فصل: تفسير الآيات (23- 31):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (23- 31):

{وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23) قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) قُلْ لَا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ (25) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ (26) قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (27) وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (28) وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (29) قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلَا تَسْتَقْدِمُونَ (30) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآَنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31)}
{ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له} يعني أذن الله له في الشفاعة قاله تكذيباً للكفار حيث قالوا: هؤلاء شفعاؤنا عند الله وقيل: يجوز أن يكون المعنى إلا لمن أذن الله في أن يشفع له {حتى إذا فزع عن قلوبهم} معناه كشف الفزع وأخرج عن قلوبهم قيل هم الملائكة وسبب ذلك من غشية تصيبهم عند سماع كلام الله تعالى.
(خ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها» فإذا فزع عن قلوبهم {قالوا ماذا قال ربكم قالوا} الذي قال {الحق وهو العلي الكبير} وللترمذي «إذا قضى الله في السماء أمراً ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاً لقوله كأنه سلسة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ما ذا قال ربكم قالوا الحق وهو العلي الكبير» قال الترمذي حديث حسن صحيح قوله: خضعاً جمع خاضع وهو المنقاد المطمئن والصفوان الحجر الأملس عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات صلصلة كجر السلسلة على الصفاة، فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل فإذا جاء فزع عن قلوبهم فيقولون يا جبريل ماذا قال ربك؟ فيقول الحق فيقولون الحق» أخرجه أبو داود. الصلصلة صوت الأجراس الصلبة بعضها على بعض، وقيل: إنما يفزعون حذراً من قيام الساعة، قيل كانت الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام خمسمائة سنة أو ستمائة، لم تسمع الملائكة فيها صوت وحي فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم كلم جبريل بالرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فلما سمعت الملائكة ظنوا أنها الساعة، لأن محمداً صلى الله عليه وسلم، عند أهل السموات من أشراط الساعة، فصعقوا مما سمعوا خوفاً من قيام الساعة فلما انحدر جبريل جعل يمر بأهل كل سماء، فيكشف عنهم فيرفعون رؤوسهم ويقول بعضهم لبعض: ماذا قال ربكم: قالوا الحق يعني الوحي وهو العلي الكبير وقيل: الموصوفون بذلك هم المشركون وقيل إذا كشف الفزع عن قلوبهم عند نزول الموت قالت الملائكة لهم ماذا قال ربكم في الدنيا لإقامة الحجة عليهم؟ قالوا: الحق فأقروا به حين لم ينفعهم الإقرار وهو العلي الكبير أي ذو العلو والكبرياء.
قوله عز وجل: {قل من يرزقكم من السموات والأرض} يعني المطر والنبات {قل الله} يعني إن لم يقولوا إن رزاقنا هو الله فقل: أنت إن رازقكم هو الله {وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين} معناه ما نحن وأنتم على أمر واحد بل أحد الفريقين مهتد والآخر ضال، وهذا ليس على طريق الشك بل جهة الإلزام والإنصاف في الحجاج، كما يقول القائل أحدنا كاذب، وهو يعلم أنه صادق وصاحبه كاذب فالنبي صلى الله عليه وسلم ومن اتبعه على الهدى ومن خالفه في ضلال فكذبهم من غير أن يصرح بالتكذيب ومنه بيت حسان:
أتهجوه ولست له بكفء ** فشركما لخيركما الفداء

وقيل أو بمعنى الآية إنا لعلى هدى وإنكم لفي ضلال مبين {قل لا تسألون عما أجرمنا} أي تؤاخذون به {ولا نسأل عما تعملون} أي من الكفر والتكذيب وقيل أراد بالإجرام الصغائر والزلات التي لا يخلو منها مؤمن وبالعمل الكفر والمعاصي العظام {قل يجمع بيننا ربنا} أي يوم القيامة {ثم يفتح} يعني يقضي ويحكم {بيننا بالحق} يعني بالعدل {وهو الفتاح} يعني القاضي {العليم} يعني بما يقضي {قل أروني} أعلموني {الذين ألحقتم به} يعني بالله {شركاء} يعني الأصنام التي أشركوها معه في العبادة هل يخلقون أو يرزقون وأراد بذلك أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله {كلا} كلمة ردع لهم عن مذهبهم والمعنى أرتدعوا فإنهم لا يخلقون ولا يرزقون {بل هو العزيز} أي الغالب على أمره {الحكيم} أي تدبير خلقه فأنى يكون له شريك في ملكه. قوله عز وجل: {وما أرسلناك إلا كافة للناس} يعني للناس كلهم عامة أحمرهم وأسودهم عربيهم وعجميهم وقيل الرسالة عامة لهم لأنها إذا شملتهم فقد كفتهم أن يخرج منها أحد.
(ق) عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي، نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهور، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة» في الحديث بيان الفضائل التي خص الله بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء، وأن هذه الخمسة لم تكن لأحد ممن كان قبله من الأنبياء، وفيه اختصاصه بالرسالة العامة لكافة الخلق الإنس والجن وكان النبي قبله يبعث إلى قومه أو إلى أهل بلده فعمت رسالة نبينا صلى الله عليه سلم، جميع الخلق وهذه درجة خص بها دون سائر الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام، وقيل في المعنى كافة أي كافأتكفهم عما هم عليه من الكفر فتكون الهاء للمبالغة {بشيراً} أي لمن آمن بالجنة {ونذيراً} أي لمن كفر بالنار {ولكن أكثر الناس لا يعلمون ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين} يعني يوم القيامة {قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون ساعة ولا تستقدمون} معناه لا تتقدمون على يوم القيامة وقيل: عن يوم الموت ولا تتأخرون عنه بأن يزاد في آجالهم أو ينقص منها {وقال الذين كفروا لن نؤمن بهذا القرآن ولا بالذي بين يديه} يعني التوراة والإنجيل {ولو ترى} أي يا محمد {إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول} معناه ولو ترى في الآخرة موقفهم وهم يتجاذبون أطراف المحاورة ويتراجعونها بينهم لرأيت العجب {يقول الذين استضعفوا} وهم الأتباع {للذين استكبروا} وهو القادة والأشراف {لولا أنتم لكنا مؤمنين} يعني أنتم منعتمونا عن الإيمان بالله ورسوله.

.تفسير الآيات (32- 39):

{قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ (32) وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (33) وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (34) وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)}
{قال الذين استكبروا} أي أجاب المتبوعون في الكفر {للذين استضعفوا أنحن صددناكم} أي منعناكم {عن الهدى} أي عن الإيمان {بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين} أي بترك الإيمان {وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار} أي مكركم بنا في الليل والنهار وقيل مكر الليل والنهار هو طول السلام في الدنيا وطول الأمل فيها {إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أنداداً} أي هو قول القادة للأتباع إن ديننا الحق وإن محمد كذاب ساحر وهذا تنبيه للكفار أن تصير طاعة بعضهم لبعض في الدنيا سبب عداوتهم في الآخرة {وأسروا الندامة} أي أظهروها وقيل: أخفوها وهو من الأضداد {لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا} أي في النار الأتباع والمتبوعين جميعاً {هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} أي من الكفر والمعاصي في الدنيا. قوله عز وجل: {وما أرسلنا في قرية من نذير إلا قال مترفوها} أي رؤساؤها وأغنياؤها {إنا بما أرسلتم به كافرون وقالوا} يعني المترفين والأغنياء للفقراء الذين آمنوا {نحن أكثر أموالاً وأولاداً} يعني لو لم يكن الله راضياً بما نحن عليه من الدين والعمل الصالح لم يخولنا أموالاً ولا أولاداً {وما نحن بمعذبين} أي إن الله قد أحسن إلينا في الدنيا بالمال والولد فلا يعذبنا في الآخرة {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر} يعني أنه تعالى يبسط الرزق ابتلاء وامتحاناً ولا يدل البسط على رضا الله تعالى ولا التضييق على سخطه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} أي إنها كذلك {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} أي بالتي تقربكم عندنا تقريباً {إلا} أي لكن {من آمن وعمل صالحاً} قال ابن عباس يريد إيمانه وعلمه يقربه مني {فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا} أي يضعف الله لهم حسناتهم فيجزي بالحسنة الواحدة عشر إلى سبعمائة {وهم في الغرفات آمنون والذين يسعون في آياتنا} أي يعملون في إبطال حججنا {معاجزين} أي معاندين يحسبون أنهم يعجزوننا ويفوتنا {أولئك في العذاب محضرون}. قوله تعالى عز وجل: {قل إن ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} أي يعطي خلفه إذا كان في غير إسراف ولا تقتير فهو يخلفه ويعوضه لا معوض سواه إما عاجلاً بالمال أو بالقناعة التي هي كنز لا ينفد، وإما بالثواب في الاخرة الذي كل خلف دونه، وقيل ما تصدقتم من صدقة وأنفقتم من خير فهو يخلفه على المنفق. قال مجاهد: من كان عنده من هذا المال ما يقيمه فليقتصد، فإن الرزق مقسوم ولعل ما قسم له قليل، وهو ينفق نفقة الموسع عليه فينفق جميع ما في يده ثم يبقى طول عمره في فقره، ولا يتأولن وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه فإن هذا في الآخرة ومعنى الآية ما كان من خلف فهو منه.
(ق) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله تبارك وتعالى: أنفق ينفق عليك» ولمسلم «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك».
(ق) عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً».
(م) عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبد اً بعفو إلا عزاً وما تواضع لله إلا رفعه الله» {وهو خير الرازقين} أي خير من يعطي ويرزق لأن ما رزق غيره من سلطان يرزق جنده أو سيد يرزق مملوكه أو رجل يرزق عياله فهو من رزق الله أجراه الله على أيدي هؤلاء وهو الرزاق الحقيقي الذي لا رازق سواه.

.تفسير الآيات (40- 49):

{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42) وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَذَا إِلَّا إِفْكٌ مُفْتَرًى وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ (43) وَمَا آَتَيْنَاهُمْ مِنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ (44) وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَمَا بَلَغُوا مِعْشَارَ مَا آَتَيْنَاهُمْ فَكَذَّبُوا رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (45) قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46) قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (48) قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ (49)}
قوله تعالى: {ويوم نحشرهم جميعاً} يعني هؤلاء الكفار {ثم نقول للملائكة أهؤلاء إياكم كانوا يعبد ون} أي في الدنيا وهذا استفهام تقريع وتقرير للكفار فتتبرأ الملائكة منهم من ذلك وهو قوله تعالى: {قالوا سبحانك} أي تنزيها لك {أنت ولينا من دونهم} أي نحن نتولاك ولا نتولاهم فبينوا بإثبات موالاة الله ومعاداة الكفار براءتهم من الرضا بعبادتهم لهم {بل كانوا يعبد ون الجن} يعني الشياطين. فان قلت قد عبد وا الملائكة فكيف وجه قوله بل كانوا يعبد ون الجن. قلت أراد أن الشياطين زينوا لهم عبادة الملائكة فأطاعوهم في ذلك فكانت طاعتهم للشياطين عبادة لهم وقيل صوروا لهم صوراً وقالوا لهم هذه صور الملائكة فاعبد ها فعبد وها وقيل كانوا يدخلون في أجواف الأصنام فيعبد ون بعبادتها {أكثرهم بهم مؤمنون} يعني مصدقون للشياطين قال الله تعالى: {فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً} أي شفاعة {ولا ضراً} أي بالعذاب يريد أنهم عاجزون ولا نفع عندهم ولا ضر {ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل} يعنون محمدا صلى الله عليه وسلم {يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم وقالوا ما هذا إلا إفك مفترى} يعنون القرآن {وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين وما آتيناهم} يعني هؤلاء المشركين {من كتب يدرسونها} أي يقرؤونها {وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير} أي لم يأت العرب قبلك نبي ولا أنزل إليهم كتاب {وكذب الذين من قبلهم} أي من الأمم السالفة رسلنا {وما بلغوا} يعني هؤلاء المشركين {معشار} أي عشر {ما آتيناهم} أي أعطينا الأمم الخالية من القوة والنعمة وطول الأعمار {فكذبوا رسلي فكيف كان نكير} أي إنكاري عليهم يحذر بذلك كفار هذه الأمة عذاب الأمم الماضية. قوله عز وجل: {قل إنما أعظكم} أي آمركم وأوصيكم {بواحدة} أي بخصلة واحدة ثم بين تلك الخصلة فقال تعالى: {أن تقوموا لله} أي لأجل الله {مثنى} أي اثنين {وفرادى} أي واحداً واحداً {ثم تتفكروا} أي تجتعوا جميعاً فتنظروا وتتحاوروا وتتفكروا في حال محمد صلى الله عليه وسلم فتعلموا أن {ما بصاحبكم من جنة} ومعنى الآية إنما أعظكم بواحدة إن فعلتموها أصبتم الحق وتخلصتم وهي أن تقوموا لله وليس المراد به القيام على القدمين ولكن هو الانتصاب في الأمر والنهوض فيه بالهمة فتقوموا لوجه الله خالصاً ثم تتفكروا في أمر محمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به أمان الاثنان فيتفكران، ويعرض كل منهما محصول فكره على صاحبه لينظرا فيه نظر متصادقين متناصفين لا يميل بهما اتباع الهوى وأما الفرد فيفكر في نفسه أيضاً بعدل ونصفة هل رأينا في هذا الرجل جنوناً قط أو جربنا عليه كذباً قط وقد علمتم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما به من جنة بل قد علمتم أنه من أرجح قريش عقلاً وأوزنهم حلماً وأحدهم ذهناً وأرصنهم رأياً وأصدقهم قولاً وأزكاهم نفساً، وأجمعهم لما يحمد عليه الرجال ويمدحونه به وإذا علمتم ذلك كفاكم أن تطالبوه بآية وإذا جاء بها تبين أنه نبي نذير مبين صادق فيما جاء به وقيل: تم الكلام عند قوله: {تتفكروا} أي في السموات والأرض فتعلموا أنه خالقها واحد لا شريك له ثم ابتدأ فقال ما بصاحبكم من جنة {إن هو إلا نذير لكم بين يدي عذاب شديد قل ما سألتكم} أي على تبليغ الرسالة {من أجر} أي جعل {فهل لكم} أي لم أسألكم شيئاً {إن أجري} أي ثوابي {إلا على الله وهو على كل شيء شهيد قل إن ربي يقذف بالحق} أي يأتي بالوحي من السماء فيقذفه إلى الأنبياء {علام الغيوب} أي خفيات الأمور {قل جاء الحق} أي القرآن والإسلام {وما يبدئ الباطل وما يعيد} أي ذهب الباطل وزهق فلم تبق منه بقية تبدئ شيئاً أو تعيده وقيل الباطل هو إبليس والمعنى لا يخلق إبليس أحداً ابتداء ولا يبعثه إذا مات وقيل الباطل الأصنام.