فصل: تفسير الآيات (49- 52):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (49- 52):

{ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50) قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآَنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (51) ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)}
{ثم يأتي من بعد ذلك} يعني من بعد هذه السنين المجدبة {عام فيه يغاث الناس} أي يمطرون من الغيث الذي هو المطر، وقيل: هو من قولهم استغثت بفلان فأغاثني من الغوث {وفيه يعصرون} يعني يعصرون العنب خمراً والزيتون زيتاً والسمسم دهناً أراد به كثرة الخير والنعم على الناس وكثرة الخصب في الزرع والثمار، وقيل يعصرون معناه ينجون من الكرب والشدة والجدب.
قوله عز وجل: {وقال الملك ائتوني به} وذلك أن الساقي لما رجع إلى الملك وأخبره بفتيا يوسف وما عبر برؤياه استحسنه الملك وعرف أن الذي قاله كائن لا محالة فقال ائتنوني به حتى أبصر هذا الرجل الذي قد عبر رؤياي بهذه العبارة فرجع الساقي إلى يوسف وقال له أجب الملك فذلك قوله تعالى: {فلما جاءه الرسول} فأبى أن يخرج معه حتى تظهر براءته للملك ولا يراه بعين النقص {قال} يعني قال يوسف للرسول {ارجع إلى ربك} يعني إلى سيدك وهو الملك {فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن} ولم يصرح بذكر امرأة العزيز أدباً واحتراماً لها.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي» أخرجه الترمذي، وزاد فيه «ثم قرأ فلما جاء الرسول قال ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن» هذا الحديث فيه بيان فضل يوسف عليه الصلاة والسلام وبيان قوة صبره وثباته والمراد بالداعي رسول الملك الذي جاءه من عنده فلم يخرج معه مبادراً إلى الراحة ومفارقة ما هو فيه من الضيق والسجن الطويل فلبث في السجن وأرسل الملك في كشف أمره الذي سجن بسبه لتظهر براءته عند الملك وغيره فأثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على يوسف عليه الصلاة والسلام وبين فضيلته وحسن صبره على المحنة والبلاء وقوله: {إن ربي بكيدهن عليم} يعني أن الله تعالى عالم بصنيعهن وما احتلن في هذه الواقعة من الحيل العظيمة فرجع الرسول من عند يوسف إلى الملك بهذه الرسالة فجمع الملك النسوة وامرأة العزيز معهن و{قال} لهن {ما خطبكن} أي شأنكن وأمركن {إذ راودتن يوسف عن نفسه} إنما خاطب الملك جميع النسوة بهذا الخطاب، والمراد بذلك امرأة العزيز وحدها ليكون أستر لها وقيل إن امرأة العزيز راودته عن نفسه وحدها وسائر النسوة أمرنه بطاعتها فلذلك خاطبهن بهذا الخطاب {قلن} يعني النسوة جميعاً مجيبات للملك {حاش لله} يعني معاذ الله {ما علمنا عليه من سوء} يعني من خيانة في شيء من الأشياء {قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق} يعني ظهر وتبين وقيل إن النسوة أقبلن على امرأة العزيز فعزرنها وقيل خافت أن يشهد عليها فأقرت فقالت {أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين} يعني في قوله هي راودتني عن نفسي.
واختلفوا في قوله: {ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب} على قولين:
أحدهما: أنه من قول المرأة ووجه هذا القول أن هذا كلام متصل بما قبله وهو قول المرأة الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين، ثم قالت: ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب والمعنى ذلك ليعلم يوسف أني لم أخنه في حال غيبته وهو في السجن ولم أكذب عليه بل قلت أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين وإن كنت قد قلت فيه ما قلت في حضرته، ثم بالغت في تأكيد هذا القول فقالت {وأن الله لا يهدي كيد الخائنين} يعني أني لما أقدمت على هذا الكيد والمكر لا جرم أني افتضحت لأن الله لا يرشد ولا يوفق كيد الخائنين.
