فصل: رسالة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

كتابكم غير المؤرخ وصلني يوم الاثنين 14 الجاري، وقرأته بمشقة لخفاء حروفه بضعف مداده، وما تضمنه من الأسئلة فإليكم جوابها سائلين الله أن يلهمنا فيها الصواب‏:‏

جواب السؤال الأول‏:‏ تعريف السفر عندنا ما سماه الناس سفراً، ولا يتحدد ذلك بمسافة معينة، ولا مدة معينة وذلك لأنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك تحديد، فما دام الإنسان مفارقاً لمحل إقامته، وهو عند الناس مسافر فهو في سفر، وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال‏:‏ كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج مسيرة ثلاثة أيام أو فراسخ صلى ركعتين‏.‏ وفي صحيح البخاري عنه ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قيل له‏:‏ أقمتم بمكة شيئاً‏؟‏ قال‏:‏ أقمنا بها عشراً، وكان ذلك في حجة الوداع‏.‏

وفيه أيضاً عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال‏:‏ أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين، وكان ذلك عام الفتح‏.‏ قال في الفتح ص 567جـ2 ط السلفية عن حديث أنس الأول‏:‏ وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك وأصرحه‏.‏

قلت‏:‏ ولا يصح حمله على أن المراد به المسافة التي يبتدئ منها القصر لا غاية السفر؛ لأن أنس بن مالك أجاب به من سأله عن خروجه من البصرة إلى الكوفة أيقصر الصلاة‏؟‏ وأيضاً فقد نقل في الفتح عن ابن المنذر إجماع أهل العلم على أن لمريد السفر أن يقصر إذا خرج عن جميع بيوت قريته يعني وإن لم يتجاوز ثلاثة أميال أو فراسخ‏.‏

وقد أقام النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏بتبوك عشرين يوماً الصلاة‏)‏ ولم يكن ذلك تحديداً منه، فلما لم يحدد ذلك لأمته أنه ليس فيه تحديد وأن المسافر ما دام لم يعزم على الإقامة المطلقة فإن حكم السفر في حقه باق‏.‏

وقد كتبنا في ذلك أجوبة مبسوطة ومختصرة لأسئلة متعددة اخترنا أن نبعث لكم صورة من التوسط منها نسأل الله أن ينفع بها‏.‏

وأما من انتقلت وظيفته إلى بلد فانتقل إليها مطمئناً بذلك فإن البلد الثاني هو محل إقامته؛ لأن الأصل بقاء وظيفته وعدم نقله مرة أخرى، وأما إذا لم يطمئن وإنما حدد عمله وإقامته في البلد المنقول إليه، أو كان ذلك لم يحدد ولكن هو يطالب برده إلى وطنه الأول وهو عازم على الرجوع إليه ولو أدى ذلك إلى استقالته فإنه حينئذ مسافر على ما نراه‏.‏

وأما ظنكم أن المقيم الذي له الحكم المسافر لا يشهد الجمعة ولا الجماعة فاعلموا أن من سمع النداء وجبت عليه الإجابة لعموم الأدلة الدالة على ذلك‏.‏

وأما من له أهلان أحدهم في الرياض والآخرون في جدة فإن كلا البلدين وطنه فمتى جاء إلى جدة فقد انقطع سفره، ومتى جاء إلى الرياض فقد انقطع سفره، والفرق بين هذا وبين المبتعثين للدراسة ظاهر فإن هؤلاء المبعوثين لم يتأهلوا في البلاد التي بعثوا إليها وإنما هم فيها لحاجة متى انتهت رجعوا‏.‏

وأما ترك إقامة الجمعة من غير المستوطنين ولو كانوا مقيمين فهذا ما ذكره فقهاء الحنابلة، وهو موضع خلاف بين أهل العلم، ففقهاء الحنابلة يرون أنه لا تصح الجمعة من هؤلاء، وهو المشهور عند الشافعية، وفيه وجه للشافعية بالجواز، فإن رأيتم أن في إقامتها مصلحة للإسلام والمسلمين فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس إن شاء الله تعالى مع أني – و الله – أرجح عدم إقامتها، إلا إذا كان معهم مستوطنون‏.‏

ومصلحة الاجتماع تحصل بدون إقامة الجمعة مثل أن تنظم ندوات شهرية، أو أسبوعية تلقى فيها الخطب، وتحصل المناقشات التي فيها الفائدة الحاصلة بخطبة الجمعة والاجتماع لها‏.‏

وأسال الله لي ولكم العافية، والتوفيق للصواب، وليست هذه الأمور الشرعية تؤخذ بما يبدو من المصالح التي قد تحصل بغيرها بدون تعد لقانون الشريعة والله تعالى أحكم الحاكمين‏.‏

حرر في 17 / 2 / 1403 هـ‏.‏

رسالة

جواب السؤال الرابع‏:‏

قصر الصلاة للمقيمين في غير بلدهم للدراسة، أو لمدة تدريبية تبلغ ستة أشهر ونحوها مختلف فيه عند أهل العلم، وإتماماً للفائدة نقول‏:‏

إن إقامة الإنسان في بلد غير بلده الأصلي تنقسم ثلاثة أقسام‏:‏

القسم الأول‏:‏ أن يقيم فيه إقامة استيطان بحيث ينتقل عن بلده الأصلي انتقالاً كاملاً، فحكم هذا حكم المستوطنين الأصليين في كل شيء، لا يترخص رخص السفر في هذا البلد الذي انتقل إليه، بل يترخص إذا سافر منه، ولو إلى بلده الأصلي، كما لو كان بلده الأصلي مكة فانتقل للسكنى في المدينة، فإنه يعتبر في المدينة كأهلها الأصليين، فلو سافر إلى مكة للعمرة، أو الحج، أو طلب العلم، أو زيادة قريب، أو تجارة أو غيرها فحكمه في مكة حكم المسافرين، وإن كان قد تزوج فيها من قبل وتأهل كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة في غزوة الفتح وحجة الوداع، مع أنه قد تزوج في مكة وتأهل فيها من قبل‏.‏

القسم الثاني‏:‏ أن يقيم في البلد إقامة انتظار لحاجة يريدها ولم يعين مدة إقامة لا قليلة ولا كثيرة فحكم هذا حكم المسافرين لا ينقطع سفره ولو بقي سنين طويلة في انتظار حاجته، هذا هو مذهب الإمام أحمد، مالك، وأبي حنيفة، والشافعي في أحد أقوال‏.‏

والقول الثاني للشافعية أنه يقصر إلى ثمانية عشر يوماً فقط وهو المشهور عندهم‏.‏ والقول الثالث إلى تمام أربعة أيام فقط‏.‏

القسم الثالث‏:‏ أن يقيم في البلد إقامة انتظار لحاجة مقيدة بمدة معينة، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم بلغ الخلاف بينهم إلى أكثرة من عشرة أقوال حكاها النووي في شرح المهذب، ونذكر منها ثلاثة‏:‏

أحدها‏:‏ إذا كانت المدة أربعة أيام أو أكثر أتم الصلاة، وإن كانت أقل قصر، وهذا مذهب أحمد، ومالك، والشافعي إلا أن الشافعي لا يحتسب منها يومي الدخول والخروج‏.‏

الثاني‏:‏ إذا كانت المدة خمسة عشر يوماً فأكثر أتم، وإن كانت أقل من خمسة عشر يوماً قصر وهذا مذهب أبي حنيفة‏.‏

الثالث‏:‏ أنه يقصر ولو زادت المدة على ذلك وبلغت سنوات ما دام الذي حبسه هو الحاجة لا نية إنهاء السفر، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه، وتلميذه ابن القيم، وشيخنا عبد الرحمن السعدي، والشيخ محمد رضا صاحب المنار، وهو الراجح لدلالة ظاهر الكتاب، والسنة عليه، وآثار الصحابة، والتابعين، والنظر، والقياس الصحيح‏.‏

وأما الكتاب‏:‏ فقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 101‏]‏ والضرب في الأرض هو السفر فيها ويكون للتجارة وغيرها‏.‏ قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّه‏}‏‏.‏ فإذا كان الله تعالى قد أباح القصر للضاربين في الأرض، ومنهم التجار الذين يبتغون من فضل الله، وهو يعلم سبحانه أن من الضاربين التجار من يمكث في البلاد عدة أيام لطلب التجارة، أو عرضها

والواقع شاهد بذلك، ولم يخصص في جواز القصر ضارباً من ضارب علم أن الحكم عام، ولو كان ثمة حال تخرج من هذا العموم لبينها الله ورسوله، لأن الله تعالى بفضله ورحمته أوجب على نفسه البيان في قوله‏:‏ ‏{‏إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى‏}‏ ‏[‏الليل‏:‏ 12‏]‏ وقوله‏:‏ ‏{‏فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ‏}‏ ‏[‏القيامة، الآيتان‏:‏ 18، 19‏]‏ وهذا البيان شامل لبيان لفظه وبيان معناه، ولو كان الله ورسوله قد بين ذلك لنقل إلينا؛ لأن الله تعالى تكفل بحفظ القرآن كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ‏}‏ ‏[‏الحجر‏:‏ 9‏]‏

وهو شامل لحفظ لفظه، وما يتضمنه من أخبار وأحكام؛ ولأن الحاجة داعية إلى نقل ذلك لكثرة ذلك من الضاربين في الأرض‏.‏

وأما السنة‏:‏ فقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أقام بمكة تسعة عشر يوماً‏)‏ – يعني عشرين يوماً إلا يوماً –يقصر الصلاة‏)‏‏.‏

وفيه عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال ‏(‏خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين، حتى رجعنا إلى المدينة، فسئل‏:‏ أقمتم بمكة شيئاً‏؟‏ قال أقمنا بها عشراً‏)‏، يعني بإدخال أيام الحج فيها، وبذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم في حجة الوداع مكة صبيحة يوم الأحد الموافق للرابع من ذي الحجة سنة عشرة من الهجرة، وخرج منها بعد أداء الحج صبيحة اليوم الرابع عشر من الشهر المذكور‏.‏

وعن جابر رضي الله عنه‏:‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة‏)‏، أخرجه أبو داود، والبيهقي وأعلاه بتفرد معمر بوصله لكن قال النووي‏:‏ وهو حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري ومسلم، وتفرد معمر بوصله لا يقدح فيه فإنه ثقة حافظ‏.‏ قلت‏:‏ وقد رواه أيضاً أحمد في مسنده‏.‏

قال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد ص 29جـ3في الكلام على فقه غزوة تبوك وفوائدها ‏(‏لم يقل -صلى الله عليه وسلم- للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك لكن اتفقت إقامته هذه المدة‏.‏ وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت إذا كان غير المستوطن، ولا عازم على الإقامة بذلك الموضع‏)‏‏.‏ ا هـ ويدل على عدم التحديد من هذه السنن أن إقامة النبي -صلى الله عليه وسلم- اختلفت‏:‏ ففي حجة الوداع أقام عشرة أيام، أربعة أيام قبل الحج في مكة وستة أيام في المشاعر، وفي عام الفتح أقام تسعة عشر يوماً، وفي تبوك عشرين يوماً، ولو كان الحكم يختلف فيها، أو فيما سواها لبينه النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة حتى لا يتأسوا فيه بما لا يجوز لهم‏.‏

ومن حدد بالأربعة، وقال‏:‏ إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قصر فيما زاد عليها؛ لأنه لم يعزم على إقامة‏.‏

فإننا نقول لهم‏:‏ ومن أين لكم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعزم على الإقامة هذه المدة، أو كان عازماً على أقل منها، أو أكثر ولم يتفق له سوى هذه المدة‏؟‏ ‏!‏

ونقول ثانياً‏:‏ من أين لكم أن الأربعة الأيام هي التي ينقطع بها حكم السفر دون ما عداها‏؟‏ ‏!‏

فسيقولون‏:‏ إن الأصل أن المسافر إذا أقام في بلد أي إقامة كانت انقطع حكم سفره خولف في الأيام الأربعة لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قصر وهو مقيمها فعلم أن هذه المدة لا ينقطع بها السفر‏.‏

فنقول‏:‏ بل الأصل أن المسافر باق على سفره حقيقة عرفية وشرعية حتى ينتهي برجوعه إلى محل إقامته‏:‏

أما الحقيقة العرفية‏:‏ فإن الناس يقول للمسافر إنه مسافر للحج أو للدراسة ونحو ذلك، وإن كان سفره محدداً فيه الإقامة أكثر من أربعة أيام فالحاج يسافر من أول أشهر الحج ويبقى حتى يحج ويرجع وهو عند الناس مسافر ولو بقي في مكة شهر أو شهرين‏.‏

وأما الحقيقة الشرعية‏:‏ ففعل النبي -صلى الله عليه وسلم- دليل ظاهر على بقاء حكم السفر شرعاً وإن أقام أكثر من أربعة أيام حيث قصر في مكة عام الفتح، وفي تبوك مع إقامة أكثر من أربعة أيام والقول بأنه لم يعزم على الإقامة لا دليل عليه فلا يعول عليه‏.‏

قال شيخ الإسلام ص 140جـ24 من مجموع الفتاوى لابن قاسم ‏(‏وهذا مبني على أن من قدم المصر فقد خرج من حد السفر وهو ممنوع بل مخالف للنص والإجماع والعرف‏)‏‏.‏

وقال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد ص 30جـ3 عن هذا القول ‏(‏إن فيه نظر لا يخفى النبي -صلى الله عليه وسلم- فتح مكة وهي ما هي وأقام فيها مؤسس قواعد الإسلام، و يهدم قواعد الشرك، ويمهد أمر ما حولها من العرب، ومعلوم قطعاً أن هذا يحتاج إلى إقامة أيام لا يتأتى في يوم واحد، ولا يومين، وكذلك إقامته في تبوك فإنه أقام ينتظر العدو ومن المعلوم قطعاً أنه كان بينه وبينهم عدة مراحل يحتاج قطعها إلى أيام وهو يعلم أنهم لا يوافون في أربعة – ثم عذر قول الأصحاب إنه إذا أقام لجهاد عدو ونحوه قصر، وقال – لكنهم شرطوا شرطاً لا دليل عليه من كتاب، ولا سنة، ولا إجماع، ولا عمل الصحابة فقالوا‏:‏ شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر وهي ما دون الأربعة الأيام، فيقال‏:‏ من أين لكم هذا الشرط، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما أقام زيادة على أربعة أيام في مكة، وتبوك لم يقل لهم شيئاً، ولم يبين أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام‏.‏ ا هـ‏.‏

ونقول ثالثاً‏:‏ إن إقامة النبي -صلى الله عليه وسلم- وقعت اتفاقاً فماذا تكون الحال لو كان قدومه مكة يوم السبت لثلاث من ذي الحجة، أفيقال إنه لا يقصر‏؟‏ إنه لو قيل ذلك لكان قولا بلا علم لأنه لم يبين ذل بقوله ولا فعله، فلم يقل للناس إنما قصرت لأن مدة إقامتي أربعة أيام فيتم بعدها حتى يتبين الحكم بعله، بل الظاهر أو المتعين أنه لو كان قدومه يوم السبت أو قبله لقصر كما فعل عام الفتح؛ لأنه لو كان الحكم يختلف لبينه لدعاء الحاجة إلى بيان، فإن قدوم الحاج يختلف، ومنهم من يقدم لليوم الرابع، ومنهم من يقدم قبله، ومنهم من يقدم بعده‏.‏ وأما آثار الصحابة‏:‏ فروى الإمام أحمد في مسنده

عن ثمامة بن شراحيل قال ‏(‏خرجت إلى ابن عمر فقلت‏:‏ ما صلاة المسافر‏؟‏ قال‏:‏ ركعتين ركعتين إلا صلاة المغرب ثلاثاً‏.‏ قلت‏:‏ أرأيت إن كنا بذي المجاز‏؟‏ قال‏:‏ وما ذو المجاز‏؟‏ قلت‏:‏ مكان نجتمع فيه ونبيع فيه نمكث عشرين ليلة أو خمس عشرة ليلة، قال يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري قال أربعة أشهر أو شهرين فرأيتهم يصلونها ركعتين ركعتين، ورأيت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- نصب عيني يصليها ركعتين، ركعتين ثم نزع هذه الآية‏:‏ ‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 21‏]‏

وروى البيهقي عن نافع عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال ‏(‏ارتج علينا ثلج ونحن بأذربيجان ستة أشهر في غزاة وكنا نصلي ورواه عبد الرزاق بلفظ ‏(‏أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة‏)‏‏.‏

وعن أبي المنهال قال‏:‏ قلت لابن عباس إني أقيم بالمدينة حولاً لا أشد على سير قال‏:‏ صل ركعتين ‏(1)

وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسند صحيح عن أبي حمزة نصر عمران قال‏:‏ قلت لابن عباس‏:‏ إنا نطيل القيام بالغزو بخراسان فكيف ترى‏؟‏ قال صلى ركعتين وإن أقمت عشر سنين ‏(2)

وروى عبد الرزاق عن الحسن قال‏:‏ كنا مع عبد الرحمن بن سمرة ببعض بلاد فارس سنتين فكان لا يجمع، ولا يزيد على ركعتين ‏(3)‏‏.‏

وروي أيضا عن انس بن مالك – رضي الله عنه - أنه أقام بالشام شهرين مع عبد الملك بن مروان يصلي ركعتين، ركعتين ‏(4)‏‏.‏

وذكر في المغني، والفتاوى، وزاد المعاد أن أنس بن مالك –رضي الله عنه - أنه أقام بالشام سنتين يصلي صلاة المسافر ‏(5)‏‏.‏

وروى البيهقي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه - أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ صحيح، وقال النووي‏:‏ إسناده صحيح ‏(6)‏‏.‏

وأما الآثار عن التابعين‏:‏ فروى عبد الرزاق عن محمد بن الحارث قال‏:‏ قدمنا المدينة فأرسلت إلى ابن المسيب أنا مقيمون أياما في الدينة أفنقصر‏؟‏ قال‏:‏ نعم ‏(7)‏‏.‏

وروي عن علقمة أنه، أنه أقام بخوارزم سنتين فصلى ركعتين ‏(8)‏‏.‏

وروي عن أبي وائل أنه خرج مع مسروق إلى السلسلة فقصر وأقام سنين يقصر، قلت‏:‏ يا أبا ما يحملك على هذا‏؟‏ قال‏:‏ التماس السنة، وقصر حتى رجع ‏(9)‏‏.‏

وروي عن الشعبي أنه قال‏:‏ كنت أقيم سنة، أو سنتين أصلي ركعتين، أو قال ما أزيد على ركعتين، ركعتين ‏(10)‏‏.‏

فهؤلاء الأربعة من الصحابة‏:‏ عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن سمرة، وأنس بن مالك –رضي الله عنه - ‏.‏

وأربعة من التابعين‏:‏ سعيد بن المسيب، وعلقمة، ومسروق، والشعبي –رحمهم الله تعالى - ‏.‏

وأما النظر فيقال‏:‏ لو كانت نية الإقامة مدة تزيد على أربعة أيام أو على خمسة عشر يوما قاطعة لحكم السفر لكانت إقامة هذه المدة قاطعة له أيضا، بل أولى؛ لأن فعل الإقامة أبلغ من نيتها في التأثير –لو فرض أن ذلك تأثيرا - إذ الإقامة إذا حصلت بالفعل لم يمكن رفعها بخلاف نيتها فيمكن رفعها بفسخها ونية السفر، ولهذا أن أحد الأقوال للشافعية إنه إذا أقام هذه المدة لزمه الإتمام وإن لم ينو الإقامة، وهذا عين الفقه، والنظر الصحيح، ومع ذلك فإن المحددين يقولون‏:‏ إذا نوى الإقامة مدة أكثر مما حددوا انقطع حكم السفر، وإذا أقام هذه المدة ولم ينو الإقامة إلا لانتظار حاجته لم ينقطع‏.‏ وهذا ضعيف جدًّا لمن تأمله‏.‏

وأما القياس فيقال‏:‏ أي فرق بين من أراد أن يقيم ستاًّ وتسعين ساعة ومن أراد أن يقيم سبعا وتسعين ساعة‏؟‏ ‏!‏ حيث ينقطع حكم السفر في حق الثاني دون الأول، مع أن كل واحد منهما لا يريد إقامة مطلقة وإنما أراد إقامة مربوطة بحاجة أو عمل متى حصل واصل سفره، وكل منهما يعتبر نفسه غريبا في محل إقامته، وظاعناً عنه فأي فرق بينهما‏؟‏ ‏!‏ ولا يرد على هذا التنظير بالفرق بين شخص له خمس عشرة سنة إلا ساعة، وشخص له خمس عشرة سنة كاملة حيث يقضي للثاني بالبلوغ دون الأول؛ لأن مسألة البلوغ فرق الشارع فيها بين حال البلوغ وعدمها، وجعل لكل حال حكماً، فلابد من التمييز بين الحالين بضابط يفصل بينهما، وهو تمام خمس عشرة سنة عند من اعتبر البلوغ بهذا السن، وإلا لما أمكن معرفة ذلك، بخلاف إقامة المسافر فإن الشارع لم يفرق فيها بين الحالين، ولم يجعل لكل حال حكماً، قال شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى ص 138 ج 24‏:‏ ‏(‏والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها 184 من المجلد المذكور‏:‏ ‏(‏وقد بين في غير هذا الموضع أنه ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا مقيم ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة‏)‏، وقد قال قبل ذلك ص 137 من المجلد المذكور‏:‏ ‏(‏فمن جعل للمقام حدًّا من الأيام‏:‏ إما ثلاثة، وإما أربعة، وإما عشرة، وإما اثني عشر، وهي تقديرات متقابلة، وقد تضمنت هذه الأقوال تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام إلى مسافر، وإلى مقيم مستوطن –إلى أن قال - والثالث مقيم غير مستوطن، وأوجبوا عليه إتمام الصلاة، والصيام، وأوجبوا عليه الجمعة وقالوا‏:‏ ‏(‏لا تنعقد به وإنما تنعقد بمستوطن، وغير مستوطن، وغير مستوطن تقسيم لا دليل عليه من جهة الشرع‏)‏‏.‏ أ هـ‏.‏

ومن العجب أن بعض المحددين بأربعة أيام قال‏:‏ إذا لم نوجب الإتمام على من نوى إقامة أكثر من أربعة أيام لزم أن يقصر الصلاة من نوى إقامة سنين متعددة ولا قائل به‏.‏

والجواب على هذا نقول إذا أن هذا مقتضى النص فلا حاجة إلى أن نعلم قائلاً به؛ لأن النص وحده كاف عن كل قول، وقد سبق لك أن هذا هو مقتضى النصوص في ظاهر عموماتها وإطلاقاتها‏.‏

وأيضا فقد قال به من نقلنا قوله من الصحابة، والتابعين في ظاهر ما روي عنهم‏.‏ وأيضا هو مذهب الأئمة الثلاثة مالك، وأبي حنيفة، وأحمد فيما إذا أقام لحاجة لا يدري متى تنقضي ولو أقام سنين، وأحد الأقوال في مذهب الشافعي، وقال ابن المنذر أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع إقامة، وإن أتى عليه سنون نقله عنه ابن القيم في زاد المعاد ص 30 ج 3‏.‏

