فصل: تفسير الآيات (32- 36):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (32- 36):

{وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (32) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ (33) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (34) إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (36)}
{وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة} قال ابن عباس لا تنقطع إذا جنيت ولا تمتنع من أحد إذا أراد أخذها وقيل لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالأثمان كما تنقطع ثمار الدنيا في الشتاء ولا يوصل إليها إلا بالثمن وقيل لا يحظر عليها كما يحظر على بساتين الدنيا وجاء في الحديث «ما قطعت ثمرة من ثمار الجنة إلا أبدل الله عز وجل مكانها ضعفين» {وفرش مرفوعة} قال علي مرفوعة على الأسرة وقيل بعضها فوق بعض فهي مرفوعة عالية عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وفرش مرفوعة} قال: «ارتفاعها كما بين السماء والأرض ومسيرة ما بينهما خمسمائة عام» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب قال الترمذي قال بعض أهل العلم معنى هذا الحديث ارتفاعها كما بين السماء والأرض يقول ارتفاع الفرش المرفوعة في الدرجات والدرجات ما بين كل درجتين بين السماء والأرض وقيل أراد بالفرش النساء والعرب تسمي المرأة فراشاً ولباساً على الاستعارة فعلى هذا القول يكون معنى مرفوعة أي رفعن بالفضل والجمال على نساء الدنيا ويدل على هذا التأويل قوله في عقبه: {إنا أنشأناهن إنشاء} أي خلقناهن خلقاً جديداً قال ابن عباس يعني الآدميات العجائز الشمط يقول خلقناهن بعد الكبر والهرم خلقاً آخر، {فجعلناهن أبكاراً} يعني عذارى. عن أنس رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أنشأناهن إنشاء قال إن من المنشآت اللاتي كن في الدنيا عجائز عمشاً رمصاً» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب وضعف بعض رواته وروى البغوي بسنده عن الحسن قال: «أتت عجوز النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة فقال يا أم فلان إن الجنة لا يدخلها عجوز قال فولت تبكي قال أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى قال {إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكاراً}» هذا حديث مرسل وروي بإسناد الثعلبي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {إنا أنشأناهن إنشاء} قال: «عجائزكن في الدنيا عمشاً رمصاً» {فجعلناهن أبكاراً} وقال المسيب بن شريك هن عجائز الدنيا أنشأهن الله بقدرته خلقاً جديداً كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكاراً وقيل إنهن فضلن على الحور العين بصلاتهن في الدنيا وقيل هن الحور العين أنشأهن الله لم تقع عليهن ولادة فجعلناهن أبكاراً عذارى وليس هناك وجع.

.تفسير الآيات (37- 40):

{عُرُبًا أَتْرَابًا (37) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (40)}
{عرباً} جمع عروب وهي المتحببة إلى زوجها قاله ابن عباس في رواية عنه وعنه أنها الملقة وقيل الغنجة وعن أسامة بن زيد عن أبيه عرباً قال حسان الكلام {أتراباً} يعني أمثالاً في الخلق وقيل مستويات في السن على سن واحد بنات ثلاث وثلاثين، عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يدخل أهل الجنة الجنة جرداً مرداً مكحلين أبناء ثلاثين أو قال ثلاث وثلاثين سنة» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب {لأصحاب اليمين} يعني أنشأهن لأصحاب اليمين وقيل هذا الذي ذكرنا لأصحاب اليمين {ثلة من الأولين} يعني من المؤمنين الذين هم قبل هذه الأمة {وثلة من الآخرين} يعني من مؤمني هذه الأمة يدل عليه ما روى البغوي بإسناد الثعلبي عن عروة بن رويم قال: «لما أنزل الله عز وجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلة من الأولين وقليل من الآخرين بكى عمر فقال يا نبي الله آمنا برسول الله وصدقناه ومن ينجو منا قليل فأنزل الله عز وجل وثلة من الأولين وثلة من الآخرين فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال قد أنزل الله تعالى فيما قلت فقال رضينا عن ربنا وتصديق نبينا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من آدم إلينا ثلة ومنا إلى يوم القيامة ثلة ولا يستتمها الأسودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا الله»،.
(ق) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط والنبي ومعه الرجل والرجلان والنبي وليس معه أحد إذ رفع إلى سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي انظر إلى الأفق الآخر فإذا سواد عظيم فقيل لي هذه أمتك ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ثم نهض فدخل منزله فخاض القوم في أولئك الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام ولم يشركوا بالله وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما الذي تخوضون فيه فأخبروه فقال هم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، فقام عكاشة بن محصن فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال أنت منهم فقام رجل آخر فقال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم فقال سبقك بها عكاشة» الرهيط تصغير رهط وهم دون العشرة وقيل إلى الأربعين.