والقول الثاني: إنه من قول يوسف عليه الصلاة والسلام وهذا قول الأكثرين من المفسرين والعلماء ووجه هذا القول أنه لا يبعد وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر إذا دلت القرينة عليه فعلى هذا يكون معنى الآية أن لما بلغ يوسف قولا لمرأة أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين قال يوسف ذلك أي الذي فعلت من ردي رسول الملك إليه ليعلم يعني العزيز أني لم أخنه في زوجته بالغيب يعني في حال غيبته، فيكون هذا من كلام يوسف اتصل بقول امرأة العزيز أنا راودته عن نفسه من غير تمييز بين الكلامين لمعرفة السامعين لذلك مع غموض فيه لأنه ذكر كلام إنسان ثم أتبعه بكلام إنسان آخر من غير فصل بين الكلامين ونظير هذا قوله تعالى: {يريد أن يخرجكم من أرضكم} هذا من قول الملأ، فماذا تأمرون من قول فرعون ومثله قوله تعالى: {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} هذا من قول بلقيس {وكذلك يفعلون} من قوله عز وجل تصديقاً لها وعلى هذا القول اختلفوا أين كان يوسف حين قال هذه المقالة على قولين أحدهما أنه كان في السجن وذلك أنه لما رجع إليه رسول الملك وهو في السجن وأخبره بجواب امرأة العزيز للملك قال حينئذ ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب وهذه رواية أبي صالح عن ابن عباس وبه قال ابن جريج.
والقول الثاني: إنه قال هذه المقالة عند حضوره عند الملك وهذه رواية عطاء عن ابن عباس فإن قلت فعلى هذا القول كيف خاطبهم بلفظة ذلك وهي إشارة للغائب مع حضوره عندهم.
قلت قال ابن الأنباري قال اللغويون هذا وذلك يصلحان في هذا الموضع لقرب الخبر من أصحابه فصار كالمشاهد الذي يشار إليه بهذا وقيل ذلك إشارة إلى ما فعله يقول ذلك الذي فعلته من ردي الرسول ليعلم أني لم أخنه بالغيب أي لم أخن العزيز في حال غيبته؛ ثم ختم هذا الكلام بقوله وأن الله لا يهدي كيد الخائنين يعني أني لو كنت خائناً لما خلصني الله من هذه الورطة التي وقعت فيها لأن الله لا يهدي أي لا يرشد ولا يوفق كيد الخائنين واختلفوا في قوله.

.تفسير الآيات (53- 54):

{وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)}
{وما أبرئ نفسي} من قول من؟ على قولين أيضاً:
أحدهما: أنه من قول المرأة وهذا التفسير على قول من قال إن قوله ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب من قول المرأة فعلى هذا يكون المعنى وما أبريء نفس من مراودتي يوسف عن نفسه وكذبي عليه.
والقول الثاني: وهو الأصح وعليه أكثر المفسرين أنه من قول يوسف عليه الصلاة والسلام وذلك أنه لما قال ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب قال له جبريل ولا حين هممت بها فقال يوسف عند ذلك وما أبرئ نفسي وهذه رواية عن ابن عباس أيضاً وهو قول الأكثرين وقال الحسن إن يوسف لما قال ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب خاف أن يكون قد زكى نفسه فقال وما أبرئ نفسي لأن الله تعالى قال فلا تزكوا أنفسكم، ففي قوله وما أبرئ نفسي هضم للنفس وانكسار وتواضع لله عز وجل فإن رؤية النفس في مقام العصمة والتزكية ذنب عظيم فراد إزالة ذلك عن نفسه فإن حسنات الأبرار سيئات المقربين {إن النفس لأمارة بالسوء} والسوء لفظ جامع لكل ما يهم الإنسان من الأمور الدنيوية والأخروية والسيئة الفعلة القبيحة.
واختلفوا في النفس الأمارة بالسوء ما هي فالذي عليه أكثر المحققين من المتكلمين وغيرهم أن النفس الإنسانية واحدة ولها صفات: منها الأمارة بالسوء، ومنها اللوامة، ومنها المطمئنة فهذه الثلاث المراتب هي صفات لنفس واحدة فإذا دعت النفس إلى شهواها مالت إليها فهي النفس الأمارة بالسوء فإذا فعلتها أتت النفس اللوامة فلامتها على ذلك الفعل القبيح من ارتكاب الشهوات ويحصل عند ذلك الندامة على ذلك الفعل القبيح وهذا من صفات النفس المطمئنة، وقيل: إن النفس أمارة بالسوء بطبعها فإذا تزكت وصفت من أخلاقها الذميمة صارت مطمئنة.
وقوله: {إلا ما رحم ربي} قال ابن عباس: معناه إلا من عصم ربي فتكون ما بمعنى من فهو كقوله «ما طاب لكم من النساء» يعني من طاب لكم وقيل هذا استثناء منقطع معناه لكم من رحم ربي فعمصه من متابعة النفس الأمارة بالسوء {إن ربي غفور} يعني غفور لذوب عباده {رحيم} بهم.
قوله تعالى: {وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي} وذلك أنه لما تبين للملك عذر يوسف وعرف أمانته وعلمه طلب حضوره إليه فقال أئتوني به يعني بيوسف أستخلصه لنفسي أي أجعله خالصاً لنفسي والاستخلاص طلب خلوص الشيء من جميع شوائب الاشتراك وإنما طلب الملك أن يستخلص يوسف لنفسه، لأن عادة الملوك أن ينفردوا بالأشياء النفيسة العزيزة ولا يشاركهم فيها أحد من الناس وإنما قال الملك ذلك لما عظم اعتقاده في يوسف لما علم من غزارة علم يوسف وحسن صبره وإحسانه إلى أهل السجن وحسن أدبه وثباته على المحن كلها لهذا حسن اعتقاد الملك فيه وإذا أراد الله تعالى أمراً هيأ أسبابه فألهم الملك ذلك فقال ائتوني به أستخلصه لنفسي {فلما كلمه} فيه اختصار تقديره فلما جاء الرسول إلى يوسف فقال له أجب الملك الآن بلا معاودة فأجابه.
روي أن يوسف لما قام ليخرج من السجن دعا لأهله فقال اللهم عطف عليهم قلوب الأخيار ولا تعم عليهم الأخبار فهم أعلم الناس بالأخبار في كل بلد، فلما خرج من السجن كتب على بابه هذا بيت البلواء وقبر الأحياء وشماتة الأعداء وتجربة الأصدقاء ثم اغتسل وتنظف من درن السجن ولبس ثياباً حسنة ثم قصد باب الملك.
قال وهب: فلما وقف بباب الملك قال: حسبي ربي من دنياي وحسبي ربي من خلقه عز جارك وجل ثناؤك ولا إله غيرك ثم دخل الدار فلما أبصر الملك قال: اللهم إني أسألك بخيرك من خيره وأعوذ بك من شره وشر غيره فلما نظر إليه الملك سلم يوسف عليه بالعربية فقال له الملك ما هذا اللسان؟ قال لسان عمي إسماعيل ثم دعا له بالعبرانية فقال له وما هذا اللسان أيضاً قال يوسف هذا لسان آبائي قال وهب وكان الملك يتكلم بسبعين لغة فلم يعرف هذين اللسانين وكان الملك كلما كلمه بلسان أجاباه يوسف وزاد عليه بالعربية والعبرانية فلما رأى الملك منه ذلك أعجبه ما رأى مع حداثة سن يوسف عليه السلام وكان له من العمر يومئذ ثلاثون سنة فأجلسه إلى جنبه فذلك قوله تعالى فلما كلمه يعني فلما كلم الملك يوسف لأن مجالس الملوك لا يحسن لأحد أن يبدأ بالكلام فيها وإنما يبدأ فيها بالكلام وقيل معناه فلما كلم يوسف الملك قال الساقي أيها الملك هذا الذي علم تأويل الملك رؤياك مع عجز السحرة والكهنة عنها فأقبل عليه الملك و{قال إنك اليوم لدينا مكين أمين} يقال: اتخذ فلان عند فلان مكانة أي منزلة وهي الحالة التي يتمكن بها صاحبها مما يريد، وقيل: المكانة المنزلة والجاه والمعنى قد عرفت أمانتك ومنزلتك وصدقك وبراءتك مما نسبت إليه وقوله مكين أمين كلمة جامعة لكل ما يحتاج إليه من الفضائل والمناقب في أمر الدين والدنيا.
روي أن الملك قال ليوسف عليه الصلاة والسلام أحب أن أسمع تأويل رؤياي منك شفاهاً فقال: نعم أيها الملك رأيت سبع بقرات سمان شهب غر حسان غير عجاف كشف لك عنهن النيل فطلعن من شاطئه تشخب أخلافهن لبناً فينما أنت تنظر إليهن وقد أعجبك حسنهن إذ نضب النيل فغار ماؤه وبدا يبسه فخرج من حمأته سبع بقرات عجاف شعث غبر ملصقات البطون ليس لهما ضروع ولا أخلاف ولهن أنياب وأضراس وأكف كأكف الكلام وخراطيم كخراطيم السباع فاختلطن بالسمان فاترسن السمان فافترس السبع فأكلن لحومهن ومزقن جلودهن وحطمن عظامهن ومشمسن مخهن فبينما أنت تنظر وتتعجب كيف غلبنهن وهو مهازيل ثم لم يظهر منهن سمن ولا زيادة بعد أكلهن إذ سبع سنبلات خضر طريات ناعمات ممتلئات حباً وماء وإلى جانبهن سبع أخر سود يابسات في منبت واحد عروقهن في الثرى والماء فبينا أنت تقول في نفسك أي شيء هؤلاء خضر مثمرات وهؤلاء سود يابسات والمنبت واحد وأصولهن في الثرى والماء.
