فصل: تفسير الآية رقم (10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (10):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ} [10].
وقوله تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عما يلقاه من قومه، ووعد له وللمؤمنين به بالنصر والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة. وحاق: بمعنى نزل وحلَّ، ولا يكاد يستعمل إلا في الشر. فنزل بهم وبال استهزائهم، أو العذاب الذي كانوا يسخرون من التخويف به، إذ هلكوا في الدنيا على أقبح الوجوه، ثم ردوا إلى أفظع العذاب أبد الآبدين. وجعل الرسل في أعلى منازل القرب من رب العالمين.
ثم أمر تعالى أن يصدعهم بالتجول في الأرض إن ارتابوا فيما تواتر، أو تعامَوْا عَمَّا رَأوْا، بقوله:

.تفسير الآية رقم (11):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [11].
{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} أي: سيروا في الأرض لتعرّف أحوال أولئك الأمم، وتفكروا في أنهم كيف أُهلكوا لما كذبوا الرسل وعاندوا، فتعرفوا صحة ما توعظون به. وفي السير في الأرض، والسفر في البلاد، ومشاهدة تلك الآثار الخاوية على عروشها- تكملة للاعتبار، وتقوية للاستبصار. أي: فلا تغتروا بما أنتم عليه من التمتع بلذات الدنيا وشهواتها.
وفي هذه الآية تكملة للتسلية، بما في ضمنها من العدة اللطيفة، بأنه سيحيق بهم مثل ما حاق بأضرابهم المكذبين، وقد أنجز ذلك يوم بدر أي: إنجاز.
لطيفة:
وقع هنا: {ثُمَّ انظُرُواْ}. وفي النمل: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا} [النمل: 69]. وكذا في العنكبوت. فتكلف بعضهم لتخصيص ما هنا بثم، كما هو مبسوط في العناية، مع ما عليه. ونقل عن بعضهم أن السير متحداً فيهما، ولكنه أمر ممتد، يعطف بالفاء تارةً، نظراً لآخره، وبثم نظراً لأوله، ولا فرق بينهما.
وفي الانتصاف: الأظهر أن يجعل الأمر بالسير في المكانين واحداً، ليكون ذلك سبباً في النظر، فحيث دخلت الفاء، فالإظهار السببية. وحيث دخلت ثم، فللتنبيه على أن النظر هو المقصود من السير، وأن السير وسيلة إليه لا غير. وشتان بين المقصود والوسيلة- والله أعلم-.

.تفسير الآية رقم (12):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [12].
{قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} أي: خلقاً وملكاً، وهو سؤال تبكيت وتقريع {قُلْ لِلَّهِ} تقرير للجواب، نيابة عنهم. أي: هو الله، لا خلاف بيني وبينكم، ولا تقدرون أن تضيفوا شيئاً منه إلى غيره. ففيه تنبيه على تعينه للجواب اتفاقاً، كما في قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}. ومن المقرر أن أمر السائل بالجواب إنما يحسن في موضع يكون فيه الجواب قد بلغ من الظهور إلى حيث لا يقدر على إنكاره منكر، ولا على دفعه دافع، كما هنا. قيل: وفيه إشارة إلى أنهم تثاقلوا في الجواب، مع تعينه، لكونهم محجوجين.
وقوله تعالى: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} جملة مستقلة داخلة تحت الأمر، ناطقة بشمول رحمته الواسعة لجميع الخلق، شمول ملكه وقدرته للكل، مسوقة لبيان أنه تعالى رؤوف بعباده، لا يعجل عليهم بالعقوبة، ويقبل منهم التوبة والإنابة، وأن ما سبق ذكره، وما لحق من أحكام الغضب، ليس من مقتضيات ذاته تعالى، بل من جهة الخلق. كيف لا؟ ومن رحمته أن خلقهم على الفطرة السليمة، وهداهم إلى معرفته وتوحيده، بنصب الآيات الأنفسية والآفاقية، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب المشحونة بالدعوة إلى موجبات رضوانه، والتحذير عن مقتضيات سخطه. وقد بدلوا فطرة الله تبديلاً، وأعرضوا عن الآيات بالمرة، وكذبوا بالكتب، واسهزؤوا بالرسل {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: 76]. ولولا شمول رحمته لسلك بهؤلاء أيضاً مسلك الغابرين. ومعنى: كتب الرحمة على نفسه أنه تعالى أوجبها وقضاها بطريق التفضل والإحسان على ذاته المقدسة، بالذات، لا بتوسط شيء أصلاً. وفي التعبير عن الذات بـ النفس حجة على من ادعى أن لفظ النفس لا يطلق على الله تعالى. وإن أُريد به الذات، إلا مشاكلة لما ترى من انتفاء المشاكلة هاهنا- أفادة أبو السعود-.
وقوله تعالى: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} جواب قسم محذوف. والجملة استئناف مسوق للوعيد، على إشراكهم وإغفالهم النظر، لأنه لما بين كمال إلهيته، بقوله: {قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ}. ثم أخبر بأنه يرحمهم في الدنيا بالإمهال، ودفع عذاب الاستئصال، أعلم أنه يجمعهم لذلك اليوم، ويحاسبهم على كل ما فعلوا، لأن الملك الحكيم لا يهمل أمر رعيته، ولا يسوغ في حكمته أن يسوي بين المطيع والعاصي قيل: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} جواب لقوله: {كَتَبَ}، لأنه يجري مجرى القسم.
وقيل: {لَيَجْمَعَنَّكُمْ} بدل من الرحمة، بدل البعض. قال المهايمي: كمال الرحمة في الجزاء، إذ بدونه تضيع مشاق المعارف الإلهية، والأعمال الصالحة، وتضيع المظالم، ولا جزاء في دار الدنيا، لأنه فرع التكليف، ودار التكليف لا تكون دار الجزاء، لأن مشاهدته مانعة من التكليف. انتهى.
وإلى بمعنى اللام، كقوله: {إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيه} [آل عِمْرَان: 9]، أي: في اليوم، أو في الجمع.
{الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} أي: بتضييع رأس مالهم، وهو الفطرة الأصلية، والعقل السليم، والاستعداد القريب الحاصل من مشاهدة الرسول عليه الصلاة والسلام، واستماع الوحي، وغير ذلك من آثار الرحمة.
{فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} أي: لا يصدقون بالمعاد، ولا يخافون شر ذلك اليوم.
قال أبو السعود: والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط، والإشعار بأن عدم إيمانهم بسبب خسرانهم، فإن إبطال العقل باتباع الحواس، والانهماك في التقليد، وإغفال النظر، أدى بهم إلى الإصرار على الكفر، والامتناع من الإيمان. والجملة تذييل مسوق من جهته تعالى، لتقبيح حالهم، غير داخل تحت الأمر.
تنبيه:
رُوي في معنى هذه الآية عن أبي هريرة: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله الخلق كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي تغلب غضبي»- رواه الشيخان-
وفي البخاريّ: «إن كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق: إن رحمتي سبقت غضبي، فهو مكتوب عنده، فهو العرش».
وفي رواية لهما: «أن الله لما خلق الخلق».
وعند مسلم: «لما قضى الله الخلق، كتب في كتاب كتبه على نفسه، فهو موضوع عنده». زاد البخاريّ: «على العرش». ثم اتفقا: «إن رحمتي تغلب غضبي».
وسنذكر، إن شاء الله، شذرة من أحاديث الرحمة عند آية: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} قريباً. قال أبو السعود: ومعنى سبق الرحمة وغلبتها أنها أقدم تعلقاً بالخلق، وأكثر وصولاً إليهم مع أنها من مقتضيات الذات المفيضة للخير.

.تفسير الآية رقم (13):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [13].
{وَلَهُ} أي: ولله عز وجل {مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} أي: ما استقر وحلّ، من السكنى بمعنى الحلول. كقوله تعالى: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [إبراهيم: 45]. والمعنى: له تعالى كل ما حصل في الليل والنهار، مما طلعت عليه الشمس أو غربت. شبه الاستقرار بالزمان، بالاستقرار في المكان، فاستعمل استعماله فيه. أو سكن من السكون، مقابل الحركة. أي: ما سكن فيهما وما تحرك، فاكتفى بأحد الضدين عن الآخر، كما في قوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَر} [النحل: 81]. لأن ذلك يعرف بالقرينة. وعليه، فإنما اكتفى بالسكون عن ضده دون العكس. لأن السكون أكثر وجوداً، والنعمة فيه أكثر.
قال بعضهم: لا حاجة لدعوى الاكتفاء، فإنما سكن يعم جميع المخلوقات، إذ ليس شيء منها غير متصف بالسكون، حتى المتحرك، حال حركته، على ما حقق في الكلام: من أن تفاوت الحركات بالسرعة والبطء لقلة السكنات المتخللة وكثرتها.
لطيفة:
قال أبو مسلم الأصفهانيّ: ذكر تعالى في الآية الأولى السماوات والأرض، إذ لا مكان سواهما. وفي هذه الآية ذكر الليل والنهار، إذ لا زمان سواهما، فالزمان والمكان ظرفان للمحدثات، فأخبر سبحانه أنه مالك للمكان والمكانيات، ومالك للزمان والزمانيات. وهذا بيان في غاية الجلالة.
وقال الرازي: هاهنا دقيقة أخرى. وهو أن الابتداء وقع بذكر المكان والمكانيات، ثم ذكر عقيبه الزمان والزمانيات، وذلك لأن المكان والمكانيات أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان والزمانيات، لدقائق مذكورة في العقليات الصرفة. والتعليم الكامل هو الذي يبدأ فيه بالأظهر فالأظهر مترقياً إلى الأخفى فالأخفى، وهذا من سر نظم الآية مع ما قبلها.
{وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} يسمع كل مسموع، ويعلم كل معلوم، فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه المَلَوَان.

.تفسير الآية رقم (14):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ} [14].
{قُلْ} أي: لكفار مكة المبكَّتين بما تقدم: {أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً} أي: معبوداً. كقوله تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ}. والمعنى: لا أتخذ ولياً إلا الله وحده {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}. أي: خالقهما ومبدعهما على غير مثال سبق. بالجر، صفة للجلالة، موكدة للإنكار {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ} أي: يَرْزُق ولا يُرْزَق، أي: المنافع كلها من عنده، ولا يجوز عليه الانتفاع. أي: فيجب اتخاذه وليّاً ليُعبد شكراً على إنعامه، وكفايته الحوائج بلا طلب عوض. قيل: المراد بالطعم الرزق، بمعناه اللغويّ. وهو كل ما يُنتفع به، بدليل وقوعه مقابلاً له في قوله تعالى: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 57]. فعبر بالخاص عن العام مجازاً، لأنه أعظمه وأكثره، لشدة الحاجة إليه. واكتفى به عن العام، لأنه يعلم، من نفي ذلك، نفي ما سواه.
{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ} أي: وجهه لله مخلصاً له، لأصير متبوعاً للباقين. كقوله: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 163]. وكقول موسى: {سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143].
{وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أي: وقيل لي: {وَلا تَكُونَنَّ}. فهو معطوف على: {أُمِرْتُ} بمعنى: أُمرت بالإسلام، ونُهيت عن الشرك صريحاً مؤكداً، بعد النهي في ضمن الأمر. ونهي المتبوع نهي التابعين. ويجوز عطفه على: {قُلْ}. وفي الآية إرشاد إلى أن كل آمر ينبغي أن يكون عاملاً بما أمر به. لأنه مقتداهم. قيل: هذه الآية للتحريض، كما يأمر الملك رعيته بأمر، ثم يقول: وأنا أول من يفعل ذلك، ليحملهم على الامتثال.

.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [15].
{قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي} أي: بمخالفة أمره ونهيه أي: عصيان. فيدخل فيه ما ذكر دخولاً أوليًّا {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} يعني: عذاب يوم القيامة، الذي تظهر فيه عظمة القهر الإلهيّ. وفي الآية مبالغة أخرى في قطع أطماعهم، وتعرض لهم بأنهم عصاة مستوجبون للعذاب العظيم. ووجه التعريض إسناد ما هو معلوم الانتفاء، بـ: {إنْ} التي تفيد الشك تعريضاً. وجيء بالماضي إبرازاً له في صورة الحاصل على سبيل الفرض، تعريضاً بمن صدر عنهم ذلك. وحيث كان تعريضاً لهم، والمراد تخويفهم إذا صدر منهم ذلك- لم يكن فيه دلالة على أنه يخاف هو صلى الله عليه وسلم على نفسه المعصية، مع أنه معصوم. كما لا يتوهم مثله في قوله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65]. وحينئذ فلا حاجة إلى ما أجيب عن ظاهر دلالته على ما ذكر، بأن الخوف تعلق بالعصيان الممتنع الوقوع امنتاعاً عاديّاً، فلا يدل إلا على أنه يخاف لو صدر عنه العصيان. وهذا لا يدل على حصول الخوف.
قال بعضهم: لا يقال على تقدير العصيان، يكون الجواب هو استحقاق العذاب، لا الخوف. لأنا نقول: لا منافاة بينهما. فالخوف إما على حقيقته، أو كناية عن الاستحقاق. انتهى.

.تفسير الآية رقم (16):

القول في تأويل قوله تعالى: {مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ} [16].
{مَنْ يُصْرَفْ} بالبناء للمفعول، أي: العذاب {عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَد رَحِمَهُ} أي: نجاه وأنعم عليه، أو أدخله الجنة، لقوله: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ} [آل عِمْرَان: 185] وقوله تعالى: {يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ} [الشورى: 8]. والجملة مستأنفة، مؤكد لتهويل العذاب.
{وَذَلِكَ} أي: الصرف أو الرحمة {الْفَوْزُ الْمُبِينُ} أي: الظاهر.
ثم ذكر تعالى دليلاً آخر، في أنه لا يجوز للعاقل أن يتخذ ولياً غير الله تعالى، بقوله:

.تفسير الآية رقم (17):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ} [17].
{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ} أي: ببلية، كفقر ومرض ونحوهما. والضر: اسم جامع لما ينال الإنسان من مكروه {فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ} أي: فلا يقدر على دفعه إلا هو وحده {وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ} من عافية ورخاء ونحوهما: والخير: اسم جامع لما ينال الْإِنْسَاْن من محبوب له {فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: ومن جملته ذلك، فيقدر عليه، فيمسك به، ويحفظه عليك من غير أن يقدر على دفعه أو رفعه أحد. كقوله تعالى: {فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس: 107]، وكقوله سبحانه: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [فاطر: 2].
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم! لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد».
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: كنت خلف النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: «يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى عليك. رفعت الأقلام وجفت الصحف»- رواه الترمذيّ- وقال: حسنن صحيح.