وبهذا تبين أن مقتضى النصوص، وأقوال السلف، والنظر، والقياس الصحيح‏:‏ أن المسافر إذا كانت إقامته مقيدة بحاجة، أو زمن ومتى زال ذلك القيد رجع إلى وطنه، فإن إقامته هذه لا تقطع حكم السفر، وله أن يترخص فيها ترخص المسافر ولو طالت مدة الإقامة ولو نواها من قبل، فمن طابت نفسه بذلك فليعمل به فإنه حق –إن شاء الله - ومن لم تطب نفسه به وأراد أن يعمل بقول من يفرق بين تقييد الإقامة بزمن وتقييدها بحاجة أو عمل على ما سبق تقريره فنرجو أن لا يكون عليه حرج في ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذا بالنسبة لقصر الصلاة وتقدير مدة المسح على الخفين بثلاثة أيام واضح لدينا لا نتوقف في الإفتاء فيه وأما في صيام رمضان فلا ريب أن من جاز له القصر جاز له الفطر، وأن الإنسان مادام على سفر فله الفطر بالنص والإجماع، لكن تأكد الفطر ليس كتأكد القصر ولذلك لم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أتم الصلاة في سفره أربعاً، ولا صح عن أحد من أصحابه معه، وأما الصوم فصح أن الصحابة معه منهم الصائم، ومنهم المفطر، ولم يعب بعضهم بعضا، بل صح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان مع أصحابه في سفر في يوم شديد الحر وليس فيهم صائم سوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الله بن رواحة ‏(11)‏‏.‏

وكان ابن حزم –رحمه الله - يرى أن المسافر إذا أقام في خلال السفر يوماً وليلة وجب عليه الصوم، وإن جاز له القصر إلى تمام واحد وعشرين يوماً تم الصلاة على رأيه‏.‏

وعلى هذا فنقول‏:‏ ينبغي للمقيم من المسافرين أن يصوم رمضان في قوته، ولا يؤخره إلا أن يصادف ذلك أيام حر ويكون عليه فيه شيء من المشقة فله الفطر ويقضيه في الأيام الباردة من السنة ولا يؤخره إلى رمضان الثاني خشية أن تتراكم عليه الشهور فيثقل عليه قضاؤها أو يعتذر‏.‏ والله أعلم‏.‏

جواب السؤال الخامس‏:‏

هؤلاء الطيارون الذين يبقون لمدة ثلاث سنوات ونحوها لتعلم الطيران والتدرب عليه في حكم المسافرين على القول الراجح، الذي قررناه بأدلته في جواب السؤال الرابع، لكن الأولى أن يحصلوا على فرصة يصومون بها رمضان في سنته ولو متقطعاً، ولا يؤخرونه للسنة الثانية لئلا تتراكم عليهم الشهور فيثقل عليهم قضاؤها أو يتعذر‏.‏

جواب السؤال السادس‏:‏

إذا حانت صلاة المغرب وأنت تجوب طرق المدينة الكبيرة، ولم يتيسر لك الوقوف في مكان تؤدي به صلاة المغرب، فلا حرج عليك أن تؤخرها بنية الجمع بينها وبين صلاة العشاء؛ لأنك معذور بعذرين‏:‏

أحدهما‏:‏ السفر على القول الراجح الذي قررناه‏.‏

والثاني‏:‏ الحرج والمشقة عليك بصلاة المغرب في وقتها، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس‏:‏ أنه خطب يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدرت النجوم، فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني يقول‏:‏ الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس‏:‏ أتعلمني بالسنة‏.‏ رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، وفي رواية عنه قال‏:‏ جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، فقيل لابن عباس ما أراد إلى ذلك‏؟‏ قال‏:‏ أراد أن لا يحرج أمته‏.‏

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين‏.‏

رسالة

من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ حفظه الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وبعد‏.‏

المسافرون للدارسة مسافرون تثبت في حقهم أحكام السفر على القول الصحيح إذ لا دليل على انقطاع حكم السفر في حقهم، وعلى هذا فتجري عليهم أحكام السفر وهي‏:‏

الجمع بين الصلاتين اللتين يجمع بعضهما إلى بعض، وهما الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، ولا يجوز تأخير المجموعتين عن وقت الأخيرة منهما، فلا يجوز تأخير الظهر والعصر المجموعتين إلى غروب الشمس، ولا تأخير المغرب والعشاء المجموعتين إلى ما بعد نصف الليل‏.‏

قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين‏.‏

المسح على الجوربين ثلاثة أيام‏.‏

واعلم أن المسافر لا تسقط عنه الجمعة إذا كان في مكان تقام فيه الجمعة، ولم يكن عليه مشقة في حضورها لعموم قوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ من الآية9‏]‏ فيجب عليه حضور الجمعة ليصلي مع المسلمين‏.‏

ولا تسقط عنه صلاة الجماعة لعموم الأدلة أيضا، ومنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية102‏]‏ الآية، وهذا في صلاة الخوف وكانت في السفر، فأوجب الله تعالى فيها الجماعة ولم يسقطها مع اجتماع الخوف والسفر، فكيف إذا انفرد أحدهما أفلا يكون وجوبها أولى‏؟‏

وإذا صلى المسافر خلف من يتم الصلاة وجب عليه إتمام الصلاة سواء أدرك الصلاة من أولها أم في أثنائها لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا‏)‏ ‏(12)‏‏.‏

ويصلكم إن شاء الله صورة جواب حول الموضوع، أرجو الله تعالى فيه النفع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏ 21 / 7 / 1407هـ‏.‏

رسالة

من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ‏.‏‏.‏‏.‏ حفظه الله

السلام عليم ورحمة الله وبركاته‏.‏

فقد بعث إلي أحد الإخوان من الرياض رسالتكم التي سميتموها ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏)‏ وحقيقتها التعليق على فتوى صدرت مني لبعض الإخوان حول تحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر حيث رجحت فيها ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه، وتلميذه ابن القيم وشيخنا عبد الرحمن بن سعدي، والشيخ محمد رشيد رضا –رحمهم الله تعالى جميعاً - من أن الإقامة التي ينقطع بها حكم السفر لا تتحدد بأيام، بل متى كان الإنسان في سفره فحكم السفر باق في حقه ولو أقام مدة طويلة إذا كانت إقامته مربوطة بعمل، أو حاجة، أو زمن محدد ولم ينو إقامة مطلقة‏.‏

وذلك لأنه ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نية الإقامة لغرض لا ينقطع بها حكم السفر، سواء علم متى تنقضي تلك المدة أم لم يعلم، فقد ثبت أنه أقام في حجة الوداع أربعة أيام بمكة قبل أن يخرج إلى منى وان يقصر الصلاة، وهذه الإقامة كانت اتفاقاً لا قصداً، ولو كانت قصداً يختلف الحكم فيما زاد عليها لبين ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد كان -صلى الله عليه وسلم- أعلم الناس بما تقتضيه أقواله، وأفعاله، وأحواله من دلالات، وأنصحهم للخلق، وأبلغهم في بيان الحق‏.‏

وليس لدينا لفظ عام يقتضي أن مطلق إقامة المسافر في غير بلده ينقطع به حكم السفر حتى نقول إن هذه المدة التي أقامها النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة عام الحج مستثناة من العموم فيبقى ما زاد على حكم العام، ثم إن هذه المادة ‏(‏س ف ر‏)‏ أصل كما في مقاييس اللغة لابن فارس على الانكشاف والجلاء‏.‏ قال ‏(‏من ذلك السفر سمي بذلك لأن الناس ينكشفون عن أماكنهم‏)‏‏.‏ وإذا كان كذلك فليس في الشرع، ولا في اللغة ما يدل على تحديد المدة التي لا ينقطع بها السفر‏.‏

وقد قرأت رسالتكم المذكورة، ولا ريب أن من قصد الحق وبذل جهده في الحصول عليه فهو مأجور، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد، وخطؤه مغفور لحسن قصده وبذل سعيه‏.‏

وقد نقلتم في الرسالة عن شيخ الإسلام في كتاب الصيام من الاختيارات أن المسافر متى عزم على إقامة أقل من أربعة أيام جاز له الفطر‏.‏ أ هـ‏.‏

وهو كما نقلتم، لكن لا يخفى فضيلتكم أن ما يدل عليه هذا الكلام بخصوصه لا يعارض ما صرح به في غير موضع من الفتاوى، ومنها ما أشرنا إليه في الفتوى في المجلد الرابع والعشرين من مجموعة ابن قاسم ص 137، 138، 184 حيث ذكر أنه قد بين أنه ليس في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا مقيم، ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر، وأن من جعل حد للمقام من الأيام إما ثلاثة، وإما أربعة، وإما عشرة، وإما اثني عشر، وهي تقديرات متقابلة، وأن تقسيم المقيم إلى مستوطن، وغير مستوطن لا دليل عليه من جهة الشرع، وأن التمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس هو أمراً معلوماً لا بشرع، ولا لغة، ولا عرف‏.‏

ولا يخفى على فضيلتكم أيضاً ما قاله في الاختيارات نفسها في باب صلاة أهل الأعذار من أن الصلاة تقصر في كل ما يسمى سفراً سواء قل أو كثر، وسواء نوى إقامة أكثر من أربعة أيام أو لا، وروى هذا عن جماعة من الصحابة‏.‏

ولا يخفى على فضيلتكم أيضا ما نقله عنه تلميذه ابن مفلح في كتابه الفروع حيث قال ص63 - 64 ج 2 ط آل ثاني‏:‏ ‏(‏وإن نوى مسافر إقامة مطلقة، وقيل بموضع يقام فيه ذكر أبو المعالي ‏(‏وه‏)‏ أتم، وكذا عن نوى مدة فوق أربعة أيام‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ واختار، واختار شيخنا القصر والفطر، وأنه مسافر ما لم يجمع على إقامة ويستوطن إقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة ‏(‏و‏)‏ لا يعلم فراغ الحاجة قبل المدة‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏ المقصود منه‏.‏

فهذه التصريحات من كلام شيخ الإسلام، ونقل صاحب الفروع عنه وهو من أعلم تلاميذه باختياراته في الفقه لا يمكن أن تعارض بمفهوم كلامه في الصيام في الاختيارات؛ لأن المفهوم لا يعارض المنطوق‏.‏

وأما ما ذكر في الفتوى من كلام ابن القيم حيث قال ص 29ج 3‏:‏ وهذه الإقامة في حال السفر لا تخرج عن حكم السفر سواء طالت أم قصرت إذا كان غير مستوطن ولا عازم على الإقامة في ذلك الموضع أ هـ‏.‏

فلا يخفى على فضيلتكم أن هذا الكلام من ابن القيم – كما تفضلتم في تعليقكم في الرسالة - يدل على قرن المقيم في البلد بالمستوطن بها، وككلامها لا يسوغ له استباحة رخص السفر‏.‏ ولكن ماذا يعني ابن القيم – رحمه الله - بالإقامة‏؟‏ أيعني بها مطلق الإقامة الصادق بإقامة اليوم واليومين والساعة والساعتين‏؟‏ أم يعني بها الإقامة المحددة بمدة تبلغ أربعة أيام أو أقل أو أكثر حسب أقوال المحددين‏؟‏ أم يعني بها الإقامة المطلقة التي ينهى المسافر بها سفره ويلقي عصا التسيار ولا يقيدها بعمل ولا زمن‏؟‏ هذه هي الاحتمالات التي يحتمل أن يعني بها الإقامة‏:‏

أما الاحتمال الأول‏:‏ فلا يمكن لمخالفته النص‏.‏

وأما الاحتمال الثاني‏:‏ فلا يمكن أيضاً إذ لو كان معيناً لحدد الإقامة به، ولأنه صرح في صرح في كلامه هذا أن طول هذه المدة وقصرها سواء، ولأنه قال في نفس الصفحة، فهذا هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما ترى، وهو الصواب، ثم ذكر في الصفحة التالية والتي بعدها مذاهب الناس في التحديد، ومنها ما قاله عن عائشة –رضي الله عنها - يقصر ما لم يضع الزاد والمزاد‏.‏

