فصل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ابن تيمية **


 

/ فصـــل

إذا تبين هذا فقول السائل‏:‏ كيف ينزل‏؟‏ بمنزلة قوله‏:‏ كيف استوى‏؟‏ وقوله‏:‏ كيف يسمع‏؟‏ وكيف يبصر‏؟‏ وكيف يعلم ويقدر‏؟‏ وكيف يخلق ويرزق‏؟‏ وقد تقدم الجواب عن مثل هذا السؤال من أئمة الإسلام مثل‏:‏ مالك بن أنس، وشيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ فإنه قد روى من غير وجه أن سائلاً سأل مالكاً عن قوله‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏ 5‏]‏‏:‏ كيف استوى‏؟‏ فأطرق مالك حتى علاه الرُّحَضَاء ‏[‏أي‏:‏ العرق‏]‏ ثم قال‏:‏ الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا رجل سوء؛ ثم أمر به فأخرج‏.‏

ومثل هذا الجواب ثابت عن ربيعة شيخ مالك، وقد روي هذا الجواب عن أم سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ موقوفًا ومرفوعًا، ولكن ليس إسناده مما يعتمد عليه، وهكذا سائر الأئمة، قولهم يوافق قول مالك‏:‏ في أنا لا نعلم كيفية استوائه كما لا نعلم كيفية ذاته، ولكن نعلم المعنى الذي دل عليه الخطاب، فنعلم معنى الاستواء، ولا نعلم كيفيته، وكذلك نعلم معنى النزول، ولا نعلم كيفيته، ونعلم معنى السمع والبصر والعلم والقدرة، ولا نعلم كيفية ذلك، ونعلم معنى الرحمة والغضب والرضا والفرح والضحك، ولا نعلم كيفية ذلك‏.‏

/وأما سؤال السائل‏:‏ هل يخلو منه العرش أم لا يخلو منه‏؟‏ وإمساك المجيب عن هذا لعدم علمه بما يجيب به فإنه إمساك عن الجواب بما لم يعلم حقيقته، وسؤال السائل له عن هذا إن كان نفيًا لما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم، فخطأ منه، وإن كان استرشادًا ، فحسن، وإن كان تجهيلًا للمسؤول، فهذا فيه تفصيل؛ فإن المثبت الذي لم يثبت إلا ما أثبته الرسول صلى الله عليه وسلم ونفي علمه بالكيفية، فقوله سديد لا يرد عليه سؤاله، والمعترض الذي يعترض عليه بهذا السؤال، اعتراضه باطل؛ فإن ذلك لا يقدح في جواب المجيب‏.‏

وقول المسؤول‏:‏ هذا قول مبتدع ورأى مخترع ـ حيدة منه عن الجواب ـ يدل على جهله بالجواب السديد، ولكن لا يدل هذا على أن نفي المعترض لما أخبر به الرسول حق، ولا على أن تأويله بنزول أمره ورحمته تأويل صحيح‏.‏

ومما يبين ذلك‏:‏ أن هذا المعترض إما أن يقر بأن اللّه فوق العرش، وإما ألا يكون مقرًا بذلك‏.‏ فإن لم يكن مقرًا بذلك، كان قوله‏:‏ هل يخلو العرش منه أم لا يخلو‏؟‏ كلامًا باطلًا؛ لأن هذا التقسيم فرع ثبوت كونه على العرش، وإن قال المعترض‏:‏ أنا ذكرت هذا التقسيم لأنفي نزوله وأنفي العلو؛ لأنه إن قال‏:‏ يخلو منه العرش، لزم أن يخلو من استوائه على العرش وعلوه عليه، وألا يكون وقت النزول هو العلي الأعلى، بل يكون في جوف العالم والعالم محيط به‏.‏ وإن قال‏:‏ إن العرش لا يخلو منه، قيل له‏:‏ فإذا لم يخل العرش منه لم يكن قد نزل، فإن نزوله بدون خلو العرش منه لا يعقل‏.‏ فيقال لهذا المعترض /‏:‏ هذا الاعتراض باطل لا ينفعك؛ لأن الخالق ـ سبحانه وتعالى ـ موجود بالضرورة والشرع والعقل والاتفاق، فهو إما أن يكون مباينًا للعالم فوقه، وإما أن يكون مداخلًا للعالم محايثًا، وإما أن يكون لا هذا ولا هذا‏.‏

فإن قلت‏:‏ إنه محايث للعالم بطل قولك، فإنك إذا جوزت نزوله وهو بذاته في كل مكان، لم يمتنع عندك خلو ما فوق العرش منه، بل هو دائمًا خال منه‏.‏لأنه هناك ليس عندك شيء، ثم يقال لك‏:‏ وهل يعقل مع هذا أن يكون في كل مكان وأنه مع هذا ينزل إلى السماء الدنيا‏؟‏ فإن قلت‏:‏نعم، قيل لك‏:‏ فإذا نزل، هل يخلو منه بعض الأمكنة أو لا يخلو‏؟‏ فإن قلت‏:‏ يخلو منه بعض الأمكنة، كان هذا نظير خلو العرش منه‏.‏ فإن قلت‏:‏ لا يخلو منه مكان، كان هذا نظير كون العرش لا يخلو منه‏.‏ فإن جوزت هذا، كان لخصمك أن يجوز هذا‏.‏

فقد لزمك على قولك ما يلزم منازعك، بل قولك أبعد عن المعقول؛ لأن نزول من هو فوق العالم أقرب إلى المعقول من نزول من هو حال في جميع العالم، فإن نزول هذا لا يعقل بحال، وما فررت منه من الحلول وقعت في نظيره، بل منازعك الذي يجوز أن يكون فوق العالم وهو أعظم عنده من العالم وينزل إلى العالم أشد تعظيمًا للّه منك، ويقال له‏:‏ هل يعقل موجودان قائمان بأنفسهما أحدهما محايث للآخر‏؟‏ فإن قال‏:‏لا، بطل قوله‏.‏ وإن قال‏:‏ نعم، قيل له‏:‏ فليعقل أنه فوق العرش وأنه ينزل إلى السماء الدنيا ولا يخلو منه العرش، فإن هذا أقرب إلى العقل مما إذا قلت‏:‏إنه حال في العالم‏.‏

/وإن قلت‏:‏ إنه لا مباين للعالم ولا مداخل له‏.‏ قيل لك‏:‏ فهل يعقل موجودان قائمان بأنفسهما ليس أحدهما مباينًا للآخر ولا محايثًا له‏؟‏ فإن جمهور العقلاء يقولون‏:‏ إن فساد هذا معلوم بالضرورة، فإذا قال‏:‏ نعم يعقل ذلك، فيقال له‏:‏ فإن جاز وجود موجود قائم بنفسه ليس هو مباينًا للعالم ولا محايثًا له، فوجود مباين للعالم ينزل إلى العالم ولا يخلو منه ما فوق العالم أقرب إلى المعقول؛ فإنك إن كنت لا تثبت من الوجود إلا ما تعقل له حقيقة في الخارج، فأنت لا تعقل في الخارج موجودين قائمين بأنفسهما ليس أحدهما داخلًا في الآخر ولا محايثًا له، وإن كنت تثبت ما لا تعقل حقيقته في الخارج، فوجود موجودين أحدهما مباين للآخر أقرب إلى المعقول، ونزول هذا من غير خلو ما فوق العرش منه أقرب إلى المعقول من كونه لا فوق العالم ولا داخل العالم، فإن حكمت بالقياس، فالقياس عليك لا لك، وإن لم تحكم به، لم يصح استدلالك على منازعك به‏.‏

وأما قول السائل‏:‏ ليس هذا جوابي بل هو حَيْدَة عن الجواب، فيقال له‏:‏ الجواب على وجهين‏:‏ جواب معترض ناف لنزوله وعلوه، وجواب مثبت لنزوله وعلوه، وأنت لم تسأل سؤال مستفت، بل سألت سؤال معترض ناف‏.‏ وقد تبين لك أن هذا الاعتراض ساقط لا ينفعك، فإنه سواء قيل‏:‏ إنه يخلو منه العرش أو قيل‏:‏لا يخلو منه العرش، ليس في ذلك ما يصحح قولك‏:‏ إنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا قولك إنه بذاته في كل مكان‏.‏ وإذا / بطل هذان القولان تعين الثالث، وهو‏:‏ أنه ـ سبحانه وتعالى ـ فوق سمواته على عرشه، بائن من خلقه، وإذا كان كذلك، بطل قول المعترض‏.‏

هذا إن كان المعترض غير مقر بأنه فوق العرش، وقد سئل بعض أئمة نفاة العلو عن النزول، فقال‏:‏ ينزل أمره‏.‏ فقال له السائل‏:‏ فممن ينزل‏؟‏ ما عندك فوق العالم شيء فممن ينزل الأمر‏؟‏ من العدم المحض ‏!‏‏!‏ فبهت‏.‏

وإن كان المعترض من المثبتة للعلو، ويقول‏:‏ إن اللّه فوق العرش، لكن لا يقر بنزوله، بل يقول بنزول ملك أو يقول بنزول أمره الذي هو مأمور به، وهو مخلوق من مخلوقاته؛ فيجعل النزول مفعولًا محدثًا يحدثه اللّه في السماء، كما يقال مثل ذلك في استوائه على العرش، فيقال له‏:‏ هذا التقسيم يلزمك فإنك إن قلت‏:‏ إذا نزل يخلو منه العرش، لزم المحذور الأول، وإن قلت‏:‏ لا يخلو منه العرش، أثبت نزولًا مع عدم خلو العرش منه، وهذا لا يعقل على أصلك‏.‏

وإن قال‏:‏ إنما أثبت ذلك في بعض مخلوقاته، قيل له‏:‏ أي شيء أثبته مع عدم فعل اختياري يقوم بنفسه كان غير معقول من هذا الخطاب؛ لا يمكن أن يراد به أصلًا ، مع تحريف الكلم عن مواضعه، فجمعت بين شيئين‏:‏ بين أن ما أثبته لا يمكن أن يعقل من خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين أنك حرفت كلام الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏ فإن قلت‏:‏ الذي ينزل ملك‏.‏ قيل‏:‏ هذا باطل من وجوه‏:‏

/منها‏:‏ أن الملائكة لا تزال تنزل بالليل والنهار إلى الأرض، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 2‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏64‏]‏‏.‏

وفي الصحيحين‏:‏ عن أبي هريرة وأبي سعيد ـ رضي اللّه عنهما ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج إليه الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم‏:‏ كيف تركتم عبادي‏؟‏ فيقولون‏:‏ أتيناهم وهم يُصَلُّون، وتركناهم وهم يصلون‏)‏‏.‏

وكذلك ثبت في الصحيح‏:‏ عن أبي هريرة،عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إن للّه ملائكة سياحين فُضْلً،يَتَتَبعون مجالس الذِّكر‏.‏فإذا مَرُّوا على قوم يذكرون اللّه ـ تعالى ـ ينادون‏:‏ هَلُمُّوا إلى حاجتكم فَيحفُّونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا‏)‏‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فيسألهم ربهم ـ وهو أعلم بهم ـ‏:‏ما يقول عبادي‏؟‏‏)‏ قال‏:‏ ‏(‏فيقولون‏:‏ يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك‏)‏‏.‏

وفي رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏إن للّه ملائكة سيارة، فضلًا عن كتاب الناس، يتبعون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلسًا فيه ذكر، قعدوا معهم، وحف بعضهم بعضًا حتى يملؤوا ما بينهم وبين سماء الدنيا، فإذا تفرقوا، عرجوا أو صعدوا إلى السماء‏)‏‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏فيسألهم اللّه عز وجل ـ وهو أعلم بهم ـ‏:‏ من أين جئتم‏؟‏ فيقولون‏:‏ جئنا /من عند عبادك في الأرض، يسبحونك ويكبرونك ويهللونك ويحمدونك، ويسألونك‏)‏‏.‏الحديث بطوله‏.‏

الوجه الثاني أنه قال فيه‏:‏ ‏(‏من يسألني فأعطيه‏؟‏ من يدعوني فأستجيب له‏؟‏ من يستغفرني فأغفرله‏؟‏‏)‏‏.‏ وهذه العبارة لا يجوز أن يقولها ملك عن اللّه، بل الذي يقول الملك‏:‏ ما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إذا أحب اللّه العبد نادى جبريل أني أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء أن اللّه يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض‏)‏، وذكر في البغض مثل ذلك‏.‏

فالملك إذا نادى عن اللّه لا يتكلم بصيغة المخاطب، بل يقول‏:‏إن اللّه أمر بكذا أوقال كذا‏.‏ وهكذا إذا أمر السلطان مناديًا ينادي فإنه يقول‏:‏ يامعشر الناس، أمر السلطان بكذا، ونهى عن كذا، ورسم بكذا، لا يقول‏:‏ أمرت بكذا، ونهيت عن كذا، بل لو قال ذلك بودر إلى عقوبته‏.‏

وهذا تأويل من التأويلات القديمة للجهمية، فإنهم تأولوا تكليم اللّه لموسى ـ عليه السلام ـ بأنه أمر ملكًا فكلمه، فقال لهم أهل السنة‏:‏ لو كلمه ملك لم يقل‏:‏ ‏{‏إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي‏}‏ ‏[‏طه‏:‏14‏]‏، بل كان يقول كما قال المسيح ـ عليه السلام‏:‏ ‏{‏مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏ 117‏]‏‏.‏

فالملائكة رسل اللّه إلى الأنبياء تقول كما كان جبريل ـ عليه السلام ـ يقول/لمحمد صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ‏}‏ ‏[‏مريم‏:‏64‏]‏ ويقول‏:‏إن اللّه يأمرك بكذا ويقول كذا، لا يمكن أن يقول ملك من الملائكة‏:‏ ‏{‏إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي‏}‏ ‏[‏طه‏:‏14‏]‏، ولا يقول‏:‏ ‏(‏من يدعوني فأستجيب له‏؟‏ من يسألني فأعطيه‏؟‏ من يستغفرني فأغفر له‏؟‏‏)‏، ولا يقول‏:‏لا يسأل عن عبادي غيري، كما رواه النسائي وابن ماجة وغيرهما، وسندهما صحيح أنه يقول‏:‏ ‏(‏لا أسأل عن عبادي غيري‏)‏‏.‏

وهذا ـ أيضًا ـ مما يبطل حجة بعض الناس، فإنه احتج بما رواه النسائي في بعض طرق الحديث أنه يأمر مناديًا فينادي، فإن هذا إن كان ثابتًا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الرب يقول ذلك، ويأمر مناديًا بذلك، لا أن المنادي يقول‏:‏ ‏(‏من يدعوني فأستجيب له‏؟‏‏)‏، ومن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أن المنادي يقول ذلك، فقد علمنا أنه يكذب على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏.‏ فإنه ـ مع أنه خلاف اللفظ المستفيض المتواتر الذي نقلته الأمة خلفًا عن سلف ـ فاسد في المعقول، فعلم أنه من كذب بعض المبتدعين، كما روى بعضهم ‏[‏ينزل‏]‏ بالضم، وكما قرأ بعضهم‏:‏ ‏{‏وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏164‏]‏، ونحو ذلك من تحريفهم اللفظ والمعنى‏.‏

وإن تأول ذلك بنزول رحمته أو غير ذلك، قيل‏:‏ الرحمة التي تثبتها إما أن تكون عينً قائمة بنفسها، وإما أن تكون صفة قائمة في غيرها‏.‏

/فإن كانت عينًا وقد نزلت إلى السماء الدنيا، لا يمكن أن تقول‏:‏ من يدعوني فأستجيب له‏؟‏ كما لا يمكن الملك أن يقول ذلك‏.‏

وإن كانت صفة من الصفات، فهي لا تقوم بنفسها، بل لابد لها من محل‏.‏ ثم لا يمكن الصفة أن تقول هذا الكلام ولا محلها‏.‏ ثم إذا نزلت الرحمة إلى السماء الدنيا ولم تنزل إلينا، فأي منفعة لنا في ذلك‏؟‏

