيطان ذكر ربه} في هاء الكناية في فأنساه إلى من تعود قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى الساقي وهو قول عامة المفسرين والمعنى فأنس الشيطان الساقي أن يذكر يوسف عند الملك قالوا لأن صرف وسوسة الشيطان إلى ذلك الرجل الساقي حتى أنساه ذكر يوسف أولى من صرفها إلى يوسف.
والقول الثاني: وهو قول أكثر المفسرين أن هاء الكناية ترجع إلى يوسف، والمعنى أن الشيطان أنسى يوسف ذكر ربه عز وجل حتى ابتغى الفرج من غيره واستعان بمخلوق مثله في دفع الضرر وتلك غفلة عرضت ليوسف عليه السلام فإن الاستعانة بالمخلوق في دفع الضرر جائزة إلا أنه لما كان مقام يوسف أعلى المقامات ورتبته أشرف المراتب وهي منصب النبوة والرسالة لا جرم صار يوسف مؤاخذاً بهذا القدر فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين.
فإن قلت كيف تمكن الشيطان من يوسف حتى أنساه ذكر ربه.
قلت بشغل الخاطر وإلقاء الوسوسة فإنه قد صح في الحديث «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» فأما النسيان الذي هو عبارة عن ترك الذكر وإزالته عن القلب بالكلية فلا يقدر عليه.
وقوله سبحانه وتعالى: {فلبث في السجن بضع سنين}.
اختلفوا في قدر البضع فقال مجاهد ما بين الثلاثة إلى السبع وقال قتادة: هو ما بين الثلاث إلى التسع، وقال ابن عباس هو ما دون العشرة وأكثر المفسرين على أن البضع في هذه الآية سبع سنين وكان يوسف قد لبث قبلها في السجن خمس سنين فجملة ذلك اثنتا عشرة سنة وقال وهب: أصاب أيوب البلاء سبع سنين وترك يوسف في السجن سبع سنين.
وقال مالك بن دينار: لما قال يوسف للساقي اذكرني عند ربك قال له يا يوسف اتخذت من دوني وكيلاً لأطيلن حبسك فبكى يوسف وقال يا رب أنسى قلبي ذكرك كثرة البلوى فقلت كلمة قال الحسن قال النبي صلى الله عليه وسلم «رحم الله يوسف لولا كلمته التي قالها ما لبث في السجن ما لبث» يعني قوله اذكرني عند ربك ثم بكى الحسن وقال نحن إذا نزل بنا أمر فزعنا إلى الناس ذكره الثعلبي مرسلاً وبغير سند وقيل إن جبريل دخل على يوسف في السجن فلما رآه يوسف عرفه فقال له يوسف يا أخا المنذرين مالي أراك بين الخاطئين فقال له جبريل يا طاهر بن الطاهرين يقرأ عليك السلام رب العالمين ويقول لك ما استحييت مني أن أستغثت بالآدميين فوعزتي وجلالي لألبثنك في السكن بضع سنين قال يوسف وهو في ذلك عني راض قال نعم قال إذن لا أبالي وقال كعب قال جبريل ليوسف يقول الله عز وجل لك من خلقك قال الله فمن رزقك قال الله قال فمن حببك إلى أبيك قال الله قال فمن نجاك من كرب البئر قال الله قال فمن علمك تأويل الرؤيا قال الله قال فمن صرفك عنك السوء والفحشاء قال الله قال فكيف استغثت بآدمي مثلك قالوا فلما انقضت سبع سنين.
قال الكلبي: وهذه السبع سوى الخمس سنين التي كانت قبل ذلك ودنا فرج يوسف وأراد الله عز وجل إخراجه من السجن رأى ملك مصر الأكبر رؤيا عجيبة هالته وذلك أن رأى في منامه سبع بقرات سمان قد خرجن من البحر ثم خرجن عقيبهن سبع بقرات عجاف في غاية الهزال فابتلع العجاف السمان ودخلن في بطونهن ولم ير منهن شيء ولم يتبين على العجاف منها شيء ورأى سبع سنبلات خصر قد انعقد حبها وسبع سنبلات أخر يابسات قد استحصدت فالتوت اليابسات على الخضر حتى علون عليهن ولم يبق من خضرتها شيء فجمع السحرة والكهنة والمعبرين وقص عليهم رؤياه التي رآها.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)}
قوله تعالى: {وقال الملك إني أرى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات يا أيها الملأ أفتوني في رؤياي} يعني يا أيها الأشراف أخبروني بتأويل رؤياي {إن كنتم للرؤيا تعبرون} يعني: إن كنتم تحسنون علم العبارة وتفسيرها وعلم التعبير مختص بتفسير الرؤيا وسمي هذا العلم تعبيراً لأن المفسر للرؤيا عابر من ظاهرها إلى باطنها ليستخرج معناها وهذا أخص من التأويل لأن التأويل يقال فيه وفي غيره.

