فصل: تفسير الآية رقم (94):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (94):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [94].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} أي: يرسله إليكم وأنتم محرمون: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ} لتأخذوه، وهو الضعيف من الصيد وصغيره: {وَرِمَاحُكُمْ} لتطعنوه، وهو كبار الصيد: {لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ} فيمتنع عن الاصطياد لقوة إيمانه.
قال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الآية في عَمْرة الحديبية. فكانت الوحش والطير والصيد تغشاهم في رحالهم لم يروا مثله قط فيما فيما خلا، فنهاهم الله عن قتله وهم محرمون.
قال ابن كثير: يعني أنه تعالى يبتليهم بالصيد يغشاهم في رحالهم، يتمكنون من أخذه بالأيدي والرماح سرّاً وجهراً، لتظهر طاعة من يطيع منهم في سره أو جهره، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [الملك: 12].
وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى} أي: بالصيد: {بَعْدَ ذَلِكَ} يعني بعد الإعلام والإنذار: {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} لمخالفته أمر الله وشرعه.
لطيفة:
قال الزمخشري: فإن قلت: ما معنى التقليل والتصغير في قوله: {بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ}؟
قلت: قلل وصغّر أنه ليس بفتنة من الفتن العظام التي تدحض عندها أقدام الثابتين- كالابتلاء ببذل الأرواح والأموال- وإنما هو شبيه بما ابتلى به أهل أيلة من صيد السمك، وأنهم إذا لم يثبتوا عنده، فكيف شأنهم عند ما هو أشدّ منه..؟
قال الناصر في الانتصاف: قد وردت هذه الصيغة بعينها في الفتن العظيمة في قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]. فلا خفاء في عظم هذه البلايا والمحن التي يستحق الصابر عليها أن يبشر، لأنه صبر عظيم. فقول الزمخشريّ: إنه قلل وصغّر تنبيهاً على أن هذه الفتنة ليست من الفتن العظام- مدفوعٌ باستعمالها مع الفتن المتفق على عظمها. والظاهر- والله أعلم- أنّ المراد بما أشعر به اللفظ من التقليل والتصغير، التنبيه على أن جميع ما يقع الابتلاء به من هذه البلايا بعضٌ من كلٍّ، بالنسبة إلى مقدور الله تعالى. وإنه تعالى قادر على أن يكون ما يبلوهم به من ذلك أعظم مما يقع وأهول. وأنه مهما اندفع عنهم ممَّا هو أعظم في المقدور فإنما يدفعه عنهم إلى ما هو أخف وأسهل، لطفاً بهم ورحمةً. ليكون هذا التنبيه باعثاً لهم على الصبر، وحاملاً على الاحتمال. والذي يرشد إلى أن هذا مرادٌ، أنَّ سبق التوعد بذلك لم يكن إلا ليكونوا متوطنين على ذلك عند وقوعه. فيكون أيضاَ باعثاً على تحمله. لأن مفاجأة المكروه بغتة أصعب. والإنذار به قبل وقوعه مما يسهل موقعه. وحاصل ذلك لطف في القضاء... فسبحان اللطيف بعباده. وإذا فكّر العاقل فيما يبتلى به من أنواع البلايا، وجد المندفع عنه منها أكثر، إلى ما لا يقف عند غاية. فنسأل الله العفو والعافية واللطف في المقدور.. انتهى.
وللزمخشري أن يجيب بأن الآية: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ} شاهدة له لا عليه. لأنه المقصود فيه أيضاً بالنسبة إلى ما دفعه الله عنهم- كما صرح به الناصر- مع أنه لا يتم دفعه بالآية إلا إذا كان: {وَنَقْصٍ} معطوفاً على مجرور {من}، ولو عطف على شيء لكان مثل هذه الآية بلا فرق.. كذا في العناية.

.تفسير الآية رقم (95):

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [95].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} أي: محرمون بحجٍ أو عَمْرة.
قال المهايميّ: لأن قتله تجبر. والمحرم في غاية التذلّل. انتهى.
وذكر القتل، دون الذبح والذكاة، للتعميم. أو للإيذان بكونه في حكم الميتة. والصيد ما يصاد مأكولاً أو غيره. ولا يستثنى إلاّ ما ثبت في الصحيحين عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور». وفي رواية «الحية» بدل «العقرب».
قال زيد بن أسلم وابن عيينة: الكلب العقور يشمل السباع العادية كلها. ويستأنس لهذا بما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا دعا على عُتْبَةُ بن أبي لهب قال: «اللهمّ سلّط عليه كلبك». فأكله السبع بالزرقاء {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ} أيها المحرمون: {مُتَعَمِّداً} ذاكراً لإحرامه: {فَجَزَاءٌ} بالتنوين ورفع ما بعده، أي: فعليه جزاء هو: {مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} أي: شبهه في الخلقة. وفي قراءة بإضافة جزاء: {يَحْكُمُ بِهِ} أي: بالمثل مجتهدان: {ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} لهما فطنة يميزان بها أشبه الأشياء به. وقد حكم ابن عباس وعمر وعليّ رضي الله عنهم في النعامة بببدنه. وابن عباس وأبو عبيدة في بقر الوحش وحماره ببقرة. وابن عمر وابن عوف في الظبي بشاة. وحكم بها ابن عباس وعمر وغيرها في الحمام، لأنه يشبهها في العبّ: {هَدْياً} حال من جزاء: {بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أي: يبلغ به الحرم. فيذبح فيه ويتصدق به على مساكينه. فلا يجوز أن يذبح حيث كان: {أَوْ} عليه: {كَفَّارَةٌ} غير الجزاء. وإن وجده. هي: {طَعَامُ مَسَاكِينَ} من غالب قوت البلد ما يساوي قيمة الجزاء. لكل مسكين مدّ. وفي قراءةٍ بإضافة {كفارةٍ} لما بعده، وهي للبيان: {أَوْ} عليه: {عَدْلُ} مثل: {ذَلِكَ} الطعام: {صِيَاماً} يصوم، عن كل مدّ يوماً: {لِيَذُوقَ} أي: هاتكُ حرمة الله: {وَبَالَ أَمْرِهِ} أي: شدة وثقل هتكه لحرمة الإحرام. و{وليذوق} متعلق بالاستقرار في الجار والمجرور. أي: فعليه جزاء ليذوق أو بفعل يدلّ عليه الكلام. أي: شرع ذلك عليه ليذوق: {عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ} من قتل الصيد قبل تحريمه {وَمَنْ عَادَ} إليه: {فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْه} بطلب الجزاء في الدنيا والمعاقبة في الآخرة. وكيف يترك ذلك: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ} غالب على أمره. ومقتضى عزته الانتقام من هاتك حرمته، فهو لا محالة: {ذُو انْتِقَامٍ} ممن عصاه.
تنبيهات:
الأول- روى ابن أبي حاتم عن طاوس قال: لا يحكم على من أصاب صيداً خطأ، إنما يحكم على من أصابه متعمداً.
قال ابن كثير: وهذا مذهب غريب. وهو تمسك بظاهر الآية.
ورأيت في بعض تفاسير الزيدية نسبة هذا القول إلى ابن عباس وعطاء ومجاهد وسالم وأبي ثور وابن جبير والحسن- في إحدى الروايتين-، والقاسم والهادي والناصر وغيرهم. انتهى. والجمهور: أن العامد والناسي سواء في وجوب الجزاء عليه.
وقال الزهري: دلّ الكتاب على العابد. وجرت السنة على الناسي.
الثاني: إذا لم يكن الصيد مثلياً حكم ابن عباس بثمنه يحمل إلى مكة. رواه البيهقي.
الثالث: ذهب معظم الأئمة إلى التخيير في هذا المقام بين الجزاء والإطعام والصيام، لأنه بلفظ {أو} وحقيقتها التخيير.
وعن بعض السلف أن ذلك على الترتيب. قالوا: إنما دخلت {أو} لبيان أن الجزاء لا يعدو أحد هذه الأشياء، ولأنا وجدنا الكفارات من الظهار والقتل على الترتيب. قلنا: هذا معارض بكفارة اليمين وبدم الأذى، فلا يخرج عن حقيقة اللفظ وهو التخيير.
الرابع: تعلق بظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ} من قال: لا كفارة على العائد. لأنه تعالى لم يذكرها. هو مرويّ عن ابن عباس وشريح. والجمهور: على وجوبها عليه. لأن وعيد العائد لا ينافي وجوب الجزاء عليه. وإنما لم يصرح به لعلمه فيما مضى. مع أن الآية يحتمل أن معناها: من عاد بعد التحريم إلى ما كان قبله.
الخامس: قال الحاكم: كما دلت الآية على الرجوع إلى ذوي العدل في المماثلة. ففي ذلك دلالة على جواز الاجتهاد وتصويب المجتهدين. وجواز تعليق الأحكام بغالب الظن. وجواز رجوع العاميّ إلى العالم، وأن عند التنازع في الأمور يجب الرجوع إلى أهل البصر.. انتهى.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (96):

القول في تأويل قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [96].
{أُحِلَّ لَكُمْ} خطاب للمُحْرِمين: {صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} قال المهايمي: إذ ليس فيه التجبرّ المنافي للتذلل الإحراميّ. و{صَيْدُ الْبَحْرِ} ما يصطاد منه طريًّا، و{وَطَعَامُهُ} ما يتزود منه مملحاً يابساً، كذا في رواية عن ابن عباس. والمشهور عنه أن صيده ما أخذ منه حيّاً، وطعامه ما لفظه ميتاً. قال ابن كثير: وهذا ما روي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وعبد الله بن عَمْرو وأبي أيوب الأنصاريّ رضي الله عنهم، وعن غير واحد من التابعين.
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن أبي بكر قال: طعامه كل ما فيه.
وعن ابن المسيب: طعامه ما لفظه حيّاً أو حسر عنه فمات.
{مَتَاعاً لَكُمْ} أي: تمتيعاً للمقيمين منكم يأكلونه طريًّا: {وَلِلسَّيَّارَة} منكم يتزودونه قديداً.
والسيارة القوم يسيرون. أُنِّثَ على الرفقة والجماعة.
تنبيهان:
الأول: قال ابن كثير: استدل الجمهور على حل ميتته بهذه الآية، وبما رواه الإمام مالك عن ابن وهب وابن كَيْسان عن جابر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثاً قبل الساحل. فأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم ثلاثمائة- قال وأنا فيهم- قال: فخرجنا حتى إذا كنا ببعض الطريق فني الزاد. فأمر أبو عبيدة بأزواد ذلك الجيش. فجمع ذلك فكان مزوديْ تمر، قال: فكان يقوّتنا كل يوم قليلاً قليلاً حتى فني ولم تصبنا إلا تمرة تمرة، فقلت: وما تغني تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها حين فقدت. قال ثم انتهينا إلى البحر فإذا حوت مثل الظَّرِبِ. فأكل منه ذلك الجيش ثماني عشرة ليلة. ثم أمر أبو عبيدة بضلعين من أضلاعه فنصبا. ثم أمر براحلة فرحلت، ثم مرت تحتها ولم تصبها.
وهذا الحديث مخرج من الصحيحين وله طرق عن جابر. وفي صحيح مسلم عن جابر: وتزودنا من لحمه وشائق. فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ذلك له فقال: «هو رزق أخرجه الله لكم. هل معكم من لحمه شيء فتطعمونا؟» قال: فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله.
وفي بعض روايات مسلم: أنهم كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حين وجدوا هذه السمكة. فقال بعضهم: هي واقعة أخرى. وقال بعضهم: هي قضية واحدة، ولكن كانوا أولاً مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم بعثهم سرية مع أبي عبيدة. فوجدوا هذه في سريتهم تلك مع؟ أي: عبيدة. والله أعلم؟
وعن أبي هريرة: أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء. فإن توضأنا به عطشنا. أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هو الطهور ماؤه الحلّ ميتته». رواه مالك والشافعيّ وأحمد وأهل السنن. وصححه البخاري والترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال». رواه الشافعي وأحمد وابن ماجة والدارقطنيّ والبيهقيّ، وله شواهد. وروي موقوفاً. فهذه حجج الجمهور.
الثاني: احتج بهذه الآية أيضاً من ذهب من الفقهاء إلى أنه يؤكل دواب البحر، ولم يستثن من ذلك شيئاً. وقد تقدم عن الصديق أنه قال: طعامه كل ما فيه. وقد استثنى بعضهم الضفادع، وأباح ما سواها، لما رواه الإمام أحمد وأبو داود عن أبي عبد الرحمن التَّيمي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الضفدع. وللنسائيّ عن عبد الله بن عَمْرو قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال: «نقيقها تسبيح».
{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُماً} أي: محرمين، فإذا اصطاد المحرم الصيد متعمداً أَثِمَ وَغَرِمَ. أو مخطئاً غرم وحرم عليه أكله. لأنه في حقه كالميتة: {وَاتَّقُوا اللَّهَ} في الاصطياد في الحرم أو في الإحرام، ثم حذرهم بقوله سبحانه: {الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي: تبعثون فيجازيكم على أعمالكم.
لطيفة:
قال المهايمي: إنما حرَّم الصيّد على المحرم، لأنه قصد الكعبة التي حُرِّمَ صَيْدُ حرمها، فجعل كالواصل إليه. وإنما حرم صيد حرمها لأنها مثال بيت الملك، لا يتعرض لم فيه أو في حرمه. انتهى.

.تفسير الآية رقم (97):

القول في تأويل قوله تعالى: {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِّلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [97].
{جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَاماً لِلنَّاسِ} أي: مداراً لقيام أمر دينهم بالحج إليه، ودنياهم بأمن داخله وعدم التعرض له وجبي ثمرات كل شيء إليه.
قال المهايميّ: جعله الله مقام التوجه إليه في عبادته للناس المتفرقين في العالم، ليحصل لهم لهم الاجتماع الموجب للتألف، الذي يحتاجون إليه في تمدّنهم، الذي الذي به كمالُ معايشهم ومعاهدهم، لاحتياجهم إلى المعاونة فيهما.
{وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} بمعنى الأشهر الحرم- ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب- قياماً لهم بأمنهم من القتال فيها. لأنه حرم فيها ليحصل التآلف فيها: {وَالْهَدْيَ} وهو ما يهدى إلى مكة: {وَالْقَلائِدَ} جمع قلادة. وهي ما يجعل في عنق البدنة التي تهدى وغيره. والمراد بـ: {القلائد} ذوات القلائد وهي البدن. خصّت بالذكر لأن الثواب فيها أكثر، وبهاء الحج بها أظهر. والمفعول الثاني محذوف، ثقةً بما مرّ، أي: جعل الهدي والقلائد أيضاً قياماً لهم. فإنهم كانوا يأمنون بَسَوْق الهدي إلى البيت الحرام على أنفسهم. وفيه قوام لمعيشة الفقراء ثَمَّت. وكذلك كانوا يأمنون إذا قلدوها أو قلّدوا أنفسهم، عند الإحرام، من لحاء شجر الحرم. فلا يتعرض لهم أحد: {ذَلِكَ} أي: الجَعْل المذكور: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} فإنّ جعله ذلك لجلب المصالح لكم ودفع المضار عنكم قبل وقوعها، دليلٌ على علمه بما هو في الوجود وما هو كائن.
وقد جوّد الرازيّ تقرير هذا المقام فأبدع، فلينظر.
وقوله تعالى: {وَأَنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} تعميمٌ إثر تخصيصٍ للتأكيد.
وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (98):

القول في تأويل قوله تعالى: {اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [98].
{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} وعيد لمن انتهك محارمه أو أصرّ على ذلك: {وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وعدٌ لمن حافظ على مراعاة حرماته تعالى.