فصل: تفسير الآيات (7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (7- 8):

{فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)}
قوله عز وجل: {فإذا فرغت فانصب} لما عدد الله على نبيه صلى الله عليه وسلم نعمه السالفة حثه على الشكر، والاجتهاد في العبادة، والنصب فيها وأن لا يخلي وقتاً من أوقاته منها، فإذا فرغ من عبادة أتبعها بأخرى، والنصب التعب قال ابن عباس: إذا فرغت من الصّلاة المكتوبة، فانصب إلى ربك في الدعاء، وارغب إليه في المسألة وقال ابن مسعود: إذا فرغت من الفرائض، فانصب في قيام اللّيل، وقيل إذا فرغت من التّشهد فادع لدنياك وآخرتك، وقيل إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب في عبادة ربك، وقيل إذا فرغت من تبليغ الرّسالة فانصب في الاستغفار لك وللمؤمنين. قال عمر بن الخطاب إني لأكره أن أرى أحدكم فارغاً سبهللاً لا في عمل دنياه ولا في عمل آخرته. السبهلل الذي لا شيء معه، وقيل السبهلل الباطل {وإلى ربك فارغب} أي تضرع إليه راغباً في الجنة راهباً من النار، وقيل اجعل رغبتك إلى الله تعالى في جميع أحوالك لا إلى أحد سواه والله أعلم.

.سورة التين:

.تفسير الآيات (1- 5):

{وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5)}
قوله عز وجل: {والتين والزيتون} قال ابن عباس: هو تينكم الذي تأكلون وزيتونكم الذي تعصرون منه الزيت، قيل إنما خص التين بالقسم لأنه فاكهة مخلصة من شوائب التّنغيص، وفيه غذاء ويشبه فواكه الجنة لكونه بلا عجم.
ومن خواصه أنه طعام لطيف سريع الهضم لا يمكث في المعدة يخرج بطريق الرشح ويلين الطبيعة، ويقلل البلغم وأما الزيتون فإنه من شجرة مباركة فيه إدام ودهن يؤكل ويستصبح به وشجرته في أغلب البلاد ولا يحتاج إلى خدمة وتربية وينبت في الجبال التي ليست فيها دهنية ويمكث في الأرض ألوفاً من السنين، فلما كان فيهما من المنافع، والمصالح الدّالة على قدرة خالقهما لا جرم أقسم الله بهما، وقيل هما جبلان فالتين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس، واسمهما بالسريانية طور تيناً وطور زيتاً لأنهما ينبتان التين والزيتون، وقيل هما مسجدان فالتين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس، وإنما حسن القسم بهما لأنهما موضع الطاعة، وقيل التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء، وقيل التين مسجد نوح الذي بناه على الجودى والزيتون مسجد بيت المقدس {وطور سينين} يعني الجبل الذي كلم الله موسى عليه الصّلاة والسّلام وسينين اسم للمكان الذي فيه الجبل سمي سينين وسيناء لحسنه ولكونه مباركاً وكل جبل فيه أشجار مثمرة يسمى سينين وسيناء {وهذا البلد الأمين} يعني الآمن، وهو مكة حرسها الله تعالى لأنه الحرم الذي يأمن فيه الناس في الجاهلية والإسلام لا ينفر صيده ولا يعضد شجره، ولا تلتقط لقطته إلا لمنشد وهذه أقسام أقسم الله بها لما فيها من المنافع والبركة وجواب القسم قوله تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} يعني في أعدل قامة، وأحسن صورة، وذلك أنه تعالى خلق كل حيوان منكباً على وجهه يأكل بفيه إلا الإنسان فإنه خلقه مديد القامة حسن الصورة يتناول مأكوله بيده مزيناً بالعلم، والفهم، والعقل، والتّمييز، والمنطق. {ثم رددناه أسفل سافلين} يعني إلى الهرم وأرذل العمر فيضعف بدنه وينقص عقله والسّافلون هم الضّعفاء، والزمنى والأطفال والشّيخ الكبير أسفل من هؤلاء جميعاً لأنه لا يستطيع حيلة، ولا يهتدي سبيلاً لضعف بدنه وسمعه وبصره وعقله، وقيل ثم ردناه إلى النّار لأنها دركات بعضها أسفل من بعض ثم استثنى.

.تفسير الآيات (6- 8):

{إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}
{إلا الذين آمنوا وعملوا الصّالحات} فإنهم لا يردون إلى النار أو إلى أسفل سافلين وعلى القول الأول يكون الاستثناء منقطعاً، والمعنى ثم رددناه أسفل سافلين فزال عقله وانقطع عمله فلا تكتب له حسنة لكن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات ولازموا عليها إلى أيام الشيخوخة والهرم والضّعف، فإنه يكتب لهم بعد الهرم والخرف مثل الذي كانوا يعملون في حالة الشّباب والصّحة وقال ابن عباس: هم نفر ردوا إلى أرذل العمر على زمن النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عذرهم وأخبرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم فعلى هذا القول السبب خاص وحكمه عام قال عكرمة ما يضر هذا الشيخ كبره إذا ختم الله له بأحسن ما كان يعمل وروي عن ابن عباس: قال إلا الذين قرؤوا القرآن وقال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر {فلهم أجر غير ممنون} يعني غير مقطوع لأنه يكتب له بصالح ما كان يعمل قال الضّحاك: أجر بغير عمل ثم قال الزاماً للحجة. {فما يكذبك} يعني يا أيها الإنسان وهو خطاب على طريق الالتفات {بعد} أي بعد هذه الحجة والبرهان {بالدين} أي بالحساب والجزاء، والمعنى فما الذي يلجئك أيها الناس إلى هذا الكذب ألا تتفكر في صورتك وشبابك، ومبدأ خلقك، وهرمك، فتعتبر وتقول أن الذي فعل ذلك قادر على أن يبعثني ويحاسبني، فما الذي يكذبك بالمجازاة، وقيل هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمعنى فمن يكذبك أيها الرّسول بعد ظهور هذه الدّلائل، والبراهين {أليس الله بأحكم الحاكمين} أي بأقضى القاضين يحكم بينكم وبين أهل التكذيب يوم القيامة عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ والتين والزيتون، فقرأ أليس الله بأحكم الحاكمين، فليقل بلى وأنا على ذلك من الشّاهدين» أخرجه الترمذي وعن البراء «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في سفر فصلى العشاء الأخيرة فقرأ في إحدى الركعتين بالتين والزيتون فما سمعت أحداً أحسن صوتاً أو قراءة منه صلى الله عليه وسلم» والله تعالى أعلم.

.سورة العلق:

.تفسير الآية رقم (1):

{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1)}
قوله عزّ وجلّ: {اقرأ باسم ربك} قيل الباء زائدة مجازه اقرأ اسم ربك، والمعنى اذكر اسم ربك أمر أن يبتدئ القراءة باسم الله تأديباً، وقيل الباء على أصلها والمعنى اقرأ القرآن مفتتحاً باسم ربك أي قل بسم الله، ثم اقرأ فعلى هذا يكون في الآية دليل على استحباب البداءة بالتسمية في أول القراءة، وقيل معناه اقرأ القرآن مستعيناً باسم ربك على ما تتحمله من النبوة وأعباء الرّسالة {الذي خلق} يعني جميع الخلائق وقيل الذي حصل منه الخلق واستأثر به لا خالق سواه وقيل الذي خلق كل شيء.

.تفسير الآيات (2- 10):

{خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)}
{خلق الإنسان} يعني آدم وإنما خص الإنسان بالذكر من بين سائر المخلوقات لأنه أشرفها، وأحسنها خلقه {من علق} جمع علقة ولما كان الإنسان اسم جنس في معنى الجمع جمع العلق ولمشاكله رؤوس الآي أيضاً {اقرأ} كرره تأكيداً وقيل الأول اقرأ في نفسك، والثاني اقرأ للتبليغ وتعليم أمتك ثم استأنف. فقال تعالى: {وربك الأكرم} يعني الذي لا يوازيه كريم ولا يعادله في الكرم نظير وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم كما جاء الأعز بمعنى العزيز، وغاية الكريم إعطاؤه الشيء من غير طلب العوض، فمن طلب العوض فليس بكريم، وليس المراد أن يكون العوض عيناً بل المدح والثّواب عوض والله سبحانه وجلَّ جلاله وتعالى علاؤه وشأنه يتعالى عن طلب العوض ويستحيل ذلك في وصفه لأنه أكرم الأكرمين، وقيل الأكرم هو الذي له الابتداء في كل كرم وإحسان وقيل هو الحليم عن جهل العباد فلا يعجل عليهم بالعقوبة، وقيل يحتمل أن يكون هذا حثاً على القراءة، والمعنى اقرأ وربك الأكرم لأنه يجزي بكل حرف عشر حسنات {الذي علم بالقلم} أي الخط والكتابة التي بها تعرف الأمور الغائبة وفيه تنبيه على فضل الكتابة لما فيها من المنافع العظيمة لأن بالكتابة ضبطت العلوم، ودونت الحكم وبها عرفت أخبار الماضين، وأحوالهم وسيرهم ومقالاتهم ولولا الكتابة ما استقام أمر الدين والدنيا قال قتادة: القلم نعمة من الله عظيمة. لولا القلم لم يقم دين ولم يصلح عيش، فسأل بعضهم عن الكلام، فقال ربح لا يبقى قيل له فما قيده قال الكتابة لأن القلم ينوب عن اللّسان ولا ينوب اللّسان عنه {علم الإنسان ما لم يعلم} قيل يحتمل أن يكون المراد علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، فيكون المراد من ذلك معنى واحداً، وقيل علمه من أنواع العلم، والهداية، والبيان، ما لم يكن يعلم، وقيل علم آدم الأسماء كلها، وقيل المراد بالإنسان هنا محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله عزّ وجلّ: {كلا} أي حقاً {إن الإنسان ليطغى} أي يتجاوز الحد، ويستكبر على ربه {أن} أي لأن {رآه استغنى} أي رأى نفسه غنياً وقيل يرتفع عن منزلته إلى منزلة أخرى في اللّباس والطعام وغير ذلك، نزلت في أبي جهل وكان قد أصاب مالاً فزاد في ثيابه ومركبه وطعامه فذلك طغيانه {إن إلى ربك الرجعى} أي المرجع في الآخرة وفيه تهديد، وتحذير لهذا الإنسان من عاقبة الطغيان، ثم هو عام لكل طاغ متكبر.

.تفسير الآيات (11- 19):

{أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (18) كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (19)}
{أرأيت الذي ينهى عبد اً إذا صلى} نزلت في أبي جهل وذلك أنه نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصّلاة.
(م) عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم، فقيل نعم فقال واللاّت والعزّى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن على رقبته، ولأعفرن وجهه في التراب قال فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته قال فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه، فقيل له ما لك قال إن بيني وبينه خندقاً من نار وهولاً وأجنحة فقال النبي صلى الله عليه وسلم «لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً» فأنزل الله هذه الآية، لا أدري في حديث أبي هريرة أو شيء بلغه كلا إن الإنسان ليطغى إلى قوله كلا لا تطعه قال: وأمره بما أمره به زاد في رواية، فليدع ناديه يعني قومه.
(خ) عن ابن عباس قال قال أبو جهل لئن رأيت محمداً يصلي عند البيت لأطأن على عنقه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لو فعله لأخذته الملائكة» زاد التّرمذي عياناً ومعنى أرأيت تعجباً للمخاطب وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم وفائدة التنكير في قوله عبد اً تدل على أنه كامل العبودية، والمعنى أرأيت الذي ينهى أشد الخلق عبودية عن العبودية، وهذا دأبه وعادته، وقيل إن هذا الوعيد يلزم لكل من ينهى عن الصلاة عن طاعة الله تعالى، ولا يلزم منه عدم جواز المنع من الصّلاة في الدّار المغصوبة، وفي الأوقات المكروهة لأنه قد ورد النهي عن ذلك في الأحاديث الصّحيحة، ولا يلزم من ذلك أيضاً عدم جواز منع المولى عبد ه، والرجل زوجته عن قيام الليل، وصوم التّطوع والاعتكاف لأن ذلك استيفاء مصلحة إلا أن يأذن فيه المولى أو الزوج {أرأيت إن كان على الهدى} يعني العبد المنهي وهو النبي صلى الله عليه وسلم {أو أمر بالتقوى} يعني في الإخلاص والوحيد {أرأيت إن كذب} يعني أبا جهل {وتولى} أي عن الإيمان وتقدير نظم الآية أرأيت الذي ينهي عبد اً إذا صلى وهو على الهدى آمر بالتّقوى والنّاهي مكذب متول عن الإيمان أي أعجب من هذا {ألم يعلم} يعني أبا جهل {بأن الله يرى} يعني يرى ذلك الفعل فيجازيه به، وفيه وعيد شديد وتهديد عظيم {كلا} أي لا يعلم ذلك أبو جهل {لئن لم ينته} يعني عن إيذاء محمد صلى الله عليه وسلم وعن تكذيبه {لنسفعاً بالناصية} أي لنأخذن بناصيته فلنجرنه إلى النّار، يقال سفعت بالشيء إذا أخذته وجذبته جذباً شديداً والناصية شعر مقدم الرأس والسفع الضرب أي لنضربن وجهه في النار، ولنسودن وجهه ولنذلنه ثم قال على البدل {ناصية كاذبة خاطئة} أي صاحبها كاذب خاطئ.

