فصل: تفسير الآية رقم (137):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (137):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ ازْدَادُواْ كُفْراً لم يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [137].
{إِنّ الّذِينَ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ آمَنُواْ ثُمّ كَفَرُواْ ثُمّ ازْدَادُواْ كُفْراً لم يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} في الآية وجوه:
الأول: أن المراد الذين تكرر منهم الارتداد، وعهد منهم ازدياد الكفر والإصرار عليه، يستبعد منهم أن يحدثوا ما يستحقون به المغفرة ويستوجبون اللطف، من إيمان صحيح ثابت يرضاه الله، لأن قول أولئك الذين هذا ديدنهم، قلوب قد ضربت بالكفر ومرنت على الردة، وكان الإيمان أهون شيء عندهم وأدونه، حيث يبدو لهم فيه كرة بعد أخرى، وليس المعنى أنهم لو أخلصوا الإيمان بعد تكرار الردة، ونصحت توبتهم، لم يقبل منهم ولم يغفر لهم، لأن ذلك مقبول، حيث هو بذلٌ للطاقة واستفراغ الوسع، ولكنه استبعاد له واستغراب، وإنه أمر لا يكاد يكون، وهكذا نرى الفاسق الذي يتوب ثم يرجع، ثم يتوب ثم يرجع، فإنه لا يكاد يرجى منه الثبات، والغالب أنه يموت على الفسق، فكذا هنا.
الثاني: قال بعضهم: هم اليهود، آمنوا بالتوراة وبموسى ثم كفروا حين عبدوا العجل، ثم آمنوا بعد عوده إليهم ثم كفروا بعيسى والإنجيل، ثم ازدادوا كفراً بمحمد صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وقد أورد على هذا الوجه أن الذين ازدادوا كفراً بمحمد صَلّى اللهُ عليّه وسلّم ليسوا مؤمنين بموسى، ثم كافرين بالعجل، ثم مؤمنين بالعود، ثم كافرين بعيسى، بل هم إما مؤمنون بموسى وغيره، أو كفار لكفرهم بعيسى والإنجيل، والجواب: أن هذا إنما يرد لو أريد قوم بأعيانهم للموجودين وقت البعثة، أما لو أريد جنس ونوع، باعتبار عدّ ما صدر من بعضهم كأنه صدر من كلهم، فلا إيراد، والمقصود حينئذ استبعاد إيمانهم لما استقر منهم ومن أسلافهم.
الثالث: قال آخرون: المراد المنافقون، فالإيمان الأول إظهارهم الإسلام، وكفرهم بعد ذلك هو نفاقهم، وكون باطنهم على خلاف ظاهرهم، والإيمان الثاني هو أنهم كلما لقوا جمعاً من المسلمين قالوا إنا مؤمنون، والكفر الثاني هو أنهم: {إِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنّا مَعَكْمْ إِنّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ} [البقرة 14]، وازديادهم في الكفر هو جدهم واجتهادهم في استخراج أنواع المكر والكيد في حق المسلمين، وإظهار الإيمان قد يسمى إيماناً، قال تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ المشْرِكَاتِ حَتّى يُؤْمِنّ} [البقرة: 221].
قال القفال رحمه الله: وليس المراد بيان هذا العدد، بل المراد ترددهم، كما قال: {مّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء} قال: والذي يدل عليه، قوله تعالى بعد هذه الآية: {بَشّرِ المنَافِقِينَ}.
الرابع: قال قوم: المراد طائفة من أهل الكتاب قصدوا تشكيك المسلمين فكانوا يظهرون الإيمان تارة والكفر تارة أخرى، على ما أخبر الله تعالى عنهم: {آمِنُواْ بِالّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ} [آل عِمْرَان: 72]، وقوله: {ثُمّ ازْدَادُواْ كُفْراً} معناه أنهم بلغوا في ذلك إلى حد الاستهزاء والسخرية بالإسلام.
نقل هذه الوجوه الزمخشريّ والرازيّ وغيرهما، وكلها مما يشمله لفظ الآية.
تنبيه:
في الآية مسائل:
الأولى: قال في الإكليل: استدل بها من قال: تقبل توبة المُرتد ثلاثاً، ولا تقبل في الرابعة.
وقال بعض الزيدية تفسيره: دلت على أن توبة المرتد تُقبل، لأنه تعالى أثبت إيماناً بعد كفر، تقدمه إيمان.
وأقول: دلالتها على ذلك في صورة عدم تكرار الردة، وأما معه، فلا، كما لا يخفى.
ثم قال: وعن إسحاق: إذا ارتد في الدفعة الثالثة لم تقبل توبته، وهي رواية الشعبيّ عن عليّ عليه السلام. انتهى.
وذهبت الحنابلة إلى أن من تكررت ردته لم تقبل توبته، كما أسلفنا ذلك في آل عِمْرَان في قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً} [آل عِمْرَان: 86]، الآية.
وقوله بعدها: {إِنّ الّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمّ ازْدَادُواْ كُفْراً} [آل عِمْرَان: 90]، وذكرنا ثمةَ، أن هذه الآية كتلك الآية، وأن ظاهرهما يشهد لما ذهب إليه إسحاق وأحمد، وأما الوجوه المسوقة هنا فهي من تأويل أكثر العلماء القائلين بقبول توبة المرتد، وإن تكررت، وبعد، فالمقام دقيق، والله أعلم.
الثانية: دلت على أن الكفر يقبل الزيادة والنقصان، فوجب أن يكون الإِيمَان نصّاً كذلك، لأنهما ضدان متنافيان، فإذا قبل أحدهما التفاوت، قبله الآخر، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (138):

القول في تأويل قوله تعالى: {بَشّرِ المنَافِقِينَ بِأَنّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [138].
{بَشّرِ المنَافِقِينَ} من باب التَّهَكُّمِ: {بِأَنّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} فإنهم آمنوا بالظاهر وكفروا بالباطن، ويدل على مقارنة إيمانهم للكفر ترجيحهم جانب الكفرة في المحبة إذ هم:

.تفسير الآية رقم (139):

القول في تأويل قوله تعالى: {الّذِينَ يَتّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزّةَ فَإِنّ العِزّةَ لِلّهِ جَميعاً} [139].
{الّذِينَ يَتّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ المؤْمِنِينَ} أي: يتخذونهم أنصاراً مجاوزين موالاة المؤمنين.
{أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزّةَ} أي: أيطلبون بموالاتهم القوة والغلبة، وهذا إنكار لرأيهم وإبطال له، وبيان لخيبة رجائهم، ولذا علله بقوله: {فَإِنّ العِزّةَ لِلّهِ جَميعاً} أي: له الغلبة والقوة، فلا نصرة لهم من الكفار، والنصرة والظفر كله من الله تعالى، وهذا كما قال تعالى في آية أخرى: {وَلِلّهِ الْعِزّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلمؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8].
قال ابن كثير: وَالْمَقْصُود مِنْ هَذَا التَّهْيِيجُ عَلَى طَلَب الْعِزَّة مِنْ جَنَاب اللَّه، وَالْإِقْبَال عَلَى عُبُودِيَّته، وَالِانْتِظَام فِي جُمْلَة عِبَاده الْمُؤْمِنِينَ، الَّذِينَ لَهُمْ النُّصْرَة فِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا وَيَوْم يَقُوم الْأَشْهَاد، وَيُنَاسِب هُنَا أَنْ نَذْكُر الْحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد عَنْ أَبِي رَيْحَانة، أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ اِنْتَسَبَ إِلَى تِسْعَة آبَاء كُفَّار، يُرِيد بِهِمْ عِزّاً وكرماً، فَهُوَ عَاشِرهمْ فِي النَّار». تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَد.
وَأَبُو رَيْحَانَة هَذَا: هُوَ أَزْدِيّ وَاسْمه شَمْعُونَ بِالْمُعْجَمَةِ فِيمَا قَالَهُ الْبُخَارِيّ، وَقَالَ غَيْره: بِالْمُهْمَلَةِ وَاَللَّه أَعْلَم.
تنبيه:
قال الحاكم: دلت الآية على وجوب موالاة المؤمنين، والنهي عن موالاة الكفار، قال: والمنهي عن موالاتهم في الدين فقط، وقد ذكر المؤيد بالله، قدس الله روحه، معنى هذا، وهي: أن تحبه لما هي عليه، وهذا ظاهر، وهو يرجع إلى الرضا بالكفر، وما أحبه لأجله.
فأما الخلطة فليست موالاة، وقد جوز العلماء رحمهم الله نكاح الفاسقة، وكذلك الإحسان، فقد مدح الله من أطعم الأسارى، وجوّز كثير منهم الوصية لأهل الذمة، وكذلك الاغتمام بغمه في أمر، كاغتمام المسلمين لغلب فارس للروم، كذا في تفسير بعض الزيدية.

.تفسير الآية رقم (140):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَدْ نَزّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍٍ غَيْرِهِ إِنّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ إِنّ اللّهَ جَامِعُ المنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنّمَ جَميعاً} [140].
{وَقَدْ نَزّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} قال المفسرون: إن المشركين بمكة كانوا في مجالسهم يخوضون في ذكر القرآن ويستهزئون به، فنهى الله تعالى المسلمين عن القعود معهم بقوله: {وَإِذَا رَأَيْتَ الّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍٍ غَيْرِهِ} [الأنعام: 68]، وهذه الآية من سورة الأنعام وهي مكية، فامتنع المسلمون عن القعود معهم، ولما قدموا المدينة كانوا يجلسون مع اليهود والمنافقين، وكان اليهود يستهزئون بالقرآن، فنزلت هذه الآية: {وَقَدْ نَزّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} يعني في سورة الأنعام.
{أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا} يعني يجحد بها.
{وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍٍ غَيْرِهِ} وفيها دلالة على أن المنزل على النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، وإن خوطب به خاصة، منزل على الأمة وأن مدار الإعراض عنهم، هو العلم بخوضهم في الآيات، ولذلك عبّرَ عن ذلك تارة بالرؤية وأخرى بالسماع، وأن المراد بالإعراض إظهار المخالفة بالقيام عن مجالسهم، لا الإعراض بالقلب أو بالوجه فقط.
{إِنّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ} أي: إذا قعدتم معهم دل على رضاكم بالكفر بالآيات والاستهزاء بها، فتكونون مثلهم في الكفر واستتباع العذاب، فاجتماعكم بهم هاهنا سبب اجتماعكم في جهنم، كما قال: {إِنّ اللّهَ جَامِعُ المنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنّمَ جَميعاً} لأنهم لما شاركوهم في الكفر، واجتمعوا على الاستهزاء بالآيات في الدنيا، جمعهم الله في عذاب جهنم يوم القيامة.
تنبيه:
قال بعض مفسري الزيدية: اعلم أنه لا خلاف في تحريم القعود والمخالطة، إذا كان ذلك يوهم بأن القاعد راضٍٍ، ولا خلاف أنه يحرم إذا خشي الافتتان، ولا خلاف أنه يجوز القعود للتنكير عليهم والدفع لهم.
قال الحاكم: ولذلك يحضر العلماء مع أهل الضلالة يناظرونهم، ولهم بذلك الثواب العظيم، وأما إذا خلا عما ذكرنا، وكان لا يوهم بالرضا ولا يفتتن ولا ينكر عليهم، فاختلف العلماء في ذلك، فمنهم من أوجب المثل، لظاهر الآية.
قال الحاكم: روي أن قوماً أُخذوا على شراب في عهد عُمَر بن عبد العزيز، فأمر بضربهم الحدّ، فقيل: فيهم صائم، فتلا قوله تعالى: {فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ} إلى قوله: {إِنّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ} وهذا أيضاً ظاهر حديث: «لا يحل لعين ترى الله يُعصى، فتطرف حتى تغير وتنتقل».
وقال أبو عليّ وأبو هاشم: إن أنكر بقلبه لم يجب عليه أكثر من ذلك، وجاز له القعود، يعني مع عجزه عن الإنكار باليد أو باللسان، وعدم تأثير ذلك.
أقول: ما قالاه مخالف لظاهر الآية، فلا عبرة به.
وقال القاضي والحاكم: أما لو كان له حق في تلك البقعة، فله أن لا يفارق، كمن يحضر الجنائز مع النوح، أو الولائم، فيسمع المنكر فيسعه أن يقعد، والنكير على قدر الإمكان واجب عليه.
وعن الحسن: لو تركنا الحق للباطل لبطل الشرع، وقد كان خرج إلى جنازة، خرجت النساء فيها فلم يرجع، ورجع ابن سيرين. انتهى.
أقول: من له حق في البقعة، فعليه أن يفارق كغيره، إذ ليس في مفارقته ضياع حقه، وعموم الآية يشمله، ولا تخصيص إلا بمخصص، والمسألة المقيس عليها غير ما نحن فيه، على ما فيها من الخلاف، كما حَكَى، ولا قياس مع النص، وقد حكى الحاكم أقوالاً كلها ترجع إلى تخصيص الآية، ولا مستند فيها إلا الرأي، والاحتمال، فلذا أعرضنا عنها.
