فصل: سورة الفاتحة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل




.سورة الفاتحة:

.تفسير الآية رقم (1):

القول في تأويل قوله تعالى: {بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [1].
قال الإمام ابن جرير: إنَّ الله تعالى ذكره، وتقدست أسماؤه، أدّب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بتعليمه تقديم ذكر أسماءه الحسنى أمام جميع أفعاله، وتقدم إليه في وصفه بها قبل جميع مهماته، وجعل- ما أدّبه به من ذلك، وعلّمه إياه- منه لجميع خلقه: سنة يستنون بها، وسبيلاً يتبعونه عليها، في افتتاح أوائل منطقهم، وصدور رسائلهم وكتبهم وحاجاتهم، حتى أغنت دلالة ما ظهر، من القائل: بسم الله، على ما بطن من مراده الذي هو محذوف، وذلك أن الباء مقتضية فعلاً يكون لها جالباً، فإذا كان محذوفاً يقدّر بما جُعلت التسمية مبدأ له.
والاسم هنا بمعنى التسمية- كالكلام بمعنى التكليم، والعطاء بمعنى الإعطاء- والمعنى: أقرأ بتسمية الله وذكره، وافتتح القراءة بتسمية الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى. و{اللَّهُ} علم على ذاته، تعالى وتقدس، قال ابن عباس: هو الذي يألهه كل شيء ويعبده، وأصله: إلاه، بمهنى مألوه أي: معبود، فلما أُدخلت عليه الألف واللام حذفت الهمزة تخفيفاً لكثرته في الكلام، وبعد الإدغام فخّمت تعظيماً- هذا تحقيق اللغويين. و{الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} قال الجوهري: هما اسمان مشتقان من الرحمة، ونظيرهما في اللغة: نديم وندمان، وهما بمعنى. ويجوز تكرير الاسمين إذا اختلف اشتقاقهما على جهة التوكيد، كما يقال: جادّ مجد إلا أن: {الرَّحْمَنُ} اسم متخصص بالله لا يجوز أن يسمى به غيره. ألا ترى أنه قال: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} [الإسراء: 110] فعادل به الاسم الذي لا يشركه فيه غيره.
وقد ناقش في كون: {الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} بمعنى واحد، العلامة الشيخ محمد عبده المصري في مباحثه التفسيرية قائلاً: إن ذلك غفلة، نسأل الله أن يسامح صاحبها- ثم قال:- وأنا لا أجيز لمسلمٍ أن يقول، في نفسه أو بلسانه: إن في القرآن كلمة جاءت لتأكيد غيرها ولا معنى لها في نفسها، بل ليس في القرآن حرف جاء لغير معنى مقصود.
والجمهور: على أن معنى الرحمن: المنعم بجلائل النعم، ومعنى الرحيم: المنعم بدقائقها. وبعضهم يقول: إن الرحمن هو المنعم بنعم عامة تشمل الكافرين مع غيرهم، والرحيم المنعم بالنعم الخاصة بالمؤمنين، وكل هذا تحكم باللغة مبنيٌّ على أن زيادة المبنى تدل على زيادة المعنى، ولكن الزيادة تدل على الوصف مطلقاً، فصيغة: {الرَّحْمَنُ} تدل على كثرة الإحسان الذي يعطيه، سواء كان جليلاً أو دقيقاً، وأما كون أفراد الإحسان التي يدل عليها اللفظ الأكثر حروفاً أعظم من أفراد الإحسان التي يدل عليها اللفظ الأقل حروفاً، فهو غير معنيّ ولا مراد، وقد قارب من قال: إن معنى: {الرَّحْمَنُ} المحسن بالإحسان العام. ولكنه أخطأ في تخصيص مدلول الرحيم بالمؤمنين، ولعل الذي حمل من قال: إن الثاني مؤكد للأول- على قوله هذا- وهو عدم الاقتناع بما قالوه من التفرقة، مع عدم التفطن لما هو أحسن منه، ثم قال: والذي أقول: إن لفظ: رحمن وصفٌ فعليٌّ فيه معنى المبالغة- كفعّال- ويدل في استعمال اللغة على الصفات العارضة- كعطشان وغرثان وغضبان- وأما لفظ: رحيم فإنه يدل في الاستعمال على المعاني الثابتة، كالأخلاق والسجايا في الناس- كعليم وحكيم وحليم وجميل- والقرآن لا يخرج عن الأسلوب العربي البليغ في الحكاية عن صفات الله عز وجل التي تعلو عن مماثله صفات المخلوقين.
فلفظ: {الرَّحْمَنُ} ديل على من تصدر عنه آثار الرحمة بالفعل وهي إفاضة النعم والإحسان، ولفظ: {الرَّحِيْمُ} يدل على منشأ هذه الرحمة والإحسان، وعلى أنها من الصفات الثابتة الواجبة، وبهذا المعنى لا يستغني بأحد الوصفين عن الآخر، ولا يكون الثاني مؤكداً للأول، فإذا سمع العربيّ وصف الله جل ثناؤه بـ: {الرَّحْمَنُ}، وفهم منه أنه المفيض للنعم فعلاً، لا يعتقد منه أن الرحمة من الصفات الواجبة له دائماً- لأن الفعل قد ينقطع إذا كان عارضاً لم ينشأ عن صفة لازمة ثابتة- فعندما يسمع لفظ {الرحيم} يكمل اعتقاده على الوجه الذي يليق بالله تعالى ويرضيه سبحانه. انتهى.

.تفسير الآية رقم (2):

القول في تأويل قوله تعالى: {الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [2].
{الْحَمْدُ للّهِ} أي: الثناء بالجميل، والمدح بالكمال ثابت لله، دون سائر ما يعبد من دونه، ودون كل ما برأ من خلقه. واللام في: {الْحَمْدُ} للاستغراق أي: استغراق جميع أجناس الحمد وثبوتها لله تعالى تعظيماً وتمجيداً- كما في الحديث: «اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله».
قال الإمام ابن القيم في طريق الهجرتين: الملك والحمد في حقه تعالى متلازمان. فكل ما شمله ملكه وقدرته شمله حمده، فهو محمود في ملكه، وله الملك والقدرة مع حمده، فكما يستحيل خروج شيء من الموجودات عن ملكه وقدراته، يستحيل خروجها عن حمده وحكمته، ولهذا يحمد سبحانه نفسه عند خلقه، وأمره لينبَّه عباده على أن مصدر خلقه وأمره عن حمده. فهو محمود على كل ما خلقه وأمر به، حمد شكر وعبودية، وحمد ثناء ومدح، ويجمعهما التبارك، {تَبَارَكَ اللَّهُ} يشمل ذلك كله، ولهذا ذكر هذه الكلمة عقيب قوله: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 54]. فالحمد أوسع الصفات واعم المدائح. والطرق إلى العلم به في غاية الكثرة، والسبيل إلى اعتباره في ذرات العالم وجزئياته، وتفاصيل الأمر والنهي واسعة جدًّا، لأن جميع أسمائه، تبارك وتعالى حمدٌ، وصفاته حمدٌ، وأفعاله حمد، وأحكامه حمد، وعدله حمد، وانتقامه من أعدائه حمد، وفضله في إحسانه إلى أوليائه حمد، والخلق والأمر إنما قام بحمده، ووجد بحمده، وظهر بحمده، وكان الغاية هي حمده، فحمده سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله، فحمده روح كل شيء، وقيام كل شيء بحمده، وسريان حمده في الموجودات، وظهور آثاره فيه أمرٌ مشهود بالأبصار والبصائر- ثم قال-: وبالجملة فكل صفة علياء، واسم حسن، وثناء جميل، وكل حمدٍ ومدح وتسبيح وتنزيه وتقديس وجلال وإكرام فهو لله عز وجل على أكمل الوجوه وأتمها وأدومها، وجميع ما يوصف به، ويذكر به، ويخبر عنه به فهو محامد له وثناء وتسبيح وتقديس، فسبحانه وبحمده لا يُحصي أحدٌ من خلقه ثناء عليه.
{رَبِّ الْعَالَمِينَ} الرب يطلق على السيد المطلق، وعلى المصلح، وعلى المالك- تقول: ربَّه يرُبُّه فهو ربّ كما تقول: نمّ عليه ينمّ فهو نمّ- فهو صفة مشبهة، ويجوز أن يكون مصدراً بمعنى التربية، وهي: تبليغ الشيء إلى كماله شيئاً فشيئاً، وصف به الفاعل مبالغة كما وصف بالعدل، والرب- باللام- لا يقال إلا لله عز وجل. وهو في غيره على التقييد بالإضافة- كرب الدار- ومنه قوله تعالى: {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف: 50]: {إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ} [يوسف: 23].
و{الْعَالَمِينَ} جمع عالم وهو: الخلق كله وكل صنف منه، وإيثار صيغة الجمع لبيان شمول ربوبيته تعالى لجميع الأجناس، والتعريف لاستغراق أفراد كل منها بأسرها.

.تفسير الآية رقم (3):

القول في تأويل قوله تعالى: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} [3].
إيرادهما عقد وصف الربوبية من باب قرن الترغيب بالترهيب الذي هو أسلوب التنزيل الحكيم.

.تفسير الآية رقم (4):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [4].
قرأ عاصم والكسائي بإثبات ألف: {مَاْلِك} والباقون بحذفها. قال الزمخشري: ورجحت قراءة: {مَلِكِ} لأنه قراءة أهل الحرمين، وهم أولى الناس بأن يقرأوا القرآن غضاً طريًّا كما أنزل، وقراؤهم الأعلون رواية وفصاحة، ولقوله تعالى: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر: 16] فقد وصف ذاته بأنه الملك يوم القيامة، والقرآن يتعاضد بعضه ببعض، وتتناسب معانيه في المراد. وثمة مرجحات أخرى.
وقال بعضهم: إن قراءة: {مالك} أبلغ، لأن الملك هو الذي يدبر أعمال رعيته العامة، ولا تصرّف له بشيء من شؤونهم الخاصة. وتظهر التفرقة في عبد مملوك في مملكة لها سلطان، فلا ريب أن مالكه هو الذي يتولى جميع شؤونه دون سلطانه، ومن وجوه تفضيلها: إنها تزيد بحرف، ولقارئ القرآن بكل حرف عشر حسنات كما رواه الترمذي عن ابن مسعود بإسناد صحيح، وكلاهما صحيح متواتر في السبع.
و{الدِّينِ} الحساب والمجازاة بالأعمال. ومنه: «كما تدين تدان» أي: مالك أمور العالمين كلها في يوم الدين، وتخصيصه بالإضافة إمّا لتعظيمه وتهويله، أو لبيان تفرده تعالى بإجراء الأمر وفصل القضاء فيه.

.تفسير الآية رقم (5):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [5].
قال الطبري: أي: لك، اللهم نخشع ونذل ونستكين. إقراراً لك بالربوبية لا لغيرك- قال- والعبودية عند جميع العرب أصلها الذلة، وأنها تسمِّي الطريق المذلل الذي قد وطئته الأقدام، وذلّلته السابلة: معبّداً، ومنه قيل للبعير المذلل بالركوب في الحوائج: مبعبّد، ومنه سمي العبد: عبداً؛ لذلته لمولاه انتهى.
وفيه إعلام بما صدع به الإسلام من تحرير الأنفس لله تعالى وتخليصها لعبادته وحده. أعني: أن لا يشرك شيئاً ما معه، لا في محبته كمحبته، ولا في خوفه، ولا في رجائه، ولا في التوكل عليه، ولا في العمل له، ولا في النذر له، ولا في الخضوع له، ولا في التذلل والتعظيم والسجود والتقريب، فإن كل ذلك إنما يستحقه فاطر الارض والسماوات وحده، وذلك أن لفظ العبادة يتضمن كمال الذل بكمال الحب، فلابد أن يكون العابد محبّاً للإله المعبود كمال حب، ولابد أن يكون ذليلاً له كمال الذل، وهما لا يصلحان إلا كله وحده. فهو الإله المستحق للعبادة، الذي لا يستحقها إلا هو، وهي كمال الحب والذل والإجلال والتوكل والدعاء بما لا يقدر عليه إلا هو، تعالى. وقد أشار لذلك تقديم المفعول، فإن فيه تنبيهاً على ما يجب للعبد من تخصيصه ربّه بالعبادة، وإسلامه وجهه لله وحده، لا كما كان عليه المشركون الذين ظهر النبي صلى الله عليه سُلَيم عليهم، فقد كانوا متفرقين في عبادتهم، متشاكسين في وجهتهم: منهم من يعبد الشمس والقمر، ومنهم من يعبد الملائكة، ومنهم من يعبد الأصنام، ومنهم من يعبد الأحبار والرهبان، ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار... إلى غير ذلك، كما بينه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ} [فصلت: 37] الآية. وفي قوله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاء إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِم بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} [سبأ: 40- 41]. وفي قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ} [المائدة: 116] الآية. وقوله تعالى: {وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً} [آل عِمْرَان: 80] الآية. وفي قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} [االنجم: 19- 20]. وحديث أبي واقد الليثي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حدثاء عهد بكفر، وللمشركين سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم يقال لها: ذات أنواط، فمررنا بسدرة فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله أكبر، إنها السَّنَن، قلتم- والذي نفسي بيده- كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} إلى قوله: {وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 138- 140]» رواه الترمذي وصححه.
وأما عبادتهم للأحبار والرهبان في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [التوبة: 31]، فروى الإمام أحمد والترمذي عن عديّ بن حاتم أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية، فقلت له: إنا لنسا نعبدهم، قال: «أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمون، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟» فقلت: بلى قال: «فتلك عبادتهم».
فالعبادة أنواع وأصناف، ولا يتم الإيمان إلا بتوحيدها كلها لله سبحانه. وقد بينت السنة أن الدعاء هو العبادة، أي: ركنها المهم الأعظم، وأصله من التنزيل الكريم قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر: 60]. فمساه عُبَاْدَة. وفي الخبر: «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل».
قال شمس الدين بن القيم: ولهذا كان العبد مأموراً في كل صلاة أن يقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} والشيطان يأمر بالشرك، والنفس تطيعه في ذلك، فلا تزال النفس تلتفت إلى غير الله، إما خوفاً منه، أو رجاءً له، فلا يزال العبد مفتقراً إلى تخليص توحيده من شوائب الشرك، ولذا أخبر سبحانه عن المشركين أنهم ما قدروه حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابه، وكيف يقدره حق قدره من جعل له عدلاً ونداً، يحبه، ويخافه، ويرجوه، يذل، ويخضع له، ويهرب من سخطه، ويؤثر مرضاته، والمؤثر لا يرضى بإيثاره انتهى.
فائدة: قال بعض السلف: الفاتحة سر القرآن، وسرها هذه الكلمة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: فالأول تبرؤٌ من الشرك، والثاني تبرؤٌ من الحول والقوة، والتفويض إلى الله عز وجل، وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [الصافات: 23] {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آَمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} [الملك: 29] {رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً} [المزمل: 9].

.تفسير الآية رقم (6):

القول في تأويل قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [6].
أي ألهمنا الطريق الهادي، وأرشدنا إليه، ووفقنا له.
قال الإمام الراغب في تفسيره: الهداية دلالة بلطف، ومنه الهداية، وهوادى الوحس، وهي متقدماتها لكونها هادية لسائرها، وخص ما كان بفعلت نحو: هديته الطريق، وما كان من الإعطاء بفعلت نحو: أهديت الهدية. ولما يصور العروس على وجهين: قيل فيه: هديت وأهديت. فإن قيل: كيف جعلت الهدى دلالة لطف وقد قال تعالى: {فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ} [الصافات: 23] وقال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [الحج: 4]. قيل: إن ذلك حسب استعمالهم اللفظ على التهكم كما قال:
وَخَيْلٍ قَدْ دَلَفْتُ لَهَا بِخَيْلٍ ** تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيْعُ

والهداية هي الإرشاد إلى الخيرات قولاً وفعلاً، وهي من الله تعالى على منازل بعضها يترتب على بعض، لا يصح حصول الثاني إلا بعد الأول، ولا الثالث إلا بعد الثاني، فأول المنازل إعطاؤه العبد القوى التي بها يهتدي إلى مصالحه إما تسخيراً وإما طوعاً- كالمشاعر الخمسة والقوة الفكرية، وبعض ذلك قد أعطاه الحيوانات، وبعض خصّ به الْإِنْسَاْن، وعلى ذلك دلّ قوله تعالى: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50]، وقوله تعالى: {الَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 3] وهذه الهداية إما تسخير وإما تعليم، وإلى نحوه أشار بقوله تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: 68]، وقوله تعالى: {بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة: 5]، وقال في الْإِنْسَاْن بما أعطاه من العقل، وعرفه من الرشد: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} [الْإِنْسَاْن: 3] وقال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]، وقال في ثمود: {فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} [فصلت: 17].
وثانيهما الهداية بالدعاء وبعثه الأنبياء عليهم السلام. وإياها عنى بقوله تعاى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [السجدة: 24]. وبقوله: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ} [الرعد: 7]، وهذه الهداية تنسب تارة إلىالله عز وجل، وتارة إلى النبي عليه السلام، وتارة إلى القرآن. قال الله تعالى: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
وثالثها هداية يوليها صالحي عباده بما اكتسبوه من الخيرات، وهي الهداية المذكورة في قوله عز وجل: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} [الحج: 24]. وقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام: 90] وقوله: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]. وهذه الهداية هي المعنية بقوله: {وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ} [الحديد].
ويصح أن ننسب هذه الهداية إلى الله عز وجل فيقال: وآثرهم بها من حيث إنه هو السبب في وصولهم إليها. ويصح أن يقال: اكتسبوها من حيث إنهم توصلوا إليها باجتهادهم. فمن قصد سلطاناً مسترفداً فأعطاه، يصح أن يقال: إن السلطان خوله. ويصح أن يقال: فلان اكتسب بسعيه، ولانطواء ذلك على الأمرين، قال تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ} [محمد: 17]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس: 9]. فنبه أن ذلك بجهدهم وبفضله جميعا. وهذه الهداية يصح أن يقال: هي مباحة للعقلاء كلهم، ويصح أن يقال: هي محظورة إلا على أوليائه، لما كان في إمكان جميع العقلاء أن يترشحوا لتناولها، ومن ذلك قيل: إنها لا يسهل تناولها قبل أن يتشكل الْإِنْسَاْن بشكل مخصوص، بتقديم عبادات. وقد قال بعض المحققين: الهدى من الله كثير، ولا يبصره إلاالبصير، ولا يعمل به إلا اليسير. ألا ترى أن نجوم أسماء ما أكثرها ولا يهتدي بها إلا العلماء. وقال بعض الأولياء: إن مثل هداية الله مع الناس كمثل سيلٍ مرّ على قِلات وغدران، فيتناول كل قُلُتٍ منها بقدر سعته- ثم تلا قوله-: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد: 17] وقال بعضهم: هي كمطرٍ أتى على أرضين فينفع كلَّ أرضٍ بقدر ترشيحها للانتفاع به.
والمنزلة الرابعة: من الهداية التمكين من مجاورته في دار الخلد، وإياها عنى الله بقوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا} [الأعراف: 43]. فإذا ثبت ذلك فمن الهداية ما لا يُنْفى عن أحد بوجه. ومنها ما يُنفى عن بعض، ويثبت لبعض، ومن هذا الوجه قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]. وقال: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء} [البقرة: 272]. وقال: {وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ} [الروم: 53]. فإنه عنى الهداية- التي هي التوفيق وإدخال الجنة- دون التي هي الدعاء لقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]. وقال في الأنبياء: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا} [الأنبياء: 73].
فقوله: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} فسر على وجوه بحسب أنظار مختلفة إلى الوجوه المذكورة:
الأول: أنه على الهداية العامة، وأمر أن ندعو بذلك- وإن كان هو قد فعله لا محالة- ليزيدنا ثواباً بالدعاء، كما أمرنا أن نقول: اللهم صل على محمد.
الثاني: قيل: وفقنا لطريق الشرع.
الثالث: احرسنا عن استغواء الغواة واستهواء الشهوات، واعصمنا من الشبهات.
الرابع: زدنا هدى استنجاحاً لما وعدت بقولك: {وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11]. وقولك: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [محمد: 17].
الخامس: قيل: علمنا العلم الحقيقي فذلك سبب الخلاص، وهو المعبر عنه بالنور في قوله: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء} [النور: 35].
السادس: قيل: هو سؤال الجنة، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [محمد: 4- 5]. وقال: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} [يونس: 9]. فهذه الأقاويل اختلفت باختلاف أنظارهم إلى أبعاض الهداية وجزئياتها، والجميع يصح أن يكون مراداً بالآية- إذ لا تنافي بينها- وبالله التوفيق. اه- كلام الراغب.
وبه يعلم تحقيق معنى الهداية في سائر مواقعها في التنزيل الكريم، وأن الوجوه المأثورة في آية ما- إذا لم تتناف- صح إرادتها كلها، ومثل هذا يسمى: اختلاف تنوّع لا اختلاف تضاد.
كما أشار لذلك شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية رحمه الله تعالى في مبحث له مهم، نأثره عنه هنا، لما فيه من الفوائد الجليلة، قال رحمه الله:
ينبغي أن يعلم أن الاختلاف الواقع من المفسرين وغيرهم على وجهين:
أحدهما ليس فيه تضاد وتناقض، بل يمكن أن يكون كل منهما حقاً، وإنما هو اختلاف تنوع أو اختلاف في الصفات أو العبارات، وعامة الاختلاف الثابت عن مفسري السلف من الصحابة والتابعين هو من هذا الباب، فإن الله سبحانه إذا ذكر في القرآن اسماً مثل قوله: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} فكل المفسرين يعبر عن الصراط المستقيم بعبارة تدل بها على بعض صفاته، وكل ذلك حق بمنزلة ما يسمى الله ورسوله وكتابه بأسماء، كل اسم منها يدل على صفة من صفاته، فيقول بعضهم: الصراط المستقيم كتاب الله، أو أتباع كتاب الله. ويقول الآخر: الصراط المستقيم هو الإسلام أو دين الإسلام. ويقول الآخر: الصراط المستقيم هو السنة والجماعة. ويقول الآخر: الصراط المستقيم طريق العبودية، أو طريق الخوف والرضا والحب، امتثال المأمور، واجتناب المحظور، أو متابعة الكتاب والسنة، أو العمل بطاعة الله، أو نحو هذه الأسماء والعبارات، ومعلوم أن المسمى هو واحد، وإن تنوعت صفاته وتعددت أسماؤه وعباراته، وكثير من التفسير والترجمة تكون من هذا الوجه.
ومنه قسم آخر وهو أن يذكر المفسر والمترجم معنى اللفظ على سبيل التمثيل لا على سبيل الحدّ والحصر- مثل أن يقول قائل من العجم: ما معنى الخبز؟ فيشار له إلى رغيف- وليس المقصود مجرد عينه، وإنما الإشارة إلى تعيين هذا الشخص تمثيلاً. وهذا كما إذا سئلوا عن قوله: {فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32]. أو عن قوله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128]. أو عن الصالحين أو الظالمين، ونحو ذلك من الأسماء العامة الجامعة التي قد يتعسر أو يتعذر على المستمع أو المتكلم ضبط مجموع معناه؛ إذ لا يكون محتاجاً إلى ذلك فيذكر له من أنواعه وأشخاصه ما يحصل به غرضه، وقد يستدل به على نظائره. فإن الظالم لنفسه هو تارك المأمور فاعل المحظور، والمتقصد هو فاعل الواجب وتارك المحرم، والسابق هو فاعل الواجب والمستحب، وتارك المحارم والمكروه. فيقول المجيب بحسب حاجة السائل: الظالم الذي يفوّت الصلاة، أو الذي لا يسبغ الوضوء، أو الذي لا يتم الأركان ونحو ذلك. والمقتصد الذي يصلي في الوقت- كما أمر- والسابق بالخيرات الذي يصلي الصلاة بواجباتها ومستحباتها ويأتي بالنوافل المستحبة معها، وكذلك يقول مثل هذا في الزكاة والصوم الحج وسائر الواجبات.
وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: التفسير على أربعة أوجه:
تفسير تعرفه العرب من كلامها.
وتفسير لا يعذر أحد بجهالته.
وتفسير يعلمه العلماء.
وتفسير لا يعلمه إلا الله، فمن ادعى علمه فهو كاذب.
والصحابة أخذوا عن الرسول لفظ القرآن ومعناه كما أخذوا عنه السنة، وإن كان من الناس من غيّر السنة، فمن الناس من غير بعض معاني القرآن- إذ لم يتمكن من تغيير لظفه، وأيضاً فقد يخفى على بعض العلماء بعض معاني القرآن، كما خفي عليه بعض السنة، فيقع خطأ المجتهدين من هذا الباب والله أعلم.
وتقدم في مقدمة الكتاب بسطٌ لهذا البحث فارجع إليه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أيضاً في تحقيق هذه الآية:
كل عبد مضطر دائماً إلى مقصود هذا الدعاء، وهو هداية الصراط المستقيم، فإنه لا نجاة من العذاب إلا بهذه الهداية، ولا وصول إلى السعادة إلا به، فمن فاته هذا الهدى فهو: إما من المغضوب عليهم، وإما من الضالين، وهذا الاهتداء لا يحصل إلا بهدى الله: {مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيّاً مُّرْشِداً} [الكهف: 17]. فإن الصراط المستقيم: أن تفعل في كل وقت ما أمرت به في ذلك الوقت من علم وعمل، ولا تفعل ما نهيت عنه، وهذا يحتاج في كل وقت إلى أن تعلم: ما أمر به في ذلك الوقت، وما نهى عنه، وإلى أن يحصل لك إرادة جازمة لفعل المأمور، وكراهة لترك المحظور. والصراط المستقيم قد فسّر بالقرآن والإسلام وطرق العبودية، وكل هذا حق، فهو موصوف بهذا وبغيره، فحاجته إلى هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته، بخلاف الحاجة إلى الرزق والنصر، فإن الله يرزقه، وإن انقطع رزقه مات- والموت لابد منه- فإن كان من أهل الهداية، كان سعيداً بعد الموت، وكان الموت موصلاً له إلى السعادة الدائمة الأبدية، فكيون رحمة في حقه، وكذلك النصر- إذا قدّر أنه قُهر وغُلب حتى قُتل- فإذا كان من أهل الهداية إلى الاستقامة مات شهيداً، وكان القتل من تمام نعمة الله عليه، فتبين أن حاجة العباد إلى الهدى أعظم من حاجتهم إلى الرزق والنصر، بل لا نسبة بينهما فلهذا كان هذا الدعاء مفروضاً عليهم في الصلوات- فرضها ونفلها- وأيضاً فإن هذا الدعاء يتضمن الرزق والنصر لأنه إذا هدي الصراط المستقيم كان من المتقين: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق: 2- 3] وكان من المتوكلين: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} [الطلاق: 3]، وكان ممن ينصر الله ورسوله، ومن ينصر الله ينصره، وكان من جند الله، وجند الله هم الغالبون. فالهدى التام يتضمن حصول أعظم ما يحصل به الرزق والنصر، فتبين أن هذا الدعاء هو الجامع لكل مطلوب تحصل به كل منفعة، وتندفع به كل مضرة.
فائدة: الصراط المستقيم: أصله الطريق الواضح الذي لا اعوجاج فيه، ولا انحراف، ويستعار لكل قول أو عمل يبلغ به صاحبه الغاية الحميدة، فالطرق الواضح للحسّ، كالحق للعقل، في أنه: إذا سير بهما أبلغا السالك النهاية الحسنى.