فصل: تفسير الآيات (92- 94):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (92- 94):

{ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (92) حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (93) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94)}
قوله عز وجل: {ثم أتبع سبباً حتى إذا بلغ بين السدين} هما هنا جبلان في ناحية الشمال في منقطع أرض الترك حكي أن الواثق بعث بعض من يثق به من أتباعه إليه ليعاينوه، فخرجوا من باب من الأبواب حتى وصلوا إليه وشاهدوه فوصفوا أنه بناء من لبن حديد مشدود بالنحاس المذاب وعليه باب مقفل {وجد من دونهما قوماً} أي أمام السدين قيل هم الترك {لا يكادون يفقهون قولاً} قال ابن عباس: لا يفهمون كلام أحد ولا يفهم الناس كلامهم {قالوا يا ذا القرنين} فإن قلت كيف أثبت لهم القول وهم لا يفهمون. قلت تكلم عنهم مترجم ممن هو مجاورهم ويفهم كلامهم، وقيل معناه لا يكادون يفقهون قولاً إلا بجهد ومشقة من إشارة ونحوها كما يفهم الخرس {إن يأجوج ومأجوج} أصلهما من أجيج النار وهو ضوؤها وشررها شبهوا به لكثرتهم وشدتهم، وهم من أولاد يافت بن نوح والترك منهم قيل إن طائفة منهم خرجت تغير فضرب ذو القرنين السد فبقوا خارجه فسموا الترك لأنهم تركوا خارجين. قال أهل التواريخ: أولاد نوح ثلاثة سام وحام ويافث فسام أبو العرب والعجم والروم وحام أبو الحبشة والزنج والنوبة ويافث أبو الترك والخزر والصقالية ويأجوج ومأجوج قال ابن عباس «هم عشرة أجزاء وولد آدم كلهم جزء» وروى حذيفة مرفوعاً: «أن يأجوج ومأجوج أمة، وكل أمة أربعة آلاف أمة لا يموت الرجل منهم حتى ينظر ألف ذكر من صلبه قد حمل السلاح، وهم من ولد آدم يسيرون إلى خراب الدنيا، وقال هم ثلاثة أصناف صنف منهم أمثال الأرز شجر بالشام طوله عشرون مائة ذراع في السماء، وصنف منهم عرضه بالأخرى وطوله سواء عشرون مائة ذراع وهؤلاء لا يقوم لهم جبل ولا حديد، وصنف منهم يفترش أحدهم أذنه ويلتحق بالأخرى لا يمرون بفيل ولا وحش ولا خنزير إلا أكلوه ومن مات منهم أكلوه، مقدمتهم بالشام وساقتهم بخراسان يشربون أنهار المشرق وبحيرة طبرية».
وعن علي: منهم من طوله شبر، ومنهم من هو مفرط في الطول. وقال كعب: هم نادرة في ولد آدم وذلك أن آدم أحتلم ذات يوم، وامتزجت نطفته بالتراب، فخلق الله من ذلك الماء يأجوج ومأجوج فهم متصلون بنا من جهة الأب دون الأم، وذكر وهب بن منبه أن ذا القرنين كان رجلاً من الروم ابن عجوز. فلما بلغ كان عبد اً صالحاً قال الله سبحانه وتعالى إني باعثك إلى أمم مختلفة ألسنتهم منهم أمتان بينهما طول الأرض إحداهما عند مغرب الشمس. يقال له ناسك، والأخرى عند مطلعها يقال لها منسك وأمتان بينهما عرض الأرض احداهما في القطر الأيمن يقال لها هاويل، والأخرى في قطر الأرض الأيسر يقال لها تأويل، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ويأجوج ومأجوج.
فقال ذو القرنين: بأي قوة أكابدهم وبأي جمع أكاثرهم وبأي لسان أناطقهم؟ فقال الله تعالى إني سأقويك وأبسط لسانك وأشد عضدك فلا يهولنك شيء، وألبسك الهيبة فلا يروعك شيء، وأسخر لك النور والظلمة وأجعلهما من جنودك، فالنور يهديك من أمامك والظلمة تحوطك من ورائك. فانطلق حتى مغرب الشمس، فوجد جمعاً وعدداً لا يحصيهم إلا الله تعالى فكاثرهم بالظلمة حتى جمعهم في مكان واحد، فدعاهم إل الله تعالى وعبادته فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه، فعمد إلى الذين تولوا عنه فأدخل عليهم الظلمة فدخلت أجوافهم وبيوتهم فدخلوا في دعوته، فجند من أهل المغرب جنداً عظيماً وانطلق يقودهم والظلمة تسوقهم، حتى أتى هاويل ففعل فيهم كفعله في ناسك ثم مضى حتى منسك ففعل فيهم كفعله في الأمتين، وجند منهم جنداً عظيماً ثم أخذ ناحية اليسرى فأتى تاويل ففعل بهم كفعله فيما قبلها ثم عمد إلى الأمم التي في وسط الأرض. فلما كان فيما يلي منقطع الترك مما يلي المشرق قالت له أمة صالحة من الإنس: يا ذا القرنين إن بين هذين الجبلين خلقاً أشباه البهائم يفترسون الدواب والوحوش والسباع ويأكلون الحيات والعقارب وكل ذي روح خلق في الأرض، وليس يزداد خلق كزيادتهم فلا شك أنهم يتملكون الأرض ويظهرون عليها ويفسدون فيها فهل نجعل لك خرجاً، على أن تجعل بيننا وبينهم سداً؟ قال: {ما مكَّنيّ فيه ربي خير} وقال أعدو إلى الصخور والحديد والنحاس حتى أعلم علمهم فانطلق حتى توسط بلادهم، فوجدهم على مقدار واحد يبلغ طول الواحد منهم مثل نصف الرجل المربوع منا، لهم مخالب وأضراس كالسباع، ولهم هدب شعر يواري أجسادهم، ويتقون به من الحر والبرد، ولكل واحد منهم أذنان عظيمتان يفترش إحداهما ويلتحف بالأخرى، يصيف في واحدة ويشتي في واحدة يتسافدون تسافد البهائم حيث التقوا فلما عاين ذو القرنين ذلك انصرف إلى مابين الصدفين فقاس ما بينهما وحفر له الأساس حتى بلغ الماء فذلك قوله تعالى: {قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض} قيل فسادهم أنهم كانوا يخرجون أيام الربيع إلى أرضهم فلا يدعون فيها شيئاً أخضر إلا أكلوه ولا يابساً إلا حملوه وأدخلوه أرضهم، فلقوا منهم أذىً شديداً وقيل فسادهم أنهم كانوا يأكلون الناس، وقيل معناه أنهم سيفسدون عن خروجهم {فهل نجعل لك خرجاً} أي جعلاً وأجراً من الأموال {على أن تجعل بيننا وبينهم سداً} أي حاجزاً فلا يصلون إلينا.

