فصل: تفسير الآيات (42- 47):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (42- 47):

{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى (47)}
{وأن إلى ربك المنتهى} أي إليه منتهى الخلق ومصيرهم إليه في الآخرة وهو مجازيهم بأعمالهم وفي المخاطب بهذا وجهان أحدهما أنه عام تقديره وأن إلى ربك أيها السامع أو العاقل كائناً من كان المنتهى فهو تهديد بليغ للمسيء وحث شديد للمحسن ليقلع المسيء عن إساءته ويزداد المحسن في إحسانه الوجه الثاني أن المخاطب بهذا النبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا، ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. والمعنى: لا تحزن فإن إلى ربك المنتهى. وقيل. في معنى الآية: منه ابتداء المنة وإليه انتهاء الآمال. وروى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وأن إلى ربك المنتهى} قال لا فكرة في الرب.
وهذا مثل ما روي عن أبي هريرة مرفوعاً: «تفكروا في الخلق ولا تفكروا في الخالق فإنه لا تحيط به الفكرة» ومعناه: لا فكرة في الرب أي انتهى الأمر إليه لأنك إذا نظرت إلى سائر الموجودات الممكنة علمت أن لابد لها من موجد وإذا علمت أن موجدها هو الله تعالى فقد انتهى الأمر إليه فهو إشارة إلى وجوده ووحدانيته سبحانه وتعالى: {وأنه هو أضحك وأبكى} أي هو القادر على إيجاد الضدين في محل واحد الضحك والبكاء ففيه دليل على أن جميع ما يعمله الإنسان فبقضاء الله وقدره وخلقه حتى الضحك والبكاء وقيل أضحك أهل الجنة في الجنة وأبكى أهل النار في النار قيل أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر وقيل: أفرح وأحزن، لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء عن جابر بن سمرة قال: «جلست مع النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرة وكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو ساكت وربما تبسم معهم إذا ضحكوا» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
وفي رواية سماك بن حرب: فيضحكون ويتبسم معهم إذا ضحكوا يعني النبي صلى الله عليه وسلم. وسئل ابن عمر: هل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحكون؟ قال: نعم والإيمان في قلوبهم أعظم من الجبل.
(ق) عن أنس قال: «خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال: لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين» وهو بالخاء المعجمة أي بكاء مع صوت يخرج من الأنف {وأنه هو أمات وأحيا} أي أمات في الدنيا وأحيا للبعث. وقيل: أمات الآباء وأحيا الأبناء. وقيل: أمات الكافر بالنكرة وأحيا المؤمن بالمعرفة {وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى} أي من كل حيوان وهو أيضاً من جملة المتضادات التي تتوارد على النطفة فيخلق بعضها ذكراً وبعضها أنثى وهذا شيء لا يصل إليه فهم العقلاء ولا يعلمونه وإنما هو بقدرة الله تعالى وخلقه لا بفعل الطبيعة {من نطفة إذا تمنى} أي تصب في الرحم.

.تفسير الآيات (48- 56):

{وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56)}
{وأنه هو أغنى وأقنى} أي أغنى الناس بالأموال وأعطى القنية وهي أصول الأموال وما يدخرونه بعد الكفاية. وقيل: أغنى بالذهب والفضة وصنوف الأموال وما يدخرونه بعد الكفاية. وأقنى: بالإبل والبقر والغنم. وقيل: أقنى أي أخدم.
وقال ابن عباس: أغنى وأقنى، أي أعطى فأرضى. وقيل: أغنى يعني رفع حاجته ولم يتركه محتاجاً إلى شيء لأن الغنى ضد الفقر، وأقنى: أي زاد فوق الغنى {وأنه هو رب الشعرى} أي أنه رب معبودهم وكانت خزاعة تعبد الشعرى وأول من سن لهم ذلك الرجل من أشرافهم يقال له أبو كبشة عبد ها وقال: لأن النجوم تقطع السماء عرضاً والشعرى تقطعها طولاً فهي مخالفة لها فعبد ها وعبد تها خزاعة فلما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على خلاف العرب في الدين سموه ابن أبي كبشة تشبيهاً له في خلافه إياهم كما خالفهم أبو كبشة وعبد الشعرى وهو كوكب يضيء خلف الجوازء ويسمى كلب الجبار أيضاً وهما اثنتان: يمانية وشامية يقال لإحداهما العبور والأخرى الغميصاء. سميت بذلك لأنها أخفى من العبور والمجرة بينهما. وأراد بالشعرى هنا العبور {وأنه أهلك عاداً الأولى} وهم قوم هود أهلكوا بريح صرصر وكان لهم عقب فكانوا عاداً أخرى وقيل: الأخرى إرم. وقيل: الأولى يعني أول الخلق هلاكاً بعد قوم نوح {وثمود} وهم قوم صالح أهلكهم الله بالصيحة {فما أبقى} يعني منهم أحداً {وقوم نوح من قبل} يعني أهلك قوم نوح من قبل عاد وثمود بالغرق {إنهم كانوا هم أظلم وأطغى} يعني لطول دعوة نوح إياهم وعتوهم على الله بالمعصية والتكذيب {والمؤتفكة} يعني قرى قوم لوط {أهوى} أي أسقط وذلك أن جبريل رفعها إلى السماء ثم أهوى بها {فغشاها} أي ألبسها الله {ما غشى} يعني الحجارة المنضودة المسومة {فبأي آلاء ربك تتمارى} أي تشكُّ أيها الإنسان. وقيل: أراد الوليد بن المغيرة. قال ابن عباس: تتمارى أي تكذب {هذا نذير} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {من النذر الأولى} أي رسول من الرسل المتقدمة أرسل إليكم كما أرسلت الرسل إلى قومهم وقيل: أنذر محمد كما أنذرت الرسل من قبله.

.تفسير الآيات (57- 62):

{أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62)}
{أزفت الآزفة} أي قربت القيامة واقتربت الساعة {ليس لها من دون الله كاشفة} أي مظهرة ومبينة متى تقوم. وقيل: معناه ليس لها نفس قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله غير أنه لا يكشفها. وقيل: الكاشفة مصدر بمعنى الكشف كالعافية. والمعنى: لا يكشف عنها ولا يظهرها غيره. وقيل: معناه ليس لها رد يعني: إذا غشيت الخلق أهوالها وشدائدها لم يكشفها ولم يردها عنهم أحد.
قوله تعالى: {أفمن هذا الحديث} يعني القرآن {تعجبون} تنكرون {وتضحكون} أي استهزاء {ولا تبكون} أي مما فيه من الوعيد {وأنتم سامدون} أي لاهون غافلون قاله ابن عباس. وعنه، أن السمود هو الغناء بلغة أهل اليمن وكانوا إذا سمعوا القرآن تغنوا. ولعبوا وأصل السمود في اللغة، رفع الرأس، مأخوذ، من سمد البعير إذا رفع رأسه وجد في سيره والسامد اللاهي والمعنى. وقيل: معناه أشرون بطرون. وقال مجاهد: غضاب مبرطمون قيل له: وما البرطمة؟ قال: الإعراض {فاسجدوا لله} يعني أيها المؤمنون شكراً على الهداية. وقيل: هذا محمول على سجود التلاوة. وقيل: على سجود الفرض في الصلاة {واعبد وا} أي اعبد وا الله وإنما قال: واعبد وا، إما لكونه معلوماً، وإما لأن العبادة في الحقيقة لا تكون إلا لله تعالى.
(ق) عن عبد الله بن مسعود: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم فسجد فيها وسجد من كان معه غير أن شيخاً من قريش أخذ كفاً من حصباء أو تراب فرفعه إلى جبهته وقال: يكفيني هذا قال عبد الله فلقد رأيته بعد قتل كافر» زاد البخاري في رواية له قال: «أول سورة نزلت فيها سجدة النجم وذكره» وقال في آخره وهو «أمية بن خلف».
(خ) عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس.
(ق) عن زيد بن ثابت قال: «قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها» ففي هذا الحديث دليل على أن سجود التلاوة غير واجب وهو قول الشافعي وأحمد وقال عمر بن الخطاب: إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء وذهب قوم إلى وجوبها على القارئ والمستمع وهو قول سفيان وأصحاب الرأي والله سبحانه وتعالى أعلم.

.سورة القمر:

.تفسير الآيات (1- 3):

{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آَيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (2) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (3)}
قوله عز وجل: {اقتربت الساعة} أي دنت القيامة {وانشق القمر} قيل: فيه تقديم وتأخير تقديره انشق القمر واقتربت الساعة وانشقاق القمر من آيات رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهرة ومعجزاته يدل عليه ما روي عن أنس: «أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر مرتين».
أخرجه البخاري ومسلم. وزاد الترمذي فنزلت {اقتربت الساعة وانشق القمر} إلى قوله: {سحر مستمر} ولهما عن ابن مسعود. قال: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اشهدوا» وفي رواية أخرى قال: «بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى إذ انفلق القمر فلقتين، فلقة فوق الجبل، وفلقة دونه. فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا» ولهما عن ابن عباس قال: «إن القمر انشق في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم».
(م) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين فستر الجبل فلقة وكانت فلقة فوق الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اشهدوا» وعن جبير بن مطعم قال: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين فقالت قريش سحر محمد أعيننا، فقال بعضهم لئن كان سحرنا ما يستطيع أن يسحر الناس كلهم» أخرجه الترمذي وزاد غيره فكانوا يتلقون الركبان فيخبرونهم بأنهم قد رأوه فيكذبونهم.
قال مقاتل: انشق القمر ثم التأم بعد ذلك. وروى مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: سحركم ابن أبي كبشة فسألوا السفارة فقالوا: نعم. قد رأيناه فأنزل الله تعالى: {اقتربت الساعة وانشق القمر}. فهذه الأحاديث الصحيحة قد وردت بهذه المعجزة العظيمة، مع شهادة القرآن المجيد بذلك فإنه أدل دليل وأقوى مثبت له وإمكانه لا يشك فيه مؤمن وقد أخبر عنه الصادق فيجب الإيمان به واعتقاد وقوعه.
وقال الشيخ محيي الدين النووي في شرح صحيح مسلم، قال الزجاج: وقد أنكرها بعض المبتدعة المضاهين المخالفي الملة وذلك لما أعمى الله قلبه ولا إنكار للعقل فيها لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء كما يفنيه ويكوره في آخر أمره. فأما قول بعض الملاحدة لو وقع هذا النقل متواتراً واشترك أهل الأرض كلهم في رؤيتهم له ومعرفته ولم يختص بها أهل مكة فأجاب العلماء عن هذا بأن هذا الانشقاق حصل في الليل ومعظم الناس نيام غافلون والأبواب مغلقة وهم مغطون بثيابهم فقل من يتفكر في السماء أو ينظر إليها إلا الشاذ النادر.

.تفسير الآيات (4- 7):

{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5) فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (7)}
{ولقد جاءهم} يعني أهل مكة {من الأنباء} أي من أخبار الأمم الماضية المكذبة في القرآن {ما فيه مزدجر} أي منتهى وموعظة {حكمة بالغة} يعني القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية {فما تغني النذر} يعني أي غنى تغني النذر إذا خالفوهم وكذبوهم {فتول عنهم} أي أعرض عنهم نسختها آية القتال {يوم يدع الداع} أي اذكر يا محمد يوم يدع الداعي وهو إسرافيل ينفخ في الصور قائماً على صخرة بيت المقدس {إلى شيء نكر} أي منكر فظيع لم يروا مثله، فينكرونه استعظاماً له {خشعاً} وقرئ خاشعاً {أبصارهم} أي ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب {يخرجون من الأجداث} يعني من القبور {كأنهم جراد منتشر} مثل في كثرتهم وتموج بعضهم في بعض حيارى فزعين.

.تفسير الآيات (8- 14):

{مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (9) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14)}
{مهطعين} مسرعين مادي أعناقهم مقبلين {إلى الداع} يعني إلى صوت الداعي وهو إسرافيل وقيل ناظرين إليه لا يقلعون بأبصارهم {يقول الكافرون هذا يوم عسر} أي صعب شديد وفيه إشارة إلى أن ذلك اليوم يوم شديد على الكافرين لا على المؤمنين.
قوله تعالى: {كذبت قبلهم} أي قبل أهل مكة {قوم نوح فكذبوا عبد نا} يعني نوحاً {وقالوا مجنون وازدجر} أي زجروه على دعوته ومقالته بالشم والوعيد بقولهم {لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين} {فدعا} يعني نوحاً {ربه} وقال {إني مغلوب} أي مقهور {فانتصر} أي فانتقم لي منهم {ففتحنا أبواب السماء} قيل هو على ظاهره وللسماء أبواب تفتح وتغلق ولا يستبعد ذلك لأنه قد صح في الحديث أن للسماء أبواباً. وقيل: هو على الاستعارة، فإن الظاهر أن يكون المطر من السحاب {بماء منهمر} أي منصب انصباباً شديداً لم ينقطع أربعين يوماً {وفجرنا الأرض عيوناً} أي وجعلنا الأرض كلها عيوناً تسيل بالماء {فالتقى الماء} يعني ماء السماء وماء الأرض {على أمر قد قدر} أي قضى عليهم في أم الكتاب.
وقيل قدر الله أن يكون الماءان سواء فكانا على ما قدر {وحملناه} يعني نوحاً {على ذات ألواح} يعني سفينة ذات ألواح. وأراد بالألواح، خشب السفينة العريضة. {ودسر} هي المسامير التي تشد بها الألواح وقيل الدسر صدر السفينة. وقيل: هي عوارض السفينة وأضلاعها.
وقيل: الألواح: جانبا السفينة، والدسر: أصلها وطرفاها. {تجري} يعني السفينة {بأعيننا} يعني بمرأى منا. وقيل: بحفظنا. وقيل: بأمرنا {جزاء لمن كان كفر} يعني فعلنا ذلك به وبهم من إنجاء نوح وإغراق قومه ثواباً لنوح لأنه كان كفر به وجحد أمره. وقيل لمن بمعنى لما أي جزاء لما كان كفر من أيادي الله ونعمه عند الذين أغرقهم. وقيل: جزاء لما صنع بنوح وأصحابه.