فصل: تفسير الآيات (75- 76):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (75- 76):

{أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76)}
قوله عز وجل: {أفتطمعون} خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه هو الداعي إلى الإيمان وإنما ذكره بلفظ الجمع تعظيماً له، وقيل: هو خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأنهم كانوا يدعون إلى الإيمان أيضاً ومعنى أفتطمعون أفترجعون {أن يؤمنوا لكم} أي يصدقكم اليهود بما تخبرونهم وقيل: معناه أفتطمعون أن يؤمنوا لكم مع أنهم لم يؤمنوا بموسى عليه الصلاة والسلام وكان هو سبب في خلاصهم من الذل وظهور المعجزات على يده {وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله} قيل المراد بالفريق: هم الذين كانوا مع موسى يوم الميقات، وهم الذين سمعوا كلام الله تعالى، وقيل المراد بهم: الذي كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الأقرب لأن الضمير راجع إليهم في أفتطمعون أن يؤمنوا لكم، فعلى هذا يكون معنى يسمعون كلام الله يعني التوراة، لأنه يصح أن يقال لمن يسمع التوراة يسمع كلام الله {ثم يحرفونه} أي يغيرون كلام الله، ويبدلونه فمن فسر الفريق الذين يسمعون كلام الله بالفريق الذين كانوا مع موسى عليه السلام استدل بقول ابن عباس رضي الله عنهما إنها نزلت في السبعين الذين اختارهم موسى لميقات ربه، وذلك لأنهم لما رجعوا إلى قومهم بعد ما سمعوا كلام الله أما الصادقون منهم فإنهم أدوا كما سمعوا وقالت طائفة منهم: سمعنا الله يقول في آخر كلامه إن استطعتم أن تفعلوا فافعلوا وإن شئتم فلن تفعلوا، فكان هذا تحريفهم ومن فسر الفريق الذين كانوا يسمعون كلام الله بالذين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال كان تحريفهم تبديلهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم وآية الرجم في التوراة {من بعد ما عقلوه} أي علموا صحة كلام الله ومراده فيه ثم مع ذلك خالفوه {وهم يعلمون} أي فساد مخالفته ويعلمون أيضاً أنهم كاذبون. قوله عز وجل: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا} نزلت هذا الآية في اليهود، الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن منافقي اليهود كانوا إذا لقوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لهم: آمنا بالذي آمنتم به وإن صاحبكم صادق وقوله حق وإنا نجد نعته وصفته في كتابنا {وإذا خلا بعضهم إلى بعض} يعني كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا ورؤساء اليهود لاموا منافقي اليهود على ذلك و{قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم} يعني قص الله عليكم في كتابكم من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وأنه حق وقوله صدق {ليحاجوكم به} أي ليخاصمكم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويحتجوا عليكم بقولكم فيقولون لكم قد أقررتم أنه نبي حق في كتابكم لم لا تتبعونه، وذلك أن اليهود قالوا لأهل المدينة حين شاوروهم في إتباع محمد صلى الله عليه وسلم: آمنوا به فإنه نبي حق ثم لام بعضهم بعضاً، وقالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم لتكون لهم الحجة عليكم {عند ربكم} أي في الدنيا والآخرة وقيل: هو قول يهود بني قريظة بعضهم لبعض.
حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «يا إخوان القردة والخنازير» قالوا: من أخبر محمداً بهذا؟ هذا ما خرج إلا منكم وقيل: إن اليهود أخبروا المؤمنين بما عذبهم الله به من الجنايات. فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما قضى الله عليكم من العذاب ليروا الكرامة لأنفسهم عليكم عند الله {أفلا تعقلون} أي إن ذلك لا يليق بما أنتم عليه.

.تفسير الآيات (77- 79):

{أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (77) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}
{أولا يعلمون} يعني اليهود {أن الله يعلم ما يسرون} أي ما يخفون {وما يعلنون} أي ما يبدون وما يظهرون. قوله عز وجل: {ومنهم} أي من اليهود {أميون} أي لا يحسنون الكتابة ولا القراءة جمع أمي وهو المنسوب إلى أمه كأنه باق على ما انفصل من الأم لم يتعلم كتابة ولا قراءة {لا يعلمون الكتاب إلا أماني} جمع أمنية وهي التلاوة، ومنه قول الشاعر:
تمنى كتاب الله أول ليلة ** تمنى داود الزبور على رسل

أي تلا كتاب الله. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: معناه غير عارفين بمعاني كتاب الله تعالى وقيل الأماني الأحاديث الكاذبة المختلفة وهي الأشياء التي كتبها علماؤهم من عند أنفسهم وأضافوها إلى الله تعالى وذلك من تغيير نعت النبي صلى الله عليه وسلم وصفته وغير ذلك، وقيل: هو من التمني وهو قولهم: {لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة} وغير ذلك مما تمنوه فعلى هذا يكون المعنى لا يعلمون الكتاب. لكن يتمنون أشياء لا تحصل لهم {وإن هم إلا يظنون} أي على يقين {فويل} الويل كلمة تقولها العرب لكل من وقع في هلكة وأصلها في اللغة العذاب والهلاك وقال ابن عباس: الويل شدة العذاب وعن أبي سعيد الخدري. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الويل واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفاً قبل أن يبلغ قعره» أخرجه الترمذي وقال حديث غريب. الخريف سنة {للذين يكتبون الكتاب بأيديهم} تأكيد للكتابة لأنه يحتمل أن يأمر غيره بأن يكتب فقال: بأيديهم لنفي هذه الشبهة والمراد بالذين يكتبون الكتاب اليهود وذلك أن رؤساء اليهود خافوا ذهاب مآكلهم وزوال رياستهم حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فاحتالوا في تعويق سفلتهم عن الإيمان به فعمدوا إلى صفته في التوراة فغيروها، وكانت صفته فيها حسن الوجه حسن الشعر أكحل العينين ربعة فغيروا وكتبوا مكانه طوال أزرق العينين سبط الشعر فكانوا إذا سألهم سفلتهم عن ذلك قرأوا عليهم ما كتبوا {ثم يقولون هذا من عند الله} يعني هذه الصفة التي كتبوها. فإذا نظروا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى تلك وجدوه مخالفاً لها فيكذبونه ويقولون إنه ليس به {ليشتروا به} أي بما كتبوا {ثمناً قليلاً} أي المآكل والرشا التي كانوا يأخذونها من سفلتهم، قال الله تعالى: {فويل لهم بما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون}.

.تفسير الآيات (80- 81):

{وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
قوله عز وجل: {وقالوا} أي اليهود {لن تمسنا} أي لن تصيبنا {النار إلا أياماً معدودة} أي قدر مقدراً ثم يزول عنا العذاب قال ابن عباس: قالت اليهود: مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنا نعذب بكل ألف سنة يوماً ثم ينقطع عنا العذاب بعد سبعة أيام وقيل: إنهم عنوا بالأيام الأربعين يوماً التي عبد وا فيها العجل وقيل: إن اليهود زعموا أن الله تعالى عتب عليهم في أمر فأقسم ليعذبنهم أربعين يوماً تحلة القسم فقال الله رداً عليهم وتكذيباً لهم {قل} أي يا محمد لليهود {أتخذتم عند الله عهداً} أي موثقاً أن لا يعذبكم إلا هذه المدة {فلن يخلف الله عهده} أي وعده {أم تقولون على الله ما لا تعلمون بلى} إثبات لما بعد حرف النفي وهو قوله: {لن تمسنا النار} والمعنى بلى تمسكم النار أبداً {من كسب سيئة} السيئة اسم يتناول جميع المعاصي كبيرة كانت أو صغيرة، والسيئة هنا الشرك في قول ابن عباس {وأحاطت به خطيئته} أي أحدقت به من جميع جوانبه قال ابن عباس: هي الشرك يموت عليه صاحبه وقيل: أحاطت به أي أهلكته خطيئته وأحبطت ثواب طاعته فعلى مذهب أهل السنة يتعين تفسير السيئة والخطيئة في هذه الآية، بالكفر والشرك لقوله تعالى: {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} فإن الخلود في النار هو للكفار والمشركين.

.تفسير الآيات (82- 84):

{وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (84)}
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات}. فإن قلت: العمل الصالح خارج عن اسم الإيمان لأنه تعالى قال: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} فلو دل الإيمان على العمل الصالح لكان ذكر العمل الصالح بعد الإيمان تكراراً. قلت: أجاب بعضهم بأن الإيمان وإن كان يدخل فيه جميع الأعمال الصالحة إلا أن قوله: آمن لا يفيد إلا أنه فعل فعلاً واحداً من أفعال الإيمان فإذا حسن أن يقول: والذين آمنوا وعملوا الصالحات وقيل: إن قوله آمنوا يفيد الماضي وعملوا الصالحات يفيد المستقبل فكأنه تعالى قال آمنوا أولاً ثم داموا عليه آخراً ويدخل فيه جميع الأعمال الصالحات {أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} قوله عز وجل: {وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل} يعني في التوراة. والميثاق العهد الشديد {لا تعبد ون إلا الله} أي أمر الله تعالى بعبادته فيدخل تحته النهي عن عبادة غيره لأن الله تعالى هو المستحق للعبادة لا غيره {وبالوالدين إحساناً} أي براً بهما ورحمة لهما ونزولاً عند أمرهما فيما لا يخالف أمر الله تعالى ويوصل إليهما ما يحتاجان إليه، ولا يؤذيهما البتة وإن كانا كافرين بل يجب عليه الإحسان إليهما ومن الإحسان إليهما أن يدعوهما إلى الإيمان بالرفق واللين، وكذا إن كانا فاسقين يأمرهما بالمعروف بالرفق، واللين من غير عنف وإنما عطف بر الوالدين بر الوالدين على الأمر بعبادته، لأن شكر المنعم واجب، ولله على عبد ه أعظم النعم لأنه هو الذي خلقه وأوجده بعد العدم فيجب تقديم شكره على شكر، غيره ثم إن للوالدين على الولد نعمة عظيمة، لأنهما السبب في كون الولد ووجوده ثم إن لهما عليه حق التربية أيضاً فيجب شكرهما ثانياً {وذي القربى} أي القرابة لأن حق القرابة تابع لحق الوالدين والإحسان إليهم: إنما هو بواسطة الوالدين فلهذا حسن عطف القرابة على الوالدين {واليتامى} جمع يتيم وهو الذي مات أبوه وهو طفل صغير، فإذا بلغ الحلم زال عنه اليتم وتجب رعاية حقوق اليتيم لثلاثة أمور: لصغرة ويتمه ولخلوه، عمن يقوم بمصلحته إذ لا يقدر هو أن ينتفع بنفسه، ولا يقوم بحوائجه {والمساكين} جمع مسكين وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى وإنما تأخرت درجة المساكين عن اليتامى، لأنه قد يمكن أن ينتفع بنفسه وينفع غيره بالخدمة {وقولوا للناس حسناً} فيه وجهان: أحدهما: أنه خطاب للحاضرين من اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلهذا عدل من الغيبة إلى الحضور، والمعنى قولوا: حقاً وصدقاً في شأن محمد صلى الله عليه وسلم فمن سألكم عنه فأصدقوه وبينوا صفته ولا تكتموها قاله ابن عباس. الوجه الثاني إن المخاطبين به هم الذين كانوا في زمن موس عليه السلام، وأخذ عليهم الميثاق وإنما عدل من الغيبة إلى الحضور على طريق الالتفات كقوله: {حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} وقيل: فيه حذف تقديره وقلنا لهم: في الميثاق وقولوا: للناس حسناً ومعناه مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر وقيل هو اللين في القول والعشرة وحسن الخلق {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} ولما أمرهم الله تعالى بهذه التكاليف الثمانية لتكون لهم المنزلة عنده بما التزموا به أخبر عنهم أنهم ما وفوا بذلك بقوله تعالى: {ثم توليتم} أي أعرضتم عن العهد {إلا قليلاً منكم} يعني من الذين آمنوا كعبد الله بن سلام وأصحابه فإنهم وفوا بالعهد {وأنتم معرضون} أي كإعراض آبائكم.
قوله عز وجل: {وإذ أخذنا ميثاقكم} قيل: هو خطاب لمن كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من اليهود وقيل: هو خطاب لآبائهم وفيه تقريع لهم {لا تسفكون} أي لا تريقون {دماءكم} أي لا يسفك بعضكم دم بعض وقيل: معناه لا تسفكوا دماء غيركم فيسفك دماءكم فكأنكم أنتم سفكتم دماء أنفسكم {ولا تخرجون أنفسكم من دياركم} أي لا يخرج بعضكم بعضاً من داره، وقيل: لا تفعلوا شيئاً فتخرجوا بسببه من دياركم {ثم أقررتم} أي بهذا العهد أنه حق {وأنتم تشهدون} يعني أنتم يا معشر اليهود اليوم تشهدون على ذلك.

.تفسير الآية رقم (85):

{ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (85)}
{ثم أنتم هؤلاء} يعني يا هؤلاء اليهود {تقتلون أنفسكم} أي يقتل بعضكم بعضاً {وتخرجون فريقاً منكم من دياركم} أي يخرج بعضكم بعضاً من دياركم {تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان} أي تتعاونون عليهم بالمعصية والظلم {وإن يأتوكم اسارى} جمع أسير {تفادوهم} أي بالمال وهو استنقاذهم بالشراء، وقرئ تفادوهم أي تبادلوهم وهو مفاداة الأسير بالأسير، ومعنى الآية أن الله تعالى أخذ على بني إسرائيل في التوراة ان لا يقتل بعضهم بعضاً. ولا خرج بعضهم بعضاً من ديارهم وأيما عبد أو أمة من بني إسرائيل وجدتموه فاشتروه بما قام من ثمنه، وأعتقوه وكانت قريظة حلفاء الأوس والنضير حلفاء الخزرج، وكان بين الأوس والخزرج حروب فكانت بنو النضير تقاتل مع حلفائهم وبنو قريضة تقاتل مع حلفائهم فإذا غلب أحد الفريقين اخرجوهم من ديارهم وخربوها. وكان إذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له مالاً يفدونه به فعيرتهم العرب. وقالوا: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم؟ فقالوا: إنا أمرنا أن نفديهم فقالوا: كيف تقاتلونهم؟ فقالوا: إنا نستحي أن تذل حلفاؤنا فعيرهم الله تعالى فقال: {ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم} وفي الآية تقديم وتأخير تقديره وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان {وهو محرم عليكم إخراجهم} وإن يأتوكم أسارى تفدوهم فكان الله تعالى أخذ عليهم أربعة عهود ترك القتل وترك الإخراج وترك المظاهر مع أعدائهم وفك أسراهم فأعرضوا عن الكل إلا الفداء قال الله عز وجل: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} معناه إن وجدتموهم في يد غيركم فديتموهم وأنتم تقتلونهم بأيديكم فكان إيمانهم الفداء وكفرهم قتل بعضهم بعضاً فذمهم على مناقضة أفعالهم لا على الفداء لأنهم أتوا ببعض ما وجب عليهم وتركوا البعض {فما جزاء من يفعل ذلك منكم} يعني يا معشر اليهود {إلا خزي في الحياة الدنيا} أي عذاب وهوان فكان خزي بني قريظة القتل والسبي وخزي بني النضير الإجلاء والنفي من منازلهم إلى أريحاء وأذرعات من أرض الشام {ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب} يعني عذاب النار {وما الله بغافل عما تعملون} فيه وعيد وتهديد عظيم.