.تفسير الآيات (95- 98):

{قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97) قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)}
{قال} لهم ذو القرنين {ما مكني فيه ربي خير} أي ما قواني به ربي خير من جعلكم {فأعينوني} يعني لا أريد منكم المال بل أعينوني بأبدانكم وقوتكم {أجعل بينكم وبينهم ردماً} أي سداً قالوا وما تلك القوة؟ قال فعلة وصناع يحسنون البناء والآله. قالوا وما تلك الآلة؟ قال: {آتوني} أي أعطوني وقيل جيئوني {زبر الحديد} أي قطع الحديد فأتوه بها، وبالحطب فجعل الحطب على الحديد والحديد على الحطب {حتى إذا ساوى بين الصدفين} أي بين طرفي الجبلين {قال انفخوا} يعني في النار {حتى إذا جعله ناراً} أي صار ناراً {قال آتوني أفرغ عليه} أي أصيب عليه {قطراً} أي نحاساً مذاباً فجعلت النار تأكل الحطب وجعل النحاس يسيل مكانه حتى لزم الحديد النحاس قيل إن السد كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء، وقيل إن عرضه خمسون ذراعاً وارتفاعه مائة ذراع وطوله فرسخ، واعلم أن هذا السد معجزة عظيمة ظاهرة لأن الزبرة الكبيرة إذا نفخ عليها حتى صارت كالنار لم يقدر أحد على القرب منها، والنفخ عليها لا يمكن إلا بالقرب منها. فكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين حتى تمكنوا من العمل فيه {فما استطاعوا أن يظهروه} أي يعلو عليه لعلوه وملاسته {وما استطاعوا له نقباً} أي من أسفله لشدته وصلابته {قال} يعني ذو القرنين {هذا} أي السد {رحمة من ربي} أي نعمة من ربي {فإذا جاء وعد ربي} قيل يعني القيامة وقت خروجهم {جعله دكاء} أي أرضاً ملساء وقيل مدكوكاً مستوياً مع الأرض {وكان وعد ربي حقاً}.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وعقد بيده تسعين» قوله: «وعقد بيده تسعين» هو من موضوعات الحساب، وهو أن تجعل رأس أصبعك السبابة في وسط الإبهام من باطنها شبه الحلقة، لكن لا يتبين لها إلا خلل يسير وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «في السد يحفرونه كل يوم حتى إذا كادوا يخرقونه قال بعضهم ارجعوا فستحفرونه غداً قال فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغوا مدتهم وأراد الله تعالى أن يبعثهم على الناس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً، إن شاء الله تعالى، واستثنى قال فيرجعون فيجدونه على هيئته حين تركوه فيخرقونه فيخرجون على الناس فيستقون المياه وتفر منهم الناس»، وفي رواية «تتحصن الناس في حصونهم منهم فيرمون بسهام إلى السماء فترجع مخضبة بالدماء فيقولون قهرنا من في الأرض وعلونا من في السماء فيزدادون قسوة وعتواً، فيبعث الله عليهم نغفاً في رقابهم فيهلكون، فوالذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم شكراً» أخرج الترمذي. وقوله قسوة وعتواً أي غلظة وفظاظة وتكبراً، والنغف دود يكون في أنوف الإبل والغنم وقوله وتشكر يقال شكرت الشاة تشكر شكراً، إذا امتلأ ضرعها لبناً، والمعنى أنها تمتلي أجسامها لحماً وتسمن.
(خ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليحجن البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج».

.تفسير الآيات (99- 105):

{وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99) وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (100) الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا (101) أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (105)}
قوله عز وجل: {وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعض} قيل هذا عند فتح السد، يقول تركنا يأجوج ومأجوج يموج أي يدخل بعضهم في بعض كموج الماء، ويختلط بعضهم في بعض لكثرتهم، وقيل هذا عند قيام الساعة يدخل الخلق بعضهم في بعض لكثرتهم ويختلط إنسهم بجنهم حيارى {ونفخ في الصور} فيه دليل على أن خروج يأجوج ومأجوج من علامات قرب الساعة {فجمعناهم جمعاً} أي في صعيد واحد {وعرضنا} أي أبرزنا {جهنم يومئذ للكافرين عرضاً} ليشاهدوها عياناً {الذين كانت أعينهم في غطاء} أي غشاء وستر {عن ذكري} أي عن الإيمان والقرآن والهدى والبيان وقيل عن رؤية الدلائل وتبصرها {وكانوا لا يستطيعون سمعاً} أي سمع قبول الإيمان والقرآن لغلبة الشقاء عليهم، وقيل معناه لا يستطيعون أن يسمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة عداوتهم له. قوله تعالى: {أفحسب} أي أفظن {الذين كفروا أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء} يعني أرباباً يريد عيسى والملائكة، بل هم لهم أعداء يتبرؤون منهم. وقال ابن عباس: يعني الشياطين أطاعوهم من دون الله، والمعنى أفظن الذين كفروا أن يتخذوا غيري أولياء وإني لا أغضب لنفسي فلا أعاقبهم وقيل معناه أفظنوا أنه ينفعهم أن يتخذوا عبادي من دوني أولياء {إنا أعتدنا} أي هيأنا {جنهم للكافرين نزلاً} أي منزلاً.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي مثواهم وقيل معدة لهم عندنا كالنزل للضيف. قوله تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً} يعني الذين أتعبوا أنفسهم في عمل يرجون به فضلاً ونوالاً فنالوا هلاكاً وبواراً، قال ابن عباس: هم اليهود والنصارى، وقيل هم الرهبان الذي حبسوا أنفسهم في الصوامع وقال علي بن أبي طالب: هم أهل حوراء يعني الخوارج {الذين ضل سعيهم} أي بطل عملهم واجتهادهم {في الحياة الدنيا وهم يحسبون} أي يظنون {أنهم يحسنون صنعاً} أي عملاً ثم وصفهم فقال تعالى: {أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه} يعني أنهم جحدوا دلائل توحيده وقدرته، وكفروا بالبعث والثواب والعقاب، وذلك لأنهم كفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فصاروا كافرين بهذه الأشياء {فحبطت أعمالهم} أي بطلت {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً}. قيل لا تقيم لهم ميزاناً، لأن الميزان إنما توضع لأهل الحسنات والسيئات من الموحدين ليتميزوا مقدار الطاعات ومقدار السيئات. قال أبو سعيد الخدري يأتي أناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم من العظم كجبال تهامة فإذا وزنوها لم تزن شيئاً فذلك قوله تعالى: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} وقيل معناه نزدري بهم فليس لهم عندنا شيئاً ذلك قوله تعالى: {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} وقيل معناه نزدري بهم فليس لهم عندنا حظ ولا قدر ولا وزن.
(ق) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة وقال اقرؤوا إن شئتم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً».

