فصل: تفسير الآية رقم (75):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (75):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [75].
{مَا الْمَسِيحُ} أي: المعلوم حدوثه من كونه: {ابْنُ مَرْيَمَ} بالخوارق الظاهرة على يديه: {إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ} أي: مضت: {مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} أولو الخوارق الباهرة. فله أسوة أمثاله. كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ} [الزخرف: 59]. أي: ما هو إلا رسول من جنس الرسل الذين خلوا قبله، جاء بآيات من الله كما أتوا بأمثالها. إن أبرأ الله الأبرص وأحيا الموتى على يده، فقد أحيا العصا وجعلها حية تسعى وفلق بها البحر على يد موسى. وهو أعجب. وإن خَلَقَهُ من غير أب، فقد خلق آدم من غير أب ولا أم. وهو أغرب منه، وفي الآية وجه آخر: أي: مضت من قبله الرسل، فهو يمضي مثلهم. فالجملة- على كل- منبئة عن اتصافه بما ينافي الألوهية: {وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ} أي: مبالغة في الصدق. ووقع اسم الصديقة عليها لقوله تعالى: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ}. والوصف بذلك مشعر بالإغراق في العبودية والقيام بمراسمها. فمن أين لهم أن يصفوها بما يباين وصفها؟
تنبيه:
قال ابن كثير:
دلت الآية على مريم ليست بنبيّه. كما زعمه ابن حزم وغيره- ممن ذهب إلى نبوّة سارة أم إسحاق ونبوّة أم موسى ونبوّة أم عيسى- استدلالاً منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم وبقوله: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}. وهذا معنى النبوّة. والذي عليه الجمهور أن الله لم يبعث نبياً إلاَّ من الرجال. قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} [يوسف: 109]. وقد حكى الشيخ أبو الحسن الأشعريّ، رحمه الله، الإجماع على ذلك. انتهى.
فائدة في حقيقة الصديق والصدق:
قال العارف القاشاني قدس الله سرّه في لطائف الأعلام:
الصدّيق الكثير الصدق. كما يقال: سكّيت وصرّيع إذا كثر منه ذلك.
الصديق من الناس من كان كاملاً في تصديقه لما جاءت به رسل الله علماً وعملاً، قولاً وفعلاً وليس يعلو على مقام الصديقية إلاَّ مقام النبوّة. بحيث إن من تخطى مقام الصديقية حصل في مقام النبوة. قال الله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [مريم: 58]. الآية. فلم يجعل تعالى بين مرتبتي النبوة والصديقية مرتبة أخرى تتخللهما. ثم بيّن قدس سره صدق الأقوال، وصدق الأفعال، وصدق الأحوال.
فالأول: هو موافقة الضمير للنطق. قال الجنيد: حقيقة الصدق أن تصدق في مواطنٍ لا ينجيك فيه إلاّ الكذب. وصدق الأفعال: هو الوفاء لله بالعمل من غير مداهنة. قال المحاسبيّ: الصادق هو الذي لا يبالي لو خرج كل قَدْرٍ له في قلوب الخلق من أجل إصلاح قلبه. ولا يحب اطّلاع الناس على مثاقيل الذر من حسن عمله. ولا يكره أن يطلع الناس على السيء من حاله. لأن كراهته لذلك دليل على أنه يجب الزيادة عندهم. وليس هذا من أخلاق الصدّيقين.
وصدق الأحوال: اجتماع الهم على الحق، بحيث لا يختلج في القلب بفرقة عن الحق بوجه.
وقوله تعالى: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ} استئناف مبين لما قبله من أنهما كسائر البشر في الافتقار إلى الغذاء. وفيه تبعيد عما نسب إليهما.
قال الزمخشري: لأن من احتاج إلى الاغتذاء بالطعام، وما يتبعه من الهضم والنفض، لم يكن إلا جسماً مركباً من عظم ولحم وعروق وأعصاب وأخلاط وأمزجة، مع شهوة وقَرَمٍ وغير ذلك... مما يدل على أنه مصنوع مؤلَّف مدبّر كغيره من الأجسام.
لطيفة:
إنما أخر في الاستدلال على بطلان مذهب النصارى، حاجتهما للطعام عما قبله من مساواتهما للرسل عليهم السلام، ترقياً في باب الاستدلال من الجليّ للأجلى، على ما هو القاعدة في سوق البراهين لإلزام الخصم، حتى إذا لم يسلّم في الجليّ لغموضه عليه، يورد له الأجلى تعريضاً بغباوته. فيضطر للتسليم، إن لم يكن معانداً ولا مكابراً.
هذا ما ظهر لي في سر التقديم والتأخير.
وأما قول الخفاجيّ- ملخصاً كلام البيضاويّ- في سر ذلك: أنه تعالى بين أولاً أقصى مراتب كمالهما، وأنه لا يقتضي الألوهية، وقدمه لئلا يواجههما بذكر نقائص البشرية الموجبة لبطلان ما ادعوا فيهما، على حد قوله تعالى: {عَفَا اللّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ}. حيث قدم العفو على المعاتبة له صلى الله عليه وسلم. انتهى- فبعيدٌ.
وقياسه على الآية قياس مع الفارق لاختلاف المقامين. فالأظهر ما ذكرناه، والله أعلم بأسرار كتابه.
{انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ} أي: على توحيد الله، وبطلان الاتحاد وإلهية عيسى وأمه، وبطلان شبهاتهم!: {ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي: كيف يصرفون عن التأمل فيها إلى الإصرار على التمسك بالشبهات الظاهرة البطلان.!
قال أبو السعود: وتكرير الأمر بالنظر، للمبالغة في التعجيب من حال الذين يدعون لهما الربوبية، ولا يرعوون عن ذلك، بعد ما بين لهم حقيقة حالهما بياناً لا يحوم حوله شائبة ريب، وثم لإظهار ما بين العجبين من التفاوت. أي: إن بياننا للآيات أمر بديع في بابه، بالغ لأقاصي الغايات القاصية من التحقيق والإيضاح. وإعراضهم عنها- مع انتفاء ما يصححه بالمرة، وتعاضد ما يوجب قبولها- أعجب وأبدع.

.تفسير الآية رقم (76):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ نَفْعاً وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [76].
{قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً} هذا دليل آخر على فساد قول النصارى، والموصول كناية عن عيسى وأمه، أي: لا يستطيعان أن يضراكم بمثل ما يضركم به الله من البلايا والمصائب في الأنفس والأموال. ولا أن ينفعاكم بمثل ما ينفعكم به من صحة البدن والسعة والخصب. ولأن كل ما يستطيعه البشر من المضار والمنافع، فبإقدار الله وتمكينه، فكأنهما لا يملكان منه شيئاً. وإيثار {ما} على من لتحقيق ما هو المراد من كونهما بمعزل ممن الألوهية رأساً. ببيان انتظامهما في سلك الأشياء التي لا قدرة لها على شيء أصلاً، أي: وصفة الرب أن يكون قادراً على كل شيء لا يخرج مقدور عن قدرته. وإنما قدم الضر لأن التحرز عنه أهم من تحري النفع {وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} بالأقوال والعقائد. فيجازي عليها إن خيراً فخير وإن شراً فشر، فهو وعد ووعيد.
تنبيهات:
الأول. جعل ابن كثير الخطاب في قوله تعالى: {أَتَعْبُدُونَ} عامّاً للنصارى وغيرهم، أي: قل لهؤلاء العابدين غيرَ الله من سائر فرق بني آدم.
وفي تنوير المقباس أن {ما} عبارة عن الأصنام خاصة.
وكلاهما مما يأباه السباق والسياق.
الثاني: قال في فتح البيان: إذا كان هذا في حق عيسى النبيّ، فما ظنك بوليّ من الأولياء؟ فإنه أولى بذلك.
الثالث: جعل أكثر المفسرين {ما} كناية عن عيسى عليه السلام فقط، والمقام أنها كناية عنه وعن أمه عليهما السلام، كما أوضحه المهايميّ واعتمدناه.
الرابع: دلت الآية على جواز الحجاج في الدين، فإن كان مع الكفار وأهل البدع، فذلك ظاهر الجواز، وإن كان مع المؤمن جاز بشرط أن يقصد إرشاده إلى الحق، لا إن قصد العلوّ فمحظور. وحُكي عن الشافعيّ أنه كان إذا جادل أحداً قال: اللهم! ألق على لسانه. أفاده بعض الزيدية.
ولما أقام تعالى الأدلة القاهرة على بطلان ما تقوله النصارى، أرشدهم إلى اتباع الحق ومجانبة الغلوّ الباطل، بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (77):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} [77].
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ} أي: الذي هو ميزان العدل: {لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} أي: لا تتجاوزوا الحد في تعظيم عيسى وأمه، وترفعوهما عن رتبتهما إلى ما تقوّلتم عليهما من العظيمة، فأدخلتم في دينكم اعتقاداً غير الحق بلا دليل عليه، مع تظاهر الأدلة على خلافه. ونصب {غير} أنه صفة لمصدر محذوف، أي: غلوّاً غير الحق. يعني غلوّاً باطلا. أو حال من ضمير الفاعل أي: مجاوزين الحق. والغلو نقيض التقصير، ومعناه الخروج عن الحد؛ وذلك لأن الحق بين طرفي الإفراط والتفريط، ودين الله بين الغلو والتقصير.
تنبيه:
دلت الآية على أن الغلوّ في الدين غلوَّانِ: غلوّ حق كأن يفحص عن حقائقه ويفتش عن أباعد معانيه ويجتهد في تحصيل حججه، وغلوّ باطل وهو أن يتجاوز الحق ويتخطاه بالإعراض عن الأدلة واتباع الشبه.
قال بعض الزيدية: دلت الآية على أن الغلوّ في الدين لا يجوز، وهو المجاوزة للحق إلى الباطل. ومن هذا، الغلوُّ في الطهارة مع كثير من الناس، بالزيادة على ما ورد به الشرع لغير موجب. انتهى.
ومن هذا القبيل الغلوّ في تعظيم الصالحين وقبورهم حتى يصيرّها كالأوثان التي كانت تعبد.
وروى الإمام أحمد والنسائيّ وابن ماجة والحاكم عن ابن عباس، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إيّاكم والغلوّ في الدين، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلوّ في الدين».
وعن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله». أخرجاه.
ولمسلم عن ابن مسعود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هلك المتنطّعون»! قالها ثلاثاً. ثم نهاهم تعالى عن اتباع سلفهم وأئمتهم الضالين بقوله سبحانه: {وَلا تَتَّبِعُوا} قال المهايمي: أي: تقليداً: {أَهْوَاءَ قَوْمٍ} تمسّكوا بخوارقهما على إلهيتهما. فإن نظروا إلى سبقهم فغايتهم أنهم: {قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ} إلى كثرة أتباعهم فغايتهم أنهم: {أَضَلُّوا كَثِيراً} ممن شايعهم على التثليث: {وَ} إلى تمسّكهم بمتشابهات الإنجيل، فغايتهم أنهم: {ضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} إذْ لم يردّوها إلى المحكمات.
تنبيهات:
الأول: قال الرازي:
الهواء- ههنا- المذاهب التي تدعو إليها الشهوة دون الحجّة. قال الشعبي: ما ذكر الله لفظ الهوى في القرآن إلاّ ذمّه. قال: {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّه} [ص: 26] {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} [طه: 16] {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [االنجم: 3] {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان: 43]. قال أبو عبيدة: لم نجد الهوى يوضع إلاّ في موضع الشر. لا يقال فلان يهوى الخير. إنما يقال: يريد الخير ويحبه. وقال بعضهم: الهوى إله يعبد من دون الله. وقيل: سميّ الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار.
وأنشد في ذم الهوى:
إنّ الهوى لهو الهَوانُ بعينه ** فإذا هويتَ فقد لقيتَ هواناً

وقال رجل لابن عباس: الحمد لله الذي جعل هواي على هواك، فقال ابن عباس: كل الهوى ضلالة.
الثاني: قال الرازي أيضاً: إنه تعالى وصفهم بثلاث درجات في الضلال: فبيّن أنهم كانوا ضالين من قبل، ثم ذكر أنهم كانوا مضلّين لغيرهم، ثم ذكر أنهم استمرّوا على تلك الحالة حتى إنهم الآن ضالون كما كانوا. ولا نجد حالة أقرب إلى البعد من الله والقرب من عقاب الله تعالى، من هذه الحالة. نعوذ بالله منها. ويحتمل أن يكون المراد أنهم ضلوا وأضلوا ثم ضلوا بسبب اعتقادهم، في ذلك الإضلال، أنه إرشاد إلى الحقّ. ويحتمل أن يكون المراد بالضلال عن الدين، وبالضلال عن طريق الجنة. انتهى.
وهذه الوجوه- مع ما أسلفناه عن المهايميّ- كلّها مما يصح إرادتها من الآية لتصادقها جميعاً عليهم.
الثالث: دلت الآية على أن ما لهؤلاء الكفرة من الأباطيل- مع مخالفتها للعقول وزاحمتها للأصول- لا مستند ولا معول لهم فيها غير التقليد لأسلافهم الضالين، الذين أحدثوا القول بالتثليث بعد نحو ثلاثمائة سنة من رفع المسيح عليه السلام. وقرروه في تعاليمهم بعد جدال واضطراب. وتمّسكوا في ذلك، بظواهر الألفاظ التي لا يحيطون بها علماً، مما لا أصل له في شرع الإنجيل، ولا مأخوذ من قول المسيح ولا من أقوال حواريّيه. وهو مع ذلك مضطرب متناقض متهافت، يكذب بعضه بعضاً، ويعارضه ويناقضه، كما تبيّن من الكتب المصنفة في الردّ عليهم.
الرابع: جاء في تنوير المقباس:
إن المراد بـ: {أهل الكتاب} هنا: نصارى نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبقوله: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ} العاقب والسيد. والأول- كما قال ابن إسحاق- أمير القوم وذا رأيهم. والثاني صاحب رحلهم ومجتمعهم.
والأظهر أن المعني بـ: {أهل الكتاب} عموم النصارى. والمذكورون يدخلون فيه دخولاً أولياً.
الخامس: ذكر كثير من المفسّرين: أن المراد بـ: {أهل الكتاب} هنا: اليهود والنصارى. وأن كليهما غلا في عيسى عليه السلام: أما غلوّ اليهود فالتقصير في حقه حتى نسبوه إلى غير رشدة. وأما غلو النصارى فمعلوم. وأن الخطاب في قوله تعالى: {وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ} لليهود والنصارى الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. نهوا عن اتباع أسلافهم فيما ابتدعوه من الضلالة بأهوائهم. انتهى.
وظاهر أنّ ما نسب للفريقين- من الغلوّ والابتداع- مسلّم. بيد أن الأقرب للسباق الداحض لشبهات النصارى، أن تكون هذه الآية فيهم زجراً لهم عمّا سلكوه، إثر إبطاله بالبراهين الدامغة. على أن الغلوّ ألصق بالنصارى منه باليهود، كما لا يخفى. والله أعلم.
ثم أخبر تعالى أنه لعن الكافرين من بني إسرائيل فيما أنزله على داود وعيسى عليهما السلام. بسبب عصيانهم وما عدّد من كبائرهم. فقال سبحانه:

.تفسير الآية رقم (78):

القول في تأويل قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} [78].
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ} أي: لعنهم الله عز وجلّ: {عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} أي: لسانيهما. وأفرد لعدم اللبس، إن أريد بالسان الجارحة. وقيل: المراد به الكلام وما نزل عليهما. كذا في العناية.
{ذَلِكَ} أي: لعنهم الهائل: {بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} بقتل الأنبياء واستحلال المعاصي.