فصل: تفسير الآيات (3- 5):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (3- 5):

{لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}
قوله عزّ وجلّ: {وما أدراك ما ليلة القدر} أي شيء يبلغ درايتك قدرها ومبلغ فضلها، وهذا على سبيل التعظيم لها، والتَّشويق إلى خيرها ثم ذكر فضلها من ثلاثة أوجه:
فقال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر} قال ابن عباس: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني إسرائيل حمل السّلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر، فعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك، وتمنى ذلك لأمته فقال: يا رب جعلت أمتي أقصر الأمم أعماراً، وأقلها أعمالاً، فأعطاه الله تبارك وتعالى ليلة القدر، فقال ليلة القدر خير من ألف شهر التي حمل فيها الإسرائيلي السّلاح في سبيل الله لك ولأمتك إلى يوم القيامة، وعن مالك أنه سمع من يثق به من أهل العلم أن النّبي صلى الله عليه وسلم أرى أعمار الناس قبله، أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أي لا يبلغوا من العمل مثل الذي يبلغ غيرهم في طول العمر فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر أخرجه مالك في الموطأ قال المفسرون: معناه العمل الصّالح في ليلة القدر خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وإنما كان كذلك لما يريد الله تعالى فيها من المنافع والأرزاق وأنواع الخير والبركة.
الوجه الثاني: من فضلها قوله عزّ وجلّ: {تنزل الملائكة} يعني إلى الأرض وسبب هذا أنهم لما قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها وظهر أن الأمر بخلاف ما قالوه وتبين حال المؤمنين وما هم عليه من الطاعة، والعبادة، والجد، والاجتهاد نزلوا إليهم ليسلموا عليها ويعتذروا مما قالوه، ويستغفروا لهم لما يرون من تقصير قد يقع من بعضهم {والروح} يعني جبريل عليه الصّلاة والسّلام قاله أكثر المفسرين: وفي حديث أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة يصلون، ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عزّ وجلّ» ذكره ابن الجوزي، وقيل إن الرّوح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا في تلك الليلة {فيها} أي في ليلة القدر {بإذن ربهم} أي بأمر ربهم {من كل أمر} أي بكل أمر من الخير والبركة، وقيل بكل ما أمر به وقضاه من كل أمر.
الوجه الثالث: من فضلها قوله تعالى: {سلام} أي سلام على أولياء الله وأهل طاعته قال الشّعبي: هو تسليم الملائكة في ليلة القدر على أهل المساجد من حين تغيب الشمس إلى أن يطلع الفجر، وقيل الملائكة ينزلون فيها كلما لقوا مؤمناً أو مؤمنة يسلمون عليه من ربه عزّ وجلّ، وقيل تم الكلام عند قوله: {من كل أمر} ثم ابتدأ فقال تعالى: {سلام هي} يعني القدر سلامة وخير ليس فيها شر، وقيل لا يقدر الله في تلك اللّيلة ولا يقضي إلا السلامة، وقيل إن ليلة القدر سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً أو يحدث فيها أذى {حتى مطلع الفجر} أي أن ذلك السّلام أو السّلامة تدوم إلى مطلع الفجر، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده.

.سورة البينة:

.تفسير الآيات (1- 4):

{لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)}
قوله عزّ وجلّ: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} يعني اليهود والنّصارى {والمشركين} أي ومن المشركين، وهم عبد ة الأوثان، وذلك أن الكفار كانوا جنسين أحدهما أهل كتاب وسبب كفرهم ما أحدثوه في دينهم، أما اليهود فقولهم عزير ابن الله وتشبيههم الله بخلقه، وأما النّصارى فقولهم المسيح ابن الله وثالث ثلاثة وغير ذلك، والثاني المشركون أهل الأوثان الذين لا ينتسبون إلى كتاب الله، فذكر الله الجنسين في قوله: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين} أي منتهين عن كفرهم وشركهم وقيل معناه زائلين {حتى تأتيهم} أي حتى أتتهم لفظه مضارع ومعناه الماضي {البينة} أي الحجة الواضحة يعني محمداً صلى الله عليه وسلم أتاهم بالقرآن فبين لهم ضلالتهم، وشركهم وما كانوا عليه من الجاهلية، ودعاهم إلى الإيمان، فآمنوا فأنقذهم الله من الجهالة والضّلالة ولم يكونوا منفصلين عن كفرهم قبل بعثه إليهم، والآية فيمن آمن من الفريقين، قال الواحدي في بسيطة: وهذه الآية من أصعب ما في القرآن نظماً، وتفسيراً وقد تخبط فيها الكبار من العلماء.
قال الإمام فخر الدين في تفسيره إنه لم يلخص كيفية الأشكال فيها وأنا أقول وجه الإشكال أن تقدير الآية لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة التي هي الرّسول، ثم إنه تعالى لم يذكر أنهم منفكون عماذاً لكنه معلوم إذ المراد هو الكفر الذي كانوا عليه، فصار التقدير لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة، التي هي الرسول، ثم إن كلمة حتى لانتهاء الغاية، فهذه الآية تقتضي أنهم صاروا منفكين عن كفرهم عند إتيان الرّسول ثم قال بعد ذلك وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة، وهذا يقتضي أن كفرهم قد ازداد عند مجيء الرّسول، فحينئذ يحصل بين الآية الأولى والثانية مناقضة في الظاهر، وهذا منتهى الإشكال في ظني قال والجواب عنه من وجوه:
أولها: وأحسنها الوجه، الذي لخصه صاحب الكشاف وهو أن الكفار من الفريقين أهل الكتاب، وعبد ة الأوثان كانوا يقولون قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم لا ننفك عما نحن عليه من ديننا، ولا نتركه حتى يبعث النبي الموعود الذي هو مكتوب في التّوراة والإنجيل وهو محمد صلى الله عليه وسلم فحكى الله تعالى عنهم ما كانوا يقولونه، ثم قال {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب}، أي أنهم كانوا يعدلون اجتماع الكلمة والاتفاق على الحق إذا جاءهم الرسول، ثم ما فرقهم عن الحق ولا أقرهم على الكفر إلا مجيء الرسول، ونظيره في الكلام ما يقول الفاسق الفقير لمن يعظه لست بمنفك مما أنا فيه من الأفعال القبيحة حتى يرزقني الله الغنى فيرزقه الله الغنى فيزداد فسقاً، فيقول واعظه لم تكن منفكاً عن الفسق حتى توسر وما غمست رأسك في الفسق إلا بعد اليسار فيذكره ما كان يقول توبيخاً، وإلزاماً قال الإمام فخر الدين: وحاصل هذا الجواب يرجع إلى حرف واحد وهو أن قوله تعالى لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم حتى تأتيهم البينة مذكور حكاية عنهم، وقوله وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إخبار عن الواقع، والمعنى أن الذي وقع كان بخلاف ما ادعوا أو ثانيها أن تقدير الآية لم يكن الذين كفروا منفكين عن كفرهم وإن جاءتهم البينة وعلى هذا التقدير يزول الإشكال إلا أن تفسير لفظة حتى بهذا ليس من اللغة في شيء وذكر وجوهاً أخر قال: والمختار هو الأول ثم فسر البينة فقال تعالى: {رسول من الله} أي تلك البينة رسول من الله {يتلوا} أي يقرأ الرسول صلى الله عليه وسلم {صحفاً} أي كتباً يريد ما تضمنه المصحف من المكتوب فيه وهو القرآن لأنه كان صلى الله عليه وسلم يقرأ عن ظهر قلبه لا عن كتاب {مطهرة} أي من الباطل والكذب والزّور، والمعنى أنها مطهرة من القبيح، وقيل معنى مطهرة معظمة، وقيل مطهرة أي لا ينبغي أن يمسها إلا المطهرون {فيها} أي في الصحف {كتب} أي الآيات المكتوبة وقيل الكتب بمعنى الأحكام {قيمة} أي عادلة مستقيمة غير ذات عوج، وقيل قيمة بمعنى قائمة مستقلة بالحجة من قولهم قام بالأمر إذا أجراه على وجهه، ثم ذكر من لم يؤمن من أهل الكتاب فقال تعالى: {وما تفرق الذين أوتوا الكتاب} يعني في أمر محمد صلى الله عليه وسلم {إلا من بعد ما جاءتهم البينة} يعني جاءتهم البينة في كتبهم أنه نبي مرسل قال المفسرون لم يزل أهل الكتاب مجتمعين في تصديق محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعثه الله تعالى فلما بعث تفرقوا في أمره، واختلفوا فيه، فآمن به بعضهم وكفر به آخرون، ثم ذكر ما أمروا به في كتبهم.

.تفسير الآيات (5- 8):

{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ (6) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (7) جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ (8)}
{وما أمروا} يعني هؤلاء الكفار {إلا ليعبد وا الله} أي وما أمروا إلا أن يعبد وا الله قال ابن عباس: ما أمروا في التوراة، والإنجيل، إلا بإخلاص العبادة لله موحدين له {مخلصين له الدين} الإخلاص عبارة عن النّية الخالصة، وتجريدها عن شوائب الرّياء، وهو تنبيه على ما يجب من تحصيل الإخلاص من ابتداء الفعل إلى انتهائه، والمخلص هو الذي يأتي بالحسن لحسنه والواجب لوجوبه والنّية الخالصة لما كانت معتبرة. كانت النية معتبرة فقد دلت الآية على أن كل مأمور به فلابد وأن يكون منوياً فلابد من اعتبار النية في جميع المأمورات، قال أصحاب الشّافعي: الوضوء مأمور به ودلت هذه الآية على أن كل مأمور به يجب أن يكون منوياً، فتجب النية في الوضوء، وقيل الإخلاص محله القلب وهو أن يأتي بالفعل لوجه الله تعالى مخلصاً له، ولا يريد بذلك رياء ولا سمعة ولا غرضاً آخر حتى قالوا في ذلك لا يجعل طلب الجنة مقصوداً ولا النجاة من النار مطلوباً، وإن كان لابد من ذلك بل يجعل العبد عبادته لمحض العبودية واعترافاً لربه عزّ وجلّ بالرّبوبية، وقيل في معنى مخلصين له الدّين مقرين له بالعبودية، وقيل قاصدين بقلوبهم رضا الله تعالى بالعبادة.
(م) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى لا ينظر إلى أجسامكم، ولا صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم» {حنفاء} أي مائلين عن الأديان كلها إلى دين الإسلام، وقيل متبعين ملة إبراهيم عليه الصّلاة والسّلام، وقيل حنفاء أي حجاجاً وإنما قدمه على الصّلاة والزّكاة لأن فيه صلاة وإنفاق مال، وقيل حنفاء أي مختونين محرمين لنكاح المحارم، وقيل الحنيف الذي آمن بجميع الأنبياء والرّسل، ولا يفرق بين أحد منهم فمن لم يؤمن بأشرف الأنبياء وهو محمد صلى الله عليه وسلم فليس بحنيف {ويقيموا الصلاة} أي المكتوبة في أوقاتها {ويؤتوا الزكاة} أي المفروضة عند محلها {وذلك} أي الذي أمروا به {دين القيمة} أي الملة المستقيمة والشّريعة المتبوعة، وإنما أضاف الدين إلى القيمة وهي نعته لاختلاف اللفظين وأنث القيمة رداً إلى الملة، وقيل الهاء في القيمة للمبالغة كعلامة، وقيل القيمة الكتب التي جرى ذكرها، أي وذلك دين أصحاب الكتب القيمة، وقيل القيمة جمع القيم، والقيم، والقائم واحد والمعنى وذلك دين القائمين لله بالتوحيد واستدل بهذه الآية من يقول إن الإيمان قول وعمل لأن الله تعالى ذكر الاعتقاد أولاً وأتبعه بالعمل ثانياً ثم قال وذلك دين القيمة والدين هو الإسلام والإسلام هو الإيمان بدليل قوله: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين}
ثم ذكر ما للفريقين فقال تعالى: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} فإن قلت لم قدم أهل الكتاب على المشركين.
قلت لأن جنايتهم أعظم في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك أنهم كانوا يستفتحون به قبل بعثته ويقرون بنبوته، فلما بعث أنكروه وكذبوه وصدوه مع العلم به فكانت جنايتهم أعظم من المشركين فلهذا قدمهم عليهم.
فإن قلت إن المشركين أعظم جناية من أهل الكتاب لأن المشركين أنكروا الصانع والنّبوة، والقيامة وأهل الكتاب اعترفوا بذلك غير أنهم أنكروا نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وإذا كان كذلك كان كفرهم أخف فلم سوى بين الفريقين في العذاب.
قلت لما أراد أهل الكتاب الرّفعة في الدّنيا بإنكارهم نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أذلهم الله في الدّنيا، وأدخلهم أسفل سافلين في الآخرة ولا يمنع من دخولهم النّار مع المشركين أن تتفاوت مراتبهم في العذاب. {في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية} أي هم شر الخلق والمعنى أنهم لما استحقوا النار بسبب كفرهم قالوا: فهل إلى خروج من سبيل فقال بل تبقون خالدين فيها، فكأنهم قالوا لم ذلك قال لأنكم شر البرية. {إن الذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك هم خير البرية} يعني أنهم بسبب أعمالهم الصّالحة واجتنابهم الشرك استحقوا هذا الاسم {جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه} قيل الرّضا ينقسم إلى قسمين: رضا به ورضا عنه، فالرضا به أن يكون ربا ومدبراً، والرّضا عنه فيما يقضي ويدبر قال السري: إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضا عنك، وقيل: رضي الله أعمالهم، ورضوا عنه بما أعطاهم من الخير والكرامة {ذلك} أي هذا الجزاء والرضا {لمن خشي ربه} أي لمن خاف ربه في الدّنيا وانتهى عن المعاصي.
(ق) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب «إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب} قال وسماني قال نعم فبكى» وفي رواية البخاري «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بن كعب إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال الله سماني لك، قال نعم قال وقد ذكرت عند رب العالمين قال نعم قيل فذرفت عيناه».
شرح غريب الحديث:
أما بكاء أبي فإنه بكى سروراً، واستصغاراً لنفسه عن تأهله لهذه النّعمة العظيمة وإعطائه تلك المنزلة الكريمة، والنعمة عليه فيها من وجهين أحدهما: كونه منصوصاً عليه بعينه والثاني قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنها منقبة عظيمة لم يشاركه فيها أحد من الصّحابة، وقيل إنما بكى خوفاً من تقصيره في شكره هذه النعمة.

.سورة الزلزلة:

.تفسير الآيات (1- 6):

{إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6)}
قوله عزّ وجلّ: {إذا زلزلت الأرض زلزالها} أي تحركت حركة شديدة، واضطربت، وذلك عند قيام الساعة، وقيل تزلزل من شدة صوت إسرافيل حتى ينكسر كل ما عليها من شدة الزّلزلة ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل، وشجر، وبناء وفي وقت هذه الزّلزلة قولان أحدهما: وهو قول الأكثرين، أنها في الدّنيا، وهي من أشراط السّاعة والثاني أنها زلزلت يوم القيامة. {وأخرجت الأرض أثقالها} فمن قال إن الزّلزلة تكون في الدّنيا قال أثقالها كنوزها، وما في بطنها من الدّفائن، والأموال فتلقيها على ظهرها يدل على صحة هذا القول، ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوانة من الذهب، والفضة، فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع، فيقول في هذا قطعت رحمي، ويجيء السّارق فيقول في هذا قطعت يدي، ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاً» أخرجه مسلم والأفلاذ جمع فلذة وهي القطعة المستطيلة شبه ما يخرج من باطنها بأقطاع كبدها، لأن الكبد مستور في الجوف، وإنما خص الكبد لأنها من أطيب ما يشوى عند العرب من الجزور، واستعار القيء للإخراج، ومن قال بأن الزّلزلة تكون يوم القيامة، قال أثقالها الموتى فتخرجهم إلى ظهرها قيل إن الميت إذا كان في بطن الأرض، فهو ثقل لها وإذا كان فوقها، فهو ثقل عليها، ومنه سميت الجن والإنس بالثقلين لأن الأرض تثقل بهم أحياء وأمواتاً. {وقال الإنسان ما لها} يعني ما لها تزلزلت هذه الزلزلة العظيمة، ولفظت ما في بطنها وفي الإنسان وجهان. أحدهما أنه اسم جنس يعم المؤمن والكافر، وهذا على قول من جعل الزّلزلة من أشراط السّاعة، والمعنى أنها حين وقعت لم يعلم الكل أنها من أشراط السّاعة، فيسأل بعضهم بعضاً عن ذلك، والثاني أنه اسم للكافر خاصة وهذا على قول من جعلها زلزلة القيامة لأن المؤمن عارف بها فلا يسأل عنها، والكافر جاحد لها، فإذا وقعت سأل عنها، وقيل مجاز الآية: {يومئذ تحدث أخبارها} فيقول الإنسان ما لها، والمعنى أن الأرض تحدث بكل ما عمل على ظهرها من خير أو شر، فتشكوا العاصي، وتشهد عليه وتشكر الطّائع وتشهد له، عن أبي هريرة قال: «قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {يومئذ تحدث أخبارها} قال أتدرون ما أخبارها قالوا الله ورسوله أعلم، قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة بما عمل على ظهرها تقول عمل يوم كذا كذا وكذا فهذه أخبارها» أخرجه التّرمذي، وقال حديث حسن صحيح {بأن ربك أوحى لها} أي أمرها بالكلام وأذن لها أن تخبر بما عمل عليها قال ابن عباس: أوحى إليها قيل إن الله تعالى يخلق في الأرض الحياة، والعقل، والنطق حتى تخبر بما أمر الله به وهذا مذهب أهل السنة.
قوله تعالى: {يومئذ يصدر النّاس} أي عن موقف الحساب بعد العرض {أشتاتاً} أي متفرقين فآخذ ذات اليمين إلى الجنة وآخذ ذات الشمال إلى النار {ليروا أعمالهم} قال ابن عباس ليروا جزاء أعمالهم، وقيل معناه ليروا صحائف أعمالهم التي فيها الخير والشّر.