فصل: صلاة التسبيح كيف تؤدى؟ ومتى تصلى؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


رسالة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم‏.‏‏.‏‏.‏

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ‏.‏‏.‏‏.‏ وبعد‏:‏

سجود التلاوة عبادة لله تعالى بلا شك، والعبادة مبناها على ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة، ولا حجة بقول أحد من الناس حتى يكون مبنياً على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان له دليل من الكتاب والسنة وجب قبوله لقيام الدليل عليه، وإن لم يكن له دليل لم يقبل، وعلى هذا فإن سجود التلاوة لم يرد فيه تكبير حين الرفع منه ولا تسليم، وإذا لم يرد ذلك لم يكن مشروعاً‏.‏

وأما التكبير عند السجود ففيه حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد، وسجدنا‏.‏ رواه أبو داود، وفي سنده مقال، وكأنه لم يصح عند شيخ الإسلام ابن تيمية، أو لم يبلغه، ولهذا قال في الاختيارات‏:‏ لا يشرع فيه تحريم ولا تحليل‏.‏ هذا هو السنة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعليها عامة السلف‏.‏ أهـ‏.‏ وفي مجموع الفتاوى لابن قاسم 166/ 23 والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تكبيرة واحدة فإنه لا ينتقل من عبادة إلى عبادة‏.‏ أهـ‏.‏ هذا يدل على ضعف الحديث عنده إن كانت الصيغة في كلامه للتضعيف‏.‏

وأما ما ذكره فضيلتكم عن كلام الشيخ في القواعد النورانية فإما حكى مذهب الإمام أحمد في ذلك‏.‏ وأما ما ذكرتموه عن المبدع والمغني والشرح الكبير والإنصاف من التكبير والتسليم فهذا معارض بقول من لا يرى ذلك، وإذا حصل الاختلاف والتنازع بين العلماء وجب الرجوع إلى حكم الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ‏}‏‏.‏ وقال‏:‏ ‏{‏فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً‏}‏‏.‏ وإذا رددنا هذا النزاع إلى الله والرسول لم نجد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على التكبير الثاني، والتسليم في سجود التلاوة، فيكون الصواب نفي ذلك، وهذا كما أنه الصواب فهو الاحتياط أيضاً؛ لأن احتياط المرء في دينه أن يتبع ما يقتضيه الدليل نفياً أو إثباتاً‏.‏

876- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم سجود التلاوة‏؟‏ وهل هو واجب‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ سجود التلاوة سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، فإذا مر الإنسان بآيت سجدة فليسجد سواء كان يقرأ في المصحف، أو عن ظهر قلب، أو في الصلاة، أو خارج الصلاة‏.‏

وأما الواجب فلا يجب ولا يأثم الإنسان بتركه؛ لأنه ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قرأ السجدة التي في سورة النحل على المنبر، فنزل وسجد، ثم قرأها في الجمعة الأخـرى فلم يسجد، ثم قال‏:‏ ‏"‏إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء‏"‏‏[‏ رواه البخاري في سجود القرآن باب 10‏:‏ من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود ح‏(‏1077‏)‏‏.‏‏]‏ ، وذلك بحضور الصحابة – رضي الله عنهم -‏.‏

ولأنه ثبت أن زيد بن ثابت قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم السجدة التي في سورة النجم فلم يسجد‏[‏متفق عليه، رواه البخاري في الموضع السابق باب 6 ح‏(‏1072‏)‏، ومسلم في المساجد باب‏:‏ سجود التلاوة ح106 ‏(‏577‏)‏‏.‏‏]‏ ، ولو كان واجباً لأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد‏.‏

فهو سنة مؤكدة والأفضل عدم تركه حتى لو كان في وقت النهي بعد الفجر مثلاً، أو بعد العصر؛ لأن هذا السجود له سبب، وكل صلاة لها سبب فإنها تفعل ولو في وقت النهي، كسجود التلاوة، وتحية المسجد، وما أشبه ذلك‏.‏

 

877- وسئل فضيلته‏:‏ هل يجب على المرأة إذا أرادت أن تسجد للتلاوة أن تكون متحجبة حجاب الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلة الشيخ بقوله‏:‏ هذا ينبني على اختلاف العلماء في سجدة التلاوة‏:‏ هل حكمها حكم الصلاة‏؟‏

فإن قلنا‏:‏ حكمها حكم الصلاة فلابد فيها من ستر العورة، واستقبال القبلة، والطهارة‏.‏

وإن قلنا‏:‏ إنها سجدة مجردة لا يشترط فيها ما يشترط في الصلاة، فإنه لا يشترط فيها في هذه الحال أن تكون المرأة متحجبة حجاب الصلاة، بل ولا أن يكون الإنسان على وضوء‏.‏

ولكن لا شك أن الأحوط الأخذ بالقول الأول وأن لا يسجد الإنسان إلا على وضوء، وأن تكون المرأة والرجل أيضاً ساتراً ما يجب ستره في الصلاة‏.‏

 

878- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل تشترط الطهارة في سجدة التلاوة‏؟‏ وما وهو اللفظ الصحيح لهذه السجدة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ سجدة التلاوة هي السجدة المشروعة عند تلاوة الإنسان آية السجدة والسجدات في القرآن معروفة، فإذا أراد أن يسجد كبر وسجد وقال‏:‏ ‏(‏سبحان ربي الأعلى‏)‏‏[‏ ورد في نهاية حديث حذيفة الذي رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص159‏.‏‏]‏ ، ‏(‏سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي‏)‏‏[‏ متفق عليه من حديث عائشة، رواه البخاري في الأذان باب‏:‏ التسبيح والدعاء في السجود ح‏(‏817‏)‏، ومسلم في الصلاة باب‏:‏ ما يقال في الركوع والسجود ح217 ‏(‏484‏)‏‏.‏‏]‏ ، ‏(‏اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه، وصوره، وشق سمعه بحوله وقوته‏)‏‏[‏ جزء من حديث علي الطويل، رواه مسلم في صلاة المسافرين باب‏:‏ الدعاء في صلاة الليل ح201 ‏(‏771‏)‏‏.‏ ورواه أبو داود في الصلاة باب‏:‏ ما يقول إذا سجد ‏(‏580‏)‏ وصححه‏.‏‏]‏ ، ‏(‏اللهم اكتب لي بها أجراءً وحط عني بها وزراً واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود‏)‏‏[‏ رواه الترمذي في الموضع السابق ح‏(‏579‏)‏ وحسنه‏.‏‏]‏‏.‏ ثم يرفع بدون تكبير ولا سلام، إلا إذا كانت السجدة في أثناء الصلاة مثل أن يقرأ القارئ آية فيها سجدة وهو يصلي فيجب عليه أن يكبر إذا سجد ويجب عليه أن يكبر إذا قام؛ لأن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه يكبر كلما خفض ورفع‏[‏متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، رواه البخاري في الأذان باب‏:‏ إتمام التكبير في الركوع ح‏(‏785‏)‏ ومسلم في الصلاة باب‏:‏ إثبات التكبير في كل‏.‏‏.‏‏.‏ ح27 ‏(‏392‏)‏‏.‏‏]‏ وهذا يشمل سجود صلب الصلاة، وسجود التلاوة‏.‏

وأما ما يفعله بعض الناس من كونه يكبر إذا سجد، ولا يكبر إذا قام من السجود في نفس الصلاة فلا أعلم له وجهاً من السنة، ولا من أقوال أهل العلم أيضاً‏.‏

وأما قول السائل‏:‏ هل تشترط الطهارة في سجود التلاوة‏؟‏

فهذا موضع خلاف بين أهل العلم‏:‏ فمنهم من قال‏:‏إنه لابد أن يكون على طهارة‏.‏

ومنهم من قال‏:‏ إنه لا يشترط وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يسجد على غير طهارة‏.‏

ولكن الذي أراه أن الأحوط أن لا يسجد إلا وهو على وضوء‏.‏

879- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ إذا سجد الإمام سجدة التلاوة، ولكن المصلين خلفه لم ينتبهوا لذلك فركع بعضهم ولم يسجد مع إمامه ولم يتنبه إلا بعد أن رفع الإمام من سجدته، ويكون بذلك قد أضاف شيئاً جديداً وهو الركوع فما الحكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لقد ورد عليّ سؤال بعكس هذه المسألة فركع الإمام وسجد المأموم‏.‏

والسؤال‏:‏ سجد الإمام وركع المأموم، فهذا الذي ركع وإمامه ساجد كيف يتبين له أن الإمام ساجد ولم يركع‏؟‏ إذا قام الإمام من السجود سيقول‏:‏ الله أكبر، فلما قام الإمام من السجود وقال‏:‏ الله أكبر، عرف المأموم أن الإمام ساجد فماذا يصنع‏؟‏

يقوم تبعاً للإمام‏.‏

ولكن هل يجب عليه السجود؛ لأن الإمام سجد، أو لا يجب‏؟‏

لا يجب عليه السجود؛ لأن هذا السجود ليس واجباً في الصلاة، إنما هو سجود تلاوة، يجب فيه متابعة الإمام، ومتابعة الإمام الآن زالت، فعلى هذا يستمر مع إمامه وينحل الإشكال‏.‏

الصورة الثانية‏:‏ يقول السائل‏:‏ إن الإمام قرأ ‏{‏وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ‏}‏ ثم قال‏:‏ الله أكبر‏.‏ ظن المأموم أنه سجد فسجد لماذا‏؟‏ لقوله‏:‏ ‏{‏وكن من الساجدين‏}‏ ولكن الإمام ركع فلما قال‏:‏ ‏"‏سمع الله لمن حمده‏"‏ انتبه المأموم، فماذا يصنع هذا المأموم‏؟‏

والجواب‏:‏ يركع المأموم ويتابع إمامه؛ لأن تخلف المأموم هنا عن الإمام كان لعذر فسومح فيه، وأمكنه متابعة الإمام فيما بقي من صلاته‏.‏

 

880- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ إذا سجد المصلي سجود التلاوة فهل يكبر إذا سجد وإذا قام‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا سجد المصلي سجود التلاوة فإنه يكبر إذا سجد وإذا قام، وذلك أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر كلما خفض وكلما رفع، ففي صحيح البخاري‏[‏في الأذان باب‏:‏ إتمام التكبير في الركوع ح‏(‏784‏)‏‏.‏‏]‏ عن عمران بن حصين – رضي الله عنه – أنه صلى مع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فقال‏:‏ ذكرنا هذا صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه كان يكبر كلما رفع، وكلما وضع، وفي صحيح مسلم‏[‏متفق عليه وتقدم تخريجه ص311‏.‏‏]‏ عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه كان يكبر كلما خفض ورفع، ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام، وقعود، رواه الإمام أحمد‏[‏رواه أحمد 1/418 ‏(‏3972‏)‏‏.‏‏]‏ والنسائي‏[‏في التطبيق‏:‏ باب التكبير للسجود ح‏(‏1082‏)‏ و ‏(‏1141‏)‏‏.‏‏]‏ والترمذي وصححه‏[‏في الصلاة باب‏:‏ التكبير في الركوع والسجود ح‏(‏253‏)‏‏.‏‏]‏ وهذا عام فيشمل سجود التلاوة إذا كان في الصلاة لأنه لم يستثن، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم يسجد سجدة التلاوة في الصلاة‏.‏

 

881- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ نرجو إرشادنا إلى الكيفية الصحيحة لسجود التلاوة‏؟‏ وما يقال فيه‏؟‏ وهل يكبر الإنسان إذا رفع منه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ كيفية سجود التلاوة أن يكبر الإنسان ويسجد كسجود الصلاة على الأعضاء السبعة ويقول‏:‏ ‏(‏سبحان ربي الأعلى‏)‏‏[‏ رواه الترمذي وتقدم ص309‏.‏‏]‏ ، ‏(‏سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي‏)‏، ويدعو بالدعاء المشهور ‏(‏اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي لله الذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته‏)‏، ‏(‏اللهم اكتب لي بها أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود‏)‏‏[‏ متفق عليه وتقدم ص311‏.‏‏]‏‏.‏

ثم يقوم بلا تكبير ولا تسليم‏.‏

أما إذا سجد في الصلاة فإنه يكبر إذا سجد ويكبر إذا رفع؛ لأن جميع الواصفين لصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم يذكرون أنه يكبر كلما رفع وكلما خفض‏[‏متفق عليه وتقدم ص311‏.‏‏]‏ ويدخل في هذا سجود التلاوة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسجد للتلاوة في الصلاة كما صح ذلك من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قرأ صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء‏:‏ ‏{‏إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ‏}‏ فسجد فيها‏[‏متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في سجود القرآن باب‏:‏ سجدة ‏(‏إذا السماء انشقت‏)‏ ح‏(‏1074‏)‏ وسلم في المساجد باب‏:‏ سجود التلاوة ح107 ‏(‏578‏)‏‏.‏‏]‏ والذين يصفون صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لا يستثنون من هذا سجود التلاوة فدل هذا على أن سجود التلاوة في الصلاة كسجود صلب الصلاة، أي انه يكبر إذا سجد، وإذا رفع، ولا فرق بين أن تكون السجدة في آخر آية قرأها، أو في أثناء قراءته فإنه يكبر إذا سجد، ويكبر إذا رفع، ثم يكبر للركوع عند ركوعه، ولا يضر توالي التكبيرتين؛ لأن سببيهما مختلف، وما يفعله بعض الناس إذا قرأ السجدة في الصلاة فسجد كبر للسجود دون الرفع منه فإنني لا أعلم له أصلاً، والخلاف الوارد في التكبير عند الرفع من سجود التلاوة إنما هو في السجود المجرد الذي يكون خارج الصلاة أما إذا كان السجود في أثناء الصلاة فإنه يعطى حكم سجود صلب الصلاة فيكبر إذا سجد، ويكبر إذا قام من السجود‏.‏

 

882- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل لسجود التلاوة تكبير وتسليم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ سجود التلاوة إذا كان في الصلاة فإنه يكبر إذا سجد وإذا قام‏.‏

أما إذا كان خارج الصلاة فإنه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا قام، ولا يسلم فيه، هذا أقرب الأقوال إلى الصواب‏.‏

ويرى بعض العلماء أن سجود التلاوة حكمه حكم الصلاة، وأنه يكبر للسجود وللرفع، ويسلم منه تسليمة واحدة‏.‏

ويرى آخرون أنه لا تكبير فيه ولا سلام‏.‏

883- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل لسجود التلاوة دعاء معين‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ سجود التلاوة كغيره من السجود، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى‏}‏ قال ‏(‏اجعلوها في سجودكم‏)‏‏[‏ رواه أبو داود في الصلاة، باب‏:‏ ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ح‏(‏869‏)‏‏.‏ وقول‏:‏ سبحان ربي الأعلى ورد في أحاديث أخرى منها ما تقدم ص175‏.‏‏]‏ على ما في هذا الحديث من مقال بين أهل العلم‏.‏

وعليه فنقول‏:‏ إذا سجد الإنسان للتلاوة فيقول‏:‏ ‏(‏سبحان ربي الأعلى‏)‏‏[‏ متفق عليه، وتقدم ص159‏.‏‏]‏ ، ‏(‏سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي‏)‏‏[‏ رواه مسلم، وتقدم ص310‏.‏‏]‏ ، ‏(‏اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي لله الذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته‏)‏‏[‏ رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص311‏.‏‏]‏ ، ‏(‏اللهم اكتب لي بها أجراً وحط عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود‏)‏‏[‏ رواه الترمذي، وتقدم ص311‏.‏‏]‏‏.‏ وإن دعا الإنسان بغير ذلك إذا لم يكن حافظاً له فلا حرج‏.‏

 

884- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ ماذا أفعل إذا قرأت سورة فيها سجدة، وأنا أصلي خلف الإمام‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا تسجد لأن متابعة الإمام واجبة، وسجود التلاوة سنة، وفي حال كون الإنسان مأموماً لا يجوز له أن يسجد، فإن سجد متعمداً مع علمه بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته‏.‏

 

885- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ ما حكم استقبال القبلة والوضوء لسجود التلاوة مع الأدلة حفظكم الله‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ليس في هذا أدلة واضحة صريحة، ومن ثم اختلف العلماء هل حكمها حكم صلاة النافلة أو هي سجود مجرد، إن سجد على طهارة فهو أكمل وإلا فلا‏.‏

والذي يظهر لي أنه لا يسجد إلا متطهراً مستقبلاً القبلة؛ لأن ذلك أحوط وأبلغ في تعظيم الله عز وجل، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء بين في أنه سجد إلىغير القبلة أوسجد على غير وضوء، بل الظاهر من حال الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يقرأ القرآن إلا متوضئاً؛ لأنه لما سلم عليه الرجل لم يرد عليه السلام حتى تطهر بالتيمم‏[‏الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس، رواه البخاري في التيمم، باب‏:‏ التيمم في الحضر‏.‏‏.‏‏.‏ ح‏(‏337‏)‏، ورواه مسلم في الحيض، بالب التيمم‏.‏‏.‏‏.‏ ح114 ‏(‏369‏)‏‏.‏‏]‏ ، وقال‏:‏‏(‏أجببت ألا أذكر الله إلا على طهر‏)‏‏[‏ رواه أبو داود في الطهارة، باب‏:‏ التيمم في الحضر ح‏(‏330‏)‏ ولفظه‏:‏ ‏"‏إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهارة‏"‏‏.‏‏]‏‏.‏

 

886- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل يجب على قارئ القرآن عندما يمر بآية فيها سجدة أن يسجد‏؟‏ وإذا كان الإنسان يكرر الآية للحفظ فهل يسجد في كل مرة‏؟‏ أفتونا جزاكم الله خيراً‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يجب عليه أن يسجد، سواء قرأ الآية التي فيها السجود مرة واحدة أم تكررت عليه الآيات التي فيها سجود، فسجود التلاوة سنة وليس بواجب، والدليل على هذا أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قرأ في إحدى خطب الجمع آية فيها سجدة، وهي التي في سورة النحل فنزل وسجد، ثم قرأها في جمعة أخرى ولم يسجد، ثم قال‏:‏ ‏"‏إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء‏"‏‏[‏ تقدم تخريجه ص309‏.‏‏]‏‏.‏ فسجود التلاوة سنة وليس بواجب‏.‏

وإذا تكررت الآيات فإن كان الإنسان يكرر ليحفظ القرآن فسجوده الأول يغني عن الباقي، ولا حاجة أن يعيد السجود، وإن كان يقرأ مثلاً في سورة الحج، فسجد في السجدة الأولى، وأتى على السجدة الثانية فليسجد فيها أيضاً، وإن كان الفصل ليس طويلاً‏.‏

 

887- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ إذا قرأ الطلبة في المدرسة آية فيها سجدة ولم يسجدوا فهل في ذلك حرج‏؟‏ وما هو الأولى في حقهم السجود أو عدمه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ليس في ذلك حرج؛ لأن سجود التلاوة ليس أمراً واجباً، بل هو سنة إن فعله الإنسان فهو أفضل، وإن لم يفعله فلا حرج عليه‏.‏

وأما فعله مع الطلبة فقد يكون في ذلك تشويشاً أو انقطاعاً للدرس، وكذلك قد يكون فيه لعب وضحك، فالأولى أن لا يفعل ذلك، نعم لو كان الطلبة في مسجد وكانوا مؤدبين وقرأ القارئ سجدة فسجد وسجدوا معه كان هذا طيباً، والله أعلم‏.‏

 

888- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ إذا سجد الإمام سجدة التلاوة ولم ينتبه بعض المصلين فركعوا ولم يعلموا بأن الإمام ساجد حتى رفع من سجدته فهل يلزمهم سجود أو لا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ عليهم أن يرفعوا من الركوع ليركعوا بعد الإمام، ولا يجب عليهم السجود الذي فاتهم مع الإمام لأن هذا السجود ليس واجباً في الصلاة إنما هو سجود تلاوة يجب فيه متابعة الإمام ومتابعة الإمام زالت فعلى هذا يستمر مع إمامه‏.‏

 

889- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن إمام قرأ قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ‏}‏ ثم ركع فظن بعض المأمومين أنه سجد ولم ينتبهوا أنه راكع حتى قال سمع الله لمن حمده، السؤال كيف يصنع المأموم في مثل هذه الحال‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ عليه أن يقوم من السجود ويركع ويتابع إمامه؛ لأن تخلف المأموم هنا عن الإمام كان لعذر فسومح فيه، وأمكنه متابعة الإمام فيما بقي من صلاته ولا يلزمه سجود السهو‏.‏

 

890- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ متى يسجد لله سجود شكر‏؟‏ وما صفته‏؟‏ وهل يشترط له وضوء‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يكون سجود الشكر عن مصيبة اندفعت، أو لنعمة تهيأت للإنسان، وهو كالتلاوة خارج الصلاة، فبعض العلماء يرى له الوضوء والتكبير، وبعضهم يرى التكبيرة الأولى فقط ثم يخر ساجداً ويدعو بعد قوله‏:‏ ‏(‏سبحان ربي الأعلى‏)‏‏.‏

 

891- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ يوجد في بلدتنا بعض المصلين يسجدون سجدتين عقب كل صلاة مباشرة بعد أن يسلموا تسليمة الصلاة وعند سؤالهم عن ذلك أجابوا بأنهم يسجدون السجدة الأولى شكراً لله على توفيقه لهم أن أدوا الصلاة المكتوبة في جماعة، أما السجدة الثانية فشكراً على الشكر، ويزعمون أن لهذا العمل أصل في السنة فما حكم ذلك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ على قياس قولهم‏:‏ أنهم إذا سجدوا السجدة الثانية يجب أن يسجدوا سجدة ثالثة شكراً لله على شكرهم، ثم يسجدون سجدة رابعة وهكذا ويبقون دائماً في سجود، ولكني أقول‏:‏ إن هاتين السجدتين بدعتان، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد لله بما لم يشرعه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏‏[‏ متفق عليه وتقدم تخريجه ص196‏.‏‏]‏‏.‏ وهاتان السجدتان لا شك أنهما غير مشروعتين، والواجب عليهم الانتهاء عن ذلك، والكف عنه، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى مما وقع سابقاً والله تعالى يتوب على من تاب‏.‏

 

892- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم صلاة الاستخارة‏؟‏ وهل يقال دعاء الاستخارة إذا صلى الإنسان تحية المسجد أو الراتبة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الاستخارة سنة إذا هم بشيء ولم يتبين له رجحان فعله، أو تركه‏.‏

أما ما تبين له رجحان فعله، أو تركه فلا تشرع فيه الاستخارة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل الأمور الكثيرة، ولا يفعلها إلا بعد الهم بها قطعاً، ولم ينقل عنه أنه كان يصلي صلاة الاستخارة، فلو هم الرجل بالصلاة، أو أداء الزكاة، أو ترك المحرمات، أو نحو ذلك، أو هم أن يأكل، أو يشرب، أو ينام لم يشرع له صلاة الاستخارة‏.‏

ولا يقال دعاء الاستخارة إذا صلى تحية المسجد، أو الراتبة ولم ينوه من قبل؛ لأن الحديث صريح بطلب صلاة الركعتين من أجل الاستخارة فإذا صلاهما بغير هذه النية لم يحصل الامتثال‏.‏

وأما إذا نوى الاستخارة قبل التحية، والراتبة ثم دعا بدعاء الاستخارة فظاهر الحديث أن ذلك يجزئه لقوله‏:‏ ‏(‏فليركع ركعتين من غير الفريضة‏)‏‏[‏ رواه البخاري في التهجد باب‏:‏ ما جاء في التطوع مثنى مثنى ح‏(‏1166‏)‏‏.‏‏]‏ فإنه لم يستثن سوى الفريضة، ويحتمل أن لا يجزئه؛ لأن قوله‏:‏ ‏(‏إذا هم فليركع‏)‏ يدل على أنه لا سبب لهاتين الركعتين سوى الاستخارة والأولى عندي أن يركع ركعتين مستقلتين؛ لأن هذا الاحتمال قائم وتخصيص الفريضة بالاستثناء قد يكون المراد به أن يتطوع بركعتين فكأنه قال فليتطوع بركعتين والله أعلم‏.‏

 

893- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل انشراح الصدر عقب صلاة الاستخارة دليل على أن الله اختار هذا الأمر‏؟‏ وما العمل إذا استخار الإنسان وبقي متردداً‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم، إذا استخار الإنسان ربه بشيء وانشرح صدره له فهذا دليل على أن هذا هو الذي اختاره الله تعالى‏.‏

وأما إذا بقي متردداً فإنه يعيد الاستخارة مرة ثانية وثالثة، فإن تبين له، وإلا استشار غيره، بما هو عليه‏.‏ ويكون ما قدره الله هو الخير إن شاء الله‏.‏

 

894- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن صلاة الحاجة وصلاة حفظ القرآن هل ثبتت مشروعيتها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ كلتاهما غير صحيحة، لا صلاة الحاجة‏[‏حديث صلاة الحاجة رواه الإمام أحمد عن أبي الدرداء 1/443 ‏(‏27486‏)‏‏.‏ ورواه الترمذي وضعفه من حديث عبد الله بن أبي أوفى في الصلاة باب‏:‏ ما جاء في صلاة الحاجة ح‏(‏479‏)‏‏.‏‏]‏ ، ولا صلاة حفظ القرآن‏[‏رواه الترمذي في الدعوات باب‏:‏ دعاء الحفظ ح‏(‏3570‏)‏ وقال‏:‏ حسن غريب‏.‏‏]‏ ؛ لأن مثل هذه العبادات لا يمكن إثباتها إلا بدليل شرعي يكون حجة، وليس فيهما ديل شرعي يكون حجة، وعليه تكونان غير مشروعتين‏.‏

 

895- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم صلاة التسبيح‏:‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صلاة التسبيح‏[‏انظر صفتها في الفتاوى التالية‏.‏‏]‏ وردت فيها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حسنها بعض أهل العلم، واعتبروها، وعملوا بها، ولكن الراجح من أقوال أهل العلم أنها أحاديث ضعيفة لا تقوم به حجة كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وقال‏:‏ إن حديثها باطل، أو كذب وأنه لم يستحبها أحد من الأئمة وما قاله – رحمه الله – هو الحق، وأنها صلاة غير مستحبة لعدم ثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأصل في العبادة الحظر إلا ما قام الدليل الصحيح على مشروعيته، وفيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النوافل ما يكفي عن مثل هذه الصلاة المختلف فيها، وإذا تأمل الإنسان متنها، وما رتب عليها من الثواب تبين له أنه شاذ لمخالفته لصفات الصلاة المعهودة في الشرع؛ ولأن الثواب مرتب على فعلها في الأسبوع، أو في الشهر، أو في السنة، أو في العمر وهو غريب في جزاء الأعمال أن يتفق الثواب مع تباين الأعمال هذا التباين، فالصواب في هذه المسألة أن صلاة التسبيح غير مشروعة، والله أعلم‏.‏

 

896- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن صلاة التسبيح كيف تؤدى‏؟‏ ومتى تصلى‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ قبل أن نجيب على حكم صلاة التسبيح نبين صفتها على حسب ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب‏:‏ ‏(‏يا عباس، يا عماة‏:‏ ألا أعطيك‏؟‏ ألا أمنحك‏؟‏ ألا أحبوك‏؟‏ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوله وأخره، وقديمه وحديثه، وخطأه وعمده، وصغيره وكبيره، وسره وعلانيته‏؟‏ عشر خصال‏:‏ إن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقل وأنت قائم‏:‏ سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً وتقولها وأنت ساجد عشراً ثم ترفع رأسك أومن السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات، وإن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة‏)‏، هذا أمثل ما روي فيها‏.‏

والحديث رواه أبو داود‏[‏في الصلاة، باب‏:‏ صلاة التسبيح ح‏(‏1297‏)‏، ورواه الترمذي في الصلاة باب‏:‏ ما جاء في صلاة التسبيح ح‏(‏482‏)‏ وقال‏:‏ حديث غريب‏.‏‏]‏ ، وابن ماجة‏[‏في إقامة الصلاة باب‏:‏ ما جاء في صلاة التسبيح ح‏(‏1386‏)‏ و ‏(‏1387‏)‏‏.‏‏]‏ ، وابن خزيمه‏[‏في أبواب التطوع باب‏:‏ صلاة التسبيح 2/223 ح‏(‏1216‏)‏‏.‏‏]‏ في صحيحه وقال‏:‏ إن صح الخبر فإن في القلب من هذا الإسناد شيئاً‏.‏

وقد اختلف الناس في صلاة التسبيح في صحة حديثها والعمل به‏:‏

فمنهم من صححه، ومنهم من حسنه، ومنهم من ضعفه ومنهم من جعله في الموضوعات‏.‏

وقد ذكر ابن الجوزي أحاديث صلاة التسبيح وطرقها وضعفها كلها، وبين ضعفها وذكره في كتابه الموضوعات‏.‏

قال الترمذي‏:‏ روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة التسبيح غير حديث، قال‏:‏ ولا يصح منه كبير شيء‏.‏

ونقل النووي عن العقيلي‏:‏ ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت، وكذا ذكره ابن العربي وآخرونليس فيه حديث صحيح ولا حسن، وقال النووي‏:‏ في استحبابها نظراً؛ لأن حديثها ضعيف، وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروفة فينبغي أن لا تفعل بغير حديث، وليس حدينها ثابت‏.‏ ذكره في شرح المهذب‏.‏

ونقل السيوطي في اللآلئ عن الحافظ ابن حجر قوله‏:‏ والحق أن طرقه كلها ضعيفة، وأن حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن إلا نه شاذ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع، والشاهد من وجه معتبر ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات‏.‏

وموسى بن عبد العزيز وإن كان صادقاً صالحاً فلا يحتمل منه هذا التفرد، وقد ضعفها ابن تيميه، والمزي، وتوقف الذهبي، حكاه ابن عبد الهادي عنهم في أحكامه أهـ كلامه‏.‏

مع أنه في جوابه عما قيل في بعض أحاديث المشكاة قال‏:‏ ‏"‏الحق أنه في درجة الحسن لكثرة طرقه‏"‏ فاختلف كلامه فيه – رحمه الله – والله أعلم‏.‏

وقال صاحب الفروع في حديث صلاة التسبيح‏:‏ رواه أحمد، وقال‏:‏ لا يصح، قال‏:‏ وادعى شيخنا أنه كذب، كذا قال، ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها إمام‏.‏ واستحبها ابن المبارك على صفة لم يرد بها الخبر لئلا تثبت سنة بخبر لا أصل له، قال‏:‏ وأما أبو حنيفة، ومالك، والشافعي فلم يسمعوها بالكلية‏.‏

هذا كلام صاحب الفروع أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمهم الله تعالى -‏.‏

والذي يترجح عندي أن صلاة التسبيح ليست بسنة، وأن خيرها ضعيف وذلك من وجوه‏:‏

الأول‏:‏ أن الاصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل تثبت به مشروعيتها‏.‏

الثاني‏:‏ أن حديثها مضطرب، فقد اختلف فيه على عدة أوجه‏.‏

الثالث‏:‏ أنها لم يستحبها أحد من الأئمة، قل شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى‏:‏ ‏"‏قد نص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها ولم يستحبها إمام‏"‏‏.‏ قال‏:‏ ‏"‏وأما ابو حنيفة ومالك والشافعي فلم يسمعوها بالكلية‏"‏‏.‏

الرابع‏:‏ أنه لو كانت هذه الصلاة مشروعة لنقلت للأمة نقلاً لا ريب فيه، واشتهرت بينهم لعظم فائدتها، ولخروجها عن جنس العبادات‏.‏ فإننا لا نعلم عبادة يخير فيها هذا التخير، بحيث تفعل كل يوم، أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة، أو في الحول مرة، أو في العمر مرة، فلما كانت عظيمة الفائدة، ارجة عن جنس الصلوات، ولم تشتهر، ولم تنقل علم أنه لا أصل لها، وذلك لأن ما خرج عن نظائره، وعظمت فائدته فإن الناس يهتمون به وينقلونه ويشيع بينهم شيوعاً ظاهراً، فلما لم يكن هذا في هذه الصلاة علم أنها ليست مشروعة، ولذلك لم يستحبها أحد من الأئمة كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى -‏.‏

وإن فيما ثبتت مشروعيته من النوافل لخير وبركة لمن أراد المزيد، وهو في غنى بما ثبت عما فيه الخلاف والشبهة، والله المستعان‏.‏

 

897- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن صلاة التسبيح‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صلاة التسبيح لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في حديثها لا يصح، وقال شيخ الإسلام بن تيميه – رحمه الله -‏:‏ ‏"‏إنه كذب، ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها ولم يستحبها إمام، وأما أبو حنيفة، ومالك، والشافعي فلم يسمعوها بالكلية‏"‏، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وما ذكره – رحمه الله تعالى – فهو حق، فإن هذه الصلاة لو كانت صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم لنقلت إلى الأئمة نقلاً لا ريب فيه لعظم فائدتها ولخروجها عن جنس الصلوات، بل وعن جنس العبادات فلا نعلم عبادة يخير فيها هذا التخيير بحيث تفعل كل يوم، أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة، أو في الحول مرة، أو في العمر مرة فإن ما خرج عن نظائره اهتم الناس بنقله، وشاع فيهم لغرابته، فلما لم يكن هذا في هذه الصلاة علم أنها ليست مشروعة، ولهذا لم يستحبها أحد من الأئمة‏.‏

 898- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن صلاة التسبيح‏؟‏ وعن حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب‏:‏ ‏"‏يا عباس، يا عماه‏.‏‏.‏‏.‏ إلخ‏"‏‏[‏ راجع تخريجه ص325‏.‏‏]‏ في فضل صلاة التسابيح‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ وأما صلاة التسبيح فالصواب أنها ليست بسنة بل هي بدعة، والحديث الذي ذكرت عنها في سؤالك غير صحيح، قال الإمام أحمد – رحمه الله -‏:‏ لا تعجبني صلاة التسبيح، قيل لم‏؟‏ قال‏:‏ ليس فيها شيء يصح، ونفض يده كالمنكر، وقال النووي‏:‏ حديثها ضعيف، وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروفة، وقال العقيلي‏:‏ ليس فيها حديث يثبت، وقال أبو بكر ابن العربي‏:‏ ليس فيها حديث صحيح ولا حسن، ونقل في الفروع عن شيخه أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيميه أنه ادعى أن الحديث فيها كذب، قال كذا، قال‏:‏ ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها ولم يستحبها إمام أهـ‏.‏

وعلى هذا فصلاة التسبيح غير مشروعة ولا يتعبد لله تعالى بها لعدم صحة الحديث الوارد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

 

899- وسئل فضيلته أيضاً‏:‏ عن صلاة التسبيح‏؟‏

فاجاب بقوله‏:‏ صلاة التسبيح ورد فيها حديث‏[‏تقدم تخريجه ص325‏.‏‏]‏ عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ ولكن هذا الحديث ل يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ قال شيخ الإسلام‏:‏ هو حديث باطل، ويدل لبطلانه أمران‏:‏

الأمر الأول‏:‏ أن هذه الصلاة لو كانت من الصلوات المشروعة، لكانت من الصلوات المشهورة؛ لأن فائدتها عظيمة، ولأنها من شريعة الله، وشريعة الله لابد أن تكون محفوظة بين الأمة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا‏.‏ ولما لم تكن هذه الصلاة مشهورة، وإنما ورد فيه هذا الحديث الضعيف، ولم يستحبها أحد من الأئمة‏:‏ مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، كل الأئمة لم يستحبوها دل ذلك على أنها صلاة ليست من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

الأمر الثاني‏:‏ مما يدل على أنها ليست مشروعة‏:‏ أنها صلاة ذكر فيها أن الإنسان يصليها كل يوم، أو كل أسبوع، أو كل شهر، أو كل سنة، أو في العمر مرة‏.‏ ومثل هذا لا يستقيم في عبادة تكون مصلحة للقلوب، لأن العبادة المصلحة للقلوب لابد أن تكون مصلحة للقلوب، لأن العبادة المصلحة للقلوب لابد أن تكون مستمرة دائماً، ولا تكون على هذا التخيير البعيد المدى من يوم إلى سنة، إلى العمر كله‏.‏ ولا يرد علينا الحج، حيث لم يجب على المرء في العمر إلا مرة واحدة، لأن الحج إنما فرضه الله على عباده مرة واحدة؛ لأنه شاق عليهم وصعب عليهم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه حين سئل الحج في كل عام‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، الحج مرة، فما زاد فهو تطوع‏)‏‏[‏ رواه مسلم في الحج باب‏:‏ فرض الحج مرة في العمر ح412 ‏(‏1337‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ فالحج لا تقاس عليه صلاة التسبيح، لأن الحج لو وجب كل عام لشق على كل فرد من أفراد الناس ممن يستطيع الحج أن يحج كل عام، ثم لشق أيضاً اجتماع الناس في هذا المكان، ما ظنكم لو أن المسلمين جميعاً القادرين في أقطار الدنيا يجتمعون كل عام في هذه المشاعر‏؟‏ ألا يكون عليهم مشقة عظيمة‏؟‏ لا يمكن أن تطاق هذا هو الواقع‏.‏ ولهذا خفف الله على عباده فجعل الحج واجباً في العمر مرة‏.‏ أما صلاة التسبيح فليس فيها مشقة لو ثبتت، ولو أنها شرعت كل يوم لم يكن في ذلك مشقة، بل شرع للناس كل يوم ما هو أكثر منها عدداً وكيفية، فدل هذا على أن هذه الصلاة ليست من الأمور المشروعة، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يتعبد لله بها، وإنما يتعبد لله بما ثبت من شريعته في كتابه، أو على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

 

 

900- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن صلاة الفائدة وهي مائة ركعة، وقيل أربع ركعات تصلى في آخر جمعة من رمضان، فهل هذا القول صحيح‏؟‏ وما حكم هذه الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا القول ليس بصحيح، وليس هناك صلاة تسمى صلاة الفائدة، وجميع الصلوات فوائد، وصلاة الفريضة أكبر الفوائد؛ لأن جنس العبادة إذا كان فريضة فهو أفضل من نافلتها، لما ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى يقول‏:‏ ‏(‏ما تقرب إليّ عبدي بشي أحب إلي مما فرضت عليه‏)‏‏[‏ تقدم تخريجه ص202‏.‏‏]‏‏.‏ ولأن الله أوجبها وهو دليل على محبته لها، وعلى أنها أنفع للعبد من النافلة، ولهذا ألزم بها لمصلحته بما يكون فيها من الأجر، فكل الصلوات فوائد‏.‏

وأما صلاة خاصة تسمى صلاة الفائدة فهي بدعة لا أصل لها، وليحذرالمرء من أذكار وصلوات شاعت بين الناس وليس لها أصل من السنة، وليعلم أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله بشيء لم يشرعه الله في كتابه، أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومتى شك الإنسان في شيء أمن أعمال العبادة أو لا‏؟‏ فالأصل أنه ليس بعبادة حتى يقوم دليل على أنه عبادة‏.‏ والله أعلم‏.‏

 

901- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم إقامة صلاة النافلة جماعة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كان الإنسان يريد أن يجعل النوافل دائماً في جماعة كلما تطوع، فهذا غير مشروع، وأما صلاتها أحياناً في جماعة فإنه لا بأس به لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صلاة ابن عباس معه في صلاة الليل‏[‏متفق عليه، وتقدم تخريجه ص160‏.‏‏]‏ ، وكما صلى معه أنس بن مالك رضي الله عنه واليتيم في بيت أم سليم وما أشبه ذلك‏[‏متفق عليه، رواه البخاري في الصلاة باب‏:‏ الصلاة على الحصير ح‏(‏380‏)‏، ومسلم في المساجد باب‏:‏ جواز الجماعة في النافلة ح266 ‏(‏658‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

 

902- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل يجوز أن أصلي نافلة بنية مطلقة‏؟‏ فمثلاً صلى رجل نافلة ولم يحدد عدد ركعاتها وهو يريد أن يصلي ما شاء الله من الركعات بتسليمة واحدة‏.‏ فهل هذا يجوز مع الدليل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحكم في هذا أن الإنسان ليس مخيراً فيما شاء من الركعات؛ لأنه مقيد بما جاء به الشرع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏صلاة الليل والنهار مثنى، مثنى‏)‏‏[‏ تقدم تخيجه ص115‏.‏‏]‏‏.‏ فالمشروع أن يصلي الإنسان ركعتين ركعتين في النهار والليل، ولا يقرن بين الأربع، أوبين الست أو بين الثمان وما أشبه ذلك، إلا أنه جاء في الوتر ما يدل على جواز سرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد، وكذلك السنة في الخمس أن تكون سرداً بسلام واحد وتشهد واحد، وفي السبع كذلك، وفي التسع بسلام واحد وتشهدين‏:‏ تشهد عقب الثامنة، وتشهد عقب التاسعة ويسلم‏.‏ فالإنسان ليس مخيراً في أن يصي ما شاء من العدد‏.‏

أما أنه يصلي ما شاء من الصلوات فلا حرج عليه، يصلي ما شاء من الصلوات، وإن كان الأفضل في الليل أن لا يتجاوز إحدى عشرة أو ثلاث عشرة كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعل‏.‏

  

903- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عما يفعله بعض الناس إذا دخلوا المسجد قرب وقت الإقامة وقفوا ينتظرون قدوم الإمام وتركوا تحية المسجد فما حكم هذا العمل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كانت المدة قصيرة بحيث لا يفوت فالأفضل أن يصلوا تحية المسجد، ثم إن جاء الإمام وأقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى فاقطعها، وإن كنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة‏.‏

 

904- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ ما حكم صلاة النافلة جماعة، مثل صلاة الضحى‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة في أصحابه في بعض الليالي فصلى معه ذات مرة عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – وصلى معه مرة حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أما حذيفة فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالبقرة، والنساء، وآل عمران لا يمر بآية وعيد إلا تعوذ، ولا بآية رحمة إلا سأل‏[‏رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص160‏.‏‏]‏ ، وأما عبد الله بن مسعود فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأطال النبي صلى الله عليه وسلم القيام، قال عبد الله بن مسعود حتى هممت بأمر سوء قيل‏:‏ وما أمر السوء الذي هممت به‏؟‏ قال‏:‏ أن أجلس وأدعه‏[‏متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب‏:‏ إذا قام الرجل عن يسار الإمام ح‏(‏726‏)‏، ومسلم في صلاة المسافرين باب‏:‏ الدعاء في صلاة الليل ح181 ‏(‏763‏)‏‏.‏‏]‏ وذلك من طول قيامه عليه الصلاة والسلام‏.‏ وأما عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – فإنه قام يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل عن يساره، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه فجعله عن يمينه‏[‏متفق عليه، وتقدم تخريجه ص160‏.‏‏]‏‏.‏

والحاصل أنه لا بأس أن يصلي الجماعة بعض النوافل جماعة ولكن لا تكون هذه سنة راتبة كلما صلوا السنة صلوها جماعة؛ لأن هذا غير مشروع‏.‏

 

905- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ ما حكم صلاة الركعتين ليلة الزواج عند الدخول على الزوجة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الركعتان عند الدخول على الزوجة في أول ليلة فعلها بعض الصحابة‏[‏انظر ‏"‏المصنف‏"‏ لعبد الرزاق 6/191، والهيثمي في ‏"‏المجمع‏"‏ 4/291‏.‏‏]‏ ، ولا أعرف في هذا سنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المشروع أن يأخذ بناصية المرأة ويسأل الله خيرها، وخير ما جبلت عليه، ويستعيذ بالله من شرها، وشر ما جبلت عليه‏[‏رواه أبو داود في النكاح باب‏:‏ في جامع النكاح ح‏(‏2160‏)‏‏.‏‏]‏ ، وإذا كان يخشى في هذه الحال أن تنفر منه المرأة فليمسك بناصيتها كأنه يريد أن يدنوا منها ويدعو بهذا الدعاء سراً بحيث لا تسمعه؛ لأن بعض النساء قد يخيل لها إذا قال أعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه، فتقول‏:‏ هل في شر‏؟‏

 

906- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم صلاة الحاجة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صلاة الحاجة غير مشروعة‏[‏راجع تخريج حديث صلاة الحاجة ص323‏.‏‏]‏‏.‏

 

 

 

 

 

907- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم – عندما جاءه رجل – يسأله عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏خمس صلوات في اليوم والليلة فقال‏:‏ هل عليّ غيرها‏؟‏ قال‏:‏ لا، إلا أن تطوع‏.‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وصيام رمضان‏.‏ قل‏:‏ هل علي غيره‏؟‏ قالك لا، إلا أن تطوع‏.‏ وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة قال‏:‏ هل علي غيرها‏؟‏ قال‏:‏ لا، إلا أن تطوع‏.‏ قال‏:‏ فأدبر الرجل وهو يقول‏:‏ والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أفلح إن صدق‏)‏‏[‏ متفق عليه من حديث طلحة بن عبيد الله، رواه البخاري في الإيمان، باب‏:‏ الزكاة من الإسلام ح‏(‏46‏)‏، ومسلم في الإيمان باب‏:‏ بيان الصلوات‏.‏‏.‏‏.‏ ح8 ‏(‏11‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ وبين ما ورد من الأمر ببعض النوافل مثل تحية المسجد وغير ذلك والأمر يقتضي الوجوب‏؟‏ جزاكم الله خيراً‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نقول‏:‏ إن النوافل لا يأثم تاركها بتركها أبداً‏.‏ ولهذا قال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر له الصلوات الخمس‏:‏ هل علي غيرها‏.‏ قال‏:‏ ‏(‏لا، إلا أن تطوع‏)‏، فلا شيء من النوافل يكون واجباً أبداً؛ لا تحية المسجد ولا غيرها‏.‏

وإن كان بعض العلماء يقول بوجوب تحية المسجد‏.‏ وكذلك بوجوب صلاة الكسوف‏.‏ ومن العلماء من قال‏:‏ إن صلاة الكسوف فرض كفاية، وهو أقرب الأقوال إلى الصواب‏.‏ لكن ليس هناك شيء من الصلوات غير الخمس يكون واجباً‏.‏ اللهم إلا بسبب؛ كالنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من نذر أن يطيع الله فليطعه‏)‏‏[‏ رواه البخاري في ‏.‏ والنذور باب‏:‏ النذر في الطاعة ح‏(‏6696‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

لكن هذه المسألة سبب عارض يكون من فعل المكلف، وعلى هذا فلا إشكال في الحديث‏.‏

لكن قد يقول قائل‏:‏ إن هناك واجبات أخرى سوى ما ذكرت في الحديث‏؟‏

فالجواب‏:‏ إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم من حال الرجل السائل أن شروط الوجوب في غير ما ذكر لم تتحق فيه، وإما أن يقال‏:‏ إن هذا كان قبل وجوب ما لم يذكر؛ لأن واجبات الدين لم يقع وجوبها دفعة واحدة‏.‏ وإنما هي تأتي بحسب الحكمة التي تقتضيها‏.‏

908- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن أوقات النهي، وعن تحية المسجد قبل صلاة المغرب، هل تكون قبل الأذان أو بعده، أفتونا جزاكم الله خيراً‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أوقات النهي‏:‏

الوقت الأول‏:‏ من صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح؛ أي إلى ما بعد طلوع الشمس بربع ساعة إلى ثلث ساعة‏.‏

الوقت الثاني‏:‏ قبل الزوال بنحو عشر دقائق؛ وهو قبل دخول وقت الظهر بنحو عشر دقائق‏.‏

والوقت الثالث‏:‏ من صلاة العصر إلى أن يستكمل غروب الشمس‏.‏ هذه هي أوقات النهي‏.‏

أما بالنسبة لتحية المسجد فمشروعة في كل وقت، فمتى دخلت المسجد فلا تجلس حتى تصلي ركعتين‏.‏ حتى في أوقات النهي‏.‏

وينبغي أن يعلم أن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن جميع النوافل من ذوات الأسباب، ليس فيها نهي، بل تفعل حتى في وقت النهي‏:‏ فإذا دخلت المسجد بعد صلاة الفجر فصل ركعتين، وإذا دخلت بعد صلاة العصر فصل ركعتين، وإذا دخلت المسجد قبيل الزوال فصل ركعتين، وإذا دخلت في أي ساعة من ليل أو نهار فلا تجلس حتى تصلي ركعتين‏.‏

 

909- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن الأوقات التي تكره فيها الصلاة، وما سبب كراهة الصلاة فيها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أوقات النهي‏:‏

أولاً‏:‏ من بعد صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس مقدار رمح، يعني مقدار متر تقريباً وذلك بعد طلوعها بنحو ربع ساعة، والمعتبر بصلاة الفجر صلاة كل إنسان بنفسه‏.‏

الوقت الثاني‏:‏ حين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول الشمس، وذلك في منتصف النهار قبل زوال الشمس بنحو عشر دقائق أو قريباً منها‏.‏

الوقت الثالث‏:‏ من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، والمعتبر صلاة كل إنسان بنفسه، فإذا صلى الإنسان العصر حرمت عليه الصلاة حتى تغرب الشمس، لكن يستثنى من ذلك صلاة الفرائض مثل أن يكون على الإنسان فائتة يتذكرها في هذه الأوقات فإنه يصليها، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها‏)‏‏[‏ تقدم تخريجه ص283‏.‏‏]‏‏.‏ ويستثنى من ذلك على القول الراجح كل صلاة نفل لها سبب، لأن هذه الصلاة التي لها سبب مقرونة بسببها وتحال الصلاة على هذا السبب بحيث ينتفي فيها الحكمة التي من أجلها وجد النهي، فمثلاً لو دخلت المسجد بعد صلاة العصر فإنك تصلي ركعتين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين‏)‏‏[‏ تقدم تخريجه ص284‏.‏‏]‏‏.‏ وكذلك لو دخلته بعد صلاة الفجر، أو عند زوال الشمس، وكذلك لو كسفت الشمس بعد صلاة العصر فإنه يصلي للكسوف؛ لأنها ذات سبب، وكذلك لو قرأ الإنسان القرآن ومر بآية سجدة فإنه يسجد ولو في هذه الأوقات لأن ذلك سبب‏.‏

أما الحكمة من النهي في هذه الأوقات‏:‏ فلأن الإنسان إذا أذن له بالتطوع في هذه الأوقات فقد يستمر يتطوع حتى عند طلوع الشمس وعند غروبها، وحينئذ يكون مشابهاً للكفار الذين يسجدون للشمس إذا طلعت تحريباً بها وفرحاً، ويسجدون لها إذا غربت وداعاً لها، والنبي عليه الصلاة والسلام حرص على سد كل باب يوصل إلى الشرك أو يكون فيه مشابهة للمشركين‏.‏ وأما النهي عند قيامها حتى تزول فلأنه وقت تسجر فيه جنهم كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام‏[‏رواه أبو داود في الصلاة باب‏:‏ الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال ح‏(‏1083‏)‏‏.‏‏]‏ فينبغي الإمساك عن الصلاة في هذا الوقت‏.‏

 

910- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ إذا أتيت المسجد وصلاة العصر قائمة فهل يجوز لي أن أصلي سنة العصر بعد أداء الفريضة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صلاة العصر ليس لها راتبة لا قبلها ولا بعدها، وإنما يسن للإنسان أن يصلي قبلها على سبيل الإطلاق، وإذا لم تدركها قبل الصلاة فإنك لا تصلها بعد العصر، فإن الإنسان يحرم عليه أن يؤدي تطوعاً في أوقات النهي إلا صلاة ذات سبب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس‏)‏‏[‏ متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري، رواه البخاري في المواقيت باب‏:‏ لا تتحرى الصلاة‏.‏ ح‏(‏586‏)‏، ومسلم في صلاة المسافرين باب‏:‏ الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها ح288 ‏(‏827‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏

وأما صلاة ذات السبب مثل تحية المسجد فإنه يؤديها ولو كانت في وقت النهي‏.‏

ومثل أن تكسف الشمس بعد العصر فإنه يصلي لكسوفها، ومثل أن يصلي العصر في مسجده فيحضر إلى مسجد آخر فيجدهم يصلون فإنه يصلي معهم‏.‏

 

911- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس‏)‏ فهل هذا العموم مراد أو ليس بمراد‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا العموم ليس بمراد، بل يخرج منه بعض أفراده‏.‏ وهنا نأخذ قاعدة وهي‏:‏ أن اللفظ العام في أصل وضعه يتناول جميع الأفراد، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين علم أصحابه التشهد ومنه ‏(‏السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين‏)‏ قال‏:‏ ‏(‏إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض‏)‏‏[‏ متفق عليه، رواه البخاري في الأذان، باب‏:‏ ما يتخير من الدعاء‏.‏‏.‏‏.‏ ح‏(‏835‏)‏، ومسلم في باب‏:‏ التشهد في الصلاة ح55 ‏(‏402‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ وذلك يؤخذ من أن قوله ‏(‏عباد الله الصالحين‏)‏ عام، وهذا نص في أن العام يشمل جميع الأفراد‏.‏

إذن قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا صلاة‏"‏ يشمل جميع الصلوات، ولكن قد خص منه بعض الصلوات بالنص، وبعضها بالإجماع‏.‏

ومن ذلك‏:‏

أولاً‏:‏ إعادة الجماعة مثل أن يصلي الإنسان الصبح في مسجده، ثم إذا ذهب إلى مسجد آخر فوجدهم يصلون الصبح فإنه يصلي معهم، ولا إثم عليه ولا نهي، والدليل‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ذات يوم في منى، فلما انصرف رأى رجلين لم يصليا معه فسألهما لماذا لم تصليا‏؟‏ قالا‏:‏ صلينا في رحالنا، قال‏:‏ ‏(‏إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم‏)‏‏[‏ رواه أبو داود في الصلاة، باب‏:‏ الجمع في المسجد مرتين ح‏(‏575‏)‏ و ‏(‏576‏)‏‏.‏‏]‏ ، وهذا بعد صلاة الصبح‏.‏

ثانياً‏:‏ إذا طاف الإنسان بالبيت، فإن من السنة أن يصلي بعد الطواف ركعتين خلف مقام إبراهيم، فإذا طاف بعد صلاة الصبح فيصلي ركعتين للطواف‏.‏ ومن أدلة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صلى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار‏)‏‏[‏ رواه أبو داود في المناسك، باب‏:‏ الطواف بعد العصر ح‏(‏1894‏)‏، ورواه الترمذي في الحج، باب‏:‏ ما جاء في الصلاة بعد العصر‏.‏‏.‏‏.‏ ح‏(‏868‏)‏ وقال‏:‏ حسن صحيح‏.‏‏]‏‏.‏

فإن بعض العلماء استدل بهذا الحديث على أنه يجوز إذا طاف أن يصلي ركعتين ولو في وقت النهي‏.‏

ثالثاً‏:‏ إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب وكان ذلك عند زوال الشمس فإنه يجوز أن يصلي تحية المسجد؛ لأن ‏(‏النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس فدخل رجل فجلس فقال له‏:‏ ‏"‏أصليت‏"‏‏؟‏ قال‏:‏ لا، قال‏:‏ ‏"‏قم فصل ركعتين وتجوز فيهما حديث المسيء صلاته وتقدم ج13/119‏.‏

رابعاً‏:‏ دخول المسجد‏:‏ فلو أن شخصاً دخل المسجد بعد صلاة الصبح، أو بعد الفجر؛ لأن هذه الصلاة لها سبب‏.‏

خامساً‏:‏ كسوف الشمس‏:‏ فلو كسفت الشمس بعد صلاة العصر، وقلنا إن صلاة الكسوف سنة فإنه يصلي الكسوف، أما إذا قلنا بأن صلاة الكسوف واجبة فالأمر في هذا ظاهر؛ لأن الصلاة الواجبة ليس عنها وقت نهي إطلاقاً‏.‏

سادساً‏:‏ إذا توضأ الإنسان‏:‏ فإذا توضأ الإنسان جاز أن يصلي ركعتين في وقت النهي؛ لأن هذه الصلاة لها سبب‏.‏

سابعاً‏:‏ صلاة الاستخارة‏:‏ فلو أن إنساناً أراد أن يستخير فإنه يصلي ركعتين، ثم يدعو دعاء الاستخارة، فإذا أتاه أمر لا يحتمل التأخير فاستخار في وقت النهي فإن ذلك جائز‏.‏

والخلاصة أن هذا الحديث ‏(‏لا صلاة بعد الصبح، ولا صلاة بعد العصر‏)‏ مخصوص بما إذا صلى صلاة لها سبب فإنه لا نهي عنها‏.‏

وهذا الذي ذكرته هو مذهب الشافعي – رحمه الله – وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وهو الصحيح أن ذوات الأسباب ليس عنها نهي‏.‏

 

912- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل المعتبر في دخول وقت النهي بعد صلاة الفجر، أو العصر صلاة الناس، أو صلاة الشخص نفسه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المعتبر صلاة الشخص نفسه فلو فرض أن الناس صلوا صلاة العصر وأنت لم تصل فإن وقت النهي في حقك لم يدخل ولو فرض أنك صليت قبل الناس فإن وقت النهي في حقك دخل، وإن لم يصل الناس‏.‏

 

913- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم قضاء صلاة الفرض لمن فاتته الصلاة مثل الفجر والعصر وغيرها في أوقات النهي المغلظة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا السائل فتح علينا باباً نحب أن نبينه‏:‏ وذلك أن أوقات النهي خمسة، ثلاثة منها مغلظة ‏(‏كما يقول‏)‏، واثنان منها أخف‏.‏

فالخمسة‏:‏ من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس‏.‏

ومنها طلوعها إلى أن ترتفع قد رمح‏.‏

وعند قيامها عند منتصف النهار حتى تزول‏.‏

ومن صلاة العصر حتى يكون بينها وبين الغروب مقدار رمح، ومن هذا إلى الغروب‏.‏ هذه خمسة أوقات‏.‏

المغلظة منها ثلاثة‏:‏ وهي الأوقات القصيرة‏:‏ من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح‏.‏

ومن قبيل الزوال إلى الزوال‏.‏

ومن حيث يكون بينها وبين الغروب مقدار رمح إلى أن تغرب‏.‏ هذه الأوقات الثلاثة المغلظة تختلف عن الوقتين الآخرين؛ لأن هذه الأوقات الثلاثة المغلظة لا يجوز فيها دفن الميت، لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال‏:‏ ‏(‏ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا‏:‏ حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب‏)‏‏[‏ رواه مسلم في المساجد، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها ح293 ‏(‏831‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ فإذا وصلنا بالميت إلى المقبرة وقد طلعت الشمس، فإنه لا يجوز دفنه حتى ترتفع الشمس قيد رمح، وغذا وصلنا به إلى المقبرة وقد قام قائم الظهيرة يعني قبيل الزوال بنحو خمس دقائق فإنه لا يجوز دفنه حتى تزول الشمس، وإذا وصلنا به إلى المقبرة قبل الغروب بمقدار رمح فإنه لا يجوز دفنه حتى تغرب الشمس‏.‏

أما الصلاة فإنها محرمة في هذه الأوقات الخمسة جميعاً، لكن يستثنى من ذلك‏.‏

أولاً‏:‏ الصلاة الفائتة‏:‏ يعني إذا فات الإنسان فريضة فإنه يصليها ولو في أوقات النهي االمغلطة القصيرة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك‏)‏‏[‏ تقدم تخريجه ص283‏.‏‏]‏‏.‏ فقوله‏:‏ ‏(‏فليصلها إذا ذكرها‏)‏ عام لا يستثنى منه شيء، ولأنها فريضة مؤكدة فلا ينبغي تأخيرها عن وقت ذكرها أو استيقاظ النائم‏.‏

ثانياً‏:‏ كل صلاة ذات سبب على القول الراجح، وهو رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – واختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله -‏.‏ فكل صلاة لها سبب فإنها تصلى في أوقات النهي‏.‏ مثال ذلك‏:‏ طاف الإنسان بعد العصر فإنه يصلي ركعتي الطواف؛ لأن ركعتي الطواف لهما سبب وهو الطواف، وإذا دخل الإنسان المسجد بعد صلاة العصر فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن تحية المسجد لها سبب وهو دخول المسجد، وإذا كسفت الشمس بعد صلاة العصر أو حين طلعت قبل أن ترتفع، فإنها تصلى صلاة الكسوف؛ لأنها صلاة ذات سبب‏.‏

وعلى هذا فكل صلاة لها سبب فإنها تشرع عند سببها سواء وجد هذا السبب في أوقات النهي، أو في غير أوقات النهي‏.‏

وعلى هذا فالذي عليه قضاء يقضي الصلاة متى ذكرها أو استيقظ‏.‏

 

914- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ إذا قلنا إن النهي عام عن الصلاة بعد الفجر، وجاءت أحاديث تخصص بعض الصلوات بعينها مثل قضاء راتبة الصبح، أو ركعتي الطواف، أما غير ذلك فيكون النهي عاماً‏.‏ ويرد على من استدل بحديث الرجل الذي دخل المسجد وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقوم ويصلي تحية المسجد، بأنه أمره في وقت لم يكن فيه نهي، ويقول إن النهي قوي في قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد الصبح‏)‏ وأيضاً يقول ورد أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ينهى عن الصلاة بعد الصبح ويطرد من يفعل ذلك، فما جوابكم حفظكم الله وجزاكم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نقول إن ألفاظ النهي في بعضها ‏(‏لا تتحروا الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها‏)‏‏[‏ رواه مسلم في صلاة المسافرين باب‏:‏ لا تتحروا بصلاتكم‏.‏‏.‏‏.‏ ح295 ‏(‏833‏)‏‏.‏‏]‏ فدل هذا على أن المنهي عنه أن يتحرى الإنسان هذا الوقت فيقوم يصلي، وأما إذا كان له سبب فإن الصلاة تحال على سببها، ويدل لهذا أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم علل النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر بأن المشركين كانوا يسجدون للشمس عند طلوعها، وعند غروبها، فإذا وجد سبب تحال الصلاة عليه زالت هذه العلة، ويدل لذلك أيضاً القاعدة المعروفة عن العلماء وهي ‏(‏أن العام المحفوظ مقدم على العام المخصوص‏)‏‏.‏

وأحاديث النوافل ذات الأسباب المعينة عامة محفوظة وأحاديث النهي عامة مخصوصة بعدة مخصصات، والعام المحفوظ الذي لم يخصص أقوى من العام الذي يخصص، حتى إن بعض أهل العلم من الأصوليين قال‏:‏ إن النص العام إذا خصص بطلت دلالته على العموم، معللاً قوله هذا بأن العام إذا خصص فهو قرينة على أن عمومه غير مراد، فيحمل على أقل ما يطلق عليه الاسم، ويكون حكمه في هذه الحال حكم المطلق لا حكم العام‏.‏

ولكن الصحيح أن العام إذا خصص يبقى على عمومه فيما عدا المخصص‏.‏

 

915- وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -‏:‏ عن حكم قضاء سنة الفجر بعد أداء صلاة الفجر في وقت النهي‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لا بأس به على القول الراجح، ولا يعارض ذلك حديث النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؛ لأن المنهي عنه الصلاة التي لا سبب لها، ولكن إن أخر قضاءها إلى الضحى، ولم يخش من نسيانها، أو الانشغال عنها فهو أولى‏.‏

 

916- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ ما حكم تحية المسجد بالنسبة للداخل إلى مكتبة المسجد في الحالات التالية‏:‏

1- إذا كان باب المكتبة داخل المسجد‏.‏

2- إذا كان باب المكتبة خارج المسجد‏.‏

3- إذا كان للمكتبة بابان أحدهما داخله والآخر خارجه‏؟‏ والله يحفظكم ويرعاكم ويمدكم بعونه وتوفيقه‏.

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏.‏

في الحال الأولى وهي‏:‏ ما إذا كان باب المكتبة داخل المسجد تكون المكتبة من المسجد فلها حكمه، فتشرع تحية المسجد لمن دخلها، ولا يحل للجنب المكث فيها إلا بوضوء، ويصح الاعتكاف فيها، ويحرم فيها البيع والشراء، وهكذا بقية أحكام المسجد المعروفة‏.‏

وفي الحال الثانية وهي‏:‏ ما إذا كان بابها خارج المسجد، وليس لها باب على المسجد، لا تكون من المسجد فلا يثبت لها أحكام المساجد، فليس لها تحية مسجد، ولا يصح الاعتكاف فيها، ولا يحرم فيها البيع والشراء، لأنها ليست من المسجد لانفصالها عنه‏.‏

وفي الحال الثالثة وهي‏:‏ ما إذا كان لها بابان، أحدهما‏:‏ داخل المسجد‏.‏ والثاني‏:‏ خارجه، إن كان سور المسجد محيطاً بها فهي من المسجد فتثبت لها أحكام المسجد، وإن كان غير محيط بها بل لها سور مستقل فليس لها حكم المسجد فلا تثبت لها أحكامه؛ لأنها منفصلة عن المسجد، ولهذا لم تكن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده، مع أن لها أبواباً على ا لمسجد؛ لأنها منفصلة عنه‏.‏ حرر في /1410هـ‏.‏

 

917- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ ما صحة حديث‏:‏ ‏(‏بين كل أذانين صلاة‏)‏‏[‏ متفق عليه وتقدم تخريجه ص272‏.‏‏]‏ ‏؟‏ وهل إذا خرج الرجل من المسجد ثم عاد عن قرب فإنه لا يصلي تحية المسجد‏؟‏ وما الدليل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحديث صحيح، وننظر في الصلوات، ففي الفجر سنة الفجر، وفي الظهر أربع ركعات بين الأذان والإقامة بتسليمتين، وصلاة العصر ليس لها راتبة قبلها ولا بعدها، ولكن يسن أن يصلي بين الأذان والإقامة أربع ركعات أو ما شاء الله‏.‏ والمغرب كذلك ليس لها سنة راتبة قبلها، لكن ينبغي للإنسان أن يصلي ولا يجعل ذلك راتباً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب‏)‏‏.‏ وقال في الثالثة‏:‏ ‏(‏لمن شاء‏)‏‏[‏ رواه البخاري في التهجد، باب‏:‏ الصلاة قبل المغرب‏.‏‏]‏‏.‏ كراهية أن يتخذها الناس سنة راتبة يحافظون عليها‏.‏ والعشاء لها راتبة بعدها وليس لها راتبة قبلها، ولكن يسن أن يصلى ولا يجعل ذلك راتباً‏.‏

أما الذي يخرج من المسجد ويعود عن قرب فلا يصلي تحية المسجد؛ لأنه لم يخرج خروجاً منقطعاً، ولهذا لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خرج لبيته لحاجة وهو معتكف ثم عاد أنه كان يصلي ركعتين، وأيضاً فإن هذا الخروج لا يعد خروجاً، بدليل أنه لا يقطع اعتكاف المعتكف، ولو كان خروجه يعتبر مفارقة للمسجد لقطع الاعتكاف به، ولهذا لو خرج شخص من المسجد على نية أنه لن يرجع إلا في وقت الفرض التالي، وبعد أن خطا خطوة رجع إلى المسجد ليتحدث مع شخص آخر ولو بعد نصف دقيقة فهذا يصلي ركعتين؛ لأنه خرج بنية الخروج المنقطع‏.‏

 

918- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل تجب على من دخل مكتبة المسجد تحية المسجد‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كانت المكتبة من المسجد بمعنى أنها محاطة بحائطه فإنها تكون منه، أما إذا كانت مستقلة عنه بأن بني المسجد، ثم بنيت بجواره وفتح لها باب إلى المسجد فإنها لا تكون منه، ولهذا كانت بيوت الرسول عليه الصلاة والسلام أبوابها في المسجد، ومع ذلك فإن البيوت ليست منه؛ لأنها مستقلة عنه‏.‏

فينظر في وضع هذه المكتبة هل هي متقطعة من المسجد فإنها تكون منه، أو أنها مستقلة بجوار المسجد، وفتح لها باب إلى المسجد فإنها لا تكون منه، وفي هذه الحال الأخيرة إذا مر الإنسان عابراً من المسجد إليها فإنه لا يصلي تحية المسجد؛ لأنه لا يجلس في المسجد، وإنما يريد الجلوس في هذه المكتبة، أما إذا كانت منه فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

وقول السائل‏:‏ هل تجب تحية المسجد‏؟‏

نقول فيه إن القول بوجوب تحية المسجد قول قوي، ولكن الأقرب القول بأنها سنة مؤكدة، والعلم عند الله تعالى‏.‏

 

919- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ ما حكم تغيير المكان بعد قضاء الفريضة وذلك لأداء السنة‏؟‏ وهل يعتبر من البدع‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ذكر الفقهاء – رحمهم الله – أنه يسن للإنسان أن يفصل النافلة عن الفريضة، إما بكلام، أو بانتقال من موضعه، لحديث معاوية قال‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نصل صلاة بصلاة، حتى نخرج أو نتكلم‏)‏‏[‏ رواه مسلم، وتقدم ص291‏.‏‏]‏‏.‏

وعلى هذا فالأفضل أن تفصل بين الفرض والسنة، لكن هناك شيء أفضل منه، وهو أن تجعل السنة في البيت؛ لأن أداء السنة في البيت أفضل من أدائها في المسجد، حتى المسجد الحرام، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم‏:‏ ‏(‏أفضل صـلاة المـرء في بيته إلا المكتوبة‏)‏‏[‏ تقدم تخريجه ص282‏.‏‏]‏‏.‏ يقول ذلك عليه الصلاة والسلام وهو في المدينة، وهو في مسجد الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام‏.‏

وكان هو نفسه يصلي النافلة في البيت‏.‏

وبعض الناس يظن أن النافلة في المسجد الحرام، أو النبوي أفضل، وليس كذلك، نعم لو فرض أنه رجل ذو عمل يخشى إن خرج من المسجد أن ينسى الراتبة، فهنا نقول‏:‏ صل في المسجد أفضل، وكذلك لو كان في بيته فيه صبيان كثيرون فيخشى من التشويش، فتكون الصلاة في المسجد أفضل‏.‏

والصلاة في البيت أفضل إلا المكتوبة؛ لأن الصلاة في البيت أبعد عن الرياء، إذ أنك في بيتك لا يطلع عليك إلا أهلك، وقد لا يرونك وأنت تصلي، أما في المسجد فالكل مطلع عليك، ولأن فيها تعويداً لأهل البيت على الصلاة، ولذلك إذا كنت تصلي وكان عندك صبي له سنتان أو ثلاث سنوات تجده يصلي معك، مع أنك لم تأمره بالصلاة، ففي صلاة النافلة في البيت فوائد عظيمة‏.‏

وفيها أيضاً أنك لا ترتكب ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله‏:‏ ‏(‏لا تجعلوا بيوتكم مقابر‏)‏‏[‏ رواه مسلم في صلاة المسافرين، باب‏:‏ استحباب صلاة النافلة في بيته‏.‏‏.‏‏.‏ ح208 ‏(‏777‏)‏‏.‏‏]‏‏.‏ يعني لا تجعلوها كالقبور لا تصلون فيها، فهذه ثلاث فوائد‏:‏

الأولى‏:‏ أنها أبعد عن الرياء‏.‏

الثانية‏:‏ تعويد أهل البيت على الصلاة‏.‏

الثالثة‏:‏ عدم الوقوع فيما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم‏.‏

 

920- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ أيهما أفضل الذكر أم قراءة القرآن‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المفاضلة بين الذكر والقرآن، فالقرآن من حيث الإطلاق أفضل من الذكر لكن الذكر عند وجود أسبابه أفضل من القراءة، مثال ذلك الذكر الوارد أدبار الصلوات أفضل في محله من قراءة القرآن، وكذلك إجابة المؤذن في محلها أفضل من قراءة القرآن وهكذا‏.‏

وأما إذا لم يكن للذكر سبب يقتضيه فإن قراءة القرآن أفضل‏.‏

 

921- وسئل فضيلة الشيخ‏:‏ ما الأفضل للمسافر هل يأتي بالسنن الرواتب وما يتطوع به من النوافل خاصة إذا كان في المسجد الحرام، أم يقتصر على الوتر وركعتي سنة الفجر‏؟‏ أفتونا جزاكم الله خيراً‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المسافر يسن له أن يأتي بالنوافل كلها‏:‏ صلاة الليل، وركعتي الضحى، والاستخارة، وجميع النوافل، ما عدا راتبة الظهر، والمغرب، والعشاء، فإن السنة أن لا يصلي هذه الرواتب فقط، وأما بقية النوافل فإنه يشرع في حقه أن يقوم بها؛ لأن السنة لم ترد إلا بترك هذه النوافل الثلاث، وما عدا ذلك فإنه باق على مشروعيته، فإذا كان الإنسان في المسجد الحرام وتطوع وزاد من النوافل فلا حرج عليه ولا يقال إنه مخالف للسنة، وبهذا يزول ما في نفس المرء من التأثر، حيث إن بعض الناس يتأثر يقول أنا لا أحب أن أدع النوافل، فنقول‏:‏ لا تدعها لكن الراتبة المخصوصة التي تتبع الظهر، والمغرب، والعشاء الأولى تركها للمسافر، ولا يعني ذلك أن نقول لا تتنفل، بل تتنفل بما شئت‏.‏

 

922- سئل فضيلة الشيخ – غفر الله له وأعلى منزلته -‏:‏ عن صلاة التطوع والفرق بين صلاة الفريضة وصلاة التطوع‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده K J’‏,‏أن جعل لكل نوع من أنواع الفريضة تطوعاً يشبهه، فالصلاة لها تطوع يشبهها من الصلوات، والزكاة لها تطوع يشبهها من الصدقات، والصيام له تطوع يشبهه من الصيام، وكذلك الحج، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ليزدادوا ثواباً وقرباً من الله تعالى، وليرقعوا الخلل الحاصل في الفرائض، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة، فمن التطوع في الصلوات‏:‏ الرواتب التابعة للصلوات المفروضة وهي أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وتكون بعد دخول وقت صلاة الظهر، ولا تكون قبل دخول وقت الصلاة، وركعتان بعدها، فهذه ست ركعات كلها راتبة للظهر، وأما العصر فليس لها راتبة، وأما المغرب فلها راتبة، ركعتان بعدها، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر وتختص الركعتان قبل الفجر بأن الأفضل أن يصليهما الإنسان خفيفتين وأن يقرأ فيهما بـ ‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ‏}‏ في الركعة الأولى و ‏{‏قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ في الركعة الثانية‏[‏تقدم تخريجه ص2‏.‏‏]‏ ، أو بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا‏}‏ في الركعة الأولى وبقوله تعالى‏:‏ ‏{‏قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ‏}‏ في الركعة الثانية؛ وبأنها – أي راتبة الفجر تصلى في الحضر والسفر، وبأن فيها فضلاً عظيماً، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها‏)‏‏[‏ رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص112‏.‏‏]‏‏.‏

ومن النوافل في الصلوات‏:‏ الوتر وهو من أوكد النوافل حتى قال بعض العلماء بوجوبه، وقال فيه الإمام أحمد – رحمه الله -‏:‏ ‏"‏من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة‏"‏‏.‏ وتختم به صلاة الليل، فمن خاف أن لا يقوم من آخر الليل أوتر قبل أن ينام ومع طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل بعد إنهاء تطوعه، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً‏)‏‏[‏ تقدم تخريجه ص112‏.‏‏]‏‏.‏ وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات، فإن أوتر بثلاث فهو بالخيار إن شاء سردها سرداً بتشهد واحد، وإن شاء سلم من ركعتين ثم صلى واحدة، وإن أوتر بخمس سردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر بسبع فكذلك يسردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر بتسع فكذلك يسردها ويجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم فيأتي بالتاسعة، ويتشهد ويسلم، فيكون فيها تشهدان وسلام واحد، وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة فإنه يسلم من كل ركعتين، ويأتي بالحادية عشرة وحدها، وإذا نسي الوتر أو نام عنه فإنه يقضيه من النهار، لكنه مشفوعاً لا وتراً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث صلى أربعاً، وإن كان من عادته أن يوتر بخمس صلى ستاً وهكذا؛ لأنه ثبت في الصحيح ‏(‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نام عن وتره أو غلبه وجع صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة‏)‏‏[‏ تقدم تخريجه ص213‏.‏‏]‏‏.‏

وأما الفرق بين صلاة الفرض وصلاة النافلة‏:‏

فمن أوضحها‏:‏ أن النافلة تصح في السفر على الراحلة ولو بدون ضرورة، فإذا كان الإنسان في سفر وأحب أن يتنفل وهو على راحلته سواء كانت الراحلة سيارة، أم طيارة، أم بعيراً، أم غير ذلك فإنه يصلي النافلة على راحلته متجهاً حيث يكون وجهه، يومئ بالركوع والسجود؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك‏.‏

ومن الفروق‏:‏ أن الإنسان إذا شرع في فريضة حرم أن يخرج منها إلا لضرورة قصوى، وأما النافلة فيجوز أن يخرج منها لغرض صحيح، وإن كان لغير غرض فإنه لا تشرع الجماعة فيها إلا في صلوات معينة كالاستسقاء وصلاة الكسوف على القول بأنها سنة؛ ولا بأس بأن يصلي الإنسان النافلة أحياناً جماعة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه جماعة في بعض الليالي، فقد صلى معه مرة ابن عباس، ومرة حذيفة، ومرة ابن مسعود‏[‏تقدم تخريجها ص160‏.‏‏]‏‏.‏

وأما في رمضان فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ثلاث ليال ثم تأخر خوفاً أن تفرض على الناس‏[‏تقدم تخريجه ص287‏.‏‏]‏ ، وهذا يدل على أن صلاة الجماعة في قيام رمضان سنة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها، ولكن تركها خوفاً من أن تفرض وهذا مأمون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم‏.‏

وهناك فروق أخرى ذكرها بعض العلماء تبلغ فوق العشرين فرقاً‏.‏

 

 

923- سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل أجر النافلة كأجر الفريضة‏؟‏ وهل تجزئ النافلة عن الفريضة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ليس أجر النافلة كأجر الفريضة، فإن أجر الفريضة أكثر وأعظم؛ لأن الفريضة أهم وأعظم، ولهذا أوجبها الله تعالى على عباده لأهميتها وعظمها، وفي الحديث الصحيح القدسي أن الله سبحانه وتعالى يقول‏:‏ ‏(‏ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه‏)‏‏[‏ رواه البخاري وتقدم ص202‏.‏‏]‏‏.‏

ولا تجزئ النافلة عن الفريضة، فإذا قدر أن على إنسان صلاة الفجر مثلاً، ثم تطوع بركعتين في الضحى فإن هاتين الركعتين لا تجزئان عن صلاة الفجر؛ لأن النافلة لا تجزئ عن صلاة الفريضة؛ ولأنه لابد من تعيين الصلاة بالنية عندما تريد أن تصلي الفجر تنوي أنها الفجر، وعندما تريد أن تصلي الظهر تنوي أنها الظهر وهكذا، والله الموفق‏.‏