فصل: تفسير الآيات (210- 211):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (210- 211):

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211)}
قوله عز وجل: {هل ينظرون} أي ينتظرون التاركون الدخول في السلم والمتبعون خطوات الشيطان {إلاّ أن يأتيهم الله في ظلل} جمع ظلة {من الغمام} يعني السحاب الأبيض الرقيق سمي غماماً لأنهم يغم ويستر وقيل هو شيء غير السحاب ولم يكن إلاّ لبني إسرائيل في تيههم وهو كهيئة الضباب الأبيض {والملائكة} أي وتأتيهم الملائكة. وروى الطبري في تفسيره بسند متصل عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من الغمام طاقات يأتي الله عزّ وجل فيها محفوفاً»، وذلك قوله تعالى: {هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله في ظل من الغمام والملائكة وقضي الأمر} قال عكرمة: والملائكة حوله وقيل معناه حول الغمام وقيل حول الرب تبارك وتعالى. واعلم أن هذه الآية من آيات الصفات للعلماء في آيات الصفات وأحاديث الصفات مذهبان أحدهما وهو مذهب سلف هذه الأمة وأعلام أهل السنة: الإيمان والتسليم لما جاء في آيات الصفات وأحاديث الصفات، وأنه يجب علينا الإيمان بظاهرها ونؤمن بها كما جاءت ونكل علمها إلى الله تعالى وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم مع الإيمان، والاعتقاد بأن الله تعالى منزه عن سمات الحدوث وعن الحركة والسكون. قال الكلبي: هذا من الذي لا يفسر وقال سفيان بن عيينة: كل ما وصف الله به نفسه في كتابه فتفسيره قراءته والسكوت عليه ليس لأحد أن يفسره إلاّ الله ورسوله. وكان الزهري والأوزاعي ومالك وابن المبارك وسفيان الثوري والليث بن سعد وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه يقولون في هذه الآية وأمثالها اقرؤوها كما جاءت بلا كيف ولا تشبيه ولا تأويل هذا مذهب أهل السنة ومعتقد سلف الأمة، وأنشد بعضهم في المعنى:
عقيدتنا أن ليس مثل صفاته ** لا ذاته شيء عقيدة صائب