وإذا لم يمكن أن يعني ابن القيم بالإقامة الاحتمالين الأولين تعين الاحتمال الثالث وهو أن يعني بها الإقامة المطلقة التي ينهي بها المسافر سفره، ويلقى عصا التسيار ولا يقيدها بزمن ولا عمل، وذلك لأنه أنهى سفره وصار كالمستوطن، إلا أن الفرق بينهما أن المستوطن يتخذ البلد وطناً يأتي بأهله إليها إن كان ذا أهل ويقطع بنيته صلته ببلده، أما المقيم بدون استطيان فهو الذي يقيم في البلد ولا يعتبرها وطناً له، ولا ينقل أهله إليها غالباً يقيم في البلد الذي أنهى بها سفره إقامة مطلقة إما للعمل، أو للتجارة، أو للزراعة أو نحو ذلك، كما يوجد في كثير من البلاد الأوربية التي يعمل فيها كثير من المسلمين ولم يقيدوا مدة بقائهم فيها بعمل ينتظرون إنجازه، ولا بمدة ينتظرون انتهاءها، فهؤلاء وأمثالهم مقيمون في البلاد التي يعملون فيها لا يترخصون برخص السفر وإن كانوا غير مستوطنين‏.‏

هذا يدل عليه كلام ابن القيم – رحمه الله – والفرق بين هؤلاء ومن حددوا إقامتهم بزمن أو عمل ينتظرون انتهاءه ظاهر‏.‏ أسأل الله تعالى رب جبرائيل وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، الحاكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون أن يهدينا جميعاً لما اختلف فيه من الحق بإذنه، إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، أسأله تعالى أن يهب لنا منه رحمة وفرقاناً، ورسوخاً في العلم، وثباتاً على الحق، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ونعوذ به تعالى أن نضل، أو نضل، أو نزل، أو نزل، أو نجهل، أو يجهل علينا‏.‏ ثم أرجو أن يكون هذا فاتحة اتصال بيننا للتعاون فيما يهم المسلمين من أمور دينهم وديناهم، فإن العلماء اليوم في حاجة ماسة بل ضرورة ملحة إلى تفهم دينهم، و اتفاق كلمتهم، واجتماع قوتهم في الرد على أعداء الله تعالى ليعظم شأنهم، وتملأ القلوب هيبتهم وتنفذ كلمتهم‏.‏ والله الموفق، والحمد رب العلمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وآله وصحبه أجمعين‏.‏

والله يحفظكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم‏.‏‏.‏‏.‏ حفظك الله تعالى

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏ كتابكم الكريم المؤرخ‏.‏‏.‏‏.‏ وصل، سرنا صحتك، وصحة الوالد، والأخوان، والأهل، الحمد لله على ذلك، ونسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياكم من نعمه، ويرزقنا شكرها‏.‏ هذا قد قرأت الشيخ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ التي أرفقتموها بكتابكم، وهي بعنوان رسالة أحكام قصر الصلاة في السفر‏)‏ وهي في الحقيقة تعليق على الفتوى الصادرة مني في 23 / 5 / 1398هـ، ولكن هذا التعليق لم يتضمن التعليق على كل ما فيها من التدليل والتعليل، كما هو واضح لمن قارن بينها وبين الفتوى، وعلى كل فما منا إلا راد ومردود عليه، والإنسان لا يكلف فوق طاقته التي فهم بها نصوص الشريعة، والشيخ لا يلام لا أحب من أهل العلم أن يجهد كل واحد نفسه في الرد على الآخر في المسائل الاجتهادية التي تتجاذبها الأدلة؛ لأن قول كل واحد ليس حجة على الآخر، و فهمه للنصوص ودلالاتها، وعلمه بمصادرها ومواردها لا يلزم أن يكون مساوياً للثاني، ثم إن الإنسان قد ينفر من قول سمعه لغرابته عنده، ثم يأخذ يفكر فيه ويردده حتى يتبين له وجهه، فتطمئن نفسه إليه ويقلبه، وهذا أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – راجع أبا بكر – رضي الله عنه – في قتال ما نعي الزكاة، احتج بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله‏)‏‏.‏ فقال أبو بكر ‏(‏والله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله ‏(‏وفي رواية عقالاً‏)‏ رواه قتيبة بن سعيد عن الليث قال البخاري، قال ابن بكير، وعبد الله عن الليث‏:‏ عناقاً وهو أصح لقاتلتهم على منعها‏)‏‏.‏ قال عمر ‏(‏فوالله ما هو إلا أن رأيت أن الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه للحق‏)‏ و أفيدكم بأنني لن أرد على رسالة الشيخ‏.‏‏.‏‏.‏ حول الفتوى وذلك للأسباب التالية‏:‏

أنني لا أحب أن يجهد الإنسان نفسه في الأخذ والرد بين إخوانه من أهل العلم في المسائل الاجتهادية التي تتجاذبها الأدلة لما في ذلك من ضياع الوقت، وفتح باب الجدل والانتصار للرأي، وإنما على المرء أن ينظر في كلام من رد عليه فإن تبين أن الصواب معه وجب عليه أن يحمد الله تعالى حيث هيأ له من يبين له الصواب ويفتح له باب الحق، ووجب عليه أن يرجع إلى الصواب، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل أن الشيخ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ لم يعلق على جميع ما فيها من دليل وتعليل حتى يتبين لي صواب رده أو خطؤه‏.‏

أن الإنسان يدين الله تعالى فيما يقول ويفتي به منطوقاً أو مكتوباً، فإذا قال أو أفتى بما يرى أنه الحق فليس عليه أن يقبل أو يرد، وربما يرى أن من نعمة الله تعالى عليه – إذا كان مخطئاً – أن ييسر له من يرد عليه حتى لا يرتكب الناس خطأه‏.‏ وأنا كلما تأملت هذه المسألة أعني مسألة انقطاع حكم السفر بتعيين مدة الإقامة لم يتبين لي فيها تفريق بين مدة ومدة، ولم أجد في النصوص ما تطمئن إليه نفسي من التفريق، فإن المقيم في بلد ما للدراسة مدة معينة كالمقيم فيها للعلاج هذه المدة إذ كل منهما ينتظر متى تنتهي مهمته، وكل منهما لو حصل أن يحجز على أول رحلة بعد انتهاء مهمته لفعل، وكل منهما لم يلق عصا التسيار بل عصاه على عاتقه ينتظر متى ينتهي فيغادر، فلا والله أجد فرقاً، وأسأل الله تعالى فاطر السموات و الأرض، عالم الغيب والشهادة، و الحاكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون أن يهديني لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‏.‏ هذا ملزم، والله يحفظكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏ حرر في 7 / 7 / 1399هـ‏.‏‏.‏

رسالة

من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

كتابكم إلينا من الولايات المتحدة غير المؤرخ وصل إلينا قبل أيام وفيه تطلبون الإجابة على الأسئلة الواردة فيه، فهذه هي الإجابة مرتبة حسب الأسئلة نرجو الله تعالى التوفيق فيها للصواب‏.‏

جـ1‏:‏ الطلبة المسافرون إلى أمريكا أو غيرها ليسوا ينوون الإقامة حتى ينتهي دراستهم فمتى انتهت رجعوا إلى بلادهم سواء طالت مدة دراستهم أم قصرت‏.‏

وقد اختلف فلا يترخصون برخص السفر من القصر، والجمع، والفطر في رمضان، والمسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليها بدلاً من يوم وليلة، أو أن حكم السفر باق في حقهم؛ لأن حد السفر ينطبق عليهم فهم غرباء في غير بلادهم، و يعتبرون أنفسهم مسافرين ما أقاموا في تلك البلاد إلا للحاجة، وعلى هذا فيترخصون برخص السفر من القصر والجمع، والفطر في رمضان، ومسح الخفين ثلاثة أيام‏؟‏

والقول الراجح عندي‏:‏ أن السفر لا ينقطع حكمه في حقهم وأنهم يترخصون برخصة وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه، وتلميذه ابن القيم، والشيخ عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرر ص 375 / 4، وشيخنا عبد الرحمن الناصر السعدي، والشيخ محمد رشيد رضا وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة وأقام في مكة عام حجة الوداع عشرة أيام أربعة قبل الخروج إلى منى، وستة بعد ذلك كما في صحيح البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال ‏(‏خرجنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين، ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، فسئل أقمتم بمكة شيئاً‏؟‏ قال‏:‏ أقمنا بها عشراً‏)

ولما كانت هذه الإقامات مختلفة المدد، ولم يختلف حكمها ولم ينقطع حكم السفر بها دل على أنه لا ينقطع حكم السفر بمدة وإن طالت ما دامت إقامة المسافر لحاجة، ولو كان لانقطاع حكم السفر مدة معينة لبينها الله ورسوله؛ لأن الله تعالى يعلم أن المسافرين تتفاوت مدد إقامتهم في البلاد التي سافروا إليها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم ذلك وأيضاً وقد قدم عام حجة الوداع في اليوم الرابع من ذي الحجة فبقي يقصر الصلاة وقد كان يعلم أن من الحجاج من يقدم قبل ذلك إما السنة، أو قبلها، أو بعدها، ولم يقل ‏(‏من قدم قبل اليوم الرابع فقد انقطع حكم سفره فليتم الصلاة‏)‏ ولو كانت شريعة الله تعالى أن المسافر إذا أقام أكثر من أربعة أيام انقطع حكم سفره ولزمه إتمام الصلاة وغيره من أحكام الإقامة لوجب على النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يبلغه لأمته فلما لم يقع ذلك علم أنه ليس من الشريعة‏.‏

وأن من قدم بلداً لحاجه دينية، أو دنيوية ومن نيته أن يرجع إلى بلده بعد انقضائها فهو مسافر بدون تحديد مدة قال شيخ الإسلام ابن تيميه في رسالته ‏(‏أحكام السفر والإقامة‏)‏ ص 82-صلى الله عليه وسلم- ‏(‏فمن جعل للمقام حداً من الأيام فقد قال قولاً لا دليل عليه من جهة الشرع، و هي تقديرات متقابلة تتضمن تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام مسافر، ومقيم، ومستوطن، ومقيم غير مستوطن، وتقسيم المقيم إلى مستوطن وغيره لا دليل عليه من جهة الشرع‏)‏‏.‏ قال ‏(‏والتمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس أمراً معلوماً بشرع، ولا لغة، ولا عرف‏)‏ قال ‏(‏والقول بأن من قدم المصر فقد خرج عن حد السفر ممنوع، بل مخالف للنص والإجماع والعرف‏)‏‏.‏ ا‏.‏ هـ‏.‏

إذا تبين ذلك فإن المقيمين للدراسة أو للعلاج ونحوه في أمريكا وغيرها من المسافرين يجوز لهم قصر الصلاة الرباعية إلى الظهر والعصر، أو بين المغرب والعشاء، لكن الأفضل عدم الجمع إلا من حاجة، ويجوز لهم الفطر في رمضان لكن الصوم أفضل، ومع المشقة يؤخرونه إلى أيام الشتاء، ولا أرى أن يؤخروا صوم سنة إلى أخرى لئلا تتراكم عليهم الشهور فتثقل عليهم فيعجزوا عنها‏.‏

حرر في 10 / 1 / 1403 هـ

1108 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ نحن نعمل في مدينة ينبع وخلال فترة الإجازة نقوم بزيارة الأهل في بلدنا فهل تنطبق علينا أحكام المسافرين‏؟‏ وهل للقصر مدة معينة‏؟‏ ومتى تبدأ أحكام السفر‏؟‏ وهل يجوز الجمع قبل السفر‏؟‏ وهل نصلي السنن الرواتب في السفر‏؟‏ أفتونا جزاكم الله خيراً وحفظكم من كل مكروه‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كانت ينبع هي محل سكناكم فإن زيارتكم لأهلكم سفر يحل لكم أن تترخصوا برخص السفر من قصر الصلاة والفطر في رمضان، والمسح على الخفين ثلاثة أيام ونحو ذلك، ولكن إذا كنتم في مكان تقام الصلاة جماعة فصلوا مع الجماعة، فإن فاتتكم الصلاة، أو كنتم بعيدين فصلوا قصراً‏.‏ وليس للقصر أو الإقامة مدة معينة على القول الصحيح ما دمتم عازمين على الرجوع إلى أوطانكم، أما إن نويتم الإقامة المطلقة فقد انقطع حكم السفر في حقكم‏.‏

وتبدأ أحكام السفر إذا فارق المسافر وطنه وخرج من عامر قريته أو مدينته‏.‏ ولا يحل لكم أن تجمعوا بين الصلاتين حتى تغادروا البلد إلا أن تخافوا أن لا يتيسر لكم صلاة الثانية أثناء سفركم‏.‏

وأما السنن الرواتب فإنه يسقط منها عن المسافر راتبه الظهر، والمغرب، والعشاء، وما عدا ذلك من النوافل فإنه باق على حكمه‏.‏ 14 / 2 / 1414هـ‏.‏

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

كتابكم الكريم المؤرخ الشهر الماضي سرنا صحتكم الحمد لله على ذلك‏.‏

سؤالكم عن المبعوثين للدراسة هل ينقطع حكم السفر في حقهم حيث إنهم مقيمون لمدة تزيد على الحد المحدود عند كثير من أهل العلم أو أكثرهم، أو يبقى حكم السفر في حقهم فيجوز لهم الجمع والقصر‏.‏

وجوابه‏:‏ أن العلماء اختلفوا في حكم هذه المسألة على أقوال تزيد على العشرة، وذلك لأنه ليس فيها سنة صحيحة صريحة تفضل بين المختلفين في حكمها، وغالب هذه الأقوال تقديرات ليس عليها دليل بل الدليل على خلافها‏.‏

والصواب‏:‏ أن المقيمين لحاجة ينتظرون متى تنقضي حاجتهم ثم يرجعون إلى بلادهم أن سفرهم لا ينقطع، وأنهم يترخصون برخص السفر من القصر، والجمع، وغيرهما سواء أقاموا للدراسة، أو علاج، أو زيارة قريب أو غير ذلك، وسواء علموا متى تنتهي حاجتهم، أم لم يعلموا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يحدد لأمته حداً ينتهي به حكم السفر، وقد أقام في سفره إقامات مختلفة يقصر فيها الصلاة، ولو كان الحكم يختلف بين إقامة وإقامة لبينه، لدعاء الحاجة إلى بيانه، فقد أقام -صلى الله عليه وسلم- في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام في تبوك عشرين يوما يقصر الصلاة، وأقام عام حجة الوداع في مكة عشرة أيام كما في الصحيح البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – منها أربعة قبل خروجه لمنى، وستة في مشاعر الحج‏.‏ وهذا القول الذي اخترناه هو الذي يدل عليه ظاهر السنة، وقال به من الصحابة‏:‏ عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس في أحد القولين عنه، وعبد الرحمن بن سمرة، وأنس بم مالك، ومن التابعين‏:‏ سعيد بن المسيب، وعلقمة، ومسروق، والشعبي‏.‏ واختاره شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وقال -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏إن التمييز بين المقيم والمسافر بنية أيام معدودة يقيمها ليس معلوماً لا بشرع، ولا لغة، ولا عرف، وليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- إلا مقيم ومسافر والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة‏)‏‏.‏ ذكر هذا في موضعين في الفتاوى‏.‏ اختاره أيضاً الشيخ محمد رشيد رضا وشيخنا عبد الرحمن الناصر السعدي – رحمهم الله تعالى جميعاً - ‏.‏ هذا ملزم والله يحفظكم‏.‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

رسالة

قال فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه - ‏:‏

بسم الله الرحمن الرحيم

مسألة قصر المسافر الصلاة إذا طالت مدته‏:‏ من تأمل عمومات الكتاب، والسنة، وراجع لام شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم تبين له قوة هذا القول، وأن رخص السفر ثابتة للمسافر وإن طالت مدة إقامته ما دام لم ينو استيطاناً، ولا إقامة مطلقة وقد ذكر شيخنا عبد العزيز بن باز من السنة الخامسة في ربيع الثاني سنة 1393هـ ص 125 ما نصه ‏(‏أما إذا نوى إقامة معينة تزيد على أربعة أيام وجب عليه الإتمام عند الأكثر، وقال أهل العلم‏:‏ له القصر ما دام لم ينو استيطان في ذلك الموضع وإنما أقام لعارض متى زال سافر وهو قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة وبكل حال فقد أحسنت فيما فعلت ‏(‏وكان السائل قد أكد أنه حين عزم على الجلوس مدة معينة أتم الصلاة‏)‏ لأنك بالإتمام لما نويت الإقامة المعينة الزائدة على أربعة أيام خرجت من الخلاف وأخذت بالأحوط‏.‏ أ هـ‏.‏

فقد ذكر الشيخ – حفظه الله – أن القول بجواز القصر قول قوي تدل عليه أحاديث كثيرة، وقد بلغني أخيراً أنه كان يفتي بقول أكثر أهل العلم وهو المنع من القصر في هذا‏.‏

والفقهاء – رحمهم الله – لا يعطون مثل هذا حكم المقيم من وجه، فتراهم يقولون‏:‏ إن الحكم السفر ينقطع في حقه، ويعطي حكم المقيم في وجوب الإتمام، والصوم، والاقتصار على يوم وليلة في مسح الخفين، ولكن لا يعطونه حكم المقيم في وجوب صلاة الجمعة والقيام بخطبتها، فيقولون‏:‏ إن الجمعة لا تلزمه بنفسه، وأنه لو اجتمع في بلد ما عدد كثير ليس معهم من المستوطنين من تلزمه الجمعة فلا جمعة عليهم، بل ولا تصح منهم الجمعة، ولا أن يقوم أحد منهم بخطبتها، ولا يحسبون من العدد الذي تنعقد بهم الجمعة فقد قسموا الناس في هذه المسألة ثلاثة أقسام‏:‏ مسافر، ومقيم، ومستوطن، فالمسافر غير المقيم لا تلزمه الجمعة بنفسه ولا بغيره، والمسافر المقيم إقامة تمنع القصر تلزمه بغيره لا بنفسه ولا تنعقد به ولا يكون إماماً ولا خطيباً فيها، والمستوطن تلزمه بنفسه وتنعقد به ويكون إماما وخطيباً فيها، قال شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – 21 / 137 من مجموع الفتاوى لابن قاسم‏:‏ فقد تضمنت هذه الأقوال تقسيم الناس إلى ثلاثة أقسام إلى‏:‏ مسافر، وإلى مقيم مستوطن‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏، والثالث مقيم غير مستوطن أوجبوا عليه إتمام الصلاة، والصيام، وأوجبوا عليه بمستوطن، وهذا التقسيم وهو تقسيم المقيم إلى‏:‏ مستوطن، وغير مستوطن، ولا دليل عليه من جهة الشرع، وقال أيضاً 24 / 184‏:‏ و قد بين في غير هذا الموضع أنه ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله إلا مقيم ومسافر، والمقيم هو المستوطن، ومن سوى هؤلاء فهو مسافر يقصر الصلاة‏.‏ أ هـ‏.‏

وهذا يقتضي أن الناس ينقسمون إلى قسمين فقط‏:‏ مسافر، ومستوطن، فالمسافر له أحكام السفر، والمستوطن له أحكام الاستيطان، أما يكون هناك قسم ثالث يكون بين، بين ويأخذ من أحكام هؤلاء وهؤلاء فهذا يحتاج إلى دليل‏.‏

1109 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ في أحد أشرطتكم المسجلة ذكرتم أن القول الراجح عندكم ‏(‏أن حكم السفر لا ينقطع بأربعة أيام أو أكثر ما دام نيته الرجوع إلى بلده‏)‏ فهل هذا هو القول الصحيح عندكم ومازلتم تفتون به‏؟‏ أفتونا جزاكم الله خيراً وحفظكم‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ ما سمعتم في الشريط من أن القول الصحيح عندي أن حكم السفر لا ينقطع بأربعة أيام يقيمها، أو أكثر ما دام نيته الرجوع إلى بلده للأدلة التي سمعتم، وما زال ذلك هو القول الصحيح عندي‏.‏

ولكني أرى أن من سمع النداء وجبت عليه الإجابة سواء كان مسافراً أم مقيماً لعموم الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة، ولا دليل على استثناء المسافر من ذلك، ومتى ائتم المسافر بالقيم وجب عليه الإتمام، لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا‏)‏‏.‏

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد‏:‏

فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين حفظه الله ورعاه‏.‏

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

فضيلة الشيخ‏:‏ المرابطون في سبيل الله في الثغور يسألون عن كيفية الصلاة هل يصلون جماعات أو فرداً‏؟‏ وهل يقصرون ويجمعون أم يقصرون فقط أم يجمعون فقط‏؟‏ نرجو الإجابة مشكورين إذ أنهم مختلفون، فمنهم من يصلي جماعة، ومنهم من يقصر، ومنهم من يجمع، فنرجو منكم حفظكم الله ورعاكم أن تجيبونا بالدليل، و لكم منا جزيل الشكر والعرفان‏.‏ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته‏.‏

الجواب على هؤلاء أن يصلوا جماعة ولا يحل لهم أن يصلوا فرادى؛ لأن الله تعالى أمر المجاهدين بالصلاة جماعة أمام العدو، فقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُم وَأَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية102‏]‏‏.‏ فأوجب عليهم صلاة الجماعة مع أنهم في مواجهة العدو، فما بالك فيمن هم مرابطون غير مواجهين‏.‏ وأما القصر فإنهم يصلون قصراً؛ لأنهم مسافرون لم يقيموا بمكانهم بنية الإقامة الدائمة، وإنما أقاموا لحاجة متى انتهت رجعوا قد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يصلي ركعتين‏.‏ وأقام ابن عمر – رضي الله عنهما – بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، قد حبسه الثلج‏.‏ ورواه البيهقي بسند قال فيه النووي إنه شرط الصحيحين، وروى البيهقي أيضاً عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقاموا برامهرمز تسعة أشهر يقصرون الصلاة، قال النووي‏:‏ إسناده صحيح، وكذلك صححه الحافظ ابن حجر – رحمه الله - ‏.‏ وهذا القول هو الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم والشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والشيخ محمد رشيد رضا، وشيخنا عبد الرحمن الناصر سعدي‏.‏

والمسألة فيها خلاف بين العلماء فيما إذا عزموا على إقامة أكثر من أربعة، فلا يكن بينهم – أي بين المرابطين – اختلاف من أجل القصر أو الإتمام؛ لأنه لا حرج في هذا ولا هذا فإن قصروا فعلى خير، وهذا أقرب إلى السنة، وإن أتوا فلا حرج، وقد بسطنا هذه المسألة في رسالة مستقلة‏.‏

وأما الجمع فالأفضل أن لا يجمعوا إلا لحاجة وإن جمعوا فلا حرج على القول الصحيح‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في 30 / 4 / 1411هـ‏.‏

1110 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن طالبات يسكن في بلد للدراسة فقط ومتى انتهت الدراسة رجعن إلى بلدهن ووطنهن فهل لهن قصر الصلاة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ قصر الصلاة للطالبات اللاتي بقين للدراسة فقط لاتخاذ بلد الدراسة وطناً فيه خلاف بين أهل العلم – رحمهم الله تعالى – ومن الحسن أن يراجع في ذلك كلام شيخ الإسلام ابن تيميه في الفتاوى جمع ابن قاسم 24 / 137_ 184 وككلام ابن القيم في الهدى 3 / 29 وتفسير القرطبي 5 / 357 والمجموع شرح المهذب 4 / 219، 220 لتتبين آراء العلماء في ذلك، وأن القول الصحيح ما رجحه شيخ الإسلام وابن القيم – رحمهما الله – من أن المسافر يقصر ولو زادت مدة إقامته على أربعة أيام‏.‏

وقد كتبت في ذلك رسالة بينت فيها أدلة الكتاب، والسنة والآثار على ذلك، ومع هذا فلا إنكار على من يتم ولا يقصر، ولا على من يقصر ولا يتم؛ لأن المسألة مسألة اجتهاد، ولهذا حصل فيها الخلاف بين العلماء حتى بلغ أكثر من عشرة أقوال‏.‏ ولا ينبغي أن تكون هذه المسألة ونحوها من مسائل الخلاف مثاراً للجدل الطويل أو سبباً للعداوة والبغضاء، فمن اطمأنت نفسه إلى قول من هذه الأقوال وانشرح به صدره ورآه أقرب إلى الحق لا طلاعه على سبب رجحانه بأدلته، أو لترجح ثقته فليأخذ به ولا يكون بذل متتبعاً للرخص بل هو بذلك متحر للحق طالب للصواب‏.‏ والله والموفق والسلام‏.‏

1111 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن رجل مسافر دخل المسجد، ووجد جماعة يصلون المغرب، وهو قد صلى المغرب، فصلى معهم بنية العشاء، ولما قام الإمام للركعة الثالثة، وجلس وتشهد وسلم‏.‏ فما حكم ذلك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا دخل رجل مسافر قد صلى المغرب، فوجدهم يصلون المغرب، فدخل معهم بنية صلاة العشاء‏.‏ فمن العلماء من قال‏:‏ لا يصح دخوله؛ لاختلاف الصلاتين نية وعملاً‏.‏ ومنهم من قال‏:‏ يصح ذلك، فإذا قام الإمام للثالثة أكمل الداخل التشهد وسلم من ركعتين، وهذا هو الصحيح‏.‏ وله أن يقوم معه في الثالثة ويتم العشاء أربعاً‏.‏

وإذا دخل المسجد وهم يصلون العشاء وهو لم يصل المغرب‏.‏ فعلى القول الأول لا يدخل معهم‏.‏ وعلى القول الثاني يدخل معهم، فإذا قام الإمام للرابعة، وقد دخل معه من أول الصلاة، فإنه ينوي المفارقة، ويتشهد ويسلم، ويدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة العشاء، وإن دخل معه في الثانية فما بعده، فالأمر ظاهر‏.‏ كتبه محمد الصالح العثيمين في 16 / 8 / 1418هـ‏.‏

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

نحن طلبة مبتعثون للدراسة في الخارج، هل تنطبق علينا أحكام السفر القصر و عدم وجوب صلاة الجمعة والجماعة ونحو ذلك‏؟‏

نرجو التكرم بالإيضاح والتفصيل‏.‏ جزاكم الله خيراً ووفقكم لما يحبه و يرضاه‏.‏

بسم الرحمن الرحيم

إذا أقام المسافر في مكان لحاجة ينتظرها ومتى انتهت رجع إلى بلده فله حالان‏:‏ الحال الأولى‏:‏ أن لا يحدد مدة إقامته بزمن معين فله الترخص برخص السفر من القصر، والجمع، والفطر برمضان، والمسح على الخفين ثلاثة أيام، وإن طالت مدة إقامته، قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في زاد المعاد في كلام على فقه غزوة تبوك‏:‏ والأئمة الأربعة متفقون على أنه إذا أقام لحاجة ينتظر قضاءها يقول‏:‏ اليوم أخرج، وغداً أخرج، فإنه يقصر أبداً إلا الشافعي في أحد قوليه فإنه يقصر عنده إلى سبعة عشر أو ثمانية عشر يوماً ولا يقصر بعدها‏.‏ وقال قبل ذلك‏:‏ وقد قال أصحاب أحمد إنه لو أقام لجهاد عدو أو حبس سلطان أو مرض، قصر سواء غلب على ظنه انقضاء الحاجة في مدة يسيرة أو طويلة، وهذا هو الصواب، ولكنهم شرطوا فيه شرطاً لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا عمل الصحابة، فقالوا‏:‏ شرط ذلك احتمال انقضاء حاجته في المدة التي لا تقطع حكم السفر، وهي ما دون الأربعة أيام، فيقال‏:‏ من أين لكم بمكة وتبوك لم يقل لهم شيئاً، ولم يبين لهم أنه لم يعزم على إقامة أكثر من أربعة أيام، وهو يعلم أنهم يقتدون به في صلاته ويتأسون به في قصرها في مدة إقامته، فلم يقل لهم حرفاً واحداً لا تقصروا فوق إقامة أربع ليال، و بيان هذا من أهم المهمات، وكذلك اقتدى الصحابة به بعده، ولم يقولوا لمن صلى معهم شيئاً من ذلك‏.‏ انتهى كلامه – رحمه الله - ‏.‏ الحال الثانية‏:‏ أن يحدد مدة معينة في إقامته للحاجة التي ينتظرها حال القادمين إلى مكة للحج أو العمرة أو لبلد يشترون منه تجارة أو يبيعونها ثم يرجعون إلى أوطانهم، أو للدراسة متى انتهت عادوا إلى أوطانهم، ونحو ذلك فقد اختلف أهل العلم – رحمهم الله تعالى – في حكم هذا هل يترخص برخص السفر سواء طالت مدة إقامته أم قصرت، أو لا يترخص إلا في مدة محدودة، وذكر النووي في ذلك أكثر من عشرة أقوال، وهي ما شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – تقديرات متقابلة‏.‏ والراجح عندي أنه يترخص برخص السفر؛ لأنه مسافر حقيقة ما لم ينو استيطاناً أو إقامة مطلقة غير مقيدة بزمن ولا حاجة للأدلة التي ستراها – إن شاء الله تعالى – بصحبة هذا الجواب، لكنه لا يسقط عنه وجوب الجماعة لا وجوب الجمعة إذا أقيمت بل يجب عليه حضور الجماعة و الجمعة، ولا يحل له التخلف عنهما إلا بعذر شرعي يبيح التخلف للمستوطن‏.‏ فإن أدلة وجوب الجماعة عامة في السفر وغيره وأدلة وجوب الجمعة على من كان في مكان تقام فيه الجمعة عامة لم يستثن منها المسافر‏.‏

أما أدلة وجوب الجماعة فمنها قوله تعالى في سورة النساء‏:‏ ‏{‏وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا‏}‏ - أي أتموا صلاتهم – ‏{‏فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية102‏]‏‏.‏ فأوجب الله الصلاة جماعة في حال مواجهة العدو، ومن المعلوم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقاتل أعداءه وهو مسافر خارج المدينة فتبين بذلك أن السفر لا يسقط وجوب الجماعة حتى في حال القتال، ومواجهة الأعداء، ففي حال الأمن والاستقرار من باب أولى‏.‏

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قفل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى عرس – أي نزل للنوم والراحة – فذكر القصة، وفيها أنهم لم يستيقظوا حتى طلعت الشمس، لا أمرهم أن يقتادوا رواحلهم إلى مكان آخر، ثم توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- وصلى بهم الصبح، فأنت ترى أنه لم يترك الجماعة بهم حتى في هذه الحال‏.‏

وأما أدلة وجوب الجمعة فمنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ 9‏]‏‏.‏

فوجه الله تعالى الأمر بالسعي إلى الجمعة إلى المؤمنين عموماً، ولم يستثن أحداً‏.‏ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة وابن عمر – رضي الله عنهم – أنهما سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول على أعواد منبره ‏(‏لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات – أي عن تركهم إياها – أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين‏)‏‏.‏ وإذا كانت الجماعة واجبة على المسافر مع كونها أقل جمعاً من الجمعة عليه من باب أولى؛ لأنها لا تكون في الأسبوع إلا مرة؛ ولأنها أكثر جمعاً ولما يحصل من الفائدة في خطبتيها‏.‏

وقد نص فقهاؤنا – رحمهم الله تعالى – على وجوب صلاة الجماعة على المسافرين، فقال في الروض المربع – وهو من أخصر كتب الفقه – قال‏:‏ قول الماتن‏:‏ تلزم الرجال -صلى الله عليه وسلم- ولو سفراً في شدة خوف‏)‏‏.‏ وهكذا في الإقناع والمنتهى والفروع وغيرها‏.‏

ونصوا أيضاً على وجوب صلاة على المبتعثين ونحوهم ممن نوى إقامة أكثر من أربعة أيام‏.‏

وعلى هذا فلا يحل لأحد من المبتعثين للدراسة أن يدع الجمعة و الجماعة بحجة أنه مسافر؛ لأن عمومات الأدلة على وجوب الجماعة والجمعة إذا أقيمت تشلهم ولا دليل على التخصيص‏.‏

ومن ظن أن قولنا بجواز الترخص برخص السفر لهؤلاء المبتعثين يقتضي سقوط الجماعة والجمعة عنهم ويبيح لهم الصلاة في بيوتهم فقد أخطأ في ظنه، فنحن نقول بوجوب الجماعة عليهم، ووجوب الجمعة إذا أقيمت في البلد الذي هم فيه، ولا يحل لهم التخلف عنهما إلا بعذر يبيح التخلف للمستوطنين‏.‏ والله الموفق، والحمد لله رب العلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في 5 / 1 / 1407هـ‏.‏

1112 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ هل ينطبق حكم المسافر على سائقي السيارات والحافلات لعملهم المتواصل في نهار رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم ينطبق حكم السفر عليهم فلهم القصر، والجمع، والفطر‏.‏ فإذا قال قائل‏:‏ متى يصومون وعملهم متواصل‏؟‏

قلنا‏:‏ يصومون في أيام الشتاء، لأنها قصيرة وباردة، أما السائقون داخل المدن فليس لهم حكم المسافر ويجب عليهم الصوم‏.‏

1113 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ أختي تدرس بجامعة بعيدة عنا بحوالي مائة كيلو متر تقريباً، وبعد مضي عدة أيام تأتي إلينا وتمكث حوالي يومين أو ثلاث، فهل يجوز لها قصر الصلاة في هذه المدة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ في هذه المدة التي ترجع فيها إليكم لا يجوز لها أن تقصر الصلاة؛ وذلك لأنها رجعت إلى وطنها، والمسافر إذا رجع إلى وطنه يجب عليه إتمام الصلاة حتى وإن كان لا يمكث إلا أياماً يسيرة؛ لأنه عاد إلى الأصل‏.‏ وأما إذا كان الإنسان مسافراً فإنه يجوز له قصر الصلاة‏.‏

فعلى هذا يلزم أختك إذا رجعت إليكم يلزمها أن تصلي صلاة تامة غير مقصورة‏.‏

1114 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن رجل يسافر للدراسة في الرياض يذهب مساء الجمعة ويرجع عصر الاثنين، فهل يأخذ أحكام المسافر في الصلوات وغيرها‏؟‏

فأجب فضيلته بقوله‏:‏ هو مسافر لا شك، لأنه يتخذ الدراسة وطناً، ولم ينو الإقامة مطلقاً، بل إقامته لغرض، ولكنه إذا كانت إقامته في بلد تقام فيه الجماعة، فيجب عليه أن يحضر الجماعة، وأما ما اشتهر عند بعض العوام أن المسافر لا جماعة، ولا جمعة، فهذا لا أصل له، فالجماعة واجبة على المسافر ولو كان في القتال كما في قوله تعالى ‏{‏وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية102‏]‏‏.‏ والجمعة واجبة على كل من سمع النداء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ من الآية9‏]‏‏.‏ لكن إذا فاتتك الصلاة هناك أو كنت في مكان بعيد عن المساجد، فإنك تصلي الرباعية ركعتين‏.‏

1115 - فضيلة الشيخ‏:‏ نحن طلاب ندرس في إحدى الجامعات، فإذا سافرنا من مدينتنا إلى الجامعة نجلس أحياناً أربعة أشهر أو ثلاثة أشهر، فهل يجوز لنا ترك صلاة الجماعة والفطر في رمضان وترك السنن الرواتب‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الذين يدرسون في خارج بلدهم مسافرين؛ لأنهم لا ينوون الإقامة المطلقة إطلاقاً، فلو أن أحدهم أعطي شهادته اليوم لرجع إلى بلده، لأنه مربوط بهذا العمل المؤقت المحدد، فهؤلاء وإن كانوا مسافرين إلا أننا نقول لا يجوز لهم ترك صلاة الجماعة في المساجد مع المسلمين إلا لعذر، وإذا صلوا خلف إمام يتم الصلاة صلوا أربعاً، سواء أدركوا مع الإمام ركعة، أو أكثر، أو أقل، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا‏)‏ ‏(13)‏.‏

ولا ينبغي لهم تأخير صيام رمضان إلى رمضان الثاني، لأنه إذا أخر صيام رمضان في هذا العام مثلاً، وجاء العام الثاني وأخره للعام الثالث، تراكمت عليه الشهور، وربما يعجز، وربما يترك، فلذلك نرى أن الصيام وإن جاز له أن يفطر لأنه مسافر، لكن لا يؤخره إلى السنة الثانية، لئلا تتراكم عليه فيعجز‏.‏

أما بالنسبة للرواتب‏:‏ فالمشهور عند العوام أن المسافر لا يتنفل، وهذا غلط، فالمسافر يتنفل كما يتنفل المقيم بذلك شيء صلاة الليل، وصلاة الضحى، والوتر، إلا ثلاث نوافل، وهي راتبه الظهر، وراتبه المغرب، وراتبه العشاء، فالسنة أن لا يصليها، وأما بقية النوافل فهي على ما كانت عليه، وهناك عبارة غير صحيحة يقول بعض الناس‏:‏ ‏(‏السنة في السفر تركك السنة‏)‏، فالسنة تركك راتبه الظهر، والمغرب، والعشاء فقط، أما الباقي فعلى ما هو عليه، يفعله المسافر كما يفعله المقيم تماماً‏.‏

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله‏.‏

إلى سماحة الشيخ‏:‏ محمد الصالح العثيمين حفظه الله

السلام عليم ورحمة الله وبركاته‏.‏

شيخنا الفاضل، لدي بعض الأسئلة الرجاء منك الإجابة عليها‏.‏

س1‏:‏ خرجت من بلادي مهاجراً في سبيل الله، ومررت بعدة دول إسلامية، ولم أتمكن من الحصول على الإقامة بها، والآن تحصلت على الإقامة في إحدى الدول الكافرة، وإلى الآن أقصر الصلاة ولم أتمها، ونيتي عدم الإقامة فما حكم قصر صلاتي، هل أستمر في القصر إلى حد مغادرتي البلاد أو أتم صلاتي نظراً لوجود إقامة لدي مع عدم وجود النية للإقامة في هذه البلاد‏؟‏

س2‏:‏ ما حكم صلاة ركعتي سنة الفجر بالفاتحة فقط في الركعتين بدون قراءة أي آيات معها‏؟‏

س3‏:‏ توجد هنا في ديار الكفر المواد الغذائية المستخرجة من الحيوانات، فهل يجب علينا السؤال عن كيفية ذبح هذه الحيوانات‏؟‏ وإذا كان المكتوب فقط أنها مأخوذة من الحيوانات فهل يجب علينا السؤال عن نوع الحيوان‏؟‏ هل هو خنزير أو حيوان آخر مع العلم أنه كثير من الأحيان يتعذر علينا السؤال‏؟‏

س4‏:‏ هاجرت من بلدي ورزقني الله بأطفال في هجرتي، ولم يرهم أهلي وكثيراً ما يلحون علي أن أبعث لهم صورهم الشخصية، ولأني أعرف أن التصوير حرام فلم أرسل لهم، ولكني علمت مؤخراً أن بعض المشايخ أفتوا بجواز التصوير بكاميرا الفيديو فهل أستطيع أن أبعث لهم شريط مصور أم هذا حرام أيضاً‏؟‏

س5‏:‏ هل يجوز للأم أن تبيع ذهب طفلتها‏؟‏ وهل يجب عليها الزكاة فيه‏؟‏

س6‏:‏ هل يجوز للمرأة أن تصبغ حاجبيها‏؟‏ وهل هو داخل في جواز صبغ الشعر‏؟‏

س7‏:‏ أتسلى أحياناً بلعب الورق عبر شاشة الكمبيوتر بدون لعب أي شخص معي في أوقات فراغي، ولا تلهيني عن صلاتي أو عبادتي فما حكم ذلك‏؟‏ جزاكم الله خيراً، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته‏.‏

جـ 1‏:‏ لك القصر حتى تغادر البلاد‏.‏

جـ 2‏:‏ لا حرج أن تقصر على الفاتحة في ركعتي الفجر، لكن الأفضل أن تقرأ مع الفاتحة في الركعة الأولى‏:‏ الكافرون، وفي الثانية ‏(‏قل هو الله أحد‏)‏‏.‏

جـ 3‏:‏ لا يجب عليك السؤال إذا كان اللحم من حيوان حلال والذابح من أهل الكتاب، وإذا كنت لا تدري فاجتنب ذلك إلى لحم الأسماك‏.‏

جـ 4‏:‏ بعض العلماء يرخص في تصوير الفيديو‏.‏

جـ 5‏:‏ المسئول عن أموال الأطفال أبوهم وليس للأم أن تتصرف بشيء من أموالهم إلا بأذن والدهم، والزكاة على ذهب الطفلة واجبة إن بلغ مجموعة نصاباً وهو خمسة وثمانون جراماً، ويتولى إخراجها أبوها أو أمها بإذن أبيها‏.‏

جـ 6‏:‏ صبغ الحواجب كصبغ الرأس إذا كان بغير السواد وبدون تشبه بالكافرات فهو جائز‏.‏

جـ 7‏:‏ لو تسليت بقراءة سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه الراشدين كان خيراً لك‏.‏

وفقك الله للخير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

1116 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة‏؟‏ وهل يجوز لمن كان خارج البلد الجمع‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا تجمع العصر إلى الجمعة لعدم ورود ذلك في السنة، ولا يصح قياس ذلك على جمعها إلى الظهر للفروق الكثيرة بين الجمعة والظهر‏.‏ والأصل وجوب فعل كل صلاة في وقتها إلا بدليل يجيز جمعها إلى الأخرى‏.‏

ويجوز الجمع لمن كان خارج البلد يقيمون اليومين والثلاثة لأنهم مسافرون، أما إذا كانوا في ضواحي البلد القريبة بحيث لا يعدون مسافرين فلا يجوز لهم الجمع‏.‏ و الكلام هنا في الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء لا بين الجمعة والعصر فلا يجوز بل حال‏.‏ 8 / 10 / 1417 هـ‏.‏

1117 - وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه - ‏:‏ يحصل من بعض الناس بل الكثير وهو على الطريق أن يجمع صلاة الجمعة مع صلاة العصر جمع تقديم معللاً ذلك بأنه يصلي ظهراً وليست نيته صلاة جمعة بل الظهر حيث أنه مسافر تسقط عنه الجمعة، ثم لو لم يصل الظهر بل أخرها مع صلاة العصر هل يصح فعله أم لا‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا حضر المسافر الجمعة وجب أن يصليها جمعة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُم تَعْلَمُون فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْض‏}‏ ‏[‏الجمعة‏:‏ الآيتان‏:‏ 9، 10‏]‏‏.‏ الآية‏.‏

والمراد بالصلاة هنا صلاة الجمعة بلا ريب، والمسافر داخل في الخطاب فإنه من الذين آمنوا، ولا يصح أن ينوي بها الظهر ولا أن يؤخرها إلى العصر؛ لأنه مأمور بالحضور إلى الجمعة‏.‏

وأما قول السائل‏:‏ إنه مسافر تسقط عنه الجمعة فصحيح أن المسافر ليس عليه جمعة، بل ولا يصح منه الجمعة لو صلاها في السفر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يقيم الجمعة في السفر، فمن أقامها في السفر فقد خالف هدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيكون عمله مردوداً بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏‏.‏ أما إذا مر المسافر ببلد يوم الجمعة وأقام فيه حتى حان وقت صلاة الجمعة وسمع النداء الثاني الذي يكون إذا حضر الخطيب فعليه أن يصلي الجمعة مع المسلمين، ولا يجمع العصر إليها، بل ينتظر حتى يأتي وقت العصر فيصليها في وقتها متى دخل‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في 10 / 1 / 1418هـ‏.‏

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد‏:‏

فقد كثر السؤال عن جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة في الحال التي يجوز فيها جمع العصر إلى الظهر‏.‏

فأجيب مستعيناً بالله سائلاً منه الهداية والتوفيق‏:‏

لا يجوز جمع العصر إلى الجمعة في الحال التي يجوز فيها الجمع بين الظهر والعصر‏.‏

فلو مر المسافر ببلد وصلى معهم الجمعة لم يجز أن يجمع العصر إليها‏.‏

ولو نزل مطر يبيح الجمع – وقلنا بجواز الجمع بين الظهر والعصر للمطر – لم يجز جمع العصر إلى الجمعة ولو حضر المريض الذي يباح له الجمع إلى صلاة الجمعة فصلاها لم يجز أن يجمع إليها صلاة العصر‏.‏

ودليل ذلك قوله تعالى ‏{‏إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية103‏]‏ أي مفروضاً لوقت معين، وقد بين الله تعالى هذا الوقت إجمالاً في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً‏}‏ ‏[‏الإسراء‏:‏ 78‏]‏‏.‏

فدلوك الشمس زوالها، إلى غسق الليل اشتداد ظلمته، وهذا منتصف الليل، ويشمل هذا الوقت أربع الصلوات‏:‏ الظهر، والعصر، والمغرب، و العشاء، جمعت في وقت واحد؛ لأنه لا فصل بين أوقاتها، فكلما خرج وقت صلاة كان دخول وقت الصلاة التي تليها وفصل صلاة الفجر؛ لأنها لا تتصل بها صلاة العشاء ولا تتصل بصلاة الظهر‏.‏

وقد بينت السنة هذه الأوقات بالتفصيل في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، و جابر وغيرهما، وهو أن الظهر من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله، ووقت العصر من حين أن يصير ظل كل شيء مثله إلى غروب الشمس لكن ما بعد اصفرارها وقت ضرورة، ووقت المغرب من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر، ووقت صلاة العشاء من غروب الشفق الأحمر إلى نصف الليل، ووقت الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وهذه حدود الله تعالى لأوقات الصلوات في كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-‏.‏

فمن صلى صلاة قبل وقتها المحدد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله فهو آثم وصلاته مردودة، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ‏}‏، ولقوله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏‏.‏ وكذلك من صلاها بعد الوقت لغير عذر شرعي‏.‏ فمن صلى الظهر قبل زوال الشمس فصلاته باطلة مردودة وعليه قضاؤها‏.‏ ومن صلى العصر قبل أن يصير ظل كل شيء مثله فصلاته باطلة مردودة، عليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرعي يبيح له جمعها تقديماً إلى الظهر‏.‏

ومن صلى المغرب قبل غروب الشمس فصلاته باطلة مردودة، وعليه قضاؤها‏.‏

ومن صلى العشاء قبل مغيب الشفق الأحمر فصلاته باطلة مردودة، وعليه قضاؤها إلا أن يكون له عذر شرع يبيح له جمعها تقديماً إلى المغرب‏.‏

ومن صلى الفجر قبل طلوع الفجر فصلاته مردودة، وعليه قضاؤها‏.‏ هذا ما تقتضيه كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-‏.‏ وعلى هذا فمن جمع صلاة العصر إلى صلاة الجمعة فقد صلاها قبل أن يدخل وقتها، وهو أن يصير ظل كل شيء مثله فتكون باطلة مردودة‏.‏ فإن قال قائل‏:‏ أفلا يصح قياس جمع العصر إلى الجمعة على جمعها إلى الظهر‏؟‏

فالجواب‏:‏ لا يصح ذلك لوجوه‏:‏

الأول‏:‏ أنه قياس في العبادات‏.‏

الثاني‏:‏ أن الجمعة صلاة مستقلة منفردة أحكامها تفترق مع الظهر بأكثر من عشرين حكماً، ومثل هذه الفروق تمنع أن تلحق إحدى الصلاتين بالأخرى‏.‏

الثالث‏:‏ أن هذا القياس مخالف لظاهر السنة، فإن في صحيح مسلم عن عبد الله عباس - رضي الله عنهما – أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر، فسئل عن ذلك، فقال‏:‏ أراد أن لا يحرج أمته‏.‏

وقد وقع المطر الذي فيه المشقة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يجمع فيه بين العصر والجمعة كما في صحيح البخاري وغيره عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- استسقى يوم الجمعة وهو على المنبر، وفما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، ومثل هذا لا يقع إلا من مطر كثير يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة، قال‏:‏ وفي الجمعة الأخرى دخل رجل فقال‏:‏ يا رسول الله‏!‏غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله يمسكها عنا، ومثل هذا يوجب أن يكون في الطرقات وحل يبيح الجمع لو كان جائزاً بين العصر والجمعة‏.‏ فإن قال قائل‏:‏ ما الدليل على منع جمع العصر والجمعة‏؟‏

فالجواب‏:‏ أن هذا السؤال غير وارد؛ لأن الأصل في العبادات المنع إلا بدليل، فلا يطالب من منع التعبد لله تعالى بشيء من الأعمال الظاهرة أو الباطنة، وإنما يطالب بذلك من تعبد به لقوله تعالى منكراً على من تعبدوا الله بلا شرع‏:‏ ‏{‏أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه‏}‏‏.‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً‏}‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏من عمل عملاً ليس فيه أمرنا فهو رد‏)‏‏.‏ وعلى هذا‏:‏

فإذا قال قائل‏:‏ ما الدليل على منع جمع العصر مع الجمعة‏؟‏ قلنا‏:‏ ما الدليل على جوازه، فإن الأصل وجوب فعل صلاة العصر في وقتها خولف هذا الأصل في جمعها عند وجود سبب الجمع فبقي ما عداه على الأصل، وهو منع تقديمها على وقتها‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ أرأيتم لو نوى بصلاة الجمعة صلاة الظهر ليتم له الجمع‏؟‏ فالجواب‏:‏ إن كان ذلك إمام الجمعة في أهل البلد أي أن أهل البلد نووا بالجمعة صلاة الظهر فلا شك في تحريمه وبطلان الصلاة؛ لأن الجمعة واجبة عليهم، فإذا عدلوا عنها إلى الظهر فقد عدلوا عما أمروا به إلى ما لم يؤمر به، فيكون عملهم باطلاً مردوداً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد‏)‏‏.‏ وأما إن كان الذي نوى بالجمعة الظهر كمسافر صلى الجمعة وراء من يصليها فنوى بها الظهر ليجمع إليها العصر فلا يصح أيضاً، لأنه لما حضر الجمعة لزمته، ومن لزمته الجمعة فصلى الظهر قبل سلام الإمام منها لم تصح ظهره‏.‏ وعلى تقدير صحة ذلك فقد فوت على نفسه خيراً كثيراً وهو أجر صلاة الجمعة‏.‏

هذا، وقد نص صاحباً المنتهى والإقناع على أن الجمعة لا يصح جمع العصر إليها ذكراً ذلك في أول باب صلاة الجمعة‏.‏

وإنما أطلت في ذلك للحاجة إليه، والله أسأل أن يوفقنا للصواب، ونفع العباد، إنه جواد كريم‏.‏ كتبه محمد الصالح العثيمين في 12 / 6 / 1419هـ‏.‏

فصل

قال فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء - ‏:‏

الفروق بين صلاة الجمعة وصلاة الظهر

بسم الله الرحمن الرحيم

صلاة الجمعة لا تنعقد إلا بجمع على خلاف بين العلماء في عدده، وصلاة الظهر تصح من الواحد والجماعة‏.‏

صلاة الجمعة لا تقام إلا في القرى والأمصار، وصلاة الظهر في كل مكان‏.‏

صلاة الجمعة لا تقام في الأسفار، فلو مر جماعة مسافرون ببلد قد صلوا الجمعة لم يكن لهؤلاء الجماعة أن يقيموها، وصلاة الظهر تقام في السفر والحضر‏.‏

صلاة الجمعة لا تقام إلا في مسجد واحد في البلد إلا لحاجة، وصلاة الظهر تقام في كل مسجد‏.‏

صلاة الجمعة لا تقضي إذا فات وقتها، وإنما تصلي ظهراً؛ لأن من شرطها الوقت، وصلاة الظهر تقضى إذا فات وقتها لعذر‏.‏

صلاة الجمعة لا تلزم النساء، بل هي من خصائص الرجال، وصلاة الظهر تلزم الرجال والنساء‏.‏ صلاة الجمعة لا تلزم الأرقاء على خلاف في ذلك وتفصيل، وصلاة الظهر تلزم الأحرار والعبيد‏.‏ صلاة الجمعة تلزم من لم يستطيع الوصول إليها إلا راكباً،

وصلاة الظهر لا تلزم من لا يستطيع الوصول إليها راكباً‏.‏

9‏.‏ صلاة الجمعة لها شعائر قبلها، كالغسل، والطيب، ولبس أحسن الثياب ونحو ذلك، وصلاة الظهر ليست كذلك‏.‏

10‏.‏ صلاة الجمعة إذا فاتت الواحد قضاها ظهراً لا جمعة، وصلاة الظهر إذا فاتت الواحد قضاها كما صلاها الإمام إلا من له القصر‏.‏

11‏.‏ صلاة الجمعة يمكن فعلها قبل الزوال على قول كثير من العلماء، وصلاة الظهر لا يجوز فعلها قبل الزوال بالاتفاق‏.‏

12‏.‏ صلاة الجمعة تسن القراءة فيها جهراً، وصلاة الظهر تسن القراءة فيها سراً‏.‏ 13‏.‏ صلاة الجمعة تسن القراءة فيها بسور معينة إما سبح والغاشية وإما الجمعة والمنافقون، وصلاة الظهر ليس لها سور معينة‏.‏

14‏.‏ صلاة الجمعة ورد في فعلها من الثواب وفي تركها من العقاب ما هو معلوم، و صلاة الظهر لم يرد فيها مثل ذلك‏.‏

15‏.‏ صلاة الجمعة ليس لها راتبه قبلها، وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- من صلاها أن يصلي بعدها أربعاً، وصلاة الظهر لها راتبه قبلها ولم يأت الأمر بصلاة بعدها‏.‏

16‏.‏ صلاة الجمعة تسبقها خطبتان، وصلاة الظهر ليس لها خطبة‏.‏

17‏.‏ صلاة الجمعة لا يصح البيع والشراء بعد ندائها الثاني ممن تلزمه، وصلاة الظهر يصح البيع والشراء بعد ندائها ممن تلزمه‏.‏

18‏.‏ صلاة الجمعة إذا فاتت في مسجد لا تعاد فيه ولا غيره، وصلاة الظهر إذا فاتت في مسجد أعيدت فيه وفي غيره‏.‏

19‏.‏ صلاة الجمعة يشترط لصحتها إذن الإمام على القول بعض أهل العلم، وصلاة الظهر لا يشترط لها ذلك بالاتفاق‏.‏

20‏.‏ صلاة الجمعة رتب في السبق إليها ثواب خاص مختلف باختلاف السبق، والملائكة على أبواب المسجد يكتبون الأول فالأول، وصلاة الظهر لم يرد فيها مثل ذلك‏.‏

21‏.‏ صلاة الجمعة لا إبراد فيها في شدة الحر، وصلاة الظهر يسن غيها الإبراد في شدة الحر

22‏.‏ صلاة الجمعة لا يصح جمع العصر إليها في الحال التي يجوز فيها جمع العصر إلى الظهر، وصلاة الظهر يصح جمع العصر إليها حال وجود العذر المبيح‏.‏

هذا وقد عداها بعضهم إلى أكثر من ثلاثين حكماً، لكن بعضها أي الزائد عما ذكرنا فيه نظراً أو داخل في بعض ما ذكرناه‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين وتم ذلك في 15 / 6 / 1419هـ‏.‏

1118 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ عن حكم الجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في الحضر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الجمع بين الظهر في العصر، أو بين المغرب والعشاء في الحضر جائز إذا كان في تركه مشقة، أو تفويت جماعة مثال الأول‏:‏ المرض، و مثال الثاني‏:‏ الجمع حال المطر لجماعة المسجد، فإن بإمكان كل واحد أن يصلي وحده في بيته في الوقت، لكن لما كان ذلك تفوت به الجماعة أباح الشرع الجمع كما في حديث ابن عباس – رضي الله عنهما - ‏(‏أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير خوف ولا مطر‏)‏‏.‏

1119 - سئل فضيلة الشيخ‏:‏ ركبت الطائرة من جيزان الساعة الثانية ظهراً، و أردت أن أجمع في الطائرة بين صلاتي الظهر والعصر فقيل لي لا بد أن تجمع في وقت أحدهما فانتظر دخول وقت العصر ونظراً لأني متوجه للقصيم من جدة فوجئت بإعلان الرحلة فصليت على متن الطائرة لأنها لن تصل القصيم إلا بعد غروب الشمس، فهل صلاتي صحيحة‏؟‏ وهل صحيح أنه لابد من الجمع في وقت أحد الصلاتين‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الإنسان إذا كان مسافراً فيسن له القصر بل هو الأفضل من الإتمام، كذلك الجمع إذا احتاج إليه، وما ذكرت عن نفسك فإنك محتاج إلى الجمع، وقول الذي أفتاك بوجوب الجمع في وقت أحدهما قول ليس بصحيح، فإذا جاز الجمع بين الصلاتين صار وقت الصلاتين وقت واحد، فيجوز لك أن تصلي في وقت الأولى، أو في وقت الثانية، أو في آخر الأولى وأول الثانية‏.‏

فأنت بالخيار ولو أنك أديت الصلاة في مطار جدة قبل ركوب الطائرة لكان هذا هو الواجب عليك، ولكن نظراً لأنك لم تتمكن من أدائهما بناء على فتوى الذي أفتاك، وصليتهما في الطائرة فهذا منتهى مقدورك، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وصلاتك صحيحة ولا إعادة عليك‏.‏

رسالة

فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين

حفظه الله تعالى السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

نحن مجموعة مشاركين في مؤتمر‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ والمنعقد في منطقة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وقد قدمنا من خارج المنطقة وحددت مهمة البعض منا بخمسة أيام، والبعض الآخر بثلاثة أيام، ولا نعلم أحكام الصلاة في حال السفر هذا، هل نصلي جمع وقصر أم قصر بدون جمع أم يلزمنا أداء الصلاة المساجد‏؟‏ أفيدونا أفادكم الله‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم

الجواب‏:‏ الأصل أن الجماعة تلزمكم في المساجد مع الناس حيث كنتم في مكان تسمعون فيه النداء بدون مكبر صوت؛ لقربكم من المسجد‏.‏ فإن كنتم في مكان بعيد لا تسمعون فيه النداء لولا مكبر الصوت، فصلوا جماعة في أماكنكم، وكذلك إذا كان في ذهابكم إلى المسجد إخلال بمهمتكم التي قدمتم من أجلها، فصلوا جماعة في أماكنكم‏.‏

ولكم قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين؛ لأنكم في سفر وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قدم عام الفتح في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة وإقامتكم أنتم ذلك‏.‏

أما الجمع فالأفضل أن لا تجمعوا؛ إلا أن يشق عليكم ترك الجمع فاجمعوا، وإن جمعتم بدون مشقة فلا حرج لأنكم على سفر، وفقكم الله وبارك فيكم‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين 18 / 4 / 1413هـ‏.‏