.تفسير الآيات (41- 56):

{وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (41) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (42) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (43) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (44) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (45) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (46) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآَبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآَخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ (50) ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ (51) لَآَكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ (52) فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (53) فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ (54) فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ (55) هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ (56)}
{وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال} قد تقدم أنه بمعنى التعجب من حالتهم وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم ثم بين منقلبهم وما أعد لهم من العذاب فقال تعالى: {في سموم} أي في حر النار وقيل في ريح شديد الحرارة {وحميم} أي ماء حار يغلي، {وظل من يحموم} يعني في ظل من دخان شديد السواد قيل إن النار سواد وأهلها سود وكل شيء فيها أسود وقيل اليحموم اسم من أسماء النار {لا بارد ولا كريم} يعني لا بارد المنزل ولا كريم المنظر وذلك لأن فائدة الظل ترجع إلى أمرين أحدهما دفع الحر والثاني حسن المنظر وكون الإنسان فيه مكرماً وظل أهل النار بخلاف هذا لأنهم في ظل من دخان أسود حار، ثم بين بما استحقوا ذلك فقال تعالى: {إنهم كانوا قبل ذلك} يعني في الدنيا، {مترفين} يعني منعمين {وكانوا يصرون على الحنث العظيم} يعني على الذنب الكبير وهو الشرك وقيل الحنث العظيم اليمين الغموس وذلك أنهم كانوا يحلفون أنهم لا يبعثون وكذبوا في ذلك يدل عليه سياق الآية وهو قوله تعالى: {وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون} فرد الله تعالى عليهم بقوله: {قل إن الأولين والآخرين} يعني الآباء والأبناء، {لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم} يعني أنهم يجمعون ويحشرون ليوم الحساب {ثم إنكم أيها الضالون} يعني عن الهدى {المكذبون} أي بالبعث والخطاب لكفار مكة وقيل إنه عام مع كل ضال مكذب، {لآكلون من شجر من زقوم} تقدم تفسيره {فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم} يعني الإبل العطاش قيل إن الهيام داء يصيب الإبل فلا تروى معه ولا تزال تشرب حتى تهلك وقيل الهيم الأرض ذات الرمل التي لا تروى بالماء قيل يلقى على أهل النار العطش فيشربون من الحميم شرب الهيم فلا يروون {هذا نزلهم} يعني ما ذكر من الزقوم والحميم أي رزقهم وغذاؤهم وما أعد لهم {يوم الدين} يعني يوم يجازون بأعمالهم ثم احتج عليهم في البعث بقوله تعالى:

.تفسير الآيات (57- 65):

{نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلَا تُصَدِّقُونَ (57) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ (58) أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ (59) نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (60) عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ (61) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ (62) أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (64) لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (65)}
{نحن خلقناكم} يعني ولم تكونوا شيئاً وأنتم تعلمون ذلك {فلولا} أي فهلا {تصدقون} يعني بالبعث بعد الموت.
قوله عز وجل: {أفرأيتم ما تمنون} يعني ما تصبون في الأرحام من النطف {أأنتم تخلقونه} أي أنتم تخلقون ما تمنون بشراً {أم نحن الخالقون} أي إنه خلق النطفة وصورها وأحياها فلم لا تصدقون بأنه واحد قادر على أن يعيدكم كما أنشأكم احتج عليهم في البعث بالقدرة على ابتداء الخلق، {نحن قدرنا بينكم الموت} يعني الآجال فمنكم من يبلغ الكبر والهرم ومنكم من يموت صبياً وشاباً وغير ذلك من الآجال القريبة والبعيدة وقيل معناه إنه جعل أهل السماء وأهل الأرض فيه سواء شريفهم ووضيعهم فعلى هذا القول يكون معنى قدرنا قضينا، {وما نحن بمسبوقين} يعني لا يفوتني شيء أريده ولا يمتنع مني أحد وقيل معناه وما نحن بمغلوبين عاجزين عن إهلاككم وإبدالكم بأمثالكم وهو قوله تعالى: {على أن نبدل أمثالكم} أي نأتي بخلق مثلكم بدلاً منكم في أسرع حين {وننشئكم} أي نخلقكم {فيما لا تعلمون} أي من الصور والمعنى نغير حليتكم إلى ما هو أسمح منها من أي خلق شئنا وقيل نبدل صفاتكم فنجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم أي إن أردنا أن نفعل ذلك بكم ما فاتنا، وقال سعيد بن المسيب فيما لا تعلمون في حواصل طيور سود كأنها الخطاطيف تكون ببرهوت وهو واد باليمن وهذه الأقوال كلها تدل على المسخ وعلى أنه لو شاء أن يبدلهم بأمثالهم من بني آدم قدر ولو شاء أن يمسخهم في غير صورهم قدر، وقال بعض أهل المعاني هذا يدل على النشأة الثانية يكونها الله تعالى في وقت لا يعلمه العباد ولا يعلمون كيفيته كما علموا الإنشاء الأول من جهة التناسل ويكون التقدير على هذا وما نحن بمسبوقين على أن ننشئكم في وقت لا تعلمونه يعني وقت البعث والقيامة، وفيه فائدة وهو التحريض على العمل الصالح لأن التبديل والإنشاء هو الموت والبعث وإذا كان ذلك واقعاً في الأزمان ولا يعلمه أحد فينبغي أن لا يتكل الإنسان على طول المدة ولا يغفل عن إعداد العدة {ولقد علمتم النشأة الأولى} أي الخلقة الأولى ولم تكونوا شيئاً وفيه تقرير للنشاة الثانية يوم القيامة {فلولا تذكرون} أي بأني قادر على إعادتكم كما قدرت على إبدائكم أول مرة.
قوله تعالى: {أفرأيتم ما تحرثون} لما ذكر الله تعالى ابتداء الخلق وما فيه من دلائل الوحدانية ذكر بعده الرزق لأن به البقاء وذكر أموراً ثلاثة المأكول والمشروب وما به إصلاح المأكول والمشروب ورتبه ترتيباً حسناً فذكر المأكول أولاً لأنه هو الغذاء وأتبعه المشروب لأن به الاستمراء ثم النار التي بها الإصلاح وذكر من أنواع المأكول الحب لأنه هو الأصل ومن المشروب الماء لأنه أيضاً هو الأصل وذكر من المصلحات النار لأن بها إصلاح أكثر الأغذية، فقوله أفرأيتم ما تحرثون أي ما تثيرون من الأرض وتلقون فيه البذر {أأنتم تزرعونه} أي تنبتونه وتنشئونه حتى يشتد ويقوم على سوقه {أم نحن الزارعون} معناه أأنتم فعلتم ذلك أم الله ولا شك في أن إيجاد احب في السنبل ليس بفعل أحد غير الله تعالى وإن كان إلقاء البذر من فعل الناس، {لو نشاء لجعلناه} يعني ما تحرثونه وتلقون فيه من البذر، {حطاماً} أي تبناً لا قمح فيه وقيل هشيماً لا ينتفع به في مطعم ولا غيره وقيل هو جواب لمعاند يقول نحن نحرثه وهو بنفسه يصير زرعاً لا بفعلنا ولا بفعل غيرنا فرد الله عليّ هذا المعاند بقوله لو نشاء لجعلناه حطاماً فهل تقدرون أنتم على حفظه أو هو يدفع عن نفسه بنفسه تلك الآفات التي تصيبه ولا يشك أحد في أن دفع الآفات ليس إلا بإذن الله وحفظه، {فظلتم تفكهون} أي تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم وقيل تندمون على نفقاتكم وقيل تندمون على ما سلف منكم من المعاصي التي أوجبت تلك العقوبة وقيل تتلاومون وقيل تحزنون وقيل هو تلهف على ما فات.

.تفسير الآيات (66- 73):

{إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (66) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (67) أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (68) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (69) لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ (70) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (71) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ (72) نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ (73)}
{إنا لمغرمون} أي وتقولون فحذف القول ومعنى الغرم ذهاب المال بغير عوض وقيل معناه لموقع بنا وقال ابن عباس رضي الله عنهما لمعذبون يعني أنهم عذبوا بذهاب أموالهم بغير فائدة والمعنى إنا غرمنا الحب الذي بذرناه فذهب بغير عوض، {بل نحن محرومون} أي ممنوعون والمعنى حرمنا الذي كنا نطلبه من الريع في الزرع، {أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون} ذكرهم الله تعالى نعمه عليهم بإنزال المطر الذي لا يقدر عليه إلا الله عز وجل: {لو نشاء جعلناه أجاجاً} قال ابن عباس شديد الملوحة وقيل مراً لا يمكن شربه {فلولا} أي فلا {تشكرون} يعني نعمة الله عليكم {أفرأيتم النار التي تورون} يعني تقدحون من الزند {أأنتم أنشأتم شجرتها} يعني التي تقدح منها النار وهي المرخ والعفار وهما شجرتان تقدح منهما النار وهما رطبتان وقيل أراد جميع الشجر الذي توقد منه النار {أم نحن المنشئون نحن جعلناها} يعني نار الدنيا {تذكرة} أي للنار الكبرى إذا رأى الرائي هذه النار ذكر بها نار جهنم فيخشى الله ويخاف عقابه وقيل موعظة يتعظ بها المؤمن.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ناركم هذه التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم قالوا والله إن كانت لكافية يا رسول الله قال فإنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها» {ومتاعاً} أي بلغة ومنفعة {للمقوين} يعني للمسافرين والمقوي النازل في الأرض القواء وهي القفر الخالية البعيدة من العمران والمعنى أنه ينتفع بها أهل البوادي والسفار فإن منفعتهم أكثر من المقيم فإنهم يوقدونها بالليل لتهرب الشماع ويهتدي بها الضال إلى غير ذلك من المنافع هذا قول أكثر المفسرين وقيل المقوين الذين يستمتعون بها في الظلمة ويصطلون بها من البرد وينتفعون بها في الطبخ والخبز إلى غير ذلك من المنافع وقيل المقوي من الأضداد يقال للفقير مقو لخلوه من المال ويقال للغني مقو لقوته على ما يريد والمعنى أن فيها متاعاً ومنفعة للفقراء والأغنياء جميعاً لا غنى لأحد عنها.

.تفسير الآيات (74- 79):

{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (74) فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79)}
{فسبح باسم ربك العظيم} لما ذكر الله ما يدل على وحدانيته وقدرته وإنعامه على سائر الخلق خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم ويجوز أن يكون خطاباً لكل فرد من الناس فقال تعالى فسبح باسم ربك أي برِّئ الله ونزهه عما يقول المشركون في صفته والاسم يكون بمعنى الذات والمعنى فسبح بذات ربك العظيم.
قوله عز وجل: {فلا أقسم} قال أكثر المفسرين معناه فأقسم ولا صلة مؤكدة وقيل لا على أصلها وفي معناها وجهان أحدهما أنها ترجع إلى ما تقدم ومعناها النهي وتقديره فلا تكذبوا ولا تجحدوا ما ذكرته من النعم والحجج.
الوجه الثاني: أن لا رد لما قاله الكفار في القرآن من أنه سحر وشعر وكهانة والمعنى ليس الأمر كما تقولون ثم استأنف القسم فقال أقسم والمعنى لا والله لا صحة لقول الكفار وقيل إن لا هنا معناها النفي فهو كقول القائل لا تسأل عما جرى وهو يريد تعظيم الأمر لا النهي عن السؤال، {بمواقع النجوم} قال ابن عباس أراد نجوم القرآن فإنه كان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم متفرقاً وقيل أراد مغارب النجوم ومساقطها وقيل أراد منازلها وقيل انكدارها وانتثارها يوم القيامة وقيل مواقعها في اتباع الشياطين عند الرجم {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} قيل هذا يدل على أن المراد بمواقع النجوم نزول القرآن والمعنى إن القسم بمواقع النجوم لقسم عظيم لو تعلمون عظمته لانتفعتم بذلك وقيل معنى لو تعلمون أي فاعلموا عظمته وقيل إنه اعتراض بين القسم والمقسم عليه والمعنى فأقسم بمواقع النجوم، {إنه لقرآن كريم} أي إن الكتاب الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم لقرآن كريم أي عزيز مكرم لأنه كلام الله تعالى ووحيه إلى نبيه صلى الله عليه وسلم وقيل الكريم الذي من شأنه أن يعطي الكثير وسمي القرآن كريماً لأنه يفيد الدلائل التي تؤدي إلى الحق في الدين وقيل الكريم اسم جامع لما يحمد والقرآن الكريم لما يحمد فيه من الهدى والنور والبيان والعلم والحكم فالفقيه يستدل به ويأخذ منه والحكيم يستمد منه ويحتج به والأديب يستفيد منه ويتقوى به فكل عالم يطلب أصل علمه منه وقيل سمي كريماً لأن كل أحد يناله ويحفظه من كبير وصغير وذكي وبليد بخلاف غيره من الكتب، وقيل إن الكلام إذا كرر مراراً يسأمه السامعون ويهون في الأعين وتمله الآذان والقرآن عزيز كريم لا يهون بكثرة التلاوة ولا يخلق بكثرة الترداد ولا يمله السامعون ولا يثقل على الألسنة بل هو غض طري يبقى أبد الدهر كذلك {في كتاب مكنون} أي مصون مستور عند الله تعالى في اللوح المحفوظ من الشياطين من أن يناله بسوء وقيل المراد بالكتاب المصحف ومعنى مكنون مصون محفوظ من التبديل والتحريف والقول الأول أصح، {لا يمسه} أي ذلك الكتاب المكنون {إلا المطهرون} وهم الملائكة الموصوفون بالطهارة من الشرك والذنوب والأحداث يروى هذا القول عن ابن عباس وأنس وهو قول سعيد بن جبير وأبي العالية وقتادة وابن زيد وقيل هم السفرة الكرام البررة وعلى القول الثاني من أن المراد بالكتاب المصحف فقيل معنى لا يمسه إلا المطهرون أي من الشرك وكان ابن عباس ينهى أن تمكن اليهود والنصارى من قراءة القرآن قال الفراء لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به وقيل معناه لا يقرأه إلا الموحدون وقال قوم معناه لا يمسه إلا المطهرون من الأحداث والجنابات وظاهر الآية نفي ومعناها نهي قالوا لا يجوز للجنب ولا للحائض ولا للمحدث حمل المصحف ولا مسه وهو قول عطاء وطاوس وسالم والقاسم وأكثر أهل العلم وبه قال مالك والشافعي وأكثر الفقهاء يدل عليه ما روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم إن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: «أن لا تمس القرآن إلا طاهرا» أخرجه مالك مرسلا وقد جاء موصولا عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كتب إلى أهل اليمن بهذا والصحيح فيه الإرسال وروى الدار قطني بسنده عن سالم عن أبيه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «لا يمس القرآن إلا طاهر» والمراد بالقرآن المصحف سماه قرآنا على قرب الجوار والاتساع، كما روي «أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو» وأراد به المصحف وقال الحكم وحماد وأبو حنيفة يجوز للمحدث والجنب حمل المصحف ومسه بغلافه.
فإن قلت: إذا كان الأصح أن المراد من الكتاب هو اللوح المحفوظ وأن المراد من {لا يمسه إلا المطهرون} هم الملائكة ولو كان المراد نفي الحدث لقال لا يمسه إلا المتطهرون من التطهر فكيف يصح قول الشافعي لا يصح للمحدث مس المصحف. قلت من قال إن الشافعي أخذه من صريح الآية حمله على التفسير الثاني وهو القول بأن المراد من الكتاب هو المصحف ومن قال إنه أخذه من طريق الاستنباط قال المس بطهر صفة دالة على التعظيم والمس بغير طهر نوع استهانة وهذا لا يليق بمباشرة المصحف الكريم والصحيح أنه أخذه من السنة ودليله ما تقدم من الأحاديث واللّه أعلم. قوله تعالى: