فصل: تفسير الآيات (24- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (24- 25):

{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (24) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (25)}
{أم يقولون} أي بل يقول كفار مكة {افترى على الله كذباً} فيه توبيخ لهم معناه أيقع في قلوبهم ويجري على لسانهم أن ينسبوا مثله إلى الكذب وأنه افترى على الله كذباً وهو أقبح أنواع الكذب {فإن يشأ الله يختم على قلبك} أي يربط على قلبك بالصبر حتى لا يشق عليك أذاهم وقولهم إنه مفتر وقيل معناه يطبع على قلبك فينسيك القرآن وما أتاك فأخبرهم أنه لو افترى على الله بالفعل به ما أخبر به في هذه الآية: {ويمح الله الباطل} أخبره الله تعالى أن ما يقولونه الباطل والله عز وجل يمحوه {ويحق الحق بكلماته} أي يحق الإسلام بما أنزل من كتابه وقد فعل الله تعالى ذلك فمحا باطلهم وأعلى كلمة الإسلام {إنه عليم بذات الصدور} قال ابن عباس: لما نزلت {قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى} وقع في قلوب قوم منها شيء وقالوا يريد أن يحثنا على أقاربه من بعده فنزل جبريل عليه الصلاة والسلام فأخبره أنهم اتهموه وأنزل الله هذه الآية فقال القوم يا رسول الله فإنا نشهد أنك صادق فنزل قوله عز وجل: {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده} قال ابن عباس رضي الله عنهما يريد أولياؤه وأهل طاعته.
فصل في ذكر التوبة وحكمها:
قال العلماء التوبة واجبة من كل ذنب فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يقلع عن المعصية.
والثاني: أن يندم على فعلها.
والثالث: أن يعزم على أن لا يعود إليها أبداً.
فإذا حصلت هذه الشروط صحت التوبة وإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته وإن كانت المعصية تتعلق بحق آدمي فشروطها أربعة هذه الثلاثة والشرط الرابع أن يبرأ من حق صاحبها فهذه شروط التوبة وقيل التوبة الانتقال عن المعاصي نية وفعلاً والإقبال على الطاعات نية وفعلاً، وقال سهل بن عبد الله التستري: التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال المحمودة.
(خ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة».
(م) عن الأغر بن بشار المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة».
(ق) عن عبد الله بن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لله أفرح بتوبة عبد ه المؤمن من رجل نزل في أرض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه فوضع رأسه فنام نومة فاستيقظ وقد ذهبت راحلته فطلبها حتى إذا اشتد الحر والعطش أو ما شاء الله قال أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموت فوضع رأسه على ساعده ليموت فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها طعامه وشرابه فالله أشد فرحاً بتوبة العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده الدوية الفلاة والمفازة».

.تفسير الآيات (26- 28):

{وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ (26) وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}
{ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات} يعني يجيب المؤمنون الله تعالى فيما دعاهم لطاعته وقيل معناه ويجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات إذا دعوه، وقال ابن عباس: ويثبت الذين آمنوا {ويزيدهم من فضله} أي سوى ثواب أعمالهم تفضلاً منه، وقال ابن عباس: يشفعهم في إخوانهم ويزيدهم من فضله، قال في إخوان إخوانهم {والكافرون لهم عذاب شديد} قوله عز وجل: {ولو بسط الله الرزق لعباده} قال خباب بن الأرت: فينا نزلت هذه الآية وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير وبني قينقاع فتمنيناها فأنزل الله تعالى: {ولو بسط الله الرزق لعباده} أي وسع الله الرزق لعباده {لبغوا} أي لطغوا وعتوا {في الأرض} قال ابن عباس: بغيهم طلبهم منزلة بعد منزلة ومركباً بعد مركب وملبساً بعد ملبس، وقيل: إن الإنسان متكبر بالطبع فإذا وجد الغنى والقدرة رجع إلى مقتضى طبعه وهو التكبر وإذا وقع في شدة ومكروه وفقر انكسر فرجع إلى الطاعة والتواضع، وقيل: إن البغي مع القبض والفقر أقل ومع البسط والغنى أكثر لأن النفس مائلة إلى الشر لكنها إذا كانت فاقدة لآلاته كان الشر أقل وإذا كانت واجدة لها كان الشر أكثر فثبت أن وجدان المال يوجب الطغيان {ولكن ينزل بقدر ما يشاء} يعني الأرزاق نظراً لمصالح عباده وهو قوله تعالى: {إنه بعباده خبير بصير} والمعنى أنه تعالى عالم بأحوال عباده وبطبائعهم وبعواقب أمورهم فيقدر أرزاقهم على وفق مصالحهم يدل على ذلك ما روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل عن الله عز وجل قال: «يقول الله عز وجل من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وإني لأغضب لأوليائي كما يغضب الليث الحرد، وما تقرب إلي عبد ي المؤمن بمثل أداء ما افترضت عليه وما يزال عبد ي المؤمن يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً إن دعاني أجبته وإن سألني أعطيته وما ترددت في شيء أنا فاعله ترددي في قبض روح عبد ي المؤمن يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فأكفه عنه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الغنى لو أفقرته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا الصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا السقم ولو أصححته لأفسده ذلك إني أدبر أمر عبادي بعلمي بقلوبهم إني عليم خبير» أخرجه البغوي بإسناده.
قوله عز وجل: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا} أي يئس الناس منه وذلك أدعى لهم إلى الشكر قيل حبس الله المطر عن أهل مكة سبع سنين حتى قنطوا ثم أنزل الله عز وجل المطر فذكرهم نعمته لأن الفرح بحصول النعمة بعد الشدة أتم {وينشر رحمته} أي يبسط بركات الغيث ومنافعه وما يحصل به من الخصب {وهو الولي} أي لأهل طاعته {الحميد} أي المحمود على ما يوصل إلى الخلق من أقسام رحمته.

.تفسير الآيات (29- 33):

{وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (31) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (32) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (33)}
{ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث} أي أوجد {فيهما} أي في السموات والأرض {من دابة}. فإن قلت كيف يجوز إطلاق لفظ الدابة على الملائكة.
قلت الدبيب في اللغة المشي الخفيف على الأرض، فيحتمل أن يكون للملائكة مشي مع الطيران فيوصفون بالدبيب كما يوصف به الإنسان، وقيل: يحتمل أن الله تعالى خلق في السموات أنواعاً من الحيوانات يدبون دبيب الإنسان {وهو على جمعهم إذا يشاء قدير} يعني يوم القيامة.
قوله عز وجل: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم} المراد بهذه المصائب الأحوال المكروهة نحو الأوجاع والأسقام والقحط والغلاء والغرق والصواعق وغير ذلك من المصائب فبما كسبت أيديكم من الذنوب والمعاصي {ويعفوا عن كثير} قال ابن عباس: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ما من خدش عود ولا عثرة قدم ولا اختلاج عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر» وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سخيلة قال: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه «ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله حدثنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير} وسأفسرها لكم يا علي {ما أصابكم من مصيبة} أي من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا {فبما كسبت أيديكم} والله أكرم من أن يثني عليكم العقوبة في الآخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أحلم من أن يعود بعد عفوه» وقال عكرمة: ما من نكبة أصابت عبد اً فما فوقها إلا بذنب لم يكن الله ليغفر له إلا بها أو درجة لم يكن الله ليرفعه لها إلا بها.
(ق) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يصيب المؤمن شوكة فما فوقها إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطيئة» {وما أنتم بمعجزين} أي بفائتين {في الأرض} هرباً يعني لا تعجزونني حيثما كنتم {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} قوله عز وجل: {ومن آياته الجوار} يعني السفن وهي السيارة {في البحر كالأعلام} أي كالقصور وكل شيء مرتفع عند العرب فهو علم {إن يشأ يسكن الريح} أي التي تجري بها السفن {فيظللن} يعني السفن الجواري {رواكد} أي ثوابت {على ظهره} أي ظهر البحر لا تجري {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} وهذه صفة المؤمن لأنه يصبر في الشدة ويشكر في الرخاء.

.تفسير الآيات (34- 39):

{أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (34) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (35) فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39)}
{أو يوبقهن} أي يغرقهن ويهلكهن {بما كسبوا} أي بما كسبت ركابها من الذنوب {ويعف عن كثير} أي من ذنوبهم فلا يعاقب عليها {ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص} يعني يعلم الذين يكذبون بالقرآن إذا صاروا إلى الله تعالى ما لهم من مهرب من عذابه {فما أوتيتم من شيء} أي من زينة الدنيا {فمتاع الحياة الدنيا} أي ليس هو من زاد المعاد {وما عند الله} أي من الثواب {خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون} والمعنى أن المؤمن والكافر يستويان في متاع الحياة الدنيا فإذا صارا إلى الله تعالى كان ما عند الله من الثواب خيراً وأبقى للمؤمن {والذين يجتنبون كبائر الإثم} يعني كل ذنب تعظم عقوبته كالقتل والزنا والسرقة وشبه ذلك {والفواحش} يعني ما عظم قبحه من الأقوال والأفعال {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} يعني يكظمون الغيظ ويجهلون {والذين استجابوا لربهم} يعني أجابوا إلى ما دعاهم إليه من طاعته {وأقاموا الصلاة} يعني المفروضة {وأمرهم شورى بينهم} يعني يتشاورون فيما يبدو لهم ولا يعجلون ولا ينفردون برأي ما لم يجتمعوا عليه قيل.
ما تشاور قوم إلا هدوا إلى أرشد أمرهم {ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي} يعني الظلم والعدوان {هم ينتصرون} يعني ينتقمون من ظالمهم من غير تعد قال ابن زيد جعل الله تعالى المؤمنين صنفين صنف يعفون عمن ظلمهم فبدأ بذكرهم وهو قوله تعالى: {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} وصنف ينتصرون من ظالمهم وهم الذين ذكروا في هذه الآية، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فإذا قدروا عفوا. وقيل: إن العفو إغراء للسفيه وقال عطاء: هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم ثم مكنهم الله عز وجل في الأرض حتى انتصروا ممن ظلمهم ثم بين الله تعالى أن شرعة الانتصار مشروطة برعاية المماثلة.

.تفسير الآيات (40- 44):

{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44)}
{وجزاء سيئة سيئة مثلها} سمي الجزاء سيئة وإن لم يكن سيئة لتشابههما في الصورة وقيل لأن الجزاء يسوء من ينزل به، وقيل هو جزاء القبيح إذا قال أخزاك الله فقل له أخزاك الله ولا تزد وإذا شتمك فاشتمه بمثلها ولا تعتدوا وقيل هو في القصاص في الجراحات والدماء يقتص بمثل ما جنى عليه وقيل إن الله تعالى لم يرغب في الانتصار بل بين أنه مشروع ثم بين أن العفو أولى بقوله تعالى: {فمن عفا} أي عمن ظلمه {وأصلح} أي بالعفو بينه وبين الظالم {فأجره على الله} قال الحسن: إذا كان يوم القيامة نادى مناد من كان له على الله أجر فليقم فلا يقوم إلا من عفا ثم قرأ هذه الآية: {إنه لا يحب الظالمين} قال ابن عباس: الذين يبدؤون بالظلم {ولمن انتصر بعد ظلمه} أي بعد ظلم الظالم إياه {فأولئك} يعني المنتصرين {ما عليهم من سبيل} أي بعقوبة ومؤاخذة {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس} أي يبدؤون بالظالم {ويبغون في الأرض بغير الحق} أي يعملون فيها بالمعاصي {أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر} أي لم ينتصر {وغفر} تجاوز عن ظالمه {إن ذلك} أي الصبر والتجاوز {لمن عزم الأمور} يعني تركه الانتصار لمن عزم الأمور الجيدة التي أمر الله عز وجل بها وقيل إن الصابر يؤتي بصبره الثواب فالرغبة في الثواب أتم عزماً {ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده} يعني ما له من أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه أو يمنعه من عذابه {وترى الظالمين لما رأوا العذاب} يعني يوم القيامة {يقولون هل إلى مرد من سبيل} يعني أنهم يسألون الرجعة إلى الدنيا.

.تفسير الآيات (45- 49):

{وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ (45) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ (46) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (47) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ (48) لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49)}
{وتراهم يعرضون عليها} أي على النار {خاشعين من الذل} أي خاضعين متواضعين {ينظرون من طرف خفي} يعني يسارقون النظر إلى النار خوفاً منها وذلة في أنفسهم، وقيل ينظرون بطرف خفي أي ضعيف من الذل، وقيل ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم يحشرون عمياً والنظر بالقلب خفي {وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم} يعني بأن صاروا إلى النار. {وأهليهم يوم القيامة} يعني وخسروا أهليهم بأن صاروا لغيرهم في الجنة {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل} أي وصول إلى الحق في الدنيا والجنة في العقبى فقد استدت عليهم طرق الخير {استجيبوا لربكم} أي أجيبوا داعي الله يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {من قبل من أن يأتي يوم لا مرد له من الله} أي لا يقدر أحد على دفعه وهو يوم القيامة وقيل هو يوم الموت {ما لكم من ملجأ يومئذ} أي ما لكم من مخلص من العذاب وقيل من الموت {وما لكم من نكير} أي ينكر حالكم وقيل النكير الإنكار يعني لا تقدرون أن تنكروا من أعمالكم شيئاً {فإن أعرضوا} أي عن الإجابة {فما أرسلناك عليهم حفيظاً} أي تحفظ أعمالهم {إن عليك إلا البلاغ} أي ليس عليك إلا البلاغ وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم {وإنا أذا أذقنا الإنسان منا رحمة} قال ابن عباس: يعني الغنى والصحة {فرح بها وإن تصبهم سيئة} أي قحط {ما قدمت أيديهم} أي من الأعمال الخبيثة {فإن الإنسان كفور} أي لما تقدم من نعمة الله تعالى عليه.
قوله عز وجل: {لله ملك السموات والأرض} يعني له التصرف فيهما بما يريد {يخلق ما يشاء} أي لا يقدر أحد أن يعترض عليه في ملكه وإرادته {يهب لمن يشاء إناثاً} أي فلا يولد له ذكر {ويهب لمن يشاء الذكور} أي فلا يولد له أنثى.