.تفسير الآيات (106- 110):

{ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آَيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا (106) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا (107) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا (108) قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا (109) قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا (110)}
{ذلك} إشارة إلى ما ذكر من حبوط أعمالهم وخسة قدرهم، ثم ابتدأ فقال تعالى: {جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً} يعني سخرية واستهزاء. قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً}. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة» قال كعب: ليس في الجنان جنة أعلى من جنة الفردوس، فيها الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر. وقال قتادة: الفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها وأرفعها. وقيل: الفردوس هو البستان الذي فيه الأعناب. وقيل: هي الجنة الملتفة بالأشجار التي تنبت ضروباً من النبات. وقيل: الفردوس البستان بالرومية. وقيل: بلسان الحبش منقولاً إلى العربية نزولاً هو ما يهيأ للنازل على معنى كانت لهم ثمار جنات الفردوس ونعيمها نزلاً. وقيل في معنى كانت لهم أي في علم الله تعالى قبل أن يخلقوا {خالدين فيها لا يبغون} أي لا يطلبون {عنها حولاً} أي تحولاً إلى غيرها، قال ابن عباس: لا يريدون أن يتحولوا عنها، كما ينتقل الرجل من دار إذا لم توافقه إلى دار أخرى.
قوله تعالى: {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي} قال ابن عباس: قالت اليهود يا محمد تزعم أننا قد أوتينا الحكمة وفي كتابك {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً} ثم تقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، فأنزل الله تعالى وقيل لما نزل {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً} قالت اليهود أوتينا علم التوراة وفيها علم كل شيء.
فأنزل الله تعالى: {قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي} ما يستمده الكتاب ويكتب به، وأصله من الزيادة قال مجاهد: لو كان البحر مداداً للقلم يكتب قيل والخلائق يكتبون {لنفد البحر} أي لنفد ماؤه {قبل أن تنفد كلمات ربي} أي علمه وحكمه {ولو جئنا بمثله مداداً} والمعنى ولو كان الخلائق يكتبون والبحر يمدهم فني ماء البحر ولم تفن كلمات ربي، ولو جئنا بمثل ماء البحر في كثرته مدداً وزيادة. قوله تعالى: {قل إنما أنا بشر مثلكم} قال ابن عباس: علم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم التواضع لئلا يزهى على خلقه، فأمره أن يقرأ فيقول آنا آدمي مثلكم إلا أني خصصت بالوحي وأكرمني الله به وهو قوله تعالى: {يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد} لا شريك له في ملكه {فمن كان يرجو لقاء ربه} أي يخاف المصير إليه وقيل يؤمل رؤية ربه {فليعمل عملاً صالحاً} أي من حصل له رجاء لقاء الله تعالى والمصير إليه فليستعمل نفسه في العمل الصالح {ولا يشرك بعبادة ربه أحداً} أي لا يرائي بعمله ولما كان العمل الصالح قد يراد به وجه الله سبحانه وتعالى وقد يراد به الرياء والسمعة اعتبر فيه قيدان، أحدهما: يراد به سبحانه وتعالى والثاني: أن يكون مبرأ من جهات الشرك جميعها.
(ق) عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به» قوله: «من سمع سمع الله به» أي من عمل عملاً مراآة للناس يشتهر بذلك شهرة الله يوم القيامة، وقيل: سمع الله به أي أسمعه المكروه.
(م) عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تبارك وتعالى يقول: أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملاً أشرك فيه غيري تركته وشركه ولغير مسلم فأنا منه بريء هو والذي عمله» عن سعيد بن أبي فضالة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا جمع الناس ليوم لا ريب فيه نادى منادٍ من كان يشرك في عمل عمله لله أحداً فليطلب ثوابه منه فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك» أخرجه الترمذي. وقال حديث غريب وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر؟ قالوا وما الشرك الأصغر قال: الرياء».
(م) عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال» وفي رواية: «من آخرها» والله أعلم بمراده وأسراره كتابه.