فصل: تفسير الآيات (28- 29):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (28- 29):

{كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)}
{كيف تكفرون بالله} يعني بعد نصب الدلالة ووضع البراهين الدالة على وحدانيته ثم ذكر الدلائل فقال تعالى: {وكنتم أمواتاً} يعني نطفاً في أصلاب آبائكم {فأحياكم} يعني في الارحام والدنيا {ثم يميتكم} أي عند انقضاء آجالكم {ثم يحييكم} يعني بعد الموت للبعث {ثم إليه ترجعون} أي تردون في الآخرة فيجزيكم بأعمالكم. قوله عز وجل: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} يعني من المعادن والنبات والحيوان والجبال والبحار والمعنى كيف تكفرون بالله وقد خلق لكم ما في الأرض جميعاً لتنتفعوا به في مصالح الدين والدنيا أما مصالح الدين فهو الاعتبار والتفكر في عجائب مخلوقات الله تعالى الدالة على وحدانيته وأما مصالح الدنيا فهو الانتفاع بما خلق فيها {ثم استوى إلى السماء} أي قصد وأقبل على خلقها وقيل عمد، وقال ابن عباس: ارتفع وفي رواية عنه صعد. قال الأزهري معناه صعد أمره وكذا ذكره صاحب المحكم وذلك أن الله تعالى خلق الأرض أولاً هم عمد إلى خلق السماء. فإن قلت كيف الجمع بين هذا وقوله تعالى: {والأرض بعد ذلك دحاها} قلت: الدحو البسط فيحتمل أن الله تعالى خلق جرم الأرض ولم يبسطها ثم خلق السماء وبسط جرم الأرض بعد ذلك، فإن قلت هذا مشكل أيضاً لأن قوله تعالى خلق لكم ما في الأرض جميعاً يقتضي أن ذلك لا يكون إلاّ بعد الدحو. قلت: يحتمل أنه ليس هنا ترتيب وإنما هو على سبيل تعداد النعم كقوله الرجل لمن يذكره ما أنعم به عليه: ألم أعطك؟ ألم أرفع قدرك عنك؟ ألم أدفع عنك عنك؟ ولعل بعض هذه النعم متقدمة على بعض والله أعلم {فسواهن سبع سموات} خلقهن سبع سموات مستويات لا صدع فيها ولا فطور وسيأتي ذكر خلق الأرض عند قوله تعالى: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} في سورة حم السجدة إن شاء الله تعالى {وهو بكل شيء عليم} يعني يعلم الجزئيات كما يعلم الكليات.

.تفسير الآيات (30- 32):

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32)}
{وإذ قال ربك} أي واذكر يا محمد إذ قال ربك وكل ما ورد في القرآن من هذا النحو فهذا سبيله، وقيل إذ زائدة والأول أوجه {للملائكة} جمع ملك وأصله مألك من المألكة والألوكة وهي لفظ البغوي وهي الرسالة وأراد بالملائكة الذين كانوا في الأرض وذلك أن الله تعالى خلق الأرض والسماء وخلق الملائكة والجن فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن الأرض، فعبد وا دهراً طويلاً، ثم ظهر فيهم الحسد والبغي فأفسدوا وقتلوا، فبعث الله إليهم جناً من الملائكة يقال لهم الجان ورأسهم إبليس وهم خزان الجنان فهبطوا إلى الأرض وطردوا الجن إلى جزائر البحور وشعوب الجبال وسكنوا هم الأرض وخفف الله عنهم العبادة وأعطى الله إبليس ملك الأرض وملك السماء الدنيا وخزانة الجنة، وكان رئيسهم ومرشدهم وأكثرهم علماً فكان يعبد الله تارة في الأرض وتارة في السماء وتارة في الجنة فدخله العجب وقال في نفسه: ما أعطاني الله هذا الملك إلاّ لأني أكرم الملائكة عليه فقال له ولجنده {إني جاعل في الأرض خليفة} أي إني خالق خليفة يعني بدلاً منكم ورافعكم إليّ فكرهوا ذلك لأنهم كانوا أهون الملائكة عبادة والمراد بالخليفة هنا آدم عليه الصلاة والسلام لأنه خلف الجن وجاء بعدهم. وقيل لأنه يخلفه غيره والصحيح إنه إنما سمي خليفة لأنه خليفة الله في أرضه لإقامة حدوده وتنفيذ قضاياه {قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها} أي بالمعاصي {ويسفك الدماء} أي بغير حق كما فعل الجن. فإن قلت من أين عرفوا ذلك حتى قالوا هذا القول؟ قلت يحتمل أن يكونوا عرفوا ذلك بإخبار الله إياهم أو قاسوا الشاهد على الغائب، وقيل إنهم لما رأوا أن آدم خلق من أخلاط مركبة علموا أنه يكون فيه الحقد والغضب ومنهما يتولد الفساد وسفك الدماء فلهذا قالوا ذلك. وقيل لما خلق الله تعالى النار خافت الملائكة، وقالوا لمن خلقت هذه النار؟ قال لمن عصاني فلما قال إني جاعل في الأرض خليفة قالوا هو ذلك. فإن قلت الملائكة معصومون فكيف وقع منهم هذا الاعتراض. قلت ذهب بعضهم إلى أنهم غير معصومين واستدل على ذلك بوجوه منها قوله: {أتجعل فيها من يفسد فيها} ومن ذهب إلى عصمتهم أجاب عنه بأن هذا السؤال إنما وقع على سبيل التعجب لا على سبيل الإنكار والاعتراض فإنهم تعجبوا من كمال حكم الله تعالى وإحاطة علمه بما خفي عليهم، ولهذا أجابهم بقوله: {إني أعلم ما لا تعلمون} وقيل: إن العبد المخلص في حب سيده يكره أن يكون له عبد آخر يعصيه فكان سؤالهم على وجه المبالغة في إعظام الله عز وجل: {ونحن نسبح بحمدك} أي نقول: سبحان الله وبحمده وهي صلاة الخلق وعليها يرزقون.
(م) عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الكلام أفضل قال: «ما اصطفى الله لملائكته أو لعباده سبحان الله وبحمده» قال ابن عباس رضي الله عنهما كل ما جاء في القرآن من التسبيح فالمراد منه الصلاة فيكون المعنى ونحن نصلي لك. وقيل أصل التسبيح تنزيه الله عما لا يليق بجلاله فيكون المعنى، ونحن ننزهك عن كل سوء ونقيصة. ومعنى بحمدك حامدين لك أو ملتبسين بحمدك، فإنه لولا إنعامك علينا بالتوفيق لم نتمكن من ذلك {ونقدس لك} أصل التقديس التطهير أن نطهرك عن النقائص وكل سوء ونصفك بما يليق بعزك وجلالك من العلو والعظمة واللام صلة وقيل معناه نطهر أنفسنا لطاعتك وعبادتك {قال إني أعلم ما لا تعلمون} قيل إنه جواب لقول الملائكة {أتجعل فيها} فقال تعالى: {أعلم} من وجوه المصلحة والحكمة ما لا تعلمون. وقيل أعلم أن فيهم من يعبد ني ويطيعني وهم الأنبياء والأولياء والصالحون، ومن يعصيني منكم وهو إبليس، وقيل أعلم أنهم يذنبون ويستغفرون فاغفر لهم.
فصل في ماهية الملائكة وقصة خلق آدم عليه السلام:
قيل إن الملائكة أجسام لطيفة هوائية خلقت من النور تقدر أن تتشكل بأشكال مختلفة، مسكنهم السموات عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع أربع أصابع إلاّ وملك واضع جبهته لله ساجداً» أخرجه الترمذي بزيادة، وقال حديث حسن غريب. وأما صفة خلق آدم عليه السلام فقال وهب بن منبه: لما أراد الله تعالى أن يخلق آدم أوحى ألى الأرض أني خالق منك خليقة منهم من يطيعني ومنهم من يعصيني فمن أطاعني أدخلته الجنة، ومن عصاني أدخلته النار. قالت الأرض أتخلق مني خلقاً يكون للنار قال نعم. فبكت الأرض فانفجرت منها العيون إلى يوم القيامة، فبعث الله إليها جبريل ليأتيه بقبضة منها من أحمرها وأسودها وطيبها وخبيثها، فلما أتاها ليقبض منها قالت: أعوذ بعزة الله الذي أرسلك إليّ أن لا تأخذ مني شيئاً فرجع جبريل إلى مكانه وقال: يا رب استعاذت بك مني فكرهت أن أقدم عليها فقال الله تعالى لميكائيل: انطلق فأتني منها فلما أتاها ليقبض منها قالت ما قالت لجبريل، فرجع إلى ربه فقال ما قالت له، فقال لعزرائيل انطلق فأتني بقبضة من الأرض فلما أتاها له الأرض، أعوذ بعزة الله الذي أرسلك أن لا تأخذ مني شيئاً، فقال: وأنا أعوذ بعزته أن أعصي له أمراً. وقبض منها قبضة من جميع بقاعها من عذبها ومالحها وحلوها ومرها وطيبها وخبيثها، وصعد بها إلى السماء فسأله ربه عز وجل وهو أعلم بما صنع فاخبره بما قالت له الأرض وبما رد عليها فقال الله تعالى: وعزتي وجلالي لأخلقن مما جئت به خلقاً ولأسلطنك على قبض أرواحهم لقلة رحمتك.
ثم جعل الله تلك القبضة نصفها في الجنة ونصفها في النار ثم تركها ما شاء الله ثم أخرجها فعجنها طيناً لازباً مدة ثم حمأ مسنوناً مدة ثم صلصالاً ثم جعلها جسداً وألقاه على باب الجنة فكانت الملائكة يعجبون من صفة صورته لأنهم لم يكونوا رأوا مثله، وكان إبليس يمر عليه ويقول لأمر ما خلق هذا ونظر إليه فإذا هو أجوف فقال هذا خلق لا يتمالك، وقال يوماً للملائكة إن فضل هذا عليكم ما تصنعون؟ فقالوا نطيع ربنا ولا نعصيه فقال إبليس في نفسه لئن فضل علي لأعصينه ولئن فضلت عليه لأهلكنه فلما أراد الله تعالى أن ينفخ فيه الروح أمراها أن تدخل في جسد آدم فنظرت فرأت مدخلاً ضيقاً فقالت يا رب كيف أدخل هذا الجسد؟ قال الله عز وجل لها ادخليه كرهاً وستخرجين منه كرهاً فدخلت في يافوخه فوصلت إلى عينيه فجعل ينظر إلى سائر جسده طيناً فصارت إلى أن وصلت منخزيه فعطس فلما بلغت لسانه قال: الحمد لله رب العالمين وهي أول كلمة قالها فناداه الله تعالى رحمك ربك يا أبا محمد ولهذا خلقتك. ولما بلغت الروح إلى الركبتين همّ ليقوم فلم يقدر، قال الله تعالى: {خلق الإنسان من عجل} فلما بلغت إلى الساقين والقدمين استوى قائماً بشراً سوياً لحماً ودماً وعظاماً وعروقاً وعصباً وأحشاء وكسي لباساً من ظفر يزداد جسده جمالاً وحسناً كل يوم، وجعل في جسده تسعة أبواب سبعة في رأسه وهي الذنان يسمع بهما والعينان يبصر بهما والمنخران يشم بهما والفم فيه اللسان يتكلم به والأسنان يطحن بها ما يأكله ويجد لذة المطعومات بها وبابين في أسفل جسده وهما القبل والدبر يخرج منهما ثفل طعامه وشرابه وجعل عقله في دماغه وفكره وصرامته في قلبه وشرهه في كليته وغضبه في كبده ورغبته في رئته وضحكه في طحاله وفرجه وحزنه في وجهه فسبحان من جعله يسمع بعظم ويبصر بشحم وينطق بلحم ويعرف بدم وركب فيه الشهوة وحجزه بالحياء.
(ق) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خلق الله تعالى آدم عليه السلام وطوله ستون ذراعاً ثم قال اذهب فسلم على أولئك نفر من الملائكة فاستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال: السلام عليكم فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزاده ورحمة فكل من يدخل الجنة على صورة آدم. قال: فلم يزل الخلق ينقص حتى الأن.
(م) عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما صور الله آدم تركه ما شاء الله أن يتركه، فجعل إبليس يطوف به ينظر ما هو فلما رآه أجوف عرف أنه لا يتمالك».
عن أبي موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تبارك تعالى خلق آدم من قبضة قبضاه من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب» أخرجه الترمذي وأبو داود. قوله عز وجل: {وعلم آدم الأسماء كلها} سمي آدم لأنه خلق من أديم الأرض. وقيل لأنه كان آدم اللون وكنيته أبو محمد، وقيل: أبو البشر ولما خلق الله آدم وتم خلقه علمه أسماء الأشياء كلها، وذلك أن الملائكة قالوا ليخلق ربنا ما شاء فلن يخلق خلقاً أكرم علم منا وإن كان فنحن أعلم منه لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره، فأظهر الله فضل آدم عليهم بالعلم. وفيه دليل لمذهب أهل السنة أن الأنبياء أفضل من الملائكة وإن كانوا رسلاً، قال ابن عباس: علمه آدم اسم كل شيء حتى القصعة والقصيعة، وقيل: خلق الله كل شيء من الحيوان والجماد وغير ذلك، وعلم آدم اسماءها كلها فقال يا آدم هذا بعير وهذا فرس وهذه شاة حتى أتى على آخرها. وقل علم آدم أسماء الملائكة وقيل أسماء ذريته وقيل علمه اللغات كلها {ثم عرضهم} يعني تلك الأشخاص، وإنما قال عرضهم ولم يقل عرضها لأن المسميات إذا جمعت من يعقل ومن لا يعقل عبر عنه بلفظ من يعقل لتغليب العقلاء عليهم كما يعبر عن الذكور والإناث بلفظ الذكور {على الملائكة فقال} يعني تعجيزاً لهم {أنبئوني} أي أخبروني {بأسماء هؤلاء} يعني تلك الأشخاص {إن كنتم صادقين} أي إني لم أخلق خلقاً إلاّ كنتم أفضل منه وأعلم {قالوا} يعني الملائكة {سبحانك} تنزيهاً لك وذلك لما ظهر عجزهم {لا علم لنا إلاّ ما علمتنا} أي إنك أجل من نحيط بشيء من علمك إلاّ ما علمتنا {إنك أنت العليم} أي بخلقك وهو من أسماء الصفات التامة وهو المحيط بكل المعلومات {الحكيم} أي في أمرك، وله معنيان أحدهما أنه القاضي العدل والثاني المحكم للأمر كيلا يتطرق إليه الفساد.

.تفسير الآيات (33- 35):

{قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (34) وَقُلْنَا يَا آَدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)}
{قال} يعني الله تعالى {يا آدم أنبئهم بأسمائهم} وذلك لا ظهر عجز الملائكة فسمى كل شيء باسمه وذكر وجه الحكمة التي خلق لها {فلما أنباهم بأسمائهم قال} يعني الله تعالى {ألم أقل لكم} يعني يا ملائكتي {إني أعلم غيب السموات والأرض} يعني ما كان وما سيكون وذلك أنه سبحانه وتعالى علم أحوال آدم قبل أن يخلقه فلهذا قال لهم: إني أعلم ما لا تعلمون {وأعلم ما تبدون} يعني قول الملائكة: أتجعل فيها {وما كنتم تكتمون} يعني قولكم لن يخلق الله تعالى خلقاً أكرم عليه منا وقال ابن عباس أعلم ما تبدون من الطاعة وما كنتم تكتمون، يعني إبليس من المعصية. قوله عز وجل: {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم} قيل هذا الخطاب كان مع الملائكة الذين كانوا سكان الأرض والأصح أنه خطاب مع جميع الملائكة بدليل قوله: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس} {فسجدوا} يعني الملائكة وفي هذا السجود قولان أصحهما أنه كان لآدم على الحقيقة ولم يكن فيه وضع الجبهة على الأرض وإنما هو الانحناء وكان سجود تحية وتعظيم لا سجود عبادة كسجود إخوة يوسف له في قوله: {وخروا له سجداً} فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام. وفي سجود لآدم معنى الطاعة لله تعالة والامتثال لأمره. والقول الثاني أن آدم كان كالقبلة، وكان السجود لله تعالى، كما جعلت الكعبة قبلة للصلاة والصلاة لله تعالى، وفي هذه الآية دليل لمذهب أهل السنة في تفضيل الأنبياء على الملائكة {إلاّ إبليس} سمي به لأنه إبلس من رحمة الله أي يئس، وكان اسمه عزازيل بالسريانية وبالعربية الحارث فلما عصى غير اسمه فسمي إبليس وغيرت صورته قال ابن عباس كان إبليس وغيرت صورته قال ابن عباس كان إبليس من الملائكة بدليل أنه استثناه منهم وقيل إنه من الجن لأنه خلق من النار ولملائكته خلقوا من النور ولأنه أصل الجن كما أن آدم أصل الإنس والأول أصح لأن الخطاب كان مع الملائكة فهو داخل فيهم ثم استثناه منهم {أبى} أي امتنع من السجود فلم يسجد {واستكبر} أي تكبر وتعظم عن السجود لآدم {وكان من الكافرين} أي في علم الله تعالى فإنه وجبت له النار لسابق علم الله تعالى بشقاوته.
(م) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول يا ويله» وفي رواية يا ويلتاه أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار. قوله عز وجل: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة} أي اتخذها مأوى ومنزلاً وليس معناه الاستقرار لأنه لم يقل أسكنتك الجنة لأنه خلق لعمارة الأرض ولما أسكن الله آدم في الجنة بقي وحده ليس معه من يستأنس به ويجالسه فألقى الله عليه النوم ثم أخذ ضلعاً ولما أسكن الله آدم في الجنة بقي وحده ليس من يستأنس به ويجالسه فألقى الله عليه النوم ثم أخذ ضلعاً من أضلاع جنبه الأيسر، وهو الأقصر فخلق منه زوجته حواء، ووضع مكان الضلع لحماً من غير أن يحس بذلك آدم ولم يجد ألماً، ولو وجد ألماً لما عطف رجل على امرأة قط، وسميت حواء لأنها خلقت من حي، فلما استيقظ آدم من نومه ورآها جالسة كأحسن ما خلق الله تعالى فقال لها: من أنت؟ قالت: أنا زوجتك حواء قال: ولماذا خلقت؟ قالت: لتسكن إلي وأسكن إليك.
واختلفوا في الجنة التي أمر آدم بسكناها فقيل إنها جنة كانت في الأرض بدليل أنه لو كانت الجنة التي هي دار الجزاء والثواب لما أخرج منها. وأجاب صاحب هذا القول عن قوله تعالى: {اهبطا} بأن المراد من الهبوط التحول والانتقال فهو كقوله تعالى: {اهبطوا مصر} والقول الصحيح أنها الجنة التي هي دار الجزاء والثواب لأن الألف واللام للعهد والجنة بين المسلمين وفي عرفهم التي هي دار الجزاء. وقيل: كلا القولين ممكن فلا وجه للقطع {وكلا منهما رغداً} أي واسعاً كثيراً {حيث شئتما} أي كيف شئتما ومتى شئتما وأين شئتما والمقصود منه الإطلاق في الأكل من الجنة بلا منع إلاّ ما نهى عنه، وهو قوله تعالى: {ولا تقربا هذه الشجرة} يعني للأكل قيل إنما وقع هذه النهي عن جنس الشجرة. وقيل عن الشجرة مخصوصة قال ابن عباس هي السنبلة وقيل الكرمة. وقيل هي شجرة التين وقيل هي شجرة العلم. وقيل الكافور. وقيل: ليس في ظاهر الكلام ما يدل على التبيين إذ لا حاجة إليه لإنه ليس المقصود تعرّف عين تلك الشجرة وما لا يكون مقصود لا يجب بيانه {فتكونا من الظالمين} يعني إن أكلتما من هذه الشجرة ظلمتما أنفسكما فمن جوّز ارتكاب الذنبوب على الأنبياء قال ظلم نفسه بالمعصية. وأصل الظلم وصنع الشيء في غير موضعه ومن لم يجوز ذلك على الأنبياء جعل الظلم على أنه فعل ما كان الأولى أن لا يفعله. وقيل: يحمل على أنه فعل هذا قبل النبوة. فإن قلت: هل يجوز وصف الأنبياء بالظلم أو بظلم أنفسهم؟ قلت: لا يجوز أن يطلق عليهم ذلك لما فيه من الذم.