فصل: تفسير الآيات (12- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (12- 21):

{لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15) وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمَ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (20) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)}
قوله عزّ وجلّ: {لولا إذ سمعتموه} يعني الحديث الكذب وهو قول أهل الإفك {ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم} بأخوانهم وأهل دينهم {خيراً} والمعنى كان الواجب على المؤمنين إذ سمعوا قول أهل الإفك أن يكذبوه ويحسنوا الظن ولا يسرعوا في التهمة وقول الزور فيمن عرفوا عفته وطهارته وفيه معاتبة للمؤمنين {وقالوا هذا إفك مبين} يعني كذب بين لا حقيقة له {لولا} يعني هلا {جاؤوا عليه} يعني على ما زعموا {بأربعة شهداء} يعني يشهدون بذلك {فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله} يعني في حكم الله {هم الكاذبون} وهذا من باب الزواجر. فإن قلت كيف يصيرون عن الله كاذبين إذا لم يأتوا بالشهداء ومن كذب فهو عند الله كاذب سواء أتى بالشهداء أو لم يأت. قلت قيل هذا في حق الذين رموا عائشة خاصة معناه فأولئك هم الكاذبون في غيبي. وعلمي وقيل معناه فأولئك عند الله في حكم الكاذبين فإن الكاذب يجب زجره عن الكذب والقاذف إذا لم يأت بالشهود يجب زجره. قوله تعالى: {لولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم} معناه لولا أني قضيت أن أتفضل عليكم في الدنيا بضروب النعم التي من جملتها الإمهال للتوبة وأن أترحم عليكم في الآخرة بالعفو والمغفرة لعاجلتكم بالعقاب على ما خضتم به من حديث الإفك والخطاب للقذفة وهذا الفضل هو تأخير العذاب وقبول التوبة ممن تاب {إذ تلقونه بألسنتكم} أي يرويه بعضكم عن بعض وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا وكذا فيتلقونه تلقياً يلقيه بعضهم إلى بعض {وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم} أي من غير أن تعلموا أنه حق {وتحسبوه هيناً} أي وتظنون أنه سهل لا إثم فيه {وهو عند الله عظيم} أي في الزور {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك} قيل هو للتعجب وقيل هو للتنزيه {هذا بهتان عظيم} أي كذب عظيم يبهت ويحير منه عظمه. روي أن أم أيوب الأنصاري قالت لأبي أيوب الأنصاري: ما بلغك ما يقول الناس في عائشة فقال: سبحانك هذا بهتان عظيم فنزلت الآية على وفق قوله: {يعظكم الله} قال ابن عباس يحرم الله عليكم وقيل ينهاكم الله {أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين ويبين الله لكم الآيات} أي في الأمر والنهي {والله عليم} أي بأمر عائشة وصفوان {حكيم} أي حكم ببراءتهما. قوله عز وجل: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة} أي يظهر الزنا ويذيع {في الذين آمنوا} قيل الآية مخصوصة بمن قذف عائشة والمراد بالذين آمنوا جميع المؤمنين {لهم عذاب أليم في الدنيا} يعني الحد والذم على فعله {والآخرة} أي وفي الآخرة لهم النار {والله يعلم} أي كذبهم وبراءة عائشة وما خاضوا فيه من سخط الله {وأنتم لا تعلمون} وقيل معناه يعلم ما في قلب من يحب أن تشيع الفاحشة فيجازيه على ذلك وأنتم لا تعلمون ذلك {ولولا فضل الله عليكم ورحمته} يعني لولا إنعامه عليكم لعاجلكم بالعقوبة قال ابن عباس يريد مسطحاً وحسان بن ثابت وحمنة {وأن الله رؤوف رحيم}.
قوله تعالى:
{يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان} يعني آثاره ومسالكه {ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر} يعني بالقبائح من الأقوال والأفعال وكل ما يكره الله عزّ وجلّ والآية عامة في حق كل أحد لأن كل مكلف ممنوع من ذلك {ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبداً} يعني ما طهر ولا صلح والآية عند بعض المفسرين على العموم قالوا أخبر الله تعالى أنه لولا فضله ورحمته بالعصمة ما صلح منكم أحد وقيل الخطاب للذين خاضوا في الإفك ومعناه ما طهر من هذا الذنب ولا صلح أمره بعد الذي فعل. وهذا قول ابن عباس قال معناه ما قبل توبة أحد منكم أبداً {ولكن الله يزكي} يعني يظهر {من يشاء} من الذنب بالرحمة والمغفرة {والله سميع} يعني لأقوالكم {عليم} يعني بما في قولكم.

