فصل: تفسير الآيات (18- 23):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (18- 23):

{ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23)}
{ثم يعيدكم فيها} أي في الأرض بعد الموت {ويخرجكم} أي منها يوم البعث {إخراجاً} يعني إخراجاً حقاً لا محالة {والله جعل لكم الأرض بساطاً} أي فرشها لكم مبسوطة تتقلبون عليها كما يتقلب الرجل على بساطه {لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً} أي طرقاً واسعة.
قوله تعالى: {قال نوح رب إنهم عصوني} أي لم يجيبوا دعوتي {واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً} يعني اتبع السفلة والفقراء القادة والرؤساء الذين لم تزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالاً في الدنيا وعقوبة في الآخرة {ومكروا مكراً كباراً} يعني كبيراً عظيماً يقال كبيراً وكباراً بالتشديد والتخفيف والتشديد أشد وأعظم في المبالغة والماكرون هم الرؤساء والقادة ومكرهم احتيالهم في الدين وكيدهم لنوح عليه الصلاة والسلام وتحريش السفلة على أذاه وصد الناس عن الإيمان به والميل إليه والاستماع منه. وقيل مكرهم هو قولهم لا تذرن آلهتكم وتعبد وا إله نوح، وقال ابن عباس في مكرهم قالوا قولاً عظيماً. وقيل افتروا على الله الكذب وكذبوا رسله {وقالوا} يعني القادة للأتباع {لا تذرن آلهتكم} أي لا تتركن عبادتها {ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً} هذه أسماء آلهتهم وإنما أفرد بالذكر وإن كانت داخلة في جملة قوله لا تذرن آلهتكم لأنهم كانت لهم أصنام هذه الخمسة المذكورة هي أعظمها عندهم. قال محمد بن كعب هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح فلما ماتوا كان أتباعهم يقتدون بهم ويأخذون بعدهم بأخذهم في العبادة فجاءهم إبليس وقال لهم: لو صورتم صورهم كان ذلك أنشط لكم وأشوق إلى العبادة ففعلوا ذلك ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبد ونهم. فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صورة أولئك القوم الصالحين من المسلمين،.
(خ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صارت الأوثان التي كانت تعبد قوم نوح في العرب بعد. أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل وأما سواع فكانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد ثم صارت لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي الكلاع. وروى سفيان عن موسى عن محمد بن قيس في قوله ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً، قال كانت أسماء رجال صالحين من قوم نوح فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصاباً وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى هلك أولئك ونسخ العلم فعبد ت الأوثان، وروي عن ابن عباس أن تلك الأوثان دفنها الطوفان وطمها التراب فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب، وكانت للعرب أصنام أخر فاللات كانت لثقيف والعزى لسليم وغطفان وجشم، ومناة كانت لخزاعة بقديد وإساف ونائلة وهبل كانت لأهل مكة. ولذلك سمت العرب أنفسهم بعبد ود وعبد يغوث وعبد العزى ونحو ذلك من الأسماء.

.تفسير الآيات (24- 28):

{وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}
{وقد أضلوا كثيراً} أي ضل بسبب الأصنام كثير من الناس. وقيل أضل كبراء قوم نوح كثيراً من الناس {ولا تزد الظالمين إلا ضلالاً} يعني ولا تزد المشركين بعبادتهم الأصنام إلا ضلالاً وهذا دعاء عليهم وذلك أن نوحاً عليه السلام كان قد امتلأ قلبه غضباً وغيظاً عليهم فدعا عليهم.
فإن قلت كيف يليق بمنصب النبوة أن يدعو بمزيد الضلال وإنما بعث ليصرفهم عنه.
قلت إنما دعا عليهم بعد أن أعلمه الله أنهم لا يؤمنون وهو قوله تعالى: {إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} وقيل إنما أراد بالضلال في أمر الدنيا وما يتعلق بها لا في أمر الآخرة {مما خطيئاتهم أغرقوا} أي بالطوفان {فأدخلوا ناراً} أي في حالة واحدة وذلك في الدنيا كانوا يغرقون من جانب ويحترقون من جانب. واستدل بعضهم بهذه الآية على صحة عذاب القبر وذلك لأن الفاء تقتضي التعقيب في قوله تعالى أغرقوا فأدخلوا ناراً، وهذا يدل على أنه إنما حصل دخول النار عقيب الإغراق ولا يمكن حمله على عذاب الآخرة لأنه يبطل دلالة الفاء، وقيل معناه أنهم سيدخلون ناراً في الآخرة فعبر عن المستقبل بلفظ الماضي لصدق الوعد في ذلك والأول أصح {فلم يجدوا لهم من دون الله أنصاراً} يعني تنصرهم وتمنعهم من العذاب الذي نزل بهم {وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً} يعني أحد يدور في الأرض فيذهب ويجيء من الدوران. وقيل أصله من الدار أي نازل دار {إنك إن تذرهم يضلوا عبادك} قال ابن عباس وغيره كان الرجل ينطلق بابنه إلى نوح فيقول له احذر هذا فإنه كذاب وإن أبي حذرنيه، فيموت الكبير وينشأ الصغير على ذلك {ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً} إنما قال نوح هذا حين أخرج الله كل مؤمن من أصلابهم وأرحام نسائهم وأعقم بعد ذلك أرحام النساء وأيبس أصلاب الرجال وذلك قبل نزول العذاب بأربعين سنة. وقيل بسبعين سنة وأخبر الله نوحاً أنهم لا يؤمنون ولا يلدون مؤمناً فحينئذ دعا عليهم فأجاب الله دعوته فأهلكهم جميعاً ولم يكن معهم صبي وقت العذاب لأن الله تعالى أعقمهم قبل العذاب {رب اغفر لي} وذلك أنه لما دعا على الكفار قال رب اغفر لي يعني ما صدر مني من ترك الأفضل، وقيل يحتمل أنه لما دعا على الكفار قال رب اغفر لي يعني ما صدر مني من ترك الأفضل. وقيل يحتمل أنه حين دعا على الكفار أنه إنما دعا عليهم بسبب تأذيه منهم فكان ذلك الدعاء عليهم كالانتقام منهم فاستغفر من ذلك لما فيه من طلب حظ النفس أو لأنه ترك الاحتمال. {ولوالديَّ} وكان اسم أبيه ملك بن متوشلخ واسم أمه سمخاء بنت أنوش وكانا مؤمنين وقيل لم يكن بين آدم ونوح عليهما السلام من آبائه كافر وكان بينهما عشرة آباء {ولمن دخل بيتي مؤمناً} أي داري وقيل مسجدي وقيل سفينتي {وللمؤمنين والمؤمنات} وهذا عام في كل مؤمن آمن بالله وصدق الرسل، وإنما بدأ بنفسه لأنها أولى بالتخصيص والتقديم ثم ثنى بالمتصلين به لأنهم أحق بدعائه من غيرهم ثم عمم جميع المؤمنين والمؤمنات ليكون ذلك أبلغ في الدعاء، {ولا تزد الظالمين إلا تباراً} أي هلاكاً ودماراً فاستجاب الله تعالى دعاءه فأهلكهم جميعاً والله أعلم.

.سورة الجن:

.تفسير الآيات (1- 4):

{قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (2) وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (3) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (4)}
قوله عز وجل: {قل أوحي إليَّ أنه استمع نفر من الجن} اختلف الناس قديماً وحديثاً في ثبوت وجود الجن فأنكر وجودهم معظم الفلاسفة، واعترف بوجودهم جمع منهم وسموهم بالأرواح السفلية، وزعموا أنهم أسرع إجابة من الأرواح الفلكية إلا أنهم أضعف. وأما جمهور أرباب الملل وهم أتباع الرسل والشرائع فقد اعترفوا بوجود الجن لكن اختلفوا في ماهيتهم، فقيل الجن حيوان هوائي يتشكل بأشكال مختلفة، وقيل إنها جواهر وليست بأجسام ولا أعراض ثم هذه الجواهر أنواع مختلفة بالماهية فبعضها خيرة كريمة محبة للخيرات وبعضها دنيئة خسيسة شريرة محبة للشرور والآفات ولا يعلم عدة أنواعهم إلا الله تعالى، وقيل إنهم أجسام مختلفة الماهية لكن تجمعهم صفة واحدة وهي كونهم حاصلون في الحيز موصوفون بالطول والعرض والعمق، وينقسمون إلى لطيف وكثيف وعلوي وسفلي ولا يمتنع في بعض الأجسام اللطيفة الهوائية أن تكون مخالفة لسائر أنواع الأجسام في الماهية وأن يكون لها علم مخصوص وقدرة مخصوصة على أفعال عجيبة أو شاقة يعجز البشر عن مثلها. وقد يتشكلون بأشكال مختلفة وذلك بإقدار الله تعالى إياهم على ذلك، وقيل إن الأجسام متساوية في تمام الماهية وليست البنية شرطاً للحياة وهذا قول الأشعري وجمهور أتباعه، وشذ تأويل المعتزلة من هذه الأمة فأنكروا وجود الجن وقالوا البنية شرط للحياة وإنه لابد من صلابة البنية حتى يكون قادراً على الأفعال الشاقة، وهذا قول منكر وصاحب هذا القول ينكر خرق العادات ورد ما ثبت وجوده بنص الكتاب والسنة.
فصل:
اختلف الرواة هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم الجن فأثبتها ابن مسعود فيما رواه عنه مسلم في صحيحه وقد تقدم حديثه في تفسير سورة الأحقاف عند قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن} وأنكرها ابن عباس فيما رواه عنه البخاري ومسلم. قال ابن عباس: ما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجن ولا رآهم، انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسل عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم فقالوا ما لكم فقيل حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب؟ قالوا وما ذاك إلا من شيء قد حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء، فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا القرآن استمعوا له وقالوا: هذا الذي حال بيننا وبين خبر السماء فرجعوا إلى قومهم فقالوا {يا قومنا إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً} فأنزل الله تعالى على نبيه {قل أوحي إليَّ أنه استمع نفر من الجن} زاد في رواية: وإنما أوحي إليه قول الجن، أخرجاه في الصحيحين، قال القرطبي في شرح مسلم في حديث ابن عباس هذا معناه أنه لم يقصدهم بالقراءة بل لما تفرقوا يطلبون الخبر الذي حال بينهم وبين استراق السمع، صادف هؤلاء النفر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه وعلى هذا فهو صلى الله عليه وسلم لم يعلم باستماعهم ولم يكلمهم وإنما أعلمه الله عز وجل بما أوحي إليه من قوله قل أوحى إليّ أنه استمع نفر من الجن وأما حديث ابن مسعود فقضية أخرى وجن آخرون.
والحاصل من الكتاب والسنة العلم القطعي بأن الجن والشياطين موجودون متعبد ون بالأحكام الشرعية على النحو الذي يليق بخلقتهم وبحالهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم رسول إلى الإنس والجن فمن دخل في دينه فهو من المؤمنين ومعهم في الدنيا والآخرة والجنة، ومن كفر به فهو من الشياطين المبعدين المعذبين فيها والنار مستقره. وهذا الحديث يقتضي أن الرجم بالنجوم ولم يكن قبل المبعث. وذهب قوم إلى أنه كان قبل مبعثه وآخرون إلى أنه كان لكن زاد بهذا المبعث وبهذا القول يرتفع التعارض بين الحديثين هذا آخر كلام القرطبي والله أعلم.
عكاظ سويقة معروفة بقرب مكة كان العرب يقصدونها في كل سنة مرة في الجاهلية وأول الإسلام وتهامة كل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز سميت تهامة لتغير هوائها. ومكة من تهامة معدودة ونخلة واد من أودية مكة قريب منها.
وأما التفسير فقوله سبحانه وتعالى: {قل أوحي إليّ} أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يظهر لأصحابه واقعة الجن وكما أنه مبعوث إلى الإنس فهو أيضاً مبعوث إلى الجن لتعلم قريش أن الجن مع تمردهم لما سمعوا القرآن عرفوا إعجازه فآمنوا به وقوله استمع نفر من الجن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة قيل كانوا تسعة من جن نصيبين. وقيل سبعة سمعوا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم {فقالوا} أي لما رجعوا إلى قومهم، {إنا سمعنا قرآناً عجباً} قال ابن عباس رضي الله عنهما بليغاً أي ذا عجب يعجب منه لبلاغته وفصاحته {يهدي إلى الرشد} أي يدعو إلى الصواب يعني التوحيد والإيمان {فآمنا به} أي بالقرآن {ولن نشرك بربنا أحداً} أي ولن نعود إلى ما كنا عليه من الشرك. وفيه دليل على أن أولئك النفر كانوا مشركين قيل كانوا يهوداً وقيل كانوا نصارى وقيل كانوا مجوساً ومشركين {وأنه تعالى جد ربنا} أي جلال ربنا وعظمته، ومنه قول أنس «كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جد فينا» أي عم قدره وقيل الجد الغنى.

.تفسير الآيات (5- 9):

{وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (5) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9)}
{وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذباً} أي كنا نظن أن الإنس والجن صادقون في قولهم إن لله صاحبة وولداً وأنهم لا يكذبون على الله في ذلك فلما سمعنا القرآن علمنا أنهم قد كذبوا على الله.
قوله تعالى: {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن} وذلك أن الرجل من العرب في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في أرض قفر قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح. روى البغوي بإسناد الثعلبي عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فآوانا المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملاً من الغنم فوثب الراعي فقال: يا عامر الوادي جارك فنادى مناد لا نراه يا سرحان أرسله فأتى الحمل يشتد حتى دخل الغنم ولم تصبه كدمته فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بمكة وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن، {فزادوهم رهقاً} وذكره ابن الجوزي في تفسيره بغير سند ومعنى الآية زاد الإنس الجن باستعاذتهم بقادتهم رهقاً، قال ابن عباس إثماً. وقيل طغياناً وقيل غياً وقيل شراً وقيل عظمة وذلك أنهم كانوا يزدادون بهذا التعوذ طغياناً وعظمة ويقولون يعني عظماء الجن سدنا الجن والإنس. والرهق في كلام العرب الإثم وغشيان المحارم {وأنهم ظنوا} يعني الجن {كما ظننتم} أي يا معشر الكفار من الإنس {أن لن يبعث الله أحداً} يعني يقول الجن وأنا {لمسنا السماء} أي طلبنا بلوغ السماء الدنيا واستماع كلام أهلها {فوجدناها ملئت حرساً} يعني من الملائكة {شديداً وشهباً} أي من النجوم {وأنا كنا نقعد منها} أي من السماء {مقاعد للسمع} يعني كنا نجد فيها بعض المقاعد خالية من الحرس والشهب والآن قد ملئت المقاعد كلها {فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً} أي أرصد له ليرمى به. وقيل شهاباً من الكواكب ورصداً من الملائكة، عن ابن عباس قال: «كان الجن يصعدون إلى السماء يستمعون الوحي فإذا سمعوا الكلمة زادوا عليها تسعاً، فأما الكلمة فتكون حقاً وأما ما زاد فيكون باطلاً. فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم منعوا مقاعدهم فذكروا ذلك لإبليس ولم تكن النجوم يرمى بها قبل ذلك فقال لهم إبليس ما هذا إلا من أمر قد حدث في الأرض فبعث جنوده فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً يصلي بين جبلين أراه قال بمكة فأخبروه فقال هذا الحدث في الأرض»، أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وقال ابن قتيبة إن الرجم كان قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ولكن لم يكن مثل ما كان بعد مبعثه في شدة الحراسة وكانوا يسترقون في بعض الأحوال فلما بعث منعوا من ذلك أصلاً فعلى هذا القول يكون حمل الجن على الضرب في الأرض.
وطلب السبب إنما كان لكثرة الرجم ومنعهم عن الاستراق بالكلية.