فصل: تفسير الآيات (15- 23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (15- 23):

{إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15) فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16) وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آَيَةً أُخْرَى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى (23)}
{إن الساعة آتية أكاد أخفيها} قال أكثر المفسرين: معناه أكاد أخفيها من نفسي فكيف يعلمها مخلوق وكيف أظهرها لكم، ذكر ذلك على عادة العرب إذا بالغوا في الكتمان للشيء يقولون كتمت سرك في نفسي أي أخفيته غاية الإخفاء، والله تعالى لا يخفى عليه شيء. والمعنى في إخفائها التهويل والتخويف لأنهم إذا لم يعلموا متى تقوم الساعة كانوا على حذر منها كل وقت وكذلك المعنى في إخفاء وقت الموت على الإنسان لأنه إذا عرف وقت موته وانقضاء أجله اشتغل بالمعاصي إلى أن يقرب من ذلك الوقت فيتوب ويصلح العمل فيتخلص من عقاب المعاصي بتعريف وقت الموت، وأنه إذا لم يعرف وقت موته لا يزال على قدم الخوف والوجل فيترك المعاصي أو يتوب منها في كل وقت مخافة معاجلة الأجل.
قوله تعالى: {لتجزى كل نفس بما تسعى} أي بما تعمل من خير وشر {فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها} أي فلا يصرفك عن الإيمان بالساعة ومجيئها من لا يؤمن بها {واتبع هواه} أي مراده وخالف أمر الله {فتردى} أي فتهلك. قوله عز وجل: {وما تلك بيمينك يا موسى} سؤال تقرير والحكمة فيه تنبيه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنها معجزة عظيمة {قال هي عصاي} قيل كان لها شعبتان وفي أسفلها سنان ولها محجن واسمها نبعة {أتوكأ عليها} أي أعتمد عليها إذا مشيت وإذا عييت وعند الوثبة {وأهش بها على غنمي} أي أضرب بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم {ولي فيها مآرب أخرى} أي حاجة ومنافع أخرى، وأراد بالمآرب ما كان يستعمل فيه العصا في السفر فكان يحمل بها الزاد ويشد بها الحبل ويستقي بها الماء من البئر ويقتل بها الحيات ويحارب بها السباع ويستظل بها إذا قعد وروي عن ابن عباس أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه فجعلت تماشيه وتحدثه، وكان يضرب بها الأرض فيخرج له ما يأكل يومه، ويركزها فيخرج الماء فإذا رفعها ذهب الماء وكان إذا اشتهى ثمرة ركزها فتصير غصن تلك الشجرة وتورق وتثمر، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كدلو حتى يستقي وكانت تضيء بالليل كالسراج وإذا ظهر له عدو كانت تحارب وتناضل عنه {قال} الله تعالى {ألقها يا موسى} أي انبذها واطرحها.
قال وهب: ظن موسى أنه يقول ارفضها {فألقاها} أي فطرحها على وجه الرفض ثم حانت منه نظرة {فإذا هي حية} صفراء من أعظم ما يكون من الحيات {تسعى} أي تمشي بسرعة على بطنها وقال في موضع آخر كأنها جان، وهي الحية الصغيرة الجسم الخفيفة وقال في موضع آخر ثعبان وهو أكبر ما يكون من الحيات ووجه الجمع أن الحية اسم جامع للكبير والصغير والذكر والأنثى فالجان عبارة عن ابتداء حالها فإنها كانت حية على قدر العصا، ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعباناً وهو انتهاء حالها، وقيل إنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان، قال محمد بن إسحاق: نظر موسى فإذا العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات، وصارت شعبتاها شدقين لها، والمحجن عنقاً وعرفاً يهتز كالنيازك، وعيناها تتقدان كالنار تمر بالصخرة العظيمة مثل الخفة من الإبل، فتلقمها وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها ويسمع لأنيابها صريفاً عظيماً، فلما عاين ذلك موسى ولّى مدبراً وهرب، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه ثم نودي موسى أقبل وارجع حيث كنت، فرجع وهو شديد الخوف {قال خذها} يعني بيمينك {ولا تخف} قيل كان خوفه لما عرف ما لقي آدم من الحية، وقيل لما قال له ربه لا تخف بلغ من طمأنينة نفسه وذهاب الخوف عنه أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها {سنعيدها سيرتها الأولى} أي إلى هيئتها فنردها عصاً كما كانت، وقيل كان على موسى مدرعة صوف قد خللها بعود فلما قال الله تعالى خذها لف طرف المدرعة على يده فأمره الله تعالى أن يكشف يده فكشفها.
وذكر بعضهم أنه لما لف كم المدرعة على يده قال له ملك أرأيت لو أمر الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك شيئاً؟ قال: لا ولكني ضعيف من ضعف خلقت. قال فكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا هي عصا كما كانت ويده في شعبتيها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ.
قال المفسرون: أراد الله تعالى أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق ولئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون قوله تعالى: {واضمم يدك إلى جناحك} يعني إلى إبطك وقيل تحت عضدك {تخرج بيضاء} يعني نيرة مشرقة {من غير سوء} يعني من غير عيب والسوء ها هنا بمعنى البرص قال ابن عباس: كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر {آية أخرى} أي دلالة أخر على صدقك سوى العصا {لنريك من آياتنا الكبرى} قال ابن عباس: كانت يد موسى أكبر آياته.

.تفسير الآيات (24- 40):

{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37) إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40)}
قوله عز وجل: {أذهب إلى فرعون إنه طغى} يعني جاوز الحد في العصيان والتمرد وإنما خص فرعون بالذكر مع أن موسى كان معبوثاً إلى الكل لأنه ادعى الإلهية وتكبر متبوعاً فكان ذكره الأولى قال وهب: قال الله تعالى لموسى اسمع كلامي واحفظ وصيتي وانطلق برسالتي وإنك بعيني وسمعي وإن معك يدي وبصري وإني ألبسك حلة من سلطاني تستكمل بها القوة في أمري بعثتك بعزتي لولا الحجة التي وضعت بيني وبين خلقي لبطشت به بطشة جبار ولكن هان علي وسقط من عيني فبلغه رسالتي وادعه إلى عبادتي وحذره نقمتي {وقولا له قولاً ليناً} لا يغتر بلباس الدنيا فإن ناصيته بيدي ولا يتنفس إلا بعلمي قال فسكت موسى فجاء ملك وقال له أجب ربك {قال}. يعني موسى {رب اشرح لي صدري} يعني وسعه للحق، قال ابن عباس: يريد حتى لا أخاف غيرك، وذلك أن موسى كان يخاف فرعون خوفاً شديداً لشدة شوكته وكثرة جنوده، فكان يضيق بما كلف من مقاومة فرعون وحده، فسأل الله تعالى أن يوسع قلبه للحق حتى يعلم أن أحداً لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله تعالى، وإذ علم ذلك لم يخف من فرعون وشدة شوكته وكثرة جنوده {ويسر لي أمري} أي سهل علي ما أمرتني به من تبليغ الرسالة إلى فرعون {واحلل عقدة من لساني} وذلك أن موسى كان في حجرة فرعون ذات يوم في صغره فلطم فرعون لطمة وأخذ بلحيته، فقال فرعون لامرأته آسية إن هذا عدوي وأراد أن يقتله، فقالت له آسية إنه صبي لا يعقل، وقيل إن أم موسى لما فطمته ردته إلى فرعون فنشأ في حجره وحجر أمراته يربيانه واتخذاه ولداً، فبينما هو يلعب بين يدي فرعون وبيده قضيب إذ رفعه فضرب به رأس فرعون فغضب فرعون وتطير منه حتى همَّ بقتله، فقالت آسية: أيها الملك إنه صبي لا يعقل جربه إن شئت، فجاءت بطشتين في أحدهما جمر وفي الآخر جوهر فوضعها بين يدي موسى، فاراد أن يأخذ الجوهر فأخذ جبريل يد موسى فوضعها على الجمر فأخذ جمرة فوضعها في فيه فاحترق لسانه وصارت فيه عقدة {يفقهوا قولي} يعني احلل العقدة كي يفهموا قولي {واجعل لي وزيراً من أهلي} يعني معيناً وظهيراً، والوزير من يوازرك ويحتمل عنك بعض ثقل عملك ثم بين من هو فقال {هارون أخي} وكان هارون أكبر من موسى وأفصح لساناً وأجمل وأوسم وكان أبيض اللون وكان موسى آدم أقنى جعداً {اشدد به أزري} يعني قو به ظهري {وأشركه في أمري} يعني في أمر النبوة وتبليغ الرسالة {كي نسبحك كثيراً} يعني نصلي كثيراً {ونذكرك كثيراً} يعني نحمدك ونثني عليك بما أوليتنا من جميل نعمك {إنك كنت بنا بصيراً} يعني خبيراً عليماً {قال} الله تعالى {قد أوتيت سؤلك يا موسى} أي أعطيت جميع ما سألته {ولقد مننا عليك مرة أخرى} يعني قيل هذه المرة بين تلك المنة بقوله تعالى: {إذ أوحينا إلى أمك ما يوحى} يعني ما يلهم ثم فسر ذلك الإلهام وعدد نعمه عليه فقال {أن اقذفيه في التابوت} يعني ألهمناها أن اجعليه في التابوت {فاقذفيه في اليم} يعني نهر النيل {فليلقه اليم بالساحل} يعني شاطئ البحر {يأخذه عدو لي وعدو له} يعني فرعون.
