فصل: تفسير الآيات (20- 26):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (20- 26):

{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20) هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (21) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (22) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ (23) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26)}
{وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين} يعني يوم الحساب والجزاء {هذا يوم الفصل} أي القضاء وقيل بين المحسن والمسيء {الذي كنتم به تكذبون} أي في الدنيا {احشروا} أي اجمعوا {الذين ظلموا} أي أشركوا وقيل هو عام في كل ظالم {وأزواجهم} أي أشباههم وأمثالهم فكل طائفة مع مثلها فأهل الخمر مع أهل الخمر وأهل الزنا مع أهل الزنا وقيل أزواجهم أي قرناءهم من الشياطين يقرن كل كافر مع شيطانه في سلسلة وقيل أزواجهم المشركات {وما كانوا يعبد ون من دون الله} أي في الدنيا يعني الأصنام والطواغيت وقيل إبليس وجنوده {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} قال ابن عباس أي دلوهم إلى طريق النار {وقفوهم} أي احبسوهم {إنهم مسؤولون} لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط للسؤال قال ابن عباس عن جميع أقوالهم وأفعالهم ويروى عنه عن لا إله إلا الله وروى عن أبي برزة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن علمه ماذا عمل به وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن جسمه فيما أبلاه» وفي رواية. «عن شبابه فيما أبلاه» أخرجه الترمذي وله عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من داع دعا إلى شيء إلا كان موقوفاً يوم القيامة لازماً به لا يفارقه وإن دعا رجل رجلاً» ثم قرأ: {وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون} أي تقول لهم خزنة جهنم توبيخاً لهم ما لكم لا ينصر بعضكم بعضاً وهذا جواب لأبي جهل حيث قال يوم بدر نحن جميع منتصر قال الله تعالى: {بل هم اليوم مستسلمون} قال ابن عباس خاضعون. وقيل منقادون والمعنى هم اليوم أذلاء منقادون لا حيلة لهم.

.تفسير الآيات (27- 37):

{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (37)}
{وأقبل بعضهم على بعض} يعني الرؤساء والأتباع {يتساءلون} يعني يتخاصمون {قالوا} يعني الرؤساء للأتباع {إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين} يعني من قبل الدين فتضلوننا وتروننا أن الدين ما تضلوننا به. وقيل كان الرؤساء يحلفون لهم أن الدين الذي يدعونهم إليه هو الحق والمعنى أنكم حلفتم لنا فوثقنا بأيمانكم وقيل عن اليمين أي عن العزة والقدرة والقول الأول أصح {قالوا} يعني الرؤساء للأتباع {بل لم تكونوا مؤمنين} يعني لم تكونوا على حق حتى نضلكم عنه بل كنتم على الكفر {وما كان لنا عليكم من سلطان} يعني من قوة وقدرة فنقهركم على متابعتنا {بل كنتم قوماً طاغين} يعني ضالين {فحق علينا} يعني وجب علينا جميعاً {قول ربنا} يعني كلمة العذاب وهي قوله: {لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين} {إنا لذائقون} يعني أن الضال والمضل جميعاً في النار {فأغويناكم} فأضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا عليه {إنا كنا غاوين} أي ضالين قال الله تعالى: {فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون} يعني الرؤساء والأتباع {إنا كذلك نفعل بالمجرمين} قال ابن عباس الذين جعلوا لله شركاء ثم بين تعالى أنهم إنما وقعوا في ذلك العذاب باستكبارهم عن التوحيد فقال تعالى: {إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون} أي يتكبرون عن كلمة التوحيد ويمتنعون منها {ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون} يعنون محمداً صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى رداً عليهم {بل جاء بالحق وصدق المرسلين} يعني أنه أتى بما أتى به المرسلون قبله من الدين والتوحد ونفي الشرك.

.تفسير الآيات (38- 49):

{إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (39) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (43) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (44) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (45) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (46) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (47) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (48) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)}
{إنكم لذائقوا العذاب الأليم وما تجزون إلا ما كنتم تعملون} أي في الدنيا من الشرك والتكذيب {إلا} أي لكن وهو استثناء منقطع {عباد الله المخلصين} أي الموحدين {أولئك لهم رزق معلوم} يعني بكرة وعشياً وقيل حين يشتهونه يؤتون به وقيل إنه معلوم الصفة من طيب طعم ولذة ورائحة وحسن منظر ثم وصف ذلك الرزق فقال تعالى: {فواكه} جمع فاكهة وهي الثمار كلها رطبها ويابسها وكل طعام يؤكل للتلذذ لا للقوت. وقيل إن أرزاق أهل الجنة كلها فواكه لأنهم مستغنون عن حفظ الصحة بالأقوات لأن أجسادهم خلقت للأبد فكل ما يأكلونه على سبيل التلذذ ثم إن ذلك حاصل مع الإكرام والتعظيم كما قال تعالى: {وهم مكرمون} أي بثواب الله تعالى ثم وصف مساكنهم فقال تعالى: {في جنات النعيم على سرر متقابلين} يعني لا يرى بعضهم قفا بعض ثم وصف شرابهم فقال تعالى: {يطاف عليهم بكأس من معين} كل إناء فيه شراب يسمى كأساً وإذا لم يكن فيه شراب فهو إناء وقد تسمى الخمر نفسها كأساً قال الشاعر:
وكأساً شربت على لذة

ومعنى معين أي من خمر جارية في الأنهار ظاهرة تراها العيون {بيضاء} يعني أن خمر الجنة أشد بياضاً من اللبن {لذة} أي لذيذة {للشاربين لا فيها غول} أي لا تغتال عقولهم فتذهب بها وقيل لا إثم فيها ولا وجع البطن ولا صداع وقيل الغول فساد يلحق في خفاء وخمر الدنيا يحصل منها أنواع من الفساد ومنها السكر وذهاب العقل ووجع البطن وصداع الرأس والبول والقيء والخمار والعربدة وغير ذلك ولا يوجد شيء من ذلك في خمر الجنة {ولا هم عنها ينزفون} أي لا تغلبهم على عقولهم ولا يسكرون وقيل معناه لا ينفد شرابهم ثم وصف أزواجهم فقال تعالى: {وعندهم قاصرات الطرف} أي حابسات الأعين غاضات العيون قصرن أعينهن على أزواجهن فلا ينظرن إلى غيرهم {عين} أي حسان الأعين عظامها {كأنهن بيض مكنون} أي مصون مستور شبههن ببيض النعام لأنها تكنها بالريش من الريح والغبار فيكون لونها أبيض في صفرة ويقال هذا من أحسن ألوان النساء وهو أن تكون المرأة بيضاء مشوبة بصفرة والعرب تشبه المرأة ببيض النعامة وتسميهن ببيضات الخدور.

.تفسير الآيات (50- 62):

{فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (50) قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ (51) يَقُولُ أَئِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (52) أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَدِينُونَ (53) قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (54) فَاطَّلَعَ فَرَآَهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ (55) قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (56) وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (57) أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (58) إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (59) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60) لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ (61) أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)}
قوله عز وجل: {فأقبل بعضهم على بعض} يعني أهل الجنة في الجنة {يتساءلون} أي يسأل بعضهم بعضاً عن حاله في الدنيا {قال قائل منهم} أي من أهل الجنة {إني كان لي قرين} أي في الدنيا ينكر البعث قيل كان قرينه شيطاناً وقيل كان من الإنس قيل كانا أخوين وقيل كانا شريكين أحدهما كافر اسمه قطروس والآخر مؤمن اسمه يهوذا وهما اللذان قص الله عز وجل خبرهما في سورة الكهف في قوله: {واضرب لهم مثلاً رجلين} {يقول أئنك لمن المصدقين} أي بالبعث {أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمدينون} أي مجزيون ومحاسبون وهذا استفهام إنكاري {قال} الله تعالى لأهل الجنة {هل أنتم مطلعون} أي إلى النار وقيل يقول المؤمن لإخوانه من أهل الجنة هل أنتم مطلعون أي لننظر كيف منزلة أخي في النار فيقول أهل الجنة أنت أعرف به منا {فاطلع} أي المؤمن قال ابن عباس إن في الجنة كوى ينظر منها أهلها إلى النار {فرآه في سواء الجحيم} أي فرأى قرينه في وسط النار سمي وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه {قال تالله إن كدت لتردين} أي والله لقد كدت أن تهلكني وقيل تغويني ومن أغوى إنساناً فقد أرداه وأهلكه {ولولا نعمة ربي} أي رحمة ربي وإنعامه علي بالإسلام {لكنت من المحضرين} أي معك في النار {أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى} أي في الدنيا {وما نحن بمعذبين} قيل يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت فتقول الملائكة لهم لا فيقولون {إن هذا لهو الفوز العظيم} وإنما يقولونه على جهة التحدث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون ليفرحوا بدوام النعيم لا على طريق الاستفهام لأنهم قد علموا أنهم ليسوا بميتين ولا معذبين ولكن أعادوا الكلام ليزدادوا سروراً بتكراره وقيل يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره قال الله تعالى: {لمثل هذا} أي المنزل والنعيم الذي ذكره في قوله: {أولئك لهم رزق معلوم} {فليعمل العاملون} هذا ترغيب في ثواب الله تعالى وما عنده بطاعته.
قوله تعالى: {أذلك} أي الذي ذكره لأهل الجنة من النعيم {خير نزلاً} أي رزقاً {أم شجرة الزقوم} التي هي نزل أهل النار والزقوم شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم يكره أهل النار على تناولها فهم يتزقمونه على أشد كراهة وقيل هي شجرة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر.

.تفسير الآيات (63- 74):

{إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآَكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آَبَاءَهُمْ ضَالِّينَ (69) فَهُمْ عَلَى آَثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ (70) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (71) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (72) فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (73) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (74)}
{إنا جعلناها فتنة للظالمين} أي للكافرين وذلك أنهم قالوا كيف تكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش إن محمداً يخوفنا بالزقوم والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر وقيل هو بلغة أهل اليمن فأدخلهم أبو جهل بيته وقال يا جارية زقمينا فأتتهم بالزبد والتمر فقال أبو جهل تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد فقال الله تعالى: {إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم} أي في قعر النار وأغصانها ترتفع إلى دركاتها {طلعها} أي ثمرها سمي طلعاً لطلوعه {كأنه رؤوس الشياطين} قال ابن عباس هم الشياطين بأعيانهم شبهها لقبحهم عند الناس.
فإن قلت قد شبهها بشيء لم يشاهد فكيف وجه التشبيه.
قلت إنه قد استقر في النفوس قبح الشياطين وإن لم يشاهدوا فكأنه قيل إن أقبح الأشياء في الوهم والخيال رؤوس الشياطين فهذه الشجرة تشبهها في قبح المنظر والعرب إذا رأت منظراً قبيحاً قالت كأنه رأس شيطان قال امرؤ القيس:
أيقتلني والمشرفي مضاجعي ** ومسنونة زرق كأنياب أغوال

شبَّه سنان الرمح بأنياب الغول ولم يرها وقيل إن بين مكة واليمن شجرة قبيحة منتنة تسمى رؤوس الشياطين فشبهها بها وقيل أراد بالشياطين الحيات والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطاناً {فإنهم لآكلون منها} أي من ثمرها {فمالئون منها البطون} وذلك أنهم يكرهون على أكلها حتى تمتلئ بطونهم {ثم إن لهم عليها لشوباً} أي خلطاً ومزاجاً {من حميم} أي من ماء شديد الحرارة يقال إنهم إذا أكلوا الزقوم وشربوا عليه الحميم شاب الحميم الزقوم في بطونهم فصار شوباً لهم {ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم} وذلك أنهم يردون إلى الجحيم بعد شراب الحميم {إنهم ألفوا} أي وجدوا {آباءهم ضالين فهم على آثارهم يهرعون} أي يسرعون وقيل يعملون مثل عملهم {ولقد ضل قبلهم أكثر الأولين} أي من الأمم الخالية {ولقد أرسلنا فيهم منذرين} أي وأرسلنا فيهم رسلاً منذرين {فانظر كيف كان عاقبة المنذرين} أي الكافرين وكانت عاقبتهم العذاب {إلا عباد الله المخلصين} أي الموحدين نجوا من العذاب والمعنى انظر كيف أهلكنا المنذرين إلا عباد الله المخلصين.

.تفسير الآيات (75- 91):

{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75) وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (76) وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (78) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ (79) إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (81) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآَخَرِينَ (82) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آَلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آَلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)}
قوله عز وجل: {ولقد نادانا نوح} أي دعا ربه على قومه وقيل دعا ربه أن ينجيه من الغرق {فلنعم المجيبون} نحن أي دعانا فأجبناه وأهلكنا قومه {ونجيناه وأهله من الكرب العظيم} أي من الغم الذي لحق قومه وهو الغرق {وجعلنا ذريته هم الباقين} يعني أن الناس كلهم من ذرية نوح عليه السلام قال ابن عباس لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلا ولده ونساءهم عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قول الله عز وجل: {وجعلنا ذريته هم الباقين} قال: «هم سام وحام ويافث» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب وفي رواية أخرى سام أبو العرب وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم وقيل سام أبو العرب وفارس والروم وحام أبو السودان ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك {وتركنا عليه في الآخرين} أي أبقينا له حسناً وذكراً جميلاً فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة {سلام على نوح في العالمين} أي سلام عليه منا في العالمين وقيل تركنا عليه في الآخرين أن يصلي عليه إلى يوم القيامة {إنا كذلك نجزي المحسنين} أي جزاه الله بإحسانه الثناء الحسن في العالمين {إنه من عبادنا المؤمنين ثم أغرقنا الآخرين} يعني الكفار.
قوله عز وجل: {وإن من شيعته} أي من شيعة نوح {لإبراهيم} يعني أنه على دينه وملته ومنهاجه وسنته {إذ جاء ربه بقلب سليم} أي مخلص من الشرك والشك وقيل من الغل والغش والحقد والحسد يحب للناس ما يحب لنفسه {إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبد ون} استفهام توبيخ {أئفكاً آلهة دون الله تريدون} أي أتأفكون إفكاً وهو أسوأ الكذب وتعبد ون آلهة سوى الله تعالى: {فما ظنكم برب العالمين} يعني إذا لقيتموه وقد عبد تم غيره أنه يصنع بكم {فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم} قال ابن عباس كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا يتعاطون ويتعاملون به لئلا ينكروا عليه وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة، وكان لهم من الغد عيد ومجمع فكانوا يدخلون على أصنامهم ويقربون لهم القرابين ويضعون بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم وزعموا التبرك عليه فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه فقالوا لإبراهيم ألا تخرج معنا إلى عيدنا فنظر في النجوم فقال إني سقيم قال ابن عباس أي مطعون وكانوا يفرون من المطعون فراراً عظيماً وقيل مريض وقيل معناه متساقم وهو من معاريض الكلام وقد تقدم الجواب عنه في سورة الأنبياء وقيل إنه خرج معهم إلى عيدهم فلما كان ببعض الطريق ألقى نفسه وقال إني سقيم أشتكي رجلي {فتولوا عنه مدبرين} أي إلى عيدهم فدخل إبراهيم عليه الصلاة والسلام على الأصنام فكسرها وهو قوله تعالى: {فراغ} أي مال {إلى آلهتهم} ميلة في خفية {فقال} أي للأصنام استهزاء بها {ألا تأكلون} يعني الطعام الذي بين أيديكم.