فصل: تفسير الآية رقم (31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآية رقم (31):

{وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}
قوله عزّ وجلّ: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} يعني عما لا يحل لهن. روي عن أم سلمى قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة بنت الحارث إذ أقبل ابن أم مكتوم فدخل عليه وذلك بعد ما أمرنا بالحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احتجبا منه فقلنا: يا رسول الله أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه» أخرجه الترمذي وأبو داود. قوله تعالى: {ولا يبدين} يعني لا يظهرن {زينتهن} يعني لغير المحرم وأراد بالزينة الخفية مثل الخلخال والخضاب في الرجل والسوار في المعصم والقرط في الأذن والقلائد في العنق فلا يجوز للمرأة إظهارها ولا يجوز للأجنبي النظر إليها والمراد من الزينة النظر إلى مواضعها من البدن {إلا ما ظهر منها} يعني من الزينة قال سعيد بن جبير والضحاك والأوزاعي الوجه والكفان. وقال ابن مسعود هي الثياب. وقال ابن عباس هي الكحل والخاتم والخضاب في الكف فما كان من الزينة الظاهرة يجوز للرجل الأجنبي النظر إليه للضرورة مثل تحمل الشهادة ونحوه من الضرورات إذا لم يخف فتنة وشهوة فإن خاف شيئاً من ذلك غض البصر وإنما رخص في هذا القدر للمرأة أن تبديه من بدنها لأنه ليس بعورة وتؤمر بكشفه في الصلاة وسائر بدنها عورة {وليضربن بخمرهن} يعني ليلقين بمقانعهن {على جيوبهن} يعني موضع الجيب وهو النحر والصدر يعني ليسترن بذلك شعورهن وأعناقهن وأقراطهن وصدورهن.
(خ) عن عائشة قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} شققن مروطهن فاختمرن بها، المرط كساء من صوف أو خز أو كتان وقيل هو الإزار وقيل هو الدرع {ولا يبدين زينتهن} يعني الخفية التي لم يبح لهن كشفها في الصلاة ولا للأجانب وهي ما عدا الوجه والكفين {إلا لبعولتهن} قال ابن عباس لا يضعن الجلباب والخمار إلا لأزواجهن أو آبائهن {أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخونهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن} فيجوز لهؤلاء أن ينظروا إلى الزينة الباطنية ولا ينظرون إلى مابين السرة والركبة. ويجوز للزوج أن ينظر إلى جميع بدن زوجته غير أنه يكره له النظر إلى فرجها {أو نسائهن} يعني المؤمنات من أهل دينهن أراد به أن يجوز للمرأة أن تنظر إلى بدن المرأة ما بين السرة والركبة ولا يجوز للمرأة المؤمنة أن تتجرد من ثيابها عند الذمية أو الكافرة لأن الله تعالى قال أو نسائهن والذمية أو الكافرة ليست من نسائنا ولأنها أجنبية في الدين فكانت أبعد من الرجل الأجنبي كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح أن يمنع نساء أهل الكتاب أن يدخلن الحمام مع المسلمات.
وقيل يجوز كما يجوز أن تنكشف للمرأة المسلمة لأنها من جملة النساء {أو ما ملكت أيمانهن} قيل هو عبد المرأة فيجوز له الدخول عليها إذا كان عفيفاً وأن ينظر إلى مولاته إلا ما بين السرة والركبة كالمحارم. وهو ظاهر القرآن يروى ذلك عن عائشة وأم سلمة: وروى أنس أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أتى إلى فاطمة بعبد قد وهبه لها وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تلقى قال: «إنه ليس عليكم بأس إنما هو أبوك وغلامك» وقيل: هو كالأجنبي معها وهو قول سعيد بن المسيب. قال والمراد من الآية الإماء دون العبيد {أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال} قرئ غير بنصب الراء قال هو بمعنى الاستثناء ومعناه يبدين زينتهن للتابعين إلا ذا الإربة منهم فانهن لا يبدين زينتهن لمن كان منهم ذا إربة وقرئ غير بالجر على نعت التابعين والإربة والأرب الحاجة والمراد بالتابعين غير أولي الأربة هم الذين يتبعون القوم ليصيبوا من فضل طعامهم لا همة لهم إلا ذلك ولا حاجة لهم في النساء وقال ابن عباس هو الأحمق العنين وقيل هو الذي لا يستطيع غشيان النساء ولا يشتهيهن وقيل هو المجبوب والخصي وقيل هو الشيخ الهرم الذي ذهبت شهوته وقيل هو المخنت.
(م) عن عائشة رضي الله عنها: قالت كان يدخل على أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم مخنث وكانوا يعدونه من غير أولي الإربة فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال: إذا أقبلت بأربع وإذا أدبرت بثمان فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ألا أرى هذا يعرف ما ها هنا لا يدخل عليكن هذا فاحجبوه» زاد أبو داود في رواية «وأخرجوه إلى البيداء يدخل كل جمعة فيستطعم» قوله أقبلت بأربع أي أن لها في بطنها أربع عكن فهي تقبل إذا أقبلت بها وأراد بالثمان أطراف العكن الأربع من الجانبين وذلك صفة لها بالسنون {أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء} أي لم يكشفوا عن عورات النساء للجماع فيطلعوا عليها وقيل: لم يعرفوا العورة من غيرها من الصغر وقيل لم يطيقوا أمر النساء وقيل لم يبلغوا حد الشهوة وقيل الطفولية اسم للصبي ما لم يحتلم {ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن} قيل كانت المرأة إذا مشت ضربت برجلها ليسمع صوت خلخالها أو يتبين خلخالها فنهين عن ذلك وقيل إن الرجل تغلب عليه شهوة النساء إذا سمع صوت الخلخال ويصير ذلك داعية له زائدة في مشاهدتهن وقد علل ذلك بقوله تعالى: {ليعلم ما يخفين من زينتهن} فنبه به على أن الذي لأجله نهى عنه أن يعلم به ما عليهن من الحلي غيره {وتوبوا إلى الله جميعاً} أي من التقصير الواقع في أمره ونهيه وراجعوا طاعته فيما أمركم به ونهاكم عنه من الآداب المذكورة في هذه السورة قيل إن أوامر الله ونواهيه في كل باب لا يقدر العبد الضعيف على مراعاتها وإن ضبط نفسه واجتهد فلا ينفك عن تقصير يقع منه فلذلك وصى المؤمنين بالتوبة والاستغفار ووعد بالفلاح إذا تابوا واستغفروا فذلك قوله تعالى: {أيها المؤمنون لعلكم تفلحون}.
(م) عن الأغر أغر مزينة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «توبوا إلى ربكم فوالله إني لأتوب إلى ربي تبارك وتعالى مائة مرة في اليوم» عن ابن عمر قال إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة» أخرجه عبد الرحمن بن حميد الكشي.
(ق) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عله وسلم: «الله أفرح بتوبة عبد ه من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة».
(م) عن أبي هريرة أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه».

.تفسير الآية رقم (32):

{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32)}
قوله عزّ وجلّ: {وأنكحوا الأيامى منكم} جمع الأيم يطلق على الذكر والأنثى وهو من لا زوج له من رجالكم ونسائكم {والصالحين من عبادكم} أي من عبيدكم {وإمائكم} بيان حكم الآية أمر ندب واستحباب لإجماع السلف عليه فيستحب لمن تاقت نفسه إلى النكاح ووجد أهبته أن يتزوج وإن لم يجد أهبته يكسر شهوته بالصوم.
(ق) عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء» الباءة النكاح ويكنى به عن الجماع أيضاً والوجاء بكسر الواو رض الأنثيين وهو نوع من الخصاء شبه الصوم في قطعه شهوة النكاح بالوجاء الذي يقطع النسل عن معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة» أخرجه أبو داود والنسائي.
(م) عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» أما من لا تتوق نفسه إلى النكاح وهو قادر عليه فالتخلي للعبادة أفضل له من النكاح عند الشافعي وعند أصحاب الرأي النكاح أفضل. قال الشافعي: قد ذكر الله عبد اً أكرمه فقال وسيداً حصوراً وهو الذي لا يأتي النساء وذكر القواعد من النساء ولم يندبهن إلى النكاح وفي الآية دليل على أن تزويج الأيامى إلى الأولياء لأن الله خاطبهم به كما أن تزويج العبيد والإماء إلى السادات. وهو قول أكثر أهل العلم من الصحابة فمن بعدهم روي ذلك عن عمر وعلي وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وأبي هريرة وعائشة. وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وشريح وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب الثوري والأوزاعي وعبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وجوز أصحاب الرأي للمرأة تزويج نفسها وقال مالك إن كانت المرأة دنيئة يجوز لها تزويج نفسها وإن كانت شريفة فلا والدليل على أن الولي شرط في النكاح ما روي عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» أخرجه أبو داود والترمذي ولهما عن عائشة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثاً فإن أصابها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن تشاحوا فالسلطان ولي من لا ولي له» وقوله تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} قيل الغنى هنا القناعة وقيل: هو اجتماع الرزقين رزق الزوج والزوجة وقال عمر بن الخطاب. عجبت لمن يبتغي الغنى بغير النكاح والله تعالى يقول إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله وقال بعضهم إن الله وعد الغنى بالنكاح وبالتفرق فقال تعالى: {إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} وقال {وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته} {والله واسع} يعني أنه ذو الإفضال والجود {عليم} أي بما يصلح خلقه من الرزق.

