فصل: تفسير الآيات (19- 21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (19- 21):

{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (19) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (20) وَلَسَوْفَ يَرْضَى (21)}
{وما لأحد عنده} أي عند أبي بكر {من نعمة تجزى} أي من يد يكافئه عليها {إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى} أي لم يفعل ذلك مجازاة لأحد ولا ليد كانت له عنده لكن فعله ابتغاء وجه ربه الأعلى وطلب مرضاته {ولسوف يرضى} أي بما يعطيه الله عز وجل في الآخرة من الجنة والخير والكرامة جزاء على ما فعل، والله أعلم.

.سورة الضحى:

.تفسير الآيات (1- 2):

{وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2)}
قوله عز وجل: {والضّحى} اختلفوا في سبب نزول هذه السّورة على ثلاثة أقوال: القول الأول.
(ق) «عن جندب بن سفيان البجلي قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثاً فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك لم أره قربك ليلتين أو ثلاثاً فأنزل الله عز وجل: {والضّحى واللّيل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}» وأخرجه الترمذي عن جندب قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غار فدميت أصبعه فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
هل أنت إلا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت

قال: فأبطأ عليه جبريل فقال المشركون قد ودع محمداً ربه.

.تفسير الآيات (3- 5):

{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى (3) وَلَلْآَخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (4) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (5)}
{ما ودعك ربك وما قلى} وقيل إن المرأة المذكورة في الحديث المتفق عليه هي أم جميل امرأة أبي لهب.
القول الثاني: قال المفسرون: سألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرّوح، وعن ذي القرنين، وأصحاب الكهف، فقال سأخبركم غداً، ولم يقل إن شاء الله فاحتبس الوحي عليه.
القول الثالث: قال زيد بن أسلم: كان سبب احتباس الوحي، وجبريل عنه أن جروا كان في بيته، فلما نزل عليه عاتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبطائه فقال إنا لا ندخل بيتاً فيه كلب ولا صورة.
واختلفوا في مدة احتباس الوحي عنه، فقيل اثنا عشر يوماً وقال ابن عباس: خمسة عشر يوماً، وقيل أربعون يوماً فلما نزل جبريل عليه الصلاة والسلام قال النبي صلى الله عليه وسلم «يا جبريل ما جئت حتى اشتقت إليك» فقال جبريل: إني كنت إليك أشد شوقاً، ولكني عبد مأمور. ونزل {وما نتنزل إلا بأمر ربك} وأنزل الله هذه السّورة قوله عز وجل: {والضحى} قيل أراد به النهار كله بدليل أنه قابله باللّيل كله في قوله، {واللّيل إذا سجى} وقيل وقت الضحى وهي السّاعة التي فيها ارتفاع الشّمس واعتدال النهار في الحر والبرد في الصيف والشتاء. {والليل إذا سجى} قال ابن عباس أقبل بظلامه وعنه إذا ذهب وقيل معناه غطى كل شيء بظلامه، وقيل معناه سكن فاستقر ظلامه فلا يزاد بعد ذلك، وهذا قسم أقسم الله تعالى بالضحى والليل إذا سجى وجواب القسم قوله تعالى: {ما ودعك ربك وما قلى} أي ما تركك ربك منذ اختارك ولا أبغضك منذ أحبك، وإنما قال قلى ولم يقل قلاك لموافقة رؤوس الآي، وقيل معناه وما قلى أحداً من أصحابك ومن هو على دينك إلى يوم القيامة. {وللآخرة خير لك من الأولى} أي الذي أعطاك ربك في الآخرة خير لك وأعظم من الذي أعطاك في الدّنيا، وروى البغوي بسنده عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدّنيا» {ولسوف يعطيك ربك فترضى} قال ابن عباس هي الشفاعة في أمته حتى يرضى.
(م) عن عبد الله بن عمرو بن العاص «أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه وقال: اللّهم أمتي أمتي وبكى فقال الله عز وجل يا جبريل اذهب إلى محمد، واسأله ما يبكيك، وهو أعلم فأتى جبريل، وسأله فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم، فقال الله يا جبريل اذهب إلى محمد وقل له إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك».
(ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال.

.تفسير الآيات (6- 8):

{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآَوَى (6) وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (7) وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)}
{ألم يجدك يتيماً} أي صغيراً {فآوى} أي ألم يعلمك الله يتيماً من الوجود الذي هو بمعنى العلم، والمعنى ألم يجدك يتيماً صغيراً حين مات أبوك، ولم يخلف لك مالاً، ولا مأوى فجعل لك مأوى تأوي إليه وضمك إلى عمك أبي طالب حتى أحسن تربيتك وكفاك المؤنة.
وذلك أن عبد الله مات ورسول الله صلى الله عليه وسلم حمل فكفله جده عبد المطلب، فلما مات عبد المطلب، كفله عمه أبو طالب إلى أن قوي، واشتد وتزوج خديجة، وقيل هو من قولهم درة يتيمة، والمعنى ألم يجدك واحداً في قريش عديم النّظير فآواك إليه وأيدك وشرفك بنبوته واصطفاك برسالته. {ووجدك ضالا} أي عما أنت عليه اليوم {فهدى} أي فهداك إلى توحيده ونبوته، وقيل وجدك ضالاً عن معالم النّبوة وأحكام الشّريعة، فهداك إليها وقال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضل في شعاب مكة وهو صبي صغير، فرآه أبو جهل منصرفاً من أغنامه، فرده إلى جده عبد المطلب، وقال سعيد بن المسيب: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب في قافلة ميسرة غلام خديجة فبينما هو راكب ذات ليلة مظلمة إذ جاء إبليس فأخذ بزمام ناقته، فعدل به عن الطريق فجاء جبريل عليه السّلام فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى الحبشة، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القافلة فمنّ الله عليه بذلك، وقيل وجدك ضالاً نفسك لا تدري من أنت فعرفك نفسك وحالك، وقيل ووجدك بين أهل الضّلال فعصمك من ذلك وهداك إلى الإيمان وإلى إرشادهم، وقيل الضلال هنا بمعنى الحيرة وذلك لأنه كان صلى الله عليه وسلم يخلو في غار حراء في طلب ما يتوجه به إلى ربه حتى هداه الله لدينه، وقال الجنيد: ووجدك متحيراً في بيان ما أنزل الله إليك، فهداك لبيانه فهذا ما قيل في هذه الآية ولا يلتفت إلى قول من قال إنه صلى الله عليه وسلم كان قبل النّبوة على ملة قومه، فهداه الله إلى الإسلام لأن نبينا صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأنبياء قبله منذ ولدوا نشؤوا على التّوحيد، والإيمان قبل النّبوة وبعدها، وأنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بصفات الله تعالى وتوحيده ويدل على ذلك أن قريشاً لما عابوا النبي صلى الله عليه وسلم ورموه بكل عيب سوى الشّرك وأمر الجاهلية فإنهم لم يجدوا لهم عليه سبيلاً إذ لو كان فيه لما سكتوا عنه ولنقل ذلك فبرأه الله تعالى من جميع ما قالوه فيه وعيروه به. ويؤكد هذا ما روي في قصة بحير الرّاهب حين استحلف النبي صلى الله عليه وسلم باللاّت والعزى، وذلك حين سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام فرأى بحيرا علامة النّبوة فيه وهو صبي فاختبره بذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم:

.تفسير الآيات (9- 11):

{فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ (9) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (10) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)}
{فأما اليتيم فلا تقهر} أي لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيماً، وقيل لا تقهره على ماله فتذهب به لضعفه، وكذا كانت العرب في الجاهلية تفعل في أمر اليتامى يأخذون أموالهم، ويظلمونهم حقوقهم روى البغوي بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه ثم قال: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا ويشير بأصبعيه».
(خ) عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبابة، والوسطى، وفرج بينهما» {وأما السائل فلا تنهر} يعني السائل على الباب يقول لا تزجره إذا سألك فقد كنت فقيراً فإما أن تطعمه وإما أن ترده رداً ليناً برفق ولا تكهر بوجهك في وجهه وقال إبراهيم بن أدهم: نعم القوم السؤال يحملون زادنا إلى الآخرة وقال إبراهيم النّخعي السّائل: يريدنا إلى الآخرة يجيء إلى باب أحدكم فيقول هل توجهون إلى أهليكم بشيء وقيل السائل هو طالب العلم فيجب إكرامه وإسعافه بمطلوبه ولا يعبس في وجهه ولا ينهر ولا يلقى بمكروه {وأما بنعمة ربك فحدث} قيل أراد بالنّعمة النّبوة أي بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي أتاك الله، وقيل النعمة هي القرآن أمره أن يقرأه ويقرئه غيره، وقيل أشكره لما ذكره نعمه عليه في هذه السّورة من جبر اليتيم والهدى بعد الضّلالة والإغناء بعد العيلة والفقر أمره أن يشكره على إنعامه عليه، والتحدث بنعمة الله تعالى شكرها.
عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أعطي عطاء فليجزه إن وجد فإن لم يجد فليثن عليه فإن من أثنى عليه فقد شكره، ومن كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعط كان كلابس ثوبي زور» أخرجه التّرمذي وله عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله» وله عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الطّاعم الشّاكر بمنزلة الصّائم الصّابر» وروى البغوي بإسناد الثّعلبي عن النّعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يقول: «من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر والجماعة رحمة والفرقة عذاب» والسنة في قراءة أهل مكة أن يكبر من أول سورة الضّحى على رأس كل سورة حتى يختم القرآن فيقول الله أكبر وسبب ذلك أن الوحي لما احتبس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المشركون: هجره شيطانه، وودعه، فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك فلما نزلت والضّحى كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحاً بنزول الوحي، فاتخذوه سنة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

.سورة الشرح:

.تفسير الآيات (1- 2):

{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2)}
قوله عز وجل: {ألم نشرح لك صدرك} استفهام بمعنى التّقرير، أي قد فعلنا ذلك ومعنى الشرح الفتح بما يصده عن الإدراك والله تعالى فتح صدر نبيه صلى الله عليه وسلم للهدى، والمعرفة بإذهاب الشّواغل التي تصده عن إدراك الحق، وقيل معناه ألم نفتح قلبك ونوسعه ونلينه بالإيمان، والموعظة، والعلم، والنبوة، والحكمة، وقيل هو شرح صدره في صغره.
(م) عن أنس رضي الله عنه «رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السّلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرجه فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشّيطان منك ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه يعني ظئره فقالوا: إن محمداً قد قتل فاستقبلوه، وهو ممتقع اللون. قال أنس: وقد كنت أرى أثر المخيط في صدره» {ووضعنا عنك وزرك} أي حططنا عنك وزرك الذي سلف منك في الجاهلية فهو كقوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر} وقيل الخطأ والسّهو وقيل ذنوب أمتك فأضافها إليه لاشتغال قلبه بها، وقيل المراد بذلك ما أثقل ظهره من أعباء الرسالة حتى يبلغها لأن الوزر في اللغة الثقل تشبيهاً بوزر الجبل، وقيل معناه عصمناك عن الوزر الذي ينقض ظهرك لو كان ذلك الوزر حاصلاً فسمى العصمة وضعاً مجازاً.
واعلم أن القول في عصمة الأنبياء قد تقدم مستوفى في سورة طه عند قوله تعالى: {وعصى آدم ربه فغوى} وعند قوله: {ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر}

.تفسير الآيات (3- 6):

{الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)}
{الذي أنقض ظهرك} أي أثقله وأوهنه حتى سمع له نقيض وهو الصوت الخفي الذي يسمع من المحمل، أو الرحل فوق البعير، فمن حمل الوزر على ما قبل النّبوة قال هو اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأمور كان فعلها قبل نبوته إذ لم يرد عليه شرع بتحريمها، فلما حرمت عليه بعد النبوة عدها أوزاراً وثقلت عليه وأشفق منها فوضعها الله عنه وغفرها له ومن حمل ذلك على ما بعد النبوة قال: هو ترك الأفضل لأن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقوله عز وجل: {ورفعنا لك ذكرك} روى البغوي بإسناد الثعلبي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه سأل جبريل عن هذه الآية، ورفعنا لك ذكرك قال: قال الله عز وجل: إذا ذكرت ذكرت معي» قال ابن عباس: يريد الأذان، والإقامة، والتّشهد، والخطبة على المنابر، فلو أن عبد اً عبد الله وصدقه في كل شيء، ولم يشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم لم ينتفع من ذلك بشيء وكان كافراً، وقال قتادة: رفع الله ذكره في الدّنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا ينادي أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله وقال الضحاك: لا تقبل صلاة إلا به ولا تجوز خطبة إلا به، وقال مجاهد يريد التأذين وفيه يقول حسان بن ثابت:
أغر عليه للنبوة خاتم ** من الله مشهود يلوح ويشهد