فأخذت تابوتاً وجعلت فيه قطناً ووضعت فيه موسى وقيرت رأسه وشقوقه ثم ألقته في النيل. وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون. فبينما فرعون جالس على البركة مع امرأته آسية، إذ هو بتابوت يجيء به الماء فأمر الغلمان والجواري بإخراجه، فأخرجوه وفتحوا رأسه فإذا بصبي من أصبح الناس وجهاً، فلما رآه فرعون أحبه بحيث لم يتمالك نفسه وعقله فذلك قوله تعالى: {وألقيت عليك محبة مني} قال ابن عباس: أحبه وحببه إلى خلقه، قيل ما رآه أحد إلا أحبه لملاحة كانت في عيني موسى {ولتصنع على عيني} لتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك مراقبك كما يراعي الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به ونظر إليه {إذ تمشي أختك} واسمها مريم متعرفة خبره {فتقول هل أدلكم على من يكفله} أي على امرأة ترضعه وتضمه إليها، وذلك أنه كان لا يقبل ثدي امرأة فلما قالت لهم أخته ذلك قالوا نعم. فجاءت بالأم فقبل ثديها فذلك قوله تعالى: {فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها} أي بلقائك ورؤيتك {ولا تحزن} أي وليذهب عنها الحزن {وقتلت نفساً}.
قال ابن عباس: كان قتل قبطياً كافراً قيل كان عمره إذ ذاك اثنتي عشر سنة {فنجيناك من الغم} أي من غم القتل وكربه {وفتناك فتوناً} قال ابن عباس: اختبرناك اختباراً وقيل ابتليناك ابتلاء، قال ابن عباس: الفتون وقوعه في محنة بعد محنة وخلصه الله تعالى، منها أولها أن أمه حملته في السنة التي كان فرعون يذبح فيها الأطفال، ثم إلقاؤه في البحر في التابوت، ثم منعه من الرضاع إلا من ثدي أمه، ثم أخذه بلحية فرعون حتى هم قتله، ثم ناوله الجمرة بدل الجوهرة، ثم قتله القبطي وخروجه إلى مدين خائفاً {فلبثت} أي مكثت {سنين في أهل مدين} هي بلدة شعيب على ثمان مراحل من مصر، هرب إليها موسى قال وهب: لبث موسى عند شعيب. ثمانياً وعشرين سنة عشر سنين منها يرعى الغنم مهر زوجته صفوراء ابنة شعيب وثمان عشرة سنة أقام عنده بعد ذلك حتى ولد له وخرج من مصر ابن اثنتي عشرة سنة هارباً {ثم جئت على قدر يا موسى} أي جئت على القدر الذي قدرت أن تجيء فيه. قيل على رأس أربعين سنة وهو القدر الذي يوحى إلى الأنبياء فيه.

.تفسير الآيات (41- 48):

{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى (45) قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (46) فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (47) إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (48)}
{واصطنعتك لنفسي} اخترتك واصطفيتك لوحيي ورسالتي لتتصرف على إرادتي ومحبتي. وذلك أن قيامه بأداء الرسالة تصرف على إرادة الله ومحبته. وقيل معناه اخترتك لأمري وجعلتك القائم بحجتي والمخاطب بيني وبين خلقي كأني الذي أقمت عليهم الحجة وخاطبتهم {اذهب أنت وأخوك بآياتي} أي بدلائلي. قال ابن عباس: يعني الآيات التسع الذي بعث بها موسى عليه السلام {ولا تنياً} أي لا تضعفا وقيل لا تفتراً ولا تقصراً {في ذكري} أي لا تقصراً في ذكري بالإحسان إليكما والإنعام عليكما ومن ذكر النعمة شكرها {اذهبا إلى فرعون إنه طغى فقولا له قولاً ليناً} أي دارياه وارفقا به. قال ابن عباس: لا تعنفا في قولكما، وقيل كنياه فقولا له يا أبا العباس وقيل يا أبا الوليد وقيل أراد بالقول اللين قوله: {هل لك إلى أن تزكى} وقيل الآية إنما أمرهما باللطافة لما له من حق تربية موسى، وقيل عداه على قبول الإيمان شباباً لا يهرم وملكاً لا ينزع منه إلا بالموت وتبقى عليه لذة المطعم والمشرب والمنكح إلى حين موته، وإذا مات دخل الجنة فلما أتاه موسى ووعده بذلك أعجبه وكان لا يقطع أمراً دون هامان وكان غائباً فلما قدم أخبره بالذي دعاه إليه موسى وقال أردت أن أقبل منه فقال له هامان كنت أرى أن لك عقلاً ورأياً، أنت رب تريد أن تكون مربوباً، وأنت تعبد تريد أن تعبد، فقال فرعون صواب ما قلت فغلبه على رأيه.
وكان هارون بمصر فأمر الله موسى أن يأتي هارون وأوحى الله إلى هارون وهو بمصر أن يتلقى موسى فتلقاه إلى مرحلة وأخبره بما أوحي إليه. وقوله تعالى: {لعله يتذكر أو يخشى} أي يتعظ ويخاف ويسلم فإن قلت كيف قال لعله يتذكر وقد سبق في علمه أنه لا يتذكر ولا يسلم. قلت معناه اذهبا على رجاء منكما وطمع وقضاء الله وراء أمركما، وقيل هو إلزام الحجة وقطع المعذرة كقوله تعالى: {ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك} وقيل هو ينصرف إلى غير فرعون مجازه لعله يتذكر متذكراً ويخشى خاش إذا رأى بري وإلطافي بمن خلقته وأنعمت عليه ثم ادعى الربوبية، وقيل لعل من الله واجب ولقد تذكر فرعون وخشي حين لم تنفعه الذكرى والخشية وذلك حين ألجمه الغرق وقرأ رجل عند يحيى بن معاذ الرازي {فقولا له قولاً ليناً} الآية فبكى يحيى وقال إلهي هذا رفقك بمن يقول أنا الإله فيكف رفقك بمن يقول أنت الإله {قالا} يعني موسى وهارون {ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا}.
قال ابن عباس: يعجل علينا بالقتل والعقوبة {أو أن يطغى} أي يجاوز الحد في الإساءة إلينا {قال} الله تعالى {لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى} قال ابن عباس: أسمع دعاءكما فأجيبه وأرى ما يراد بكما فأمنع لست بغافل عنكما فلا تهتما {فأتياه فقولا إنا رسولا ربك} أي أرسلنا إليك ربك {فأرسل معنا بني إسرائيل} أي خل عنهم وأطلقهم من أعمالك {ولا تعذبهم} أي لا تتعبهم في العمل، وكان فرعون يستعملهم في الأعمال الشاقة كالبناء وقطع الصخور مع قتل الولدان وغير ذلك {قد جئناك بآية من ربك} قال فرعون وما هي فأخرج موسى يده لها شعاع كشعاع الشمس، وقيل معناه قد جئناك بمعجزة وبرهان يدل على صدقنا على ما ادعيناه من الرسالة {والسلام على من اتبع الهدى} ليس المراد منه سلام التحية بل إنما معناه سلم من العذاب من أسلم {إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى} أي إنما يعذب الله من كذب بما جئنا به وأعرض عنه.