فصل: تفسير الآيات (7- 8):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (7- 8):

{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
{فمن يعمل مثقال ذرة} قال وزن نملة صغيرة وقيل هو ما لصق من التراب باليد {خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} قال ابن عباس: ليس مؤمن ولا كافر عمل خيراً أو شراً في الدّنيا إلا أراه الله إياه يوم القيامة، فأما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته فيغفر الله له سيئاته، ويثيبه بحسناته، وأما الكافر، فيرد حسناته ويعذبه بسيئاته، وقال محمد بن كعب القرظي فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره من كافر يرى ثوابه في الدّنيا في نفسه وولده وأهله وماله حتى يخرج من الدّنيا وليس له عند الله خير ومن يعلم مثقال ذرة شراً يره من مؤمن يرى عقوبته في الدّنيا في نفسه، وماله، وولده وأهله حتى يخرج من الدّنيا وليس له عند الله شر قيل نزلت هذه الآية في رجلين وذلك أنه لما نزلت {ويطعمون الطعام على حبه} وكان أحدهما يأتيه السائل، فيستقل أن يطعمه التّمرة والكسرة، والجوزة ونحو ذلك ويقول هذا ليس بشيء يؤجر عليه إنما يؤجر على ما يعطي ونحن نحبه، وكان الآخر يتهاون بالذّنب الصّغير مثل الكذبة والنظرة وأشباه ذلك ويقول إنما وعد الله النار على الكبائر وليس في هذا، إثم فأنزل الله هذه الآية يرغبهم في القليل من الخير أن يعطوه فإنه يوشك أن يكثر ويحذرهم من اليسير من الذّنب، فإنه يوشك أن يكبر والإثم الصغير في عين صاحبه يصير مثل الجبل العظيم يوم القيامة قال ابن مسعود: أحكم آية في القرآن {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} وسمي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية الجامعة الفاذة حين سأل عن زكاة الحمير، فقال: «ما أنزل الله فيها شيئاً إلا هذه الآية الجامعة الفاذة»، {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} وتصدق عمر بن الخطاب وعائشة كل واحد منهما بحبة عنب، وقالا فيها مثاقيل كثيرة، قلت إنما كان غرضهما تعليم الغير وإلا فهما من كرماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقال الربيع بن خيثم: مر رجل بالحسن وهو يقرأ هذه السّورة فلما بلغ آخرها قال حسبي الله قد انتهت الموعظة، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

.سورة العاديات:

.تفسير الآيات (1- 4):

{وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)}
قوله عزّ وجلّ: {والعاديات ضبحاً} فيه قولان أحدهما، أنها الإبل في الحج قال عليّ كرم الله وجهه: هي الإبل تعدو من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منى، وعنه قال كانت أول غزاة في الإسلام بدراً، وما كان معنا إلا فرسان فرس للزّبير، وفرس للمقداد بن الأسود، فكيف تكون العاديات؟ فعلى هذا القول يكون معنى ضبحها مد أعناقها في السير وأصله من حركة النار في العود. {فالموريات قدحاً} يعني أن أخفاف الإبل ترمي بالحجارة من شدة عدوها فيضرب الحجر حجراً آخر فيوري النّار، وقيل هي النيران بجمع {فالمغيرات صبحاً} يعني الإبل تدفع بركبانها يوم النّحر من جمع إلى منى والسنة أن لا يدفع حتى يصبح والإغارة سرعة السير، ومنه قولهم أشرق ثبير كيما نغير {فأثرن به نقعاً} أي هيجن بمكان سيرها غباراً.

.تفسير الآيات (5- 11):

{فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}
{فوسطن به جمعاً} أي وسطن بالنقع جمعاً وهو مزدلفة، فوجه القسم على هذا أن الله تعالى أقسم بالإبل لما فيها من المنافع الكثيرة، وتعريضه بإبل الحج للتّرغيب وفيه تقريع لمن لم يحج بعد القدرة عليه، فإن الكنود هو الكفور، ومن لم يحج بعد الوجوب موصوف بذلك القول الثاني في تفسير والعاديات، قال ابن عباس وجماعة هي الخيل العادية في سبيل الله والضبح صوت أجوافها إذا غدت قال ابن عباس: وليس شيء من الحيوانات يضبح سوى الفرس، والكلب، والثعلب، وإنما تضبح هذه الحيوانات إذا تغير حالها من فزع أو تعب، وهو من قول العرب ضبحته النّار إذا غيرت لونه، {فالموريات قدحاً} يعني أنها توري النّار بحوافرها إذا سارت في الحجارة، وقيل هي الخيل تهيج الحرب ونار العداوة بين فرسانها وقال ابن عباس: هي الخيل تغزو في سبيل الله ثم تأوي باللّيل فيوري أصحابها ناراً، ويصنعون طعامهم، وقيل هو مكر الرّجال في الحرب، والعرب تقول إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه أما والله لأقدحن لك ثم لأورين لك، {فالمغيرات صبحاً} يعني الخيل تغير بفرسانها على العدو عند الصّباح لأن النّاس في غفلة في ذلك الوقت عن الاستعداد، {فأثرن به} أي بالمكان {نقعاً} أي غباراً {فوسطن به جمعاً} أي دخلن به أي بذلك النّقع وهو الغبار، وقيل صرن بعدوهن وسط جمع العدو، وهم الكتيبة وهذا القول في تفسير هذه الآيات أولى بالصّحة، وأشبه بالمعنى، لأن الضبح من صفة الخيل، وكذا إيراء النار بحوافرها، وإثارة الغبار أيضاً، وإنما أقسم الله بخيل الغزاة لما فيها من المنافع الدينية، والدنيوية، والأجر، والغنيمة، وتنبيهاً على فضلها، وفضل رباطها في سبيل الله عزّ وجلّ، ولما ذكر الله تعالى المقسم به ذكر المقسم عليه. فقال تعالى: {إن الإنسان لربه لكنود} أي لكفور وهو جواب القسم قال ابن عباس: الكنود الكفور الجحود لنعمة الله تعالى، وقيل الكنود هو العاصي، وقيل هو الذي يعد المصائب، وينسى النّعم، وقيل هو قليل الخير مأخوذ من الأرض الكنود، وهي التي لا تنبت شيئاً، وقال الفضيل بن عياض الكنود: الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإساءة الخصال الكثيرة من الإحسان، وضده الشّكور الذي أنسته الخصلة الواحدة من الإحسان الخصال الكثيرة من الإساءة {وإنه على ذلك لشهيد} قال أكثر المفسرين: وإن الله على كونه كنود الشّاهد، وقيل الهاء راجعة إلى الإنسان، والمعنى أنه شاهد على نفسه بما صنع {وإنه} يعني الإنسان {لحب الخير} أي المال {لشديد} أي لبخيل والمعنى أنه من أجل حب المال لبخيل، وقيل معناه وإنه لحب المال وإيثار الدّنيا لقوي شديد {أفلا يعلم} يعني هذا الإنسان {إذا بعثر} أي أثير وأخرج {ما في القبور} يعني من الموتى {وحصل ما في الصدور} أي ميز وأبرز ما فيها من الخير والشر {إن ربهم بهم} أي جمع الكناية لأن الإنسان اسم جنس {يومئذ لخبير} أي عالم والله تعالى خبير بهم في ذلك اليوم، وفي غيره، ولكن المعنى أنه يجازيهم في ذلك اليوم على كفرهم وإنما خص أعمال القلوب بالذّكر في قوله، {وحصل ما في الصّدور} لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب، فإنه لولا البواعث والإرادات التي في القلوب لما حصلت أعمال الجوارح والله أعلم.

.سورة القارعة:

.تفسير الآيات (1- 11):

{الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)}
قوله عزّ وجلّ: {القارعة} أصل القرع الصّوت الشّديد، ومنه قوارع الدّهر أي شدائده، والقارعة من أسماء القيامة. سميت بذلك لأنها تقرع القلوب بالفزع، والشدائد وقيل سميت قارعة بصوت إسرافيل لأنه إذا نفخ في الصور مات جميع الخلائق من شدة صوت نفخته، {ما القارعة} تهويل وتعظيم، والمعنى أنها فاقت القوارع في الهول والشّدة {وما أدراك ما القارعة} معناه لا علم لك بكنهها لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها فهم أحد وكيفما قدرت أمرها فهي أعظم من ذلك {يوم يكون الناس كالفراش المبثوث} الفراش هذه الطير التي تراها تتهافت في النار سميت بذلك لفرشها، وانتشارها، وإنما شبه الخلق عند البعث بالفراش، لأن الفراش إذا ثار لم يتجه لجهة واحدة. بل كل واحدة تذهب إلى غير جهة الأخرى، فدل بهذا التشبيه على أن الخلق في البعث يتفرقون، فيذهب كل واحد إلى غير جهة الآخر، والمبثوث المتفرق، وشبههم أيضاً بالجراد فقال: كأنهم جراد منتشر وإنما شبههم بالجراد لكثرتهم قال الفراء: كغوغاء الجراد يركب بعضه بعضاً فشبه الناس عند البعث بالجراد لكثرتهم بموج بعضهم في بعض، ويركب بعضهم بعضاً من شدة الهول. {وتكون الجبال كالعهن المنفوش} أي كالصّوف المندوف، وذلك لأنها تتفرق أجزاؤها في ذلك اليوم حتى تصير كالصّوف المتطاير عند الندف، وإنما ضم بين حال الناس وحال الجبال، كأنه تعالى نبه على تأثير تلك القارعة في الجبال العظيمة الصّلدة الصّلبة حتى تصير كالعهن المنفوش، فكيف حال الإنسان الضّعيف عند سماع صوت القارعة ثم لما ذكر حال القيامة قسم الخلق على قسمين فقال تعالى: {فأما من ثقلت موازينه} يعني رجحت موازين حسناته قيل هو جمع موزون، وهو العمل الذي له قدر وخطر عند الله تعالى، وقيل هو جمع ميزان وهو الذي له لسان وكفتان توزن فيه الأعمال فيؤتى بحسنات المؤمن في أحسن صورة فتوضع في كفة الميزان، فإن رجحت فالجنة له ويؤتى بسيئات الكافر في أقبح صورة فتخف ميزانه، فيدخل النار، وقيل إنما توزن أعمال المؤمنين فمن ثقلت حسناته على سيئاته دخل الجنة، ومن ثقلت سيئاته على حسناته دخل النار، فيقتص منه على قدرها ثم يخرج منها، فيدخل الجنة أو يعفو الله عنه بكرمه، فيدخل الجنة بفضل الله وكرمه، ورحمته، وأما الكافرون فقد قال: في حقهم {فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} روى عن أبي بكر الصّديق أنه قال: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة بإتباعهم الحق في دار الدّنيا، وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدّنيا وخفته عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الباطل غداً أن يكون خفيفاً.

.سورة التكاثر:

.تفسير الآيات (1- 2):

{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)}
قوله عزّ وجلّ: {ألهاكم التكاثر} أي شغلتكم المفاخرة، والمباهاة، والمكاثرة بكثرة المال، والعدد، والمناقب عن طاعة الله ربكم، وما ينجيكم من سخطه، ومعلوم أن من اشتغل بشيء أعرض عن غيره، فينبغي للمؤمن العاقل أن يكون سعيه وشغله في تقديم الأهم وهو ما يقربه من ربه عزّ وجلّ. فالتفاخر بالمال والجاه والأعوان، والأقرباء تفاخر بأخس المراتب، والاشتغال به يمنع الإنسان من الاشتغال بتحصيل السّعادة الأخروية التي هي سعادة الأبد، ويدل على أن المكاثرة، والمفاخرة بالمال مذمومة، ما روي عن مطرف بن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ هذه الآية: {ألهاكم التكاثر} فقال: «يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما تصدقت فأمضيت أو أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت» أخرجه التّرمذي وقال حديث حسن صحيح.
(خ) عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد يتبعه ماله وأهله وعمله فيرجع أهله وماله ويبقى عمله».
{حتى زرتم المقابر} أي حتى متم ودفنتم في المقابر يقال لمن مات زار قبره وزار رمسه، فيكون معنى الآية ألهاكم حرصكم على تكثير أموالكم عن طاعة ربكم حتى أتاكم الموت، وأنتم على ذلك قيل نزلت هذه الآية في اليهود، قالوا نحن أكثر من بني فلان، وبنو فلان أكثر من بني فلان، شغلهم ذلك حتى ماتوا ضلالاً، وقيل نزلت في حيين من قريش، وهما بنو عبد مناف، وبنو سهم بن عمرو، وكان بينهم تفاخر فتعادوا القادة، والأشراف أيّهم أكثر فقال بنو عبد مناف نحن أكثر سيداً، وأعز عزيزاً، وأعظم نفراً، وأكثر عدداً، وقال بنو سهم مثل ذلك، فكاثرهم بنو بعد مناف، ثم قالوا نعد موتانا فعدوا الموتى حتى زار والقبور، فعدوهم فقالوا هذا قبر فلان وهذا قبر فلان فكثرهم بنو سهم بثلاثة أبيات لأنهم كانوا في الجاهلية أكثر عدداً فأنزل الله هذه الآية، وهذا القول أشبه بظاهر القرآن لأن قوله: {حتى زرتم المقابر} يدل على أمر مضى، فكأنه تعالى يعجبهم من أنفسهم ويقول مجيباً هب إنكم أكثر عدداً، فماذا ينفع.

.تفسير الآيات (3- 8):

{كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
{كلا} أي ليس الأمر كما يتوهمه هؤلاء بالتكاثر والتّفاخر، وقيل المعنى حقاً {سوف تعلمون} وعيد لهم {ثم كلا سوف تعلمون} كرره توكيداً والمعنى سوف تعلمون عاقبة تكاثركم وتفاخركم إذا نزل بكم الموت، فهو وعيد بعد وعيد، وقيل معناه كلا سوف تعلمون يعني الكافرين ثم كلا سوف تعلمون يعني المؤمنين وصاحب هذا القول يقرأ الأولى بالياء والثانية بالتاء. {كلا لو تعلمون علم اليقين} أي علماً يقيناً وجواب لو محذوف والمعنى لو تعلمون علماً يقيناً لشغلكم ما تعلمون عن التكاثر والتّفاخر، قال قتادة كنا نحدث أن علم اليقين أن يعلم أن الله باعثه بعد الموت {لترون الجحيم} اللام تدل على أنه جواب قسم محذوف والقسم لتوكيد الوعيد، وإن ما أوعدوا به لا يدخله شك ولا ريب، والمعنى أنكم ترون الجحيم بأبصاركم بعد الموت {ثم لترونها} يعني مشاهدة {عين اليقين} وإنما كرر الرّؤية لتأكيد الوعيد {ثم لتسألن يومئذ عن النّعيم} يعني أن كفار مكة كانوا في الدّنيا في الخير والنعمة، فيسألون يوم القيامة عن شكر ما كانوا فيه لأنهم لم يشكروا رب النّعيم حيث عبد وا غيره ثم يعذبون على ترك الشكر، وذلك لأن الكفار لما ألهاهم التكاثر بالدّنيا، والتّفاخر بلذاتها عن طاعة الله والاشتغال بشكره سألهم عن ذلك، وقيل إن هذا السّؤال يعم الكافر، والمؤمن، وهو الأولى لكن سؤال الكافر توبيخ، وتقريع لأنه ترك شكر ما أنعم الله به عليه، والمؤمن يسأل سؤال تشريف وتكريم لأنه شكر ما أنعم الله به عليه، وأطاع ربه فيكون السّؤال في حقه تذكرة بنعم الله عليه. يدل على ذلك ما روي عن الزّبير قال لما نزلت {ثم لتسألن يومئذ عن النعيم} قال الزبير: «يا رسول الله وأي نعيم نسأل عنه وإنما هما الأسودان التّمر والماء قال: أما أنه سيكون» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن واختلفوا في النعيم الذي يسأل البعد عنه، فروي عن ابن مسعود رفعه قال لتسألن يومئذ عن النّعيم قال الأمن، والصحة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له ألم نصح لك جسمك ونروك من الماء البارد» أخرجه التّرمذي وقال حديث غريب.
(م) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال صلى الله عليه وسلم ما أخرجكما من بيوتكما هذه السّاعة، قالا الجوع يا رسول الله قال وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، فقوموا فقاموا معه فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته فلما رأته المرأة قالت مرحباً وأهلاً، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أين فلان قالت ذهب يستعذب لنا الماء إذا جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه ثم قال: الحمد لله ما أحد اليوم أكرم أضيافاً مني قال فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر، وتمر، ورطب فقال: كلوا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك والحلوب، فذبح لهم شاة فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا فلما شبعوا ورووا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النّعيم يوم القيامة أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لم ترجعوا حتى أصابكم هذا النّعيم».