نسلم آيات الصفات بأسرها ** وأخبارها للظاهر المتقارب

ونؤيس عنها كنه فهم عقولنا ** وتأويلنا فعل اللبيب المغالب

ونركب للتسليم سفناً فإنها ** لتسليم دين المرء خير المراكب

المذهب الثاني: وهو قول جمهور علماء المتكلمين، وذلك أنه أجمع المتكلمين من العقلاء والمعتبرين من أصحاب النظر على أنه تعالى منزه عن المجيء والذهاب، ويدل على ذلك أن كل ما يصح عليه المجيء والذهاب لا ينفك عن الحركة والسكون وهما محدثان، وما لا ينفك عن المحدث فهو محدث، والله تعالى منزه عن ذلك فيستحيل ذلك في حقه تعالى فثبت بذلك أن ظاهر الآية ليس مراداً، فلابد من التأويل على سبيل التفصيل، فعلى هذا قيل في معنى الآية هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله الآيات فيكون مجيء الآيات مجيئاً لله تعالى على سبيل التفخيم لشأن الآيات وقيل معناه إلاّ أن يأتيهم أمر الله ووجه هذا التأويل أن الله تعالى فسره في آية أخرى فقال: هل ينظرون إلاّ أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك، فصار هذا الحكم مفسراً لهذا المجمل في هذه الآية.
وقيل: معناه يأتيهم الله بما أوعد من الحساب والعقاب فحذف ما يأتي به تهويلاً عليهم إذ لو ذكر ما يأتي به كان أسهل عليهم في باب الوعيد، وإذا لم يذكر كان أبلغ وقيل يحتمل أن تكون الفاء بمعنى الباء لأن بعض الحروف يقوم مقام بعض فيكون المعنى هل ينظرون إلاّ أن يأتيهم الله بظلل من الغمام والملائكة، والمراد العذاب الذي يأتي من الغمام مع الملائكة، وقيل معناه ما ينظرون إلاّ أن يأتيهم قهر الله وعذابه في ظلل من الغمام. فإن قلت: لم كان إتيان العذاب في الغمام؟ قلت: لأن الغمام مظنة الرحمة ومنه ينزل المطر، فإذا نزل منه العذاب كان أعظم وأفظع وقيل إن نزول الغمام علامة لظهور القيامة وأهوالها {وقضي الأمر} أي وجب العذاب وفرغ من الحساب، وذلك فصل الله القضاء بين العباد يوم القيامة {وإلى الله ترجع الأمور} أي إلى الله تصير أمور العباد في الآخره. فإن قلت: هل كانت ترجع إلى غيره؟ قلت: إن أمور جميع العباد ترجع إليه في الدنيا والآخرة، ولكن المراد من هذا إعلام الخلق إنه المجازي على الأعمال بالثواب والعقاب، وجواب آخر وهو أنه لما عبد قوم غيره في الدنيا أضافوا أفعاله إلى سواه ثم فإذا كان يوم القيامة وانكشف الغطاء ردوا إلى الله ما أضافوه إلى غيره في الدنيا. قوله عز وجل: {سل بني إسرائيل} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يسأل يهود المدينة، وليس المراد بهذا السؤال العلم بالآيات لأنه كان صلى الله عليه وسلم قد علمها بإعلام الله إياه، ولكن المراد بهذا السؤال التقريع والتوبيخ والمبالغة في الزجر عن الإعراض عن دلائل الله وترك الشكر، وقيل المراد بهذا السؤال التقرير وتذكير النعم التي أنعم بها على سلفهم {كم آتيناهم من آية بينة} أي من دلالة واضحة على نبوة موسى عليه السلام مثل العصا واليد البيضاء وفلق البحر وإنزال المن والسلوى {ومن يبدل نعمة الله من بعد ما جاءته} يعني يغير الآية التي جاءته من الله لأنها هي سبب الهدى والنجاة من الضلالة، وقيل هي حجج الله الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وذلك أنهم أنكروها وبدلوها، وقيل المراد بنعم الله عهده الذي عهد إليهم فلم يفوا به {فإن الله شديد العقاب} يعني لمن بدل نعمة الله.

.تفسير الآية رقم (212):