.تفسير الآيات (22- 26):

{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25) الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26)}
قوله: {ولا يأتل} يعني ولا يحلف من الألية وهي القسم {أولوا الفضل منكم والسعة} يعني الغنى يعني أبا بكر الصديق {أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله} يعني مسطحاً وكان مسكيناً مهاجراً بدرياً ابن خالة أبي بكر الصديق حلف أبو بكر أن لا ينفق عليه فأنزل الله هذه الآية: {وليعفوا وليصفحوا} يعني عن خوض مسطح في أمر عائشة {ألا تحبون} يخاطب أبا بكر {أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم} فلما قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر قال بل أنا أحب أن يغفر الله لي ورجع إلى مسطح بنفقته التي كان ينفق عليه وقال والله لا أنزعها عنه أبداً. وفي الآية أدلة على فضل أبي بكر الصديق لأن الفضل المذكور في الآية ذكره تعالى في معرض المدح وذكره بلفظ الجمع في قوله أولوا الفضل وقوله ألا تحبون أن يغفر الله لكم وهذا يدل على علو شأنه ومرتبته منها أنه احتمل الأذى من ذوي القربى ورجع عليه بما كان ينفقه عليه وهذا من أشد الجهاد لأنه جهاد النفس. ومنها أنه تعالى قال في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم {فاعف عنهم واصفح} وقال في حق أبي بكر: {وليعفوا وليصفحوا} فدل أن أبا بكر كان ثاني اثنين لرسول الله صلى الله عليه سلم في جميع الأخلاق. وفي الآية دليل على أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير ويكفّر عن يمينه ومنه الحديث الصحيح «من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه» قوله تعالى: {إن الذين يرمون المحصنات} يعني العفائف {الغافلات} يعني عن الفواحش والغافلة، عن الفاحشة هي التي لا يقع في قلبها فعل الفاحشة وكذلك كانت عائشة رضي الله عنها {المؤمنات} وصفها بالمؤمنات لعلو شأنها {لعنوا} يعني عذبوا {في الدنيا} بالحد {والآخرة} يعني وفي الآخرة بالنار {ولهم عذاب عظيم} وهذا في حق عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق، وروي عن حصيف قال قلت لسعيد بن جبير من قذف مؤمنة يلعنه الله في الدنيا والآخرة قال ذاك لعائشة وأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة دون سائر المؤمنات ليس في ذلك توبة ومن قذف امرأة مؤمنة فقد جعل الله له توبة ثم قرأ: {والذين يرمون المحصنات} إلى قوله تابوا فجعل لهؤلاء توبة ولم يجعل لأولئك توبة وقيل بل لهم توبة أيضاً للآية: {يوم تشهد عليهم ألسنتهم} هذا قبل أن يختم على أفواههم {وأيديهم وأرجلهم} يروي أنه يختم على الأفواه فتتكلم الأيدي والأرجل بما عملت في الدنيا وهو قوله: {بما كانوا يعملون يومئذٍ يوفيهم الله دينهم الحق} يعني جزاءهم الواجب وقيل حسابهم العدل {ويعلمون أن الله هو الحق المبين} يعني الموجود الظاهر الذي بقدرته وجود كل شيء وقيل معناه يبين لهم حقيقة ما كان يعدهم في الدنيا وقال ابن عباس وذلك أن عبد الله بن أبي ابن سلول كان يشك في الدين فيعلم يوم القيامة أن الله هو الحق المبين.
قوله عز وجل: {الخبيثات للخبيثين} قال أكثر المفسرين معنى الخبيثات الكلمات والقول للخبيثين من الناس ومثله {والخبيثون} أي من الناس {للخبيثات} من القول {والطيبات} أي من القول ومعنى الآية أن الخبيث من القول لا يليق إلا بالخبيث من الناس. والطيب من القول لا يليق إلا بالطيب من الناس وعائشة لا يليق بها. الخبيث من القول لأنها طيبة فيضاف إليها طيب القول من الثناء والمدح وما يليق بها وقيل معناه لا يتكلم بالخبيث إلى الخبيث من الرجال والنساء وهذا ذم للذين قذفوا عائشة ولا يتكلم بالطيب من القول إلا الطيب من الرجال والنساء. وهذا مدح للذين يرونها بالطاهر والمدح لها وقيل معنى الآية الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال والخبيثون من الرجال للخبيثات من النساء أمثال عبد الله بن أبي المنافق والشاكين في الدين والطيبات من النساء {للطيبين والطيبون للطيبات} يريد عائشة طيبها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم {أولئك مبرؤون} يعني عائشة وصفوان ذكرهما الله بلفظ الجمع منزهون {مما يقولون} يعني أصحاب الإفك {لهم مغفرة} أي عفو لذنوبهم {ورزق كريم} يعني الجنة روي أنّ عائشة كانت تفتخر بأشياء أعطيتها لم تعطها امرأة غيرها منها أن جبريل عليه السلام أتى بصورتها في سرفة حرير وقال هذه: زوجتك.
وروي أنه أتى بصورتها في راحته. ومنها أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً غيرها وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرها وفي يومها ودفن في بيتها وكان ينزل عليه الوحي وهي معه في اللحاف ونزلت براءتها من السماء وأنها ابنة الصديق وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلقت طيبة ووعدت مغفرة ورزقاً كريماً. وكان مسروق إذا حدث عن عائشة يقول حدثتني الصديقة بنت الصدّيق حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم المبرأة من السماء.

.تفسير الآيات (27- 30):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)}
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا} أي تستأذنوا وكان ابن عباس يقرأ حتى تستأذنوا ويقال تستأنسوا خطأ من الكاتب ونفي هذه الرواية نظر لأن القرآن ثبت بالتواتر والاستئناس في اللغة الاستئذان. وقيل الاستئناس طلب الإنس وهو أن ينظر هل في البيت إنسان فيؤذنه إني داخل وقيل هو من آنست أي أبصرت وقيل هو أن يتكلم بتسبيحة أو يتنحنح حتى يعرف أهل البيت {وتسلموا على أهلها} بيان حكم الآية أنه لا يدخل بيت الغير إلا بعد الاستئذان والسلام. واختلفوا في أيهما يقدم فقيل يقدم الاستئذان فيقول أدخل سلام عليكم كما في الآية من تقديم الاستئذان قبل السلام. وقال الأكثرون يقدم السلام فيقول سلام عليكم أأدخل وتقدير حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا وكذا هو في مصحف ابن مسعود وروي عن كند بن حنبل قال: دخلت على النبيّ صلى الله عليه وسلم: ولم أسلّم ولم أستأذن فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ارجع فقل السلام عليكم أأدخل» أخرجه أبو داود والترمذي وعن ربعي بن حراش قال: جاء رجل من بني عامر فاستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في البيت فقال ألج فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: «اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له قل السلام عليكم أأدخل فسمع الرجل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال السلام عليكم أأدخل فأذن له رسول الله صلى الله عليه سلم» أخرجه أبو داود.
(ق) عن أبي سعيد وأبيّ ابن كعب عن أبي موسى قال أبو سعيد: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت قال ما منعك قلت استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع» قال والله لتقيمن عليه بينة أمنكم أحد سمعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم قال أبي بن كعب: فوالله لا يقوم معك إلا أصغر القوم فكنت أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمر أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك.