وضم الإله اسم النبي مع اسمه ** إذا قال في الخمس المؤذن أشهد

وشق له من اسمه ليجله ** فذو العرش محمود وهذا محمد

وقيل رفع ذكره بأخذ ميثاقه على النّبيين، وإلزّامهم الإيمان به، والإقرار بفضله، وقيل رفع ذكره بأن قرن اسمه باسمه في قوله: {محمد رسول الله} وفرض طاعته على الأمة بقوله: {أطيعوا الله وأطيعوا الرسول} ومن يطع الله ورسوله فقد فاز، ونحو ذلك مما جاء في القرآن وغيره من كتب الأنبياء ثم وعده باليسر، والرخاء بعد الشّدة والعناء، وذلك أنه كان في شدة بمكة فقال تعالى: {فإن مع اليسر يسرا} أي مع الشدة التي أنت فيها من جهاد المشركين يسراً ورخاء بأن يظهرك عليهم حتى ينقادوا للحق الذي جئتهم به {إن مع العسر يسراً} وإنما كرره لتأكيد الوعد وتعظيم الرّجاء قال الحسن: لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا فقد جاءكم اليسر لن يغلب عسر يسرين» وقال ابن مسعود: لو كان العسر في جحر لطلبه اليسر حتى يدخله عليه ويخرجه إنه لن يغلب عسر يسرين قال المفسرون في معنى قوله لن يغلب عسر يسرين إن الله تعالى كرر لفظ العسر، وذكره بلفظ المعرفة، وكرر اليسر بلفظ النكرة، ومن عادة العرب.
إذا ذكرت اسماً معرفاً ثم أعادته كان الثاني هو الأول وإذا ذكرت اسماً نكرة ثم أعادته كان الثاني غير الأول كقولك كسبت درهماً فأنفقت درهماً. فالثاني غير الأول وإذا قلت كسبت درهماً، فأنفقت الدرهم فالثاني هو الأول، فالعسر في الآية مكرر بلفظ التعريف فكان عسراً واحداً، واليسر مكرر بلفظ التنكير فكانا يسرين، فكأنه قال فإن مع العسر يسراً إن مع ذلك العسر يسراً آخر وزيف أبو على الحسن بن يحيى الجرجاني صاحب النظم هذا القول، وقال قد تكلم الناس في قوله لن يغلب عسر يسرين فلم يحصل منه غير قولهم إن العسر معرفة، واليسر نكرة، فوجب أن يكون عسر واحد ويسران وهو قول مدخول فيه إذا قال الرجل إن مع الفارس سيفاً إن مع الفارس سيفاً فهذا لا يوجب أن يكون الفارس واحداً والسيف اثنين فمجاز قوله لن يغلب عسر يسرين أن الله عز وجل بعث نبيه صلى الله عليه وسلم وهو مقل مخف، فكانت قريش تعيره بذلك حتى قالوا: إن كان بك طلب الغنى جمعنا لك مالاً حتى تكون كأيسر أهل مكة فاغتم النبي صلى الله عليه وسلم لذلك، وظن أن قومه إنما كذبوه لفقره فعدد الله نعمه عليه في هذه السّورة، ووعده الغنى ليسليه بذلك عما خامره من الغم. فقال تعالى: {فإن مع العسر يسرا} أي لا يحرنك الذي يقولون فإن مع العسر الذي في الدّنيا يسراً عاجلاً، ثم انجز ما وعده وفتح عليه القرى القريبة، ووسع ذات يده حتى كان يعطي المئين من الإبل، ويهب الهبة السّنية ثم ابتدأ فضلاً آخر من أمور الآخرة فقال تعالى: {إن مع العسر يسراً} والدّليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو، وهذا وعد لجميع المؤمنين، والمعنى أن مع العسر الذي في الدّنيا للمؤمن يسراً في الآخرة وربما اجتمع له اليسران يسر الدنيا وهو ما ذكره في الآية الأولى ويسر الآخرة وهو ما ذكره في الآية الثانية فقوله لن يغلب عسر يسرين أي إن عسر الدنيا لن يغلب اليسر الذي وعده الله للمؤمنين في الدنيا واليسر الذي وعدهم في الآخرة إنما يغلب أحدهما وهو يسر الدنيا فأما يسر الآخرة، فدائم أبداً غير زائل، أي لا يجتمعان في الغلبة فهو كقوله صلى الله عليه وسلم «شهرا عيد لا ينقصان» أي لا يجتمعان في النقص قال القشيري: كنت يوماً في البادية بحالة من الغم فألقي في روعي بيت شعر فقالت:
أرى الموت لمن أصب ** ح مغموماً له أروح

فلما جن الليل سمعت هاتفاً يهتف في الهواء:
ألا يا أيها المرء ال ** ذي الهم به برح

وقد أنشد بيتاً لم ** يزل في فكره يسنح

إذا اشتد بك العسر فف ** كر في ألم نشرح

فعسر بين يسرين ** إذا أبصرته فافرح