{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212)}
قوله عز وجل: {زين للذين كفروا الحياة الدنيا} نزلت في مشركي العرب أبي جهل وأصحابه لأنهم كانوا يتنعمون بما بسط لهم في الدنيا من المال ويكذبون بالمعاد، وقيل: نزلت في المنافقين عبد الله بن أبيّ وأصحابه. وقيل: نزلت في رؤساء اليهود. ويحتمل أنها نزلت في الكلّ. والمزين هو الله تعالى بدليل قراءة من قرأ زين بفتح الزاي وذلك أنه لا يمتنع أن يكون الله تعالى هو المزين لهم بما أظهره في الدنيا من الزهرة والنضارة والطيب واللذة وخلق الأشياء العجيبة والمناظر الحسنة، وإنما فعل ذلك ابتلاء العبادة وذلك أنه جعل دار الدنيا ابتلاء وامتحان وركب في الطباع الميل إلى اللذات وحب الشهوات لا على سبيل الإلجاء والقسر الذي لا يمكن تركه، بل على سبيل التحبب الذي تميل النفس إليه مع إمكان. ردها عنه فنظر الخلق إلى الدنيا أكثر من قدرها فأعجبهم حسنها وزهرتها وزينتها فأحبوها وفتنوا بها. وقيل: إن المراد من التزيين أنه تعالى أمهلهم في الدنيا حتى أقبلوا عليها وأحبوها، فكان هذا الإمهال هو التزين. وقيل: إن المزين هو الشيطان وغواة الجن والإنس، وذلك أنهم زينوا للكفار الحرص على الدنيا وطلبها وقبحوا لهم أمر الآخرة. وقيل: أوهموهم أن لا آخرة ليقبلوا على لذات الدنيا وطلب الحرص عليها، وهذا التأويل ضعيف لأن قوله تعالى زين الذين كفروا يتناول جميع الكفار فيدخل فيه الشيطان وغواة الجن والإنس وأن كلهم مزين لهم وهذا المزين لابد وأن يكون مغايراً لهم فثبت بهذا ضعف قول المعتزلة {ويسخرون من الذين آمنوا} يعني أن الكفار يستهزئون بفقراء المؤمنين، قال ابن عباس: مثل عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وصهيب وبلال ونظرائهم. وقيل: كانوا يقولون انظروا إلى هؤلاء الذين يزعم محمد أنه يغلب بهم {والذين اتقوا} يعني الفقراء من المؤمنين {فوقهم} أي فوق الكفار {يوم القيامة} لأن الفقراء في عليين والكفار والمنافقين في أسفل السافلين.
(ق) عن حارثة بن وهب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ألا أخبركم بأهل الجنة كل ضعيف مستضعف لو أقسم على الله لأبره ألا أخبركم بأهل النار كل عتلّ جوّاظ جعظري مستكبر» العتل الفظ الغليظ الشديد في الخصومة الذي لا ينقاد لخير. والجواظ الفاخر المختال في مشيئته، وقيل هو القصير البطين. والجعظري الفظ الغليظ، وقيل هو الذي يتمدح بما ليس فيه أو عنده.
(ق) عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قمت على باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلى النار وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء» الجد بفتح الجيم: هو الحظ والغنى وكثرة المال {والله يرزق من يشاء بغير حساب} قال ابن عباس: يعطي كثيراً بغير مقدار لأن كل ما يدخل عليه الحساب فهو قليل، والمعنى أنه يوسع لمن يشاء من عباده وقيل يرزقه في الدنيا ولا يحاسبه في الآخرة، وقيل معناه أنه يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب وقيل معناه أنه يرزقه بغير استحقاق وقيل معناه أنه تعالى لا يخاف نفاد ما في خزائنه حتى يحتاج إلى حساب لما يخرج منها لأن الحساب إنما يكون ليعلم قدر ما يعطي والله غني عالم بما يعطي ولا يخاف نفاد خزائنه لأنها بين الكاف والنون وقيل معناه إن الله يقتر الرزق على ما يشاء ويبسط الرزق لمن يشاء، ولا يعطي كل واحد على قدر حاجته، بل يعطي الكثير لمن لا يحتاج إليه، ولا معارض له في حكمه، ويحاسب فيما رزق، ولا يقال له لم أعطيت هذا وحرمت هذا، ولا لم أعطيت هذا أكثر من ذاك؟ لأنه تعالى لا شريك له في ملكه ينازعه ولا يسأل عما يفعل. وقيل: يحتمل أن يكون المراد منه ما يعطي الله المتقين في الآخرة من الثواب والكرامة بغير محاسبة منه لهم على ما من به عليهم وذلك أن نعيم الجنة لا نفاد له ولا انقطاع. وقيل: إنه تعالى يعطي أهل الجنة الثواب والأجر بقدر أعمالهم ثم يتفضل عليهم فذلك الفضل منه إليهم بغير حساب.

.تفسير الآية رقم (213):

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213)}
قوله عز وجل: {كان الناس أمة واحدة} أي على دين واحد. وقيل هو آدم وذريته كانوا مسلمين على دين واحد إلى أن قتل قابيل هابيل فاختلفوا. وقيل كان الناس على شريعة واحدة من الحق والهدى من وقت آدم إلى مبعث نوح ثم اختفلوا، فبعث الله نوحاً، وهو أول رسول بعث، ثم بعث بعده الرسل. وقيل هم أهل السفينة الذين كانوا مع نوح وكانوا مؤمنين ثم اختلفوا بعد وفاته. وقيل إن العرب كانت على دين إبراهيم عليه السلام إلى أن غيره عمرو بن لحي. وقيل كانت الناس أمة واحدة حين أخرجوا من ظهر آدم لأخذ الميثاق فقال: ألست بربكم؟ قالوا بلى، فاعترفوا بالعبودية ولم يكونوا أمة واحدة غير ذلك اليوم، ثم لما ظهروا إلى الوجود اختلفوا بسبب البغي والحسد. وقيل إن آدم وحده كان أمة واحدة يعني إماماً وقدوة يقتدى به وإنما ظهر الاختلاف بعده. وقيل كان الناس أمة واحدة على الكفر والباطل بدليل قوله: {فبعث الله النبيين} فإن قيل: أليس قد كان فيهم من هو مسلم نحو هابيل وشيث وإدريس ونحوهم؟ فالجواب أن الغالب في ذلك الزمان كان الكفر والحكم للغالب. وقيل إن الآية دلت على أن الناس كانوا أمة واحدة وليس فيها ما يدل على كانوا على إيمان أو كفر فهو موقوف على دليل من خارج {فبعث الله النبيين} وجملتهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً الرسل منهم ثلثمائة وثلاثة عشر المذكورون منهم في القرآن بأسماء الأعلام ثمانية وعشرون نبياً {مبشرين} بالثواب لمن آمن وأطاع {ومنذرين} يعني مخوفين بالعقاب لمن كفر وعصى، وإنما قدم البشارة على الإنذار لأن البشارة تجري مجرى حفظ الصحة للأبدان والإنذار يجري مجرى إزالة المرض، ولا شك أن المقصود هو الأول فكان أولى بالتقديم {وأنزل معهم الكتاب} أي الكتب أو يكون التقدير وأنزل مع كل واحد الكتاب {بالحق} أي بالعدل والصدق وجملة الكتب المنزلة من السماء مائة وأربعة كتب أنزل على آدم عشر صحائف، وعلى شيث ثلاثون، وعلى إدريس خمسون، وعلى موسى عشر صحائف والتوراة، وعلى داود الزبور، وعلى عيسى الإنجيل، وعلى محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم القرآن {ليحكم بين الناس} يعني الكتاب وإنما أضيف الحكم إلى الكتاب وإن كان الحاكم هو الله تعالى لأنه أنزله. والمعنى ليحكم الله بالكتاب الذي أنزله وقيل معناه ليحكم بين الناس كل نبي بكتابة المنزل عليه فإسناد الحكم إلى الكتاب أو للنبي مجاز والله هو الحاكم في الحقيقة {فيما اختلفوا فيه} أي في الحق الذي اختلفوا فيه من بعد ما كانوا متفقين عليه {وما اختلف فيه} أي في الحق {إلاّ الذين أوتوه} أي أعطوا الكتاب والمراد به التوراة والإنجيل والذين أوتوه اليهود والنصارى واختلافهم هو تكفير بعضهم بعضاً بغياً وحسداً.
وقيل اختلافهم هو تحريفهم وتبديلهم. وقيل الكناية فيه راجعة إلى محمد صلى الله عليه وسلم والمعنى وما اختلف في أمر محمد صلى الله عليه وسلم بعد وضوح الدلالات على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم إلاّ اليهود الذين أوتوا الكتبا بغياً منهم وحسداً {من بعد ما جاءتهم البينات} أي الدلالات الواضحات على صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم {بغياً بينهم} أي إنهم لم يبق لم عذر في العدول عنه وترك ما جاء وإنما تركوا إتباعه بغياً وحسداً، وهو طلب الدنيا وطلب الرياسة {فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه} أي إلى ما اختلفوا فيه {من الحق} والمعنى فهدى الله الذين آمنوا لمعرفة ما اختلفوا فيه من الحق وقيل هو من المقلوب والمعنى فهدى الله الذين آمنوا للحق الذي اختلفوا فيه وكان اختلافهم الذي اختلفوا فيه الجمعة فهدى الله تعالى هذه الآمة الإسلامية إليها.
(ق) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن الآخرون السابقون يقوم القيامة أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا اليوم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله فغداً لليهود بعد غد للنصارى» وفي رواية قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نحن الآخرون السابقون بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله له» زاد النسائي: يعني يوم الجمعة، ثم اتفقا فالناس لنا تبع اليهود غداً والنصارى بعد غد.
(م) عن حذيفة قال: قال رسول الله صلىلله عليه وسلم: «أضل الله عن يوم الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة فجعل الله الجمعة والسبت والأحد وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا الأولون يوم القيامة المقضي لهم يوم القيامة قبل الخلائق» وقيل اختلفوا في شأن القبلة فصلت اليهود نحو المغرب إلى بيت المقدس، وصلت النصارى إلى المشرق، وهدانا الله إلى الكعبة. وقيل اختلفوا في الصيام فهدانا الله لشهر رمضان، واختلفوا في إبراهيم فقالت اليهود كان يهودياً، وقالت النصارى كان نصرانياً، فهدانا إلى الحق فقلنا: كان حنيفاً مسلماً. واختلفوا في عيسى ابن مريم فاليهود فرطوا فيه والنصارى أفرطوا فيه، فهدانا الله في ذلك كله للحق. والمعنى فهدى الله الذين آمنوا إلى الحق الذي اختلف فيه من اختلف {بإذنه} يعني بعلمه وأمره وإرادته {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.