.سورة القدر:

.تفسير الآيات (1- 2):

{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)}
قوله عزّ وجلّ: {إنا أنزلناه} يعني القرآن كناية عن غير مذكور {في ليلة القدر} وذلك أن الله تعالى أنزل القرآن العظيم جملة واحدة من اللّوح المحفوظ إلى السّماء الدّنيا ليلة القدر فوضعه في بيت العزة، ثم نزل به جبريل عليه السّلام على النبي صلى الله عليه وسلم نجوماً متفرقة في مدة ثلاث وعشرين سنة، فكان ينزل بحسب الوقائع، والحاجة إليه، وقيل إنما أنزله إلى السّماء الدّنيا لشرف الملائكة بذلك ولأنها كالمشترك بيننا وبين الملائكة، فهي لهم سكن ولنا سقف وزينة وسميت ليلة القدر لأن فيها تقدير الأمور، والأحكام، والأرزاق، والآجال، وما يكون في تلك السنة إلى مثل هذه اللّيلة من السّنة المقبلة يقدر الله ذلك في بلاده وعباده، ومعنى هذا أن الله يظهر ذلك لملائكته ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم بأن يكتب لهم ما قدره في تلك السنة ويعرفهم إيّاه، وليس المراد منه أن يحدثه في تلك اللّيلة لأن الله تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السّموات والأرض في الأزل، قيل للحسين بن الفضل أليس قد قدر الله المقادير قبل أن يخلق السّموات والأرض قال: نعم قيل له فما معنى ليلة القدر قال سوق المقادير إلى المواقيت وتنفيذ القضاء المقدر، وقيل سميت ليلة القدر لعظم قدرها وشرفها على اللّيالي من قولهم لفلان قدر عند الأمير، أي منزلة وجاه، وقيل سميت بذلك لأن العمل الصّالح يكون فيها ذا قدر عند الله لكونه مقبولاً، وقيل سميت بذلك لأن الأرض تضيق بالملائكة فيها.
فصل في فضل ليلة القدر وما ورد فيها:
(ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه»، واختلف العلماء في وقتها فقال بعضهم إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رفعت لقوله صلى الله عليه وسلم حين تلاحى الرجلان «إني خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيراً لكم» وهذا غلط ممن قال بهذا القول لأن آخر الحديث يرد عليهم فإنه صلى الله عليه وسلم قال في آخره «فالتمسوها في العشر الأواخر في التاسعة والسابعة والخامسة»، فلو كان المراد رفع وجودها لم يأمر بالتماسها وعامة الصّحابة والعلماء فمن بعدهم على أنها باقية إلى يوم القيامة، روي عن عبد الله بن خنيس مولى معاوية قال قلت لأبي هريرة زعموا أن ليلة القدر رفعت قال كذب من قال ذلك قلت هي في كل شهر رمضان استقبله قال نعم.
ومن قال ببقائها ووجودها اختلفوا في محلها، فقيل هي متنقلة تكون في سنة في ليلة وفي سنة أخرى في ليلة أخرى هكذا أبداً قالوا: وبهذا يجمع بين الأحاديث الواردة في أوقاتها المختلفة وقال: مالك والثّوري وأحمد، وإسحاق وأبو ثور، إنها تنتقل في العشر الأواخر من رمضان، وقيل بل تنتقل في رمضان كله، وقيل إنها في ليلة معينة لا تنتقل عنها أبداً في جميع السنين لا تفارقها، فعلى هذا هي في ليلة من السّنة كلها وهو قول ابن مسعود وأبي حنيفة، وصاحبيه وروي عن ابن مسعود أنه قال: من يقم الحول يصبها فبلغ ذلك عبد الله بن عمر فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن.
أما إنه علم أنها في شهر رمضان ولكن أراد أن لا يتكل الناس وقال جمهور العلماء: إنها في شهر رمضان، واختلفوا في تلك الليلة فقال أبو رزين العقيلي: في أول ليلة من شهر رمضان، وقيل هي ليلة سبعة عشر وهي الليلة التي كانت صبيحتها وقعة بدر يحكى هذا عن زيد بن أرقم وابن مسعود أيضاً، والحسن والصّحيح الذي عليه الأكثرون أنها في العشر الأواخر من رمضان والله سبحانه وتعالى أعلم.
ذكر الأحاديث الواردة في ذلك:
(ق) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجاور العشر الأواخر من رمضان ويقول تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان».
(م) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أريت ليلة القدر ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان» وذهب الشّافعي إلى أنها ليلة إحدى وعشرين.
(ق) عن أبي هريرة أن أبا سعيد قال: «اعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأواسط فلما كانت صبيحة عشرين نقلنا متاعنا فأتانا النبي صلى الله عليه وسلم فقال من كان اعتكف فليرجع إلى معتكفه، وأنا رأيت هذه الليلة، ورأيتني أسجد في ماء وطين، فلما رجع إلى معتكفه هاجت السماء فمطرنا فوالذي بعثه بالحق لقد هاجت السماء من آخر ذلك اليوم، وكان المسجد على عريش، ولقد رأيت على أنفه وأرنبته أثر الماء والطين»، وفي رواية نحوه إلا أنه قال: «حتى إذا كانت ليلة أحدى وعشرين وهي اللّيلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه قال من اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر» وورد في فضل ليلة القدر اثنان وعشرون حديثاً عن عبد الله بن أنيس قال: «كنت في مجلس لبني سلمة وأنا أصغرهم فقالوا من يسأل لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وذلك في صبيحة إحدى وعشرين من رمضان فخرجت فوافيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت أرسلني إليك رهط من بني سلمة يسألونك عن ليلة القدر، فقال كم اللّيلة فقلت اثنتان وعشرون فقال هي اللّيلة، ثم رجع فقال أو القابلة يريد ثلاثاً وعشرين» أخرجه أبو داود.
وذهب جماعة من الصّحابة وغيرهم أن ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين ومال إليه الشّافعي أيضاً.
(خ) عن الصّنابحي، أنه سأل رجلاً هل سمعت في ليلة القدر شيئاً قال، أخبرني بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها في أول السبع من العشر الأواخر، وهذا اللفظ مختصر عن عبد الله بن أنيس قال: «قلت يا رسول الله إن لي بادية أكون فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله فمرني بليلة أنزلها إلى هذا المسجد، فقال انزل ليلة ثلاث وعشرين قيل لابنه كيف كان أبوك يصنع قال: كان يدخل المسجد إذا صلى العصر فلا يخرج إلا لحاجة حتى يصلي الصبح، فإذا صلى الصبح وجد دابته على باب المسجد فجلس عليها ولحق بباديته» أخرجه أبو داود ولمسلم عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني أسجد صبيحتها في ماء وطين» قال فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه، ويحكى عن بلال وابن عباس والحسن أنها ليلة أربع وعشرين.
(خ) عن ابن عباس قال التمسوها في أربع وعشرين، وقيل في ليلة خمس وعشرين دليله قوله صلى الله عليه وسلم «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان»، وقيل هي ليلة سبع وعشرين يحكى ذلك عن جماعة من الصحابة منهم أبي بن كعب وابن عباس وإليه ذهب أحمد.
(م) عن زر بن حبيش قال سمعت أبي بن كعب يقول وقيل له إن عبد الله بن مسعود يقول من قام السنة أصاب ليلة القدر قال أبيّ: والله الذي لا إله إلا هو إنها لفي رمضان يحلف، ولا يستثني، فوالله إني لأعلم أي ليلة هي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، وهي ليلة سبع وعشرين وأمارتها أن تطلع الشّمس من صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها عن معاوية عن النبي صلى الله عليه وسلم «في ليلة القدر، قال ليلة سبع وعشرين» أخرجه أبو داود، وقيل هي ليلة تسع وعشرين دليله قوله «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان» وقيل هي ليلة آخر الشهر، عن ابن عمر قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر وأنا أسمع، فقال هي في كل رمضان» أخرجه أبو داود قال ويروى موقوفاً عليه.
ذكر ليال مشتركة:
عن ابن مسعود قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر.