فصل: تفسير الآية رقم (71):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (71):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُواْ وَصَمُّواْ ثُمَّ تَابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [71].
{وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي: ظن بنو إسرائيل أنهم لا يصيبهم من الله عذاب بقتل الأنبياء وتكذيب الرسل: {فَعَمُوا وَصَمُّوا} عطف على {حسبوا}، والفاء للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي: أمنوا بأس الله تعالى، فتمادوا في فنون الغيّ والفساد، وعموا عن الدين، بعد ما هداهم الرسل إلى معالمه الظاهرة، وصمّوا عن استماع الحق الذي ألْقَوْهُ عليهم، ولذلك فعلوا ما فعلوا: {ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} أي: مما كانوا فيه.
قال العلامة أبو السعود: لم يسند التوبة إليهم كسائر أحوالهم من الحسبان والعمى والصمم، تجافياً عن التصريح بنسبة الخير إليهم. وإنما أشير إليها في ضمن بيان توبته تعالى عليهم، تمهيداً لبيان نقضهم إياهم بقوله تعالى: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا} كرة أخرى: {كَثِيرٌ مِنْهُمْ} بدل من الضمير في الفعلين أو خبر محذوف، أي: أولئك كثير منهم: {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} أي: بما عملوا، وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضاراً لصورتها الفظيعة ورعاية للفواصل. والجملة تذييل أشير به إلى بطلان حسبانهم المذكور. ووقوع العذاب من حيث لم يحتسبوا، إشارة إجمالية، اكتفي بها تعويلاً على ما فصل نوع تفصيل في سورة بني إسرائيل أفاده أبو السعود. وهو مأخوذ من كلام القفال، كما سيأتي:
تنبيه:
في هذه الآية إشارة إلى ما اكتنف بني إسرائيل من الفتنة وعذاب الله الذي حاق بهم قبل عيسى وبعده. وذلك أن أنبياءهم قبل عيسى كانوا يوبخون رؤسائهم الأشرار وشعبهم على خطاياهم. ولاسيما في عبادتهم الأوثان. وينحصوهم أن يرجعوا إلى الله. وينذرونهم بعقابه تعالى الشديد ودمارهم إن لم يتوبوا. كما أنبأهم إِرْميا عليه السلام بخراب بلدهم، وقضائه تعالى الهائل عليهم، إن أصرّوا على طغيانهم. فما استمعوا له. حتى روي أنه ختم له بالشهادة. إذ رجمته اليهود بمصرّ عتوّاً واستكباراً. ثم سلط الله عليهم بختنصر، ملك بابل، وسبى شعبهم وهدمت جنودهم مدينتهم بيت المقدس وهيكلها. وصار تلال خرابٍ. وذلك لاستئصال كفرهم وشرورهم، وتطهير هيكلهم من نجاسة أوثانهم. فحلّ عليهم من البابلية الشقاء والويل. وأُخذوا أسرى إلى ما وراء الفرات. ولم يترك منهم إلاَّ الفقراء فقط،. وبذلك انتهى ملكهم، وكان ذلك قبل ولادة عيسى عليه السلام بنحو خمسمائة وثمان وثمانون سنة. ثم تاب الله عليهم ورحمهم من سبيهم، وأعادهم برحمته إلى مدينتهم بيت المقدس. بعد أن أقاموا في بابل سبعين سنة. وابتدأوا ببناء هيكلهم ثانية. وأرجعوا العبادة إليه. وقام حزقيال عليه السلام بوعظهم وتهذيبهم ودعوتهم إلى التوبة وتذكيرهم بما مضى ليعتبروا. وهكذا كل نبيِّ فيهم، لم يزل ينذرهم ويدعوهم إلى الله إلى أن بعث الله عيسى عليه السلام. فعموا عن الاهتداء به وصمّوا عن وعظه، وكان ما كان من همّهم بقتله. فدمرهم الله بعد ذلك وأباد مملكتهم. وطُردوا من أرضهم بعد رفع عيسى عليه السلام. بنحو أربعين سنة. وأخذ الرومانيون مدينتهم وهدموها مع الهيكل. وحلت عليهم نقمة الله فتفرقوا شذر مذر.
هذا، وما قيل بأن قوله تعالى: {فَعَمُواْ وَصَمُّواْ} إشارة إلى عبادتهم العجل- فإنه بعيد. لأنها، وإن كانت معصية عظيمة ناشئة عن كمال العمى والصمم، لكنها في عصر موسى عليه السلام. ولا تعلّق لها بما حكي عنهم مما فعلوا بالرسل الذين جاؤوهم بعده عليه السلام بإعصار. وكذا ما قيل بأن قوله تعالى: {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ} إشارة إلى طلبهم الرؤية- فبعيد أيضاً، لما ذكرنا. وفنون الجنايات الصادرة عنهم لا تكاد تتناهى. خلا أنّ انحصار ما حكي عنهم هاهنا في المرتين، وترتبه على حكاية ما فعلوا بالرسل عليهم السلام، يقضي بأن المراد ما ذكرناه. والله عنده علم الكتاب. كذا أفاده أبو السعود.
ونحن نوافقه على ما رآه. بيد أنّ ما سقناه في التنبيه أظهر في ما جرياتهم، وأشد مطابقةً لما في تواريخهم، مما ساقه هنا. فتثبت.
ويرحم الله الإمام القفال حيث قال: ذكر الله تعالى في سورة بني إسرائيل ما يجوز أن يكون تفسيراً لهذه الآية فقال: {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوّاً كَبِيراً فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً} [الإسراء: 4- 6]. فهذا في معنى {فعموا وصموّا كثيرا منهم} ثم قال: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً}. فهذا في معنى قوله: {ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} انتهى. ثم بيّن تعالى كفر النصارى وما هم عليه من فساد الاعتقاد المباين لأصل دعوة عيسى عليه السلام، من التوحيد الخالص، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (72):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [72].
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}.
قال الرازي: هذا قول اليعقوبية منهم. يقولون: إن مريم ولدت إلهاً. قال: ولعلّ معنى هذا المذهب أنهم يقولون إن الله تعالى حلّ في ذات عيسى واتّحد بها، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.
وقد سبق الكلام على مثل هذا الآية في هذه السورة مفصلاً، فتذكرّ.
ثم بيّن تعالى أنهم صموّا عن مقالات عيسى الداعية إلى التوحيد، كما عَمْوا عما فيه من أمارات الحدوث، بقوله سبحانه: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ} ولم يقل اعبدوني. ثم صرّح بقوله: {رَبِّي وَرَبَّكُمْ} قلعاً لمادة توهم الاتحاد: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} كيف والشرك أعظم وجوه الظلم: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} أي: ما لهم من أحد ينصرهم بإنقاذهم من النار، إما بطريق المبالغة أو بطريق الشفاعة. والجمع لمراعاة المقابلة بـ الظالمين، واللام أما للعهد، والجمع باعتبار معنى: {مَنْ}، كما أن الإفراد في الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها. وما للجنس وهم داخلون فيه دخولاً أوليًّا. ووضعه على الأول موضع الضمير، للتسجيل عليهم بأنهم ظلموا بالإشراك وعدلوا عن طريق الحقّ. والجملة تذييل مقرِّر لما قبله. وهو إمّا من تمام كلام عيسى عليه السلام، وإمَّا وارد من جهته تعالى، تأكيداً لمقالته عليه السلام، وتقريراً لمضمونها. أفاده أبو السعود. ثم بيّن تعالى كفر طائفة أخرى منهم بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (73):

القول في تأويل قوله تعالى: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [73].
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} أي: أحد ثلاثة آلهةٍ، بمعنى واحد منها، وهم الله ومريم وعيسى.
وقال بعضهم: كانت فرقة منهم تسمى كولى ري دينس تقول: الآلهة ثلاثة: الأب والابن ومريم.
وجاء في كتاب علم اليقين: أن فرقة منهم تسمى المَرْيَميِّين قال: يعتقدون أن المريم والمسيح إلهان. قال: وكذلك البربرانيّون وغيرهم. انتهى.
وأسلفنا عن ابن إسحاق أنّ نصارى نجران، منهم من قال بهذا أيضاً.
أو المعنى: أحد ثلاثة أقانيم كما اشتهر عنهم. أي: هو جوهر واحد، ثلاثة أقانيم: أب وابن وروح القدس. وزعموا، أن الأب إله والابن إله والروح إله والكلّ إله واحد. كما قدمنا عنهم في قوله تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ}.
قال الرازي رحمه الله: واعلم أن هذا معلوم البطلان ببديهة العقل. فإن الثلاثة لا تكون واحداً، والواحد لا يكون ثلاثة. ولا يرى في الدنيا مقالة أشدُّ فساداً وأظهر بطلاناً من مقالة النصارى. انتهى.
وقد صنفت عدة مصنفات في تزييف معتقدهم هذا، وهي شهيرة متداولة، والحمد لله.
لطيفة:
اتفق النحاة واللغويون على أن معنى قولهم ثالث ثلاثة ورابع أربعة.. ونحو ذلك أحد هذه الأعداد مطلقاً. لا الوصف بالثالث والرابع.
وفي التوضيح وشرحه: لك في اسم الفاعل المصوغ من لفظ اثنين وعشرة وما بينهما أن تستعمله على سبعة أوجه:
أحدها- أن تستعمله مفرداً عن الإضافة، ليفيد الاتصاف بمعناه. فتقول: ثالث ورابع. ومعناه حينئذٍ واحد موصوف بهذه الصفة وهي كونه ثالثاً ورابعاً.
الوجه الثاني: أن تستعمله مع أصله الذي صيغ هو منه، ليفيد أن الموصوف به بعض تلك العدة المعينة لا غير. فتقول: خامس خمسة أي: واحد من خمسة لا زائد عليها، ويجب حينئذ إضافة إلى أصله. كما يجب إضافة البعض إلى كله. كـ: يد زيد، قال تعالى: {إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْن} [التوبة: 40]، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}. وزعم الأخفش وقطرب والكسائي وثعلب أنه يجوز إضافة الأول إلى الثاني، ونصبه إياه، فعلى هذا يجوز ثالث ثلاثةٍ بجرّ {ثلاثة} ونصبها. كما يجوز في ضارب زيد.
الوجه الثالث- أن تستعمله مع ما دون أصله الذي صيغ منه بمرتبة واحدة، ليفيد معنى التصيير، فتقول: هذا رابع ثلاثة بنفسه أربعة، قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} [المجادلة: 7]. أي: إلا هو مصيّرهم أربعة ومصيرهم ستة. ويجوز حينئذٍ إضافته وإعماله، كما يجوز الوجهان في جاعل ومصير ونحوهما.
وانظر تتمة الأوجه.
وبما ذكرناه يعلم ردّ ما ذهب إليه الجامي في شرح الكافية من اعتبار الصفة في نحو {ثالث ثالثة} حيث قال في شرح قول ابن الحاجب: {ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ}: أي: أحدها. لكن لا مطلقاً بل باعتبار وقوعه في المرتبة الثالثة. قال: وإلاَّ يلزم جواز إرادة الواحدِ الأولَ من عاشر العشرة وذلك مستبعد جدًّا. انتهى.
فكتب عليه بعض المحققين ما نصّه: الظاهر من عبارة التوضيح ومن كلام المصنف أنه لا يعتبر الوقوع في المرتبة الثانية أو الثالثة وهكذا.. إذْ يبعد في الآيتين كون المراد بـ: {ثَانِي اثْنَيْنَ} و{ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ} كونه في المرتبة الثانية أو الثالثة بل المراد أنه بعض تلك العدّة، بلا نظر لكونه في المرتبة الثانية والثالثة. إلاَّ أن يكون هذا باعتبار الوضع، وإن كان الاستعمال بخلافه. ولذا كتب العلامة عبد الحكيم على قوله- وذلك مستبعدٌ جدًّا- أي: عند العقل، وإلاَّ فالاستعمال بخلافه. انتهى.
{وَمَا مِنْ إِلَهٍ} في نصّ الإنجيل والتوراة وجميع الكتب السماوية ودلائل العقل: {إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ} لا يتعدد أفراداً ولا أجزاءً: {وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ} من هذا الافتراء والكذب، بعد ظهور الدلالة القطعية، متمسكين بمتشابهات الإنجيل التي أوضحتها محكماتُهُ: {لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة. من عذاب الحريق والأغلال والنكال. قال الزمخشري: ولم يقل ليمسنّهم لأن في إقامة الظاهر مقام المضمر فائدة. وهي تكرير الشهادة عليهم بالكفر في قوله: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ} وفي البيان فائدة أخرى وهي الإعلام في تفسير: {الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ} أنهم بمكان من الكفر.

.تفسير الآية رقم (74):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [74].
{أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ} بالتوحيد والتنزيه عمّا نسبوه إليه من الاتحاد والحلول، فيرجعوا عن التمسك بالمتشابهات إلى القطعيات، فالاستفهام لإنكار الواقع واستبعاده، فيه تعجيب من إصرارهم. ومدار الإنكار والتعجيب عدم الانتهاء والتوبة معاً. أو معناه: ألا يتوبون- بعد هذه الشهادة المكررة عليهم بالكفر وهذا الوعيد الشديد- مما هم عليه. فمدارهما عدم التوبة عقب تحقق ما يوجبها من سماع تلك القوارع الهائلة.
قال ابن كثير: هذا من كرمه تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه. مع هذا الذنب العظيم، وهذا الافتراء والكذب والإفك، يدعوهم إلى التوبة والمغفرة. فكل من تاب عليه. كما قال: {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فيغفر لهؤلاء إن تابوا، ولغيرهم.
قال أبو السعود: الجملة حالية من فاعل: {يَسْتَغْفِرُونَهُ} مؤكدة للإنكار والتعجيب من إصرارهم على الكفر وعدم مسارعتهم إلى الاستغفار. أي: والحال أنه تعالى مبالغ في المغفرة. فيغفر لهم عند استغفارهم، ويمنحهم من فضله.
ثم أشار تعالى إلى بطلان التمسك بمعجزات عيسى وكرامات أمّه على إلهيتهما. بأنّ غايتهما الدلالة على نبوّته وولايتها، استنزالاً لهم عن الإصرار على ما تقوّلوا عليهما، وإرشاداً لهم إلى التوبة والاستغفار فقال: