فصل: تفسير الآية رقم (77):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (77):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلم تَرَ إِلَى الّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ فَلما كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبّنَا لم كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍٍ قَرِيبٍٍ قُلْ مَتَاعُ الدّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لمنِ اتّقَى وَلاَ تُظْلمونَ فَتِيلاً} [77].
{أَلم تَرَ إِلَى الّذِينَ قِيلَ لَهُمْ} وهم المؤمنون عند استئذانهم رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم في القتال، قبل أن يؤمروا به.
{كُفّواْ أَيْدِيَكُمْ} أي: عن القتال، فإنكم لم تؤمروا به.
{وَأَقِيمُواْ الصّلاَةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ} أي: أتموا الصلوات الخمس بوضوئها وركوعها وسجودها، وما يجب فيها من مواقيتها، وأعطوا زكاة أموالكم.
{فَلما كُتِبَ} أي: فرض: {عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ} أي: الجهاد في سبيل الله حين قوي حالهم.
{إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ} أي: طائفة منهم وهم المنافقون، وإدخالهم المؤمنين لما كانوا يظهرونه من أنفسهم أنهم منهم.
{يَخْشَوْنَ النّاسَ} أي: يخافون أهل مكة الكفار أن يقتلوهم.
{كَخَشْيَةِ اللّهِ} أي: كما يخشون الله أن ينزل عليهم بأسه.
{أَوْ أَشَدّ خَشْيَةً} أي: أكثر خوفاً منه.
فإن قيل: ظاهر قوله: {أَوْ أَشَدّ خَشْيَةً} يوهم الشك، وذلك على علام الغيوب محال، أجيب بأن {أو} إما بمعنى بل أو هي للتنويع على أن معنى: أن خشية بعضهم كخشية الله، وخشية بعضهم أشد منها، أو للإبهام على السامع، بمعنى أنهم على إحدى الصفتين من المساواة والشدة، وهو قريب مما في قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: 147] يعني أن من يبصرهم يقول: إنهم مائة ألف أو يزيدون.
تنبيه:
حكى المفسرون هنا رواية عن ابن عباس، أن هذه الآية نزلت في جماعة من الصحابة المهاجرين وأنهم كانوا يلقون من مشركي مكة، قبل الهجرة، أذىً شديداً، فيشكون ذلك إلى النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، ويقولوا: ائذن لنا في قتالهم، فيقول لهم النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم: «كفوا أيدكم، فإني لم أومر بقتالهم، واشتغلوا بإقامة دينكم من الصلاة والزكاة»، ثم بعد الهجرة إلى المدينة، لما أمروا بقتالهم في وقعة بدر، كرهه بعضهم، فنزلت الآية.
وعندي أن هذه الآية كسوابقها نزلت في المنافقين، تقريعاً لهم وتحذيراً للمخلصين، من شاكلتهم، والقول بنزولها في بعض المؤمنين لا يصح لوجوه:
منها: أن في إسنادها عن ابن عباس من ليس على شرط الصحيح.
ومنها: أن طلبهم للجهاد وهم في مكة، مع قلة العَدد والعُدَد، وممالأة العدو عليهم من كل جانب في غاية البعد.
ومنها: أن السياق في المنافقين: وقد ابتدئ الكلام في شأنهم من قوله تعالى: {أَلم تَرَ إِلَى الّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطّاغُوتِ}- إلى قوله تعالى الآتي-: {فَلا تَتّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِيَاءَ} الآية، كما يظهر من التدبر الصادق.
ومنها: أن هذا السياق اشتمل على أمور تدل على أنها مختصة بالمنافقين، لأنه تعالى قال في وصفهم: {يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدّ خَشْيَةً} ولا يكون هذا الوصف إلا لكافر أو منافق، وحكى تعالى عنهم أنهم قالوا: {وَقَالُواْ رَبّنَا لم كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} ولم يعهد هذا عن المؤمنين، بل المحفوظ مبادرتهم للجهاد، كما روى ابن إسحاق في السيرة أن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم استشار الناس في غزوة بدر، فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن، ثم قام عُمَر بن الخطاب فقال وأحسن، ثم قام المقداد بن عَمْرو فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! امض لما أراك الله، فنحن معك، والله! لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ فَقَاتِلا إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: من الآية 24] ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا، إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق! لو سرت بنا إلى بَرْك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه.
ثم قال سعد بن معاذ: امض، يا رسول الله! لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق! لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدوناً غداً، إنا لصبُرٌ في الحرب صُدُق في اللقاء.
ومنها أنه تعالى ذكر بعد ذلك قوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ} [النساء: من الآية 78]، ولا شك أن هذا من كلام المنافقين، ثم صرح تعالى في آخر الكلام عليهم بقوله: {فَمَا لَكُمْ فِي المنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ} فزال اللبس وبرح الخفاء.
وما أشبه هذه الآيات بقوله تعالى في سورة محمد: {وَيَقُولُ الّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزّلَتْ سورة} أي: تأمرنا بالجهاد: {فَإِذَا أُنزِلَتْ سورة مّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ} إلى قوله: {أَمْ حَسِبَ الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ أَضْغَانَهُمْ} [محمد: 29].
{وَقَالُواْ رَبّنَا لم كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} أي: الجهاد في سبيلك.
{لَوْلا أَخّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍٍ قَرِيبٍٍ} أي: هلا عافيتنا وتركتنا حتى نموت بآجالنا.
{قُلْ} أي: تزهيداً لهم فيما يؤملون بالقعود من المتاع الفاني، وترغيباً فيما ينالونه بالجهاد من النعيم الباقي.
{مَتَاعُ الدّنْيَا} أي: ما يتمتع وينتفع به في الدنيا.
{قَلِيلٌ} سريع التقضي، وشيك الانصرام، وإن أخرتم إلى ذلك الأجل.
{وَالآخِرَةُ} أي: ثوابها الذي من جملته الثواب المنوط بالجهاد.
{خَيْرٌ} أي: لكم من ذلك المتاع الفاني لكثرته وعدم انقطاعه، وصفائه عن الكدورات، وإنما قيل: {لمنِ اتّقَى} حثاً لهم على اتقاء العصيان والإخلال بموجب التكليف.
{وَلاَ تُظْلمونَ فَتِيلاً} عطف على مقدر، ينسحب عليه الكلام، أي: تجزون ولا تنقصون أدنى شيء من أجور أعمالكم، التي من جملتها مسعاكم في شأن القتال، فلا ترغبوا عنه.
والفتيل ما في شق النواة من الخيط، يضرب به المثل في القلة والحقارة.
وقرئ: {يُظْلمونَ} بالياء، إعادة للضمير إلى ظاهر مَن، أفاده أبو السعود.
روى ابن أبي حاتم قال: قرأ الحسن: {قل متاع الدنيا قليل} قال: رحم الله عبداً صحبها على حسب ذلك، وما الدنيا كلها، أولها وآخرها، إلا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحب ثم انتبه، وقال ابن معين: كان أبو مصهر ينشد:
وَلَا خَيْر فِي الدُّنْيَا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ** مِنَ اللَّه فِي دَار الْمَقَام نَصِيب

فَإِنْ تُعْجِب الدُّنْيَا رِجَالاً فَإِنَّهَا ** مَتَاع قَلِيل وَالزَّوَال قَرِيب

ثم بين تعالى أنه لا ينفعهم الفرار من الموت، لأنه لا خلاص لهم منه، بقوله:

.تفسير الآية رقم (78):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككّمُ الموْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍٍ مّشَيّدَةٍٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلّ مّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} [78].
{أَيْنَمَا تَكُونُواْ} أي: في أي: مكان تكونوا عند الأجل.
{يُدْرِككّمُ الموْتُ} أي: الذي لأجله تكرهون القتال، زعماً منكم أنه من مظانه، وتحبون القعود عنه، على زعم أنه منجاة منه، أي: وإذا كان لابد من الموت، فبأن يقع على وجه يكون مستعقباً للسعادة الأبدية، كان أولى من أن لا يكون كذلك، ونظير هذه الآية قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الموْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتّعُونَ إِلّا قَلِيلاً} [الأحزاب: 16].
{وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍٍ} أي: حصون: {مّشَيّدَةٍٍ} أي: مرفوعة مستحكمة، لا يصل إليها القاتل الْإِنْسَاْني، لكنها لا تمنع القاتل الإلهي، كما قال زهير بن أبي سلمى:
وَمَنْ هَابَ أَسْبَاب الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ ** وَلَوْ رَامَ أَسْبَاب السَّمَاء بِسُلَّمِ

وقد ذكر ابن جرير وابن أبي حاتم هاهنا حكاية مطولة عن مجاهد، والشاهد منها هنا، أنها كانت أُخبرت بأنها تموت بالعنكبوت، فاتخذ لها زوجها قصراً منيعاً شاهقاً ليحرزها من ذلك، فبينما هم يوماً فإذا العنكبوت في السقف، فأراها إياها فقالت: أهذه التي تحذرها عليّ؟ والله! لا يقتلها إلا أنا، فأنزلوها من السقف، فعمدت إليها فوطئتها بإبهام رجلها فقتلتها، فطار من سمها شيء فوقع بين ظفرها ولحمها، واسودت رجلها، فكان في ذلك أجلها، فماتت.
ولما حكى تعالى عن المنافقين كونهم متثاقلين عن الجهاد، خائفين من الموت، غير راغبين في سعادة الآخرة، أتبع ذلك بخلّة لهم أشنع، بقوله سبحانه: {وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ} كخصب ورزق من ثمار وزروع وأولاد ونحوها.
{يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ} أي: من قِبَلِه، لما علم فينا الخير.
{وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ} كقحط وجدب، وغلاء السعر، ونقص في الزروع والثمار، وموت أولاد ونتاج، ونحو ذلك.
{يَقُولُواْ هَذِهِ مِنْ عِندِكَ} يعنون: من شؤمك، كما قال تعالى عن قوم فرعون: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يَطّيّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ} [الأعراف: من الآية 131]، وعن قوم صالح: {قَالُوا اطّيّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ} [النمل: من الآية 47].
قال أبو السعود: فأمر النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم بأن يرد زعمهم الباطل ويرشدهم إلى الحق ويلقمهم الحجر، ببيان إسناد الكل إليه تعالى على الإجمال، إذ لا يجترؤون على معارضة أمر الله عز وجل حيث قيل: {قُلْ كُلّ مّنْ عِندِ اللّهِ} أي: كل واحدة من النعمة والبلية من جهة الله تعالى، خلقاً وإيجاداً، من غير أن يكون لي مدخل في وقوع شيء منها بوجه من الوجوه كما تزعمون، بل وقوع الأولى منه تعالى بالذات تفضلاً، ووقوع الثانية بواسطة ذنوب من ابتلى بها عقوبة، كما سيأتي بيانه، فهذا الجواب المجمل في معنى ما قيل، رداً على أسلافهم من قوله تعالى: {أَلا إِنّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ} أي: إنما سبب خيرهم وشرهم، أو سبب إصابة السيئة التي هي ذنوبهم، عند الله تعالى لا عند غيره، حتى يسندوها إليه ويطيروا به.
{فَمَا لِهَؤُلاء الْقَوْمِ} يعني المنافقين.
{لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً} أي: قولاً، والجملة اعتراضية مسوقة لتعبيرهم بالجهل وتقبيح حالهم والتعجب من كمال غباوتهم، إذ لو فقهوا شيئاً لعلموا مما يوعظون به، أن الله هو القابض الباسط، وأن النعمة منه تعالى بطريق التفضل الإحسان، والبلية بطريق العقوبة على ذنوب العباد.

.تفسير الآية رقم (79):

القول في تأويل قوله تعالى: {مّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍٍ فَمِن نّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً} [79].
{مّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍٍ} أي: نعمة.
{فَمِنَ اللّهِ} أي: فمن نعمته وتفضله ابتداءً.
{وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيّئَةٍٍ} أي: بلية.
{فَمِن نّفْسِكَ} أي: من شؤمها بسبب اقترافها المعاصي الموجبة لها، وإن كانت من حيث الإيجاد منتسبة إليه تعالى، نازلة من عنده عقوبة، كقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مّن مّصِيبَةٍٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍٍ} [الشورى: 30].
روى ابن عساكر عن البراء رَضِي اللّهُ عَنْهُ عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر».
روى الترمذيّ عن أبي موسى الأشعري عن النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال: «لا يصيب عبداً نكتة فما فوقها أو دونها، إلا بذنب، وما يعفو الله عنه أكثر، قال وقرأ: {وَمَا أَصَابَكُم مّن مّصِيبَةٍٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍٍ}».
لطيفة:
الخطاب في: {أَصَابَكَ} عام لكل من يقف عليه، لا للنبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، كقوله:
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

ويدخل فيه المذكورون دخولاً أولياً، وجوز أن يكون الخطاب له صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، كما قبله وما بعده، لكن لا لبيان حاله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، بل لبيان حال الكفرة بطريق التصوير، ولعل ذلك لإظهار كمال السخط والغضب عليهم، والإشعار بأنهم لفرط جهلهم وبلادتهم بمعزل من استحقاق الخطاب، لاسيما بمثل هذه الحكمة الأنيقة، قرره أبو السعود.
قال بعض المفسرين: وثمرة الآية رد التطير والتشاؤم.
{وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنّاسِ رَسُولاً} بيان لجلالة منصبه صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ومكانته عند الله عز وجل، بعد بيان بطلان زعمهم الفاسد في حقه عليه الصلاة والسلام، بناء على جهلهم بشأنه الجليل، وتعريف الناس للاستغراق، أفاده أبو السعود، أي: فمن أين يتصور لك الشؤم وقد أرسلت داعياً العموم إلى الخيرات؟ فأنت منشأ كل خير ورحمة: {وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً} أي: على رسالتك وصدقك، بإظهار المعجزات على يديك، أي: وإذا ثبتت رسالتك، فاليُمن في طاعتك، والشؤم في مخالفتك.

.تفسير الآية رقم (80):

القول في تأويل قوله تعالى: {مّنْ يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} [80].
{مّنْ يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ} لأنه عليه الصلاة والسلام مبلغ لأمره ونهيه، مرجع الطاعة وعدمها هو الله سبحانه وتعالى.
{وَمَن تَوَلّى} عن طاعته.
{فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} أي: كفيلاً تحفظ عليهم أعمالهم وتحاسبهم عليها وتعاقبهم بحسبها.
{فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: 40].
ولما بين تعالى وجوب طاعة الرسول، تأثره بذكر معاملتهم معه، فقال: