فصل: (تابع: حرفي الواو والياء)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لسان العرب ***


‏[‏تابع‏:‏ حرفي الواو والياء‏]‏

بذا‏:‏ البَذاء، بالمد‏:‏ الفُحْش‏.‏ وفلان بَذيُّ اللسان، والمرأَة

بَذِيَّةٌ، بَذُوَ بَذاءً فهو بَذِيّ، وقد تقدم في الهمز، وبَذَوْتُ على القوم

وأَبْذَيْتُهم وأَبْذَيْتُ عليهم‏:‏ من البَذاءِ وهو الكلام القبيح؛ وأَنشد

الأَصمعي لعمرو بن جَميلٍ الأَسَدِيّ‏:‏

مثل الشُّيَيْخ المُقْذَحِرِّ الباذِي، أَوفَى على رَباوَةٍ يُباذِي

قال ابن بري‏:‏ وفي المصنف بَذَوْتُ على القوم وأَبْذَيْتهم؛ قال آخر‏:‏

أُبْذي إذا بُوذِيتُ من كَلْبٍ ذَكَرْ

وقد بَذُوَ الرجلُ يَبْذُو بَذاءً، وأَصله بَذاءَةً فحذِفت الهاء لأن مصادر المضوم إنما هي بالهاء، مثل خَطُبَ خَطابة وصَلُب صَلابة، وقد تحذف

مثل جَمُل جَمالاً، قال ابن بري‏:‏ صوابه بَذاوَةً، بالواو، لأَنه من بَذُوَ، فأَما بَذاءة بالهمز فإنها مصدر بَذُؤَ، بالهمز، وهما لغتان‏.‏

وباذَأْتُه وباذَيْتُه أَي سافَهْتُه‏.‏ وفي الحديث‏:‏ البَذاءُ من الجَفاء؛ البَذاءُ، بالمد‏:‏ الفحش في القول‏.‏ وفي حديث فاطمة بنت قَيْسٍ‏:‏ بَذَتْ على

أَحمائها وكان في لسانها بعضُ البَذاءِ؛ قال‏:‏ وقد يقال في هذا الهمزُ وليس

بالكثير‏.‏ وبَذَا الرجلُ إذا ساء خُلقه‏.‏

وبَذْوَةُ‏:‏ اسم فرس؛ عن ابن الأَعرابي؛ وأَنشد‏:‏

لا أُسْلِمُ الدهرَ رأَسَ بَذْوَةَ، أَو

تلْقَى رجالٌ كأَنها الخُشُبُ

وقال غيره‏:‏ بَذْوَةُ فرس عَبَّاد بن خَلَف، وفي الصحاح‏:‏ بَذْوُ اسم فرسِ

أَبي سِراج؛ قال فيه‏:‏

إنَّ الجِيادَ على العِلاَّتِ مُتْعَبَةٌ، فإنْ ظلمناكَ بَذْوُ اليوم فاظَّلم قال ابن بري‏:‏ والصواب بَذْوَةُ اسم فرس أَبي سُواج، قال‏:‏ وهو أَبو سُواج

الضبّيّ، قال‏:‏ وصواب إنشاد البيت‏:‏ فإن ظلمناكِ بَذْوَ، بكسر الكاف، لأَنه يخاطب فرساً أُنثى وفتح الواو على الترخيم وإثبات الياء في آخره

فاظَّلِمِي؛ ورأَيت حاشية في أَمالي ابن بري منسوبة إلى معجم الشعراء

للمَرْزُبانيِّ قال‏:‏ أَبو سُواج الضبي اسمه الأَبيض، وقيل‏:‏ اسمه عَبَّاد بن خلف

أَحد بني عبد مَناة بن بكر بن سعد جاهلي، قال‏:‏ سابقَ صُرَدَ بن حمزة بن شداد اليربوعيَّ وهو عم مالك ومُتَمِّمٍ ابني نُوَيْرَة اليربوعي، فسبق أبو سُواج على فرس له تسمى بَذْوَة، وفرسُ صُرَدَ يقال له القَطيبُ، فقال سُواج في ذلك‏:‏

أَلم ترَ أَنَّ بَذْوَةَ إذْ جَرَيْنا، وجَدَّ الجِدُّ منَّا والقَطِيبا، كأَنَّ قَطِيبَهم يَتْلُو عُقاباً، على الصَّلْعاءِ، وازِمَةً طَلُوبا

الوَزِيمُ‏:‏ قِطَعُ اللحم‏.‏ والوازِمةُ‏:‏ الفاعلة للشَّيء، فشَريَ الشَّرُّ

بينهما إلى أَن احتال أَبو سُواج على صُرَدَ فسقاه مَنيَّ عَبْدِه

فانتفَخَ ومات؛ وقال أَبو سُواج في ذلك‏:‏

حَأحِيءْ بيَرْبُوعَ إلى المَنِيِّ، حَأْحَأَةً بالشارِقِ الحصيِّ

في بَطْنه حاره الصبيِّ، وشَيْخِها أَشْمَطَ حَنْظَليِّ‏.‏

فبنو يربوع يُعَيِّرُونَ بذلك، وقالت الشعراء فيه فأَكثروا، فمن ذلك قول

الأَخطل‏:‏

تَعِيبُ الخَمْرَ، وهي شرابُ كِسْرَى، ويشرَبُ قومُك العَجَبَ العَجِيبا

مَنيّ العبدِ، عَبْدِ أَبي سُواجٍ، أَحَقُّ من المُدامَةِ أَن تَعِيبا

قال ابن بري‏:‏ وأَنشد المفضل‏:‏

بنَفْسي ماءُ عَبْشَمْسِ بنِ سَعْدٍ، غَداةَ بَثاءَ، إذْ عَرَفُوا اليَقِينا

والبثاءُ‏:‏ الكثير الشَّحم‏.‏ والبَثِيُّ‏:‏ الكثيرُ المدحِ للناسِ

؛ قال شمر وقول أَبي عمرو‏:‏

لَمّا رأَيتُ البَطَلَ المُعاوِرا،

قُرَّةَ، يَمشِي بالبثاء حاسِرا

قال‏:‏ البَثاءُ المكان السهل‏.‏ والبِثى، بكسر الباء‏:‏ الرماد، واحدتها

بِثَةٌ مثلُ عِزَةٍ وعِزىً؛ قال الطرماح‏:‏

خَلا أَنَّ كُلْفاً بِتَخْريجها

سَفاسِقَ، حَولَ بِثىً، جانِحَه

أَراد بالكُلف الأَثافي المسودّة، وتخريجها‏:‏ اختلاف أَلوانها، وقوله حول

بِثىً، أَراد حول رماد‏.‏ الفراء‏:‏ هو الرّمْدِدُ، والبِثى يكتب بالياء، والصِّنى والصِّناءُ والضِّبحُ والأُسُّ بقيتُه وأَثره‏.‏

بزا‏:‏ بَزْوُ الشيء‏:‏ عِدْلُه‏.‏ يقال‏:‏ أَخذت منه بَزْوَ كذا وكذا أَي

عِدْلَ ذلك ونحو ذلك‏.‏

والبازي‏:‏ واحد البُزاةِ التي تَصِيدُ، ضَربٌ من الصُّقور‏.‏ قال ابن بري‏:‏

قال الوزير بازٍ وبَأْزٌ وبازِيّ على حدّ كرسيّ؛ قال ابن سيده‏:‏ والجمع بَوازٍ وبُزَاةٌ‏.‏ وبَزَا يَبْزُو‏:‏ تَطاوَلَ وتَأَنَّسَ، ولذلك قال ابن جني‏:‏

إن الباز فَلْعٌ منه‏.‏ التهذيب‏:‏ والبازِي يَبْزُو في تَطاوُله

وتأَنُّسِه‏.‏ البَزاءُ‏:‏ إنحناء الظَّهْرِ عند العَجُزِ في أَصل القَطَنِ، وقيل‏:‏ هو إشرافُ وَسَطِ الظهر على الاسْتِ، وقيل‏:‏ هو خروج الصدر ودخول الظهر، وقيل‏:‏

هو أَن يتأَخر العَجُز ويخرُج‏.‏ بَزِيَ وبَزا يَبْزُو، وهو أَبْزَى، والأُنثى بَزْواء‏:‏ للذي خرج صدره ودخل ظهره؛ قال كثيِّر‏:‏

رَأَتْني كأَشْلاء اللِّحامِ وبَعْلُها، من الحَيِّ، أَبْزى مُنْحَنٍ مُتَباطِنُ

وربما قيل‏:‏ هو أَبْزَى أَبْزَخ كالعجوز البَزواءِ والبَزْخاء التي إذا

مشت كأَنها راكعة وقد بَزِيَتْ بَزىً؛ وأَنشد‏:‏

بَزْوَاءُ مُقْبِلةً بَزْخاءُ مُدْبِرَةً، كأَنَّ فَقْحَتَها زِقٌّ به قارُ

والبَزْواءُ من النساء‏:‏ التي تُخْرِجُ عجيزتَها ليراها الناس‏.‏ وأَبْزَى

الرجلُ يُبْزِي إبْزَاءً إذا رفع عَجُزَه، وتَبازَى مثله؛ قال ابن بري‏:‏

وشاهد الأَبْزَى قول الراجز‏:‏

أَقْعَس أَبْزَى في اسْتِه تأْخيرُ

وفي حديث عبد الرحمن بن جُبَير‏:‏ لا تُبازِ كتَبازِي المرأَةِ؛ التَّبَازي أَن تحرك العَجُز في المشي، وهو من البَزَاء خروج الصدر ودخول الظهر، ومعنى الحديث فيما قيل‏:‏ لا تَنْحَنِ لكل أَحد‏.‏ وتَبازَى‏:‏ استعمل البَزاءَ؛ قال عبد الرحمن بن حسان‏:‏

سائلا مَيَّةَ هل نَبَّهْتُها، آخِرَ الليلِ، بعَرْدٍ ذي عُجَرْ

فتَبازَتْ، فتَبازَخْتُ لها، جِلْسةَ الجازِرِ يَسْتَنْجِي الوَتَرْ

وتَبَازَتْ أَي رَفَعَتْ مُؤَخِّرها‏.‏ التهذيب‏:‏ أَما البَزَاءُ فكأن العَجُز خرج حتى أَشرف على مؤَخر الفخذين، وقال في موضع آخر‏:‏ والبَزَا أن يَسْتَقْدِم الظهرُ ويستأْخر العَجُزُ فتراه لا يقدر أَن يقيم ظهره‏.‏

وقال ابن السكيت‏:‏ البَزَا أَن تُقْبِلَ العَجيزة‏.‏ وقد تَبَازَى إذا أَخرج

عجيزته والتَّبَزِّي‏:‏ أَن يستأْخر العجز ويستقدم الصدر‏.‏ وأَبزى الرجلُ‏:‏ رفع

مُؤخَّرَه؛ وأَنشد الليث‏:‏

لو كان عَيناك كَسَيْلِ الراويه، إذاً لأَبْزَيت بمَنْ أَبْزى بِيَهْ

أَبو عبيد‏:‏ الإبْزاءُ أَن يَرْفَعَ الرجلُ مؤخره‏.‏ يقال‏:‏ أَبْزَى

يُبْزِي‏.‏ والتَّبازِي‏:‏ سعَةُ الخَطْو‏.‏ وتَبازى الرجل‏:‏ تكثَّر بما ليس عنده‏.‏ ابن الأَعرابي‏:‏ البَزَا الصَّلَفُ‏.‏ وبَزَاه بَزْواً وأَبْزَى به‏:‏ قَهَرَه

وبَطَش به؛ قال‏:‏

جارِي ومَوْلايَ لا يُبْزَى حَرِيمُهُما، وصاحبِي من دَواعِي الشَّرِّ مُصْطَخِبُ

وأَما قول أَبي طالب يعاتب قريشاً في أَمر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمدحه‏:‏

كذَبْتُم، وحَقِّ اللهِ، يُبْزَى محمدٌ

ولما نُطاعِنْ دُونه ونُناضِل

قال شمر‏:‏ معناه يُقْهَر ويُسْتَذَلّ؛ قال‏:‏ وهذا من باب ضَرَرْتُه

وأَضْرَرْتُ به، وقوله يُبْزَى أَي يُقْهر ويغلب، وأَراد لا يُبْزَى فحذف لا من جواب القسم وهي مراده أَي لا يقهر ولم نُقاتل عنه ونُدافع‏.‏ ابن بري‏:‏ قال ابن خالويه البُزَةُ الفأْر والذَّكَرُ أَيضاً‏.‏

والبَزْوُ‏:‏ الغَلَبةُ والقَهْرُ، ومنه سمي البازي؛ قال الأَزهري‏:‏ قاله

المؤرخ؛ وقال الجَعْديّ‏:‏

فما بزَيَتْ من عُصْبَةٍ عامِرِيَّةٍ

شَهِدْنا لها، حتَّى تَفُوزَ وتَغْلِبا

أَي ما غَلَبَتْ‏.‏ وأَبْزَى فلان بفلان إذا غَلبه وقهره‏.‏ وهو مُبْزٍ بهذا

الأَمر أَي قويٌّ

عليه ضابط له‏.‏ وبُزِيَّ بالقوم‏:‏ غُلِبُوا‏.‏ وبَزَوْتُ فلاناً‏:‏ قهرته‏.‏

والبَزَوانُ، بالتحريك‏:‏ الوَثْبُ‏.‏ وبَزْوانُ، بالتسكين‏:‏ اسم رجل‏.‏

والبَزْواء‏:‏ اسم أَرض؛ قال كثيِّر عزة‏:‏

لا بَأْس بالبَزْواءِ أَرْضاً لو أنَّها

تُطَهَّرُ من آثارِهم فَتَطِيبُ

ابن بري‏:‏ البَزْواء، في شعر كثير‏:‏ صحراء بين غَيْقَةَ والجار شديدة

الحرّ؛ وقال الراجز‏:‏

لولا الأَماصِيخُ وحَبُّ العِشْرِقِ، لَمُتّ بالبَزْواء مَوَْتَ الخِرْنِقِ

وقال الراجز‏:‏

لا يَقْطَعُ البَزْواءَ إلا المِقْحَدُ، أَو ناقةٌ سَنامُها مُسَرْهَدُ

بسا‏:‏ التهذيب‏:‏ ابن الأَعرابي البَسِيَّةُ المرأَة الآنِسَة بزوجها‏.‏

بشا‏:‏ التهذيب‏:‏ ابن الأَعرابي بَشَا إذا حَسُنَ خُلُقُه‏.‏

بصا‏:‏ ما في الرَّماد بَصْوَةٌ أَي شَرَرَة ولا جَمْرَة‏.‏

وبَصْوَة‏:‏ اسم موضع؛ قال أَوس بن حُجْر‏:‏

مِن ماءِ بَصْوَةَ يوماً وهو مَجْهورُ

الفراء‏:‏ بَصَا إذا اسْتَقْصَى على غريمه‏.‏ أَبو عمرو‏:‏ البِصاءُ أن يَسْتَقْصِي الخِصاءَ، يقال منه‏:‏ خَصِيٌّ بَصِيٌّ‏.‏ وقال ابن سيده‏:‏ خَصِيٌّ

بصِيٌّ؛ حكاه اللحياني ولم يفسر بَصِيّاً، قال‏:‏ وأُراه إتباعاً‏.‏

وقال‏:‏ خَصاه اللهُ وبَصاه ولَصاه‏.‏

بضا‏:‏ ابن الأَعرابي‏:‏ بَضَا إذا أَقام بالمكان‏.‏

بطا‏:‏ حكى سيبويه البِطْيَةَ؛ قال ابن سيده‏:‏ ولا علم لي بموضعها إلا أن يكون أَبطيت لغة في أَبْطأْتُ كاحْبَنْطَيْتُ في احْبَنْطَأْتُ، فتكون

هذه صيغة الحال من ذلك، ولا يحمل على البدل لأَن ذلك نادر‏.‏

والباطِيَةُ‏:‏ إناء قيل هو معرَّب، وهو النَّاجُوذُ؛ قال الشاعر‏:‏

قَرَّبُوا عُوداً وباطِيةً، فَبِذا أَدْرَكْتُ حاجَتِيَهْ

وقال ابن سيده‏:‏ الباطِيَةُ النَّاجُودُ؛ قال‏:‏ وأَنشد أَبو حنيفة‏:‏

إنما لِقْحَتُنا باطيةٌ

جَوْنَةٌ يَتْبَعُها بِرْزِينُها

التهذيب‏:‏ الباطِيةُ من الزجاج عظيمة تُمْلأ من الشراب وتوضع بين

الشَّرْبِ يَغْرِفُونَ منها ويَشرَبون، إذا وُضِعَ فيها القَدَحُ سَحَّتْ به ورَقَصَتْ من عِظَمِها وكثرة ما فيها من الشراب؛ وإياها أَراد حَسَّان

بقوله‏:‏ بزُجاجةٍ رَقَصَتْ بما في قَعْرِها، رَقْص القَلُوصِ براكبٍ مُسْتَعْجِلِ

بظا‏:‏ بَظا لَحْمُه يَبْظُو‏:‏ كثر وتراكَبَ واكْتَنَزَ‏.‏ ولَحْمُه خَظَا

بَظَا‏:‏ إتباعٌ، وأَصله فَعَلٌ‏.‏ ابن الأَعرابي‏:‏ البَظَا اللَّحَماتُ

المُتراكِبات‏.‏ الفراء‏:‏ خَظا لَحْمُه وبَظَا، بغير همز، إذا اكتنز، يَخظُو

ويَبْظُو‏.‏ وقال غيره‏:‏ بَظا لحمه يَبْظُو بَظْواً؛ وأَنشد غيره للأَغلب‏:‏

خَاظِي البَضِيعِ لَحْمهُ خَظَا بَظَا

قال‏:‏ جعل بَظا صِلَةً لخظا، كقولهم‏:‏ تَبّاً تَلْباً، وهو توكيد لما

قبله‏.‏ وحَظِيَتِ المرأَةُ عند زَوْجِها وبَظِيَتْ‏:‏ إتباعٌ له لأَنه ليس في الكلام ب ظ ي‏.‏

بعا‏:‏ البعْوُ‏:‏ العاريَّةُ‏.‏ واسْتَبْعَى منه الشيء‏:‏ اسْتَعارَه‏.‏

واسْتَبْعَى يَسْتَبْعِي‏:‏ اسْتعار؛ قال الكُمَيْت‏:‏

قد كادَها خالِدٌ مُسْتَبْعياً حُمُراً، بالوَكْتِ، تَجْرِي إلى الغاياتِ والهَضَبِ

والهَضَب‏:‏ جَرْيٌ ضعيف‏.‏ والوَكْتُ‏:‏ القَرْمَطة في المشي، وَكَتَ يَكِتُ

وَكْتاً‏.‏ كادَها‏:‏ أَرادها‏.‏ قال الأَصمعي‏:‏ البَعْوُ أَن يَسْتعير الرجلُ

من صاحبه الكلبَ فيَصِيدَ به‏.‏ ويقال‏:‏ أَبْعِني فرَسَك أَي أَعِرْنيه‏.‏

وأَبْعاه فرَساً‏:‏ أَخْبَلَه‏.‏ والمُسْتَبْعِي‏:‏ الرجلُ يأْتي الرجلَ وعنده فرس

فيقول‏:‏ أَعطينه حتى أُسابقَ عليه‏.‏ وبَعاه بَعْواً‏:‏ أَصاب منه وقَمَرَه، والمَبْعاةُ مفْعَلَةٌ منه؛ قال‏:‏

صَحا القَلْبُ بعد الإلْفِ، وارتَدَّ شأْوُه، ورَدَّتْ عليه ما بَعَتْه تُماضِرُ

وقال راشد بن عبد رَبِّه‏:‏

سائلْ بَني السيِّدِ، إنْ لاقَيْتَ جَمْعَهُمُ‏:‏

ما بالُ سَلْمَى وما مَبْعاةُ مِئْشارِ‏؟‏

مِئشار‏:‏ اسم فرسه‏.‏ والبَعْوُ‏:‏ الجِناية والجُرْم‏.‏ وقد بعا إذا جَنَى‏.‏

يقال‏:‏ بَعا يَبْعُو ويَبْعَى‏.‏ وبَعَى الذَّنْبَ يَبْعاه ويَبْعُوه بَعْواً‏:‏

اجْترَمه واكتسبه؛ قال عوف بن الأحْوَص الجَعْفري‏:‏

وإبْسالي بَنِيَّ بغَيْرِ بَعْوٍ

جَرَمْناه، ولا بِدَمٍ مُراقِ

وفي الصحاح‏:‏ بغير جُرْم بَعَوْناه؛ وقال ابن بري‏:‏ البيت لعبد الرحمن بن الأَحْوَصِ‏.‏ قال ابن الأَعرابي‏:‏ بَعَوْتُ عليهم شَرّاً سُقْتُه

واجْتَرَمْتُه، قال‏:‏ ولم أَسمعه في الخير‏.‏ وقال اللحياني‏:‏ بَعَوْتُه بعَيْنٍ

أَصَبْتُه‏.‏ وقال ابن سيده في ترجمة بعي بالياء‏:‏ بَعَيْت أَبْعِي مثل

اجْتَرَمْتُ وجَنَيْتُ؛ حكاه كراع، قال‏:‏ والأَعرف الواو‏.‏

بغا‏:‏ بَغَى الشيءَ بَغْواً‏:‏ نَظَراً إليه كيف هو‏.‏ والبَغْوُ‏:‏ ما يخرج من زَهْرةِ القَتادِ الأَعْظَمِ الحجازي، وكذلك ما يخرج من زَهْرَة

العُرْفُط والسَّلَم‏.‏ والبَغْوَةُ‏:‏ الطَّلْعة حين تَنْشَقُّ فتخرج بيضاء

رَطْبَةً‏.‏ والبََغْوة‏:‏ الثمرة قبل أَن تَنْضَج؛ وفي التهذيب‏:‏ قبل أن يَسْتَحْكِم يُبْسُها، والجمع بَغْوٌ، وخص أَبو حنيفة بالبَغْوِ مَرَّةً البُسَر

إذا كَبِرَ شيئاً، وقيل‏:‏ البَغْوَة التمْرة التي اسودّ جوفُها وهي مُرْطِبة‏.‏ والبَغْوة‏:‏ ثمرةُ العِضاه، وكذلك البَرَمَةُ‏.‏ قال ابن بري‏:‏ البَغْوُ

والبَغْوَة كل شجر غَضٍّ ثَمرهُ أَخْضَر صغير لم يَبْلُغْ‏.‏ وفي حديث عمر، رضي الله عنه‏:‏ أَنه مرَّ برجل يقطع سَمُراً بالبادية فقال‏:‏ رَعَيْتَ

بَغْوَتَها وبَرَمَتَها وحُبْلَتها وبَلَّتها وفَتْلَتَها ثم تَقْطَعُها؛ قال ابن الأَثير‏:‏ قال القتيبي يرويه أَصحاب الحديث مَعْوَتَها، قال‏:‏ وذلك غلط

لأَن المَعْوَةَ البُسْرَة التي جرى فيها الإرْطابُ، قال‏:‏ والصواب

بَغْوَتَها، وهي ثمرة السَّمُرِ أول ما تخرج، ثم تصير بعد ذلك بَرَمَةً ثم بَلَّة ثم فَتْلة‏.‏ والبُغَةُ‏:‏ ما بين الرُّبَع والهُبَع؛ وقال قطرب‏:‏ هو البُعَّة، بالعين المشدّدة، وغلطوه في ذلك‏.‏ وبَغَى الشيءَ ما كان خيراً أَو

شرّاً يَبْغِيه بُغاءً وبُغىً؛ الأَخيرة عن اللحياني والأُولى أَعرف‏:‏

طَلَبَه؛ وأَنشد غيره‏:‏

فلا أَحْبِسَنْكُم عن بُغَى الخَيْر، إني

سَقَطْتُ على ضِرْغامةٍ، وهو آكِلي

وبَغَى ضالَّته، وكذلك كل طَلِبَة، بُغاءً، بالضم والمد؛ وأَنشد

الجوهري‏:‏ لا يَمْنَعَنَّك من بُغا

ءِ الخَيْرِ تَعْقادُ التَّمائم

وبُغايةً أَيضاً‏.‏ يقال‏:‏ فَرِّقوا لهذه الإبلِ بُغياناً يُضِبُّون لها

أَي يتفرَّقون في طلبها‏.‏ وفي حديث سُراقة والهِجْرةِ‏:‏ انْطَلِقوا بُغياناً

أَي ناشدين وطالبين، جمع باغ كراع ورُعْيان‏.‏ وفي حديث أَبي بكر، رضي الله عنه، في الهجرة‏:‏ لقيهما رجل بكُراعِ الغَمِيم فقال‏:‏ من أَنتم‏؟‏ فقال أَبو بكر‏:‏ باغٍ وهادٍ؛ عَرَّضَ بِبُغاء الإبل وهداية الطريق، وهو يريد طلبَ

الدِّينِ والهدايةَ من الضلالة‏.‏ وابتغاه وتَبَغَّاه واسْتَبْغاه، كل ذلك‏:‏

طلبه؛ قال ساعدة ابن جُؤيَّة الهُذَلي‏:‏

ولكنَّما أَهلي بوادٍ، أَنِيسُه

سِباغٌ تَبَغَّى الناسَ مَثْنى ومَوْحَدا

وقال‏:‏

أَلا مَنْ بَيَّنَ الأَخَوَيْـ *** ـنِ، أُمُّهما هي الثَّكْلَى

تُسائلُ من رَأَى ابْنَيْها، وتَسْتَبْغِي فما تُبْغَى

جاء بهما بعد حرف اللين‏.‏ المعوَّض مما حذف، وبَيَّنَ بمعنى

تَبَيَّنَ، والاسم البُغْيَةُ‏.‏ وقال ثعلب‏:‏ بَغَى الخَيْرَ بُغْيَةً

وبِغْيَةً، فجعلهما مصدرين‏.‏ ويقال‏:‏ بَغَيْتُ المال من مَبْغاتِه كما تقول أَتيت

الأَمر من مَأتاته، يريد المَأْتَي والمَبْغَى‏.‏ وفلان ذو بُغاية للكسب

إذا كان يَبغِي ذلك‏.‏ وارْتَدَّتْ على فلان بُغْيَتُه أَي طَلِبَتُه، وذلك

إذا لم يجد ما طَلَب‏.‏ وقال اللحياني‏:‏ بَغَى الرجلُ الخير والشر وكلَّ ما يطلبه بُغاءً وبِغْيَة وبِغىً، مقصور‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ بُغْيَةً وبُغىً‏.‏

والبُغْيَةُ‏:‏ الحاجة‏.‏ الأَصمعي‏:‏ بَغَى الرجلُ حاجته أَو ضالته يَبْغيها بُغاءً

وبُغْيَةً وبُغايةً إذا طلبها؛ قال أَبو ذؤيب‏:‏

بغايةً إنما تَبْغي الصحاب من الـ *** فِتْيانِ في مثله الشُّمُّ الأَناجِيجُ‏.‏

والبَغِيَّةُ‏:‏ الطَّلِبَةُ، وكذلك البِغْية‏.‏ يقال‏:‏ بَغِيَّتي عندك

وبَغْيتي عندك‏.‏ ويقال‏:‏ أَبْغِني شيئاً أَي أَعطني وأَبْغِ لي شيئاً‏.‏ ويقال‏:‏

اسْتَبْغَيْتُ القوم فَبَغَوْا لي وبَغَوْني أَي طَلَبوا لي‏.‏ والبِغْية

والبُغْيَةُ والبَغِيَّةُ‏:‏ ما ابْتُغِي‏.‏ والبَغِيّةُ‏:‏ الضالة المَبْغِيَّة‏.‏

والباغي‏:‏ الذي يطلب الشيء الضالَّ، وجمعه بُغاة وبُغْيانٌ؛ قال ابن أَحمر‏:‏ أَو باغيان لبُعْرانٍ لنا رَقصَتْ، كي لا تُحِسُّون من بُعْرانِنا أَثَرَا

قالوا‏:‏ أَراد كيف لا تُحِسُّونَ‏.‏ والبِغْية والبُغْية‏:‏ الحاجة

المَبْغِيَّة، بالكسر والضم، يقال‏:‏ ما لي في بني فلان بِغْيَة وبُغْية أَي حاجة، فالبِغْيَة مثل الجلْسة التي تَبْغِيها، والبُغْية الحاجة نفسها؛ عن

الأَصمعي‏.‏ وأَبغاه الشيءَ‏:‏ طلبه له أَو أَعانه على طلبه، وقيل‏:‏ بَغاه الشيءَ

طلبه له، وأَبغاه إياه أَعانه عليه‏.‏ وقال اللحياني‏:‏ اسْتَبْغَى القومَ

فَبَغَوْه وبغَوْا له أَي طلبوا له‏.‏ والباغي‏:‏ الطالِبُ، والجمع بُغاة

وبُغْيانٌ‏.‏ وبَغَيْتُك الشيءَ‏:‏ طلبته لك؛ ومنه قول الشاعر‏:‏

وكم آمِلٍ من ذي غِنىً وقَرابةٍ

لِتَبْغِيَه خيراً، وليس بفاعِل

وأبْغَيْتُك الشيءَ‏:‏ جعلتك له طالباً‏.‏ وقولهم‏:‏ يَنْبَغِي لك أَن تفعل

كذا فهو من أَفعال المطاوعة، تقول‏:‏ بَغَيْتُه فانْبَغَى، كما تقول‏:‏ كسرته

فانكسر‏.‏ وفي التنزيل العزيز‏:‏ يَبْغُونكم الفِتْنة وفيكم سَمَّاعُون لهم؛ أَي يَبْغُون لكم، محذوف اللام؛ وقال كعب بن زهير‏:‏

إذا ما نُتِجْنا أَرْبَعاً عامَ كَفْأَةٍ، بَغاها خَناسيراً فأَهْلَكَ أَرْبعا

أَي بَغَى لها خَناسير، وهي الدواهي، ومعنى بَغَى ههنا طَلَب‏.‏ الأَصمعي‏:‏

ويقال ابْغِني كذا وكذا أَي أطلبه لي، ومعنى ابْغِني وابْغِ لي سواء، وإذا قال أَبْغِني كذا وكذا فمعناه أَعِنِّي على بُغائه واطلبه معي‏.‏ وفي الحديث‏:‏ ابْغِني أَحجاراً أَسْتَطبْ بها‏.‏ يقال‏:‏ ابْغِني كذا بهمزة الوصل

أَي اطْلُبْ لي‏.‏ وأَبْغِني بهمزة القطع أَي أَعنَّي على الطلب‏.‏ ومنه

الحديث‏:‏ ابْغُوني حَديدةً أَسْتَطِبْ بها، بهمز الوصل والقطع؛ هو من بَغَى

يَبْغِي بُغاءً إذا طلب‏.‏ وفي حديث أَبي بكر، رضي الله عنه‏:‏ أَنه خرج في بُغاء

إبل؛ جعلوا البُغاء على زنة الأَدْواء كالعُطاس والزُّكام تشبيهاً لشغل

قلب الطالب بالداء‏.‏ الكسائي‏:‏ أَبْغَيتُك الشيءَ إذا أَردت أَنك أَعنته

على طلبه، فإذا أَردت أَنك فعلت ذلك له قلت قد بَغَيْتُك، وكذلك أعْكَمْتُك

أَو أَحْمََلْتُك‏.‏ وعَكَمْتُك العِكْم أَي فعلته لك‏.‏ وقوله‏:‏ يَبْغُونَها

عِوَجاً؛ أَي يَبْغُون للسبيل عوجاً، فالمفعول الأَول منصوب بإسقاط

الخافض؛ ومثله قول الأَعشى‏:‏

حتى إذا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ صَبَّحها

ذُؤالُ نَبْهانَ، يَبْغِي صَحْبَه المُتَعا

أَي يبغي لصحبه الزادَ؛ وقال واقِدُ بن الغِطرِيف‏:‏

لئن لَبَنُ المِعْزَى بماء مَوَيْسِلِ

بَغانيَ داءً، إنني لَسَقِيمُ

وقال الساجع‏:‏ أَرْسِل العُراضاتِ أَثَراً يَبْغِينك مَعْمَراً أَي

يَبْغِينَ معمراً‏.‏ يقال‏:‏ بَغَيتُ الشيءَ طلبته، وأَبْغَيْتُك فَرساً

أَجْنَبْتُك إياه، وأَبْغَيْتُك خيراً أَعنتك عليه‏.‏ الزجاج‏:‏ يقال انْبَغَى لفلان

أَن يفعل كذا أَي صَلَحَ له أَن يفعل كذا، وكأَنه قال طَلَبَ فِعْلَ كذا

فانْطَلَبَ له أَي طاوعه، ولكنهم اجْتزَؤوا بقولهم انْبَغَى‏.‏ وانْبَغى

الشيءُ‏:‏ تيسر وتسهل‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ وما علَّمناه الشعر وما ينبغي له؛ أَي ما يتسهل له ذلك لأَنا لم نعلمه الشعر‏.‏ وقال ابن الأَعرابي‏:‏ وما ينبغي له

وما يَصْلُح له‏.‏ وإنه لذُو بُغايةٍ أَي كَسُوبٌ‏.‏

والبِغْيةُ في الولد‏:‏ نقِيضُ الرِّشْدَةِ‏.‏ وبَغَتِ الأَمة تَبْغِي

بَغْياً وباغَتْ مُباغاة وبِغاء، بالكسر والمدّ، وهي بَغِيٌّ

وبَغُوٌ‏:‏ عَهَرَتْ وزَنَتْ، وقيل‏:‏ البَغِيُّ الأَمَةُ، فاجرة كانت أَو

غير فاجرة، وقيل‏:‏ البَغِيُّ أَيضاً الفاجرة، حرة كانت أَو أَمة‏.‏ وفي التنزيل العزيز‏:‏ وما كانت أُمُّكِ بغيّاً؛ أَي ما كانت فاجرة مثل قولهم

ملْحَفَة جَدِيدٌ؛ عن الأَخفش، وأُم مريم حرَّة لا محالة، ولذلك عمَّ ثعلبٌ

بالبِغاء فقال‏:‏ بَغَتِ المرأَةُ، فلم يَخُصَّ أَمة ولا حرة‏.‏ وقال أَبو عبيد‏:‏

البَغايا الإماءُ لأَنهنَّ كنَّ يَفْجُرْنَ‏.‏ يقال‏:‏ قامت على رؤُوسهم

البَغايا، يعني الإماءَ، الواحدة بَغِيٌّ، والجمع بغايا‏.‏ وقال ابن خالويه‏:‏

البِغاءُ مصدر بَغَتِ المرأَة بِغاءً زَنَت، والبِغاء مَصْدَرُ باغت بِغاء

إذا زنت، والبِغاءُ جمع بَغِيٍّ ولا يقال بغِيَّة؛ قال الأَعشى‏:‏

يَهَبُ الْجِلَّةَ الجَراجِرَ، كالبُسْـ *** ـتانِ، تَحْنو لدَرْدَقٍ أَطفالِ

والبَغايا يَرْكُضْنَ أَكْسِيةَ الإضْـ *** رِيجِ والشَّرْعَبيَّ ذا الأَذْيالِ

أَراد‏:‏ ويَهَبُ البغايا لأَن الحرة لا توهب، ثم كثر في كلامهم حتى

عَمُّوا به الفواجر، إماءً كنّ أَو حرائر‏.‏ وخرجت المرأَة تُباغِي أَي تُزاني‏.‏

وباغَتِ المرأَة تُباغِي بِغاءً إذا فَجَرَتْ‏.‏ وبغَتِ المرأَةُ تَبْغِي

بِغاء إذا فَجرَت‏.‏ وفي التنزيل العزيز‏:‏ ولا تُكْرِهوا فَتياتِكم على

البِغاء؛ والبِغاء‏:‏ الفُجُور، قال‏:‏ ولا يراد به الشتم، وإن سُمِّينَ بذلك في الأَصل لفجورهن‏.‏ قال اللحياني‏:‏ ولا يقال رجل بَغيّ‏.‏ وفي الحديث‏:‏ امرأَة

بَغِيّ دخلت الجنة في كَلْب، أَي فاجرة، ويقال للأَمة بَغِيٌّ وإن لم يُرَدْ به الذَّم، وإن كان في الأَصل ذمّاً، وجعلوا البِغاء على زنة العيوب

كالحِرانِ والشِّرادِ لأَن الزناعيب‏.‏ والبِغْيةُ‏:‏ نقيض الرِّشْدةِ في الولد؛ يقال‏:‏ هو ابن بِغْيَةٍ؛ وأَنشد‏:‏

لدَى رِشْدَةٍ من أُمِّه أَو بَغِيَّةٍ، فيَغلِبُها فَحْلٌ، على النسل، مُنْجِب

قال الأَزهري‏:‏ وكلام العرب هو ابن غَيَّة وابن زَنيَة وابن رَشْدَةٍ، وقد قيل‏:‏ زِنْيةٍ ورِشْدةٍ، والفتح أَفصح اللغتين، وأَما غَيَّة فلا يجوز

فيه غير الفتح‏.‏ قال‏:‏ وأَما ابن بِغْية فلم أَجده لغير الليث، قال‏:‏ ولا

أُبْعِدُه عن الصواب‏.‏

والبَغِيَّةُ‏:‏ الطليعةُ التي تكون قبل ورودِ الجَيْش؛ قال طُفَيل‏:‏

فأَلْوَتْ بَغاياهُم بنا، وتباشَرَتْ

إلى عُرْضِ جَيْشٍ، غَيرَ أَنْ لم يُكَتَّبِ

أَلْوَتْ أَي أَشارت‏.‏ يقول‏:‏ ظنوا أَنَّا عِيرٌ فتباشروا علم يَشْعُروا

إلا بالغارة، وقيل‏:‏ إن هذا البيت على الإماء أَدَلُّ منه على الطَّلائع؛ وقال النابغة في البغايا الطَّلائع‏:‏

على إثْرِ الأَدِلَّةِ والبَغايا، وخَفْقِ الناجِياتِ من الشآمِ

ويقال‏:‏ جاءت بَغِيَّةُ القوم وشَيِّفَتُهم أَي طَلِيعَتُهم‏.‏ والبَغْيُ‏:‏

التَّعَدِّي‏.‏ وبَغَى الرجلُ علينا بَغْياً‏:‏ عَدَل عن الحق واستطال‏.‏

الفراء في قوله تعالى‏:‏ قل إنما حرَّم ربِّي الفواحشَ ما ظهر منها وما بطن

والإثم والبَغْيَ بغير الحق، البَغْي الإستطالة على الناس؛ وقال الأَزهري‏:‏

معناه الكبر، والبَغْي الظُّلْم والفساد، والبَغْيُ معظم الأَمر‏.‏ الأَزهري‏:‏

وقوله فمن اضْطُر غيرَ باغِ ولا عادٍ، قيل فيه ثلاثة أَوجه‏:‏ قال بعضهم‏:‏

فمن اضْطُرَّ جائعاً غير باغٍ أَكْلَها تلذذاً ولا عاد ولا مجاوزٍ ما يَدْفَع به عن نفسه الجُوعَ فلا إثم عليه، وقيل‏:‏ غير باغٍ غير طالب مجاوزة

قدر حاجته وغيرَ مُقَصِّر عما يُقيم حالَه، وقيل‏:‏ غير باغ على الإمام وغير

مُتَعدٍّ على أُمّته‏.‏ قال‏:‏ ومعنى البَغْي قصدُ الفساد‏.‏ ويقال‏:‏ فلان

يَبْغي على الناس إذا ظلمهم وطلب أَذاهم‏.‏ والفِئَةُ الباغيةُ‏:‏ هي الظالمة

الخارجة عن طاعة الإمام العادل‏.‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعَمَّار‏:‏

وَيْحَ ابنِ سُمَيَّة تَقْتله الفئةُ الباغية وفي التنزيل‏:‏ فلا تَبْغُوا

عليهن سبيلاً؛ أي إن أَطَعْنكم لا يَبْقَى لكم عليهن طريقٌ إلا أَن يكون

بَغْياً وجَوْراً، وأَصلُ البَغْي مجاوزة الحدّ‏.‏ وفي حديث ابن عمر‏:‏ قال لرجل أَنا أُبغضك، قال‏:‏ لِمَ‏؟‏ قال‏:‏ لأَنك تَبْغِي في أَذانِكَ؛ أَراد

التطريب فيه، والتمديد من تجاوُز الحد‏.‏ وبَغَى عليه يَبْغِي بَغْياً‏:‏ علا

عليه وظلمه‏.‏ وفي التنزيل العزيز‏:‏ بَغَى بعضُنا على بعض‏.‏ وحكى اللحياني عن

الكسائي‏:‏ ما لي وللبَغِ بعضُكم على بعض؛ أَراد وللبَغْي ولم يعلله؛ قال‏:‏

وعندي أَنه استثقل كسرة الإعراب على الياء فحذفها وأَلقى حركتها على

الساكن قبلها‏.‏ وقوم بُغاء‏.‏ وتَباغَوْا‏:‏ بَغَى بعضُهم على بعض؛ عن ثعلب‏.‏ وبَغَى الوالي‏:‏

ظلم‏.‏ وكلُّ مجاوزة وإفراط على المقدار الذي هو حد الشيء بَغْيٌ‏.‏ وقال اللحياني‏:‏ بَغَى على أَخيه بَغْياً حسده‏.‏ وفي التنزيل العزيز‏:‏ ثم بُغِيَ عليه

ليَنْصُرَنَّه الله، وفيه‏:‏ والذين إذا أَصابهم البَغْيُ هم ينتصرون‏.‏

والبَغْيُ‏:‏ أَصله الحسد، ثم سمي الظلم بَغْياً لأَن الحاسد يظلم المحسود

جُهْدَه إراغَةَ زوالِ نعمةِ الله عليه عنه‏.‏ وبَغَى بَغْياً‏:‏ كَذَب‏.‏ وقوله

تعالى‏:‏ يا أَبانا ما نَبْغي هذه بضاعَتُنا؛ يجوز أَن يكون ما نَبْتَغي أَي

ما نطلب، فما على هذا إستفهام، ويجوز أَن يكون ما نكْذب ولا نَظْلِم فما

على هذا جَحْد‏.‏ وبَغَى في مِشْيته بَغْياً‏:‏ اخْتال وأَسرع‏.‏ الجوهري‏:‏

والبَغْيُ اخْتِيالٌ ومَرَحٌ في الفَرس‏.‏ غيره‏:‏ والبَغْيُ في عَدْوِ الفرس

اختيالٌ ومَرَح‏.‏ بَغَى بَغْياً‏:‏ مَرِحَ واختال، وإنه ليَبْغِي في عَدْوِه‏.‏

قال الخليل‏:‏ ولا يقال فرس باغٍ‏.‏ والبَغْيُ‏:‏ الكثير من المَطَر‏.‏ وبَغَتِ

السماء‏:‏ اشتد مطرها؛ حكاه أَبو عبيد‏.‏ وقال اللحياني‏:‏ دَفَعْنا بَغْيَ

السماء عنا أَي شدَّتَها ومُعْظَم مطرها، وفي التهذيب‏:‏ دَفَعْنا بَغْيَ

السماء خَلفَنا‏.‏ وبَغَى الجُرحُ يَبْغِي بَغْياً‏:‏ فَسَدَ وأَمَدَّ ووَرِمَ

وتَرامَى إلى فساد‏.‏ وبَرِئَ جُرْحُه على بَغْي إذا برئَ وفيه شيء من نَغَلٍ‏.‏ وفي حديث أَبي سَلَمة‏:‏ أَقام شهراً يداوي جُرْحَه فَدَمَلَ على بَغْي

ولا يَدْري به أَي على فساد‏.‏ وجَمَل باغٍ‏:‏ لا يُلْقِح؛ عن كراع‏.‏ وبَغَى

الشيءَ بَغْياً‏:‏ نظر إليه كيف هو‏.‏ وبغاه بَغْياً‏:‏ رَقبَه وانتَظره؛ عنه

أَيضاً‏.‏ وما يَنْبَغِي لك أَن تَفْعَل وما يَبْتَغِي أَي لا نَوْلُكَ‏.‏ وحكى

اللحياني‏:‏ ما انْبَغَى لك أَن تفعل هذا وما ابْتَغَى أَي ما ينبغي‏.‏

وقالوا‏:‏ إنك لعالم ولا تُباغَ أَي لا تُصَبْ بالعين، وأَنتما عالمان ولا

تُباغَيا، وأَنتم علماء ولا تُباغَوْا‏.‏ ويقال للمرأَة الجميلة‏:‏ إنك

لجميلة ولا تُباغَيْ، وللنساء‏:‏ ولا تُباغَيْنَ‏.‏ وقال‏:‏ والله ما نبالي أن تُباغيَ أَي ما نبالي أَن تصيبك العين‏.‏ وقال أَبو زيد‏:‏ العرب تقول إنه لكريم

ولا يُباغَهْ، وإنهما لكريمان ولا يُباغَيا، وإنهم لكرام ولا يُباغَوْا، ومعناه الدعاء له أَي لا يُبْغَى عليه؛ قال‏:‏ وبعضهم لا يجعله على الدعاء

فيقول لا يُباغَى ولا يُباغَيان ولا يُباغَون أَي ليس يباغيه أَحد، قال‏:‏

وبعضهم يقول لا يُباغُ ولا يُباغان ولا يُباغُونَ‏.‏ قال الأَزهري‏:‏ وهذا

من البَوْغِ، والأَول من البَغْي، وكأَنه جاء مقلوباً‏.‏ وحكى الكسائي‏:‏ إنك

لعالم ولا تُبَغْ، قال‏:‏ وقال بعض الأَعراب مَنْ هذا المَبُوغُ عليه‏؟‏ وقال آخر‏:‏ مَن هذا المَبيغُ عليه‏؟‏ قال‏:‏ ومعناه لا يُحْسَدُ‏.‏ ويقال‏:‏ إنه لكريم

ولا يُباغُ؛ قال الشاعر‏:‏

إِما تَكَرّمْ إنْ أَصَبْتَ كَريمةً، فلقد أَراك، ولا تُباغُ، لَئِيما

وفي التثنية‏:‏ لا يُباغانِ، ولا يُباغُونَ، والقياس أَن يقال في الواحد

على الدعاء ولا يُبَغْ، ولكنهم أَبوا إلاَّ أَن يقولوا ولا يُباغْ‏.‏ وفي حديث النَّخَعِي‏:‏ أَن إبراهيم بن المُهاجِر جُعِلَ على بيت الوَرِقِ فقال النخعي ما بُغِي له أَي ما خير له‏.‏

بقي‏:‏ في أَسماء الله الحسنى الباقي‏:‏ هو الذي لا ينتهي تقدير وجوده في الإستقبال إلى آخر ينتهي إليه، ويعبر عنه بأَنه أَبديّ الوجود‏.‏ والبَقاء‏:‏

ضدّ الفَناء، بَقِيَ الشيءُ يَبْقَى بَقاءً وبَقَى بَقْياً، الأَخيرةُ لغة

بلحرث بن كعب، وأَبقاه وبَقَّاه وتَبَقَّاه واسْتَبْقاه، والاسم

البَقْيَا والبُقْيَا‏.‏ قال ابن سيده‏:‏ وأَرى ثعلباً قد حكى البُقْوَى، بالواو وضم

الباء‏.‏ والبَقْوَى والبَقْيا‏:‏ إسمان يوضعان موضع الإبْقاء، إن قيل‏:‏ لم قلبت العرب لام فَعْلَى إذا كانت اسماً وكان لامها ياء واواً حتى قالوا

البَقْوَى وما أَشبه ذلك نحو التَّقْوَى والعَوَّى

‏؟‏ فالجواب‏:‏ أَنهم إنما فعلوا ذلك في فَعْلى لأَنهم قد

قلبوا لام الفُعْلَى، إذا كانت اسماً وكانت لامها واواً، ياء طلباً للخفة، وذلك نحو الدُّنْيا والعُلْيا والقُصْيا، وهي من دَنَوْتُ وعَلَوْتُ

وقَصَوْت، فلما قلبوا الواو ياء في هذا وفي غيره مما يطول تعداده عوَّضوا

الواو من غلبة الياء عليها في أَكثر المواضع بأَن قلبوها في نحو البَقْوَى

والثَّنْوَى واواً، ليكون ذلك ضرباً من التعويض ومن التكافؤ بينهما‏.‏ وبقي

الرجلُ زماناً طويلاً أَي عاش وأَبقاه الله‏.‏ الليث‏:‏ تقول العرب‏.‏ نَشَدْتُك الله والبُقْيَا؛ هو الإبقاء مثل الرَّعْوى والرُّعْيا من الإرْعاء على الشيء، وهو الإبْقاء عليه‏.‏ والعرب تقول للعدوّ إذا غَلَبَ‏:‏ البَقِيَّةَ أَي

أَبْقُوا علينا ولا تستأْصلونا؛ ومنه قول الأَعشى‏:‏

قالوا البَقِيَّة والخَطِّيُّ يأْخُذُهم

وفي حديث النجاشي والهجرة‏:‏ وكان أَبْقَى الرجلين فينا أَي أَكثر إبقاء

على قومه، ويروى بالتاء من التُّقى‏.‏ والباقِيةُ توضع موضع المصدر‏.‏ ويقال‏:‏

ما بَقِيَتْ منهم باقِيةٌ

ولا وَقاهم الله من واقِيَة‏.‏ وفي التنزيل العزيز‏:‏ فهل تَرى لهم من باقية؛ قال الفراء‏:‏ يريد من بَقاء‏.‏ ويقال‏:‏ هل ترى منهم باقياً، كل ذلك في العربية جائز حسن، وبَقِيَ من الشيء بَقِيَّةٌ‏.‏ وأَبْقَيْتُ على فلان إذا

أَرْعَيْتَ عليه ورَحِمْتَه‏.‏ يقال‏:‏ لا أَبْقَى اللهُ عليك إن أَبْقَيْتَ

عليَّ، والإسم البُقْيَا؛ قال اللَّعِين‏:‏

سَأَقْضِي بين كَلْبِ بَني كُلَيْبٍ، وبَيْنَ القَيْنِ قَيْنِ بَني عِقال فإنَّ الكلبَ مَطْعَمُه خَبيثٌ، وإنَّ القَيْنَ يَعْمَلُ في سِفَالِ

فما بُقْيَا عليّ ترَكْتُماني، ولكنْ خِفْتُما صَرَدَ النِّبالِ

وكذلك البَقْوى، بفتح الباء‏.‏ ويقال‏:‏ البُقْيَا والبَقْوَى كالفُتْيا

والفَتْوَى؛ قال أَبو القَمْقام الأَسَدِيُّ‏:‏

أُذَكِّرُ بالبَقْوَى على ما أَصابَني، وبَقْوايَ أَنِّي جاهِدٌ غَير مُؤتَلي

واسْتَبْقَيتُ من الشيء أَي تركت بعضه‏.‏ واسْتبقاه‏:‏ اسْتَحْياه، وطيِّءٌ

تقول بَقَى وبَقَتْ مكان بَقِيَ وبَقيَتْ، وكذلك أَخواتها من المعتل؛ قال البَولاني‏:‏

تَسْتَوْقِدُ النَّبْلَ بالحَضِيضِ، وتَصْـ *** ـطادُ نُفُوساً بُنَتْ على الكَرَمِ

أَي بُنِيَتْ، يعني إذا أَخطأَ يُورِي النارَ‏.‏ والبقيَّةُ‏:‏ كالبَقْوَى‏.‏

والبِقيَّة أَيضاً‏:‏ ما بقي من الشيء‏.‏ وقوله تعالى‏:‏ بَقِيَّةُ الله خير

لكم‏.‏ قال الزجاج‏:‏ معناه الحالُ التي تبقى لكم من الخير خير لكم، وقيل‏:‏ طاعة الله خير لكم‏.‏ وقال الفراء‏:‏ يا قوم ما أُبقي لكم من الحلال خير لكم، قال‏:‏ ويقال مراقبة الله خير لكم‏.‏ الليث‏:‏ والباقي حاصل الخَراج ونحوه، ولغة

طيء بَقَى يَبْقى، وكذلك لغتهم في كل ياء انكسر ما قبلها، يجعلونها أَلفاً

نحو بَقَى ورَضَى وفَنَى؛ وقوله عز وجل‏:‏ والباقياتُ الصالحاتُ خير عند

ربك ثواباً؛ قيل‏:‏ الباقيات الصالحات الصلوات الخمس، وقيل هي الأَعمال

الصالحة كلها، وقيل‏:‏ هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أَكبر‏.‏

قال‏:‏ والباقيات الصالحات، والله أَعلم، كل عمل صالح يَبْقَى ثوابه‏.‏

والمُبْقِياتُ من الخيل‏:‏ التي يَبْقَى جَريُها بعد انقطاع جَرْي الخيل؛ قال الكَلْحَبةُ اليَرْبوعِيُّ‏:‏

فأَدْرَكَ إبْقاءَ العَرادَةِ ظَلْعُها، وقد جَعَلَتْني من حزِيمةَ إصْبَعا

وفي التهذيب‏:‏ المُبْقِياتُ من الخيل هي التي تُبْقِي بعضَ جَريها

تَدَّخِره‏.‏ والمُبْقِياتُ‏:‏ الأَماكن التي تُبقِى ما فيها من مناقع الماء ولا

تشربه؛ قال ذو الرمة‏:‏

فلما رَأَى الرَّائي الثُّرَيَّا بسُدْفةٍ، ونَشَّتْ نِطافُ المُبْقِياتِ الوقائع

واسْتَبْقى الرجلَ وأَبقى عليه‏:‏ وجب عليه قتل فعفا عنه‏.‏ وأَبْقيْتُ ما بيني وبينهم‏:‏ لم أُبالغ في إفساده، والإسم البَقِيَّةُ؛ قال‏:‏

إنْ تُذْنِبُوا ثم تأْتِيني بَقِيَّتُكم، فما عليَّ بذَنْبٍ منكُم فَوْتُ

أَي إبقاؤكم‏:‏ ويقال‏:‏ اسْتَبْقَيْتُ فلاناً إذا وجب عليه قتل فعفوت عنه‏.‏

وإذا أَعطيت شيئاً وحَبَسْتَ بعضَه قلت‏:‏ استبقيت بعضه‏.‏ واسْتَبْقَيْتُ

فلاناً‏:‏ في معنى العفو عن زلله واسْتِبْقاء مودَّته؛ قال النابغة‏:‏

ولَسْتَ بمُسْتَبْقِ أَخاً لا تَلُمُّه

على شَعَثٍ، أَيُّ الرجالِ المُهَذَّبُ‏؟‏

وفي حديث الدعاء‏:‏ لا تُبْقِي على من يَضْرَعُ إليها، يعني النار‏.‏ يقال‏:‏

أَبْقَيْت عليه أُبْقِي إبْقاءً إذا رحمته وأَشفقت عليه‏.‏ وفي الحديث‏:‏

تَبَقَّهْ وتوَقَّهْ؛ هو أَمر من البقاء والوِقاء، والهاء فيهما للسكت، أَي

اسْتَبْق النفسَ ولا تُعَرِّضْها للهَلاك وتحرّز من الآفات‏.‏ وقوله تعالى‏:‏

فلولا كان من القرون من قبلكم أُولو بَقِيَّة ينهون عن الفساد؛ معناه

أُولو تمييز، ويجوز أُولوا بقية أُولو طاعة؛ قال ابن سيده‏:‏ فسر بأَنه

الإبقاء وفسر بأَنه الفَهْم، ومعنى البَقِيَّة إذا قلت فلان بَقِيَّة فمعناه

فيه فَضْل فيما يُمْدَحُ به، وجمع البَقِيَّة بقايا‏.‏ وقال القتيبي‏:‏ أُولو

بَقِيَّة من دِينِ قوم لهم بَقِيَّة إذا كانت بهم مُسْكَة وفيهم خير‏.‏ قال أَبو منصور‏:‏ البَقيَّة اسم من الإبْقاء كأَنه أَراد، والله أَعلم، فلولا

كان من القرون قوم أُولوا إبقاء على أَنفسهم لتمسكهم بالدين المرضي، ونصب إلا قليلاً لأَن المعنى في قوله فلولا كان فما كان، وانتصاب قليلاً على

الانقاع من الأَول‏.‏ والبُقْيَا أَيضاً‏:‏ الإبْقاءُ؛ وقوله أَنشده ثعلب‏:‏

فلولا اتِّقاءُ الله بُقْيايَ فيكما، لَلُمْتُكما لَوْماً أَحَرَّ من الجَمْرِ

أَراد بُقْيايَ عليكما، فأَبدل في مَكانَ على، وأَبدل بُقْيايَ من اتقاء الله‏.‏ وبَقَاهُ بَقْياً‏:‏ انتظره ورَصَدَه، وقيل‏:‏ هو نظرك إليه؛ قال الكُمَيْت وقيل هو لكثير‏:‏

فما زلْتُ أَبْقِي الظُّعْنَ، حتى كأَنها

أَواقِي سَدىً تَغْتالهُنَّ الحَوائِكُ

يقول‏:‏ شبهت الأَظْعَان في تباعدها عن عيني ودخولها في السراب بالغزل

الذي تُسْديه الحائكةُ فيتناقص أَوَّلاً فأَوّلاً‏.‏ وبَقَيْتُه أَي نظرت

إليها وترقبته‏.‏ وبَقِيَّةُ الله‏:‏ انتظارُ ثوابه؛ وبه فسر أَبو عليّ قوله‏:‏

بقيةُ الله خير لكم إن كنتم مؤمنين، لأَنه وإنما ينتظر ثوابه من آمن به‏.‏

وبَقِيَّةُ‏:‏ اسم‏.‏ وفي حديث معاذ‏:‏ بَقَيْنا رسولَ الله وقد تأَخر لصلاة

العَتَمة، وفي نسخة‏:‏ بَقَيْنا رسولَ الله في شهر رمضان حتى خَشينا فوتَ

الفَلاح أَي انتظرناه‏.‏ وبَقَّيْتُه، بالتشديد، وأَبقيَته وتَبَقَّيْتُه كله

بمعنى‏.‏ وقال الأَحمر في بَقَيْنا‏:‏ انتظرنا وتبصرنا؛ يقال منه‏:‏ بَقَيْتُ

الرجلَ أَبْقِيه أَي انتظرته ورَقَبْتُه؛ وأَنشد الأَحمر‏:‏

فهُنَّ يَعْلُكْنَ حَدائداتِها، جُنْحُ النَّواصِي نَحْوَ أَلْوِياتِها، كالطَّير تَبقي مُتَداوِِماتِها

يعني تنظر إليها‏.‏ وفي حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، وصلاة الليل‏:‏

فبَقَيْتُ كيف يصلي النبي، صلى الله عليه وآله وسلم، وفي رواية‏:‏ كراهة أن يَرَى أَني كنت أَبْقِيه أَي أَنْظُره وأَرْصُده‏.‏ اللحياني‏:‏ بَقَيْتُه

وبَقَوْتُه نظرت إليه، وفي المحكم‏:‏ بَقَاه بعينه بَقَاوَةً نظر إليه؛ عن

اللحياني‏.‏ وبَقَوْتُ الشيءَ‏:‏ انتظرته، لغة في بَقَيْتُ، والياء أَعلى‏.‏

وقالوا‏:‏ ابْقُهْ بَقْوَتَك مالَك وبَقَاوَتَك مالَك أَي احفظه حفْظَك

مالَك‏.‏

بكا‏:‏ البُكاء يقصر ويمد؛ قاله الفراء وغيره، إذا مَدَدْتَ أَردتَ الصوتَ

الذي يكون مع البكاء، وإذا قَصرت أَردتَ الدموع وخروجها؛ قال حسان بن ثابت، وزعم ابن إسحق أَنه لعبد الله بن رواحة وأَنشده أَبو زيد لكعب بن مالك في أَبيات‏:‏

بَكَتْ عيني، وحقَّ لها بُكاها، وما يُغْني البُكاءُ ولا العَويلُ

على أَسَد الإلهِ غَداةَ قالوا‏:‏

أَحَمْزَةُ ذاكم الرجلُ القتيلُ‏؟‏

أُصِيبَ المسلمون به جميعاً

هناك، وقد أُصيب به الرسولُ

أَبا يَعْلى لك الأَركانُ هُدَّتْ، وأَنتَ الماجدُ البَرُّ الوصولُ

عليك سلامُ ربك في جِنانٍ، مُخالطُها نَعيمٌ لا يزولُ

قال ابن بري‏:‏ وهذه من قصيدة ذكرها النحاس في طبقات الشعراء، قال‏:‏

والصحيح أَنها لكعب بن مالك؛ وقالت الخنساء في البكاء الممدود ترثي

أَخاها‏:‏ دَفَعْتُ بك الخُطوبَ وأَنت حيٌّ، فمن ذا يَدْفَعُ الخَطْبَ الجَليلا‏؟‏

إذا قَبُحَ البُكاء على قَتيل، رأَيتُ بكاءَك الحَسَنَ الجميلا

وفي الحديث‏:‏ فإن لم تجدوا بُكاءً فَتَبَاكَوْا أَي تَكَلَّفُوا البُكاء، وقد بَكَى يَبْكِي بُكاءً وبُكىً؛ قال الخليل‏:‏ من قصره ذهب به إلى معنى

الحزن، ومن مدّة ذهب به إلى معنى الصوت، فلم يبالِ الخليلُ اختلافَ

الحركة التي بين باء البكا وبين حاء الحزن، لأَن ذلك الخَطَر يسير‏.‏ قال ابن سيده‏:‏ ،هذا هو الذي جَرَّأَ سيبويه على أَن قال وقالوا النَّضْرُ، كما قالوا الحَسَنُ، غير أَن هذا مسكَّن الأَوسط، إلا أَن سيبويه زاد على الخليل

لأَن الخليل مَثَّلَ حركة بحركة وإن اختلفتا، وسيبويه مَثَّلَ ساكن

الأَوسط بمتحرك الأَوسط، ولا محالة أَن الحركة أَشبه بالحركة وإن اختلفتا من الساكن بالمتحرك، فَقَصَّرَ سيبويه عن الخليل، وحُقَّ له ذلك، إذا الخليل

فاقد النظير وعادم المثيل؛ وقول طرفة‏:‏

وما زال عني ما كَنَنْتُ يَشُوقُني، وما قُلْتُ حتى ارْفَضَّتِ العينُ باكيا

فإنه ذكَّر باكياً وهي خبر عن العين، والعين أُنثى، لأَنه أَراد حتى

ارفضت العين ذات بكاء، وإن كان أَكثر ذلك إنما هو فيما كان معنى فاعل لا

معنى مفعول، فافهم، وقد يجوز أَن يذكر على إرادة العضو، ومثل هذا يتسع فيه

القول؛ ومثله قول الأَعشى‏:‏

أَرَى رَجُلاً منهم أَسِيفاً، كأَنما

يَضُمُّ إلى كَشْحَيْهِ كَفّاً مُخَضَّبا

أَي ذاتَ خضاب، أَو على إرادة العضو كما تقدم؛ قال‏:‏ وقد يجوز أَن يكون

مخضباً حالاً من الضمير الذي في يضم‏.‏ وبَكَيْتُه وبَكَيْتُ عليه بمعنى‏.‏

قال الأَصمعي‏:‏ بَكَيْت الرجلَ وبَكَّيْته، بالتشديد، كلاهما إذا بَكَيْتَ

عليه، وأَبْكَيته إذا صنعت به ما يُبْكِيه، قال الشاعر‏:‏

الشمسُ طالعة، ليستْ بكاسفةٍ، تُبْكي عليكَ نُجومَ الليل والقَمرا‏.‏

واسْتَبْكَيْتُه وأَبْكَيْتُه بمعنى‏.‏ والتِّبْكاء‏:‏ البُكاء؛ عن

اللحياني‏.‏ وقال اللحياني‏:‏ قال بعض نساء الأَعراب في تأْخيذ الرجال أَخَّذتُه في دُبَّاء مُمَلأٍ من الماء مُعَلَّقٍ بتِرْشاء فلا يَزَلْ في تِمْشاء

وعينُه في تِبْكاء، ثم فسره فقال‏:‏ التِّرشاءُ الحَبْلُ، والتِّمْشاء المَشيُ، والتِّبْكاءُ البُكاء، وكان حكم هذا أَن يقول تَمْشاء وتَبْكاء لأَنهما

من المصادر المبنية للتكثير كالتَّهْذار في الهَذْر والتَّلْعاب في اللَّعب، وغير ذلك من المصادر التي حكاها سيبويه، وهذه الأُخْذَة قد يجوز أن تكون كلها شعراً، فإذا كان كذلك فهو من مَنْهوك المنسرح؛ وبيته‏:‏

صَبْراً بني عَبْد الدارْ

وقال ابن الأَعرابي‏:‏ التَّبكاء، بالفتح، كثرة البُكاء؛ وأَنشد‏:‏

وأقْرَحَ عَيْنَيَّ تَبْكاؤُه، وأَحدَثَ في السَّمْعِ مِنِّي صَمَمْ

وباكَيْتُ فلاناً فَبَكَيْتُه إذا كنتَ أَكثرَ بُكاءً منه‏.‏ وتَباكى‏:‏

تَكَلَّف البُكاءَ‏.‏ والبَكِيُّ‏:‏ الكثير البُكاء، على فعيل‏.‏ ورجل باك، والجمع بُكاة وبُكِيٌّ، على فُعُول مثل جالس وجُلُوس، إلاّ أَنهم قلبوا الواو

ياء‏.‏ وأَبْكَى الرجلَ‏:‏ صَنَع به ما يُبْكيه‏.‏ وبَكَّاه على الفَقيدِ‏:‏

هَيَّجه للبكاء عليه ودعاه إليه؛ قال الشاعر

صَفيَّةُ قُومي ولا تَقْعُدِي، وبَكِّي النساءَ على حَمْزه

ويروى‏:‏ ولا تَعْجزي، هكذا روي بالإسكان، فالزاي على هذا هو الرويّ لا

الهاء لأَنها هاء تأنيث، وهاء التأْنيث لا تكون رويّاً، ومن رواه مطلقاً

قال‏:‏ على حمزة، جعل التاء هي الرويّ واعتقدها تاء لا هاء لأَن التاء تكون

رويّاً، والهاء لا تكون البتة رويّاً‏.‏ وبَكَاه بُكاءً وبَكَّاه، كلاهما‏:‏

بَكَى عليه ورثاه؛ وقوله أَنشده ثعلب‏:‏

وكنتُ مَتَى أَرى زِقّاً صَريعاً، يُناحُ على جَنازَتِه، بَكَيْتُ

فسره فقال‏:‏ أَراد غَنَّيْتُ، فجعل البكاء بمنزلة الغِناء، واستجاز ذلك

لأَن البُكاء كثيراً ما يَصْحَبه الصوت كما يصحب الصوت الغناء‏.‏

والبَكَى، مقصور‏:‏ نبت أَو شجر، واحدته بَكاة‏.‏ قال أَبو حنيفة‏:‏ البَكاة

مثلُ البَشامة لا فرق بينهما إلا عند العالم بهما، وهما كثيراً ما تنبتان

معاً، وإذا قطعت البَكاة هُريقت لبناً أَبيض؛ قال ابن سيده‏:‏ وقضينا على

أَلف البُكَى بالياء لأَنها لام لوجود ب ك ي وعدم ب ك و، والله أَعلم‏.‏

بلا‏:‏ بَلَوْتُ الرجلَ بَلْواً وبَلاءً وابْتَلَيْته‏:‏ اخْتَبَرْته، وبَلاهُ يَبْلُوه بَلْواً إذا جَرَّبَه واخْتَبَره‏.‏ وفي حديث حذيفة‏:‏ لا أُبْلي

أَحداً بَعْدَك أَبداً‏.‏ وقد ابْتَلَيْتُه فأَبْلاني أَي اسْتَخْبَرْتُه

فأَخْبَرني‏.‏ وفي حديث أُم سلمة‏:‏ إنَّ مِنْ أَصْحابي مَنْ لا يَراني بَعدَ

أَن فارَقَني، فقال لها عمر‏:‏ بالله أَمِنْهم أَنا‏؟‏ قالت‏:‏ لا ولن

أُبْلِيَ أَحداً بعدَكَ أَي لا أُخبِر بعدَك أَحداً، وأَصله من قولهم أَبْلَيتُ

فُلاناً يميناً إذا حلفتَ له بيمين طَيَّبْتَ بها نفسه‏.‏ وقال ابن الأَعرابي‏:‏ أَبْلى بمعنى أَخْبَر‏.‏ وابْتَلاه الله‏:‏ امْتَحَنَه، والاسم

البَلْوَى والبِلْوَةُ والبِلْيَةُ والبَلِيَّةُ والبَلاءُ، وبُلِيَ بالشيء

بَلاءً وابْتُلِيَ؛ والبَلاءُ يكون في الخير والشر‏.‏ يقال‏:‏ ابْتَلَيته بلاءً

حسناً وبَلاءً سيِّئاً، والله تعالى يُبْلي العبدَ بَلاءً حسناً ويُبْلِيه

بلاءً سيِّئاً، نسأَل الله تعالى العفو والعافية، والجمع البَلايا، صَرَفُوا فَعائِلَ إلى فَعالى كما قيل في إداوة‏.‏ التهذيب‏:‏ بَلاه يَبْلُوه

بَلْواً، إذا ابتَلاه الله ببَلاء، يقال‏:‏ ابْتَلاه الله ببَلاء‏.‏ وفي الحديث‏:‏ اللهم لا تُبْلنا إلاّ بالتي هي أَحسن، والاسم البَلاء، أَي لا

تَمْتَحِنَّا‏.‏ ويقال‏:‏ أَبْلاه الله يُبْلِيه إبْلاءً حسناً إذا صنع به صُنْعاً

جميلاً‏.‏ وبَلاه اللهُ بَلاء وابْتَلاه أَي اختَبره‏.‏ والتَّبالي‏:‏ الاختبار‏.‏

والبَلاء‏:‏ الاختبار، يكون بالخير والشر‏.‏ وفي كتاب هرقل‏:‏ فَمَشى قَيْصر إلى

إيلِياء لمَّا أَبْلاهُ الله‏.‏ قال القتيبي‏:‏ يقال من الخير أَبْلَيْته

إبْلاء، ومن الشر بَلَوْته أَبْلُوه بَلاءً، قال‏:‏ والمعروف أَن الابتلاء

يكون في الخير والشر معاً من غير فرق بين فعليهما؛ ومنه قوله تعالى‏:‏

ونَبْلُوكم بالشر والخير فتنة؛ قال‏:‏ وإنما مشى قيصر شكراً لاندفاع فارس عنه‏.‏

قال ابن بري‏:‏ والبَلاء الإنعام؛ قال الله تعالى‏:‏ وآتيناهم من الآيات ما فيه

بَلاء مبين؛ أَي إنعام بَيِّن‏.‏ وفي الحديث‏:‏ مَنْ أُبْليَ فَذَكَرَ فَقَد

شَكَرَ؛ الإبلاء‏:‏ الإنعام والإحسان‏.‏ يقال‏:‏ بَلَوْت الرجلَ وأَبْلَيْت

عندَه بَلاء حسناً‏.‏ وفي حديث كعب بن مالك‏:‏ ما عَلِمْتُ أَحداً أَبْلاه الله أَحسنَ مِمَّا أَبْلاني، والبَلاءُ الاسم، ممدودٌ‏.‏ يقال‏:‏ أَبْلاه الله بَلاءً حسناً وأَبْلَيْته معروفاً؛ قال زهير‏:‏

جَزَى اللهُ بالإحسانِ ما فَعَلا بِكُمْ، وأَبْلاهما خيرَ البَلاء الَّذي يَبْلُو

أَي صَنَع بهما خيرَ الصَّنِيع الذي يَبْلُو به عباده‏.‏ ويقال‏:‏ بُلِيَ

فلانٌ وابْتُلِيَ إذا امْتُحِنَ‏.‏ والبلوَى‏:‏ اسم من بَلاه الله يَبْلُوه‏.‏

وفي حديث حذيفة‏:‏ أَنه أُقِيمَتِ الصلاةُ فَتَدافَعوها فَتَقدَّمَ حذيفة

فلما سَلَّم من صلاته قال‏:‏ لتَبْتَلُنَّ لَها إماماً أَو لَتُصَلُّنَّ

وُحْداناً؛ قال شمر‏:‏ قوله لتَبْتَلُنَّ لها إماماً يقول لتَخْتارُنَّ، وأَصله

من الابتلاء الاختبار من بلاه يبلوه، وابتلاه أَي جَرَّبه؛ قال‏:‏ وذكره

غيره في الباء والتاء واللام وهو مذكور في موضعه وهو أشبه‏.‏ ونزلت بلاءِ على

الكفار مثل قَطامِ‏:‏ يعني البلاءَ‏.‏ وأَبْلَيْت فلاناً عُذراً أَي بَيَّنت

وجه العذر لأُزيل عني اللوم‏.‏ وأَبْلاه عُذراً‏:‏ أَدَّاه إليه فقبله، وكذلك أَبْلاه جُهْدَه ونائِلَه‏.‏ وفي الحديث‏:‏ إنما النذْرُ ما ابْتُلِيَ به وجه الله أَي أُريد به وجههُ وقُصِدَ به‏.‏ وقوله في حديث برّ الوالدين‏:‏

أَبْلِ الله تعالى عُذْراً في بِرِّها أَي أَعْطِه وأَبْلِغ العُذرَ فيها

إليه؛ المعنى أَحسن فيما بينك وبين الله ببرك إياها‏.‏ وفي حديث سعد يوم بدر‏:‏

عَسَى أَن يُعْطَى هذا مَن لا يُبْلي بَلائي أَي يعملُ مثلَ عملي في الحرب، كأَنه يريد أَفعل فعلاً أُخْتَبَر به فيه ويظهر به خيري وشري‏.‏ ابن الأَعرابي‏:‏ ويقال أَبْلَى فلان إذا اجتهد في صفة حرب أَو كرم‏.‏ يقال‏:‏

أَبْلَى ذلك اليومَ بَلاءً حسناً، قال‏:‏ ومثله بالَى يُبالي مُبالاةً؛ وأَنشد‏:‏ ما لي أَراكَ قائماً تُبالي، وأَنتَ قد قُمْتَ من الهُزالِ‏؟‏

قال‏:‏ سمعه وهو يقول أَكلْنا وشربْنا وفعَلْنا، يُعَدِّد المكارمَ وهو في ذلك كاذب؛ وقال في موضع آخر‏:‏ معناه تبالي تنظر أَيهم أَحسن بالاً وأَنت

هالك‏.‏ قال‏:‏ ويقال بالَى فلانٌ فلاناً مُبالاةً إذا فاخَرَه، وبالاهُ

يُباليهِ إذا ناقَصَه، وبالَى بالشيء يُبالي به إذا اهْتَمَّ به، وقيل‏:‏

اشتقاقُ بالَيْتُ من البَالِ بالِ النفسِ، وهو الاكْتِراثُ؛ ومنه أَيضاً‏:‏ لم يَخْطُرْ بِبالي ذلك الأَمر أَي لم يُكْرِثْني‏.‏ ورجلٌ بِلْوُ شَرٍّ

وبِلْيُ خَيرٍ أَي قَوِيٌّ عليه مبتَلًى به‏.‏ وإنه لَبِلْوٌ وبِلْيٌ من أَبْلاء

المالِ أَي قَيِّمٌ عليه‏.‏ ويقال للراعي الحسنِ الرِّعْيَة‏:‏ إنه لَبِلْوٌ

من أَبْلائها، وحِبْلٌ من أَحْبالِها، وعِسْلٌ من أَعسالها، وزِرٌّ من أَزرارِها؛ قال عمر بن لَجَإ‏:‏

فصادَفَتْ أَعْصَلَ من أَبْلائها، يُعْجِبُه النَّزْعُ على ظمائها

قلبت الواو في كل ذلك ياء للكسرة وضعف الحاجز فصارت الكسرة كأَنها باشرت

الواو‏.‏ وفلان بِلْيُ أَسفارٍ إذا كان قد بَلاهُ السفر والهَمُّ ونحوهما‏.‏

قال ابن سيده‏:‏ وجعل ابن جني الياء في هذا بدلاً من الواو لضعف حجز اللام

كما ذكرناه في قوله فلان من عِلْيَةِ الناس‏.‏ وبَلِيَ الثوبُ يَبْلَى

بِلًى وبَلاء وأَبْلاه هو؛ قال العجاج‏:‏

والمَرْءُ يُبْلِيهِ بَلاءَ السِّربالْ

كرُّ الليالي وانْتِقالُ الأَحوالْ

أَراد‏:‏ إبلاء السربال، أَو أَراد‏:‏ فيَبْلى بَلاء السِّربال، إذا فَتَحتَ

الباء مَدَدْتَ وإذا كَسرْتَ قَصَرْتَ، ومثله القِرى والقَراءُ والصِّلى

والصَّلاءُ‏.‏ وبَلاَّه‏:‏ كأَبْلاهُ؛ قال العُجَير السلولي‏:‏

وقائِلَةٍ‏:‏ هذا العُجَيْرُ تَقَلَّبَتْ

به أَبْطُنٌ بَلَّيْنَهُ وظُهور

رَأَتْني تجاذَبْتُ الغَداةَ، ومَن يَكُنْ

فَتًى عامَ عامَ الماء، فَهْوَ كَبير

وقال ابن أَحمر‏:‏

لَبِسْتُ أَبي حتى تَبَلَّيْتُ عُمْرَه، وبَلَّيْتُ أَعْمامِي وبَلَّيْتُ خالِيا

يريد أَي عشت المدة التي عاشها أَبي، وقيل‏:‏ عامَرتُه طُول حياتي، وأَبْلَيْتُ الثَّوبَ‏.‏ يقال للمُجِدِّ‏:‏ أَبْلِ ويُخْلِفُ الله، وبَلاَّهُ

السَّفَرُ وبَلَّى عليه وأَبْلاه؛ أَنشد ابن الأَعرابي؛ قَلُوصانِ عَوْجاوانِ، بَلَّى عَليهِما

دُؤوبُ السُّرَى، ثم اقْتِداحُ الهَواجِر

وناقَةٌ بِلْوُ سفرٍ، بكسر الباء‏:‏ أَبلاها السفر، وفي المحكم‏:‏ قد

بَلاَّها السفر، وبِلْيُ سَفَر وبِلْوُ شَرّ وبِلْيُ شرّ ورَذِيَّةُ سَفَرٍ

ورَذِيُّ سَفَر ورَذاةُ سَفَرٍ، ويجمع رَذِيَّات، وناقة بَلِيَّة‏:‏ يموت

صاحبها فيحفر لديها حفرة وتشدّ رأْسها إلى خلْفها وتُبْلَى أَي تترك هناك لا

تعلف ولا تسقى حتى تموت جوعاً وعطشاً‏.‏ كانوا يزعمون أَن الناس يحشرون يوم

القيامة ركباناً على البلايا، أَو مُشاة إذا لم تُعْكسَ مَطاياهم على

قبورهم، قلت‏:‏ في هذا دليل على أَنهم كانوا يرون في الجاهلية البعث والحشر

بالأَجساد، تقول منه‏:‏ بَلَّيتُ وأَبْلَيْت؛ قال الطرماح‏:‏

مَنازِل لا تَرَى الأَنْصابَ فيها، ولا حُفَرَ المُبَلّي لِلمَنون

أَي أَنها منازل أَهل الإسلام دون الجاهلية‏.‏ وفي حديث عبد الرزاق‏:‏ كانوا

في الجاهلية يَعْقِرُون عندَ القبر بَقَرة أَو ناقة أَو شاةً ويُسمُّون

العَقِيرَة البَلِيَّة، كان إذا مات لهم من يَعِزّ عليهم أَخذوا ناقة

فعقلوها عند قبره فلا تعلف ولا تسقى إلى أَن تموت، وربما حفروا لها حفيرة

وتركوها فيها إلى أَن تموت‏.‏ وبَلِيَّة‏:‏ بمعنى مُبْلاةٍ أَو مُبَلاَّة، وكذلك الرَّذِيَّة بمعنى مُرَذَّاة، فعِيلة بمعنى مُفْعَلة، وجمعُ

البَلِيَّةِ الناقةِ بَلايا، وكان أَهل الجاهلية يفعلون ذلك‏.‏ ويقال‏:‏ قامت

مُبَلِّيات فلان يَنُحْنَ عليه، وهن النساء اللواتي يقمن حول راحلته فيَنُحْنَ إذا

مات أَو قُتل؛ وقال أَبو زُبيد‏:‏

كالبَلايا رُؤُوسُها في الوَلايا، مانِحاتِ السَّمومِ حُرَّ الخُدود

المحكم‏:‏ ناقة بِلْوُ سفر قد بلاها السفر، وكذلك الرجل والبعير، والجمع أَبلاءٌ؛ وأَنشد الأَصمعي لجَندَل بن المثنى‏:‏

ومَنْهَلٍ من الأَنيس ناء، شَبيهِ لَوْنِ الأَرْضِ بالسَّماءِ، داوَيْتُه بِرُجَّعٍ أَبْلاءِ

ابن الأَعرابي‏:‏ البَلِيُّ والبَلِيَّةُ والبَلايا التي قد أَعْيت وصارت

نِضْواً هالكاً‏.‏ ويقال‏:‏ فاقتك بِلْوُ سفر إذا أَبلاها السفر‏.‏ المحكم‏:‏

والبَلِيَّة الناقة أَو الدابة التي كانت تُعْقَلُ في الجاهلية، تُشدّ عند

قبر صاحبها لا تعلف ولا تسقى حتى تموت، كانوا يقولون إن صاحبها يحشر

عليها؛ قال غَيْلان بن الرَّبعِي‏:‏

باتَتْ وباتُوا، كَبَلايا الأَبْلاءُ، مُطْلَنْفِئِينَ عِندَها كالأَطْلاءْ

يصف حَلْبة قادها أَصحابها إلى الغاية، وقد بُلِيت‏.‏ وأَبْلَيْت الرجلَ‏:‏

أَحلفته‏.‏ وابْتَلَى هو‏:‏ استَحْلف واستَعْرَف؛ قال‏:‏

تُبَغّي أَباها في الرِّفاقِ وتَبْتَلي، وأَوْدَى به في لُجَّةِ البَحرِ تمسَحُ

أَي تسأَلهم أَن يحلفوا لها، وتقول لهم‏:‏ ناشدتكم الله هل تعرفون لأَبي

خبراً‏؟‏ وأَبْلى الرجلَ‏:‏ حَلَف له؛ قال‏:‏

وإني لأُبْلي الناسَ في حُبّ غَيْرها، فأَمَّا على جُمْلٍ فإنَي لا أُبْلي

أَي أَحلف للناس إذا قالوا هل تحب غيرها أَني لا أُحب غيرها، فأَما

عليها فإني لا أَحلف؛ قال أَبو سعيد‏:‏ قوله تبتلي في البيت الأَول تختبر، والابتلاء الاختبار بيمين كان أَو غيرها‏.‏ وأَبلَيْت فلاناً يميناً إبْلاء إذا

حلفت له فطيَّبت بها نفسه، وقول أَوس بن حَجَر‏:‏

كأَنَّ جديدَ الأَرضِ، يُبْليكَ عنهُمُ، تَقِيُّ اليَمينِ، بعدَ عَهْدكَ، حالِفُ

أَي يحلف لك؛ التهذيب‏:‏ يقول كأَن جديد أَرض هذه الدار وهو وجهها لما عفا

من رسومها وامَّحَى من آثارها حالفٌ تَقِيّ اليمين، يحلف لك أَنه ما حل

بهذه الدار أَحد لِدُروس معاهدها ومعالمها‏.‏ وقال ابن السكيت في قوله

يبليك عنهم‏:‏ أَراد كأَنّ جديد الأَرض في حال إبلائه إياك أَي تطييبه إياك

حالفٌ تقيّ اليمين‏.‏ ويقال‏:‏ أَبْلى الله فلانٌ إذا حلف؛ قال الراجز‏:‏

فَأَوْجِع الجَنْبَ وأَعْرِ الظَّهْرا، أَو يُبْلِيَ الله يَميناً صَبْرا

ويقال‏:‏ ابتَلَيْت أَي استَحْلَفتُ؛ قال الشاعر‏:‏

تُسائِلُ أَسْماءُ الرِّفاقَ وتَبْتَلي، ومنْ دُونِ ما يَهْوَيْنَ بابٌ وحاجبُ

أَبو بكر‏:‏ البِلاءُ هو أَن يقول لا أُبالي ما صَنَعْتُ مُبالاةً

وبِلاءً، وليس هو من بَليَ الثوبُ‏.‏ ومن كلام الحسن‏:‏ لم يُبالِهِمُ اللهُ بالَةً‏.‏

وقولهم‏:‏ لا أُباليه لا أَكْتَرِثُ له‏.‏ ويقال‏:‏ ما أُباليهِ بالةً وبالاً؛ قال ابن أَحمر‏:‏

أَغَدْواً واعَدَ الحَيّ الزِّيالا، وشَوْقاً لا يُبالي العَيْنَ بالا

وبِلاءً ومُبالاةً ولم أُبالِ ولم أُبَلْ، على القصر‏.‏ وفي الحديث‏:‏

وتَبْقَى حُثالَةٌ لا يُباليهمُ اللهُ بالةً، وفي رواية‏:‏ لا يُبالي بهم بالةً

أَي لا يرفع لهم قدراً ولا يقيم لهم وزناً، وأَصل بالةً باليةً مثل عافاه

عافيةً، فحذفوا الياء منها تخفيفاً كما حذفوا من لم أُبَلْ‏.‏ يقال‏:‏ ما بالَيته وما باليت به أَي لم أَكترث به‏.‏ وفي الحديث‏:‏ هؤلاء في الجنة ولا

أُبالي وهؤلاء في النار ولا أُبالي؛ وحكى الأَزهري عن جماعة من العلماء‏:‏

أَن معناه لا أَكره‏.‏ وفي حديث ابن عباس‏:‏ ما أُباليه بالةً‏.‏ وحديث الرجل مع

عَمَله وأَهلِه ومالِهِ قال‏:‏ هو أَقَلُّهم به بالةً أَي مبالاة‏.‏ قال الجوهري‏:‏ فإذا قالوا لم أُبَلْ حذفوا الأَلف تخفيفاً لكثرة الاستعمال كما حذفوا الياء من قولهم لا أَدْر، كذلك يفعلون بالمصدر فيقولون ما أُبالِيه

بالةً، والأَصل فيه بالية‏.‏ قال ابن بري‏:‏ لم يحذف الأَلف من قولهم لم أَبل

تخفيفاً، وإنما حذفت لالتقاء الساكنين‏.‏ ابن سيده‏:‏ قال سيبويه وسأَلت

الخليل عن قولهم لَمْ أُبَلْ فقال‏:‏ هي من باليت، ولكنهم لما أَسكنوا اللام

حذفوا الأَلف لئلا يلتقي ساكنان، وإنما فعلوا ذلك بالجزم لأَنه موضع حذف، فلما حذفوا الياء التي هي من نفس الحرف بعد اللام صارت عندهم بمنزلة نون

يكن حيث أُسكنت، فإسكان اللام هنا بمنزلة حذف النون من يكن، وإنما فعلوا

هذا بهذين حيث كثر في كلامهم حذف النون والحركات، وذلك نحو مذ ولد وقد علم، وإنما الأَصل منذ ولدن وقد علم، وهذا من الشواذ وليس مما يقاس عليه

ويطرد، وزعم أَن ناساً من العرب يقولون لَمْ أُبَلِهِ، لا يزيدون على حذف

الأَلف كما حذفوا عُلَبِطاً، حيث كثر الحذف في كلامهم كما حذفوا أَلف

احمَرَّ وأَلف عُلَبِطٍ وواو غَدٍ، وكذلك فعلوا بقولهم بَلِيّة كأَنها بالية

بمنزلة العافية، ولم يحذفوا لا أُبالي لأَن الحذف لا يقوى هنا ولا يلزمه

حذف، كما أَنهم إذا قالوا لم يكن الرجل فكانت في موضع تحرك لم تحذف، وجعلوا

الأَلف تثبت مع الحركة، أَلا ترى أَنها لا تحذف في أُبالي في غير موضع

الجزم، وإنما تحذف في الموضع الذي تحذف منه الحركة‏؟‏

وهو بِذِي بِلِّيٍّ وبَلَّى وبُلَّى وبِلَّى وبَلِيٍّ وبِلِيّانٍ

وبَلَيانٍ، بفتح الباء واللام إذا بعد عنك حتى لا تعرف موضعه‏.‏ وقال ابن جني‏:‏

قولهم أَتى على ذي بِلِيّانَ غير مصروف وهو علم البعد‏.‏ وفي حديث خالد بن الوليد‏:‏ أَنه قال إن عمر استعملني على الشام وهو له مُهِمٌّ، فلما أَلْقَى

الشامُ بَوانِيَهُ وصار ثنيه‏.‏ عزلني

واستعمل غيري، فقال رجل‏:‏ هذا والله الفِتْنةُ؛ فقال خالد‏:‏ أَما وابنُ الخطاب

حيٌّ فلا، ولكن ذاك إذا كان الناس بِذِي بِلِّيٍّ وذِي بَلَّى؛ قوله‏:‏

أَلْقَى الشامُ بَوانِيَهُ وصار ثنيه أَي قَرَّ قَرارُهُ واطْمَأن أَمرُه، وأَما قوله إذا كان الناس بذي بِلِّيٍّ فإن أَبا عبيد قال‏:‏ أَراد

تفرّق الناس وأَن يكونوا طوائف وفرقاً من غير إمام يجمعهم، وكذلك كل من بعد

عنك حتى لا تعرف موضعه فهو بذي بلَّيّ، وهو من بَلَّ في الأَرض إذا ذهب، أَراد ضياع أُمور الناس بعده، وفيه لغة أُخرى‏:‏ بذي بِلِّيان؛ قال‏:‏ وكان

الكسائي ينشد هذا البيت في رجل يطيل النوم‏:‏

تَنامُ ويَذْهبُ الأَقْوامُ حَتَّى

يُقالَ‏:‏ أُتَوا على ذي بِلِّيانِ

يعني أَنه أَطال النوم ومضى أَصحابه في سفرهم حتى صاروا إلى الموضع الذي

لا يعرف مكانهم من طول نومه؛ قال ابن سيده‏:‏ وصرفه على مذهبه‏.‏ ابن الأَعرابي‏:‏ يقال فلان بذي بليّ وذي بليّان إذا كان ضائعاً بعيداً عن

أَهله‏.‏ تَبْلى وبَلِيٌّ‏:‏ اسما قبيلتين‏.‏ وبَلِيٌّ‏:‏ حي من اليمن، والنسبة إليهم

بَلَوِيٌّ‏.‏ الجوهري‏:‏ بَلِيٌّ، على فعيل، قبيلة من قضاعة، والنسبة إليهم

بَلَوِيّ‏.‏ والأَبْلاءُ‏:‏ موضع‏.‏ قال ابن سيده‏:‏ وليس في الكلام اسم على

أَفعال إلاّ الأَبواء والأَنْبار والأَبْلاء‏.‏

وبَلَى‏:‏ جواب استفهام فيه حرف نفي كقولك أَلم تفعل كذا‏؟‏ فيقول‏:‏ بلى‏.‏

وبلى‏:‏ جواب استفهام معقود بالجحد، وقيل‏:‏ يكون جواباً للكلام الذي فيه الجحد

كقوله تعالى‏:‏ أَلستُ بربكم قالوا بلى‏.‏ التهذيب‏:‏ وإنما صارت بلى تتصل

بالجحد لأَنها رجوع عن الجحد إلى التحقيق، فهو بمنزله بل، وبل سبيلها أن تأَتي بعد الجحد كقولك‏:‏ ما قام أَخوك بل أَبوك، وما أَكرمت أَخاك بل أَباك، قال‏:‏ وإذا قال الرجل للرجل أَلا تقوم‏؟‏ فقال له‏:‏ بلى، أَراد بل أَقوم، فزادوا الأَلف على بل ليحسن السكوت عليها، لأَنه لو قال بل كان يتوقع كلاماً

بعد بل، فزادوا الأَلف ليزول عن المخاطَب هذا التوهم‏.‏ قال الله تعالى‏:‏

وقالوا لن تمسنا النار إلا أَياماً معدودة، ثم قال‏:‏ بلى من كسب سيئة؛ والمعنى بل من كسب سيئة؛ وقال المبرد‏:‏ بل حكمها الاستدراك أَينما وقعت في جحد

أَو إيجاب، قال‏:‏ وبلى يكون إيجاباً للمنفي لا غير‏.‏ الفراء قال‏:‏ بل تأْتي

لمعنيين‏:‏ تكون إضراباً عن الأَول وإيجاباً للثاني كقولك عندي له دينار

لا بل ديناران، والمعنى الآخر أَنها توجب ما قبلها وتوجب ما بعدها وهذا

يسمى الاستدراك لأَنه أَراده فنسيه ثم استدركه‏.‏ قال الفراء‏:‏ والعرب تقول

بَلْ والله لا آتيك وبَنْ والله، يجعلون اللام فيها نوناً؛ قال‏:‏ وهي لغة

بني سعد ولغة كلب، قال‏:‏ وسمعت الباهليين يقولون لا بَنْ بمعنى لا بَلْ‏.‏ ابن سيده‏:‏ وقوله عز وجل‏:‏ بَلَى قد جاءتك آياتي؛ جاء ببلى التي هي معقودة

بالجحد، وإن لم يكن في الكلام لفظ جحد، لأَن قوله تعالى‏:‏ لو أَن الله هداني؛ في قوّة الجحد كأَنه قال ما هُدِيتُ، فقيل بلى قد جاءتك آياتي؛ قال ابن سيده‏:‏ وهذا محمول على الواو لأَن الواو أَظهر هنا من الياء، فحملت ما لم تظهر فيه عى ما ظهرت فيه؛ قال‏:‏ وقد قيل إن الإمالة جائزة في بلى، فإذا

كان ذلك فهو من الياء‏.‏ وقال بعض النحويين‏:‏ إنما جازت الإمالة في بلى لأَنها

شابهت بتمام الكلام واستقلاله بها وغنائها عما بعدها الأَسماء المستقبلة

بأَنفسها، فمن حيث جازت إمالة الأَسماء جازت أَيضاً إمالة بلى، أَلا ترى

أَنك تقول في جواب من قال أَلم تفعل كذا وكذا‏:‏ بلى، فلا تحتاج لكونها

جواباً مستقلاً إلى شيء بعدها، فلما قامت بنفسها وقويت لحقت في القوة

بالأَسماء في جواز إمالتها كما أُميل أنَّى ومتى‏.‏ الجوهري‏:‏ بلى جواب للتحقيق

يوجب ما يقال لك لأَنها ترك للنفي، وهي حرف لأَنها نقيضة لا، قال سيبويه‏:‏

ليس بلى ونعم اسمين، وقال‏:‏ بلْ مخففٌ حرفٌ، يعطف بها الحرف الثاني على

الأَول فيلزمه مثل إعرابه، وهو الإضراب عن الأَول للثاني، كقولك‏:‏ ما جاءني

زيد بل عمرو، وما رأَيت زيداً بل عمراً، وجاءني أَخوك بل أَبوك، تعطف بها

بعد النفي والإثبات جميعاً؛ وربما وضعوه موضع رب كقول الراجز‏:‏

بَلْ مَهْمَهٍ قَطَعْتُ بَعْدَ مَهْمَهِ

يعني رب مهمه، كما يوضع الحرف موضع غيره اتساعاً؛ وقال آخر‏:‏

بَلْ جَوْز تَيْهاءَ كظَهْرِ الحَجَفَتْ

وقوله عز وجل‏:‏ ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق؛ قال الأَخفش عن بعضهم‏:‏ إن بل ههنا بمعنى إنّ، فلذلك صار القسم عليها؛ قال‏:‏ وربما

استعملته العرب في قطع كلام واستئناف آخر فينشد الرجل منهم الشعر فيقول‏:‏

بل ما هاجَ أَحزاناً وشَجْواً قَدْ شَجَا

ويقول‏:‏

بل وبَلْدَةٍ ما الإنسُ منْ آهالِها