فصل: تفسير الآيات (30- 40):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (30- 40):

{قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (30) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آَيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآَخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37) وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}
{قال رب انصرني على القوم المفسدين} أي بتحقيق قولي إن العذاب نازل بهم. قوله عز وجل: {ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى} أي من الله بإسحاق ويعقوب {قالوا إنا مهلكو أهل هذه القرية} أي قوم لوط والقرية سدوم {إن أهلها كانوا ظالمين قال} يعني إبراهيم إشفاقاً على لوط وليعلم حاله {إن فيها لوطاً قالوا} أي قالت الملائكة {نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين} أي من الباقين في العذاب {ولما أن جاءت رسلنا لوطاً سيء بهم} أي ظنهم من الإنس فخاف عليهم ومعناه أنه جاءه ما ساءه {وضاق بهم ذرعاً} أي عجز عن تدبير أمرهم فحزن لذلك {وقالوا لا تخف} أي من قومك {ولا تحزن} علينا {إنا منجوك وأهلك} أي إنا مهلكوهم ومنجوك وأهلك {إلا امرأتك كانت من الغابرين إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً} أي عذاباً {من السماء} قيل هو الخسف والحصب بالحجارة {بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها} أي من قريات لوط {آية بينة} أي عبرة ظاهرة {لقوم يعقلون} يعني أفلا يتدبرون الآيات تدبر ذوي العقول قال ابن عباس الآية البينة آثار منازلهم الخربة وقيل هي الحجارة التي أهلكوا بها أبقاها الله حتى أدركها أوائل هذه الأمة. وقيل هي ظهور الماء الأسود على وجه الأرض. قوله تعالى: {وإلى مدين} أي وأرسلنا إلى مدين؛ ومدين اسم رجل وقيل اسم المدينة؛ فعلى القول الأول يكون المعنى وأرسلنا إلى ذرية مدين وأولاده؛ وعلى القول الثاني وأرسلنا إلى أهل مدين {أخاهم شعيباً فقال يا قوم اعبد وا الله وارجوا اليوم الآخرة} أي افعلوا فعل من يرجو اليوم الآخر وقيل معناه اخشوا اليوم الآخر وخافوه {ولا تعثوا في الأرض مفسدين فكذبه فأخذتهم الرجفة} أي الزلزلة وذلك أن جبريل صاح فرجفت الأرض رجفة {فأصبحوا في دارهم جاثمين} أي باركين على الركب ميتين {وعاداً وثمود} أي وأهلكنا عاداً وثمود {وقد تبين لكم} يا أهل مكة {من مساكنهم} أي منازلهم بالحجر واليمن {وزين لهم الشيطان أعمالهم} أي عبادتهم لغير الله {فصدهم عن السبيل} أي عن سبيل الحق {وكانوا مستبصرين} أي عقلاء ذوي بصائر. وقيل كانوا معجبين في دينهم وضلالتهم يحسبون أنهم على هدى وهم على باطل وضلالة والمعنى أنهم كانوا عند أنفسهم مستبصرين {وقارون وفرعون وهامان} أي أهلكنا هؤلاء {ولقد جاءهم موسى بالبينات} أي بالدلالات الواضحات {فاستكبروا في الأرض وما كانوا سابقين} أي فائتين من عذابنا {فكلاًّ أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً} وهم قوم لوط رموا بالحصباء وهي الحصى الصغار {ومنهم من أخذته الصيحة} يعني ثمود {ومنهم من خسفنا به الأرض} يعني قارون وأصحابه {ومنهم من أغرقنا} يعني قوم نوح وفرعون وقومه {وما كان الله ليظلمهم} أي بالهلاك {ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} أي بالإشراك.

.تفسير الآيات (41- 45):

{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43) خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)}
قوله تعالى: {مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء} يعني الأصنام يرجون نصرها ونفعها {كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً} لنفسها تأوي إليه وإن بيتها في غاية الضعف والوهن لا يدفع عنها حراً ولا برداً فكذلك الأوثان لا تملك لعابدها نفعاً ولا ضراً. وقيل معنى هذا المثل أن المشرك الذي يعبد الأصنام بالقياس إلى المؤمن الذي يعبد الله مثل العنكبوت تتخذ بيتاً من نسجها بالإضافة إلى رجل بنى بيتاً بآجر وجص أو نحته من صخر فكما أن أوهن البيوت إذا استقريتها بيتاً بيتاً بيت العنكبوت فكذلك أضعف الأديان إذا استقريتها ديناً ديناً عبادة الأوثان لأنها لا تضر ولا تنفع {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} أشار إلى ضعفه فإن الريح إذا هبت عليه أو لمسه لامس فلا يبقى له عين ولا أثر فقد صح أن أوهن البيوت لبيت العنكبوت وقد تبين أن دينهم أوهن الأديان {لو كانوا يعلمون} أي أن هذا مثلهم وأن أمر دينهم بلغ هذه الغاية من الوهن {إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء} هذا توكيد للمثل وزيادة عليه يعني إن الذي يدعون من دونه ليس بشيء {وهو العزيز الحكيم} معناه كيف يجوز للعاقل أن يترك عبادة الله العزيز الحكيم القادر على كل شيء ويشتغل بعبادة من ليس بشيء أصلاً {وتلك الأمثال} أي الأشباه يعني أمثال القرآن التي شبه بها أحوال الكفار من هذه الأمة بأحوال كفار الأمم السابقة {نضربها} أي نبينها {للناس} أي لكفار مكة {وما يعقلها إلا العالمون} يعني ما يعقل الأمثال إلا العلماء الذين يعقلون عن الله عز وجل. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية. {وتلك الأمثال نضربها للناس ومايعقلها إلا العالمون} قال: «العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه» {خلق الله السموات والأرض بالحق} أي للحق وإظهار الحق {إن في ذلك لآية} أي دلالة {للمؤمنين} على قدرته وتوحيده.
وقوله تعالى: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب} يعني القرآن {وأقم الصلاة} فإن قلت: لم أمر بهذين الشيئين تلاوة الكتاب وإقامة الصلاة فقط؟ قلت لأن العبادة المختصة بالعبد ثلاثة: قلبية وهي الاعتقاد الحق ولسانية وهي الذكر الحسن وبدنية وهي العمل الصالح، لكن الاعتقاد لا يتكرر فإن اعتقد شيئاً لا يمكنه أن يعتقده مرة أخرى بل ذلك يدوم مستمراً فبقي الذكر العبادة البدنية وهما ممكنا التكرار فلذلك أمر بهما {إن الصلاة تنهى عن الفحشاء} أي ما قبح من الأعمال {والمنكر} أي ما لا يعرف في الشرع. قال ابن مسعود وابن عباس في الصلاة منتهى ومزدجر عن معاصي الله، فمن لم تأمره صلاته بالمعروف ولم تنهه عن المنكر لم تزده صلاته من الله إلا بعداً.
وقال الحسن وقتادة: من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فصلاته وبال عليه وقيل من داوم على الصلاة جره ذلك إلى ترك المعاصي والسيئات كما روي عن أنس قال: «كان فتى من الأنصار يصلي الصلوات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم يدع من الفواحش شيئاً إلا ركبه فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن صلاته ستنهاه يوماً فلم يلبث أن تاب وحسن حاله» وقيل: معنى الآية أنه ما دام في صلاته فإنها تنهاه عن الفحشاء والمنكر ومنه قوله: «إن في الصلاة لشغلاً» وقيل أراد بالصلاة القرآن وفيه ضعف لتقدم ذكر القرآن على هذا يكون معناه أن القرآن ينهاه عن الفحشاء والمنكر كما روي عن جابر قال: قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم «إن رجل يقرأ القرآن الليل كله فإذا أصبح سرق قال ستنهاه قراءته» وفي رواية «أنه قيل يا رسول الله إن فلاناً يصلي بالنهار ويسرق بالليل فقال إن صلاته لتردعه» وعلى كل حال فإن المراعي للصلاة لابد وأن يكون أبعد عن الفحشاء والمنكر ممن لا يراعيها {ولذكر الله أكبر} أي أنه أفضل الطاعات. عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إعطاء الذهب والورق وخير لكم من أن تلقوا أعداءكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم قالوا بلى يا رسول الله قال بذكر الله» أخرجه الترمذي وله عن أبي سعيد الخدري قال: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال الذاكرون الله كثيراً قالوا يا رسول الله والغازي في سبيل الله؟ فقال لو ضرب بسيفه الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختصب في سبيل الله دماً لكان الذاكرون الله كثيراً أفضل منه درجة».
(م) عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «سبق المفردون قالوا وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات» يروي المفردون بتشديد الراء وتخفيفها والتشديد أتم يقال فرد الرجل بتشديد الراء إذا تفقه واعتزل الناس وحده مراعياً للأمر والنهي وقيل هم المتخلفون عن الناس بذكر الله لا يخلطون به غيره.
(خ) عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده» وروي «أن أعرابياً قال يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال أن تفارق الدنيا ولسانك رطب بذكر الله» وقال ابن عباس: معنى ولذكر الله أكبر ذكر الله إياكم أفضل من ذكركم إياه ويروى ذلك مرفوعاً عن ابن عمر عن النبيّ صلى الله عليه سلم وقال ابن عطاء ولذكر الله أكبر أي لن تبقى معه معصية {والله يعلم ما تصنعون} يعني لا يخفى عليه شيء من أمركم.

.تفسير الآيات (46- 53):

{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآَيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ (49) وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51) قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (52) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53)}
قوله عز وجل: {ولا تجادلوا أهل الكتاب} أي ولا تخاصموهم {إلا بالتي هي أحسن} أي القرآن والدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه وأراد بهم من قبل الجزية منهم {إلا الذين ظلموا منهم} يعني أبوا أن يعطوا الجزية ونصبوا الحرب فافجؤوهم بالسيف حتى يسلموا أو يعطوا الجزية ومعنى الآية إلا الذين ظلموكم لأن جميعهم ظالم بالكفر وقيل هم أهل الحرب ومن لا عهد له. وقيل الآية منسوخة بآية السيف {وقولوا} أي للذين قبلوا الجزية إذا حدثوكم بشيء مما في كتبكم {آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون}.
(خ) عن أبي هريرة قال كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها بالعربيه لأهل الإسلام فقال النبي صلى الله عليه سلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا» الآية.
قوله عز وجل: {وكذلك} أي كما أنزلنا إليهم الكتاب {أنزلنا إليك الكتاب فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به} يعني مؤمني أهل الكتاب كعبد الله بن سلام وأصحابه {ومن هؤلاء} يعني أهل مكة {من يؤمن به وما يجحد بآياتنا إلا الكافرون} وذلك أن اليهود عرفوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي والقرآن حق فجحدوا والجحود إنما يكون بعد المعرفة {وما كنت تتلو} يا محمد {من قبله من كتاب} معناه من كتب أي من قبل ما أنزلنا إليك الكتاب {ولا تخطه بيمينك} يعني ولا تكتبه والمعنى لم تكن تقرأ ولم تكتب قبل الوحي {إذاً لارتاب المبطلون} معناه لو كنت تكتب أو تقرأ قبل الوحي إليك لارتاب المشركون من أهل مكة، وقالوا إنه يقرأه من كتب الأولين أو ينسخه منها وقيل المبطلون هم اليهود ومعناه أنهم إذاً لشكوا فيه واتهموك وقالوا إن الذي نجد نعته في التوراة لا يقرأ ولا يكتب وليس هذا على ذلك النعت {بل هو آيات بينات} يعني القرآن {في صدور الذين أوتوا العلم} يعني المؤمنين الذي حملوا القرآن وقال ابن عباس يعني محمداً صلى الله عليه وسلم ذو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب لأنهم يجدون نعته وصفته في كتبهم {وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون} يعني اليهود {وقالوا} يعني كفار مكة {لولا أنزل عليه آية من ربه} أي كما أنزل على الأنبياء من قبل وقيل: أراد بالآيات معجزات الأنبياء مثل ناقة صالح ومائدة عيسى ونحو ذلك {قل إنما الآيات عند الله} أي هو القادر على إنزالها إن شاء أنزلها {وإنما أنا نذير مبين} إي إنما كلفت الإنذار وليس إنزال الآيات بيدي {أولم يكفهم أنا أنزلنا} هذا جواب لقولهم لولا أنزل عليه آية من ربه قال أول يكفهم أن أنزلنا {عليكم الكتاب يتلى عليهم} معناه أن القرآن معجزة أتم من معجزة من تقدم من الأنبياء لأن معجزة القرآن تدوم على ممر الدهور والزمان ثابتة لا تضمحل كما نزول كل آية بعد كونها {إن في ذلك} يعني القرآن {لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون} أي تذكيراً وعظة لمن آمن به وعمل صالحاً {قل كفى بالله بيني وبينكم شهيداً} قال ابن عباس معناه يشهد لي أني رسوله والقرآن كتابه ويشهد عليكم بالتكذيب، وشهادة الله إثبات المعجزة له بإنزال الكتاب عليه {يعلم ما في السموات والأرض} أي هو المطلع على أمري وأمركم ويعلم حقي وباطلكم لا تخفى عليه خافية {والذين آمنوا بالباطل} قال ابن عباس: بغير الله وقيل بعبادة الشيطان وقيل بما سوى الله لأن ما سوى الله باطل {وكفروا بالله}.
فإن قلت من آمن بالباطل فقد كفر بالله فهل لهذا العطف فائدة غير التأكيد. قلت نعم فائدته أن ذكر الثاني لبيان قبح الأول فهو كقول القائل أتقول الباطل وتترك الحق لبيان أن الباطل قبيح {أولئك هم الخاسرون} أي المغبونون في صفقتهم حيث اشتروا الكفر بالإيمان. قوله عز وجل: {ويستعجلونك بالعذاب} نزلت في النضر بن الحارث حيث قال {فأمطر علينا حجارة من السماء} {ولولا أجل مسمى} قال ابن عباس ما وعدتك أني لا أعذب قومك ولا أستأصلهم وأؤخر عذابهم إلى يوم القيامة وقيل مدة أعمارهم لأنهم إذا ماتوا صاروا إلى العذاب وقيل يوم بدر {لجاءهم العذاب وليأتينهم} يعني العذاب، وقيل الأجل {بغتة وهم لا يشعرون} بإتيانه.