.تفسير الآيات (44- 48):

{قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ (44) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45) يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46) قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ (47) ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)}
{قالوا} يعني قال جماعة الملأ وهم السحرة والكهنة والمعبرون مجيبين للملك {أضغاث أحلام} يعني أخلاط مشتبه واحدها ضغث وأصله الحزمة المختلطة من أنواع الحشيش والأحلام جمع حلم وهو الرؤيا التي يراها الإنسان في منامه {وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين} لما جعل الله هذه الرؤيا سبباً لخلاص يوسف عليه الصلاة والسلام من السجن وذلك أن الملك لما رآها قلق واضطرب وذلك لأنه قد شاهد الناقص الضعيف قد استولى على القوي الكامل حتى قهره وغلبه فأراد أن يعرف تأويل ذلك فجمع سحرته وكهنته ومعبريه وأخبرهم بما رأى في منامه وسألهم عن تأويلها فأعجز الله بقدرته جماعة الكهنة والمعبرين عن تأويل هذه الرؤيا ومنعهم عن الجواب ليكون ذلك سبباً لخلاص يوسف عليه الصلاة والسلام من السجن فذلك قوله تعالى: {وقال الذي نجا منهما} يعني وقال الساقي الذي نجا من السجن والقتل بعد هلاك صاحبه الخباز {وادكر بعد أمة} يعني أنه تذكر قول يوسف اذكرني عند ربك بعد أمة يعني بعد حين وهو سبع سنين وسمي الحين من الزمان أمة لأنه جماعة الأيام والأمة والجماعة {أنا أنبئكم} يعني أخبركم {بتأويله} وقوله أنا أنبئكم بلفظ الجمع إما أنه أراد به الملك مع جماعة السحرة والكهنة والمعبرين أو أراد به الملك وحده وخاطبه بلفظ الجمع على سبيل التعظيم وذلك أن الفتى الساقي جثا بين يدي الملك وقال إن في السجن رجلاً عالماً يعبر الرؤيا {فأرسلون} فيه اختصار تقديره فأرسلني أيها الملك فأتى السجن قال ابن عباس ولم يكن السجن في المدينة {يوسف} أي يا يوسف {أيها الصديق} إنما سماه صديقاً لأنه لم يجرب عليه كذباً قط والصديق الكثير الصدق والذي ل يكذب قط وقيل سماه صديقاً لأنه صدق في تعبيره رؤياه التي رآها في السجن {أفتنا في سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأخر يابسات} فإن الملك رأى هذه الرؤيا {لعلي أرجع إلى الناس} يعني أرجع بتأويل هذه الرؤيا إلى الملك وجماعته {لعلهم يعلمون} يعني بتأويل هذه الرؤيا وقيل لعلهم يعلمون منزلتك في العلم {قال} يعني يوسف معبراً لتلك الرؤيا أما البقرات السمان والسنبلات الخضر فسبع سنين مخصبة وأما البقرات العجاف والسنبلات اليابسات فسبع سنين مجدبه فذلك قوله تعالى: {تزرعون} وهذا خبر بمعنى الأمر أي ازرعوا {سبع سنين دأباً} يعني عادتكم في الزراعة والدأب العادة وقيل ازرعوا بجد واجتهاد {فما حصدتم فذروه في سنبله} إنما أمرهم بترك ما حصدوه من الحنطة في سنبله لئلا يفسد ويقع في السوس وذلك ابقى له على طول الزمان {إلا قليلاً مما تأكلون} يعني ادرسوا قليلاً من الحنطة للأكل بقدر الحاجة وأمرهم بحفظ الأكثر لوقت الحاجة أيضاً وهو وقت السنين المجدبة وهو قوله: {ثم يأتي من بعد ذلك} يعني من بعد السنين المخصبة {سبع شداد} يعني سبع سنين مجدبة ممحلة شديدة على الناس {يأكلن} يعني يفنين {ما قدمتم لهن} يعني يؤكل فيهن كل ما أعددتم وادخرتم لهن من الطعام وإنما أضاف الأكل إلى السنين على طريق التوسع في الكلام {إلا قليلاً مما تحصنون} يعني تحرزون وتدخرون للبذر، والإحصان الإحراز وهو إبقاء الشي في الحصن بحيث يحفظ ولا يضيع.