قال أبو عليّ: تحريم القعود في المجلس لما فيه من الإبهام، فإذا أظهر الكراهة جاز القعود في مكان آخر، وإن قرب، وإما إذا خاضوا في حديث غيره، جاز القعود، بمفهوم الآية ثم إن الآية محكمة عند الجمهور.
وروي عن الكلبي، أنها منسوخة بقوله تعالى: {وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسَابهمْ مِنْ شَيْء} [الأنعام: 69]، وهو مردود، فإن من التقوى اجتناب مجالس هؤلاء الذين يكفرون بآيات الله ويستهزئون بها.
قال الحاكم: دلت الآية على أن الراضي بالاستهزاء بالرسول والدين، كافر، لأنه تعالى قال: {إِنّكُمْ إِذاً مّثْلُهُمْ} ودلت على أن الرضا بالكفر كفر.
وقال السمرقندي: في هذه الآية دليل على أن من جلس في مجلس معصية ولم ينكر عليهم، فيكون معهم في الوزر سواء، وينبغي أن ينكر عليهم، إذا تكلموا بالمعصية أو عملوا بها، فإن لم يقدر أن ينكر عليهم ينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وروى ابن جرير عن الضحاك أنه قال: دخل في هذه الآية كل محدث في الدين، وكل مبتدع إلى يوم القيامة.
وقال في فتح البيان: وفي هذه الآية باعتبار عموم لفظها الذي هو المعتبر دون خصوص السبب، دليل على اجتناب كل موقف يخوض فيه أهله بما يفيد التنقيص والاستهزاء، للدلالة الشرعية، كما يقع كثيراً من أُسراء التقليد الذين استبدلوا آراء الرجال بالكتاب والسنة، ولم يبق في أيديهم سوى قال إمام مذهبنا: كذا وقال فلان من أتباعه بكذا أو إذا سمعوا من يستدل على تلك المسألة بآية قرآنية أو بحديث نبوي، سخروا منه، ولم يرفعوا إلى ما قاله رأساً، ولا بالوا به بالة، وظنوا أنه قد جاء بأمر فظيع وخطب شنيع، وخالف مذهب إمامهم الذي نزلوه منزلة معلم الشرائع، مع أن الأئمة، الذين انتسب هؤلاء المقلدة إليهم، برءاء من فعلهم، فإنهم قد صرحوا في مؤلفاتهم بالنهي عن تقليدهم. انتهى.
وفي الإكليل: قال ابن الفرس، واستدل بعض العلماء بهذه الآية على وجوب اجتناب أهل المعاصي والأهواء، وفي هذه الآية أصل لما يفعله المصنفون من الإحالة على ما ذكر في مكان آخر، والتنبيه عليه. انتهى.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (141):

القول في تأويل قوله تعالى: {الّذِينَ يَتَرَبّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ اللّهِ قَالُواْ أَلم نَكُن مّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُواْ أَلم نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مّنَ المؤْمِنِينَ فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَن يجعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [141].
{الّذِينَ يَتَرَبّصُونَ بِكُمْ} إما بدل من: {الّذِينَ يَتّخِذُونَ} وإما صفة للمنافقين: أي: ينتظرون بكم ما يتجدد لكم من ظفر أو هزيمة.
{فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مّنَ اللّهِ} أي: نصر وتأييد وظفر وغنيمة: {قَالُواْ} لكم: {أَلم نَكُن مّعَكُمْ} أي: مظاهرين لكم، فَلَنَا دخل في فتحكم، فليكن لنا شركة في غنيمتكم.
{وَإِن كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} أي: إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان، كما وقع يوم أحد، فإن الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة.
{قَالُواْ} أي: الكفرة تودداً إليهم، ومصانعة لهم، ليحظوا عندهم ويأمنوا كيدهم لضعف إيمانهم.
{أَلم نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} أي: ألم نغلبكم ونتمكن من قتلكم وأسركم فأبقينا عليكم.
{وَنَمْنَعْكُم مّنَ المؤْمِنِينَ} بأن ثبطناهم عنكم، وتَوَاَنَيْنَا في مظاهرتهم حتى انتصرتم عليهم، وإلا لكنتم نهبة للنوائب، وتسمية ظفر المسلمين فتحاً، وما للكافرين نصيباً؛ لتعظيم شأن المسلمين وتخسيس حظ الكافرين.
قال في الانتصاف: وهذا من محاسن نكت القرآن، فإن الذين كان يتفق للمسلمين فيه، استئصالٌ لشأفة الكفار واستيلاء على أرضهم وديارهم وأموالهم وأرض لم يطؤها، وأما ما كان يتفق للكفار فمثل الغلبة والقدرة التي لا يبلغ شأنها أن تسمى فتحاً، فالتفريق بينهما أيضاً مطابق للواقع، والله أعلم.
قال بعض الزيدية: في الآية دلالة على وجوب محبة نصرة المؤمنين وكراهة أن تكون اليد عليهم، وتحريم خذلانهم، وإن المنافق لا سهم له، لأن في الآية إشارة إلى أنهم طلبوا لما منعوا، فقالوا: ألم نكن معكم؟ ثم قال، يجوز التأليف من الغنيمة للمنافقين، كما فعل الرسول صَلّى اللهُ عليّه وسلّم يوم حنين، حتى أعطى الواحد منهم مائة ناقة، والواحد من المسلمين الشاة أو البعير.
{فَاللّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} أي: حكماً يليق بشأن كل منكم من الثواب والعقاب، أي: فلا يغتر المنافقون بحقن دمائهم في الدنيا لتلفظهم بالشهادة، لما له تعالى في ذلك من الحكمة، فيوم القيامة لا ينفعهم ظواهرهم.
وقوله تعالى: {وَلَن يجعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المؤْمِنِينَ سَبِيلاً} ردٌّ على المنافقين فيما أمَّلُوُه ورجوه وانتظروه من زوال دولة المؤمنين، وفيما سلكوه من مصانعتهم الكافرين خوفاً على أنفسهم منهم، إذا هم ظهروا على المؤمنين فاستأصلوهم، كما قال تعالى: {فَتَرَى الّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} إلى قوله: {نَادِمينَ} [المائدة: 52]، أي: لن يسلط الله الكافرين على المؤمنين فيستأصلوهم بالكية، وإن حصل لهم ظفر حيناً ما، أفاده ابن كثير.
وهذا التأويل روعي فيه سابق الآية ولاحقها، وأن السياق في المنافقين وهو جيد، ويقرب منه ما في تفسير ابن عباس من حمل الكافرين على يهود المدينة، ومن وقف مع عمومها، قال: المراد بالسبيل الحجة، وتسميتها {سَبيلاً} لكونها موصلاً للغلبة، أو المراد: ما دام المؤمنون عاملين بالحق غير راضين بالباطل ولا تاركين للنهي عن المنكر، كما قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مّن مّصِيبَةٍٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى: 30] قال: فلا يراد أنه قد يُدال للكافرين.
تنبيه:
قد يستدل بهذه الآية على أن الكافر لا ينكح مؤمنة، وأنه لا يلي على مؤمنة في نكاح ولا سفر، وأن الكافر لا يشفع المؤمن، وهذا قول الهادي في الأحكام والنفس الزكية والراضي بالله، وروي مثله عن الحسن الشعبي وأحمد.
وقال في المنتخب والمؤيد بالله والحنفية والشافعية: له الشفعة، لعموم أدلة الشفعة، وبالقياس على رد المعيب فيما شرى من مسلم، ويستدل بأن المرتد تبين منه امرأته المسلمة، والخلاف: هل بنفس الردة كما يقول الحنفية، أو بانقضاء العدة كما يقول المؤيد بالله والشافعية؟ وكذلك بيع العبد المسلم من الذمي، أجازه الحنفية ومنعه المؤيد والشافعية، لكن على الأول، يجبر على بيعه، فلا يستخدمه، قيل: أو الأمة مجمع على تحريم بيعها من الكافر إذا كانت مسلمة.
ولا خلاف أن الآية مخصوصة بأمور، منها: الدَّين يثبت للكافر على المؤمن، ومنها: أنه ينفق المؤمن على أبويه الكافرين ونحو ذلك، وإذا خص العموم فقد اختلف الأصوليون: هل تبقى دلالته على الباقي حقيقة أم مجازاً؟ انتهى.
وزاد بعض المفسرين: إن الكافر لا يرث المسلم، وإن المسلم لا يقتل بالذمي.