فصل: تفسير الآيات (94- 97):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (94- 97):

{وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا (94) قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا (95) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (96) وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا (97)}
قوله عز وجل: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى} أي الحي. والمعنى: وما منعهم الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم إلا شبهة تلجلجت في صدورهم هي إنكارهم أن يرسل الله البشر وهو قوله تعالى: {إلا أن قالوا} أي جهلاً منهم {أبعث الله بشراً رسولاً} وذلك أن الكفار كانوا يقولون لن نؤمن لك لأنك بشر وهلا بعث الله إلينا ملكاً فأجابهم الله بقوله: {قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين} أي مستوطنين مقيمين فيها {لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً} أي من جنسهم لأن الجنس إلى الجنس أميل {قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم} أي على أني رسوله إليكم وإني قد بلغت ما أرسلت به إليكم، وأنكم كذبتم وعاندتم {إنه كان بعباده} يعني المنذرين والمنذرين {خبيراً بصيراً} أي عالماً بأحوالهم، فهو مجازيهم وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ووعيد الكفار {ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه} أي يهدونهم وفيه أيضاً تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو أن الذين حكم لهم بالإيمان والهداية وجب أن يصيروا مؤمنين ومن سبق لهم حكم الله بالضلال والجهل استحال أن ينقلبوا عن ذلك {ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم}.
(ق) «عن أنس أن رجلاً قال: يا رسول الله قال الله الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أيحشر الكافر على وجهه قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا، قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟ قال قتادة حين بلغه بلى وعزة ربنا» وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف صنفاً مشاة، وصنفاً ركباناً، وصنفاً على وجوههم. قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم قال: إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك» أخرجه الترمذي الحدب كل ما ارتفع من الأرض {عمياً وبكماً وصماً} أي لا يبصرون ولا ينطقون ولا يسمعون. فإن قلت: كيف وصفهم بأنهم عمي وبكم وصم وقد قال الله تعالى: {ورأى المجرمون النار} وقال {دعوا هنالك ثبوراً} وقال {سمعوا لها تغيظاً وزفيراً} فأثبت لهم الرؤية والكلام والسمع. قلت فيه أوجه: أحدهما قال ابن عباس معناه عمياً لا يبصرون ما يسرهم بكماً لا ينطقون بحجة صماً لا يسمعون ما يسرهم. الوجه الثاني: قيل معناه يحشرون على ما وصفهم الله وتعالى ثم تعاد إليهم هذه الأشياء. الوجه الثالث: قيل معناه هذا حين يقال لهم اخسئوا فيها، ولا تكلمون فيصيرون بأجمعهم عمياً وبكماً وصماً لا يرون ولا ينطقون ولا يسمعون {مأواهم جهنم كلما خبت} اي سكن لهيبها. وقيل: ضعفت وهدأت من غير أن يوجد نقصان في إيلام الكفار، لأن الله سبحانه وتعالى قال: لا يفتر عنهم وقيل معناه أرادت أن تخبو {زدناهم سعيراً} أي وقوداً وقيل معناه خبت أي نضجت جلودهم واحترقت أعيدوا إلى ما كانوا عليه، وزيد في سعير النار لتحرقهم.

.تفسير الآيات (98- 101):

{ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا (98) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99) قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (101)}
{ذلك جزاؤهم بأنهم كفروا بآياتنا} لما ذكر الوعيد المتقدم قال: ذلك جزاؤهم بما كفروا يعني ذلك العذاب جزاؤهم بسبب كفرهم بآياتنا {وقالوا أئذا كنا عظاماً ورفاتاً أئنا لمبعوثون خلقاً جديداً} أجابهم الله ورد عليهم بقوله: {أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض} أي في عظمها وشدتها {قادر على أن يخلق مثلهم} أي في صغرهم وضعفهم {وجعل لهم أجلاً} أي وقتاً لعذابهم {لا ريب فيه} أي لا شك فيه أنه يأتيهم قبل الموت، وقيل يوم القيامة {فأبى الظالمون إلا كفوراً} أي جحوداً وعناداً {قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي} أي خزائن نعمه ورزقه وقيل: إن خزائن الله غير متناهية. والمعنى: لو أنكم ملكتم من النعم خزائن لا نهاية لها {إذاً لأمسكتم} أي لبخلتم وحبستم {خشية الإنفاق} والفقر والنفاد وهذا مبالغة عظيمة في وصفهم بهذا الشيء {وكان الإنسان قتوراً} أي ممسكاً بخيلاً. فان قلت: قد يوجد في جنس الإنسان من هو جواد كريم، فكيف وصفه بالبخل؟ قلت: الأصل في الإنسان البخل، لأن خلق محتاجاً والمحتاج لابد وأن يحب ما يدفع به عنه ضرر الحاجة، ويمسكه لنفسه إلا أنه قد يجود لأسباب خارجة مثل أن يحب المدحة أو رجاء ثواب، فثبت بها أن الأصل في الإنسان البخل. قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات} أي دلالات واضحات. قال ابن عباس: هي العصا واليد البيضاء والعقدة التي كانت بلسانه، فحلها وفلق البحر والطوفان والجواد والقمل والضفادع والدم وقيل عرض فلق البحر، واليد والسنون نقص من الثمرات وقيل: الطمس والبحر بدل السنين والنقص. قيل كان الرجل منهم مع أهله في الفراش وقد صارا حجرين والمرأة قائمة تخبز، وقد صارت حجراً وقد روي أن عمر بن عبد العزيز سأل محمد بن كعب القرظي عن الآيات فذكر منها الطمس فقال عمر: هذا يجب أن يكون الفقيه ثم قال يا غلام اخرج ذلك الجراب فأخرجه. فإذا فيه بيض مكسر نصفين، وجوز مكسر نصفين وثوم وحمص وعدس كلها حجارة. وقيل: التسع آيات هي آيات الكتاب وهي الأحكام يدل عليه ما روي عن صفوان بن غسان أن يهودياً قال لصاحبه: تعالى حتى نسأل هذا النبي فقال الآخر: لا تقل نبي. فإنه لو سمع صارت له أربع أعين، فأتياه فسألاه عن هذه الآية. ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فقال: «لا تشركوا بالله شيئاً ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تزنوا ولا تأكلوا الربا، ولا تسحروا ولا تمشوا بالبريء إلى سلطان ليقتله ولا تسرفوا ولا تقذفوا المحصنات ولا تفروا من الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقبلا يده وقالا: نشهد إنك نبي قال: فما يمنعكم أن تتبعوني» قالا إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخاف إنا اتبعناك أن تقتلنا اليهود {فاسأل} يا محمد {بني إسرائيل} يجوز الخطاب معه والمراد غيره ويجوز أن يكون خاطبه وأمره بالسؤال ليتبين كذبهم مع قومهم {إذا جاءهم} يعني جاء موسى إلى فرعون بالرسالة من عند الله عز وجل: {فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحوراً} قال ابن عباس: مخدوعاً وقيل: مطبوباً اي سحروك وقيل معناه ساحراً معطى علم السحر، فهذه العجائب التي تفعلها من سحرك.

.تفسير الآيات (102- 104):

{قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (102) فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعًا (103) وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا (104)}
{قال} موسى {لقد علمت} خطاباً لفرعون. قال ابن عباس: علمه فرعون ولكنه عانده {ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض} يعني الآيات التسع {بصائر} أي بينات يبصر بها {وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً} قال ابن عباس: ملعوناً. وقيل: هالكاً. وقيل: مصروفاً عن الخير {فأراد أن يستفزهم من الأرض} معناه أراد فرعن أن يخرج موسى وبين إسرائيل من أرض مصر {فأغرقناه ومن معه جميعاً} أي أغرقنا فرعون وجنوده ونجينا موسى وقومه {وقلنا من بعده} أي من بعد هلاك فرعون {لنبي إسرائيل اسكنوا الأرض} يعني أرض مصر والشام {فإذا جاء وعد الآخرة} يعني القيامة {جئنا بكم لفيفاً} أي جميعاً إلى موقف القيامة، واللفيف: الجمع الكثير إذا كانوا مختلفين من كل نوع فيهم المؤمن والكافر والبر والفاجر وقيل: أراد بوعد الآخرة نزول عيسى من السماء.

.تفسير الآيات (105- 109):

{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105) وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا (106) قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (107) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (108) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا (109)}
قوله سبحانه وتعالى: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل} يعني أنا ما أردنا بإنزال القرآن إلا تقريره للحق فلما أردنا هذا المعنى فكذلك وقع وحصل. وقيل: معناه وما أنزلنا القرآن إلا بالحق المقتضي لإنزاله وما نزل إلا ملتبساً بالحق لاشتماله على الهداية إلى كل خير {وما أرسلناك إلا مبشراً} يعني بالجنة للمطيعين {ونذيراً} أي مخوفاً بالنار للعاصين. قوله عز وجل: {وقرآناً فرقناه} أي فصلناه وبيناه وقيل فرقنا به بين الحق الباطل، وقيل: معناه أنزلنا نجوماً لم ينزل مرة واحدة بدليل قوله تعالى: {لتقرأه على الناس على مكث} أي على تؤده وترسل في ثلاث وعشرين سنة {ونزلناه تنزيلاً} أي على حسب الحوادث {قل آمنوا به أو لا تؤمنوا} فيه وعيد وتهديد {إن الذين أوتوا العلم من قبله} قيل: هم مؤمنوا أهل الكتاب الذين كانوا يطلبون الدين قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أسلموا بعد مبعثه مثل زيد بن عمرو بن نفيل وسلمان الفارسي وأبي ذر وغيرهم {إذا يتلى عليهم} يعني القرآن {يخرون للأذقان} قال ابن عباس: أراد بها الوجوه {سجداً} أي يقعون على الوجوه سجداً {ويقولون سبحان ربنا} أي تعظيماً لربنا لإنجازه ما وعد في الكتب المنزلة، من بعثة محمد صلى الله عليه وسلم {إن كان وعد ربنا لمفعولاً} أي كائناً واقعاً {ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً} أي خضوعاً لربهم وقيل يزيدهم القرآن لين قلب، ورطوبة عين فالبكاء مستحب عند قراءة القرآن. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا اجتمع على عبد ي غبار في سبيل الله ودخان جنهم» أخرجه الترمذي والنسائي. وزاد النسائي «في منخري مسلم أبداً» الولوج الدخول والمنخر الأنف عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله يقول: «عينان لا تسمهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله» أخرجه الترمذي.

.تفسير الآيات (110- 111):

{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}
قوله عز وجل: {قل ادعو الله أو ادعوا الرحمن} قال ابن عباس: سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فجعل يقول في سجوده: يا الله يا رحمن فقال أبو جهل: إن محمداً ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين فأنزل الله هذه الآية ومعناه أنهما اسمان لله تعالى فسموه بهذا الاسم أو بهذا الاسم {أيّاً ما تدعوا} ما صلة ومعناه أي هذين الاسمين سميتم وذكرتم، أو من جميع أسمائه {فله الأسماء الحسنى} يعني إذا حسنت أسماؤه كلها فهذان الاسمان منها ومعنى كونها حسنى أنها مشتملة على معاني التقديس، والتعظيم والتمجيد {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها}.
(ق) عن ابن عباس في قوله: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها} قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به فقال الله تبارك وتعالى لنبيه صلى الله عليه سلم: ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم وابتغ بين ذلك سبيلاً زاد في رواية وابتغ بين ذلك سبيلاً أسمعهم، ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن وقيل نزلت الآية في الدعاء وهو قول عائشة والنخعي ومجاهد ومكحول.
(ق) عن عائشة «ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها» قالت: نزل ذلك في الدعاء. وقيل: كان أعراب من بني تميم إذا سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: اللهم ارزقنا مالاً وولداً يجهرون بذلك فأنزل الله عز وجل «ولا تجهر بصلاتك أي لا ترفع صوتك بقراءتك ودعائك ولا تخافت بها» المخافتة خفض الصوت، والسكوت {وابتغ} أي اطلب {بين ذلك سبيلاً} أي طريقاً وسطاً بين الجهر والاخفاء. عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر: «مررت بك وأنت تقرأ القرآن وأنت تخفض من صوتك فقال إني أسمعت من ناجيت فقال ارفع قليلاً وقال لعمر مررت بك، وأنت تقرأ وأنت ترفع من صوتك فقال إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان فقال: أخفض قليلاً» أخرجه الترمذي {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا} أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يحمده على وحدانيته. وقيل: معناه الحمد لله الذي عرفني أنه لم يتخذ ولداً وقيل إن كل من له ولد فهو يمسك جميع النعم لولده وإذا لم يكن له ولد أفاض نعمه على عبيده. وقيل: إن الولد يقوم مقام والده بعد انقضائه والله عز وجل يتعالى عن جميع النقائص فهو المستحق لجميع المحامد {ولم يكن له شريك في الملك} والسبب في اعتبار هذه الصفة أنه لو كان له شريك، لم يكن مستحقاً للحمد والشكر وكذا قوله: {ولم يكن له ولي من الذل} ومعناه أنه لم يذل فيحتاج إلى ناصر يتعزز به {وكبره تكبيراً} أي وعظمه عن أن يكون له ولد أو شريك أو ولي.
وقيل: إذا كان منزهاً عن الولد والشريك والولي كان مستوجباً لجميع أنواع المحامد. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يدعى إلى الجنة يوم القيامة، الذين يحمدون الله في السراء والضراء» عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الحمد لله رأس الشكر ما شكر الله عبد لا يحمده» عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الدعاء الحمد لله وأفضل الذكر لا إله إلا الله» أخرجه الترمذي. وقال حديث حسن غريب عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أحب الكلام إلى الله لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله لا يضرك بأيهن بدأت» أخرجه مسلم. والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.

.سورة الكهف:

.تفسير الآية رقم (1):

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)}
قوله عز وجل: {الحمد لله الذي أنزل على عبد ه الكتاب} أثنى الله سبحانه وتعالى على نفسه بإنعامه على خلقه وعلم عباده كيف يثنون عليه، ويحمدونه على أجزل نعمائه عليهم وهي الإسلام وما أنزل على عبد ه محمد صلى الله عليه وسلم من الكتاب الذي هو سبب نجاتهم وفوزهم خص رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر لأن إنزال القرآن كان نعمة عليه على الخصوص وعلى سائر الناس على العموم {ولم يجعل له عوجاً} أي لم يجعل له شيئاً من العوج قط ولعوج في المعاني، كالعوج في الأعيان والمراد نفي الاختلاف والتناقض عن معاينة وقيل معناه لم يجعله مخلوقاً روي عن ابن عباس في قوله تعالى: {قرآناً عربياً غير ذي عوج} قال غير مخلوق.