فصل: تفسير الآيات (46- 53):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (46- 53):

{وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (46) وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ (48) قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (49) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (51) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (52) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آَمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (53)}
{وما كنت بجانب الطور} أي بناحية الجبل الذي كلم الله موسى عليه {إذ نادينا} أي موسى خذ الكتاب بقوة وقال وهب قال موسى: يا رب أرني محمداً وأمته قال إنك لن تصل إلى ذلك ولكن إن شئت ناديت أمته وأسمعتك صوتهم قال بلى يا رب قال الله تعالى: يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب آبائهم. وقال ابن عباس قال الله تعالى: يا أمة محمد فأجابوه من أصلاب الآباء والأرحام أي أرحام الأمهات لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. قال الله تعالى: يا أمة محمد إن رحمتي سبقت غضبي وعفوي سبق عقابي قد أعطيتكم قبل أن تسألوني وقد أجبتكم قبل أن تدعوني وقد غفرت لكم قبل أن تستغفروني ومن جاءني يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبد ي ورسولي دخل الجنة وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر {ولكن رحمة من ربك} أي رحمناك رحمة بإرسالك والوحي إليك وإطلاعك على الأخبار الغائبة عنك {لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك} يعني أهل مكة {لعلهم يتذكرون} اعلم أن الله تعالى لما بين قصة موسى عليه الصلاة والسلام لرسوله صلى الله عليه وسلم فجمع بين هذه الأحوال الثلاثة العظيمة التي اتفقت لموسى؛ فالمراد بقوله: «إذ قضينا إلى موسى الأمر» هو إنزال التوراة عليه حتى تكامل دينه واستقر شرعه والمراد بقوله: {وما كنت ثاوياً في أهل مدين} أول أمر موسى والمراد بقوله إذ نادينا ليلة المناجاة فهذه أعظم أحوال موسى ولما بينها لرسوله ولم يكن في هذه الأحوال حاضراً بين الله أنه بعثه وعرفه هذه الأحوال الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم ومعجزته كأنه قال في إخبارك عن هذه الأشياء من غير حضور ولا مشاهدة دلالة ظاهرة على نبوتك.
قوله تعالى: {ولولا أن تصيبهم مصيبة} أي عقوبة ونقمة {بما قدمت أيديهم} يعني من الكفر والمعاصي {فيقولوا ربنا لولا} أي هلاّ {أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين} ومعنى الآية لولا أنهم يحتجون بترك الإرسال إليهم لعاجلناهم بالعقوبة على كفرهم وقيل معناه لما بعثناك إليهم رسولاً ولكنا بعثناك إليهم لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل {فلما جاءهم الحق من عندنا} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {قالوا} يعني كفار مكة {لولا} أي هلا {أوتي} محمد {مثل ما أوتي موسى} يعني من الآيات كالعصا واليد البيضاء. وقيل: أوتي كتاباً جملة واحدة كما أوتي موسى التوراة قال الله تعالى: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل} قيل إن اليهود أرسلوا إلى قريش أن يسألوا محمداً مثل ما أوتي موسى فقال الله تعالى: {أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل} يعني اليهود الذي استخرجوا هذا السؤال {قالوا سحران تظاهرا} يعني التوراة والقرآن يقوي كل واحد منهما الآخر وقيل ساحران يعني محمداً وموسى.
وقيل إن مشركي مكة بعثوا على رؤوس اليهود بالمدينة يسألونهم عن محمد صلى الله عليه وسلم فأخبروهم أن نعته في كتابهم التوراة فرجعوا فأخبروهم بقول اليهود فقالوا ساحران تظاهرا {وقالوا إنا بكل كافرون} يعني بالتوراة والقرآن وقيل بمحمد وموسى {قال} يا محمد {فأتوا بكتاب من عند الله هو أهدى منهما} يعني من التوراة والقرآن {أتبعه} يعني الكتاب الذي تأتون به من عند الله وهذا تنبيه على عجزهم عن الإتيان بمثله {إن كنتم صادقين فإن لم يستجيبوا لك} أي فإن لم يأتوا بما طلبت {فاعلم أنما يتبعون أهواءهم} يعني أن ما ركبوه من الكفر لا حجة لهم فيه وإنما آثروا أتباعهم ما هم عليه من الهوى {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} قوله عز وجل: {ولقد وصلنا لهم القول} قال ابن عباس: بينا وقيل أنزلنا آيات القرآن يتبع بعضها بعضاً، وقيل بينا لكفار مكة بما في القرآن من أخبار الأمم الخالية كيف عذبوا بتكذيبهم، وقيل وصلنا لهم خبر الدنيا بخبر الآخرة حتى كأنهم عاينوا الآخرة في الدنيا {لعلهم يتذكرون} أي يتعظون {الذين آتيناهم الكتاب من قبلة} أي من قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل من قبل القرآن {هم به يؤمنون} نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه وقيل بل هم أهل الإنجيل الذين قدموا من الحبشة وآمنوا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم وهم أربعون رجلاً قدموا مع جعفر بن أبي طالب فلما رأوا ما بالمسلمين من الحاجة والخاصة قالوا: يا رسول الله إن لنا أموالاً فإن أذنت لنا انصرفنا فجئنا بأموالنا فواسينا بها المسلمين فأذن لهم فانصرفوا فأتوا فواسوا بها المسلمين. فنزلت هذه الآيات إلى قوله: {ومما رزقناهم ينفقون} وقال ابن عباس: نزلت في ثمانين من أهل الكتاب وأربعون من نجران واثنان وثلاثون من الحبشة وثمانية من الشام ثم وصفهم الله تعالى فقال {وإذا يتلى عليهم} يعني القرآن {قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا} وذلك أن ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كان مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل {إنا كنا من قبله مسلمين} أي من قبل القرآن مخلصين لله التوحيد ومؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم إنه نبي حق.

.تفسير الآيات (54- 61):

{أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (54) وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (57) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ (58) وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ (59) وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ (60) أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (61)}
{أولئك يؤتون أجرهم مرتين} يعني بإيمانهم بالكتاب الأول والكتاب الآخر {بما صبروا} أي على دينهم وعلى أذى المشركين.
(ق) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لهم أجران رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم والعبد المملوك إذا أدى حق الله وحق مواليه ورجل كانت عنده أمة يطؤها فأدبها فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها ثم تزوجها فله أجران» {ويدرؤون بالحسنة السيئة} قال ابن عباس: يدفعون بشهادة أن لا إله إلا الله وقيل يدفعون ما سمعوا من أذى المشركين وشتمهم بالصفح والعفو {ومما رزقناهم ينفقون} أي في الطاعة {وإذ سمعوا اللغو} أي القول القبيح {أعرضوا عنه} وذلك أن المشركين كانوا يسبون مؤمني أهل مكة ويقولون تباً لكم تركتم دينكم فيعرضون عنهم ولا يردون عليهم {وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم} أي لنا ديننا ولكم دينكم {سلام عليكم} ليس المراد منه التحية ولكن سلام المتاركة والمعنى سلمتم منا لا نعارضكم بالشتم {لا نبتغي الجاهلين} يعني لا نحب دينكم الذي أنتم عليه. وقيل: لا نريد أن نكون من أهل الجهل والسفه وهذا قبل أن يؤمر المسلمون بالقتال ثم نسخ ذلك بالقتال. قوله تعالى: {إنك لا تهدي من أحببت} أي هدايته وقيل أحببته لقرابته {ولكن الله يهدي من يشاء} وذلك أن الله تعالى يقذف في القلب نور الهداية فينشرح الصدر للإيمان {وهو أعلم بالمهتدين} أي بمن قدر له الهدى.
(م) عن أبي هريرة قال: {إنك لا تهدي من أحببت} نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث راود عمه أبا طالب على الإسلام وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي طالب عند الموت: «ياعم قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة قال لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك» ثم أنشد:
ولقد علمت بأن دين محمد ** من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة ** لوجدتني سمحاً بذاك مبينا

ولكن على ملة الأشياخ عبد المطلب وعبد مناف ثم مات فأنزل الله هذه الآية: {وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا} يعني نزلت في الحارث بن عثمان بن نوفل بن عبد مناف وذلك أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لنعلم أن الذي تقول حق ولكن إن اتبعناك على دينك خفنا أن تخرجنا العرب من أرض مكة قال الله تعالى: {أو لم نمكن لهم حرما آمناً} وذلك أن العرب كانت في الجاهلية يغير بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضاً وأهل مكة آمنون حيث كانوا لحرمة الحرم.
ومن المعروف أنه كان تأمن فيه الظباء من الذئاب والحمام من الحدأة {يجبى إليه} يعني يجلب ويجمع إليه ويحمل إلى الحرم من الشام ومصر والعراق واليمن {ثمرات كل شيء رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون} يعني أن أكثر أهل مكة لا يعلمون ذلك. قوله عز وجل: {وكم أهلكنا من قرية} يعني من أهل قرية {بطرت معيشتها} أي أشرت وطغت وقيل عاشوا في البطر فأكلوا رزق الله وعبد وا الأصنام {فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً} قال ابن عباس: لم يسكنها إلا المسافرون سكوناً قليلاً وقيل لم يعمروا منها إلا أقلها وأكثرها خراب {وكنا نحن الوارثين} يعني لم يخلفهم فيها أحد بعد هلاكهم وصار أمرها إلى الله تعالى لأنه الباقي بعد فناء الخلق {وما كان ربك مهلك القرى} يعني الكافرة أهلها {حتى يبعث في أمها رسولاً} ينذرهم وخص الأم ببعثة الرسول لأنه يبعث إلى الأشراف وهم سكان المدن وقيل حتى يعبث في أمر القرى وهي مكة رسولاً يعني محمداً صلى الله عليه وسلم لأنه خاتم الأنبياء {يتلو عليهم آياتنا} أي أنه يؤدي إليهم ويبلغهم وقيل يخبرهم أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا {وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون} أي مشركون.
قوله عز وجل: {وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها} أي تتمتعون بها أيام حياتكم ثم هي إلى فناء وانقضاء {وما عند الله خير وأبقى} لأن منافع الآخرة خالصة عن الشوائب وهي دائماً غير منقطعة ومنافع الدنيا كالذرة بالقياس إلى البحر العظيم {أفلا تعقلون} أي أن الباقي خير من الفاني وقيل من لم يرجح الآخرة على الدنيا فليس بعاقل. ولهذا قال الشافعي: من أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله لأن أعقل الناس من أعطي القليل وأخذ الكثير وما هم إلا المشتغلون بطاعة الله تعالى {أفمن وعدناه وعداً حسناً} يعني الجنة {فهو لاقيه} أي مصيبه وصائر إليه {كمن متعناه متاع الحياة الدنيا} أي وتزول عنه عن قريب {ثم هو يوم القيامة من المحضرين} أي في النار، قيل هذا من المؤمن والكافر وقيل نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل، وقيل في علي وحمزة وأبي جهل وقيل في عمار بن ياسر والوليد بن المغيرة.

.تفسير الآيات (62- 75):

{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (62) قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ (63) وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ (64) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ (66) فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ (67) وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73) وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (74) وَنَزَعْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (75)}
قوله عز وجل: {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} أي في الدنيا أنهم من شركائي {قال الذين حق عليم القول} أي وجب عليهم العذاب وهم رؤوس الضلالة {ربنا هؤلاء الذي أغوينا} أي دعوناهم إلى الغي وهم الأتباع {أغويناهم كما غوينا} أي أضللناهم كما ضللنا {تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبد ون} معناه تبرأ بعضهم من بعض وصاروا أعداء {وقيل} يعني الكفار {ادعوا شركاءكم} أي الأصنام لتخلصكم من العذاب {فدعوهم فلم يستجيبوا لهم} أي لم يجيبوهم {ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون} معناه لو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا ما رأوا العذاب في الآخرة {ويوم يناديهم} أي يسأل الكفار {فيقول ما أجبتم المرسلين} أي ما كان جوابكم لمن أرسل إليكم من النبيين {فعميت عليهم} أي خفيت واشتبهت عليهم {الأنباء} يعني الأخبار والأعذار والحجج {يومئذ} فلم يكن لهم عذر ولا حجة {فهم لا يتساءلون} أي لا يجيبون ولا يحتجون وقيل يسكتون فلا يسأل بعضهم بعضاً {فأما من تاب وآمن وعمل صالحاً فعسى أن يكون من المفلحين} أي من السعداء الناجين وعسى من الله واجب.
قوله تعالى: {وربكم يخلق ما يشاء ويختار} نزلت هذه الآية جواباً للمشركين حين قالوا {لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم} يعني الوليد بن المغيرة أو عروة بن مسعود الثقفي أخبر الله تعالى أنه لا يبعث الرسل باختيارهم لأنه المالك المطلق وله أن يخص ما يشاء بما يشاء لا اعتراض البتة {ما كان لهم الخيرة} أي ليس لهم الاختيار، أو ليس لهم أن يختاروا على الله. وقيل معناه ويختار الله ما كان هو الأصلح والخير لهم فيه، ثم نزه الله تعالى نفسه فقال {سبحان الله وتعالى عما يشركون وربك يعلم ما تكن} أي تخفي {صدورهم وما يعلنون} أي يظهرون {وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة} أي يحمده أولياؤه في الدنيا ويحمدونه في الآخرة في الجنة {وله الحكم} أي فصل القضاء بين الخلق وقال ابن عباس يحكم لأهل طاعته بالمغفرة ولأهل المعصية بالشقاوة {وإليه ترجعون} قوله عز وجل: {قل} أي قل يا محمد لأهل مكة {أرأيتم} يعني أخبروني {إن جعل الله عليكم الليل سرمداً} أي دائماً {إلى يوم القيامة} لا نهار فيه {من إله غير الله يأتيكم بضياء} أي بنهار تطلبون فيه المعيشة {أفلا تسمعون} أي سماع فهم وقبول {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمداً إلى يوم القيامة} أي لا ليل فيه {من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون} أي ما أنتم عليه من الخطأ قيل إن من نعمة الله تعالى على الخالق أن جعل الله والنهار يتعاقبان لأن المرء في حال الدنيا وفي حال التكليف مدفوع إلى التعب ليحصل ما يحتاج إليه ولا يتم له ذلك لولا ضوء النهار ولأجله يحصل الاجتماع فتمكن المعاملات ومعلوم أن ذلك لا يتم إلا بالراحة والسكون بالليل فلابد منهما فأما من الجنة فلا تعب ولا نصب فلا حاجة بهم إلى الليل ولذلك يدوم لهم الضياء أبداً فبين الله تعالى أنه القادر على ذلك ليس غيره فقال {ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار} أي يتعاقبان بالظلمة والضياء {لتسكنوا فيه} أي في الليل {ولتبتغوا من فضله} أي بالنهار {ولعلكم تشكرون} أي نعم الله فيهما {ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون} كرر ذلك النداء للمشركين لزيادة التقريع والتوبيخ {ونزعنا} يعني أخرجنا وقيل ميزنا {من كل أمة شهيداً} يعني رسولهم يشهد عليهم بأنه بلغهم رسالة ربهم ونصح لهم {فقلنا} يعني للأمم المكذبة لرسلهم {هاتوا برهانكم} أي حجتكم بأن معي شريكاً {فعلموا أن الحق لله} أي التوحيد لله {وضل عنهم ما كانوا يفترون} أي يختلقون في الدنيا من الكذب على الله.