فصل: تفسير الآيات (11- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (11- 15):

{الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ (13) إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)}
قوله عزّ وجلّ: {الذين طغوا في البلاد} يعني عاداً وثموداً وفرعون عملوا بالمعاصي، وتجبروا، ثم فسر ذلك الطغيان بقوله: {فأكثروا فيها الفساد} يعني القتل والفساد ضد الصلاح، فكما أن الصلاح يتناول جميع أقسام البر فكذلك الفساد يتناول جميع أقسام الإثم. {فصب عليهم ربك سوط عذاب} يعني لوناً من العذاب صبّه عليهم، وقيل هو تشبيه بما يكون في الدنيا من العذاب بالسوط، وقيل هو إشارة إلى ما خلط لهم من العذاب، لأن أصل السوط خلط الشيء بعضه ببعض؛ وقيل هذا على الاستعارة، لأن السوط غاية العذاب فجرى ذلك لكل نوع منه. وقيل جعل سوطه الذي ضربهم به العذاب، وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية يقول إن عند الله أسواطاً كثيرة، فأخذهم بسوط منها. {إن ربك لبالمرصاد} قال ابن عباس يعني بحيث يرى ويسمع، وقيل عليه طريق العباد، لا يفوته أحد وقيل عليه ممر الناس لأن الرصد والمرصاد الطريق. وقيل ترجع الخلق إلى حكمه وأمره وإليه مصيرهم، وقيل إنه يرصد أعمال بني آدم. والمعنى أنه لا يفوته شيء من أعمال العباد، كما لا يفوت من المرصاد، وقد قيل أرصد النار على طريقهم حتى تهلكهم.
قوله عزّ وجلّ: {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه} أي امتحنه {ربه} أي بالنعمة {فأكرمه} أي بالمال {ونعمه} أي بما يوسع عليه {فيقول ربي أكرمن} أي بما أعطاني من المال والنعمة.

.تفسير الآيات (16- 21):

{وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا (21)}
{وأما إذا ما ابتلاه} يعني بالفقر {فقدر عليه} أي فضيق عليه، وقيل قتر. {رزقه} أي وقد أعطاه ما يكفيه. {فيقول ربي أهانن} أي أذلني بالفقر، قيل نزلت في أمية بن خلف الجمحي الكافر، وقيل ليس المراد به واحداً بعينه، بل المراد جنس الكافر، وهو الذي تكون الكرامة والهوان عنده بكثرة المال والحظ في الدنيا وقلته فرد الله تعالى على من ظن أن سعة الرزق إكرام وأن الفقر إهانة فقال تعالى: {كلا} أي ليس الأمر كذلك، أي لم أبتله بالغنى لكرامته، ولم أبتله بالفقر لهوانه، فأخبر أن الإكرام والإهانة لا يدوران على المال، وسعة الرزق وقلته، ولكن الغنى والفقر بتقدير الله جلّ جلاله وحكمته فقد يوسع على الكافر لا لكرامته، ويضيق على المؤمن لا لهوانه، لكن لأمر اقتضته حكمة الله تعالى، وإنما يكرم المرء بطاعته، ويهينه بمعصيته، وقد يوسع على الإنسان من أصناف المال ليختبره، أيشكر أم يكفر، ويضيق عليه ليختبره، أيصبر أم يضجر، ويقلق. {بل لا تكرمون اليتيم} أي لا يعطونه حقه الثابت له في الميراث قال مقاتل: كان قدامة بن مظعون يتيماً في حجر أمية بن خلف، فكان يدفعه عن حقه. {ولا تحضون على طعام المسكين} أي لا يطعمون مسكيناً، ولا يأمرون بإطعامه، وقرئ ولا يحاضون ومعناه، ولا يحض بعضهم بعضاً على ذلك. {وتأكلون التراث} أي الميراث {أكلاً لمّاً} أي شديداً، والمعنى أنه يأكل نصيبه ونصيب غيره، وذلك أنهم كانوا في الجاهلية لا يورثون النساء، ولا الصبيان، ويأكلون نصيبهم، وقيل الآكل اللم الذي يأكل كل شيء يجده لا يسأل أحلال أم حرام، فيأكل الذي له ولغيره. {وتحبون المال حباً جمّاً} أي كثيراً والمعنى يحبون جمع المال، ويولعون به، وبحبه. {كلا} أي لا ينبغي أن يكون الأمر هكذا، من الحرص على جمع المال وحبه. وقيل معناه لا يفعلون ما أمروا به من إكرام اليتيم وغيره من المسلمين، ثم أخبر عن تلهّفهم على ما سلف منهم، وذلك حين لا ينفعهم الندم. فقال تعالى: {إذا دكت الأرض دكاً دكاً} أي دقت وكسرت مرة بعد مرة، وكسر كل شيء عليها من جبل وبناء وغيره، حتى لا يبقى على ظهرها شيء.

.تفسير الآيات (22- 28):

{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (22) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (23) يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (24) فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (25) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (26) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)}
{وجاء ربك} اعلم أن هذه الآية من آيات الصفات التي سكت عنها وعن مثلها عامة السلف وبعض الخلف، فلم يتكلموا فيها وأجروها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه ولا تأويل، وقالوا يلزمنا الإيمان بها وأجراؤها على ظاهرها، وتأولها بعض المتأخرين، وغالب المتكلمين فقالوا ثبت بالدليل العقلي، أن الحركة على الله محال، فلابد من تأويل الآية. فقيل في تأويلها وجاء أمر ربك بالمحاسبة والجزاء. وقيل جاء أمر ربك وقضاؤه. وقيل وجاء دلائل آيات ربك فجعل مجيئها مجيئاً له تفخيماً لتلك الآيات. {والملك صفاً صفاً} أي تنزل ملائكة كل سماء صفاً صفاً على حدة، فيصطفون صفاً بعد صف، محدقين بالجن والإنس، فيكونون سبع صفوف. {وجيء يومئذ} يعني يوم القيامة {بجهنم} قال ابن مسعود: في هذه الآية تقاد جهنم بسبعين ألف زمام، كل زمام بيد سبعين ألف ملك، لها تغيط وزفير حتى تنصب عن يسار العرش {يومئذ} يعني يوم يجاء بجهنم {يتذكر الإنسان} أي يتعظ الكافر ويتوب. {وأنى له الذكرى} يعني أنه يظهر التوبة، ومن أين له التوبة. {يقول يا ليتني قدمت لحياتي} أي قدمت الخير، والعمل الصالح لحياتي في الآخرة التي لا موت فيها. {فيومئذ لا يعذب عذابه أحد} أي لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يومئذ. {ولا يوثق وثاقه أحد} يعني لا يبلغ أحد من الخلق كبلاغ الله في العذاب، والوثاق هو الأسر في السلاسل، والأغلال، وقرئ لا يعذب، ولا يوثق بفتح الذال والثاء، ومعناه لا يعذب عذاب هذا الكافر أحد، ولا يوثق وثاقه أحد، وهو أمية بن خلف، وذلك لشدة كفره وعتوه.
قوله عزّ وجلّ: {يا أيتها النفس المطمئنة} أي الثابتة على الإيمان، والإيقان، المصدقة بما قال الله تعالى، الموقنة التي قد أيقنت بالله تعالى، وبأن الله ربها، وخضعت لأمره، وطاعته، وقيل المطمئنة المؤمنة، الموقنة، وقيل هي الراضية بقضاء الله، وقيل هي الآمنة من عذاب الله، وقيل هي المطمئنة بذكر الله؛ قيل نزلت في حمزة بن عبد المطلب حين استشهد بأُحُد، وقيل في حبيب بن عدي الأنصاري، وقيل في عثمان حين اشترى بئر رومة وسبلها وقيل في أبي بكر الصديق؛ والأصح أن الآية عامة في كل نفس مؤمنة مطمئنة، لأن هذه السورة مكية {ارجعي إلى ربك} أي إلى ما وعد ربك من الجزاء والثواب، قيل يقال لها ذلك عند خروجها من الدنيا. قال عبد الله بن عمر: إذا توفي العبد المؤمن أرسل الله عزّ وجلّ إليه ملكين، وأرسل إليه بتحفة من الجنة، فيقال اخرجي أيتها النفس المطمئنة اخرجي إلى روح وريحان، وربك عنك راض، فتخرج كأطيب ريح مسك وجده أحد في أنفه، والملائكة على أرجاء السماء يقولون قد جاء من الأرض روح طيبة ونسمة طيبة فلا تمر بباب إلا فتح لها، ولا بملك، إلا صلى عليها حتى يؤتى بها الرحمن جل جلاله، فتسجد له ثم يقال لميكائيل اذهب بهذه النفس فاجعلها مع أنفس المؤمنين، ثم يؤمر فيوسع عليه قبره سبعون ذراعاً عرضه، وسبعون ذراعاً، طوله وينبذ له فيه الروح والريحان، فإن كان معه شيء من القرآن كفاه نوره، وإن لم يكن جعل له نور مثل الشمس في قبره، ويكن مثله مثل العروس ينام فلا يوقظه إلا أحب أهله إليه، وإذا توفي الكافر أرسل الله إليه ملكين، وأرسل قطعة من بجاد أي من كساء أنتن من كل نتن، وأخشن من كل خشن، فيقال أيتها النفس الخبيثة، اخرجي إلى جهنم وعذاب أليم، وربك عليك غضبان وقيل في معنى قوله: {ارجعي إلى ربك} أي إلى صاحبك وهو الجسد، وإنما يقال لا ذلك عند البعث فيأمر الله الأرواح أن ترجع إلى أجسادها، وهو قول عكرمة وعطاء والضحاك ورواية عن ابن عباس.

.تفسير الآيات (29- 30):

{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)}
فإذا كان يوم القيامة قيل لها.
{فادخلي في عبادي} أي في جملة عبادي، الصالحين المصطفين {وادخلي جنتي} قال سعيد بن جبير: مات ابن عباس بالطائف فشهدت جنازته، فجاء طائر لم ير على خلقه طائر قط، فدخل نعشه ثم لم ير خارجاً منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر لا يدرى من تلاها {يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية وادخلي في عبادي وادخلي جنتي}، وقال: بعض أهل الإشارة في تفسير هذه الآية يا أيتها النفس المطمئنة إلى الدنيا، ارجعي إلى ربك بتركها، والرجوع إليه هو سلوك سبيل الآخرة والله أعلم.

.سورة البلد:

.تفسير الآيات (1- 4):

{لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4)}
قوله عزّ وجلّ: {لا أقسم بهذا البلد} تقدم الكلام على قوله لا أقسم في أول سورة القيامة، والبلد هي مكة في قول جميع المفسرين. {وأنت حل بهذا البلد} أي مقيم به، نازل فيه، فكأنه عظّم حرمة مكة من أجل أنه صلى الله عليه وسلم مقيم بها وقيل حل أي حلال، والمعنى أحلت لك تصنع فيها ما تريد من القتل، والأسر، ليس عليك ما على الناس من الإثم في استحلالها، أحل الله عزّ وجلّ له مكة يوم الفتح حتى قاتل، وأمر بقتل ابن خطل، وهو متعلق بأستار الكعبة، ومقيس بن صبابة وغيرهما، وأحل دماء قوم، وحرم دماء قوم آخرين، فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ثم قال بعد ذلك إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض، ولم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار فهي حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، والمعنى أن الله تعالى لما أقسم بمكة دل ذلك على عظم قدرها، وشرفها، وحرمتها، ومع ذلك فقد وعد نبيه صلى الله عليه وسلم، أنه يحلها له حتى يقاتل فيها، وأن يفتحها على يده، فهذا وعد من الله تعالى في الماضي، وهو مقيم بمكة أن يفتحها عليه في المستقبل بعد الهجرة، وخروجه منها، فكان كما وعده، وقيل في معنى قوله: {وأنت حلّ بهذا البلد}، أي أنهم يحرمون أن يقتلوا به صيداً، ويستحلون قتلك فيه، وإخراجك منه. {ووالد وما ولد} يعني آدم وذريته أقسم الله تعالى بمكة لشرفها، وحرمتها، وبآدم، وبالأنبياء والصالحين من ذريته، لأن الكافر وإن كان من ذريته فلا حرمة له حتى يقسم به، وجواب القسم قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في كبد} قال ابن عباس: في نصب، وقيل يكابد مصائب الدنيا، وشدائد الآخرة، وعنه أيضاً قال: في شدة من حمله، وولادته، ورضاعه، وفطامه، وفصاله، ومعاشه، وحياته، وموته وأصل الكبد الشدة، وقيل لم يخلق الله خلقاً يكابد، ما يكابد ابن آدم، وهو مع ذلك أضعف الخلق، وعن ابن عباس أيضاً قال: الكبد الاستواء، والاستقامة، فعلى هذا يكون المعنى، خلقنا الإنسان منتصباً معتدل القامة، وكل شيء من الحيوان يمشيء منكباً، وقيل منتصباً، رأسه في بطن أمه فإذا أذن الله في خروجه انقلب رأسه إلى أسفل، وقيل في كبد أي في قوة نزلت في أبي الأشد أسيد بن كلدة بن جمح، وكان شديداً قوياً يضع الأديم العكاظي تحت قدميه، ويقول من أزالني عنه فله كذا وكذا فلا يطاق أن ينزع من تحت قدميه إلا قطعاً، ويبقى من ذلك الأديم بقدر موضع قدميه.

.تفسير الآيات (5- 11):

{أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)}
{أيحسب} أبو الأشد من قوته {أن لن يقدر عليه أحد} يعني أيظن لشدته في نفسه، أنه لا يقدر عليه الله، وقيل هو الوليد بن المغيرة المخزومي. {يقول} يعني هذا الكافر {أهلكت} أي أنفقت {مالاً لبداً} أي كثيراً من التلبيد الذي يكون بعضه فوق بعض. يعني في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم {أيحسب أن لم يره أحد} يعني أيظن أن الله لم يره، ولا يسأله عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه، وقيل كان كاذباً في قوله، إنه أنفق ولم ينفق جميع ما قال والمعنى أيظن أن الله لم ير ذلك منه فيعلم مقدار نفقته. ثم ذكره نعمه عليه ليعتبر فقال تعالى: {ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين} يعني أن نعم الله على عبد ه متظاهرة، يقروه بها كي يشكره، وجاءه في الحديث «إن الله عزّ وجلّ يقول: ابن آدم إن نازعك لسانك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق عليه، وإن نازعك بصرك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق عليه، وإن نازعك فرجك فيما حرمت عليك فقد أعنتك عليه بطبقتين فأطبق عليه» {وهديناه النجدين} قال أكثر المفسرين طريق الخير والشر والحق، والباطل، والهدى، والضلالة، وقال ابن عباس: الثديين {فلا أقتحم العقبة} أي فهلا أنفق ماله فيما يجوز به العقبة من فك الرقاب وإطعام المساكين يكون ذلك خيراً له من إنفاقه في عداوة من أرسله الله إليه، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، وقيل معناه لم يقتحمها ولا جاوزها والاقتحام الدّخول في الأمر الشّديد، وذكر العقبة مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النّفس، والهوى، والشّيطان في أعمال الخير، والبر، فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة يقول الله عزّ وجلّ: لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرّقبة، والإطعام، وقيل إنه شبه ثقل الذنوب على مرتكبها بالعقبة، فإذا أعتق رقبة وأطعم المساكين. كان كمن اقتحم العقبة وجاوزها، وروي عن ابن عمر أن هذه العقبة جبل في جهنم، وقيل هي عقبة شديدة في النار دون الجسر فاقتحموها بطاعة الله ومجاهدة النفس، وقيل هي الصّراط يضرب على متن جهنم كحد السّيف مسيرة ثلاثة آلاف سنة سهلاً وصعوداً وهبوطاً، وأن بجنبيه كلاليب وخطاطيف، كأنها شوك السّعدان فناج مسلم، وناج مخدوش، ومكردس في الناس منكوس، فمن الناس من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح العاصف، ومنهم من يمر كالفارس، ومنهم من يمر كالرّجل يعدو، ومنهم من يمر كالرجل يسير، ومنهم من يزحف زحفاً ومنهم الزّالون ومنهم من يكردس في النار، وقيل معنى الآية: فهلا سلك طريق النجاة ثم بين ما هي.

.تفسير الآيات (12- 17):

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ (13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16) ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)}
{وما أدراك ما العقبة} أي وما أدراك ما اقتحام العقبة {فك رقبة} يعني عتق الرقبة وهو إيجاب الحرية لها، وإبطال الرق، والعبودية عنها، وذلك بأن يعتق الرجل الرّقبة التي في ملكه، أو يعطي مكاتباً ما يصرفه في فكاك رقبته ومن أعتق رقبة كانت فداءه من النار.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار حتى فرجه بفرجه» وروى البغوي بسنده عن البراء بن عازب قال: «جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله علمني عملاً يدخلني الجنة قال لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسالة أعتق النّسمة، وفك الرّقبة قال أوليسا واحداً قال لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في ثمنها والمنحة الوكوف والفيء على ذي الرحم الظّالم، فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظّمآن وأمر بالمعروف وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك فكف لسانك إلا من خير» وقيل في معنى الآية وفك رقبة من رق الذّنوب بالتّوبة وبما يتكلفه من العبادات، والطاعات التي يصير بها إلى رضوان الله، والجنة فهي الحرية الكبرى ويتخلص بها من النار {أو إطعام في يوم ذي مسغبة} أي في يوم ذي مجاعة والسغب الجوع {يتيماً ذا مقربة} أي ذا قرابة يريد يتيماً بينك وبينه قرابة {أو مسكيناً ذا متربة} يعني قد لصق بالتراب من فقره وضره وقال ابن عباس: هو المطروح في التّراب لا يقيه شيء والمتربة الفقر، ثم بين أن هذه القرب لا تنفع إلا مع الإيمان بقوله: {ثم كان من الذين آمنوا} والمعنى أنه كان مؤمناً تنفعه هذه القرب، وكان مقتحماً العقبة، وإن لم يكن مؤمناً لا تنفعه هذه القرب ولا يقتحم العقبة {وتواصوا بالصبر} يعني وصى بعضهم بعضاً على الصبر على أداء الفرائض، وجميع أوامر الله ونواهيه. {وتواصوا بالمرحمة} أي برحمة الناس وفيه الإشارة إلى تعظيم أمر الله والشفقة على خلق الله.