فصل: تفسير الآيات (19- 24):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (19- 24):

{فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24)}
{فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما} وذلك أن موسى أخذته الغيرة والرقة للإسرائيلي فمد يده ليبطش بالقبطي فظن الإسرائيلي أنه يريد أن يبطش به لما رأى من غضب موسى وسمع قوله إنك لغوي مبين {قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفساً بالأمس} معناه أنه لم يكن علم أحد من قوم فرعون أن موسى هو الذي قتل القبطي حتى أفشى عليه الإسرائيلي ذلك فسمعه القبطي فأتى فرعون فأخبره بذلك {إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض} أي بالقتل ظلماً وقيل الجبار هو الذي يقتل ويضرب ولا ينظر في العواقب وقيل هو الذي يتعاظم ولا يتواضع لأمر الله تعالى {وما تريد أن تكون من المصلحين} ولما فشا أن موسى قتل القبطي أمر فرعون بقتله فخرجوا في طلبه وسمع بذلك رجل من شيعة موسى يقال إنه مؤمن آل فرعون واسمه حزقيل وقيل شمعون وقيل سمعان وهو قوله تعالى: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى} أي يسرع في مشيه وأخذ طريقاً قريباً حتى سبق إلى موسى وأخبره وأنذره بما سمع {قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك} يعني يتشاورون فيك {ليقتلوك} وقيل يأمر بعضهم بعضاً بقتلك {فاخرج} يعني من المدينة {إني لك من الناصحين} يعني في الأمر بالخروج {فخرج منها} يعني موسى {خائفاً} على نفسه من آل فرعون {يترقب} يعني ينتظر الطلب هل يلحقه فيأخذه ثم لجأ إلى الله تعالى لعلمه أنه لا ملجأ إلا إليه {قال رب نجني من القوم الظالمين} يعني الكافرين.
وقوله تعالى: {ولما توجه تلقاء مدين} يعني قصد نحوها ماضياً قيل إنه وقع في نفسه أن بينهم وبينه قرابة لأن أهل مدين من ولد إبراهيم وموسى من ولد إبراهيم ومدين هو مدين بن إبراهيم سميت البلد باسمه وبين مدين ومصر مسيرة ثمانية أيام، قيل خرج موسى خائفاً بلا ظهر ولا زاد ولا أحد ولم يكن له طعام إلا ورق الشجر ونبات الأرض حتى رأى خضرته في بطنه وما وصل إلى مدين حتى وقع خف قدميه قال ابن عباس وهو أول ابتلاء من الله لموسى {قال} يعني موسى {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} يعني قصد الطريق إلى مدين وذلك أنه لم يكن يعرف الطريق إليها قيل لما دعا موسى جاءه ملك بيده عنزة فانطلق به إلى مدين. قوله عز وجل: {ولما ورد ماء مدين} هو بئر كانوا يسقون منها مواشيهم {وجد عليه} يعني على الماء {أمة} يعني جماعة {من الناس يسقون} يعني مواشيهم {ووجد من دونهم} يعني سوى الجماعة وقيل بعيداً من الجماعة {امرأتين تذودان} أي تحبسان وتمنعان أغنامهما عن أن تند وتذهب والقول الأول لما بعده وهو قوله: {قال} يعني موسى للمرأتين {ما خطبكما} أي ما شأنكما لا تسقيان مواشيكما مع الناس {قالتا لا نسقي} يعني أغنامنا {حتى يصدر الرعاء} أي حتى يرجع الرعاء من الماء والمعنى أنا امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال فإذا صدروا سقينا نحن مواشينا من فضل ما بقي منهم من الحوض {وأبونا شيخ كبير} أي لا يقدر أن يسقي مواشيه فلذلك احتجنا نحن إلى سقي الغنم، قيل أبوهما هو شعيب عليه الصلاة السلام.
وقيل هو بيرون ابن أخي شعيب وكان شعيب قد مات بعدما كف بصره وقيل هو رجل ممن آمن بشعيب فلما سمع موسى كلامهما رق لهما ورحمهما فاقتلع صخرة من على رأس بئر أخرى كانت بقربهما لا يطيق رفعها إلا جماعة من الناس. وقيل زاحم القوم ونحاهم كلهم عن البئر وسقى لهما الغنم وقيل لما فرغ الرعاء من السقي غطوا رأس البئر بحجر لا يرفعه إلا عشرة نفر فجاء موسى فرفع الحجر ونزع دلواً واحداً فيه بالبركة وسقى الغنم فرويت فذلك قوله: {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل} يعني عدل إلي رأس الشجرة فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع {فقال رب لما أنزلت إلي من خير فقير} معناه أنه طلب الطعام لجوعه واحتياجه إليه.
قال ابن عباس: إن موسى سأل الله فلقة خبز يقيم بها صلبة وعن ابن عباس قال: لقد قال موسى: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} وهو أكرم خلقه عليه ولقد افتقر إلى شق تمرة وقيل ما سأل إلا الخبز فلما رجعتا إلى أبيهما سريعاً قبل الناس وأغنامهما حفل بطان قال لهما ما أعجلكما؟ قالتا وجدنا رجلاً صالحاً رحمنا فسقى لنا أغنامنا فقال لإحداهما اذهبي فادعيه إلي.

.تفسير الآيات (25- 28):

{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}
قال الله تعالى: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} قيل هي الكبرى واسمها صفوراء وقيل صفراء وقيل بل هي الصغرى واسمها ليا وقيل صفيراء وقال عمر بن الخطاب ليست بسلفع من النساء خراجة ولاجة ولكن جاءت مستترة قد وضعت كم درعها على وجهها استحياء وقيل استحيت منه لأنها دعته لتكافئه وقيل لأنها رسول أبيها {قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} قيل لما سمع موسى ذلك كره أن يذهب معها ولكن كان جائعاً فلم يجد بداً من الذهاب فمشت المرأة ومشى موسى خلفها فكان الريح تضرب ثوبها فتصف ردفها فكره موسى أن يرى ذلك منها فقال امشي خلفي ودليني على الطريق إذا أخطأت ففعلت ذلك فلما دخل موسى على شعيب إذ هو بالعشاء مهيئاً فقال: اجلس يا فتى فتعش فقال موسى أعوذ بالله فقال شعيب ولم ذاك ألست جائع؟ قال بلى ولكني أخاف أن يكون هذا عوضاً من الدنيا فقال له شعيب: لا والله يا فتى لكنها عادتي وعادة آبائي نقري الضيف ونطعم الطعام فجلس وأكل فذلك قوله عز وجل: {فلما جاءه} أي موسى {وقص عليه القصص} أي أخبره بأمره أجمع من خبر ولادته وقتله القبطي وقصد فرعون قتله {قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين} يعني من فرعون وقومه وإنما قال ذلك لأنه لم يكن لفرعون سلطان على مدين {قالت إحداهما يا أبت استأجره} أي اتخذه أجيراً ليرعى أغنامنا {إن خير من استأجرت القوي الأمين} يعني إن خير من استعملت من قوي على العمل وأدى الأمانة فقال لها أبوها ما أعلمك بقوته وأمانته؟ قالت أما قوته فإنه رفع الحجر من على رأس البئر ولا يرفعه إلا عشرة.
وقيل أربعون رجلاً وأما أمانته فإنه قال لي امشي خلفي حتى لا تصف الريح بدنك {قال} شعيب عند ذلك {إني أريد أن أنكحك} أي أزوجك {إحدى ابنتي هاتين} قيل زوجه الكبرى وقال الأكثرون إنه زوجه الصغرى منها واسمها صفوراء وهي التي ذهبت في طلب موسى {على أن تأجرني ثمان حجج} أي تكون لي أجيراً ثمان سنين {فإن أتممت عشراً فمن عندك} أي فإن أتممت العشر سنين فذلك تفضل منك وتبرع ليس بواجب عليك {وما أريد أن أشق عليك} أي ألزمك تمام العشر إلا أن تتبرع {ستجدني إن شاء الله من الصالحين} أي في حسن الصحبة والوفاء بما قلت وقيل يريد بالصلاح حسن المعاملة ولين الجانب وإنما قال إن شاء الله للاتكال على توفيقه ومعونته {قال} يعني موسى {ذلك بيني وبينك} يعني ما شرطت علي فلك وما شرطت من تزوج إحداهما فلي والأمر بيننا على ذلك {أيما الأجلين قضيت} أي أيّ الأجلين أتممت وفرغت منه الثمانية أو العشرة {فلا عدوان علي} أي لا ظلم علي بأن أطالب بأكثر منه {والله على ما نقول وكيل} قال ابن عباس شهيد بيني وبينك.
