فصل: تفسير الآية رقم (18):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (18):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [18].
{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} أي: هو الغالب بقدرته، المستعلي فوق عباده، يدبر أمرهم بما يريد، فيقع في ذلك ما يشق عليهم ويثقل ويغم ويحزن، فلا يستطيع أحد منهم ردّ تدبيره، والخروج من تحت قهره وتقديره.
قال أبو البقاء: في فوقَ وجهان:
أحدهما- في موضع نصب على الحال من الضمير في القاهر أي: مستعلياً وغالباً.
والثاني- في موضع رفع على أنه بدل من القاهر أو خبر ثان.

.تفسير الآية رقم (19):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أي شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} [19].
{قُلْ أي شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} أي: بحيث لا يمكن معارضته بما يساويه: {قُلِ اللَّهُ} أي: أكبر شهادة، إذ لا احتمال لطروّ الكذب في خبره أصلاً، جل شأنه. وأمرُه صلى الله عليه وسلم بأن يتولى الجواب بنفسه، إما للإيذان بتعينه، وعدم قدرتهم على أن يجيبوا بغيره، أو لأنهم ربما يتلعثمون فيه، لا لترددهم في أنه تعالى أكبر من كل شيء، بل في كونه شهيداً في هذا الشأن.
وقوله تعالى: {شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} خبر لمحذوف، أو خبر عن لفظ الجلالة. ودل على جواب أي: من طريق المعنى، لأنه إذا كان تعالى هو الشهيد بينه وبينهم، كان أكبر شيء شهادة، شهيداً له. فيكون من الأسلوب الحكيم، لأنه عدل عن الجواب المتبادر- إليه، ليدل على أن أكبر شهادة شهيد للرسول، فإن الله أكبر شيء شهادة، والله شهيد له، فينتج الأكبر شهادة له. والقياس المذكور من الشكل الثالث، لأن الحد الأوسط موضوع في المقدمتين، لا من الثاني، كما وقع للشهاب في العناية وهو من بديهيات الميزان.
قال بعضهم: الغرض من السؤال بـ: {أي شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً} أن شاهدي أكبر شهادة. فقوله: {شَهِيدٌ} إلخ تنصيص له، والسؤال المذكور لا يحتاج إلى جواب، لكونه معلوماً بيّناً عند الخصم، فحاصله أن الله الذي هو أكبر شهادة، شهر بذلك. انتهى.
ومعنى {شَهِيدٌ} مبالغ في الشهادة على نبوتي، بحيث يقطع النزاع بيني وبينكم، إذ شهد سبحانه بالقول في الكتب التي أنزلها على الأولين، وبالفعل فيما ظهر على يديّ من المعجزات، لاسيما معجزة القرآن، كما قال تعالى: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ} أي: الجامع للعلوم التي يحتاج إليها في المعارف والشرائع، في ألفاظ يسيرة، في أقصى مراتب الحسن والبلاغة، معجزة شاهدة بصحة رسالتي، لأنكم أنتم الفصحاء والبلغاء، وقد عجزتم عن معارضته: {لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ} أي: بما فيه من الوعيد {وَمَنْ بَلَغَ} عطف على ضمير المخاطبين، أي: لأنذركم به، يا أهل مكة! وسائر من بلغه من الناس كافة، فهو نذير لكل من بلغه، كقوله تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: 17].
{أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى} تقرير لهم مع إنكار واستبعادٍ.
{قُلْ لا أَشْهَدُ} بما تشهدون {قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} أي: بل أشهد أن لا إله إلا هو، لا يُشارَك في إلهيته، ولا في صفات كماله: {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ} يعني: الأصنام.
وفي هذه الآية.
مسائل:
الأولى- استدل الجمهور بقوله تعالى: {قُلِ اللّهُ} في جواب: {أي شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً} على جواز إطلاق الشيء عليه تعالى. وكذا بقوله سبحانه وتعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَه} [القصص: 88]. فإن المستثنى يجب أن يدخل تحت المستثنى منه، وذلك لأن الشيء أعم العام- كما قال سيبويه- لوقوعه على كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، واختار الزمخشري شموله حتى للمستحيل. وصرح كثير من المحققين بأنه يختص بالموجود، وضعفوا من أطلقه على المعدوم، بأنه محجوج بعدم استعمال العرب ذلك، كما علم باستقراء كلامهم، وبنحو {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}، إذ المعدوم لا يتصف بالهلاك، وبنحو: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} [الإسراء: 44]. إذ المعدوم لا يتصور منه التسبيح.
قال الناصر في الانتصاف: هذه المسألة معدودة من علم الكلام باعتبار مّا، وأما هذا البحث فلغويّ، والتحاكم فيه لأهل اللغة. وظاهر قولهم: غضبت من لاشيء.
إذا رأى غير شيء ظنه رجلا

أن الشيء لا ينطلق إلا على الموجود، إذ لو كان الشيء كل ما يصح أن يعلم عدماً كان أو وجوداً، أو ممكناً أو مستحيلاً، لما صدق على أمرٍ مّا أنه ليس بشيء، والأمر في ذلك قريب. انتهى.
هذا، وتمسك مَنْ منع إطلاقه عليه تعالى قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف: 180]، والاسم إنما يحسن لحسن مسماه، وهو أن يدل على صفة من صفات الكمال، ونعت من نعوت الجلال. ولفظ الشيء أعم الأشياء، فيكون مسماه حاصلاً في أحسن الأشياء وفي أرذلها. ومتى كان كذلك، لم يكن المسمى بهذا اللفظ صفة من صفات الكمال، فوجب أن لا نجوز دعوة الله بهذا الاسم، لأنه ليس من الأسماء الحسنى، وقد أمر تعالى بأن يدعى بها. وأجيب: بأن كونه ليس من الأسماء الحسنى، لكونها توقيفية، وكونه لا يُدعى به لعدم وروده- لا ينافي شموله للذات العلية، شمول العام. والمراد بإطلاقه عليه تعالى فيما تقدم شموله، لا تسميته به. وبالجملة، فلا يلزم أن كونه ليس من الأسماء الحسنى، أن لا يشمل الذات المقدسة شمولاً كلياً، كيف؟ وهو الموضوعات العامة. والتحاكم للغويين في ذلك- كما قدمنا-.
الثانية- ما أسلفناه من أن المعني بالشهادة هو شهادته تعالى في ثبوت النبوة له صلى الله عليه وسلم، هو الذي جنح إليه الأكثر. وكأن مشركي مكة طلبوا منه صلى الله عليه وسلم شاهداً على نبوته. فقيل لهم: أكبر شيءٍ شهادة هو الله تعالى، وقد شهد لي بالنبوة، لأنه أوحى إليّ هذا القرآن، وتحدّاكم بمعارضته، فعجزتم، وأنتم أنتم في مقام البلاغة. وإذ كان معجزاً، كان إظهاره تعالى إياه على وفق دعواي، شهادةً منه على صدقي في النبوة.
ولبعضهم وجه آخر، وهو أن المعني، شهادته تعالى في ثبوت وحدانيته، وتنزهه عن الأنداد والأشباه. ويرشحه تتمة الآية، وهو قوله: {أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ} الخ، وقوله: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [آل عِمْرَان: 18]. وقوله تعالى: {فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ} [الأنعام: 150]. مما يدل على أن الشهادة إنما عنى بها، في موارد التنزيل، ثبوت الوحدانية، والقرآن يفسر بعضه بعضاً- والله أعلم-.
الثالثة- إنما اقتصر على الإنذار في قوله: {لأُنذِرَكُم بِهِ} لكون الخطاب مع كفار مكة، وليس فيهم من يُبشَّر. أو اكتفى به عن ذكر البشارة على حدّ: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81].
الرابعة- استدل بقوله تعالى: {لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ} على أنه صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الناس كافة، وإلى الجن.
الخامسة- استدل به أيضاً على أن أحكام القرآن تعمّ الموجودين يوم نزوله ومن سيوجد بعدُ إلى يوم القيامة، خلا أن ذلك بطريق العبارة في الكل- عند الحنابلة- وبالإجماع عندنا في غير الموجودين، وفي غير المكلفين يومئذ- أفاده أبو السعود-. السادسة- روى ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {وَمَن بَلَغَ}: من بلغه القرآن، فكأنما رأى النبيّ صلى الله عليه وسلم وكلمه. ورواه ابن جرير عنه بلفظ: من بلغه القرآن فقد أبلغه محمد صلى الله عليه وسلم.
وروى عبد الرزاق عن قتادة في هذه الآية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بلغوا عن الله، فمن بلغته آية من كتاب الله، فقد بلغه أمر الله».
وقال الربيع بن أنس: حقٌّ على من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن يدعو كالذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينذر بالذي أنذر.
السابعة- دل قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وقوله: {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} على إثبات التوحيد بأعظم طرق البيان، وأبلغ وجوده التأكيد، لأن إنما تفيد الحصر، والواحد صريح في نفي الشركاء. ثم صرّح بالبراءة عن إثبات الشركاء. وقد استحب الشافعي لمن أسلم بعد إتيانه بالشهادتين، أن يتبرأ من كل دين سوى دين الإسلام، لقوله: {وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ} عقب التصريح بالتوحيد.

.تفسير الآية رقم (20):

القول في تأويل قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [20].
وقوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ} يعني: اليهود والنصارى: {يَعْرِفُونَهُ} أي: يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم بحليته ونعته الثابت في الكتابين: {كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ} بحلاهم ونعوتهم، لا يخفون عليهم، ولا يلتبسون بغيرهم.
قال المهايمي: لأنه صلى الله عليه وسلم ذكر في الكتاب نعته. وهو، وإن لم يفد تعينُّه باللون والشكل والزمان والمكان، تعيّن بقرائن المعجزات. فبقاء الاحتمال البعيد فيه، كبقائه في الولد، بأنه يمكن أن يكون غير ما ولدته امرأته، أو يكون من الفجور، مع دلالة القرائن على براءتها من التزوير والفجور. فهو، كما يعرفون أبناءهم في ارتفاع الاحتمال البعيد بالقرائن على براءتها.
قال الزمخشري: وهذا استشهاد لأهل الكتاب، وبصحة نبوّته. ثم بيّن تعالى أن إنكاره خسران لما عرفوه، ولما أمروا بالتدين به بقوله: {الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ} أي: من المشركين: {فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} أي: بهذا الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء، وتوّهت به، لأنه مطبوع على قلوبهم.

.تفسير الآية رقم (21):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [21].
{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً} كقولهم: الملائكة بنات الله [الأنعام: 100]، وهؤلاء شفعاؤنا عند الله. قال الله تعالى: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: 28].
{أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} أي: القرآن والمعجزات، حيث سموها سحراً. وإنما ذكر: {أَوْ} مع أنهم جمعوا بين الأمرين، تنبيهاً على أن كلا منهما وحده بالغ غاية الإفراط في الظلم على النفس. فكيف؟ وهم وقد جمعوا بينهما، فأثبتوا ما نفاه الله تعالى، ونفوا ما أثبته.
{إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} أي: لا ينجون من مكروه، ولا يفوزون بمطلوب. وإذا كان حال الظالمين هذا، فكيف بمن لا أحد أظلم منه؟
تنبيه:
ما ذكرناه من كون الموصول كناية عن المشركين هو الظاهر، لأن السورة مكية، والخطاب مع مشركي أهلها. وجعله البيضاويّ لهم، ولأهل الكتاب، وقوفاً مع عموم اللفظ، والمهايمي؛ لأهل الكتاب خاصة، ربطاً للآية بما قبلها. والظاهر الأول، لما قلنا. وعبارة المهايمي: {الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ} بتفويت ما أوتوا من الكتاب، وما أمروا به، فهم لا يؤمنون. وكيف لا يحسرون، وهم ظالمون، وكل ظالم خاسر؟ وإنما قلنا: إنهم ظالمون، لأنهم يحرفون كتاب الله لفظاً أو معنى، فيفترون على الله الكذب، ويكذبون آيات الله من كتابهم، ومعجزات محمد صلى الله عليه وسلم وكتابه. وقد يسترون بعض ما في كتابهم، وهو أيضاً تكذيب. فعلوا جميع ذلك لأنه لا يتأتى لهم ترك الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم بدون أحد هذه الأمور.
وقال في قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ} الآية: لأنهم بالتحريف يدّعون إلهية أنفسهم، وبالتكذيب يريدون تعجيز الله عن تصديقه الرسل، وينسبون إيجادها إلى غير الله، مع افتقارها إلى القدرة الكاملة. وإنما قلنا: كل ظالم خاسر، لأن كل ظالم لا يفلح. كما قال تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} أي: لا يفلحون في الدنيا بانقطاع الحجة عنهم، وظهور المسلمين عليهم، وفيه إشارة إلى أن مدعي الرسالة، لو كان كاذباً كان مفترياً على الله، فلا يكون مفلحاً، فلا يكون سبباً لصلاح العالم، ولا محلاً لظهور المعجزات. انتهى.

.تفسير الآية رقم (22):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَيْنَ شُرَكَاؤكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [22].
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ} أي: الإنس والجن والشياطين. منصوب بمضمر تهويلاً للأمر {جَمِيعاً} ليفتضح من لا يفلح من الظالمين مزيد افتضاح، ويظهر المفلحون بكمال الإعزاز.
{ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا} أي: مضوا على الشرك، بأن ماتوا عليه، وهم الشاهدون أن مع الله آلهة أخرى: {أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ} أي: الذي جعلتموهم شركاءنا، وهم شركاؤكم في العبودية- كذا قاله المهايمي- وعليه، فالإضافة على بابها.
وفي العناية: الإضافة فيه لأدنى ملابسه، كما شار إليه القاضي بقوله: أي: آلهتكم التي جعلتموها شركاء الله، لأنه لا شركة بينهم، وإنما سموهم شركاء، فلهذه الملابسة أضيفوا إليهم.
قيل: قوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ} يقتضي حضورهم معهم في المحشر، و{أين} يسأل بها عن غير الحاضر؟ أجيب بأنه بتقدير مضاف. أي: أين نفعهم وشفاعتهم، أو أنهم بمنزلة الغيَّب، لعدم ما رجوا منهم من الشفاعة. وعلى كلٍّ، فالقصد من السؤال توبيخهم وتقريعهم، وأن يقرر في نفوسهم أن ما كانوا يرجونه مأيوس منه. وذلك تنبيه لهم في دار الدنيا على فساد هذه الطريقة.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} أي: تزعمونها شركاء من عند أنفسكم. أي: فقصدتم بذلك فعل الفاتنين في المملكة بجعلها لغير من هي له.