.تفسير الآية رقم (33):

{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)}
قوله تعالى: {وليستعفف الذي لا يجدون نكاحاً} يعني ليطلب العقة عن الزنا والحرام الذين لا يجدون ما ينكحون به من الصدق والنفقة {حتى يغنيهم الله من فضله} يعني يوسع عليهم من رزقه {والذين يبتغون الكتاب} يعني يطلبون المكاتبة {مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم} سبب نزول هذه الآية أن غلاماً لحويطب بن عبد العزى سأل مولاه أن يكاتبه فأبى عليه فأنزل الله تعالى هذه الآية فكاتبه حويطب على مائة دينار ووهب له منها عشرين ديناراً فأداها وقتل يوم حنين في الحرب، بيان حكم الآية وكيفية المكاتبة وذلك أن يقول الرجل لمملوكه: كاتبتك على كذا من المال ويسمى مالاً معلوماً تؤدي ذلك في نجمين أو في نجوم معلومة في كل نجم كذا فإذا أديت ذلك فأنت حر ويقبل العبد ذلك، فإذا أدى العبد ذلك المال عتق ويصير العبد أحق بمكاسبه بعد الكتابة وإذا عتق بأداء المال فما فضل في يده من المال فهو له ويتبعه أولاده الذي حصلوا في الكتابة في العتق وإذا عجز عن أداء المال كان لمولاه أن يفسخ كتابته ويرده إلى الرق وما في يده من المال فهو لسيده لما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» أخرجه أبو داود وذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى: {فكاتبوهم} أم إيجاب يجب على السيد أن يكاتب عبد ه الذي علم فيه خيراً إذا سأل العبد ذلك على قيمته أو على أكثر من قيمته وإن سأل على أقل من قيمته لا يجب وهو قول عطاء وعمرو بن دينار لما روي أن سيرين أبا محمد بن سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه وكان كثير المال فانطلق سيرين إلى عمر فشكاه فدعاه عمر فقال له: كاتبه فأبى فضربه بالدرة وتلا فكاتبوهم {إن علمتم فيهم خيراً} فكاتبه وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه أمر ندب واستحباب ولا تجوز الكتابة على أقل من نجمين عند الشافعي لأنه عقد جوز إرفاقاً بالعبد ومن تتمة الإرفاق أن يكون ذلك المال عليه إلى أجل حتى يؤديه على مهل فيحصل المقصود. وجوز أبو حنيفة الكتابة إلى نجم وحالة واحدة واختلفوا في معنى قوله: {إن علمتم فيهم خيراً} فقال أبن عمر قوة على الكسب وهو قول مالك والثوري وقيل مالاً، روي أن عبد اً لسلمان الفارسي قال له: كاتبني قال ألك مال قال لا قال تريد أن تطعمني من أوساخ الناس ولم يكاتبه قيل لو أراد به المال لقال أن علمتم لهم خيراً وقيل صدقاً وأمانة. وقال الشافعي: أظهر معاني الخير في العبد الاكتساب مع الأمانة فأحب أن لا يمنع من المكاتبة إذا كان هكذا وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث حق على الله عونهم المكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف والمجاهد في سبيل الله» أخرجه الترمذي والنسائي وقيل معنى الخير أن يكون العبد عاقلاً بالغاً فأما الصبي والمجنون فلا تصح كتابتهما لأن الابتغاء منهما لا يصح وجوز أبو حنيفة كتابة الصبي المراهق وقوله تعالى: {وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} قيل هو خطاب للموالي فيجب على السيد أن يحط عن مكاتبه من مال الكتابة شيئاً وهو قول عثمان وعلي والزبير وجماعة. وبه قال الشافعي ثم اختلفوا في قدر ما يحط فقيل يحط الربع وهو قول علي ورواه بعضهم مرفوعاً. وقال ابن عباس: يحط الثالث وقال الآخرون: ليس له حد بل عليه أن يحط عنه ما شاء وبه قال الشافعي قال نافع: كاتب عبد الله بن عمر غلاماً له على خمسة وثلاثين ألف درهم فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف درهم أخرجه مالك في الموطأ. وقال سعيد بن جبير: كان ابن عمر إذا كاتب مكاتبة لم يضع عنه شيئاً من أول نجومه مخافة أن يعجز فيرجع إليه صدقته ويضع عنه من آخر كتابته ما أحب وقال بعضهم هو أمر استحباب والوجوب أظهر وقيل أراد بقوله: {وآتوهم من مال الله} أي سهمهم الذي جعله الله لهم من الصدقات المفروضات وهو قوله وفي الرقاب أراد به المكاتب وهو قول الحسن وزيد بن أسلم. وقيل: هو حث لجميع الناس على مؤنتهم واختلف العلماء فيما إذا مات المكاتب قبل أداء النجوم فذهب كثير منهم إلى أنه يموت رقيقاً وترتفع الكتابة سواء ترك مالاً أو لم يترك وهو قول عمر وابن عمر وزيد بن ثابت وبه قال عمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة وإليه ذهب الشافعي وأحمد، وقال قوم: إن ترك وفاء ما بقي عليه من مال الكتابة كان حراً وإن فضل له مال كان لأولاده الأحرار. وهو قول عطاء وطاوس والنخعي والحسن وبه قال مالك والثوري وأصحاب الرأي ولو كاتب عبد ه كتابة فاسدة يعتق بأداء المال لأن عتقه معلق بالأداء وقد وجد وتتبعه أولاده وأكسابه كما في الكتابة الصحيحة لأن الكتابة الصحيحة لا يملك المولى فسخها ما لم يعجز المكاتب عن أداء النجوم. وقوله تعالى:
{ولا تكروهوا فتياتكم} أي إماءكم {على البغاء} أي الزنا {إن أردن تحصناً} الآية.
(م) عن جابر قال كان عبد الله بن أبي ابن سلول يقول لجاريته اذهبي فابغينا شيئاً قال فأنزل الله {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصناً} وفي رواية أخرى أن جارية لعبد الله بن أبي يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة كان يكرههما على الزنا فشكتا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} إلى قوله: {غفور رحيم} وقال المفسرون: نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق كانت له جاريتان يقال لهما مسيكة ومعاذة وكان يكرههما على الزنا لضريبة يأخذها منهما، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية يؤجرون إماءهم فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة: إن هذا الأمر الذي نحن فيه لا يخلو من وجهين فإن يك خيراً فقد استكثرنا منه، وإن يك شراً فقد آن لنا أن ندعه فأنزل الله هذه الآية وروي أن إحدى الجاريتين جاءت ببرد، وجاءت الآخرى بدينار فقال لهما ارجعا فازنيا فقالتا: والله لا نفعل قد جاء الإسلام، وحرم الزنا فأتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكتا إليه فأنزل الله هذه الآية واختلف العلماء في معنى قوله إن أردن تحصناً على أقوال أحدها: أن الكلام ورد على سبب وهو الذي ذكر في سبب نزول الآية، فخرج النهي على صفة السبب وإن لم يكن شرطاً فيه الثاني: إنما شرط إرادة التحصن لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن، فأمّا إذا لم ترد المرأة التحصن فإنها تبغي بالطبع طوعهاً الثالث: أن إن بمعنى أي إذا أردن وليس معناه الشرط لأنه لا يجوز إكراههن على الزنا إن لم يردن تحصناً، كقوله: {وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين} أي إذا كنتم القول الرابع: أن في هذه الآية تقديماً وتأخيراً تقديره وأنكحوا الأيامى منكم إن أردتم تحصناً، ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء {لتبتغوا} أي لتطلبوا {عرض الحياة الدنيا} أي من أموال الدنيا يريد كسبهن، وبين أولادهن {ومن يكرههن} يعني على الزنا {فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم} يعني للمكروهات والوزر على المكره، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية قال لهن والله لهن والله.