فصل: تفسير الآيات (16- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (16- 25):

{كِرَامٍ بَرَرَةٍ (16) قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (25)}
{كرام} أي هم كرام على الله {بررة} أي مطيعين له جمع بار.
قوله عز وجل: {قتل الإنسان} أي لعن الكافر وطرد {ما أكفره} أي أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه إليه، وأياديه عنده وهذا على سبيل التّعجب، أي أعجبوا من كفره وقيل معناه أي شيء حمله على الكفر، نزلت هذه الآية في عتبة بن أبي لهب، وقيل في أمية بن خلف، وقيل في الذين قتلوا يوم بدر، وقيل الآية عامة في كل كافر، ثم بين من أمره ما كان ينبغي أن يعلم أن الله تعالى خالقه منه فقال تعالى: {من أي شيء خلقه} لفظه استفهام ومعناه التّقرير، ثم فسر ذلك فقال تعالى: {من نطفة خلقه فقدره} يعني خلقه أطواراً نطفة ثم علقة، ثم مشغة، إلى آخر خلقه، وقيل قدره يعني خلق رأسه، وعينيه ويديه، ورجليه على قدر ما أراده {ثم السبيل يسره} أي سهل له طريق خروجه من بطن أمه، وقيل سهل له العلم بطريق الحق والباطل، وقيل يسر على كل أحد ما خلق له وقدر عليه. {ثم أماته فأقبره} أي جعل له قبراً يوارى فيه، وقيل جعله مقبوراً، ولم يجعله ملقى للسّباع، والوحوش والطّيور، أو أقبره معناه ستره الله بحيث يقبر وجعله ذا قبر يدفن فيه، وهذه تكرمة لبني آدم على سائر الحيوانات. ثم قال تعالى: {ثم إذا شاء أنشره} أي أحياه بعد موته للبعث، والحساب وإنما قال تعالى: {ثم إذا شاء أنشره} لأن وقت البعث غير معلوم لأحد فهو إلى مشيئة الله تعالى متى شاء أن يحيي الخلق أحياهم {كلا} ردع وزجر للإنسان عن تكبره وتجبره وترفعه، وعن كفره وإصراره على إنكار التوحيد، وإنكار البعث والحساب {لما يقض ما أمره} أي لم يفعل ما أمره به ربه، ولم يؤد ما فرض عليه، ولما ذكر خلق ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر فإنه موضع الاعتبار فقال تعالى: {فلينظر الإنسان إلى طعامه} إلى قدرة ربه فيه أي كيف قدره ربه، ويسره ودبره له وجعله سبباً لحياته، وقيل مدخل طعامه ومخرجه. ثم بين ذلك فقال تعالى: {أنا صببنا الماء صباً} يعني المطر.

.تفسير الآيات (26- 37):

{ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (26) فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (32) فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (33) يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37)}
{ثم شققنا الأرض شقاً} أي بالنبات {فأنبتنا فيها} أي بذلك الماء {حباً} يعني الحبوب التي يتغدى بها الإنسان {وعنباً} يعني أنه غذاء من وجه، وفاكهة من وجه، فلهذا أتبعه الحب {وقضباً} يعني القت وهو الرطب سمي بذلك لأنه يقتضب، أي يقطع في كل الأيام، وقيل القضب هو العلف كله الذي تعلف به الدواب. {وزيتوناً} وهو ما يعصر منه الزيت {ونخلاً وحدائق} جمع حديقة {غلباً} يعني غلاظ الأشجار، وقيل الغلب الشجر الملتف بعضه على بعض. وقال ابن عباس: طوالاً {وفاكهة} يعني جميع ألوان الفاكهة {وأبا} يعني الكلأ والمرعى الذي لم يزرعه الناس مما يأكله الدواب والأنعام، وقيل فاكهة ما يأكله الناس، والأب ما يأكله الدّواب. وقال ابن عباس: ما أنبتت الأرض مما يأكل الناس. والأنعام روى إبراهيم التيمي أن أبا بكر سئل عن قوله: {وفاكهة وأبّاً} فقال أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم.
(خ) عن أنس أن عمر قرأ: {وفاكهة وأبّاً} قال فما الأب، ثم قال ما كلفنا أو قال ما أمرنا بهذا لفظ البخاري، وزاد غيره ثم قال اتبعوا ما بين لكم هذا الكتاب وما لا فدعوه. {متاعاً لكم} يعني الفواكه والحب، والعشب منفعة لكم {ولأنعامكم} ثم ذكر أهوال القيامة فقال تعالى: {فإذا جاءت الصّاخة} يعني صيحة القيامة سميت صاخة لأنها تصخ أسماع الخلق، أي تبالغ في أسماعهم حتى تكاد تصمها {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه} أي إنه لا يلتفت إلى واحد من هؤلاء لشغله بنفسه، والمراد من الفرار التّباعد، والسبب في ذلك الاحتراز عن المطالبة بالحقوق فالأخ يقول ما واسيتني بمالك، والأبوان يقولان قصرت في برنا، والصاحبة تقول لم توفني حقي والبنون يقولون ما علمتنا وما أرشدتنا، وقيل أول من يفر هابيل من أخيه قابيل، والنبي صلى الله عليه وسلم من أمه وإبراهيم عليه الصّلاة والسّلام من أبيه ولوط من صاحبته ونوح من ابنه، وقيل يفر المؤمن من موالاة هؤلاء، ونصرتهم والمعنى أن هؤلاء الذين كانوا يقربونهم في الدنيا، ويتقوون بهم ويتعززون بهم يفرون منهم في الدّار الآخرة، وفائدة الترتيب كأنه قيل يوم يفر المرء من أخيه بل من أبويه لأنهما أقرب من الإخوة بل من الصّاحبة، والولد لأن تعلقه بهما أشد من تعلقه بالأبوين {لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه} أي يشغله شأن نفسه عن شأن غيره عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه قال: «تحشرون حفاة عراة غرلاً، فقالت امرأة أيبصر أحدنا، أو يرى بعضنا عورة بعض قال: يا فلانة لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه» أخرجه التّرمذي وقال: حديث حسن صحيح ولما ذكر الله تعالى حال القيامة، وأهوالها بين حال المكلفين، وأنهم على قسمين منهم السعداء والأشقياء.

.تفسير الآيات (38- 42):

{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)}
{وجوه يومئذ مسفرة} أي مشرقة مضيئة من أسفر الصبح إذا أضاء، وقيل مسفرة من قيام اللّيل، وقيل من أثر الوضوء، وقيل من الغبار في سبيل الله {ضاحكة} أي عند الفراغ من الحساب {مستبشرة} أي بالسرور فرحة بما تنال من كرامة الله، ورضوانه. ثم وصف الأشقياء فقال تعالى: {ووجوه يومئذ عليها غبرة} أي سواد وكآبة للهم الذي نزل بهم {ترهقها قترة} أي تعلوها، وتغشاها ظلمة، وكسوف وقال ابن عباس: تغشاها ذلة والفرق بين الغبرة والقترة أن الغبرة ما كان أسفل في الأرض، والقترة ما ارتفع من الغبار فلحق بالسماء {أولئك} أي الذين صنع بهم هذا {هم الكفرة الفجرة} جميع كافر وفاجر والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

.سورة التكوير:

.تفسير الآيات (1- 7):

{إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2) وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ (3) وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ (4) وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ (5) وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ (6) وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (7)}
قوله عز وجل: {إذا الشّمس كورت} قال ابن عباس: أظلمت، وغورت، وقيل اضمحلت، وقيل لفت كما تلف العمامة، وأصل التكوير جمع بعض الشيء إلى بعض ومعناه أن الشّمس يجمع بعضها إلى بعض، ثم تلف فإذا فعل بها ذلك ذهب ضوءها، قال ابن عباس: يكور الله الشّمس، والقمر، والنّجوم يوم القيامة في البحر، ثم يبعث عليها ريحاً دبوراً فتضربها فتصير ناراً.
(خ) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشّمس والقمر يكوران يوم القيامة» قيل إن الشّمس، والقمر، جمادان فإلقاؤهما في النّار يكون سبباً لازدياد الحر في جهنم. {وإذا النّجوم انكدرت} أي تناثرت من السماء، وسقطت على الأرض. قال الكلبي وعطاء: تمطر السّماء يومئذ نجوماً، فلا يبقى نجم إلا وقع {وإذا الجبال سيرت} أي عن وجه الأرض، فصارت هباء منثوراً. {وإذا العشار عطلت} يعني النوق الحوامل التي أتى عليها عشرة أشهر من حملها، واحدتها عشراء، ثم لا يزال ذلك اسمها حتى تضع لتمام سنة، وهي أنفس مال عند العرب فإذا كان ذلك اليوم عطلت، وتركت هملاً بلا راع أهملها أهلها، وقد كانوا لازمين لأذنابها ولم يكن مال أعجب إليهم منها لما جاءهم من أهوال يوم القيامة. {وإذا الوحوش} يعني من دواب البر {حشرت} أي جمعت يوم القيامة ليقتص لبعضها من بعض. وقال ابن عباس: حشرها موتها قال: وحشر كل شيء موته غير الجن والإنس، فإنهما يوقفان يوم القيامة. {وإذا البحار سجرت} قال ابن عباس: أوقدت فصارت ناراً تضطرم، وقيل فجر بعضها في بعض العذاب، والملح حتى صارت البحار كلها بحراً واحداً وقيل صارت مياهها من حميم أهل النّار، وقيل سجرت أي يبست، وذهب ماؤها فلم تبق فيها قطرة.
قال أبي بن كعب: ست آيات قبل يوم القيامة، بينما النّاس في أسواقهم إذ ذهب ضوء الشّمس، فبينما هم كذلك إذ وقعت الجبال على الأرض، فبينما هم كذلك إذ تناثرت النّجوم فتحركت، واضطربت، وفزعت الإنس، والجن، واختلطت الدّواب، والطّير، والوحش، وماج بعضهم في بعض. فذلك قوله تعالى: {إذا الشّمس كورت وإذا النّجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سجرت} فحينئذ تقول الجن للإنس: نحن نأتيكم بالخبر، فينطلقون إلى البحر، فإذا هو نار تأجج، فبينما هم كذلك إذ انصدعت الأرض صدعة واحدة إلى الأرض السابعة السفلى، وإلى السماء السابعة العليا، فبينما هم كذلك إذ جاءتهم ريح فأماتتهم، وعن ابن عباس قال: هي اثنتا عشرة خصلة ستة في الدنيا، وستة في الآخرة، وهي ما ذكر بعد هذه. وهو قوله تعالى: {وإذا النفوس زوجت} روى النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب أنه سئل عن هذه الآية، فقال: يقرن بين الرّجل الصّالح مع الرجل الصالح في الجنة، ويقرن بين الرجل السّوء مع الرجل السوء في النّار، وقيل ألحق كل امرئ بشيعته اليهود باليهود، والنصارى بالنصارى، وقيل يحشر الرجل مع صاحب عمله، وقيل زوّجت النّفوس بأعمالها، وقيل زوّجت نفوس المؤمنين بالحور العين، وقرنت نفوس الكافرين بالشّياطين، وقيل معنى زوّجت ردت الأرواح إلى الأجساد.

.تفسير الآيات (8- 13):

{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9) وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ (10) وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ (11) وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ (12) وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ (13)}
{وإذا الموءودة سئلت} يعني الجارية التي دفنت، وهي حية سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب، فيئدها، أي يثقلها حين تموت، وكانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية. تدفن البنات حية مخافة العار، والحاجة، وروي عن ابن عباس قال: كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت، وكان أوان ولادتها حفرت حفيرة، فتمخضت على رأس الحفيرة فإن ولدت جارية رمت بها في الحفيرة، وإذا ولدت غلاماً حبسته، وقيل كان الرجل في الجاهلية إذا ولدت له بنت، وأراد بقاءها حية ألبسها جبة صوف، أو شعر وتركها ترعى الإبل، والغنم في البادية، وإذا أراد قتلها تركها حتى تشب، فإذا بلغت قال لأمها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر بئراً في الصّحراء، فيبلغ بها البئر فيقول لها: انظري فيها، فإذا نظرت دفعها من ورائها، ويهيل عليها التراب حتى تستوي بالأرض، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الوائدة، والموءودة في النّار» أخرجه أبو داود، وكان صعصعة بن ناجية ممن منع الوأد، ولم يئد فافتخر به الفرزدق في شعره فقال:
ومنا الذي منع الوائدات ** وأحيا الوئيد فلم توأد

{بأي ذنب قتلت} معناه تسأل الموءودة، فيقال لها، بأي ذنب قتلت، ومعنى سؤالها لها توبيخ قاتلها. لأنها قتلت بغير ذنب. {وإذا الصّحف نشرت} يعني صحائف الأعمال تنشر للحساب {وإذا السّماء كشطت} أي نزعت، وطويت، وقيل قلعت كما يقلع السقف، وقيل كشفت، وأزيلت عمن فيها. {وإذا الجحيم سعرت} أوقدت لأعداء الله تعالى {وإذا الجنة أزلفت} أي قربت لأولياء الله.

.تفسير الآيات (14- 22):

{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ (14) فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22)}
{علمت نفس ما أحضرت} يعني عند ذلك تعمل كل نفس ما أحضرت من خير، أو شر وهذا جواب لقوله إذا الشّمس كورت إلى هنا.
قوله عز وجل: {فلا أقسم} لا زائدة والمعنى أقسم، وقد تقدم ذلك في قوله: {لا أقسم بيوم القيامة} {بالخنس الجوار الكنس} يعني النّجوم تبدو بالليل، فتظهر، وتخنس بالنهار تحت نور الشّمس، ونحو هذا المعنى روي عن علي بن أبي طالب، وقيل هي النّجوم الخمسة زحل، والمشتري، والمريخ، والزهرة، وعطارد، تخنس في مجاريها، أي ترجع وراءها في الفلك، وتنكس، أي تستر وقت اختفائها، وقيل إنها تخنس، أي تتأخر عن مطالعها، والكنس معناه أنها لا ترى بالنهار، وقيل هي الظباء، وهي رواية عن ابن عباس، وأصل الخنوس الرّجوع إلى وراء، والكنوس هو أن تأوي إلى كناسها، وهو الموضع الذي يأوي إليه الوحوش. {واللّيل إذا عسعس} أي أقبل بظلامه وقيل أدبر، والعسعسة رقة الظّلام، وذلك يكون في طرف الليل. {والصّبح إذا تنفس} أي أقبل وبدا أوله وقيل أسفر.
وفي تنفسه قولان أحدهما: أن في إقبال الصبح روحاً، ونسيماً فجعل ذلك نفساً على المجاز الثاني، أنه شبه الليل بالمكروب المحزون، فإذا تنفس وجد راحة، فكأنه تخلص من الحزن، فعبر عنه بالتنفس، فهو استعارة لطيفة، ولما ذكر المقسم به أتبعه بالمقسم عليه فقال تعالى: {إنه} يعني القرآن {لقول رسول كريم} يعني جبريل عليه الصلاة والسلام والمعنى أن جبريل نزل به عن الله عز وجل: {ذي قوة} وكان من قوته أنه اقتلع قرى قوم لوط الأربع من الماء الأسود، وحملها على جناحه، فرفعها إلى السماء، ثم قلبها، وأنه أبصر إبليس يكلم عيسى عليه الصلاة والسلام على بعض عقاب الأرض المقدسة، فنفحه بجناحه نفحة ألقاه إلى أقصى جبل بالهند، وأنه صاح صيحة بثمود، فأصبحوا جاثمين، وأنه يهبط من السّماء إلى الأرض، ثم يصعد في أسرع من رد الطّرف {عند ذي العرش مكين} أي في المنزلة والجاه {مطاع ثم} أي في السموات تطيعه الملائكة، ومن طاعة الملائكة له أنهم فتحوا أبواب السّموات ليلة المعراج بقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفتح خزنة الجنة أبوابها بقوله: {أمين} يعني على وحي الله تعالى إلى أنبيائه {وما صاحبكم} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم يخاطب كفار مكة {بمجنون} وهذا أيضاً من جواب القسم أقسم على أن القرآن نزل به جبريل وأن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس بمجنون كما يقول أهل مكة، وذلك أنهم قالوا إنه مجنون، وأن ما يقوله ليس هو إلا من عند نفسه فنفى الله عنه الجنون، وكون القرآن من عند نفسه.