وإن قال‏:‏ بل الرحمة ما ينزله على قلوب قوّام الليل في تلك الساعة، من حلاوة المناجاة والعبادة، وطيب الدعاء والمعرفة، وما يحصل في القلوب من مزيد المعرفة باللّه والإيمان به وذكره وتجليه لقلوب أوليائه، فإن هذا أمر معروف يعرفه قوّام الليل، قيل له‏:‏ حصول هذا في القلوب حق، لكن هذا ينزل إلى الأرض إلى قلوب عباده لا ينزل إلى السماء الدنيا، ولا يصعد بعد نزوله، وهذا الذي يوجد في القلوب يبقى بعد طلوع الفجر، لكن هذا النور والبركة والرحمة التي في القلوب، هي من آثار ما وصف به نفسه من نزوله بذاته ـ سبحانه وتعالى‏.‏

كما وصف نفسه بالنزول عَشِيَّة عَرَفَة في عدة أحاديث صحيحة، وبعضها في صحيح مسلم عن عائشة ـ رضي اللّه عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ما من يوم أكثر من أن يعتق اللّه فيه عبدًا من النار من يوم عرفة، وأنه ـ عز وجل ـ ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول‏:‏ ما أراد هؤلاء‏؟‏‏)‏‏,‏ وعن جابر بن عبد اللّه ـ رضي اللّه عنه ـ قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا كان يوم عرفة أن اللّه ينزل إلى سماء الدنيا يباهي بأهل عرفة الملائكة فيقول‏:‏ انظروا إلى عبادي أتونى شُعْثًا غُبْرًا / ضاحين من كل فَجّ عميق‏)‏ ‏[‏والشُّعْث‏:‏ هو اغبرار الرأس‏,‏ والغَبَرُ‏:‏ هو التراب، والغُبْرة‏:‏ لونه‏]‏‏.‏ وعن أم سلمة ـ رضي اللّه عنها ـ قالت‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن اللّه ينزل إلى السماء الدنيا يباهي بأهل عرفة الملائكة ويقول‏:‏ انظروا إلى عبادي، أتونى شُعْثًا غُبْرًا‏)‏ فوصف أنه يدنو عشية عرفة إلى السماء الدنيا، ويباهي الملائكة بالحجيج فيقول‏:‏ ‏(‏انظروا إلى عبادي أتوني شعثًا غبرًا ما أراد هؤلاء‏؟‏‏)‏ فإنه من المعلوم أن الحجيج عشية عرفة ينزل على قلوبهم من الإيمان والرحمة والنور والبركة ما لا يمكن التعبير عنه، لكن ليس هذا الذى في قلوبهم هو الذى يدنو إلى السماء الدنيا، ويباهي الملائكة بالحجيج‏.‏

والجهمية ونحوهم من المعطلة، إنما يثبتون مخلوقًا بلا خالق، وأثرًا بلا مؤثر، ومفعولًا بلا فاعل، وهذا معروف من أصولهم، وهذا من فروع أقوال الجهمية‏.‏

وأيضًا‏,‏ فيقال له‏:‏ وصف نفسه بالنزول كوصفه في القرآن بأنه ‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏ ‏[‏الحديد‏:‏4‏]‏ وبأنه استوى إلى السماء وهي دخان، وبأنه نادى موسى وناجاه في البقعة المباركة من الشجرة‏,‏ وبالمجيء والإتيان في قوله‏:‏ ‏{‏وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏22‏]‏‏,‏ وقال‏:‏ ‏{‏هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 158‏]‏‏.‏

والأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في إتيان الرب يوم القيامة كثيرة‏,‏ وكذلك إتيانه لأهل الجنة يوم الجمعة، وهذا مما احتج به السلف على من ينكر الحديث، فبينوا له أن القرآن يصدق معنى هذا الحديث‏,‏ كما احتج به إسحاق /بن راهويه على بعض الجهمية بحضرة الأمير عبد اللّه بن طاهرـ أمير خراسان‏.‏

قال أبو عبد اللّه الرِّبَاطي‏:‏ حضرت يومًا مجلس الأمير عبد اللّه بن طاهر ذات يوم‏,‏ وحضر إسحاق بن راهويه، فسئل عن حديث النزول‏:‏ أصحيح هو‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، فقال له بعض قواد عبد اللّه‏:‏ يا أبا يعقوب‏,‏ أتزعم أن اللّه ينزل كل ليلة‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ كيف ينزل‏؟‏ قال‏:‏ أثبته فوق‏,‏ حتى أصف لك النزول‏,‏ فقال له الرجل‏:‏ أثبته فوق‏,‏ فقال له إسحاق‏:‏ قال اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏22‏]‏ فقال الأمير عبد اللّه بن طاهر‏:‏ يا أبا يعقوب، هذا يوم القيامة ‏!‏ فقال إسحاق‏:‏ أعز اللّه الأمير‏,‏ ومن يجيء يوم القيامة‏,‏ من يمنعه اليوم‏؟‏‏!‏‏.‏

ثم بعد هذا، إذا نزل‏:‏ هل يخلو منه العرش أو لا يخلو‏؟‏ هذه مسألة أخرى تكلم فيها أهل الإثبات‏.‏

فمنهم من قال‏:‏ لا يخلو منه العرش‏,‏ ونقل ذلك عن الإمام أحمد بن حنبل في رسالته إلى مُسَدَّد، وعن إسحاق بن راهويه، وحماد بن زيد، وعثمان بن سعيد الدارمي، وغيرهم‏.‏

ومنهم من أنكر ذلك، وطعن في هذه الرسالة‏,‏ وقال‏:‏ راويها عن أحمد بن حنبل مجهول لا يعرف‏.‏

والقول الأول معروف عند الأئمة‏,‏ كحماد بن زيد،وإسحاق بن راهويه / وغيرهما، قال الخلال في ‏[‏كتاب السنة‏]‏‏:‏ حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، ثنا أحمد بن محمد المقدمي، ثنا سليمان بن حرب، قال‏:‏ سأل بشر بن السُّرِّي حماد بن زيد فقال‏:‏ يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء‏:‏ ‏(‏ينزل ربنا إلى سماء الدنيا‏)‏ يتحول من مكان إلى مكان‏؟‏ فسكت حماد بن زيد‏,‏ ثم قال‏:‏ هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء‏.‏ ورواه ابن بطة في كتاب ‏[‏الإبانة‏]‏ فقال‏:‏ حدثني أبو القاسم حفص بن عمر الأردبيلي، حدثنا أبو حاتم الرازي‏,‏ حدثنا سليمان بن حرب، قال‏:‏ سأل بشر بن السري حماد بن زيد فقال‏:‏ يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء ‏(‏ينزل اللّه إلى سماء الدنيا‏)‏ أيتحول من مكان إلى مكان‏؟‏ فسكت حماد بن زيد‏,‏ ثم قال‏:‏ هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء‏,‏ وقال ابن بطة‏:‏ وحدثنا أبو بكر النجاد، ثنا أحمد بن على الأبار ‏[‏هو أبو العباس أحمد بن علي بن مسلم الأبار‏,‏ الحافظ المتقن، من علماء الأثر ببغداد‏,‏ وكان من أزهد الناس، وتوفي سنة 092هـ‏]‏، ثنا على بن خَشْرَم ‏[‏هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الإسكافي الأثرم، أحد الأعلام ومصنف السنن، له مصنفات في علل الحديث، و ثقه ابن حبان، وتكلم فيه غيره، مات سنة 273هـ وقيل غير ذلك‏]‏‏.‏، قال‏:‏ قال إسحاق بن راهويه‏:‏ دخلت على عبد اللّه بن طاهر، فقال‏:‏ ما هذه الأحاديث التي تروونها‏؟‏ قلت‏:‏ أي شيء، أصلح اللّه الأمير‏؟‏ قال‏:‏ تروون أن اللّه ينزل إلى السماء الدنيا‏؟‏‏!‏ قلت‏:‏ نعم‏,‏ رواها الثقات الذين يروون الأحكام‏.‏ قال‏:‏ أينزل ويدع عرشه‏؟‏ قال‏:‏ فقلت‏:‏ يقدر أن ينزل من غير أن يخلو العرش منه‏.‏ قال‏:‏ نعم‏.‏ قلت‏:‏ ولم تتكلم في هذا‏؟‏‏!‏

وقد رواها اللالكائي ـ أيضًا ـ بإسناد منقطع‏,‏ واللفظ مخالف لهذا‏.‏ وهذا الإسناد أصح، وهذه والتي قبلها حكايتان صحيحتان رواتهما أئمة ثقات‏.‏ فحماد بن زيد يقول‏:‏ هو في مكانه يقرب من خلقه كيف شاء‏,‏ فأثبت قربه إلى خلقه مع/ كونه فوق عرشه، وعبد اللّه بن طاهر ـ وهو من خيار من ولي الأمر بخراسان ـ كان يعرف أن اللّه فوق العرش، وأشكل عليه أنه ينزل، لتوهمه أن ذلك يقتضي أن يخلو منه العرش، فأقره الإمام إسحاق على أنه فوق العرش، وقال له‏:‏ يقدر أن ينزل من غير أن يخلو منه العرش‏؟‏ فقال له الأمير‏:‏ نعم‏,‏ فقال له إسحاق‏:‏ لم تتكلم في هذا‏؟‏ يقول‏:‏ فإذا كان قادرًا على ذلك لم يلزم من نزوله خلو العرش منه، فلا يجوز أن يعترض على النزول بأنه يلزم منه خلو العرش‏,‏ وكان هذا أهون من اعتراض من يقول‏:‏ ليس فوق العرش شيء، فينكر هذا وهذا‏.‏

ونظيره ما رواه أبو بكر الأثرم في ‏[‏السنة‏]‏ قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن الحارث يعني العُبَادي ـ قال‏:‏ حدثني الليث بن يحيى‏,‏ قال‏:‏ سمعت إبراهيم بن الأشعث يقول‏:‏ سمعت الفضيل بن عياض يقول‏:‏ إذا قال الجهمي‏:‏ أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل‏:‏ أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء‏.‏ أراد الفضيل بن عياض ـ رحمه اللّه ـ مخالفة الجهمي الذي يقول‏:‏ إنه لا تقوم به الأفعال الاختيارية فلا يتصور منه إتيان، ولا مجيء، ولا نزول، ولا استواء، ولا غير ذلك من الأفعال الاختيارية القائمة به‏.‏ فقال الفضيل‏:‏ إذا قال لك الجهمي‏:‏ أنا أكفر بربيزول عن مكانه، فقل‏:‏ أنا أومن برب يفعل ما شاء‏.‏ فأمره أن يؤمن بالرب الذي يفعل ما يشاء من الأفعال القائمة بذاته التي يشاؤها‏,‏ لم يرد من المفعولات المنفصلة عنه‏.‏

ومثل ذلك ما يروى عن الأوزاعي وغيره من السلف، أنهم قالوا في حديث النزول‏:‏ يفعل اللّه ما يشاء‏.‏ قال اللالكائي‏:‏ حدثنا المسير بن عثمان‏,‏ حدثنا /أحمد بن الحسين، ثنا أحمد بن على الأبَّار، قال‏:‏ سمعت يحيى بن مَعِين يقول‏:‏ إذا سمعت الجهمي يقول‏:‏ أنا أكفر برب ينزل‏,‏ فقل‏:‏أنا أومن برب يفعل ما يريد، فإن بعض من يعظمهم وينفي قيام الأفعال الاختيارية به ـ كالقاضي أبي بكر‏,‏ ومن اتبعه، وابن عَقِيل‏,‏ والقاضي عياض‏,‏ وغيرهم ـ يحمل كلامهم على أن مرادهم بقولهم‏:‏ ‏[‏يفعل ما يشاء‏]‏ أن يحدث شيئًا منفصلًا عنه من دون أن يقوم به هو فعل أصلًا‏.‏ وهذا أوجبه أصلان لهم‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الفعل عندهم هو المفعول‏,‏ والخلق هو المخلوق‏,‏ فهم يفسرون أفعاله المتعدية، مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏54‏]‏ وأمثاله‏:‏ أن ذلك وجد بقدرته من غير أن يكون منه فعل قام بذاته، بل حاله قبل أن يخلق وبعد ما خلق سواء، لم يتجدد عندهم إلا إضافة ونسبة وهي أمر عدمي‏,‏ لا وجودي‏,‏ كما يقولون مثل ذلك في كونه يسمع أصوات العباد، ويرى أعمالهم وفي كونه كلم موسى وغيره، وكونه أنزل القرآن، أو نسخ منه ما نسخ، وغير ذلك؛ فإنه لم يتجدد عندهم إلا مجرد نسبة وإضافة بين الخالق والمخلوق‏,‏ وهي أمر عدمي‏,‏ لا وجودي‏.‏

وهكذا يقولون في استوائه على العرش إذا قالوا‏:‏ إنه فوق العرش، وهذا قول ابن عقيل وغيره، وهو أول قولي القاضي أبي يعلى‏.‏ ويسمى ابن عقيل هذه النسبة‏:‏ الأحوال، ولعله يشبهها بالأحوال التي يثبتها من يثبتها من النظار،/ ويقولون‏:‏ هي لا موجودة ولا معدومة، كما يقول ذلك أبو هاشم‏,‏ والقاضيان‏:‏ أبو بكر، وأبو يعلى‏,‏ وأبو المعالي الجويني في أول قوليه‏.‏

وأكثر الناس خالفوهم في هذا الأصل‏,‏ وأثبتوا له ـ تعالى ـ فعلًا قائمًا بذاته، وخلقًا غير المخلوق ـ ويسمى التكوين ـ وهو الذي يقول به قدماء الكُلابية‏,‏ كما ذكره الثقفي والضُّبَعِي وغيرهما من أصحاب أبي بكر محمد بن خُزَيّمة في العقيدة؛ التي كتبوها وقرؤوها على أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة؛ لما وقع بينهم النزاع في ‏[‏مسألة القرآن‏]‏‏.‏ وهو آخر قولي القاضي أبي يعلى وجمهور الحنفية والحنبلية وأئمة المالكية والشافعية، وهو الذي ذكره البغوي في ‏[‏شرح السنة‏]‏ عن أهل السنة، وذكره البخاري إجماع العلماء، كما بسط ذلك في مواضع أخر‏.‏

والأصل الثاني‏:‏ نفيهم أن تقوم به أمور تتعلق بقدرته ومشيئته، ويسمون ذلك‏:‏ ‏[‏حلول الحوادث‏]‏ فلما كانوا نفاة لهذا‏,‏ امتنع عندهم أن يقوم به فعل اختياري‏,‏ يحصل بقدرته ومشيئته‏,‏ لا لازم ولا متعد، لا نزول ولا مجيء‏,‏ ولا استواء ولا إتيان، ولا خلق، ولا إحياء‏,‏ ولا إماتة، ولا غير ذلك‏.‏ فلهذا فسروا قول السلف بالنزول بأنه يفعل ما يشاء‏,‏ على أن مرادهم حصول مخلوق منفصل، لكن كلام السلف صريح في أنهم لم يريدوا ذلك‏,‏ وإنما أرادوا الفعل الاختياري الذي يقوم به‏.‏

/والفضيل بن عياض ـ رحمه اللّه ـ لم يرد أنه يخلو منه العرش‏,‏ بل أراد مخالفة الجهمية؛ فإن قوله‏:‏ ‏[‏يفعل ما يشاء‏]‏ لا يتضمن أنه لابد أن يكون تحت العرش بل كلامه من جنس كلام أمثاله من السلف، كالأوزاعي‏,‏ وحماد بن زيد‏,‏ وغيرهما‏.‏ ومنهم من أنكر ما روى عن أحمد في رسالته إلى مُسَدَّد‏,‏ وقال‏:‏ راويها عن أحمد مجهول، لا يعرف في أصحاب أحمد من اسمه أحمد بن محمد البَرْدَعِيّ‏.‏

وأهل الحديث في هذا على ثلاثة أقوال‏:‏

منهم من ينكر أن يقال‏:‏ يخلو أو لا يخلو‏,‏ كما يقول ذلك الحافظ عبد الغني المقدسي وغيره‏.‏

ومنهم من يقول‏:‏ بل يخلو منه العرش، وقد صنف أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه بن محمد بن منده مصنفًا في الإنكار على من قال‏:‏ لا يخلو منه العرش‏,‏ وسماه‏:‏ ‏[‏الرد على من زعم أن اللّه في كل مكان، وعلى من زعم أن اللّه ليس له مكان، وعلى من تأول النزول على غير النزول‏]‏‏.‏

 وذكر أنه سئل عن حديث أخرجه أبو سعيد النقاش في ‏[‏أقوال أهل السنة‏]‏؛ عن أبي الحسن محمد بن على المروزي‏,‏ عن محمد بن إبراهيم الدينوري، عن على بن أحمد بن محمد بن موسى، عن أحمد بن محمد البَرْدَعِي التميمي، قال‏:‏ لما أشكل على مُسَدَّد بن مسرهد أمر السنة، وما وقع فيه الناس من ‏[‏القدر‏]‏/و‏[‏الرفض‏]‏ و‏[‏الاعتزال‏]‏ و‏[‏الإرجاء‏]‏‏,‏ و‏[‏خلق القرآن‏]‏ كتب إلى أحمد بن حنبل‏:‏ أن أكتب إلىّ سنة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فكتب إليه‏:‏

بسم اللّه الرحمن الرحيم

أما بعد‏,‏ ثم ذكر فيها‏:‏ وينزل اللّه إلى السماء الدنيا ولا يخلو منه العرش، وعن حديث روي عن إسحاق بن راهويه في هذا المعنى‏.‏

وزعم عبد الرحمن أن هذا اللفظ لفظ منكر في الحديث عنهما وعن غيرهما، وحكمه عند أهل الأثر حكم حديث منكر، وقال‏:‏ أحمد بن محمد البَرْدَعِيّ مجهول، لا يعرف في أصحاب أحمدمن اسمه ‏[‏أحمد بن محمد‏]‏‏,‏ فيمن روى عن أحمد بن محمد بن حنبل كأحمد بن محمد بن هانئ، وأبي بكر الأثرم، وأحمد بن محمد بن الحجاج ‏[‏هو أحمد بن محمد بن الحجاج، عالم بالفقه والحديث، وكان أجل أصحاب الإمام أحمد‏,‏ وروى عنه مسائل كثيرة، ووصف بأنه كثير التصانيف، توفي سنة 275هـ‏]‏، وأبي بكر المروزي ‏[‏هو إمام محدث، ورحَّال صادق، من الثقات ببلخ، طوف وسمع الكثير، وخرج لنفسه معجمًا، توفي سنة 376هـ‏]‏، وأحمد بن محمد بن عيسى البراني القاضي، وأحمد بن محمد الصائغ‏,‏ وأحمد بن محمد بن غالب القاص غلام خليل، وأحمد بن محمد بن مزيد الوراق‏.‏

وزاد ابن الجوزي‏:‏ أحمد بن محمد بن خالد أبا بكر القاضي، وأحمد بن خالد أبا العباس البراني، وأحمد بن محمد بن عبد اللّه بن صدقة وأحمد بن محمد بن عبد اللّه ابن صالح الأسدي‏,‏ وأحمد بن محمد بن عبد الحميد الكوفي، وأحمد بن محمد بن يحيى الكحال‏,‏ وأحمد بن محمد بن البخاري، وأحمد بن محمد بن بطة،/ وذكر أحمد ابن الحسن أبا الحسن الترمذي‏,‏ وأحمد بن سعيد وقيل‏:‏ أبو الأشعبة الترمذي‏.‏

وذكر في المحمدين‏:‏ محمد بن إسماعيل الترمذي‏,‏ قال‏:‏ ولم يعد هذا فيمن روى عن مُسَدَّد أيضًا‏.‏ قال‏:‏ وهذا الحديث رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة على لفظ واحد منهم‏:‏ أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وعبد اللّه بن مسعود‏,‏ وعبد اللّه بن عباس، وعبد اللّه بن عمر، وعثمان بن أبي العاص‏,‏ ومعاذ بن جبل، وأبو أمامة، وعُقْبَة بن عامر، وأبو ثعلبة الخُشَنِي، ورفاعة بن عَرَابة الجهَنِيّ، وعبادة بن الصامت، وعمر بن عَبْسَة، و أبو هريرة، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري، وجابر بن عبد اللّه، وجُبَيْر بن مُطْعَم، وأنس بن مالك، وعائشة‏,‏ وأم سلمة، وغيرهم ـ رضي اللّه عنهم أجمعين ـ ولم يقل أحد منهم هذا اللفظ‏,‏ ولا من رواه من الصحابة والتابعين والأئمة بعدهم‏.‏

ثم ساق الأحاديث بألفاظها، وذكر أن أحدًا منهم لم يقل هذا اللفظ‏.‏ قال‏:‏ وهو لفظ موافق لرأى من زعم أنه لا يخلو منه مكان، ورأى من زعم أنه ليس له مكان‏.‏

قال‏:‏ وتأويل من تأول النزول على غير النزول مخالف لقول من قال‏:‏ ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة‏,‏ ولقوله‏:‏ فلا يزال كذلك إلى الفجر‏.‏

قلت‏:‏ القائلون بذلك لم يقولوا‏:‏ إن هذا اللفظ في الحديث‏,‏ وليس في/ الحديث أيضًا أنه لا يخلو منه العرش أو يخلو منه العرش، كما يدعيه المدعون لذلك، فليس في الحديث لا لفظ المثبتين لذلك، ولا لفظ النفاة له‏.‏ وهؤلاء يقولون‏:‏ إنهم يتأولون النزول على غير النزول‏,‏ بل قد يكون من هؤلاء من ينفي نزولًا يقوم به‏,‏ ويجعل النزول مخلوقًا منفصلًا عنه، وعامة رد ابن منده المستقيم إنما يتناول هؤلاء‏,‏ لكنه زاد زيادات نسب لأجلها إلى البدعة؛ ولهذا كانوا يفضلون أباه أبا عبد اللّه عليه، وكان إسماعيل بن محمد بن الفضل التميمي وغيره يتكلمون فيه في ذلك، كما هو معروف عنهم‏.‏

قال عبد الرحمن‏:‏ قال أبي في الرد على من تأول النزول على غير النزول، واحتج في إبطال الأخبار الصحاح بأحاديث موضوعة‏:‏ وادعى المدبر أنه يقول بحديث النزول فحرفه على من حضر مجلسه، وأنكر في خطبته ما أنزل اللّه في كتابه من حجته، وما بين الرسول صلى الله عليه وسلم من أنه ينزل بذاته، وتأول النزول على معنى الأمر والنهي، لا حقيقة النزول، وزعم أن أئمتهم العارفين بالأصول ينزهون اللّه عن التنقلات، فأبطل جميع ما أخرج في هذا الباب إذ كان مذهبه غير ظاهر الحديث، واعتماده على التأويل الباطل والمعقول الفاسد‏.‏

وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏11‏]‏‏,‏ نفي التشبيه من جميع الجهات وكل المعاني‏,‏ ولكن البائس المسكين لم يجد الطريق إلى ثلب الأئمة إلا بهذا الطريق الذي هو/ به أولى‏,‏ ثم قصد تعلىل حديث النزول بما لا يعد علة ولا خلافًا من قول الراوي ‏[‏ينزل‏]‏ و‏[‏يقول إذا مضى نصف الليل‏]‏ وقال بعضهم‏:‏ ‏[‏ثلث الليل، ونصف الليل‏]‏ قال ابن منده‏:‏ وليس هذا اختلافًا ولكنه جهل، واحتج معها بحديث محمد بن يزيد بن سنان، عن أبيه‏,‏ عن زيد بن أبي أنيسة، عن طارق‏,‏ عن سعيد بن جبير‏,‏ عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إنه يأمر مناديًا ينادي كل ليلة‏)‏‏.‏

وهذا حديث موضوع موافق لمذهبه‏.‏ زعم أن يحيى بن سعيد القطان، وابن مهدي والبخاري ومسلمًا، أخرجوا في كتبهم مثل هؤلاء الضعفاء المتروكين ترددًا منه وجهلًا، وأعاد حديث أبي هشام الرفاعي عن حفص‏.‏ رواه محاضر وغير واحد‏,‏ قال‏:‏ ‏[‏إن اللّه ينزل كل ليلة‏]‏‏.‏