(خ) عن سعيد بن جبير قال: سألني يهودي من أهل الحيرة أي الأجلين قضى موسى؟ قلت لا أدري حتى أقدم على خير العرب فاسأله فقدمت فسألت ابن عباس: فقال قضى أكثرهما وأطيبهما لأن رسول الله إذا قال فعل وروي عن أبي ذر مرفوعاً: «إذا سئلت أي الأجلين قضى موسى فقل خيرهما وأبرهما وإذا سئلت أي المرأتين تزوج فقل الصغرى منهما وهي التي جاءت فقالت يا أبت استأجره فتزوج صغراهما وقضى أوفاهما».
وقال وهب أنكحه الكبرى وروى شداد بن أوس مرفوعاً بكى شعيب النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره ثم بكى حتى عمي فرد الله عليه بصره فقال الله له: ما هذا البكاء أشوقاً إلى الجنة أم خوفاً من النار فقال: لا يا رب ولكن شوقاً إلى لقائك فأوحى الله إليه إن يكن ذلك فهنيئاً لك لقائي يا شعيب لذلك أخدمتك كليمي موسى ولما تعاقدا هذا العقد بينهما أمر شعيب ابنته أن تعطي موسى عصاه يدفع بها السباع عن غنمة قيل كانت من آس الجنة حملها آدم معهه فتوارثها الأنبياء وكان لا يأخذها غير نبي إلا أكلته فصارت من آدم إلى نوح ثم إلى إبراهيم حتى وصلت إلى شعيب فأعطاها موسى.
ثم إن موسى لما قضى الأجل سلم شعيب إليه ابنته فقال لها موسى اطلبي من أبيك أن يجعل لنا بعض الغنم فطلبت من أبيها ذلك فقال لكما كل ما ولدت هذا العام على غير شيتها وقيل إن شعيباً أراد أن يجازي موسى على حسن رعيه إكراماً وصلة لا بنته فقال له: إني قد وهبت لك ولد أغنامي كل أبلق وبلقاء في هذه السنة فأوحى الله تعالى إلى موسى في النوم أن أضرب بعصاك الماء، ثم اسق الأغنام منه ففعل ذلك فما أخطأت واحدة إلا وضعت حملها مابين أبلق وبلقاء فعلم شعيب أن هذا رزق ساقه الله إلى موسى وامرأته فوفى له بشرطه وأعطاه الأغنام.

.تفسير الآيات (29- 35):

{فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آَنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ (31) اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (32) قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34) قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآَيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ (35)}
قوله عز وجل: {فلما قضى موسى الأجل} أي أتمه وفرغ منه {وسار بأهله} قيل مكث موسى بعد الأجل عند شعيب عشر سنين أخرى ثم استأذنه في العود إلى مصر فأذن له فسار بأهله أي زوجته قاصداً إلى مصر {آنس} أي أبصر {من جانب الطور ناراً} وذلك أنه كان في البرية في ليلة مظلمة شديدة البرد وأخذ امرأته الطلق {قال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلي آتيكم منها بخبر} أي عن الطريق لأنه كان قد أخطأ الطريق {أو جذوة من النار} أي قطعة وشعلة من النار وقيل: الجذوة العود الذي اشتعل بعضه {لعلكم تصطلون} أي تستدفئون {فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن} يعني من جانب الوادي الذي عن يمين موسى {في البقعة المباركة} جعلها الله مباركة لأن الله تعالى كلم موسى هناك وبعثه نبياً وقيل يريد البقعة المقدسة {من الشجرة} يعني من ناحية الشجرة قال ابن مسعود: كانت سمرة خضراء تبرق وقيل كانت غوسجة وقيل كانت من العليق وعن ابن عباس إنها العناب {أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين} قيل إن موسى لم رأى النار في الشجرة الخضراء علم أنه لا يقدرعلى الجمع بين النار وخضرة الشجرة إلا الله تعالى فعلم بذلك أن المتكلم هو الله تعالى. وقيل: إن الله تعالى خلق في نفس موسى علماً ضرورياً بأن المتكلم هو الله وأن ذلك الكلام كلام الله تعالى. وقيل: إنه قيل لموسى كيف عرفت أنه نداء الله قال إني سمعته بجميع أجزائي فلما وجد حس السمع من جميع الأجزاء علم بذلك أنه لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى {وأن ألق عصاك} يعني فألقاها {فلما رآها تهتز} يعني تتحرك {كأنها جان} هي الحية الصغيرة والمعنى أنها في سرعة حركتها كالحية السريعة الحركة {ولى مدبراً} يعني هارباً منها {ولم يعقب} يعني ولم يرجع قال وهب إنها لم تدع شجرة، ولا صخرة إلا بلعتها حتى إن موسى سمع صرير أسنانها وقعقعة الشجر والصخر في جوفها فحينئذ ولى مدبراً ولم يعقب فنودي عند ذلك {يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين}.
قوله عز وجل: {اسلك يدك} يعني أدخل يدك {في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء} يعني برص والمعنى أنه أدخل يده فخرجت ولها شعاع كضوء الشمس {واضمم إليك جناحك من الرهب} يعني من الخوف والمعنى إذا هالك أمر يدك وما تراه من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى وقال ابن عباس: أمر الله موسى أن يضم يده إلى صدره فيذهب عنه ما ناله من الخوف عند معاينة الحية وما من خائف بعد موسى إلا إذا وضع يده صدره زال خوفه.
وقيل المراد من ضم الجناح السكون أي سكن روعك واخفض عليك جناحك لأن من شأن الخائف أن يضطرب قلبه ويرتعد بدنه. وقيل الرهب الكم بلغة حمير ومعناه اضمم إليك يدك وأخرجها من كمك لأنه تناول العصا ويده في كمه {فذانك} يعني العصا واليد البيضاء {برهانان} يعني آيتان {من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوماً فاسقين} يعني خارجين عن الحق {قال رب إني قتلت منهم نفساً} يعني القبطي {فأخاف أن يقتلون} يعني به {وأخي هارون هو أفصح مني لساناً} يعني بياناً وإنما قال ذلك للعقدة التي كانت في لسانه من وضع الجمرة في فيه {فأرسله معي ردءاً} يعني عوناً {يصدقني} يعني فرعون وقيل تصديق هارون هو أن يخلص الدلائل ويجيب عن الشبهات ويجادل الكفار فهذا هو التصديق المفيد {إني أخاف أن يكذبون} يعني فرعون وقومه {قال سنشد عضدك بأخيك} يعني سنقويك به وكان هارون بمصر {ونجعل لكما سلطاناً} يعني حجة وبرهاناً {فلا يصلان إليكما} أي بقتل ولا سوء {بآياتنا} قيل معناه نعطيكما من المعجزات فلا يصلون إليكما {أنتما ومن اتبعكما الغالبون} يعني لكما ولأتباعكما الغلبة على فرعون وقومه.

.تفسير الآيات (36- 45):

{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآَيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آَبَائِنَا الْأَوَّلِينَ (36) وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (37) وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ (41) وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ (42) وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (43) وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ (44) وَلَكِنَّا أَنْشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنْتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (45)}
{فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات} يعني واضحات {قالوا ما هذا إلا سحر مفترى} يعني مختلق {وما سمعنا بهذا} يعني بالذي تدعونا إليه {في آبائنا الأولين وقال موسى ربي أعلم بمن جاء بالهدى من عنده} يعني أنه يعلم المحق من المبطل {ومن تكون له عاقبة الدار} يعني العقبى المحمودة في الدار الآخرة {إنه لا يفلح الظالمون} يعني الكافرون {وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} فيه إنكار لما جاء به موسى من توحيد الله وعبادته {فأوقد لي يا هامان على الطين} يعني اطبخ لي الآجر قيل إنه أول من اتخذ آجراً وبنى به {فاجعل لي صرحاً} أي قصراً عالياً وقيل منارة. قال أهل السير لما أمر فرعون وزيره هامان ببناء الصرح جمع هامان المال والفعلة حتى اجتمع عنده خمسون ألف بناء سوى الأتباع والأجراء وطبخ الآجر والجص ونجر الخشب وضرب المسامير، وأمر بالبناء فبنوه ورفعوه وشيدوه حتى ارتفع ارتفاعاً لم يبلغه بنيان أحد من الخلق وأراد الله أن يفتنهم فيه فلما فرغوا منه ارتقى فرعون فوقه، وأمر نشابة فرمى بها نحو السماء فردت إليه وهي ملطخة دماً فقال: قد قتلت إله موسى وكان فرعون يصعده راكباً على البراذين فبعث الله جبريل عند غروب الشمس فضربه بجناحه فقطعه ثلاث قطع فوقعت قطعه منه على عسكره فقتلت منه ألف رجل ووقعت قطعه منه في البحر وقطعة في المغرب فلم يبق أحد عمل شيئاً فيه إلا هلك فذلك قوله: {لعلي أطلع إلى إله موسى} يعني أنظر إليه وأقف على حاله {وإني لأظنه} يعني موسى {من الكاذبين} يعني في زعمه أن للأرض والخلق إلهاً غيري وأنه أرسله {واستكبر هو وجنوده في الأرض} يعني تعظموا عن الإيمان ولم ينقادوا للحق بالباطل والظلم {بغير الحق وظنوا أنهم إلينا لا يرجعون} يعني للحساب والجزاء {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم} يعني فألقيناهم في البحر وهو القلزم {فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} يعني حين صاروا إلى الهلاك {وجعلناهم أئمة} يعني قادة ورؤساء {يدعون إلى النار} أي الكفر والمعاصي التي يستحقون به النار لأن من أطاعهم ضل ودخل النار {ويوم القيامة لا ينصرون} يعني لا يمنعون من العذاب {وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} يعني خزياً وبعداً وعذاباً {ويوم القيامة هم من المقبوحين} يعني المبعدين وقيل المهلكين.
وقال ابن عباس من المشوهين بسواد الوجوه وزرقة العيون. وقوله عز وجل: {ولقد آتينا موسى الكتاب} يعني التوراة {من بعد ما أهلكنا القرون الأولى} يعني قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ممن كانوا قبل موسى {بصائر للناس} ليبصروا ذلك فيهتدوا به {وهدى} يعني من الضلالة لمن عمل به {ورحمة} يعني لمن آمن به {لعلهم يتذكرون} يعني بما فيه من المواعظ {وما كنت} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي وما كنت يا محمد {بجانب الغربي} يعني بجانب الجبل الغربي قال ابن عباس يريد حيث ناجى موسى ربه {إذ قضينا إلى موسى الأمر} يعني عهدنا إليه وأحكمنا الأمر معه بالرسالة إلى فرعون {وما كنت من الشاهدين} يعني الحاضرين ذلك المقام الذي أوحينا إلى موسى فيه فتذكره من ذات نفسك {ولكنا أنشأنا قروناً} يعني خلقنا بعد موسى أمماً {فتطاول عليهم العمر} يعني طالت عليهم المدة فنسوا عهد الله وتركوا أمره وذلك أن الله عهد إلى موسى وقومه عهوداً في محمد والإيمان به فلما طال عليهم العمر وخلفت القرون بعد القرون نسوا تلك العهود وتركوا الوفاء بها {وما كنت ثاوياً} أي مقيماً {في أهل مدين} أي كمقام موسى وشعيب فيهم {تتلوا عليهم آياتنا} يعني تذكرهم بالوعد والوعيد وقيل معناه لم تشهد أهل مدين فتقرأ على أهل مكة خبرهم {ولكنا كنا مرسلين} أي أرسلناك رسولاً وأنزلنا إليك كتاباً فيه هذه الأخبار لتتلوها عليه ولولا ذلك لما علمتها أنت ولم تخبرهم بها.