قال الحسن الأول إعلام والثاني مؤآمرة والثالث استئذان بالرجوع عن عبد الله بن بسر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر ويقول السلام عليكم السلام عليكم» وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذٍ ستور أخرجه أبو داود وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فإن ذلك له إذن» أخرجه أبو داود وقيل إذا وقع بصره على إنسان قدم السلام وإلاّ قدم الاستئذان ثم يسلم. وقال أبو موسى الأشعري وحذيفة يستأذن على ذوات المحارم يدل عليه ما روي عن عطاء بن يسار أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: استأذن على أمي؟ قال: «نعم فقال الرجل إني معها في البيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها، فقال الرجل: إني خادمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها» أخرجه مالك في المؤطأ مرسلاً وقوله تعالى: {ذلكم خير لكم} أي فعل الاستئذان خير لكم وأولى بكم من التهجم بغير إذن {لعلكم تذكرون} أي هذه الآداب فتعملوا بها. قوله عز وجل: {فإن لم تجدوا فيها} أي البيوت {أحداً} أي يأذن لكم في دخولها {فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم} أي في الدخول {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا} يعني إذا كان في البيت قوم وكرهوا دخول الداخل عليهم فقالوا ارجع فليرجع ولا يقف على الباب ملازماً {هو أزكى لكم} أي الرجوع هو أطهر وأصلح لكم فإنّ للناس أحوالاً وحاجات يكرهون الدخول عليهم في تلك الأحوال وإذا حضر إلى الباب فلم يستأذن وقعد على الباب منتظراً جاز. كان ابن عباس يأتي دون الأنصار لطلب الحديث فيقعد على الباب ولا يستأذن حتى يخرج إليه الرجل فإذا خرج ورآه قال يا ابن عم رسول الله لو أخبرتني بمكانك فيقول هكذا أمرنا أن نطلب العلم. وإذا وقف على الباب فلا ينظر من شقه إذا كان الباب مردوداً.
(ق) عن سهل بن سعد قال اطلع رجل من جحر في باب النبيّ صلى الله عليه وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم مدرى يرجل وفي رواية يحك به رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو علمت أنك تنظر لطعنت به في عينك إنما جعل الإذن من أجل البصر».
(ق) عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه» وفي رواية النسائي قال: «لو أن أمرأً أطلع عليك بغير إذن فحذفته ففقأت عينه ما كان عليك حرج» وقال مرة أخرى جناح {والله بما تعملون عليم} يعني من الدخول بالإذن ولما نزلت آية الاستئذان قالوا كيف بالبيوت التي بين مكة والمدينة والشام على ظهر الطريق ليس فيها ساكن فأنزل الله تعالى: {ليس عليكم جناح} يعني إثم {أن تدخلوا بيوتاً غير مسكونة} يعني بغير استئذان {فيها متاع لكم} يعني منفعة لكم قيل إن هذه البيوت في الخانات والمنازل المبينة للسابلة ليأووا إليها ويؤوا أمتعتهم فيها فيجوز دخولها بغير استئذان ولمنفعة النزول بها واتقاء الحر والبرد وإيواء الأمتعة بها.
وقيل بيوت التجار وحوانيتهم في الأسواق يدخلها للبيع والشراء وهو منفعتها فليس فيها استئذان. وقيل هي جميع البيوت التي لا ساكن فيها لأن الاستئذان إنما جعل لئلا يطلع على عورة فإن لم يخف ذلك جاز له الدخول بغير استئذان {والله يعلم ما تبدون وما تكتمون} قوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} يعني عما لا يحل النظر إليه قيل معناه يغضوا أبصارهم. وقيل من هنا للتعبيض لأنه لا يجب الغض عما يحل إليه النظر وإنما أمروا أن يغضوا عما لا يحل النظر إليه.
(م) عن جرير قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظرة الفجأة قال: «اصرف بصرك» عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليس لك الثانية» أخرجه أبو داود والترمذي.
(م) عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لاينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد» وقوله تعالى: {ويحفظوا فروجهم} يعني عما لا يحل. قال أبو العالية كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو عن الزنا إلا في هذا الموضع فإن أراد به الاستتار حتى لا يقع بصر الغير عليه. فإن قلت كيف أدخل من على غض البصر دون حفظ الفرج. قلت فيه دلالة على أن أمر النظر أوسع ألا ترى أن المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهن وثديهن وأعضادن وأقدامهن وكذلك الجواري المستعرضات في البيع والأجنبية يجوز النظر إلى وجهها وكفيها للحاجة إلى ذلك وأما أمر الفروج فمضيق وكفاك أن أبيح النظر إلاّ ما استثنى منه وحظر الجماع إلا ما استثنى منه. فإن قلت كيف قدم غض البصر على حفظ الفرج. قلت لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه أشد ولا يكاد أحد يقدر على الاحتراس منه {ذلك أزكى لهم} يعني غض البصر وحفظ الفرج {إنّ الله خبير بما يصنعون} يعني أنه خبير بأحوالهم وأفعالهم وكيف يجيلون أبصارهم وكيف يصنعون بسائر حواسهم وجوارحهم.