وكذلك حديث طارق رواه عن عبيد اللّه بن عمر، عن زيد بن أبي أنَيْسَة‏,‏ عن طارق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قوله‏:‏ ‏(‏إن اللّه ينزل كل ليلة‏)‏‏.‏

وأما حديث الحسن، عن عثمان بن أبي العاص، فقد تقدم الكلام عليه فيما ذكرنا، وليس في هذه الأحاديث ولا رواتها ما يصح‏,‏ قال‏:‏ ولو سكت عن معرفة الحديث كان أجمل به وأحسن؛ إذ قد سلب اللّه معرفته وأرسخ في قلبه تبطيل الأخبار الصحاح، واعتماد معقوله الفاسد‏.‏

/قلت‏:‏ فهذا نقل عبد الرحمن لكلام أبيه، وأبوه أعلم منه وأفقه وأسد قولًا‏.‏ ثم قال أبو القاسم عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه بن منده هذا‏,‏ قال‏:‏حدثنا محمد بن محمد بن الحسن، ثنا عبد اللّه بن محمد الوراق‏,‏ ثنا زكريا بن يحيى الساجي، ثم قال عبد الرحمن‏:‏حدثني أحمد بن نصر قال‏:‏ كنت عند سليمان بن حرب فجاء إليه رجل كلاميُّ من أصحاب الكلام فقال له‏:‏ تقولون‏:‏ إن اللّه على عرشه لا يزول، ثم تروون أن اللّه ينزل إلى السماء الدنيا‏؟‏ فقال‏:‏ عن حماد بن زيد‏:‏ إن اللّه على عرشه، ولكن يقرب من خلقه كيف شاء‏.‏

قال عبد الرحمن‏:‏ ومن زعم أن حماد بن زيد وسليمان بن حرب، أرادا بقولهما‏:‏ يقرب من خلقه كيف شاء؛ أرادا ألا يزول عن مكانه؛ فقد نسبهما إلى خلاف ما ورد في الكتاب والسنة‏.‏

قال‏:‏ وحدثنا عبد الصمد بن محمد المعاصمي ببلخ، أنبأنا إبراهيم بن أحمد المستملي، قال‏:‏ أنبأنا عبد اللّه بن أحمد بن حراش، قال‏:‏ حدثنا أحمد بن الحسن بن زياد، حدثنا إبراهيم بن الأشعث قال‏:‏ سمعت الفضيل بن عياض يقول‏:‏إذا قال لك الجهمي‏:‏ أنا لا أومن برب يزول عن مكانه، فقل له‏:‏ أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء‏.‏

قال‏:‏ رواه جماعة عن فضيل بن عياض، قال‏:‏ ولم يرد به أحد أن اللّه يفعل ما ذهب إليه الزنادقة، فلا يبقى خلاف بين من يقول‏:‏ أنا أكفر برب ينزل ويصعد وبين من يقول‏:‏ أنا أومن برب لا يخلو منه العرش في إبطال ما نطق به/ الكتاب والسنة‏.‏ ثم روى بإسناده عن الفضيل بن عياض‏:‏ إذا قال الجهمي‏:‏ أنا أكفر برب ينزل ويصعد، فقل‏:‏ آمنت برب يفعل ما يشاء‏.‏

قلت‏:‏ زكريا بن يحيى الساجي أخذ عنه أبو الحسن الأشعري ما أخذه من أصول أهل السنة والحديث، وكثير مما نقل في كتاب ‏[‏مقالات الإسلاميين‏]‏ من مذهب أهل السنة والحديث، وذكر عنهم ما ذكره حماد بن زيد من أنه فوق العرش، وأنه يقرب من خلقه كيف شاء‏.‏

ومعنى ذلك عنده وعند من ينفي قيام الأفعال الاختيارية بذاته، أنه يخلق أعراضًا في بعض المخلوقات يسميها نزولًا، كما قال‏:‏ إنه يخلق في العرش معنى يسميه استواء‏.‏ وهو عند الأشعري تقريب العرش إلى ذاته من غير أن يقوم به فعل‏,‏ بل يجعل أفعاله اللازمة كالنزول والاستواء كأفعاله المتعدية كالخلق والإحسان‏,‏ وكل ذلك عنده هو المفعول المنفصل عنه‏.‏

والأشعري وأئمة أصحابه كالقاضي أبي بكر وغيره يقولون‏:‏ إن اللّه فوق العرش بذاته، ولكن يقولون في النزول ونحوه من الأفعال هذا القول بناء على أصلهم في نفي قيام الحوادث به‏,‏ والسلف الذين قالوا‏:‏ يفعل ما يشاء، وينزل كيف شاء وكما شاء‏,‏ والفضيل بن عياض الذي قال‏:‏ إذا قال لك الجهمي‏:‏ أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل‏:‏ أنا أومن برب يفعل ما يشاء ـ مرادهم نقيض هذا القول‏.‏ ورد أبي عبد اللّه بن منده متناول لهؤلاء‏,‏ وعلى هذا فلا يبقى /خلاف بين من يقول‏:‏ ينزل ويصعد‏,‏ وبين من ينفي ذلك‏,‏ وذلك لأن الأفعال المنفصلة لم ينازع فيها أحد من المسلمين، فعلم أن مراد هؤلاء إثبات الفعل الاختياري القائم به؛ ولكنهم مع هذا ليس في كلامهم أنهم كانوا يعتقدون خلو العرش منه، وأنه لا يبقى فوق العرش؛ كما ذكره عبد الرحمن وزعم أنه معنى الحديث‏.‏

وروى بإسناده من ‏[‏كتاب السنة‏]‏ لعبد اللّه بن أحمد بن حنبل قال‏:‏ أخبرنا محمد بن محمد بن الحسن، حدثني أبي، ثنا أحمد بن محمد بن عمر اللبناني، ثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبل‏,‏ ثنا أبي‏,‏ ثنا موسى بن داود أبو معمر، ثنا عباد بن العوام، قال‏:‏ قدم علىنا شَرِيك فسألته عن الحديث ‏[‏إن اللّه ينزل ليلة النصف من شعبان‏]‏‏.‏ قلنا‏:‏ إن قومًا ينكرون هذه الأحاديث ‏!‏‏!‏ قال‏:‏ فما يقولون‏؟‏ قلنا‏:‏ يطعنون فيها‏,‏ فقال‏:‏ إن الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن وبالصلاة وبالحج وبالصوم، فما يعرف اللّه إلا بهذه الأحاديث‏.‏

قال‏:‏ وأما حديث إسحاق بن راهويه‏,‏ فرواه إسماعيل الترمذي وذكر عن ابن أبي حاتم أنهم تكلموا فيه‏.‏ قال‏:‏ والحديث حدث به أحمد بن موسى بن بُرَيْدة‏,‏ عن أحمد ابن عبد اللّه بن محمد بن بشير، عن الترمذي‏:‏ سمعت / إسحاق بن راهويه يقول‏:‏ اجتمعت الجهمية إلى عبد اللّه بن طاهر يومًا فقالوا له‏:‏ أيها الأمير‏,‏ إنك تقدم إسحاق وتكرمه وتعظمه، وهو كافر يزعم أن اللّه ـ عز وجل ـ ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ويخلو منه العرش‏.‏ قال‏:‏ فغضب عبد اللّه وبعث إلى‏,‏ فدخلت عليه وسلمت، فلم يرد على السلام غضبًا ولم يستجلسني، ثم رفع رأسه وقال لي‏:‏ ويلك يا إسحاق، ما يقول هؤلاء‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ لا أدري‏,‏ قال‏:‏ تزعم أن اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ ينزل إلى السماء الدنيا في كل ليلة ويخلو منه العرش‏؟‏ فقلت‏:‏أيها الأمير، لست أنا قلته، قاله النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ثنا أبو بكر بن عياش‏,‏ عن إسحاق‏,‏ عن الأغر بن مسلم أنه قال‏:‏ أشهد على أبي هريرة وأبي سعيد أنهما شهدا على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏ينزل اللّه إلى سماء الدنيا في كل ليلة فيقول‏:‏ من يدعوني فأستجيب له‏؟‏ من يسألني فأعطيه‏؟‏ من يستغفرني فأغفر له‏)‏ ولكن مرهم يناظروني‏.‏ قال فلما ذكرت له النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ سكن غضبه، وقال لي اجلس، فجلست‏.‏ فقلت‏:‏ مرهم أيها الأمير يناظروني‏.‏ قال‏:‏ ناظروه، قال‏:‏ فقلت لهم‏:‏ يستطيع أن ينزل ولا يخلو منه العرش أم لا يستطيع‏؟‏ قال‏:‏فسكتوا وأطرقوا رؤوسهم‏.‏ فقلت‏:‏ أيها الأمير، مرهم يجيبوا، فسكتوا‏.‏ فقال‏:‏ ويحك يا إسحاق، ماذا سألتهم‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ أيها الأمير ‏!‏ قل لهم يستطيع أن ينزل؛ولا يخلو منه العرش أم لا‏؟‏ قال‏:‏ فإيش هذا‏؟‏ قلت‏:‏ إن زعموا أنه لا يستطيع أن ينزل إلا أن يخلو منه العرش، فقد زعموا أن اللّه عاجز مثلي ومثلهم، وقد كفروا‏.‏ وإن زعموا أنه يستطيع /أن ينزل ولا يخلو منه العرش، فهو ينزل إلى السماء الدنيا كيف يشاء، ولا يخلو منه المكان‏.‏

قال عبد الرحمن‏:‏ والصحيح مما جرى بين إسحاق وعبد اللّه بن طاهر ما أخبرنا أبي‏:‏ ثنا أبو عثمان عمرو بن عبد اللّه البصري، ثنا محمد بن حاتم‏,‏ سمعت إسحاق بن إبراهيم بن مَخْلَد يقول‏:‏ قال لي عبد اللّه بن طاهر‏:‏ يا أبا يعقوب‏,‏ هذه الأحاديث التي تروونها في النزول ـ يعني وغير ذلك ـ ما هي‏؟‏ قلت‏:‏ أيها الأمير، هذه أحاديث جاءت مجيء الأحكام والحلال والحرام‏,‏ ونقلها العلماء‏,‏فلا يجوز أن ترد، هي كما جاءت بلا كيف‏,‏ فقال عبد اللّه‏:‏ صدقت‏,‏ ما كنت أعرف وجوهها إلى الآن‏.‏

قال عبد الرحمن‏:‏ ولا يخلو منه المكان كيفية تهدم النزول‏,‏ وتبطل قول من يقول‏:‏ هي كما جاءت بلا كيف‏,‏ فيقال‏:‏ بل مخاطبة إسحاق لعبد اللّه بن طاهر كان فيها زيادة على هذه الرواية كما ثبت ذلك في غير هذه الرواية؛ ولكن هذه المخاطبات والمناظرات ينقل منها هذا ما لا ينقل غيره‏,‏ كما نقلوا في مناظرة أحمد بن حنبل وغيره‏,‏ هذا ينقل ما لا ينقله هذا، كما نقل صالح وعبد اللّه والمروزي وغيرهم وكلهم ثقات، وإسحاق بسط الكلام مع ابن طاهر‏.‏

قال الشيخ أبو عثمان النيسابوري الصابوني، الملقب بشيخ الإسلام، في رسالته في السنة قال‏:‏ ويعتقد أهل الحديث ويشهدون أن اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ /فوق سبع سمواته على عرشه، كما نطق به كتابه في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ‏}‏ ‏[‏الأعراف‏:‏54‏]‏ وذكر عدة آيات من ذلك؛ فإن هذا ذكره اللّه في سبعة مواضع من القرآن، قال‏:‏ وأهل الحديث يثبتون في ذلك ما أثبته اللّه ـ تعالى، ويؤمنون به ويصدقون الرب ـ جل جلاله ـ في خبره، ويطلقون ما أطلقه اللّه ـ سبحانهـ من استوائه على عرشه ويمرون ذلك على ظاهره، ويكلون علمه إلى اللّه ـ تعالى ـ و‏{‏يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏7‏]‏‏.‏

وروى بإسناده من طريقين أن مالك بن أنس سئل عن قوله‏:‏ ‏{‏الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى‏}‏ ‏[‏طه‏:‏5‏]‏ كيف استوى‏؟‏ فقال‏:‏ الاستواء غير مجهول‏,‏ والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة،وما أراك إلا ضالًا، وأمر أن يخرج من المجلس‏.‏ وروى بإسناده الثابت عن عبد اللّه بن المبارك أنه قال‏:‏ نعرف ربنا بأنه فوق سبع سمواته بائن من خلقه، ولا نقول كما قالت الجهمية‏:‏ بأنه هاهنا، وأشار بيده إلى الأرض‏.‏

وقال‏:‏ أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ ـ يعني الحاكم ـ في كتاب ‏[‏التاريخ‏]‏ الذي جمعه لأهل نيسابور‏,‏ وفي كتاب ‏[‏معرفة أصول الحديث‏]‏ اللذين جمعهما ولم يسبق إلى مثلهما، قال‏:‏ سمعت أبا جعفر محمد بن صالح بن هانئ‏,‏ سمعت الإمام أبا بكر محمد ابن إسحاق بن خزيمة يقول‏:‏ من لم يقر بأن اللّه على عرشه قد / استوى فوق سبع سمواته، فهو كافر به، حلال الدم يستتاب‏,‏ فإن تاب، وإلا ضربت عنقه، وألقى على بعض المزابل‏.‏

قال الشيخ أبو عثمان‏:‏ ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب كل ليلة إلى السماء الدنيا من غير تشبيه له بنزول المخلوقين ولا تمثيل ولا تكييف‏,‏ بل يثبتون ما أثبته رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏,‏ وينتهون فيه إليه ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره، ويكلون علمه إلى اللّه ـ سبحانه وتعالى ـ وكذلك يثبتون ما أنزل اللّه في كتابه من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏210‏]‏، وقوله عز وجل‏:‏ ‏{‏وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏22‏]‏‏.‏

وقال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن زكريا‏,‏ سمعت أبا حامد الشرقي‏,‏ سمعت حمدان السلمى وأبا داود الخفاف، قالا‏:‏ سمعنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، يقول‏:‏ قال لي الأمير عبد اللّه بن طاهر‏:‏ يا أبا يعقوب‏,‏ هذا الحديث الذي ترويه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا‏)‏ كيف ينزل‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ أعز اللّه الأمير، لا يقال لأمر الرب‏:‏ كيف ‏!‏ إنما ينزل بلا كيف‏.‏

قال‏:‏ وسمعت أبا عبد اللّه الحافظ يقول‏:‏ سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري، سمعت إبراهيم بن أبي طالب، سمعت أحمد بن سعيد بن إبراهيم أبا عبد اللّه الرِّبَاطي يقول‏:‏ حضرت مجلس الأمير عبد اللّه بن طاهر ذات يوم،/ وحضر إسحاق بن إبراهيم ـ رحمه اللّه ـ فسئل عن حديث النزول أصحيح هو‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏,‏ فقال له بعض قواد عبد اللّه‏:‏ يا أبا يعقوب‏,‏ أتزعم أن اللّه ينزل كل ليلة‏؟‏‏!‏ قال‏:‏نعم، قال‏:‏كيف ينزل‏؟‏ فقال إسحاق‏:‏ أثبته فوق‏.‏ فقال‏:‏ أثبته فوق‏.‏ فقال إسحاق‏:‏ قال اللّه عز وجل‏:‏ ‏{‏وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏22‏]‏، فقال الأمير عبد اللّه‏:‏ هذا يوم القيامة، فقال إسحاق‏:‏ أعز اللّه الأمير، من يجىء يوم القيامة من يمنعه اليوم‏؟‏‏!‏‏.‏

وقال أبو عثمان‏:‏ قرأت في رسالة أبي بكر الإسماعيلي إلى أهل جيلان أن اللّه ينزل إلى السماء الدنيا، على ما صح به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال اللّه عز وجل‏:‏ ‏{‏هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ‏}‏ِ ‏[‏البقرة‏:‏210‏]‏ وقال‏:‏ ‏{‏وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا‏}‏ ‏[‏الفجر‏:‏22‏]‏‏,‏ نؤمن بذلك كله على ما جاء بلا كيف، فلو شاء ـ سبحانه ـ أن يبين كيف ذلك فعل؛ فانتهينا إلى ما أحكمه‏,‏ وكففنا عن الذي يتشابه‏,‏ إذ كنا قد أمرنا به في قوله‏:‏ ‏{‏هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 7‏]‏‏.‏

وروى عبد الرحمن بن منده بإسناده عن حرب بن إسماعيل‏,‏ قال‏:‏ سألت إسحاق ابن إبراهيم‏,‏ قلت‏:‏ حديث النبي صلى الله عليه وسلم ‏(‏ينزل اللّه إلى السماء الدنيا‏)‏ قال‏:‏ نعم ينزل اللّه كل ليلة إلى السماء الدنيا كما شاء وكيف شاء، وقال /‏:‏ عن حرب‏:‏ لا يجوز الخوض في أمر اللَّه ـ تعالى ـ كما يجوز الخوض في فعل المخلوقين؛ لقول اللَّه تعالى‏:‏ ‏{‏لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏23‏]‏‏.‏

وروى ـ أيضًا ـ عن حرب قال‏:‏ هذا مذهب أئمة العلم وأصحاب الحديث والأثر وأهل السنة المعروفين بها، وهو مذهب أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، والحميدي وغيرهم‏.‏ كان قولهم‏:‏ إن اللَّه ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا كيف شاء وكما شاء‏,‏ ‏{‏فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏11‏]‏‏.‏

وروي ـ أيضًا ـ عن حرب‏:‏ قال‏:‏ قال إسحاق بن إبراهيم‏:‏ لا يجوز لأحد أن يتوهم على الخالق بصفاته وأفعاله توهم ما يجوز التفكر والنظر في أمر المخلوقين؛ وذلك أنه يمكن أن يكون موصوفًا بالنزول كل ليلة إذا مضى ثلثاها إلى السماء الدنيا كما شاء، ولا يسأل كيف نزوله؛ لأنه الخالق يصنع كيف شاء‏.‏

وروى ـ أيضًا ـ عن محمد بن سلام، قال‏:‏ سأل فضالةُ عبدَ اللّه بن المبارك عن النزول ليلة النصف من شعبان؛ فقال عبد اللّه‏:‏ يا ضعيف‏,‏ تجد خداي خوشيركن ينزل كيف شاء‏.‏

وروى عن ابن المبارك قال‏:‏ من قال لك‏:‏ يا مشبه‏,‏ فاعلم أنه جهمي‏.‏

وقال عبد الرحمنبن منده‏:‏ إياك أن تكون فيمن يقول‏:‏ أنا أومن برب يفعل ما يشاء، ثم تنفي ما في الكتاب والسنة مما شاء اللَّه وأوجب على خلقه/ الإيمان به‏:‏ أفاعيله كل ليلة أن ينزل بذاته من العرش إلى السماء الدنيا، والزنادقة ينكرونه بزعمهم أن اللَّهَ لا يخلو منه مكان‏.‏

وروى حديث مرفوع من طريق نعيم بن حماد، عن جرير‏,‏ عن ليث‏,‏ عن بشر‏,‏ عن أنس‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أراد اللّه أن ينزل عن عرشه نزل بذاته‏)‏‏.‏ قلت‏:‏ ضعف أبو القاسم إسماعيل التميمي وغيره من الحفاظ هذا اللفظ مرفوعًا، ورواه ابن الجوزي في ‏[‏الموضوعات‏]‏‏,‏ وقال أبو القاسم التميمي‏:‏ ‏[‏ينزل‏]‏ معناه صحيح أنا أقر به‏,‏ لكن لم يثبت مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم‏,‏ وقد يكون المعنى صحيحًا وإن كان اللفظ نفسه ليس بمأثور‏,‏ كما لو قيل‏:‏إن اللّه هو بنفسه وبذاته خلق السموات والأرض، وهو بنفسه وذاته كلم موسى تكليما، وهو بنفسه وذاته استوى على العرش؛ ونحو ذلك من أفعاله التي فعلها هو بنفسه، وهو نفسه فعلها؛ فالمعنى صحيح، وليس كل ما بين به معنى القرآن والحديث من اللفظ يكون من القرآن ومرفوعًا‏.‏

فهذا تلخيص ما ذكره عبد الرحمن بن منده،مع أنه استوعب طرق هذا الحديث وذكر ألفاظه مثل قوله‏:‏ ‏(‏ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا إذا مضى ثلث الليل الأول‏,‏ فيقول‏:‏ أنا الملك، من ذا الذي يسألني فأعطيه‏؟‏ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له‏؟‏ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له‏؟‏ فلا يزال /كذلك إلى الفجر‏)‏‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏إذا بقي من الليل ثلثاه يهبط الرب إلى سماء الدنيا‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏حتى ينشق الفجر ثم يرتفع‏)‏، وفي رواية يقول‏:‏ ‏(‏لا أسأل عن عبادي غيري‏,‏ من ذا الذي يسألني فأعطيه‏)‏‏,‏ وفي رواية عمرو بن عبسة‏:‏ ‏(‏أن الرب يتدلى في جوف الليل إلى السماء الدنيا‏)‏، وفي لفظ‏:‏ ‏(‏حتى ينشق الفجر، ثم يرتفع‏)‏ وذكر نزوله عشية عرفة من عدة طرق، وكذلك ليلة النصف من شعبان‏,‏ وذكر نزوله يوم القيامة في ظلل من الغمام، وحديث يوم المزيد في يوم الجمعة من أيام الآخرة، وما فيه من ذكر نزوله وارتفاعه، وأمثال ذلك منالأحاديث، وهو ينكر على من يقول‏:‏ إنه لا يخلو منه العرش‏,‏ ويجعل هذا مثل قول من يقول‏:‏ إنه في كل مكان، ومن يقول‏:‏ إنه ليس في مكان‏.‏

وكلامه من جنس كلام طائفة تظن أنه لا يمكن إلا أحد القولين‏:‏ قول من يقول‏:‏ إنه ينزل نزولًا يخلو منه العرش‏.‏

وقول من يقول‏:‏ ما ثم نزول أصلًا كقول من يقول‏:‏ ليس له فعل يقوم بذاته باختياره‏.‏

وهاتان الطائفتان ليس عندهما نزول إلا النزول الذي يوصف به أجساد العباد الذي يقتضى تفريغ مكان وشغل آخر‏.‏ ثم منهم من ينفي النزول عنه، ينزهه عن مثل ذلك‏.‏ ومنهم من أثبت له نزولًا من هذا الجنس، يقتضى تفريغ مكان وشغل آخر، فأولئك يقولون‏:‏ هذا القول باطل‏,‏ فتعين الأول‏,‏ كما يقول من يقابلهم‏:‏ ذلك القول باطل فتعين الثاني‏.‏ وهو يحمل كلام السلف ‏[‏يفعل /ما يشاء‏]‏ على أنه نزول يخلو منه العرش، ومن يقابله يحمله أن المراد مفعول منفصل عن اللّه‏.‏

وفي الجملة، فالقائلون بأنه يخلو منه العرش طائفة قليلة من أهل الحديث‏.‏ وجمهورهم على أنه لا يخلو منه العرش، وهو المأثور عن الأئمة المعروفين بالسنة، ولم ينقل عن أحد منهم بإسناد صحيح ولا ضعيف أن العرش يخلو منه، وما ذكره عبد الرحمن من تضعيف تلك الرواية عن إسحاق، فقد ذكرنا الرواية الأخرى الثابتة التي رواها ابن بطة وغيره، وذكرنا ـ أيضًا ـ اللفظ الثابت عن سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد‏,‏ رواه الخلال وغيره‏.‏

وأما رسالة أحمد بن حنبل إلى مُسَدَّد بن مسرهد، فهي مشهورة عند أهل الحديث والسنة من أصحاب أحمد وغيرهم، تلقوها بالقبول‏,‏ وقد ذكرها أبو عبد اللّه بن بطة في كتاب ‏[‏الإبانة‏]‏، واعتمد عليها غير واحد كالقاضي أبي يعلى وكتبها بخطه‏.‏