فصل: تفسير الآيات (12- 14):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (12- 14):

{فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13) إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (14)}
وقوله تعالى: {فقضاهن سبع سموات} أي أتمهن وفرغ من خلقهن {في يومين} وهما الخميس والجمعة {وأوحى في كل سماء أمرها} قال ابن عباس خلق في كل سماء خلقاً من الملائكة وخلق ما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله تعالى وقيل أوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي {وزينا السماء الدنيا} أي التي تلي الأرض {بمصابيح} أي بكواكب تشرق كالمصابيح {وحفظاً} أي وجعلناها يعني الكواكب حفظاً للسماء من الشياطين الذين يسترقون السمع {ذلك} أي الذي ذكر من صنعه وخلقه {تقدير العزيز} أي في ملكه {العليم} أي بخلقه وفيه إشارة إلى كمال القدرة والعلم.
قوله تعالى: {فإن أعرضوا} يعني هؤلاء المشركين عن الإيمان بعد هذا البيان {فقل أنذرتكم} أي خوفتكم {صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} أي هلاكاً مثل هلاكهم والصاعقة المهلكة من كل شيء {إذ جاءتهم الرسل} يعني إلى عاد وثمود {من بين أيديهم} يعني الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم {ومن خلفهم} يعني ومن بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم وهم الرسل الذين أرسلوا إليهم وهما هود وصالح وإنما خص هاتين القبيلتين لأن قريشاً كانوا يمرون على بلادهم {أن لا} أي بأن لا {تعبد وا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة} يعني لو شاء ربنا دعوة الخلق لأنزل ملائكة بدل هؤلاء الرسل {فإنا بما أرسلتم به كافرون} روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله قال: قال الملأ من قريش وأبو جهل قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم رجلاً عالماً بالشعر والكهانة والسحر فأتاه فكلمه ثم أتينا ببيان من أمره، فقال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علماً وما يخفى عليّ إن كان كذلك، فأتاه فلما خرج إليه قال: يا محمد أنت خير أم هاشم أنت خير أم عبد المطلب أنت خير أم عبد الله فيم تشتم آلهتنا وتضلل آباءنا فإن كان ما بك للرياسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رئيساً ما بقيت وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوة تختارهن من أي بنات قريش وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك من بعدك ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساكت لا يتكلم فلما فرغ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته} إلى قوله تعالى: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فأمسك عتبة على فيه وناشده الرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فقال أبو جهل: والله يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبوت إلى محمد وأعجبك طعامه فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد، فغضب عتبة وأقسم لا يكلم محمداً أبداً وقال: والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالاً ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر، وقرأ السورة إلى قوله تعالى: {فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} فأمسكت بفيه وناشدته الرحم أن يكف وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب وقال محمد بن كعب القرظي: حدثت أن عتبة بن ربيعة كان سيداً حليماً قال يوماً وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وحده في المسجد يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل منا بعضها فنعطيه ويكف عنا وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون قالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه وكلمه فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكانة في النسب وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت جماعتهم وسفهت أحلامهم وعيبت آلهتهم وكفرت من مضى من آبائهم فاستمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها فقال صلى الله عليه وسلم قل يا أبا الوليد فقال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون من أكثرنا مالاً وإن كنت تريد شرفاً سودناك علينا وإن كان هذا الذي بك رئياً تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب أو لعل هذا شعر جاش به صدرك فنعذرك فإنكم لعمري بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه أحد حتى إذا فرغ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم، قال: فاستمع مني، قال: فافعل، فقال: {بسم الله الرحمن الرحيم حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ} ثم مضى فيها يقرأ فلما سمعها عتبة أنصت وألقى يده خلف ظهره معتمدا عليها يستمع منه حتى انتهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى السجدة فسجد ثم قال: أسمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك» فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف باللّه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني سمعت قولا واللّه ما سمعت بمثله قط ما هو بشعر ولا بسحر ولا كهانة يا معشر قريش أطيعوني يا معشر قريش خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه فو اللّه ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وأنتم أسعد الناس به قالوا سحرك واللّه محمد يا أبا الوليد بلسانه قال هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم.