إذ هبت الريح فذرت أوراق اليابسات السود على الخضر المثمرات فاشتعلت فيهن النار فأحرقتهن فصرن سوداً فهذا ما رأيت أيها الملك ثم انتبهت مذعوراً فقال الملك والله ما أخطأت منها شيئاً فما شأن هذه الرؤيا وإن كان عجباً فما هو بأعجب مما سمعت منك وما ترى في تأويل رؤياي أيها الصديق؟ قال يوسف عليه الصلاة والسلام: أرى أن تجمع الطعام وتزرع زرعاً كثيراً في هذه السنين المخصبة وتجعل ما يتحصل من ذلك الطعام في الخزائن بقصبه وسنبله فإنه أبقى له فيكون ذلك القصب والسنبل علفاً للدواب وتأمر الناس فليرفعوا الخمس من زروعهم أيضاً فيكفيك ذلك الطعام الذي جمعته لأهل مصر ومن حولها وتأتيك الخلق من سائر النواحي للميرة ويجتمع عندك من الكنز والأموال ما لا يجتمع لأحد قبلك فقال الملك: ومن لي بهذا ومن يجمعه ويبيعه لي ويكفيني العميل فيه فعند ذلك.

.تفسير الآية رقم (55):

{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)}
{قال} يعني يوسف {اجعلني على خزائن الأرض} يعني على خزائن الطعام والأموال، وأراد بالأرض أرض مصر أي اجعلني على خزائن أرضك التي تحت يدك، وقال الربيع بن أنس اجعلني على خزائن خراج مصر ودخلها {إني حفيظ عليم} أي حفيظ الخزائن عليم بوجوه مصالحها وقيل معناه إني حاسب كاتب وقيل حفيظ لما استودعتني عليم بما وليتني وقيل حفيظ للحساب عليم أعلم لغة من يأتيني، وقال الكلبي: حفيظ بتقديره في السنين المخصبة للسنين المجدبة عليم بوقت الجوع حين يقع فقال الملك عند ذلك ومن أحق بذلك منك وولاَّه ذلك، وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يرحم الله أخي يوسف لو لم يقل اجعلني على خزائن الأرض لاستعمله من ساعته ولكنه أخر ذلك سنة» فإن قلت كيف طلب يوسف علي الصلاة والسلام الإمارة والولاية مع ما ورد من النهي عنها مع كراهية طلبها لما صح من حديث عبد الرحمن بن سمرة قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أتيتها من غير مسألة أعنت عليها» أخرجاه في الصحيحين.
قلت إنما يكره طلب الإمارة إذا لم يتعين عليه طلبها فإذا تعين عليها طلبها وجب ذلك عليه ولا كراهية فيه فأما يوسف عليه الصلاة والسلام فكان عليه طلب الإمارة لأنه مرسل من الله تعالى والرسول أعلم بمصالح الأمة من غيره وإذا كان مكلفاً برعاية المصالح ولا يمكنه ذلك إلا بطلب الإمارة وجب عليه طلبها، وقيل إنه علم انه سيحصل قحط وشدة إما بطريق الوحي من الله أو بغيره وربما أفضى ذلك إلى هلاك معظم الخلق، وكان في طلب الإمارة إيصال الخير والراحة إلى المستحقين وجب عليه طلب الأمارة لهذا السبب.
فإن قلت كيف مدح يوسف نفسه بقوله إني حفيظ عليم والله تعالى يقول فلا تزكوا أنفسكم.
قلت إنما يكره تزكية النفس إذا قصد به الرجل التطاول والتفاخر والتوسل به إلى غير ما يحل فهذا القدر المذموم في تزكية النفس.
أما إذا قصد بتزكية النفس ومدحها إيصال الخير والنفع إلى الغير فلا يكره ذلك ولا يحرم بل يجب عليه ذلك مثاله أن يكون بعض الناس عنده علم نافع ولا يعرف به فإنه يجب عليه أن يقول أنا عالم، ولما كان المالك قد علم من يوسف أنه عالم بمصالح الدين ولم يعلم أنه عالم بمصالح الدنيا نبهه يوسف بقوله إني حفيظ عليم على أنه عالم بما يحتاج إليه في مصالح الدنيا أيضاً مع كمال علمه بمصالح الدين.