فصل: تفسير الآيات (141- 143):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (141- 143):

{وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)}
{وليمحص الله الذين آمنوا} أي وليطهرهم من ذنوبهم ويزيلها عنهم وأصل المحص في اللغة التنقية والإزالة {ويمحق الكافرين} أي يفنيهم ويهلكهم ومعنى الآية إن قتلكم الكافرون فهو شهادة وتطهير لكم وإن قتلتموهم أنتم فهو محقهم واستئصالهم.
قوله عز وجل: {أم حسبتم} أي بل حسبتم وظننتم والمراد به الإنكار والمعنى لا تحسبوا أيها المؤمنون {أن تدخلوا الجنة} وتنالوا كرامتي وثوابي {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} قال الإمام فخر الدين الرازي: ظاهر الآية يدل على وقوع النفي على العلم والمراد وقوعه على نفي المعلوم والتقدير: أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يصدر الجهاد عنكم وتقديره إن العلم متعلق بالمعلوم كما هو عليه فلما حصلت هذه المطابقة لا جرم حسن إقامة كل واحد منهما مقام الآخر وقال الواحدي النفي في الآية واقع على العلم والمعنى على الجهاد دون العلم وذلك لما فيه من الإيجاز في انتفاء جهاد لو كان لعلمه والتقدير: ولما يكن المعلوم من الجهاد الذي أوجب عليكم فجرى النفي على العلم للإيجاز على سبيل التوسع في الكلام إذ المعنى مفهوم من غير إخلال. وقال الزجاج: المعنى ولما يقع العلم بالجهاد والعلم بصبر الصابرين أي ولما يعلم الله ذلك واقعاً منكم لأنه يعلمه غيباً وإنما يجازيهم على عملهم وقال الطبري يقول ولما يتبين لعبادي المؤمنين المجاهد منكم على ما أمرته به {ويعلم الصابرين} يعني في الحرب وعلى ما نالهم في ذات الله عز وجل من جراح وألم ومكروه وفي هذه الآية معاتبة لمن انهزم يوم أحد والمعنى أم حسبتم أيها المهزمون أن تدخلوا الجنة كما دخلها الذين قتلوا وبذلوا مهجهم لربهم عز وجل وصبروا على ألم الجراح والضرب وثبتوا لعدوهم من غير أن تسلكوا طريقهم وتصبروا صبرهم.
قوله تعالى: {ولقد كنتم تمنون من قبل أن تلقوه} قال ابن عباس: لما أخبر الله عز وجل المؤمنين على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بما فعل بشهدائهم يوم بدر من الكرامة رغبوا في ذلك فتمنّوا قتالاً يستشهدون فيه فيلحقون بإخوانهم فأراهم الله يوم أحد فلم يلبثوا أن أنهزموا إلاّ من شاء الله منهم فأنزل الله هذه الآية وقيل إن قوماً من المسلمين تمنّوا يوماً كيوم بدر ليقاتلوا فيه ويستشهدوا فأراهم الله يوم أحد ومعنى قوله له تمنون الموت أي تطلبون أسباب الموت وهو القتال والجهاد من قبل أن تلقوه أي من قبل من تلقوا يوم أحد {فقد رأيتموه} يعني رأيتم ما كنتم تتمنّون والهاء في رأيتموه عائدة على الموت أي رأيتم أسبابه معاينين له شاهدين قتل من قتل من إخوانكم بين أيديكم {وأنتم تنظرون} قيل ذكره تأكيداً. وقال الزجاج: معناه فقد رأيتموه وأنتم بصراء كما تقول: رأيت كذا وكذا وليس في عينك علة أي رأيته رؤية حقيقية وقيل: معناه وأنتم تنظرون ما تمنيتم فلم انهزمتهم.

.تفسير الآية رقم (144):

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)}
قوله عز وجل: {وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل} قال أهل المغازي خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بالشعب من أحد في سبعمائة رجل وجعل عبد الله بن جبير على الرجالة وكانوا خمسين رجلاً وقال: «أقيموا بأصل الجبل وانضحوا عنا بالنبل حتى لا يأتونا من خلفنا فإن كانت لنا أو علينا لا تبرحوا من مكانكم حتى أرسل إليكم فأنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم» وكانت قريش على ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن أبي جهل ومعهم النساء يضربن بالدفوف وينشدن الأشعار فقاتلوا حتى حميت الحرب وحمل النبي صلى الله عليه وسلم فهزموهم وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ سيفاً وقال: «من يأخذ هذا السيف بحقه ويضرب به العدو حتى يثخن» فأخذه أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري فلما أخذه اعتم بعمامة حمراء وجعل يتبختر في مشيته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لمشية يبغضها الله تعالى ورسوله إلاّ في هذا الموضع» فلما نظرت الرماة إلى المشركين وقد انكشفوا ورأوا أصحابهم ينهبون الغنيمة أقبلوا يريدون النهب، فلما رأى خالد بن الوليد قلة الرماة اشتغال المسلمين بالغنيمة ورأى ظهورهم خالية صاح في خيله وحمل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهزموهم ورمى عبد الله بن قميئة رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر أنفه ورباعيته وشجه في وجهه فأثقله وتفرق عنه أصحابه ونهض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صخرة ليعلوها فلم يستطع وكان قد ظاهر بين درعين فجلس تحته طلحة فنهض حتى استوى على الصخرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أوجب طلحة» ووقعت هند والنسوة معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت من ذلك قلائد وأعطتها وحشياً وبقرت عن كبد حمزة رضي الله تعالى عنه وكان قد قتل يومئذٍ فأخذت منها قطعة فلاكتها فلم تسغها فلفظتها وأقبل عبد الله بن قميئة يريد قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذب عنه مصعب بن عمير رضي الله عنه وهو يومئذٍ صاحب راية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتله ابن قميئة وهو يرى أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع وقال: إني قد قتلت محمداً وصاح صارخاً ألا إن محمداً قد قتل ويقال إن الصارخ إبليس اللعين فانكفأ الناس وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إليَّ عباد الله إليَّ عباد الله» فاجتمع إليه ثلاثون رجلاً فحموه حتى كشفوا عنه المشركين ورمى سعد بن أبي وقاص حتى اندقت سية قوسه ونثل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته وقال: «ارم فداك أبي وأمي» وكان أبو طلحة رجلاً رامياً شديد النزع كسر يومئذٍ قوسين أو ثلاثة وكان الرجل يمر معه جعبة النبل فيقول: «انثرها لأبي طلحة» وكان إذا رمى تشرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصيبت عين قتادة بن النعمان يومئذٍ حتى وقعت وجنته فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فعادت أحسن ما كانت فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه أبي بن خلف الجمحي وهو يقول لانجوت إن نجوت فقال: القوم يا رسول الله ألا تعطف عليه رجل منا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دعوه» حتى إذا دنا منه وكان أبي قبل ذلك يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول عندي رمكة أعلفها كل يوم فرق ذرة أقتلك عليها فقال رسول الله عليه وسلم: «بل أنا أقتلك إن شاء الله» فلما دنا منه تناول رسول الله الحربة من الحارث بن الصمة ثم استقبله وطعنه في عنقه وخدشه خدشه فسقط عن فرسه وهو يخور كما يخور الثور ويقول قتلني محمد. فاحتمله أصحابه وقالوا ليس عليك بأس بل لو كانت هذه الطعنة بربيعة ومضر لقتلتهم أليس قال لي أنا أقتلك؟ فلو بزق عليّ بعد تلك المقالة لقتلني بها فلم يلبث بعد ذلك إلاّ يوماً حتى مات بموضع يقال له سرف.
(خ) عن ابن عباس قال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشتد غضب الله على من قتله نبي في سبيل الله اشتد غضب الله على قوم أدموا وجه نبي الله» قالوا وفشا في الناس أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد قُتِلَ فقال: بعض المسلمين ليت لنا رسولاً إلى عبد الله بن أبي فيأخذ لنا أماناً من أبي سفيان وجلس بعض الصحابة وألقوا ما بأيديهم وقال أناس من المنافقين إن كان محمد قد قتل فألحقوا بدينكم الأول وقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: يا قوم إن كان محمد قد قتل فإن رب محمد لم يقتل وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء يعني المسلمين وأبرأ إليك مما جاء به هؤلاء يعني المشركين ثم شد بسيفه فقاتل حتى قتل. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق إلى الصخرة وهو يدعو الناس فأول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك قال قد عرفت عينيه تزهران تحت المغفرة فناديت بأعلى صوتي يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشار إلي أن أسكت فانحازت إليه طائفة من أصحابه فلامهم النبي صلى الله عليه وسلم على الفرار فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا أتانا الخبر بأنك قد قتلت فرعبت قلوبنا فولّينا مدبرين فأنزل الله عز وجل: {وما محمد إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل} ومعنى الآية فسيخلو محمد كما خلت الرسل من قبله فكما أن أتباعهم بقوا متمسكين بدينهم بعد خلو أنبيائهم فعليكم أنتم تتمسكوا بدينه بعد خلوه لأن الغرض من بعث الرسول تبليغ الرسالة وإلزام الحجة لا وجوده بين ظهراني قومه ومحمد اسم علم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه إشارة إلى وصفه بذلك وتخصيصه بمعناه وهو الذي كثرت خصاله المحمودة والمستحق جميع المحامد لأنه الكامل في نفسه صلى الله عليه وسلم فأكرم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم فسماه باسمين مشتقين من اسمه المحمود سبحانه وتعالى فسماه محمداً وأحمد وفي ذلك يقول حسان بن ثابت:
ألم تر أن الله أرسل عبد ه ** ببرهانه والله أعلى وأمجد

أغر عليه للنبوة خاتم ** من الله مشهور يلوح ويشهد

وشق له من اسمه ليجله ** فذو العرش من محمود وهذا محمد

(ق) عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب» والعاقب الذي ليس بعده نبي وسماه الله رؤوفاً رحيماً.
(م) عن أبي موسى الأشعري قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء فقال: «أنا محمد وأنا أحمد وأنا المقفى ونبي التوبة ونبي الرحمة» قوله المقفى هو آخر الأنبياء الذي لا نبي بعده والرسول هو المرسل ويكون بمعنى الرسالة والمراد به هنا المرسل بدليل قوله تعالى: {وإنك لمن المرسلين} {أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم} يعني أتنقلبون على أعقابكم إن مات محمد أو قتل وترجعون إلى دينكم الأول يقال لكل من رجع إلى ما كان عليه رجع وراءه ونكص على عقبيه وحاصل الكلام إن الله تعالى بيّن أن موت محمد صلى الله عليه وسلم أو قتله لا يوجب ضعفاً في دينه ولا الرجوع عنه بدليل موت سائر الأنبياء قبله وأن أتباعهم ثبتوا على دين أنبيائهم بعد موتهم {ومن ينقلب على عقبيه} يعني فيرتد عن دينه ويرجع إلى الكفر {فلن يضر الله شيئاً} يعني بارتداده لأن الله تعالى لا يضره كفر الكافرين لأنه تعالى غني عن العالمين وإنما يضر المرتد والكافر نفسه {وسيجزي الله الشاكرين} يعني الثابتين على دينهم الذين لم ينقلبوا عنه لأنهم شكروا نعمة الله عليهم بالإسلام وثباتهم عليه فسماهم الله شاكرين لما فعلوا والمعنى وسيثيب الله من شكره على توفيقه وهدايته وروى ابن جبير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله: {وسيجزي الله الشاكرين} قال الثابتين على دينهم أبا بكر وأصحابه وكان علي يقول أبو بكر أمين الشاكرين وأمين أخبار الله وكان أشكرهم وأحبهم إلى الله تعالى.

.تفسير الآيات (145- 146):

{وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145) وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)}
قوله عز وجل: {وما كان لنفس أن تموت إلاّ بإذن الله} أي بأمر الله وقضائه وقدره وعلمه وذلك أن الله تعالى يأمر ملك الموت بقبض الأرواح فلا يموت أحد إلاّ بإذن الله تعالى وأمره والمراد من الآية تحريض المؤمنين على الجهاد وتشجيعهم على لقاء العدو بإعلامهم بأن الجبن لا ينفع وأن الحذر لا يدفع المقدور وأن أحداً لا يموت قبل أجله وإن خاض المهالك واقتحم المعارك وإذا جاء الأجل لم يدفع الموت بحيلة فلا فائدة في الخوف والجبن. وفي الآية أيضاً ذكر حفظ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عند غلبة العدو وتخليصه منهم عند التفافهم عليه وإسلام أصحابه له فأنجاه الله تعالى من عدوه سالماً مسلماً لم يضره شيء {كتاباً مؤجلاً} يعني مؤقتاً له أجل معلوم لا يتقدم ولا يتأخر. والمعنى أن الله تعالى كتب لكل نفس أجلاً لا يقدر أحد على تغييره أو تقديمه أو تأخيره وقيل الكتاب هو اللوح المحفوظ لأن فيه آجال جميع الخلق {ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها} يعني من يرد بعمله وطاعته الدنيا ويعمل لها نؤته منها ما يكون جزاء لعمله والمعنى نؤته منها ما نشاء على ما قدرناه له نزلت في الذين تركوا المركز يوم أحد وطلبوا الغنيمة {ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها} يعني من يرد بعمله الاخرة نؤته ثوابه فيها نزلت في الذين ثبتوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد. واعلم أن هذه الآية وإن نزلت في الجهاد خاصة لكنها عامة في جميع الأعمال ذلك لأن الأصل في ذلك كله يرجع إلى نية العبد فإن كان يريد بعمله الدنيا فليس له جزاء إلاّ فيها وكذلك من أراد بعمله الدار الآخرة فجزاؤه أيضاً فيها.
(ق) عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما الأعمال بالنيات» وفي رواية «بالنية وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها»، وفي رواية «ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه» وروى البغوي بسنده عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت نيته طلب الآخرة جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا راغمة وما كانت نيته طلب الدنيا جعل الله الفقر بن عينيه وشتت عليه أمره ولا يأتيه منها إلاّ ما كتب الله له».
وقوله تعالى: {وسنجزي الشاكرين} يعني المؤمنين المطيعين الذين لم يشغلهم شيء عن الجهاد ولم يريدوا بأعمالهم إلاّ الله تعالى والدار الآخرة.
قوله عز وجل: {وكأين من نبي} أي وكم من نبي {قتل معه} وقرئ قاتل معه فمن قرأ قتل بضم القاف فله أوجه: أحدها أن يكون القتل راجعاً على النبي وحده فعلى هذا يكون الوقف على قتل لأنه كلام تام وفيه إضمار تقديره قتل ومعه ربيون كثير. ويكون معناه قتل حال ما كان معه ربيون كثير والمعنى أن كثيراً من الأنبياء قتلوا والذين بقوا بعدهم ما وهنوا في دينهم وما استكانوا بل استمروا على جهاد عدوهم ونصرة دينهم فكان ينبغي لكم أن تكونوا مثلهم. الوجه الثاني أن القتل نال النبي ومن معه من الربيين ويكون أن المراد البعض ويكون قوله: {فما وهنوا} راجعاً إلى الباقين والمعنى وكأينٍ من نبي قتل وبعض من كان معه فما ضعف الباقون لقتل من قتل من إخوانهم بل مضوا على جهاد عدوهم فكان ينبغي لكم أن تكونوا كذلك. الوجه الثالث أن يكون القتل نال الربيين لا النبي والمعنى وكأيٍّ من نبي قتل من كان معه وعلى دينه ربيون كثير ومن قرأ قاتل معه ربيون كثير أصابهم بل استمروا على جهاد عدوهم لأن الذي أصابهم إنما هو في سبيل الله وطاعته وإقامة دينه ونصرة نبيه فكان ينبغي لكم أن تفعلوا مثل ذلك يا أمة محمد، وحجة هذه القراءة ما روي عن سعيد بن جبير أنه قال ما سمعنا أن نبياً قُتِلَ في القتال وقوله: {ربيون كثير} قال ابن عباس جموع كثيرة وقيل الربيون الألوف وقيل الربية الواحدة عشرة آلاف وقيل ألف وقيل ربيون يعني فقهاء علماء وقيل الربيون هم الأتباع {فما وهنوا} أي فما جبنوا عن الجهاد في سبيل الله {لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا} يعني عن مجاهدة عدوهم بما نالهم من ألم الجراح وقتل الأصحاب {وما استكانوا} يعني وما استسلموا وما خضعوا لعدوهم ولكنهم صبروا على أمر ربهم وطاعة نبيهم وجهاد عدوهم وهذا تعريض بما أصابهم يوم أحد من الوهن والانكسار عند الارجاف بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وضعفهم عن مجاهدة المشركين واستكانتهم لهم حين أرادوا أن يعتضدوا بالمنافق عبد الله بن أبي في طلب الأمان من أبي سفيان والمقصود من الآية حكاية ما جرى لسائر الأنبياء وأتباعهم لتقتدي هذه الأمة بهم وترغيب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجهاد {والله يحب الصابرين} يعني في الجهاد، والمعنى أن من صبر على تحمل الشدائد في طلب الآخرة ولم يظهر الجزع والعجز فإن الله تعالى يحبه ومحبة الله تعالى للعبد عبارة عن إرادة إكرامه وإعزازه وإيصال الثواب له وإدخال الجنة مع أوليائه وأصفيائه.