.تفسير الآيات (15- 16):

{فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (15) فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (16)}
قوله عز وجل: {فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة} وذلك أن هوداً هددهم بالعذاب فقالوا نحن نقدر على دفع العذاب عنا بفضل قوتنا وكانوا ذوي أجسام طوال قال الله تعالى رداً عليهم {أولم يروا} أي أو لم يعلموا {أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحاً صرصراً} أي عاصفاً شديد الصوت وقيل هي الريح الباردة فقيل إن الريح ثمانية، فأربع منها عذاب وهي الريح الصرصر والعاصف والقاصف والعقيم وأربع منها رحمة وهي الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات قيل أرسل عليهم من الريح على قدر خرق الخاتم فأهلكوا جميعاً {في أيام نحسات} أي نكدات مشؤومات ذات نحس وقيل ذات غبار وتراب ثائر لا يكاد يبصر فيه وقيل أمسك الله عز وجل عنهم المطر ثلاث سنين ودأبت عليهم الريح من غير مطر {لنذيقهم عذاب الخزي} أي عذاب الذل والهوان وذلك مقابل لقوله: {فاستكبروا في الأرض بغير الحق} {في الحياة الدنيا} أي ذلك الذي نزل بهم من الخزي والهوان في الحياة الدنيا {ولعذاب الآخرة أخزى} أي أشد إهانة {وهم لا ينصرون} أي لا يمنعون من العذاب.

.تفسير الآية رقم (17):

{وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (17)}
{وأما ثمود فهديناهم} قال ابن عباس بينا لهم سبيل الهدى وقيل دللناهم على الخير والشر {فاستحبوا العمى على الهدى} أي اختاروا الكفر على الإيمان {فأخذتهم صاعقة العذاب الهون} أي ذي الهوان {بما كانوا يكسبون} أي من الشرك.

.تفسير الآيات (18- 24):

{وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (18) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (19) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (21) وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (23) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (24)}
{ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} أي يتقون الشرك والأعمال الخبيثة وهم صالح ومن آمن معه من قومه.
قوله تعالى: {ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون} أي يساقون ويدفعون وقيل يحبس أولهم حتى يلحق آخرهم {حتى إذا ما جاؤوها} يعني النار {شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم} أي بشراتهم وقيل فروجهم {بما كانوا يعملون} معناه أن الجوارح تنطق بما كتمت الألسن من عملهم.
(م) عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: «كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال: هل تدرون مم أضحك قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه عز وجل يقول يا رب ألم تجرني من الظلم، قال فيقول بلى فيقول فإني لا أجيز اليوم على نفسي إلا شاهداً مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً وبالكرام الكاتبين عليك شهوداً قال فيختم على فيه ويقال لأعضائه انطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكنَّ وسحقاً فعنكن كنت أناضل» {وقالوا} يعني الكفار الذين يجرون إلى النار {لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} معناه أن القادر الذي خلقكم أول مرة في الدنيا وأنطقكم ثم أعادكم بعد الموت قادر على إنطاق الأعضاء والجوارح وهو قوله تعالى: {وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون} وقيل تم الكلام عند قوله: {الذي أنطق كل شيء} ثم ابتدأ بقوله: {وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون} وقيل إنه ليس من جواب الجلود {وما كنتم تستترون} أي تستخفون وقيل معناه تظنون {أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم} والمعنى أنكم لا تقدرون على الاستخفاء من جوارحكم ولا تظنون أنها تشهد عليكم {ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون} قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الكفار يقولون إن الله لا يعلم ما في أنفسنا ولكنه يعلم ما يظهر.
(ق) عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فقال أحدهم أترون أن الله تعالى يسمع ما نقول قال الآخر يسمع إذا جهرنا ولا يسمع إن أخفينا وقال الآخر إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا فأنزل الله تعالى: {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون} قيل الثقفي هو عبد ياليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية.
قوله تعالى: {وذلك ظنكم الذي ظننتم بربكم} أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيراً مما تعملون {أرداكم} أي أهلككم قال ابن عباس طرحكم في النار {فأصبحتم من الخاسرين} ثم أخبر عن حالهم بقوله بقوله تعالى: {فإن يصبروا فالنار مثوى لهم} أي مسكن {وإن يستعتبوا} أي يسترضوا ويطلبوا العتبى والمعتب هو الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل {فما هم من المعتبين} أي المرضيين.

.تفسير الآيات (25- 29):

{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (25) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآَنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (26) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (27) ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (28) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (29)}
{وقيضنا لهم} أي بعثنا ووكلنا وقيل هيأنا لهم وسببنا لهم {قرناء} أي نظراء من الشياطين حتى أضلوهم {فزينوا لهم ما بين أيديهم} أي من أمر الدنيا حتى آثروهم على الآخرة {وما خلفهم} أي فدعوهم إلى التكذيب بالآخرة وإنكار البعث وقيل حسنوا لهم أعمالهم القبيحة الماضية والمستقبلة {وحق عليهم القول} أي وجب {في أمم} أي مع أمم {قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين} قوله تعالى: {وقال الذين كفروا} يعني مشركي قريش {لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه} قال ابن عباس: والغطوا فيه من اللغط وهو كثرة الأصوات كان بعضهم يوصي إلى بعض إذا رأيتم محمداً يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر وقيل أكثروا الكلام حتى يتخلط عليه ما يقول وقيل والغوا فيه بالمكاء والصغير وقيل صيحوا في وجهه {لعلكم تغلبون} يعني محمداً على قراءته {فلنذيقن الذين كفروا عذاباً شديداً ولنجزينهم أسوأ} يعني بأسوأ {الذي كانوا يعملون} أي في الدنيا وهو الشرك {ذلك} أي الذي ذكر من العذاب {جزاء أعداء الله} ثم بين ذلك الجزاء فقال {النار لهم فيها دار الخلد} أي دار الإقامة لا انتقال لهم عنها {جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون وقال الذين كفروا} أي في النار {ربنا} أي يقولون يا ربنا {أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس} يعنون إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه لأنهما سنَّا المعصية {نجعلهما تحت أقدامنا} أي في النار {ليكونا من الأسفلين} أي في الدرك الأصفل من النار وقال ابن عباس: ليكونا أشد عذاب منا.

.تفسير الآيات (30- 33):

{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (33)}
قوله عز وجل: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا} قال أهل التحقيق كمال الإنسان أن يعرف الحق لذاته لأجل العمل به، ورأس المعرفة اليقينية معرفة الله تعالى وإليه الإشارة بقوله: {إن الذين قالوا ربنا الله} ورأس الأعمال الصالحة أن يكون الإنسان مستقيماً في الوسط غير مائل إلى طرفي الإفراط والتفريط فتكون الاستقامة في أمر الدين والتوحيد فتكون في الأعمال الصالحة. سئل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عن الاستقامة فقال: أن لا تشرك بالله شيئاً وقال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ولا تروغ روغان الثعلب.
وقال عثمان رضي الله تعالى عنه: استقاموا أخلصوا في العمل، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أدوا الفرائض، وهو قول ابن عباس. وقيل استقاموا على أمر الله فعملوا بطاعته واجتنبوا معاصيه، وقيل: استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله وكان الحسن إذا تلا هذه الآية قال اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة {تتنزل عليهم الملائكة} قال ابن عباس عند الموت وقيل إذا قاموا من قبورهم وقيل البشرى تكون في ثلاثة مواطن عند الموت وفي القبر وعند البعث {أن لا تخافوا} أي من الموت وقيل لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة {ولا تحزنوا} أي على ما خلفتم من أهل وولد فإنا نخلفكم في ذلك كله وقيل لا تخافوا من ذنوبكم ولا تحزنوا فأنا أغفرها لكم {وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم} أي تقول الملائكة عند نزولهم بالبشرى نحن أولياؤكم أي أنصاركم وأحباؤكم وقيل تقول لهم الحفظة نحن كنا معكم {في الحياة الدنيا و} نحن أولياؤكم {في الآخرة} لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة {ولكم فيها} أي في الجنة {ما تشتهي أنفسكم} أي من الكرامات واللذات {ولكم فيها ما تدعون} أي تتمنون {نزلاً} أي رزقاً والنزل رزق النزيل والنزيل هو الضيف {من غفور رحيم} قال أهل المعاني كل هذه الأشياء المذكورة في هذه الآية جارية مجرى النزل والكريم إذا أعطى هذا النزل فما ظنك بما بعده من الألطاف والكرامة.
قوله تعالى: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله} أي إلى طاعة الله تعالى وقيل هو رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل: هو المؤمن أجاب الله تعالى فيما دعاه إليه ودعا الناس إلى ما أجاب إليه {وعمل صالحاً} في إجابته وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: أرى أن هذه الآية نزلت في المؤذنين وقيل إن كل من دعا إلى الله تعالى بطريق من الطرق فهو داخل في هذه الآية.